الفصل الثامن : أهو الحب؟

في الصباح التالي , خرجت بيترا الى الشرفة الأمامية لتجد دايفيد ونيل هناك بثيابهما الرياضية , وقف نيل من مقعده ليجلسها معهما الى الطاولة, فجلست بينهما تواجه الحديقة .
قال لها دايفيد:
- حسناً, ما رأيك باليوم بيترا؟
- يوم احد آخر , لايمكن ان يبقى الكثير لك من امثاله.
- لا, لكن ايام الآحاد في كندا لا بأس بها حين تشرق الشمس , بعدها سأسافر الى اوروبا لقضاء فترة طويلة. يبدو حول عينيك بعض الفراغ.
- اللوم على النور الساطع انه لا يناسب المرأة في الصباح الباكر .
وارتشفت عصير الفاكهة الطازجة , ثم قالت :
- لو حصل المزيد من المطر لوجدت التجوال صعباً يا دايفيد.

- كنا نقول نفس الشيء قبل ان تصلي .
اكملت حديثها مع دايفيد دون ان تلتفت الى نيل:
- لقد قلت بنفسك انك مهتم بأن تستكشف قدر استطاعتك .منتديات ليلاس
خرج غوميز ساعتها مع طبق كبير من البيض المقلي مع اللحم, وضعه امام نيل, وتبعه جو بالخبز المحمص والزبدة .
فقالت بيترا :
- خبز محمص لي فقط , ارجوك.
نظر اليها نيل متساءلاً:
- الديك صداع ؟
- لا, لكنني لست جائعة.ريحانة
- ألن تاخذي بيضة واحدة مع التوست ؟
- لا, شكراً , هل اصب لكما القهوة ؟.
لكنه اصر :
- لماذا لست جائعة؟
- لا تجعل للأمر اهمية ارجوك, سأعوض وقت الغداء.
لهجته كانت حادة , لكنه لم يتابع الموضوع, ولم يتناولوا الحديث وهم يأكلون , وشربت بيترا قهوتها وهي تنظر الى الأزهار , وتبادر الى ذهنها ان معظم هذه الوجبات الحميمة مع نيل لم تعد حميمة اطلاقاً , بل إنها اخذت تحس انها مجرد معرفة حديثة له في مزرعة هي ضيفة فيها .
دفع نيل طبقه بعيداً واسند مرفقه الى الطاولة .
- الطبيعة هنا أقل فجاجة من امكنة اخرى, وكنت افكر بأنني احتاج الى رحلة صغيرة , فما رأيكما برحلة الى الامازون , لكن إلى مكان ابعد مما وصلتما اليه .
سأله دايفيد بسخرية:
- اتظن هيلين تتحمل الرحلة؟
- اظن قادرة, فهي تبقى في الفراش لأنني أصرّ على هذا . لكن ايامها تتحول الى الحيوية أكثر , ورحلة كهذه لن تكون شاقة على أي احد منا . سنستعير مقطورة المايجور حيث ستنام الفتاتان بارتياح فيها , وبضعة ليال تحت الخيمة لن تضرك دايفيد.
- في حينها فقط , اما فيما بعد فستبدو مغامرة رائعة.
سألت بيترا بصوت منخفض :
- اتحسباني ضمن الفريق ؟
رد نيل :منتديات ليلاس
- طبعاً.
- لكنك تعلم انني لا استطيع الذهاب معكم.ريحانة
- كنت اعرف انني سألقى معارضة منك, انت بحاجة لفترة راحة. أكثر من أي واحد منا, وغياب اسبوع سيفيدك .
- بامكانك ان تجد من يحل مكاني . افضل ان ابقى مع تشارلز , ثم انني انتظر رسالة من امي .
- وفكرت بهذا كذلك , واعطيت تشارلز لائحة بأماكن فيها مركز برقيات يستطيع الاتصال بنا, ولن تتهربي بيترا .
لم يكمل نيل متابعة الموضوع , وترك الجميع الطاولة لتذهب بيترا لترتب غرفتها , بإمكانها الآن فهم سبب لهفة هيلين للتخلص من دايفيد , فهو لم يعد يريدها, بل ربما يسعى لانتقام صغير, وهو لم يمانع في السخرية حين ذكر اسمها. وهو يعرف تماماً كم تكره وجوده , لكنها في مثل ههذه الرحلة لن تستطع التهرب منه.

كان الوقت يقارب الظهر حين عادت من زيارة للكوخ , وبدا لها ان زائرين قد حضرا للعب التنس , ومن مكانها في الممر شاهدت دايفيد وهيلين يلاعبان زوجين آخرين , وكانت هيلين بدون ادنى شك تبرز عودة العافية لها .
في غرفة الجلوس , التي اسدل غوميز ستائرها , جلست في العتمة تمدد ساقيها , فاستولى عليها نعاس, تذكرت فيه السنتين اللتين قضتهما هنا مع تشارلز وكأنهما حدثا في حياة اخرى . كل شيء كان كاملاً , رائع جدا, لكنها الآن تدرك انه بدا لها مكتملاً.
لمسة مخملية ناعمة باردة على يدها جعلتها تستقيم وتسحب قدميها من امامها , والتقطت غصن البرتقال المليء بالعطر على حجرها ورفعت نظرها الى نيل الذي قال :
- إذن قررت ان تلعبي الدور الصعب , وان لا تستسلمي لما اريد في أي شيء اريد دون مقاومة ؟
لمست البتلة الصفراء داخل الزهرة البيضاء في غصن البرتقال بنعومة وسألت :
- عما تتكلم الآن ؟
- تعرفين جيداً, ذهبت لرؤية المايجور, قال إنه ينظف المقطورة كي تكون جاهزة لأخذها في الغد , ويمكننا ان نبدأ الرحلة يوم الثلاثاء.منتديات ليلاس
اجابت واصابعها لا تزال تتلاعب بالبتلة الصفراء:
- أيمكن ان اسألك شيئاً؟ أتترك لأحد مجالاً ان يدفعك الى شيء لا تريده؟ انا واثقة انك لن تقبل , وفي طرق كثيرة , انت عنيد سيد سينكلير.
جلست على حافة الطاولة , ونظر اليها عبر عينين ضيقتين :
- في المرة القادمة التي تناديني فيها بالسيد سينكلير , سأجعلك تندمين. صحيح انه ليس السلاح الحاد الوحيد الذي امامك, لكنك تعرفين جيداً كيف تستخدميه , اما بالنسبة لدفعك الى شيء لا تريدينه, فأنا أتساءل؟ أيمكن ان تتحملي التفكير بأن هيلين قادرة على فعل مايرضيها مع دايفيد؟
- ألهذا تريدني ان اذهب , كي اشغل دايفيد عنها؟
- حسناً, اديري الواقع كما شئت , لكنه يبقى انني خططت لهذه الرحلة لأجلك أكثر من أي منهما , صحيح ان لدايفيد اهتمام بالمناظر المحلية لكنه لا يهتم البتة لو لم يذهب . وهيلين قد تكون متحمسة للفكرة , لكنها لن تحس بالبلاد كما تحسين بها انت.
- أليس من الغريب ان تفكر بقليل من التمتع لي؟
بدا عليه السخط :
- الن يدخل في دماغك ابداً انني إنساني بقدر ما انت انسانية ؟ ثم ألم يبدر الى ذهنك ان هناك اشياء غير هذه فعلتها لك , لمجرد سعادتي لأن افعلها ؟ الكوخ لأخيك مثلاً؟

- اجل , اعرف , وانا آسفة .
- لا تظهري لي الامتنان, فلا اطيق هذا , كوني طبيعية مرة بعد اخرى.
- ليس هنا ماهو غير طبيعي حول عدم رغبتي في الذهاب معكم.
- اوه, بل هناك الكثير , لو ان احد اصدقاءك الشبان اقترح مثل هذه الرحلة , فستحركين الأرض لتتمكني من الذهاب , ويمكن ان اقول لو ان دايفيد دعاك , فلن تعترضي.
كانت حملته الأخيرة لإثارتها , فسحقت بين اصابعها إحدى الزهرات , وردت ساخطة:
- ليس من المهم ان اذهب او لا اذهب .
- لكنه مهم لي , فلو رفضت الذهاب سألغي الفكرة كلها.منتديات ليلاس
وتذكرت شيئا , فقالت :
- لمحت مرة ان رحلة مثل هذه ستبلور اموراً كثيرة لنا جميعاً.
رد ساخراً:
- وهل قلت هذا ؟ لابد انني كنت مجنوناً .
وقفت , لتبتعد عنه , فقال لها :
- لا تقلقي , فعناقي لك ذلك اليوم كانت تجربة لن اكررها.
ساد صمت قصير , ثم قطع المسافة القليلة التي تفصلهما , واكمل حديثه بلهجة اكثر خفة:
- فلنترك هذه الأفكار المكتسبة , ونقرر ان نمضي وقتاً ممتعاً , هيلين ودايفيد رفيقان جيدان , فلنعد بعضنا باسبوع من المرح , ولو السطحي , وانت تحتاجين لهذا بيترا , ولتساعدني السماء, فأنا كذلك احتاج لهذه الفرصة! مارأيك؟
التغيير فيه جلب بعض الوخز لضميرها , لم ترد عليه فوراً , وحين استطاعت ان ترد, سمعا صوت ضحك في الشرفة , ودخل لاعبو التنس الأربعة, وقالت هيلين بعد ان رمت مضربها على كرسي:
- عدت إذن نيل ! كان اللعب رائعاً.
- عظيم , لابد انكم عطشى.
والتفت الى الزائرين :
- ستبقيان للغداء بالطبع؟
شكراه وقبلا العودة , واحضر دايفيد الشراب للجميع, مع ابريق ماء بارد , واخذت نظرة هيلين الخبيثة تنتقل من نيل الى بيترا , وسألت :منتديات ليلاس
- هل عدت منذ مدة حبيبي؟
-لا, رتبت كل شيء مع المايجور , وسنبدأ الرحلة يوم الرحلة يوم الثلاثاء.
رفع دايفيد رأسه وقال مبتسماً :
- إذن لقد اذعنت بيترا , هذا عظيم!
رد نيل بهدوء :
- رأيها ان بإمكاننا الذهاب دونها , لكنها اعادت النظر الآن .

التفت إليها :
- لماذا لا تخبري غوميز ان هناك ضيفان للغداء يا صغيرتي؟
تقبلت بيترا هذا بامتنان , واحست انها كالمحارب الخائف الذي هزم بشرف في معركة. واخبرت غوميز عن الضيفين . ثم دخلت الحمام لتنظر الى المرآة الصريحة ابدا. ورفعت اصابعها الى خدها, ففاحت من يدها رائحة زهر الليمون الحر المر, لو ان نيل ينوي التعاون والمساعدة, فلا بأس ان تدخل في جو الرحلة. وعلمت فوراً بعد قبولها , كم كانت تتوق للبقاء بقربه لماتبقى لها من وقت هنا.ريحانة
اجتياز الحدود من بلد الى آخر, يحدث دائماً خيبة امل . فالمسافر عادة يتوقع ان يرى تبايناً حاداً. تغييراً في السماء والأشجار , دليل قاطع على انه في بلد مختلف , امثلة صلبة عن طريقة مختلفة للعيش , لكن هاهي البلد الجديدة , مجرد تتابع للقديم , وما امتداد الغابات امامه حتى يرى ان هذا المنظر الى لم يتغير كثيراً عما كان يشاهده كل يوم , واصبح مألوف له عند باب داره .
هيلين , ولعجب بيترا كانت هادئة , تمتع نفسها , كانت ترتدي بنطلوناً قصيراً ابيض, وقميص من الحرير الأزرق , وصندال مصنوع باليد يناسب سهرة في مطعم انيق اكثر مما يناسب هذه المجاهل , حتى انها كانت تضع الدهان الأحمر على اظافرها .
اما بيترا , فقد ارتدت بالطبع بذلة من الكتان الكاكي اللون تحتها قميص ابيض, وفي قدميها حذاء من الجلد المرن, ومن النوع العملي.ريحانة
توقفوا لقضاء الليل في فسحة محضرة بين الاشجار , تذكر نيل وجودها منذ رحلته الأخيرة الى هذه المنطقة , اوقف السيارة بين الاشجار وبقي لحظات هادئاً وراء المقود, ثم قال :
- مضت ستة سنوات لم اقض فيها ليلة في العراء.
وقال دايفيد :
- اما أنا فستكون هذه اول مرة في حياتي .منتديات ليلاس
استدار نيل الى الفتاتين:
- يجب ان نحذر الحشرات المؤذية , أتحسان بالتصلب؟
مدت هيلين ذراعها وابتسمت له :
- قليلاً حبيبي , لكن من الرائع ان تكون هنا.
وقال دايفيد:
- اول ليلة سنشعر بالاستغراب , وكيف تشعرين بيترا؟
- سبق ونمت في مخيم. انا وتشارلز , الهواء هنا كأنه الحليب الساخن.
فتحت الباب ونزلت من السيارة :
- انظروا الى النجوم! وماهذه الرائحة؟
انضم نيل اليها في الخارج:
- إنها رائحة البن , لايمكن ان نكون بعيدين كثيراً عن مزرعة للبن حين يتم تجفيف الثمار . هل اكلت مرة حبوب البن الطازجة بيترا ؟