الفصل الثالث والعشرون

أسرعت بخطواتها تتخطى درجات السلم قفزا وهي تشد على الجاكت الأسود التي ارتدته على عجل ما أن اخبرها عمار انه بالأسفل بعدما أيقظها باتصاله في تلك الساعة المتأخرة من الليل
أوقفها صوت ادهم القلق الذي خرج من المكتب على صوت حركتها في الخارج من متابعة السير نحو باب الفيلا سائلا باهتمام بينما يقترب منها بجزع
" نور ما الأمر عزيزتي ؟ !! لما أنتِ مستيقظة في هذا الوقت والى أين تذهبين ؟ !! "
انجدها ادهم الذي خرج من المكتب لتهرع إليه قلقة مجيبه إياه بتلعثم بينما ضربات قلبها ترتفع في خوف
" عمار بالخارج اتصل بي قبل لحظات واخبرني ذلك "
" ماذا ؟!!! ما الذي حدث ؟! "
هتفت ريتال التي ظهرت أعلى السلالم بجزع وهي تتخطى الدرجات بسرعة لتصل إليهم بعدما جذب انتباها بدورها صوت الجلبة الغريبة التي أحدثتها نور خارج غرفتها
" لا اعرف "
أجابتها نور بقلق وهي تتحرك تلحق بأدهم الذي أسرع في خطوته قلقا من حضور عمار وهو يدعو بداخله الا يكون أصاب العم عزيز مكروها او حدث شيء للعم كمال
لتحكم ريتال لف وشاحها حول وجهها وتلحق بهم وهي تتمتم بخفه
( أستر يا رب )
***
ترجل من السيارة بحرج وهو يلمح أدهم مقبلا عليه بفزع تتبعه كلا من ريتال ونور بملامح قلقة ليتمتم بأسف وهو يقترب منهم
" اعتذر ادهم عن الإزعاج الذي سببته لكم "
" لا تُقل هذا عمار مرحبا بك في اي وقت "
هتف أدهم بترحيب وهو يضمه مرحبا ليسأله بقلق لم يستطع ان يمحوه حتى بعدما رأي ملامح عمار الهادئة نوعا ما
" هل الجميع بخير ؟"
" نعم لا تقلقوا الجميع بخير"
" الحمد لله هيا تفضل للداخل " قال أدهم بثقة ليتلفت لنور مكملا بحزم " نور ادخلي زوجك للداخل " ليكمل موجها الحديث لعمار "أعطني مفاتيح سيارتك لأصفها في مكانها المناسب وتفضل للداخل أنت " ليكمل لستة أوامره بريتال مضيفا برقة " وأنتِ ريتال اطلبي من زينب ان تحضر لعمار الطعام "
" لا داعي ادهم انا لست جائعا "
" انا الأكبر هنا وعليك أن تسمع كلامي هيا جميعكم للداخل وأنا سألحق بكم "
ردد بحده مصطنعه وهو يدفعه بخشونة نحو نور التي همست بخفوت وهي تمسك بكفه وتشد عليه بقوة
" هيا عمار تعالي معي "
شد على يديها بامتنان متمتم بحرج
" اعتذر نور حقا ولكن لم اعرف إلى أين .... "
أوقفته عن المتابعة وهي تهمس برقة بينما تزيح خصلات شعرها خلف أذنها بأسف أورته ببراعة خلف ملامحها الهادئة لأجله دون ان تلح عليه بسؤال يزيد من تعبه
" لا تقل هذا عمار فكما قال ادهم البيت بيتك والجدة ستفرح كثيرا برؤيتك "
ابتسم بمرارة علقت بحلقه هامسا بامتنان حقيقي بينما نظراته ترسل لها أسفه القوي وندمه الشديد لكل ما فات
" شكرا نور "
" على الرحب والسعة "
غمغمت بحنو وهي تنزاح جانبا بكياسة لتجعله يتقدمها في عبور باب المنزل عقب ريتال التي أسرعت في خطاها ناحية المطبخ مردفة بهدوء
" تفضل عمار سيكون الطعام جاهز بعد قليل وأنا من سأعده بنفسي ابتهج اذن "
اتسعت ابتسامته على مزحة ريتال ليتحرك متمتما من جديد بحرج شديد وهو يدخل الصالة
" اعتذر عن إزعاجكم في هذا الوقت حقا "
" لا عليك يا رجل أنت في بيتك "
قال أدهم الذي عاد لتوه من الخارج ليتلفت إليه عمار شاكرا بامتنان
" شكرا أدهم "
" على الرحب والسعة "
قالها بود وهو يربت على كتفه بقوة ليردف متمتما بابتسامة دافئة هونت الكثير على كلاهما
" ارتاح الآن ولا تشغل بالك بأي شيء "
" سأذهب لأعد غرفة الضيوف لعمار فهو يبدو متعب "
رددت نور وهي تنفذ قولها سريعا لتتحرك للداخل تتبعها نظرات عمار النادمة والتي لم يغفل عنها ادهم ليربت على فخده بقوة مغمغما بأخويه صادقة زرعت بينهم في الصغر وتناسوها لسنوات بسبب انتقام لا معنى له
" اتركها على الله وسيحل كل شيء بإذن الله "
****

أظلمت حدقتيه بزرقة داكنة وهو يسند برأسه على زجاج النافذة البارد لغرفة الفندق الذي استأجرها مؤقتا مع فريدة والتي هدأت أخيرا بعد ساعات من البكاء المتواصل منذ ان أحضرها إلى هنا حتى يرتب وضعه في شقته فهو لا يعرف إلى متى سيستمر ذلك الوضع
زفر بضيق جثم على صدره وهو يتأمل حركة المارة التي بدأت في الظهور استعداد لصلاة الفجر في المسجد القريب من هنا ليلتفت إليها في حزن لا يستطيع فعل أي شيء لها ربما يكون اخطأ عندما تمادى معها في مخططها المجنون ذاك ولكنه كان يعرف جيدا ان فريدة لم تكن لتعود في قرارها وكانت ستفعل ما هو أسوء أن كان رفض طلبها
تأملها بشفقه وهي تريح رأسها للخلف بإرهاق على ظهر الركنية التي تجلس عليها وتطبق جفنيها بإجهاد بدا واضحا على ملامحها ولا يلومها عليه فما مرت به كثيرا عليها وكم يتمنى لو يستطيع ضمها إلى صدره ومواساتها ولكنه لا يريد ان يثقل عليها فيكفي ما تشعر به من ذنب لما فعلت
أشفق عليها من جلستها تلك ليتحرك نحوها في رقه وقلبه يذوب ألما لأجلها " فريدة يمكنك أن ترتاحي بالداخل "
همس بحنو نبهها على نفسها لترفع رأسها إليه في صمت دون ان تنبث ببنت شفه بينما هو يردف برقة
" لقد مر الكثير من الوقت وأنت على حالتك تلك "
أطرقت برأسها تحجب دموعها عنه ليمسك كفها برقة متمتما بخفوت مرير
" سيكون كل شيء بخير فريدة أعدك أنني لن أتركك وسأظل بجانبك حتى يهدأ الوضع بينك وبين والديك "
عادت لبكائها ما أن تذكرت منظر والدها وملامح والدتها المنكسرة ليشد على كفها الناعم بقوة وهو يردد بأسف بينما قلبه يئن وجعا عليها
" اهدئي أرجوكِ وارتاحي قليلا وأنا أعدك بأني سأحل الوضع قريبا "
" أبي لن يسامحني "
همست أخيرا بصعوبة بصوت مبحوح بالكاد استطاع سماعه وهي ترفع رأسها إليه في حزن ليهتف بسرعة بقوة حاول ان يمدها ولو بالقليل منها
" سيفعل فريدة لا تقلقي "
لم يستطع رؤيتها اكثر في تلك الحالة لينهض مغمغما وهو يبتلع تلك الغصة التي تخنق صوته
" سأترك لك الغرفة لتأخذي راحتك وسأحضر في الصباح لنذهب لمنزلي "
لم ينتظر ردها ليسرع هاربا بخطواته خارج الغرفة لاعنا نفسه لكل ما حدث فلو لم يظهر في حياتها لكانت تهنأ في عيشها بسلام الآن
***
تتبعه بنظرات حزينة حتى اختفى من أمامها لتسمح لنفسها أن تنهار مجددا لعل دموعها تمحي الكارثة الذي ارتكبتها
كتمت شهقاتها بيديها وهي تبكي بحرقة كل ما فعلت كيف استطاعت فعل ذلك ؟ كيف سمحت لنفسها بأن تؤذي والدها بتلك الطريقة ؟ أن تجرح والدتها وتقتل عنفوان أخيها بتلك القسوة !
على صوت نحيبها وهى ترمي بنفسها على الركنية لترفع قدميها من على الأرض وتضمها إلى صدرها بوضع جنيني ونظرة والدها المنكسرة لا تنفك ألا وتعود لتزيد من وجعها
والدها لن يسامحها مطلقا وعمار لن يقبل بها من جديد ووالدتها لن تغفر لها ابدا ما فعلت والجميع سينبذها ويتركوها بمفردها
ذاقت ملوحة دموعها التي بللت وجنيها لتتذكر جريمتها التي لم تنساها ولن تستطيع ان تفعل لتزيد من بكاؤها في ألم وأكثر ما يوجع قلبها أنها استبدلت والدها ببساطة في عقد الزواج برجل غريب لا تعرفه حتى أنها لا تذكر اسمه فجميع أحداث الساعات الماضية تبدوا مشوشة في عقلها وغير مكتملة عدا نظرات والدها التي تشعر بها كخنجر مسموم في منتصف قلبها
ضمت نفسها أكثر والندم الشديد يأكل قلبها ليعلوا نحيبها الموجع اكثر واكثر وشعور الخزي والعار هو ما يحتل صدارة مشاعرها بلا منازع
****

" هل تريد شيء آخر عمار ؟ "
همست ريتال باهتمام وهي تقف بجانب أدهم لينفي عمار بحرج وهو يتمتم بامتنان صادق
" شكرا ريتال اتعبتك معي "
" لا تقل هذا عمار فأنت أخي "
التفت لأدهم ليعتذر للمرة التي لا يعرف عددها عن ازعاجه لهم في ذلك الوقت وحضوره بدون سابق موعد
" أن قلتها مرة اخرى سأطردك من البيت "
هتف أدهم بتحذير مرح لتتمتم ريتال بحنو وهي تهديه ابتسامه دافئة أضافت القليل من الحياة لملامحها الذابلة التي لم يتنبه لها احد سوا الواقف بجانبها وممسكا بكفها في هدوء
" إن احتجت لأي شيء لا تتردد في طلبه ولنا حديث مطول في الصباح ارتاح الآن ولا تجهد نفسك كثيرا "
أومأ عمار بهدوء لها ليشد ادهم على كفها برقة وهو يهتف قائلا بينما يتحرك مع ريتال
" تصبح على عمار نم جيدا "
تتبعت بنظريها حركة أخيها وزوجته لتسرع بالهرب بدوها وهي تهتف على عجلة من أمرها
" سأتركك أنا أيضا لترتاح.... "
" انتظري نور.. "
همس برجاء موجع تجاهلته مرغمة وهي تتابع سيرها هاتفه بثبات كاذب
"تصبح على خير عمار "
همت بالخروج ليجمدها صوته الأجش المتعب وهي يهمس بنفس النبرة الموجعة
" لقد تزوجت فريدة مساء الأمس "
" مــــاذا ؟! "
استدارت بحده مكذبه قوله ليعيده من جديد بألم اشد وبنظرة منكسرة هزتها بقوة وأخرست قولها
" لقد تزوجت بأنس من دون علمنا الليلة الماضية "
كتمت شقهتها بصدرها الذي خبطت عليه بصدمة لتسقط على اقرب كرسي بجانبها متمتمة بشرود
" يا الهي لماذا فعلت هذا .... ؟!! وماذا فعل والدك ؟ أهو بخير ؟ "
رفع رأسه مستنكرا رد فعلها وقلقها على والده البادي على ملامحها والذي ظهر في صوتها ولكن استنكاره لم يدم طويلا وسرعان ما أزاحه جانبا مجيبا بحزن بات جزءا من عالمه وهو يمسح على وجهه بتعب
" لا اعرف لقد تركت البيت بعد خروجها وظللت أدور في الشوارع حتى حضرت إلى هنا " سكت للحظات ليسترد بتشتت " لا اعرف ما الذي علي فعله او كيف اصلح الوضع ؟ " شد على قبضة يده بغضب تجلى في نظراته المتوجعة وهو يردف بألم " لأول مرة اشعر بالضياع هكذا حتى قبل سنوات عندما اتُهمت ظلما كنت مسيطرا على الوضع ولم اشعر بالتشتت كما الآن "
أشفقت عليه عليه وهي تراه لأول مره في تلك الحالة الغريبة البعيدة كليا عن أناقة عمار المعتادة بشعره المتشعث وملابسه المجعدة والألم الذي يغزو ملامحه وينعكس على حدقتيه بسبب كل ما مر به اليوم من أحداث ومن تلك الكارثة التي سببها فريدة بتهور لا تعرف سببه لتتحرك وتجلس بجانبه برفق متخيله عن خجلها لأجله وهي تشده إليها برقة ليرتاح على كتفها بهدوء ، مسحت على ظهره بحنو وهي تهمس بنعومة ردت إليه روحه
" هشششش ... أهدأ عمار ولا تفكر بكل شيء وسنجد حلا في الصباح لكل هذا "
شد من ضمها إليه وهو يستنشق رائحتها الدافئة وهمسها الحاني يربت على روحه المتعبة في رفق لتهدأ قليلا وتستكين بين أحضانها كما هو مقدر له
****

" مــاذا ؟ تزوجت بمن ؟!! "
هتف عادل مستنكرا وهو ينهض بحده ارتد على أثرها الكرسي خطوة للخلف بينما السيدة هالة اتسعت حديقتها بصدمة أخفت صوت شهقتها القوية وهي تنظر بتكذيب لأنس الذي اطرق برأسه بأسف متمتما بهدوء محاولا به أن يمتص غضب السيد عادل
" اسمعني ابي "
" اخـــرس .... انا لا اريد ان اسمع صوتك "
صرخ به عادل في غضب وهو يمنع نفسه عن صفعة بقوة بعد كل ما سمعه لتمسك هاله بكفه وهي تهتف بجزع
" اهدأ عادل ودعه يكمل حديثه "
نزع يده بحده ليتلفت إليها هاتفا بغضب اظلم حدقتيه
" أي حديث هذا الذي يكمله ؟ ألا تسمعي ما يقوله هالة ! "
" أبي أرجوك يجب ان تفهمني لم يكن هناك حل آخر " ردد بندم ليردف آسفا وهو ينظر لموضع قدمه غير قادرا على مواجهة اي منهما " فريدة كانت ستفعل اسوء من ذلك ان كنت رفضت "
" ولماذا كان كل هذا انس ؟" سأله والده لائما وهو ينظر اليه بحسرة ليتابع بأسف مماثل ونظره منكسرة هزت انس من الداخل " لما حدث كل هذا من الأول انس ؟ أجبني "
عض على شفتيه بندم وهو يلتزم الصمت بخزي مما فعله فهو لا ينكر خطأه ويعرف حجم الكارثة التي فعلها ليردف عادل بحزن بصوته
" كل هذا من أجل انتقام أحمق تحكم بك وجعلك تتبع خطاه " نظر إليه بوجع مكملا حديثه " انتقام لم استطع ان انزعه منك انس ، فشلت في محوه طول تلك السنوات "
ادار ظهره ليهمس بندم شديد وهو يحاول ان يبرر موقفه ولو قليلا
" ابي اقسم لك الأمر ليس كذلك انا حتى .... "
أسكته عادل وهو يقول ساخرا على عكس الوجع الذي ينهش قلبه كحيوان مفترس انقض على فريسته دون رحمه
" لقد خيبت أملي فيك انس لم أتوقع انك ستفعل شيء كهذا مطلقا "
سكت خجلا من حديث والده القاسي والذي يستحقه فهو من أضاع كل شيء بإتباعه خطوات انتقام أدت به الى التهلكة ليتمتم باعتذار خجول
" اعتذر أبي "
استدار إليه عادل وعلى وجهه ابتسامه حزينة منكسرة ليهمس بهدوء وهو يشير برأه نفيا
" لا داعي للاعتذار انس لا داعي بني " ليردف بصوت مخنوق من تلك الغصة التي استحكمت حلقه " الآن فقط استطيع ان افهم لما حرمني الله من الأولاد فعلى ما يبدوا لم أكن لأصبح أب جيد لهم كما لم أكن لك بني "
تحرك مغادرا ما انا أتم جملته التي أنهت على انس كليا ليمسح على وجهه وهو ينظر لوالدته التي تبكي في صمت هي الأخرى ليتحرك ويجلس بجانبها هامسا بأسف وهو يمسك بكفها ليقبله بحب
" انا أسف ماما أرجوك لا تبكي "
رفعت يديها لتمسح على خده بحنان وهي تهمس بوجع اشد من وجع زوجها وبخيبة اشد
" لطالما حلمت بزواجك وتخيلت سعادتي وقتها بني لطالما كنت انت سبب سعادتي وقوتي في تلك الحياة " لتردف وهي تتأمله بحسره " أنا لا ألومك فهذه حياتك وانت حر في اختيارها ربما انا وعادل ......... "
اختنق صوتها عن المتابعة ليطأطئ رأسه للأسفل بخجل بينما هي أردفت بقوة كاذبة منهيه الحديث في هذا الموضوع بطريقة أوجعته وهي تنهض من جانبه
" مبارك عليك زواجك انس " لتهمس بتهكم ساخر أوجعه " مبارك عليك انتقامك بني "
لحقت بزوجها الذي سبقها تتبعها نظرات انس النادمة لكل ما فعل يا ليته لم يتسرع ولم يخبرهم بتلك الطريقة ، لام نفسه بقسوة وهو ينهض بحده ليخرج من المنزل الذي استقبله طفلا وعاش به لسنوات ابنا محبوب من كلا والديه وكافئهم هو تعب تلك السنوات بفعلته المدمرة تلك
****
انتبهت على انتظام أنفاسه دليلا على استغراقه في النوم الذي رحب به سريعا من التعب على ما يبدو لتريح جسده برفق للخلف وهي تتأمل ملامحه الشاحبة والتي نال منها التعب جزءا كبيرا لتمسح على وجهه بحنو قبل أن ترفع يديها لخصلات شعره الكثيف وتمسح عليها برفق وهي تهمس برقة
" سيكون كل شيء بخير حبيبي .. "
اعترفت لنفسها بسهوله دون المزيد من الإنكار فمنظر عمار وهو في تلك الحالة أوجع قلبها الذي لم يعد قادرا على المجادلة في هذا الأمر اكثر من ذلك فهي تحب عمار ولسنوات ورغم كل ما فعل لها إلا ان قلبها الخائن لم يستطع ان يكرهه بل كان يتعلق به أكثر وأكثر
تأملت ملامحه بحب واعترافه بحبه لها يقويها لفعل المزيد من أجله فهو اصبح كل عالمها وللابد ولن يكون سواه سيدا لقلبها الذي لم يعرف حبيب غيره لسنوات واعتراف أدهم لها بحقيقة الماضي ايضا أزال عنها الغمامة السوداء التي كانت تعصب بها عينيها حتى لا تراه وتضعف من جديد
دثرته جيدا بالغطاء الذي أحضرته قبل أن تهمس بخفوت وبأمل زرعته بداخلها قبل أن تزرعه بداخله
" سيكون كل شيء بخير بإذن الله ... تصبح على خير "
خرجت من الغرفة بحذر حتى لا توقظه دون أن تنتبه لعينه التي فتحها ولا لتلك الابتسامة الدافئة التي زينت ثغره بحب وهو يتأمل رحيلها الصامت قبل ان يرحب بصدق للنوم الذي سحبه لعالمه برحابة صدر مرحبا
****

" أهو بخير ؟!! "
سألها أدهم ما ان تحركت بعيدا عن غرفة الضيوف منبها لمكانة لتلفت إليه بصدمة وحمرة خجل خفيفة لونت وجهها سرعان ما أزاحتها وهي تجيبه بهدوء مخالف لضربات خافقها المرتفعة بينما تقترب منه بخطوات هادئة
" نعم هو بخير لقد نام قليلا "
" هل أخبرك ما به ؟"
حركت رأسها بالإيجاب لتجيب بهدوء لم تخفى منه نبرة حزنها
" نعم و سيخبركم هو بكل شيء في الصباح "
ضمها بحنان اخوي ليهدأ من روعها فبالتأكيد كل ما حدث اقلقها لتريح رأسها على كتفه بتعب تنهدت به وهي تتمتم بإرهاق بكل مخاوفها بشفافية وحزن دون ان تمثل قوة أتعبتها أو تتوارى خلف شتلة أمل ضعيفة لم تصمد لدقائق وسرعان ما انهارت
" الوضع يسوء أخي ولا اعرف كيف سيكون غدا ؟"
مسح على شعرها برفق وهو يحاول ان يطمئنها بهدوء
" كل شيء سيعود كما كان صغيرتي وسيكون أفضل بإذن الله " أردف بحنو وهو يبعدها عنه قليلا ويرجع خصلات شعرها خلف أذنها برقة " هيا عزيزتي اصعدي لترتاحي أنتِ أيضا لقد تعبت كثيرا اليوم "
هزت رأسها موافقة لتتذكر شيء ما لتوها لتقوله بتردد خوفا من ان تقلقه دون داعي
" أدهم صحيح ريتال تبدو متعبه كثيرا وليست بصحة جيدة اعتني بها جيدا أخي فهي ليست على ما يرام "
ابتسم بألم اظلم حدقتيه فهو خير ما يعرف بتعب ريتال وكيف لا وهو جزءا منه ليطمئنها من جديد بكلمات تمنى لو كانت حقيقية
" هي بخير عزيزتي لا تقلقي وسأطمئن عليها بنفسي بعد قليل هيا اصعدي أنتِ الآن وارتاحي ولا تشغلي بالك كثيرا "
" وأنت ألن ترتاح قليلا "
" لدي الكثير من العمل يجب ان انهيه أولا قبل ان اصعد هيا اذهبي أنتِ وكما أخبرتك كل شيء سيكون بخير "
" حسنا تصبح على خير أخي "
قبلت خده برقة لتبتعد منزعجة من حركته المستفزة في بعثرة خصلات شعرها التي تحاول تجميعه من جديد الآن بينما هو يتبع خطواتها بابتسامة سرعان ما توارت خلف وجعه الذي سمح له ان يظهر اخيرا دون خجل وهو يتذكر خطوات الأخرى المتعبة بسبب ما حدث وبسبب حملها أيضا وكم تمنى حملها ليريحها ولكنه يعرف جيدا ان اقترابه منها ممنوع حتى تقرر هي ذلك والله لوحده يعلم ما هو قرارها والذي سيغير حياته بأكملها دون مبالغة
****
" حمد لله على سلامة كارمن أخي "
هتف اسلام بسعادة مبتورة من الحقيقة المفزعة التي عرفها البارحة والتي ألزمته الصمت لساعات مصدوما مقدرا حالتها ليرحم شقيقه من أي أسئلة في الوقت الحالي يعرف انها ربما لا يملك لها أجوبة
" سلمك الله ... انا قلق عليها للغاية وضعها غير مستقر وأعصابها منهارة تماما ولم تتحدث بكلمة حتى تلك اللحظة رغم أنها استعادت وعيها كاملا "
" ليكن الله في عونها أخي ليس سهلا عليها ما عرفت اذا كان انا لا استطيع تقبل الأمر الى الآن "
زفر بضيق وهو يمسح على وجهه وشعره ليتمتم بخفوت " اللهم سترك "
" السيد اسماعيل لا يبدو بخير عرضت عليه ان يذهب ويستريح ولكنه رفض بشده واصر على بقاؤه بجانب كارمن "
قال اسلام بحزن وهو يستريح بجانب شقيقة الذي رفع رأسه حيث يقف السيد إسماعيل ينظر لكارمن من خلف زجاج العناية المركزة برغم أن حمزه اخبره انه يمكن إدخاله اليها لبضع دقائق ولكنه رفض بحرج وتفهم حمزة الأمر ولم يضغط عليه
" ماذا ستقول لأبي وأمي ؟ "
سأله إسلام وهو يجذب انتباهه ليرد حمزة بتشتت ونظره مازال معلقا بالسيد إسماعيل
" لا اعرف ولا اعرف حتى كيف سأقول للسيد عزيز فهو والدها الحقيقي "
" الوضع معقد للغاية أخي ريتال وكارمن أصدقاء منذ فترة وليس من السهل على كل منهما اكتشاف حقيقة الأمر الوضع سيكون صعب للغاية "
ردد اسلام بأسف ليمسح على وجهه بتعب قاسم الشحوب في ملامحه ليغمغم حمزة وهو يدفن وجهه بين كفيه بينما يميل بجسده للأمام قليلا
" ليكون الله في عونهم وليلهمني الصواب حتى أحسن التصرف "
" اللهم امين يا رب " تمتم إسلام ليردف سائلا باهتمام شديد " حسنا ولكن كيف ستتصرف مع كارمن الآن ؟ في ذلك الوضع هي بالتأكيد لن تعود لمنزل والدها ولن تقبل الذهاب معك الى منزلنا " ليبرر موضحا وجهة نظره التي لم تلقى اي من التأيد او الرفض من قبل حمزه " بالتأكيد ستتحسس من ذلك الأمر وهي ليست بحاجه لمزيد من الضغط "