لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات احلام > روايات احلام
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات احلام روايات احلام


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (2) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-05-09, 07:39 AM   المشاركة رقم: 16
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jan 2008
العضوية: 62115
المشاركات: 69
الجنس أنثى
معدل التقييم: عذااابه عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 30

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عذااابه غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : شوق الهيا المنتدى : روايات احلام
افتراضي

 

ثانكيووو يا قمر ع المجهووود .. والله يسعدج دووم ان شاء الله ..:))

 
 

 

عرض البوم صور عذااابه   رد مع اقتباس
قديم 19-05-09, 07:58 AM   المشاركة رقم: 17
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Sep 2008
العضوية: 94465
المشاركات: 457
الجنس أنثى
معدل التقييم: sandy0 عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 24

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
sandy0 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : شوق الهيا المنتدى : روايات احلام
افتراضي

 

باين عليها رواية جميلة جدا

تسلم ايدك اختى

 
 

 

عرض البوم صور sandy0   رد مع اقتباس
قديم 19-05-09, 09:22 AM   المشاركة رقم: 18
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8944
المشاركات: 536
الجنس أنثى
معدل التقييم: نداء الحق عضو على طريق الابداعنداء الحق عضو على طريق الابداعنداء الحق عضو على طريق الابداعنداء الحق عضو على طريق الابداعنداء الحق عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 404

االدولة
البلدIraq
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
نداء الحق غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : شوق الهيا المنتدى : روايات احلام
افتراضي

 

بالانتظار وعاشت الايادي

 
 

 

عرض البوم صور نداء الحق   رد مع اقتباس
قديم 19-05-09, 01:49 PM   المشاركة رقم: 19
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Oct 2006
العضوية: 15297
المشاركات: 43
الجنس أنثى
معدل التقييم: شوق الهيا عضو على طريق الابداعشوق الهيا عضو على طريق الابداعشوق الهيا عضو على طريق الابداعشوق الهيا عضو على طريق الابداعشوق الهيا عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
شوق الهيا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : شوق الهيا المنتدى : روايات احلام
افتراضي

 

ـ اريد الطلاق
دخلت جين الى شقتها ثم توجهت الى الثلاجة مباشرةز لعلها لن تجد فيها ما يؤكل، لكنها تعلم ان ثمة زجاجات صوداز فتحت واحدة منها وشربت مستمتعة ببرودتها، ثم خلعت حذائها من قدميها وسارت الى غرفة الجلوس التي تستعملها كغرفة طعام أيضاز وقفت تجيل نظراتها في أنحاء الغرفة الفسيحة، مستمتعة بالعودة الى بيتها.
هذه الغرفة الفسيحة، مع المطبخ الصغير وغرفة نومها والحمام الملاصق لها، هي بيتها منذ خمس سنوات.
كانت قدألقت بحقيبة ثيابها على أرضية الردهة الصغيرة، وعندما توجهت اليها لتستعيدها، وجدت زر الرسائل يومض. فكرت في أن المتصل هو أمها التي تريد ان تطمئن الى وصولها الى البيت سالمة.
ورغم ان امها تستطيع من دون شك الاطمئنان الى وصول الطائرة الى مطار "هيثرو" الا انها لا تزال بحاجة الى سماع صوت ابنتها جين لمزيد من الاطمئنان.تنهدت جين وضغطت الزر لسماع صوت ابنتها ثم انتظرت الى ان يتعالى صوت أمها.
كان أصدقائها يعلمون انها مسافرة فيحولون اتصالات العمل الى المعرض.ولهذا فوجئت بصوت رجل مألوف يقول:"جين؟أهذا انت؟ارفعي السماعة، رجاء الأمر هام".
ارتمت جين بضعف على المقعد الصغير. فبالرغم من تصميمها على ان لا تدع ديمتري سوفاكيس يعود الى حياتها مرة أخرى، الا انها لم تستطع ان تنكر ان صوته العميق بلكنته فاجأها.
لكن صوته لم يكن هو ما جعله مليونيرا قبل بلوغه الخامسة والعشرين، بل ميراثه أولا ثم قسوته في العمل... تلك القسوة التي انسحبت على حياته الخاصة.
اطلقت زفرة مرتجفة ، وراحت تهدئ خفقات قلبها عندما جاءت الرسالة الثانية " هذا انا يا جين، زوجكز اعرف انك موجودة فلا تجبريني على ان آتي اليك بنفسيز الا يمكننا ان نتعامل كانسانين مهذبين على الاقل؟
يا لهذه الغطرسة في صوته! وافتراضه انها موجودة كلما اراد الاتصال بها...ثم كيف يمكنه ان يسمي نفسه زوجها بينما لم يهتم، خلال السنوات الخمس الماضية، بمعرفة ما اذا كانت حية أو ميتة؟
انغرزت اظافرها في كفيها وحاولت ان تتحكم في الغضب التب تملكها، لكن هذا لم يمنع الذكريات المؤلمة من ان تقضي على نظرتها الواقعية الى علاقتهما وتمزقها إربا إربا..كيف يجرؤ على الاتصال بها الآن وكأن له في الحق في ذلك؟ في سلخته من حياتها.
حسناً.... تقريباً

تنهدت وهي تتذكر لقائها أبيه لأول مرة في المعرض الفني حيث كانت تعمل في لندن. كان ليو سوفاكيس الأب بالغ السحر والتهذيب. فال لها انه يريد شراء تحفة فنية من البرونز ليأخدها معه الى اليونان، قطعة تتلاءم مع القطع ما جمعه على مر السنين.
حينذاك، كانت جين تعمل في المعرض منذ فترة قصيرة فقط،
لكنها ابتدأت تظهر بوادر موهبة مميزة. وجاء تمثال الالهة "ديانا" الانيق اختيارا موفقا منها فتملك ليو سوفاكيس السرور.وكان يناقشان مزايا الخزف الشرقي والبورسلسين عندما ظهر ديميتري سوفاكيس....
هزت جين رأسها. لم تشأ ان تفكر في ذلك الآن. لقد وصلت لتوها من رحلة موفقة للغاية الى استراليا و تايلندا، وما تريده ان هو ان تستلقي في فراشها. لقد قامت برحلة استغرقت ساعات طويلة و توقفت الطائرة بشكل غير متوقع في دبي.
كانت على وشك النهوض، مصممة على عدم الاجابة، عندما انطلقت رسالة ثالثة:"جين؟ هل انت موجودة يا حبيبتي؟ قلت انك ستصلين في الثامنة. الساعة الآن الثامنة والنصف وقد تملكني القلق. اتصلي بي حالما تصلين، انا بالانتظار".
طردت من ذهنها أي اتصالات أخرى وتناولت السماعة وسرعان ما أجابت أمها محاولة ان تضع في صوتها شيئاً من الثقة:" مرحبا ماما آسفة لقلقك. تأخرت الطائرة بعد توقفها في دبي بشكل غير متوقع".
بدا الارتياح في صوت الأم :"آه فهمت هل انت بخير اذن؟هل كانت رحلتك جيدة؟عليك ان تخبريني بكافة التفاصيل على الغداء.
الغداء؟. وكبحت آهة فهي لا تشعر برغبة في تناول الغداء مع أمها اليوم. وقالت تعتذر، عالمة ان أمها لن تقبل أعتذارها:"أنا مرهقة يا ماما، ولا أستطيع ان اقوم بأي عمل قبل ان انام ثماني ساعات".
فقالت الأم مستنكرة:"ثماني ساعات؟ هذا غريب، يا جين أنا لا انام أكثر من أربع ساعات في الليل! ألم تنامي في الطائرة؟"
ـليس كثيرا ، ماذا عن الغداء غدا يا ماما؟ فهذا يمنحني بعض الوقت.
ساد الصمت ثم قالت السيدة لانع: "ام أرك منذ ثلاثة اسابيع، يا جين، وظننتك تريدين ان تري امك، وخصوصاً انك تعرفين انني محتجزة في هذا البيت معظم اليوم".
أرادت جين ان تسألها ذنب من هذا؟ لكنها لم تشأ ان تثير جدلاً بل قالت:" لم لا تطلبين من لوسي ان تتناول الغداء معك؟ انا واثقة من انها سترغب في ذلك".
ـ ولكن اذا جاءت لوسي لتناول الغداء، سيأخد بول وجسيكا في الركض في أنحاء البيت.
ـ انهما حفيداك يا ماما
ـنعم، ولكنهما غير منضبطين
ـ آه، يا ماما....
ـ على كل حال، اذا كنت لا تهتمين بزيارة أمك ، فعلي ان ابحث عن مرافقة وآسفاه، اردت ان اخبرك عمن جاء ازيارتي الأسبوع الماضي.
أتراه ديميتري؟ وسألت امها: "هل جاء أحدهم لزيارتك؟هذا حسن".
فالت الأم غاضبة: "لم يكن حسنا على الاطلاق"
م اضافت بفروغ صبر: "آه أظنه اخبرك بذلك هل هو السبب في ارجاءك زيارتي حتى الغد؟".
حبست جين أنفاسها: "لا! لكنني أظنك تتحدثين عن ديميتري. لقد ترك رسالتين على جهازي الآل لعله ظنك تعرفين مكاني".
ـوأنا أعرفه طبعا.
ـ هل أخبرته؟
ـ قات له انك خارج البلاد. ارجو ان لا تكوني قد توقعت مني ان اكذب يا جين.
تأوهت جين: " لا ، هل قال ماذا يريد مني؟"
ـ كما سبق وقلت لك، اذا أردت ان تسمعي التفاصيل، فعليك ان تنتظري حتي تجدي وقتا لي في برنامجك. انت تعرفبن اني لا أحب ان أتحدث عن أمور الأسرة عبر الهاتف. هل أنتظرك غدا؟
صرفت جين أسنانها لم تشأ ان ذلك بل أملت ان تأخذ قسطاً من الراحة ليومين قبل عودتها الى المعرض. و ها هي تجد نفسها مرغمة على الذهاب لرؤية أمها، ولو لتعرف ما حدث.
سألت أمها وهي تعلم انها ستعشق عرضها: "ما رأيك في تناول العشاء معاً"
كان الخروج مع ابنتها الكبرى هو أحد أفراح حياتها، وقد أصبح هذا نادرا هذه الأيام .عندما كانت تعيش مع دميتيري، راحت أمها تنتظر فشل هذا الزواج. وعندما حصل ذلك تدخلت لتسوي الأمور، رغم أن جين تعلم ان شعورا بالرضا تملكها لأن توقعاتها صحت مرة أخرى.
فكرت قليلا م أجابت: " عشاء؟ تعنين هذه المساء؟
كانت أكثر تعبا من ان تعارضها، فقالت بضعف: "كما تشائين، اتركي لي رسالة عاى المجيب الآلي عندما تقررين"
ـهل هكذا تعاملين أمك؟
لكن السيدة لانغ ادركت ان الوقت حان للتراجع فقالت : " لا بأس بهذه الليلة، يا حبيبتي هل الساعة السابعة منلسبة أو هذا مبكر بالنسبة اليك؟"
فأجابت جين بفتور:"لا بأس بذلك إلى اللقاء يا ماما"
ووضعت السماعة بارتياح، وعندما عاد الهاتف يرن على الفور، رفعت السماعة بحدة، و اذ وجدته اتصالا يسألها عما أذا كانت تحب ان تشتري مطبخا جديدا، وضعت السماعة يعنف.
أدركت بعد فوات الأوان أن المتصل قد يكون ديميتري لكنها عادت ورأت ان ذلك غير ممكن لا شك ان ديميتري في لندن في رحلة عمل وليس لديه الوقت للتفكير في زوجته المهجورة.
ستكون الاخيرة على جدول اعماله كالعادة وتملكتها المرارة اذ لم تجد سبباًيجعلها تظن انه قد تغيّر.
ارجأت فكرة إفراغ الحقيبة ودخلت الحمام لتأخذ حماما سريعا بدت مرهقة وهي تضع حصلة من شعرها العسلي اللون خلف أذنها، وتتأمل نفسها في المرآة متفحصة مدى التغيير الذي طرأ عليها في السنوات الخمس الماضية. رأت خطوطاً خفيفة عند زاوية عينيها لكن بشرتها ما زالت ناعمة كما ازداد وركاها سمنة ما ضايقها لكن صدرها ما زال عامراً صلباً.
لكن من يهتم لذلك؟ فكرت في ذلك وهي تشعر بتعب بالغ تكاد لا تقوى معه على تنشيف جسدها بعد الحمام. عقدت شعرها المبلل بشكل رخو على قمة رأسها ثم اندست تحت الأغطية حتى قلقها مما يريده ديميتري منها لم يستطع ان يبقي عينينها مفتوحين.
أيقظتها رنين الهاتف، أو ما ظنت انه الهاتف، لكن عندما مدت يدها ورفعت السماعة، لم ينقطع الرنين انه جرس الباب. لا بد انه شخص يريد أن يدخل الى احدى الشقق، فأخذ يقرع جرس الشقق كلها حتى يصل الى الشقة التي يريد.
تنهدت وعادت تلقي برأسها على الوسائد ثم نظرت الى الساعة بجانب سريرها كان الوقت يقارب الظهر لقد نامت اقل من أربع ساعات ولكن لا بأس في ذلك.
وشعرت بالحيرة لأنها تحس بالتعب نفسه الذي تشعر به عادة وهي تطير نحو الشرق.
وعاد جرس الباب الى الرنين، فألقت الأغطية جانباً ونزلت من السرير حيث ارتدت عباءة حريرية خضراء، ثن سارت الى الغرفة الجلوس ورفعت السماعة: "نعم؟.

ـ جين، جين أعلم ان هذا انت هل لك انت تفتحي الباب؟.
إنه ديميتري وشعرت بالغثيان. لم تتحرك فهي لم تستطع ذلك. يبدو ان الإحساس بالضياع الذي شعرت به عندما استيقظت، شلّ قدرتها على الكلام. حدث ذلك بسرعة، وهي بحاجة لأن تتمالك نفسها. فكرت من قبل في مواجهة زوجها مرة أخرى، الا أنها افترضت أن سيكون بشروطها وليس بشروطه.
ـ جين! أعلم انك في الداخل كانت أمك من اللطف بحيث أنك أخبرتني انك ستصلين اليوم.
أصبح صوته الآن أقل صبراً وسمعته يشتم بلغته ثم يتابع: "هيا، افتحي أتريدين ان يقبض عليّ بتهمة الإزعاج؟".
لم تستطع ان تتصور شخصاً مثله يقبض عليه بتهمة الإزعاج. كان ديميتري سوفاكيس شديد الثقة بنفسه لكن قوله هذا مجرد عذر لكي يجعلها تفتح الباب وأخيرا، قالت بصوت خافت: "لم ألبس ثيابي بعد ديميتري".
كان هذا كل ما فكرت في قوله، لكنه ليس كافيا. فأجابه بجفاء: "ليس جديداً ان أراك عارية. أحاول رؤيتك منذ ايام ،لا يمكننا جميعا ان نمضي النهار في الفراش".
ـ وصلت لتوي من رحلة طويلة يا ديميتري أتذكر جيدا انك أنت نفسك لا تحتمل الطيران".
ـ نعم، آسف. كلامي هذا لا معنى له أعتبريه بسبب الاحباط.
فقالت تتصنع السخرية: "أخبرني ، يا ديميتري، كيف حالك انت ما زلت عديم الصبر كعادتك"
ـيا إلهي. لقد كنت صبوراُ والآن هل ستفتحين الباب أو ان علي ان احطمه؟.
تلا ذلك صمت بدا وكأنه يحاول أثناءه ان يسيطر على غضبه.
بدا العناد على ملامح جين وشعرت برغبة شديدة في ان تدعه ينفذ تهديده لكن منعها من ذلك ما يمكن ان يتملكها من ارتباك اذا ما قام بتنفيذ تهديده....وهكذا ضغطت على الزر.
تصاعد صرير الباب السفلي وهو ينفتح، ثم صوت خطوات مسرعة على السلم ما جعلها تتراجع الى آخر غرفة الجلوس. تركت الباب مواربا، ورغم انها حدثت نفسها بأنها لن تهتم برأيه فيها، إلا أنه خطر لها انها لم تمّر حتى بيدها غلى شعرها بعد نزولها من السرير.
كانت تمشط شعرها بأصابعها حين ظهر ديميتري على عتبة الباب، طويلاً، ممشوقا، ذا شعر أسود كث ورثه عن أسلافه. لكنه بدا أكبر سنا بالشعيرات البيضاء في سالفيه. كان وجهه بلحيته السوداء النايتة منذ أيام أكثر خشونة وصلابة مما تعهده، لكن الجاذذبية ما زالت هي. لم يفقد حضوره شيئا من ثأثيره وقد يذكرها باليوم الذي دخل فيه الى المعرض بخطوات واسعة، ناظراً الى أبيه وعندما قدّمهما الرجل العجوز الى بعضهما البعض، بدا مهذبا غير متملق وعاملها بعدم مبالاة هادئة، اشمأزت منها حينذاك.
وقف ديميتري عند العتبة، ثم دخل الشقة وهو يفكر متأملا في انها تعيش هنا كان قد سمع انها تاجخة في عملها. ولم يستطع إلا ان يعجب بالمساحة الباغة الاتساع التي تمتد من المقدمة الى مؤخرة المبنى القديم. كانت الشمس المتدفقة من النوافذ تضيء المكان لكن وعلى الرغم من الانزعاج الذي سسبته له بتركه ينتظر قي الخارج، بدت له جين جذابة بشكل لا يمكن مقاومته. وقفت بعيدة عنه وقد شبكت ذراعيها غلى صدرها وكانما تحمي نفسها. كانت ترتدي عباءة من الحرير تضمها حولها بشدة وكأنه يهددها. وكره هذه الفكرة ما الذي تتوقعه منه.
ـ جين.
وأخذ يفكر بالرغم عنه في ان مظهرها حسن.....أكثر مما ينبغي بالنسبة الى رجل يخطط للزواج من امراة اخرى حالما يتحرر. لكن لطالما لجين هذا التاثير فيه، هذا هو سبب زواجه منها، وسبب كراهيته للبحث عن امرأة اخرى لتحل مكانها.
لماذا تعارض أمه ان يتصرف حسب رغبته؟
أجابته متوترة: "ديمتري"
وعندما مال على الباب ليغلقه، انتصبت في وقفتها وكانها تشجع نفسها لمواجهة ما سيحدث. لم تكن تضع على وجهها اي زينة، واشتبه في ان لون وجنيتها المنورد يعود الى تأثرها ذهنياً. كانت عيناها الخضراوان اللتان لطالما راوداه في منامه، أشبه بصفاء البحيرات على قمم جبال "كاليثي".
سألها وهو يبتعد عن الباب: "كيف حالك؟"
وجف فم جين حين تقّدم في الغرفة، بتلك الطريقة الرشيقة الكسول التي تجعل كل ما يلبسه فريدا فب تصميمه.
رأته يضع خاتم الزواج، الخاتم الذي اشترته له حين عقدا قرانهما في "كاليثي"، وهي الجزيرة التي تملكها أسرته وحيث يعيش حين لا يجول حول العالم للاهتمام بشؤون امبراطوريته للشحن البحري. كان أبوه قد تقاعد قبل زواجهما على الرغم من أمه، التي لم تشأ ان يتزوج ابنها من فتاة انكليزية خصوصاً فتاة مستقلة مثلها.
وأجابته بإبتسامة مغتصبة: "أنا بخير متعبة من السفر لانني لم أنم بشكل كاف أثناء الأربع وعشرين ساعة الماضية".
ـ وأيقظتك؟
وتقدم ليقف بجانب أحدى الأريكتين المتواجهتين الموضوعتين على سجادة الرمادية.
رفع حاببه الأسود معتذراً: "آسف لهذا"
هزت كتفيها بعدم اكثراث: "أحقا؟ والآن، هل تريد ان تخبرني بما تريده مني، يا ديميتري؟ انت لم تات الى هنا لتضيع الوقت قلت ان الأمر هام".
حوّل عينيه، ناظراً الى اصابعه وهي تمر على احدى وسادات الأريكة ثم قال بفتور وهو يرفع رأسه مرة أخرى ليلقي عليها نظرة من عينيه السوداوين مرسلا في جسمها رعشة توجس: "أريد الطلاق يا جين، هل هذا واضح بما يكفي بالنسبة إليك؟".


2ـ رغبات متضاربة
جاء دور جين في تحويل نظراتها عن تظراته الباردة. كانت ترتجف بالرغم من الجهد الذي بذلته للتحكم في نفسها، راجية الله الأّ يدعه يراها.
لم يكن كلامه صدمة كاملة فقد عاشت سنوات بعد افتراقهما متوقعة ان يطلب ديميتري حريته عاجلاً او اجلاً، كانت واثقة من ان أمه ستقنعه بالزواج مجددا اذا لم يكن في حياته امرأة اخرى. وكانت هي أيضاً تريد ذلك في تلك الأيام لكن مع مرور الايام، ابتدأت تعتقد، ان هذا لن يحدث قط.
ـ هل انت بخير؟.
تباً! فقد لاحظ رد فعلها، وها هو يعبر الغرفة نحوها.عليها ان تخرج من هنا وبسرعة قبل ان يشعر بالشفقة عليه، فهي لن تستطيع احتمال هذا.
قالت محبوسة الانفاس، عالمة انها اذا تنفست ستبدأ بالشهيق:"دعني أرتدي ملابسي "
ـ جين...
تلفظ باسمها كما اعتاد ان يناديها في اللحظات الحميمة، فأوشك ان يدمّرها وقالت: "امنحني دقيقة فقط"
وفتحت باب غرفتها ثم اغلقته خلفها لكن عندما انفردت بنفسها، لم تستطع ان تمنع المشاعر التي غمرتها فانهمرت دموعها الساخنة على خديها وأخذ انفها يسيل هو أيضا، فسارت الى الحمام حيث سحبت قبضة من المناديل الورقية. ثم جلست على على حافة حوض الاستحمام ودفنت وجهها بين يديها.
ـ عزيزتي....
لم تعرف كم من الوقت بقيت في مكانها قبل ان تسمع صوته. يا إلهي.... وارتجفت بعنف وهي ترفع رأسها غير مصدقة ان ديميتري يقف على عتبة الحمام ينظر اليها. لم تشعر في حياتها بمثل هذه المذلة، فهتفت بصوت مخنوق وهي تحاول الوفوف: " اخرج من هنا كيف تجروء على الدخول الى هنا؟ ليس لديك الحق في اقتحام خلوتي بهذا الشكل"
تنهد ديميتري واستند الى جانب الباب ثم اخذ ينظراليها برقة يعثت الاضطراب في نفسها قال بنبرة تنضح بالمشاعر: "انا اجرؤ لان أمرك يهمني عزيزتي جين، أنى لي ان اعلم ان رد فعلك سيكون بهذا الشكل؟ كنت ظننتك ستسرّبن لخروجي من حياتك".
فشهقت: "وانا كذلك".
ـ لا يبدو ذلك.
لا تشعر بالغرور يا؟ ديميتري، عدت من رحلة درت فيها حول نصف العالم وانا مرهقة؟
وابتسمت ابتسامة متوترة ثم اردفت: " كان هذا صدمة لا انكر هذا. لكنني لا ابكي لأن قلبي تحطم... هذا بعيد عن الحقيقة".
لم يبد الاقتناع على ديميتري: "اتريدين ان تقولي إن هذا الانهيار يحدث لك كلما عدت من رحلة؟"
قالت بحدة وهي تجاهد لتتمالك نفسها: "لا تهتم لذلك اكثر ما ينبغي".
وصمتت لحظة قبل ان تضيف: "لا بأس ما الذي تريدني ان اقوله يا ديميتري؟ انني سحقت؟ دمرت؟ وان سماعي خبر ان الحقير المتغطرس الذي تزوجته سيفرض نفسه على مسكينة اخرى دمّرني؟"
تملك ديميتري الغضب لكلماتها هذه، فقد جاء يبحث عنها بنية حسنة للغاية. وها هي تمزق نيته الحسنة ارباً ارباً!
هذه عادة جين تطلق النار أولا ثم تندم لاحقا.
لكن شبئا ما حدثه بانها لن تتراجع هذه المرة. فانتصب واقفا وقال بحدة: "انت ذئبة جاحدة. أتعرفين ذلك اتعرفين هذا؟"
قالت بحدة وهي تمسح دموعها بالمنديل الورقي : "هذا ما تخبرني به الآن"
ـ حسنا، ربما عليك ان تتحكمي بلسانك قال المحامي انني، في هذه الظروف، لست مضطراً لأن اقدم لك أي هبة قانونية.
قالت باحتقار: "لا اريد نفودك لم افعل هذا قط اخرج من هنا وحسب اذ اريد ان ارتدي ثيابي.
حدق ديميتري فيها وادرك انها ضعيفة رغم الشجاعة التي تتظاهر بها، فعيناها الخضراوان الرائعتان ما زالتا مغرورقتين بالدموعن وفمها، لا يزال يرتجف
ورغم ان كلماتها ازعجته كثيرا، الا انه وجد نفسه يقول: "اذا كان هذا ما تريدين".
ـ ماذا توقعت غير ذلك؟
رفعت راسها تبادله التظر فشعر رغما عنها بالاعجاب للطريقة التي تواجه بها مشاعرها. الاعجاب وشعور آخر.... شعور لا يريد ان يضع له اسما شعور جعله يقترب منها فجأة.
كان حوض الحمام خلفها وما من مكان تذهب اليه وهكذا، عندما مد يده الى رقبتها من الخلف، لم تستطع سوى الوقوف سامحة له بالنظر اليها بمزيج من التسلية والسخرية، وهو يقول مقترحاً: "ماذا عن هذا؟"
كان صوته اكثر خشونة من قبل وقبل ان تدرك ما سيفعله، انحنى يعانقها.
ولم تعرف كيف منعت ساقيها من الارتجاف.
مضى وقت طويل منذ لمسها ديميتري..... وقت طويل منذ شعرت باصابعه على بشرتها.
كان جسده ينضح بامواج من الحرارة وهو يغمرها ورغم تصميمها على ان لا تغمض عينيها ، وعندما رات اهدابه الكثة مغمضة وفكه مظللاً بالسواد تملكتها رغبة هائلة في الاستسلام. لكن كيف حدث ذلك وقد كانا يتبادلان الشتاءم منذ لحظة والآن ها هي...تسمح له بلمسها. لا بد ان هذا حدث لانها كانت تبكي. راحت تحدث نفسها بهذا محاولة تبرير ما لا يمكن تبريره. لطالما كانت مشاعرها تتضاعف عندما تبكي..وديميتري يعرف هذا جيداً. نعم ومن غيره؟ لطالما جعلها تبكي ...
كانت بشرتها ناعمة وساحرة للغاية فطوق خصرها بذراعه وجذبها اليه.
يبدو ان التعقل فارقه وانسته رغبته المغاجئة أسباب مجيئه الى هنا وتأوه: " آه يا جين".
تساءل عما كان سيندم على خسارته لهان لكن ها هي هنا، تعرضه لحطر الاصابة بنوبة قلبية اذا لم يخفف من توتره بسرعة.
ترنحت جين، وأوشكت عواطفها ان تغلبها بشكل خطر.
لا يمكنها ان تدعه يفعل هذا. عليها ان تبتعد عنه لكن عندما تاوهت، ادرك انها تريده ان يستمر.
فاق عناقه لها قدرتها على ان تقاومه وأخذ نبضها يتسارع شوقاً اليه.
احتجت بضعف: " ديميتري".
فقال لها بصوت أجش كم هي رائعة، وانه لا يريد لهذا ان ينتهي.
ـ وكذلك انا.


فتح ديميتري عينيه على صوت المياه المتدفقة فبقي لحظة يحدق في السقف فوقه من دون ان يرى شيئا مألوفا. لم ير قط من قبل سقفا بلون الخوخ كهذا، ثم اخفض بصره الى النوافذ المستطيلة المغطاه بستائر خضراء اللون.
كل هذا غير مألوف.
وفجاة اتضح له كل شيء.
تنفس بحدة ثم انتصب جالسا واخذ يحدق حوله غير مصدق عينيه، يا إلهي.... انه في شقة جين.... في سرير جين! ما الذي كان يفكر فيه. لقد جاء الى هنا ليطلب منها الطلاق وليس ليصل الى هذا...!
عاج يغمض عينيه راجيا ان يكون هذا كله حلماُ جنونياً. وامل ان يجد نفسه عندما يفتح عينيه في غرفته في "كاليثي"، وهدير البحر المتوسط الرقيق في اذنيه.
لكن هذا لم يتحقق. وعندما فتح عينيه للمرة الثانية وجد نفسه لا يزال في سرير جين.
يا إلهي!كان يفترض به ان يفكر في الخروج من هنا بكرامته محفوظة، وليس ان يفكر في دخول الحمام ليفاجىء جين. أرغم نفسه على النزول من السرير و أخذ يرتدي ثيابه من دون تفكير وفجأة ، ورغم رغبته في ان بنتظر ليراها دفعه التعقل لأن يختطف حذاءه وسترته ويخرج من غرفة النوم قبل ان يقترف غلطة أخرى.
وفي غرفة الجلوس انتعل حذءاه وارتدى، ثم مشط شعره بأصابعه وهو ينظر من حوله. با لجهنم.... كيف حدث ذلك؟ كيف استحال نقاش بسيط الى هجوم على حواسه.
لِمَ لم ينتظر حتى تصبخ جاهزة وقادرة على التحكم بمشاعرها، ثم تجري المقابلة بينهما بسرعة وموضوعية؟
هذا ما قالت انها تريده. وعندما تركت الغرفة في البداية، ظنها ذهبت لتغير ثيابها ليس الا. وعندما مرت الدقائق، ولم يسمع صوتاً من غرفة النوم، عند ذلك تملكته الشكوك او القلق.
لطالما فعلت جين هذا به في السنوات الثلاث التي امضياها معا. اعتاد عندما تتركه ان يخرج في أثرها متلهفاً ليطمئن الى انها بخير تماما، كما حدث اليوم.
وتنهد بالرغم من انه وجدها تبكي بذلك الشكل، ما كان على بكائها ان يؤثر فيه الى ذلك الحد.
عدم بقائهما معا ليس ذنبه هو واذا كان طلب الطلاق يعني لها الكثير، فلم لم تحاول ان تراه مرة اخرى قبل ان يسوء الوضع بينهما بهذا الشكل؟
عندما تركته جين، حدث نفسه بانه سيجد بديلة لها بسهولة، الا ان هذا لم يحدث زواجه من جين جعله يكره كل امراة أخرى وابتدأ يعتقد بانه لن يحصل على ذلك النوع من المتعة مرة اخرى
لكنه حصل على ذلك الآن.
ومعها!
ورغم انه كان جالسا على الأريكة في غرفة الجلوس ينتعل حذاءه الا انه لم يستطع ان يهدأ، ليس بعد ام اضطرب. يفترض بهذا اللقاء ان يكون اجتماعاً قصيراً ، ليخبرها من باب التهذيب وليس عبر المحامي ولكنه سمح لها ان تسيطر على مشاعره مرة اخرى تماما كما خشيت أمه. سار الى النافذة يبحث عن سيارته الليموزين المتوقفة أمام البيت.
استدار بما يشبه الشعور بالذنب، عندما سمع الباب يُفتح خلفه، وهذا شعور آخر شديد عليه خطر في باله ان يخرج قبل ان تنهي حمامها، بالرغم من انهما لم ينهيا حديثهما، اذ من الممكن ارجاء هذا الكلام الى الغد او .ما بعده لكن الاوان قد فات الآن.
دخلت جين الغرفة بشيء من التردد .كان شعرها ينسدل على كتفيها ناعما كالحرير. كما ارتدت قميصا مقفلا أخضر اللون يلتصق بصدرها، وسروالا من الجينز يبرز بشرتها القمحية اللون.
بدت له بنفس جمالها المعتاد، وتساءلت اذا ارتدت هذا القميص بالذات ليبرز عينيها الخضراوين بدت مغرية للغاية، لكن ملامحها لم تكن مشجعة...كانت عيناها متحفظتين باردتين وهما تراقبانه بحذر امتزج الازدراء
وعندما لم يتكلم، قالت: "ما ولت هنا اذن هل تريد القهوة؟"
قهوة؟ لم يعرف اذا كان عليه ان يشعر بالارتياح ام بالإهانة
ها هي تعرض عليه قهوة وكأنهما كانا يتحدثان ولم يعيشا لحظات حميمة حارة.
قال متوتراُ: "لا شكراً"
وتردد ثم اضاف بالرغم عنه: "هل انت بخير؟"
ـ ولماذا لا أكون؟
ولاحظ انها حولت نظراتها عن نظراته هذه المرة وهي تضيف: "اجلس لن اتأخر"
تنفس بعمق وأجاب: "من الأفضل الا اجلس....هل سنتحدث عن هذا؟"
ركزت اهتمامها على وضع الفنجان في الصحن بشكل يرضيها، ثم القت عليه نظرة سريعة والفنجان في يدها: "هل انت واثف من انك لا تريد ان تشرب شيئاً؟"
فقال بفروغ صبر: "انا واثق"
ما الذي تفعله؟ هل ستتظاهر ان هذا لم يحدث قط؟ وعاد يقول بحدة: "انظري الي جين. لا ، ليس بهذا الشكل. انظري الي بشكل صحيح. اخبريني ما الذي تفكرين فيه ؟"

3ـ لن أغير رأيي
وجدت صعوبة في ان تفعل ما طلبه منها. لا بأس، لا ادركت ان شيئا لم يتغير رغم ما حدث بينهما. وهذا لن يشكل ذرة فرق بالنسبة الى ديميتري.
كان هذا السلاح الذي يلجأ اليه عندما يريد منها شيئا. لطالما كان هذا وسيلة جيدة ليحصل على ما يريد في الماضي ولا بد انه يعتبرها عاجزة عن مقاومة الاغراء.
فكرت بمرارة في انها كانت غبية للغاية.
ليته فقط لم يأت الى هنا فيما هي متعبة للغاية من رحلتها! انها تتوقع عادتها الشهرية وهي عاطفية للغاية في هذا الوقت من الشهر.
وكان حنانه المصطنع القشة الأخيرة.
أجابت كاذبة: "انا لا أفكر في شيء.... ماذا عنك انت؟ ما الذي تفكر فيه ديميتري؟"
فكر ساخراً في انها لن ترغب في معرفة ذلك، لأنه يفكر في اعادتها الى السرير، لكنه سيكون مجنونا لو اعترف بذل.ك فهذا سيظهر مدى الذي يشعر به.
وأخيرا قال: "أنا افكر... في ان عليّ ان اعتذر . انا لم اكن انوي القيام بهذا".
انتقى أقل الخيالاات استفزازاً فقالت بسرعة: " حسنا، هذا يجعل افكارنا متشابهة"
شعر ديميتري بغصة في حلقه. هل كان عليها ان تظهر كل هذا النبذ له؟ اما ان تعترف على الأقل بان اللوم يقع عليها جزئياً؟
وترك الطاولة وعاد يقف عند النافذة من جديد. ما زالت سيارته في مكانها، وتمنى لو ان يستقلها ويبتعد بها. أراد ان ينسى ما حدث، ان ينسى انه عندما جاء الى هنا كان يتطلع الى الخاتمة، الى النهاية بينهما! ولوى شفتيه.
لكنه، وبلا من ذلك، مزق مظهراً كاذباً، وترك جرحاً مفتوحاً.
ـ هكذا اذن؟
سمع صوتها فالتفت ليجدها تجلس على ذراع الاريكة وفي يدها فنجان القهوة السوداء فرفعت اليه عينين متسائلتين: "هل اعتبر ان ثمة امراة اخرى؟"
ما اسخفه من سؤال في مثل هذه الظروف. وتملكه الاغراء في ان يلعنها، ثم يخرج. وشعر بحماقة ان يعترف ان هذا هو سبب حضوره الى هنا، وانه ينوي الزواج من امرأة اخرى عندما يتحرر من زواجه هذا.
لكن لم يكن لديه اي خيار فهذا هو المتوقع منه بصفته ابن ابيه الأكبر عندما تقاعد ليونيدس سوفاكيس سلّم رئاسة شركة"سوفاكيس الدولية" اليه، ومثل هذا النفوذ ينطوي على مسؤوليات لا تتعلق كلها بالشركة نفسها
قال أخيرا: "أبي يموت"
فأجاه الشحوب الذي كسا وجهها، ورددت كلامه بضعف: "ليو يموت؟ يا إلهي! لماذا لم تخبرني؟ لا يمكنني ان اصدق ذلك كان كان قويا ومعافى للغاية".
فأجاب بفتور: "السرطان لا يحترم القوة او سواها. رأى ورما في جسده فلم يهتم به بل قال انه مشغول للغاي.ة وعندما ذهب ليرى الطبيبن كان قد فات".
ـ يا إلهي!
ووضعت الفنجان من يدها وضغطت على خديها ومرة أخرى، اغرورقت عيناها بالدموع: "مسكين ليو كم كان طيباً وحنوناً! لطالما كان رقيقا معي. كان يرحب بي دوما بينما أمك ام تفعل هذا قط"
لم يعلق ديميتري فهو يعرف ان ما تقوله صحيح. لم تشا أمه قط ان يتزوج امرأة انكليزية، لأن قيمهن مختلفة للغاية وفي النهاية تبيّن انها على حق. حاولت جين ان تتمالك نفسها وسألته: "منذ متى وانت تعلم بذلك؟هل يريد ان يراني؟"
أرادت ان تعلم اذا لهذا علاقة بطلب ديميتري الطلاق.
وفوجىء ديميتري رغم انه كان متيقنا من ان أباه يحب ان يرى كنته مرة أخرى، الا انه علم ان أمه لن تسمح بهذا ابداً. فقد بقيت طوال السنوات الخمس الماضية تتوسل الى ابنها لكي يحاول ان يجد طريقة يفسخ بها زواجه من جين. لكن ، ولسخرية، لم يكن ديميتري مستعجلاُ على فسخ زواجه فالزواج ملائم من كافة النواحي، خصوصاً لردع اي امرأة تسعى وراء المال. لكن هذا الانفصال لم يعد ينفع الآن، والطلاق هو الحل.
لا بد ان سكوته أعطاها الجواب، لأنها قالت: " أنا لا افهم ما علاقة مرض ابيك بطلبك الطلاق؟"
تنهد دميتيري ودس يديه في جيبيه واجاب: "أبي يريد صغيراً، أحفاداً وبما ان يانيس كاهن، وستيفن لا يهتم بالنساء، تقع المسؤولية علّي انا!"
فقالت متهكمة: "يا للرجعية!"
ثم قطبت جبينها واردفت: "ولكن ماذا عنه...الصبي؟"
ـ ابن لانت؟ لقد مات مارك. ظننتك تعلمين.
تملكها الغضب وانغرزت أظافرها في راحتيها: "لماذا ظننت ذلك بينما نحن لسنا على اتصال، يا ديميتري؟"
هز كتفيه وكأنه يسلم بصحة ما تقول: "أصيب مارك بذات الرئة عندما كان عمره اياما فقط. جاول الاطباء انقاذه لكنه كان صغيراً للغاية بعد ان ولد قبل اوانه فلم يعش".
حبست جين انفاسها وقالت باخلاص: "مسكينة لانت".
فقال موافقا وفي صوته مرارة: "نعم، مسكينة لانت ابنها لا يستحق ذلك!"
هزت راسها وهي تتناول فنجان قهوتها وقالت بطريقة حاولت ان تبدو عفوية: "أظنكما قررتما الزواج اخيراً، ستبتهج امك بذلك"
لوى شفتيه عابسا وقال بخشونة: "كلا. لم تهمني لانت يوماً، بعكس ما ظننته. انا انوي الزواج من اريادن بافلوس. لعلك تتذكرين اسرة بافلوس. انا واريادن صديقان منذ الطفولة، وقد عادت مؤخراً من رحلة طويلة الى الولايات المتحدة".
فقالت جين محاولة ان تخفي مشاعرها: "ما احسن هذا!"
كانت صوفيا والدة اريادن صديقة لوالدة ديميتري، وهي أيضا لم تكن موافقة على زواجهما.
وبللت شفتيها: "هل تعلم اريادن عن طفل لانت، هي ايضا؟"
أجابها باختصار، مدركا انه يغوص في مياه عميقة: "انها تعلم ما يكفي".
الماضي هو الماضي، ولا فائدة من نبشه الآن. ما كان له ان يحضر الى هنا. كان عليه ان يأخذ بنصيحة محاميه ويدعه يعالج الامر، لكنه لم يكن يدرك مدى حطورة لقائه جين مرة اخرى. وعندما اصبح الصمت لا يحتمل، قال: "اسمعي. علي ان اذهب"
وأخذ نفسا عميقا قبل ان يضيف: " انا واثق من انك تكرهينني الآن. لكنني حقا لم اكن انوي ان...ان ..."
ـتغويني؟
فغضب: "كلا لم يكن ذلك اغراء .المسؤولية تقع على كلينا"
أظلم وجهه جين: لا بأس. لعل وصفي لم يكن عادلا لكنها ليست المرة الاولى التي تستعمل فيها ذللك ضدي"
شتم ديميتري ثم قال: "ما الذي تتوقعين مني ان اقوله، يا جين؟ جئت الى هنا لانذرك بالنسبة الى الطلاق، وهذا كل ما في الامر.لم اتوقع ان اراك نصف عارية".
سهقت جين وقالت بصوت مختنق: "ماذا؟ هل انا مغرية الى هذا الحد حتى اغويك؟"
ـ شيئا كهذا.
ادرك انه لا يخدم نفسه بقوله هذا فوقف وسار نحو الباب: "سابلغ المحامي بان يتصل بك لمناقشة التفاصيل بالرغم من...حسنا بالرغم من وضعك لن اعترض على اي مبلغ يطلبه محاميك"
قفزت جين من الاريكة فكادت تهرق قهوتها وهتفت بغضب: " سبق واخبرتك بانني لا اريد نقودك يا ديميتري انا قادرة تماما على اعالة نفسي.شكراَ"
ـ ولكن...
ـ انس ذلك!
ومن دون ان تمنحه مزيدا من الوقت ليدافع عن نفسه اسرعت نحو الباب الخارجي وفتحته بعنف قائلة: "اخرج من هنا يا ديمينرين قبل ان اقول ما اندم عليه"

عاد ديميتري الى كاليثي ذلك اليوم.
كان مدعوا لحضور اجتماع "اتحاد منتجي البترول" لكنه جعل مساعده يتصل بهم ويقدم اعتذاره عن الحضور.
لن يعجب ذلك والده الذي كان مسروراً للغاية لحصول شركته على مثل هذا الاحترام في البلاد النتجة للبترول. كما اثبت ذلك انه كان حكيما حين سلم مقاليد الشركة لابنه.
لكن ديميتري لم تكن لديه مثل هذا الثقة. على كل حال، لقد ادرك ان ترؤسه مؤسسة مثل شركة "سوفاكيس الدولية" ستأخذ من وقته الكثير ويمكن ان يقال حتى ان المسؤوليات التي تحملها منذ ثماني سنوات لعبت دورا غير صغير في تحطيم زواجه. لو كان لديهما، هو وجين، مزيد من الوقت ليتحدث عما حدث. مزيد من الوقت ليقنعها بانه بريء من التهمة التي اتهمته بها، لما تركته. كانت قد صدقت انه المسؤول عن حمل لانت ولم يستطع ان يقنعها ببراءته.
عندما حطت الطائرة في الجزيرة، كان الوقت ليلا. كان المهبط الطائرات خاصاُ ومن ممتلكات الاسرة. فرغم ان الجزيرة تجذب السياح، الا اتهم يأتون اليها بواسطة المعديات التي ترسو في الميناء كاليثي جنوب الجزيرة.
الأنوار التي تضيء مدرج المطار دليل على ان والده استلم الرسالة التي ارسلها لابلاغهم بحضوره.
كان مساعده الخاص، ثيو فازيليس، يرافقه وهو اول من نزل من الطائرة، لينظم مسألة نقلهما الى قرية سوفاكيس. رأى سيارة رباعية الدفع تقف الى جانب الطريق تنتظر ان تحط الطائرة. وعندما وصل ديميتري اليها ليستقلها، اكتشف ان السائق ليس سائق أبيه بل كانت اريادن بافلوس. وكانت شفتاها المصبوغتان منفرجتين عن ابتسامة هي مزيج من الترحيب والغرور. عندما صعد ديميتري وجلس بجانبها، قالت: "ايه...مفاجاة لطيفة، أليس كذلك؟"
توتر فكه لحظة اذ كان يفضل ان لا يواجه اريادن بافلوس الليلة، لكنه ارغم نفسه على ابتسامة، ثم مال يعانقها ويقول كاذباُ:
"مفاجاة لطيفة جداً هل انتظرت طويلا؟"
ردت بمكر: "انتظرت ست سنوات فقط. هل اشتقت الي؟"
أخذ يربط يربط حزام الأمان، متجنباً اي اجابة مباشرة: "ما رايك؟"
ثم سألها مغيراً الموضوع: "كيف حال أبي؟ لا أظنه مسروراً لأنني لن أحضر مؤتمر اتحاد منتجي البترول".
قالت بعدم مبالاة:"انه لا بأس به".
ونظرت من حولها بشيء من فروغ الصبر عندما القى مساعده ثيو فازيليس بامتعتهما الثقيلة داخل صندوق السيارة، ثم ازداد اتساع عينيها عندما فتح ثيو باب السيلرة الخلفي وصعد. التفتت الى ديميتري بسرعة: " هل يجب ان ياتي معنا؟"
ـ لماذا لا؟
كان جواب ديميتري بريئاً نسبياً، لكنه لم ينكر شعورا بالارتياح لأن ثيو سيرافقهما. اومأ الى الى الكومبيوتر المحمول الذي بحوزة الرجل الاخر: "أبي بنتظر مني تقريرا عن الاجتماع الذي حضرناه اثناء وجودنا في لندن".
ـ الاجتماع مع زوجتك؟ نعم يهمني ان اسمع التفاصيل انا ايضا.
وتوهجت عيناها السوداوان حقداً لكن ديميتري زفر طويلا وقال: "ليس ذلك الاجتماع. انه عن اجتماعنا مع شركائنا في العمل".
ـلكنها اجتماعات مملة للغاية، اليس كذلك؟ أخبرني عن زوجتك، ما رايك؟ هل ستصعب الامور؟
تصعّب الأمور! وكبح ديميتري آهة احباط تصاعدت من أعماقه، لكنه اجاب: " ما من صعوبات"
والتفت الى ثيو يسأله: "هل جمعت كل الاوراق من الطائلرة؟"
ما يعنيه كان واضحاً تماماً، وكان اريادن أذكى من انتستمر في النقاش. سيكون لديهما من ما يكفي من الوقت في ما بعد. وكاد يسمع افكارها. تبا لذلك! لماذا لا؟ فبسببها وبسبب مرض ابيه ذهب ليرى جين.
سارت بهم السيارة في الطرقات الريفية الضيقة التي تفضي الى قرية سوفاكيس. لم يرَ على ضوء السيلرة سوى الحشائش التي تنمو على جوانب وبعض اشجار السرو.لكن ديميتري كان يعلم ان كثبان الرمال تمتد بموازاة الطريق، ومن خلفها المياه الفيروزية اللون لبحر "ايجه".كان الفصل ربيعا حيث يحلو للمرء ان يستيقط ويسمع هدير البحر بدلا من الضجيج وزحمة السير. لكن التفكير في لندن ليس بالامرالحكيم. في فهو يذكره كثيرا بما حدث في بداية هذا النهار. ولم يستطع الا ان يقارن بين حسن مظهر اريادن الاسمر والمثير نوعا ما ،وبين جمال زوحته النحيلة الاشقر. كانتا مختلفتين تماما بحيث لا يمكن ان تقوم بينهما مقارنة . فاريادن ممتلئة الجسم وشهوانية بينما جين طويلة ونحيلة، وهي تخفي طبيعتها الشهوانية خلف مظهر هادئ منضبط. طرد تلك الافكار من ذهنه وسالها: "هل حضرت عرس ابنة عمك؟".
ـ جوليا؟ طبعاً.
وهزت كتفيها عندما ظهرت امامهما البوابة الخشبية المرتفعة التي تمثل المدخل الى الضيعة. أضاءت مصابيح السيارة، فظهر رجل من منزل البواب الابيض، وهرع يرفع المزلاج، بينما كانت اريادن تتابع :" وبطبيعة الحال، كنت المراة الوحيدة التي بدون مرافق قالت ثيا ثيرميا انه ما كان ينبغي لي ان ادعك ترحل في ظرف كهذا".
توترت شفتاه. لم يكن يهمه ما تقوله ثيرميا ادونيدس عنه. انها والدة لانت ايضا ولهذا كانت تكرهه. وقد حيره انها لم تحاول ان تحبط علاقته باريادنن ولكن يبدو ان فؤائد ثرائه كفيلة بان تمحو اية شكوك قد تنشرها.
رفع ديميتري يده يحيّي البواب "جورجيوس"، لتتابع السيارة بعد ذلك طريقها حتى وصلت بهم الى باب المنزل الرئيسي. الفيلا التي كانت تنتصب على هضبة صغيرة تشرف على البحر ما زال يسكنها والداه. وكان ديميتري قد بنى بيته الخاص في الاملاك. ولكن منذ فارقته جين، مال الى الاقامة معظم الوقت في مكان آخر.
دوما كانت امه تشكو من انهما لا يريانه كثيراً وكان ديميتري لا بمضي من الوقت في البيت الا قليلا، فقد كان يجهد نفسه ولا ينكران ان عمله قد انقذ صحة عقله. ولو كان اجهد نفسه في اللعب ايضا ،لحدث نفسه بانه يستحق ذلك. وكان واثقا من انه لن يستسلم الى اغراء امراة اخرى، ولم يفكر في الزواج الا بعد ان مرض والده وايقن هو ان مرضه مهلك.
وكانت اريادن هي المرشحة الكاملة الصفات، فقد كانت يونانية وامه موافقة عليها.
اوقفت اريادن السيارة وأطفات المحرك. ولكن عندما قفز ثيو الى الخارج وهمّ ديميتري بان يفتح الباب امسكت بذراعه قائلة بصوت اجش: "انتظر. تحدث الي يا ديميتري قل لي انك لم تغير فكرك".
حدق اليها، وكانت اضواء الفناء تكشف القلق على ملامحها وفجأة شعر بالذنب. فقال وهو يلامس وجنيتها: "أغير فكري يا حبيتي؟ ما الذي أعطاك هذه الفكرة؟.

4ـ دعوة مفاجئة
حسنا...انها حامل.
حاولت ان تفكر بشكل عملي، فأخذت نفساً عميقاً ثم أعادت الاختبار التي اجرته الى حقيبة يدها. انه ثالث اختبار حمل تأتي نتيجته ايجابية. ومهما حاولت ان تقنع نفسها بان هذه الاختبارات قد تخطئء، لم تستطع ان تصدق ان الخطأ قد يتككر ثلاث مرات. تباً!
كبحت دمعة وهي تتساءل كيف حدث هذا؟ عندما كانت تعيش معه لم تترك شيئا للصدفة. في البداية، اتفقا على ان انجاب الاطفال يمكنه ان بنتظر لعام او لعامين على الأقل. وبما ان جين ارادت ان تستمر في العمل، فتح لها ديميتري معرض فنون في مدينة كاليثي نفسها. وبقيت على اتصال بأولغا التي سرّها ان تتبادل اللوحات الفنية والآثار القديمة مع تلميذتها السابقة.
مضت الامور بنجاح تام. وبما انها تمتلك المعرض استطاعت ان ترافق ديميتري في رحلات العمل كلما شاءت. كانت حياة شاعرية ملأنها سعادة.
وفجأة، كشفت لانت انها حامل، لينهار بيتها الكرتوني فوق رأسها. ولم تستطع جين ان تغفر لديميتري لكن عزاءها الوحيد هو انها لم ترزق بأولاد يتألمون من تحطم زواج والديهما.
وتنهدت.....عندما عانفها ديميتري لم يخطر في بالها، ان تتخذ اي احتياطات لئلا تحمل .كانت تريده بقدر ما يريدها هو ايضا، وكان سهلا عليها للغاية ان تقنع نفسها بأنه لا يستغلها لهدف ما. لم تفكر في ذلك حتى اسبوعين فقط، عندما لاحظت ان عادتها الشهرية انقطعت. مضت خمسة اسابيع منذ جاء ديميتري الى شقتها تلقت بعدها اشعاراً بأنه اتصل بمحاميه يشأن الطلاق. يا الهي...ماذا ستفعل الآن؟وصول مخدومتها حعلها ترجىء المشكلة الى وقت لاحق.
كانت اولغا ايفانوفتيش في السبعين من عمرها تقريباً، لكنها دخلت مكتب جين في المعرض بحيوية الشباب.
في تنورتها الطويلة والكاب القصير الذي يموج حول قامتها الطويلة الممتلئة، راحت راحت اولغا تتنقل في انحاء المعرض بينما جين تراقبها باسمة.
مشطت أولغا باصابعها شعرها الاحمر وقالت بفروغ صبر:" هل جاء".
أجابت جين وفد أدركت على الفور من تعني أولغا بسؤالها: "جاء".
كانتا تتحدثان عن جامع مشهور للآثار القديمة أعرب عن رغبته في شراء مجموعة من البرونز احضرتها جين معها من بانكوك. وكان قد وعد بزيارة المعرض في ذلك الصباح فسألتها أولغا بلهفة: "ثم؟".
فأجابت جين بجفاء: "ثم اشتراها. انه يريد ان نرسلها الى بيته في سافولك".
ـ رائع! ستحصلين على عمولة كبيرة أيضا. لقد قمت بعمل جيد. يجب ان ارسلك في رحلة أخرى فانت بارعة في العثور على كنوز في اماكن لا يتوقعها أحد.
منحتها جين ابتسامة باهتة وقد عجزت عن التفكير في اي شيء آخر عدا نتيجة الفحص الموجودة في حقيبة يدها. وتحسست يدها بطنها غير مصدقة. هل ينمو طفل ديميتري في داخلها؟ كم سيحتاج من الوقت كي يمكن للآخرين ملاحظته وقبل ان يتملك اولغا الشك في وجود تغيير ما؟.
وشعرت أولغا بذهول جين، فجلست على زاوية المكتب وقالت لها: "تبدين شاحبة، هل تنالين قسطا كافيا من النوم؟ ام ان فتاك يبقيك مستيقظة حتى منتصف الليل؟".
ـ ليس لدي فتى يا اولغا. لطالما أخبرتك بذلك، أنا واليكس هانتر مجرد صديقين.
ـ هل يعرف هو ذلك؟
بعد ان اطمأنت اولغا الى اخبار المجموعة البرونزية تحوّل اهتمامها الى مساعدتها. ماذا ستفعل عندما تعلم ان جين حامل؟
كيف سيكون ردة فل اليكس بعد لن اخبرته ان علاقتها بديميتري انتهت؟
وسألت اولغا، تريد كسب الوقت: "آسفة لم اسمع".
ـ السيد هانتر. سألتك ان كان يعلم انك لا تكنين له سوى مشاعر الصداقة؟
ـ علاقتنا ليست جادة الى هذا الحد. اليكس يعجبني فه رفيق طيب لكننا لم نعرف البعض الا منذ وقت قصير.
فقالت اولغا باصرار: "بل منذ وقت كافٍ. انني قلقة عليك يا جين. متى ستضعين الماضي خلفك وتتلبعين حياتك؟"
ـ آه...أنا...
كانت جين لا تزال تبحث عن جواب عندما عادت اولغا تقول: "ألم يحن الوقت بعد للتفكير في الطلاق؟"
قوة الملاحظة عند اولغا مخيفة للغاية احياناً. وربما كان هذا ليعجبها في وقت آخر لكن ليس الآن. وهي تريد ان تحتفظ بافكارها لنفسها. وفيما اولغا تنتظر جواب جين، اخرجت من جيبها علبة سكائرها المفضلة، ووضعت سيكارة في فمها ثم أشعلتها. لم تحب جين قط رائجة السكائر،
لكنها وجدتها هذا الصباح تثير الغثيان. وشعرت بالقيء يصعد الى حلقها فاندفعت الى خارج الغرفة بعنف.
وفي الحمام الصغير أخذت تتقيأ بشدة ثم استندت الى الجدار واضعة منديلاُ ورقياً على فمها، وهي تفكر في انها لم تشعر بمثل هذا منذ وقت طويل.
ما الذي أكلته؟ لم تتناول بعض "التوست".
لم تشأ ان تتناول، وقد شعرت بوعكة حالما نزلت من الفراش.
وشعرت بغبائها فما تحس به ليس تسمماً غذائياً أو تقززاً من رائحة سجائر اولغا، با بداية القيء الصباحي. واذا كانت بحاجة الى برهان جديد عن حالتها، فهذا هو البرهان.

نبهها طرق متردد على الباب: "جين، جبن، هل انت بخير؟.
جاهدت للتحكم في نفسها، واستطاعت ان تقول: " انا بخير يا اولغا، أظنني أكلت طعاماً فاسداً وعندما اشتممت رائحة سيجارتك".
فقالت اولغا: "يا الهي، هل جعلتك سيجارتك مريضة؟.
ـ لا، لا هذا غير صحيح.
وشعرت جين بالخجل. لا يمكنها ان تلوم أولغا على اقترفته هي. فتحت الباب فوجدت المرأة تنتظر خارجاً وهي تعتصر يدها بقلق: : آسفة لهذا".
قالت اولغا كلاما لم تفهمه جين، ثم احاطت كتفيها بذراعها.
سألتها باهتمام واضح: " هل انت واثقة من انك والسيد هانتر مجرد صديقين؟".
ـ ماذا تعنين؟
حاولت ان تتصنع عدم الفهم لكنها لم تستطع. وتنهدت اولغا ونظرت اليها بامعان: " لأنني...لأنني أتساءل عما اذا كان ثمة سبب آخر خلف شعورك بالمرض هذا".
ـ سبب آخر؟
وابتلعت ريقا فقالت اولغا وهي تمسك بكتفيها ما جعلها عاجزة عن تجنب نظراتها الحادة: "لعلك تخدعين نفسك".
ـ أخدع نفسي؟
ونتهدت متسائلة عما اذا كان عليها ان تدعي انها لم تفهم ثم اذعنت وقالت: "هل تشيرين الى اني قد اكون حاملاً؟ هل هذا ما تظنينه؟"
هزت اولغا راسها: اقول ان عليك وضع ذلك في الاعتيار...لا؟ لن تكوني اول شابة يفتتنها شاب وشيم مثل السيد هانتر".
أشاحت جين براسها، وهتفت يغضب: "أخبرتك ان لا شيء بيني وبين اليكس".
فقالت اولغا بارتياب: "ابداُ"
فردت جين بخشونة: "ابداُ والآن، هل يمكننا ان نتحدث في موضوع آخر؟".
ومسحت فمها لآحر مرة، ثم سارت متوجهة الى المكتب وهي تسأل: "هل فكرت من اين يمكن ان نحصل غلى قطع أخرى يريدها السير جورج؟".
هزت اولغا كتفيها وتتبعها ببطء وادركت ان المرأة العجوز ما زوالت غير مقتنعة بجوابها.
على اي حال، لم يكن لديها القدرة على ان تناقش وضعها مع أحد حتى تقرر ما ما عليها ان تفعله فهي نفسها لم تتعوّد بعد على فكرة انها حامل.
لكن خلال النهار، وجدت جين افكارها تنحصر في المأزق الذي تواجهه ماذا عليها ان تفعل؟.
متى عليها ان تقرر ما اذا كانت ستحتفظ بالطفل ام لا؟ فعلى الرغم من راتبها الكبير لم تتمكن من توفير الرعاية اللازمة للطفل وحدها في لندن.
كان البديل هو ان تخبر ديميتري عن الطفل لكن كيف يمكنها ان تخبر زوجها انها حامل فيما هو يستعد للطلاق؟ كما ان عليها ان تراعي الاخرين، خصوصاً المرأة التي سيتزوجها. يمكنها ان تتخيل رد فعل امه ماريا سوفاكيس عندما تعلم ان ابنها اصبح اباُ لطفل آخر من الفتاة الانكليزية التي تحتقرها.
جمعت جين حوائجها باكرا وغادرها متجهة الى بيتها بعد ان اخبرت اولغا بانها تشعر بالبرد آملة ان يحوّل ادعاها هذا ذهن محدومتها عن شكوكها. لكنها شعرت بنظرات المرأة تنصب عليها وهي تنزل السلام خارجة من المعرض، فادركت انها لم تنجح. كان الجو ماطرا فاستقلت الحافلة. وتملكها ارتياح بالغ وهي تدخل الى شقتها الفسيحة. ما اجمل ان تجلس على الاريكة مع فنجان من الشاي! لم تجلس طويلاً لأن رنين الهاتف تصاعد. وافترضت ان امها اتصلت بالمعرض فأخبرتها اولغا انها عادت الى المنزل، لكنها املت الا تكون مخدومتها قد اسرت الى امها بهواجسها.
بقيت عشر ثواني تفكر في عدم الرد،لكن احتمال ان يكون المتصل شخصاً آخر جعلها ترفع السماعة وتقول واعية الى نبرة الجفاء في صوتها: "نعم".


وكادت السماعة تسقط من يدها عندما سمعت صوت ديميتري العميق يقول بجفاء: "ارى ان طبعك لم يتحسن ما الذي كدّرك هذه المرة؟"
حبست انفاسها ثم تمالكت نفسها وقالت: "ما من أحد كدّرني يا ديميتري فانا لم اتحدث معك منذ أسابيع"
شخر قائلاً: "تعليقاتك اللاذعة جاهزة دوماً فكرت في انك تتوقعيت ان اتصل"
وتساءلت غما اذا أغفلت رسالة ما في بريد اليوم، رسالة تتعلق بالطلاق، فما سبب آخر يجعل ديميتري يتصل بها
ـ لقد تحدثت الى امك لم يكن لدي رقم هاتف المعرضن فاضطررت الى الاتصال بها لقد اعطتني الرقم انما بشيء من النفور انت امرأة مراوغة، يا جين ارجو ان تكون صحتك قد تحسنت
بللت جين شفتيها وأخذت تتساءل بشيء من الخشية عما اخبرته به اةلغا لكنها طمأنت نفسها بان ليس ثمة ما يستوجب الخوف
ـ أظن ان اولغا اخبرتك انني عدت الى البيت بعد ان شعرت بوعكة
ـ شيء كهذا ارجو الا يكون الامر خطراُ
بل حطر بما يكفي، لكن ديميتري لم يتصل لكي يتحدث غن صحتها وقالت: "مجرد رشح"
وغيرت مجرى الحديث فسألته: "ما الذي تريده يا ديميتري؟"
وخطرت لها فكرة فاضافت: "هل ساءت حالة أبيك؟"
ـ لا في الحقيقة، يبدو أحسن حالاً يبدو ان الدواء الذي وصفه له الطبيب أفاده
ـ يسرني هذا ارجو ان تبلغه تمنياتي حين تراه انني افكر فيه كثيرا
ـ أحقاً؟
ـ نعم حقاً
أزعجتها نبرة عدم التصديق في صوته فأضافت: "ان يأخذ رجل ما يريد من دون اي اهتمام بالنتائج، لا يعني ان والده يستحق ازدرائي"
سمعته يتنفس بغضب: "ما زلت تتحدثين عن لانت، كما اظن"
فازدردت ريقاً: "ومن غيرها؟"
ـ لا ادري ظننتك تذكرينني بما حدث عندما ذهبت الى شقتك كان صوته ساخراً الآن فتوترت اصابعها حول السماعة وقالت: "وهل تحتاج الى تذكير؟"
شتم ديميتري وقال: "كان ذلك جيداَ يا جين، لكن ليس تماماً اذا ظننت ان هذا ما اريد ان احدثك عنه، فانت تضيعين وقتك سدى"
شهقت: "يا لك من يا لك من "
فقال يكمل كلامها ببرودة: "نغل؟ اعرف رايك فيّ، يا جين لست بحاجة لأن تعيديه على مسامعي"
ـ لما تتصل بي اذن؟ ان لم يكن للاعتذار فلا اظنني اريد ان اسمع ما تريد ان تقوله
همت ان تضع السماعة لكنه قال لها بسرعة: "انتظري"
ترردت، فسارع يقول: "أبي أبي يريد ان يراك لا تسأليني لماذا لكنه يريد ذلك فها ستأتين؟"
تملكها الذهول: "إلى اليونان؟"
ـ الى كاليثي، طبعاً
لك تستطع ام تصدق: " انت لست جاداً"
ـ لماذا لا؟ اذا قبلت دعوته فسيعتبر ذلك كلاما منك
ـ ولكن
ثمة موانع كثيرة لم تجرؤ على التفكير فيها: "لن توافق أمك على ذلك ابداً
ـ ليس لديها الخيار
ـ كما انك لا تريدني هناك
ـ هذا غير مهم
ـ لا يمكنني ان اترك عملي فاولعا تعتمد عليّ
ـ خذي اجازة مرضية اذا كان المال ما يهمك؟
قالت على الفور، مشمئزة من فكرة ام المال يمكن ان يحلّ كافة المشاكل: "هذا غير صحيح"
ـ ما من مشكلة اذن، الا اذا كنت خائفة من ان لا يوافق حبيبك على ذلك لم تخبريني بان لديك حبيباً، يا جين منذ متى؟
حبست جين انفاسها ارادت ان تقول ان هذا ليس من شأنه، لكنها فضلت ان تعتمد الصدق:" اليكس هانتر صديق وليس حبيباً اظن ان اولغا اخبرتك عنه حسنا انها حريصة جداً على ان اجد شخصاً يهتم بي"
ـ وهل يفعل هذا؟
أجفلت وتكلكها الاضطراب: يفعل ماذا؟"
ـ يهتم بك؟ قالت لي مخدومتك انه محاسب ولديه وظيفة جيدة جدا لا استطيع ان اراك مع محاسب يا صغيرتي
وجدت جين مضطرة الى الدفاع عن هانتر فقالت : "من اختار كصديق ليس من شأنك هل تريدني حقاً ان اقبل دعوة أبيك؟ لماذا يريد ان يراني؟ هل تعرف؟"
وهزت راسها غير مصدقة، فقال بكآبة: لعله يريد ان يودعك ارجو ان تضعي حلافاتنا جانبا خلال الايام القليلة التي ستمضينها في الفيلا وساحرص أنا على الابتعاد عن طريقك"

5ـ عودة وحنين

كان الوقت عصراً عندما رست المعدية في كاليثي. استغرقت الرحلة من اندروس المطار الذي وصلت جين اليه من انكلترا ثلاث ساعات. وعندما وصلت الى الشاطىء كانت مرهقة جداً.
مضى على اتصال ديميتري أسبوع وخمسة ايام وقد أكد الطبيب حملها. لم تخبر احداً عن حملها بالرغم من ان غثيان الصباح لم يخفّ. وكانت تعلم ان اولغا لم تنخدع حين اصرت على انها التقطت جرثومة. اما امها التي اعلمتها بسفرها فافترضت ان حالة ابنتها ناتجة عن توجسها من رؤية اسرة زوجها مرة أخرى. ورأت ان على جين ان ترفض الدعوة، فهي مدعاة للسخرية ما دام ديميتري وجين يخططان للطلاق.
وكان هذا رأي أولغا ايضاً وبما انها لم تعلم بزيارة ديميتري، فكان طبيعيا ان تعتقد ان مسؤولية حمل جين يقع على اليكس. لحسن الحظ ان اليكس االذي يعمل في الشركة المسؤولة عن حسابات اولغا، لا يعلم شيئا عن شكوكها. وكان يعارض فكرة سفرها كلياً. وعندما اتصلت لتعلمه، هتف قائلاً: " يبدو لي مضحكاً انه وبعد أسابيع من ابلاغك بأنه يريد الطلاق، ها هو يقترح عليك الذهاب الى هناك لرؤية أبيه. أتثقين به؟ الا تظنين ان هذه مجرد الخدعة لاستعادتك؟".
ـ أرجوك!
بعد يوم مرهق، وجدت جين صعوبة في ان تحافظ على صبرها. وكانت قد أجرت مثل هذا النقاش مع أولغا التي لم يسرّها ان تأخذ مساعدتها اجازة من دون سابق إنذار. وتابعت جين تقول لأليكس: "اخبرتك ان ديميتري يريد الطلاق لكن...حسنا، ان والده مريض جداً يقول انه يريد ان يراني"
سارع اليكس يقول عند سماعه هذه الكامة: "هو يقول؟ اذن لديك كلمته فقط بأن ليو سوفاكيس مريض؟"
ـ لن يكذب ديميتري في الموضوع كهذا.
أحابته جين بحزم، متسائلة عن سبب تأكدها من صدق ديميتري بينما سبق له ان كذب عليها. تابعت تقول: كما ان لديه صديقة سيتزوجها بعد ان يتحرر وهي يونانية".
ـ فهمت
جوابها جعله يهدأ، لكن جين تساءلت عما اذا كانت أولغا على صواب في ظنها انه يضمر لها أكثر من مجرد مشاعر صداقة بريئة.
فالصديق العادي لا يستجوبها بهذا الشكل، ولا يتصرف كما لو ان له حقاً عليها. وعندما سالها كم ستطول اقامتها في اليونان، أجابته بغموض.
وها هي الآن تسير على تراب اليونان مرة اخرى، متسائلة عما اذا كانت حكيمة في قدومها الى هنا.
ما الذي ستشعر به، وهي ترى ديميتري مرة أخرى، عالمة انها حامل بطفله؟ فعلى الرغم مما قاله، كانت واثقة من انها ستراه، فهو لن يهمل والديه فقط لمجرد انها تريده ان يبقى بعيداً.
كان لديها حقيبة واجدة هي كيس ضخم يمكنها ان تعلقه في كتفيها. لم ترَ اي اثر لديميتري، لكنها لم تستطع ان تمنع الشعور بالحذر الذي ساورها. كانت تعلم ان المسافة بين الميناء الصغير وقرية سوفاكيس تستغرق عشرين دقيقة بالسيارة. لكنها لم تتذكر انها رأت مرة سيارة أجرة أو احتاجت واحدة، فقد أعطاها ديميتري السيارة الرياضية الصغيرة لاستعمالها الخاص.
كانت تتسكع بجانب اكياس الغلال التي انزلت من المعدية عندما رات امرأة تنظر اليها. لم تتذكر انها رأتها من قبل، ومع ذلك لفتها شيء مألوف فيها. كانت معتدلة الطول ذات ملامح أجنبية قوية ما جعلها كالكثيرات من نساء اليونان اللواتي رأتهن جين في الماضي. لكن ملابسها ووقفتها جعلا قلب جي يخفق بعنف عندما اتجهت هذه نحوها: "هل انت جين؟".
لكنتها جعلت كلماتها صعبة الفهم، او لعل نطقها باسم جين بذلك الاستخفاف هو ما جعله مختلفاً.
وبما ان جين كانت متعبة ولا تشعر نحوها بمودة، أجابت: "هذا صحيح هل ارسلوك لتستقبليني؟".
نظرت اليها المرأة من راسها الى اخمص قدميها قبل ان تجيب: "بل انا جئت لكي استقبلك. رات ماريا سوفاكيس ان من الافضل ان نتعارف، انا اريادن بافلوس. انا وديميتري سنتزوج بعد ان يتحرر من زواجه بك".
فوجئت جين رغم ادراكها ان هذه عادة والدة ديميتري في التصرّف. ارسال جبيبة ديميتري الجديدة وخطيبة المستقبل لتستقبلها. وتساءلت ان كان ديميتري بعلم هذا وافترضت ان عليه ان يعلم فما يحدث هنا من دون علمه نادر للغاية.
ـ ما أحسن هذا!
لم تشأ ان تدع اريلدن تدرك انها ازعجتها. ونظرت من حولها: "هل لديك سيارة؟"
ـ طبعا، انها هناك هلا رافقتني؟ا

بدا واضحا ان اريادن لم تتوقع ان تتقبل جين الامر بكل هذا الهدوء.
كانت السيارة مألوفة الى حد مؤلم. فاريادن تقود السيارة الحمراء الرياضية التي اشتراها لها ديميتري. وادركت جين ان هذا من عمل ماريا مرة أخرى، رغم ان اريادن شريكتها. لم تستطع ان تجزم ما اذا كانت والدة ديميتري قد خططت لذلك ام الامر مجرد وسوسة منها.
كانت حرارة قد خفت لحسن الحظ، وكانت الجزيرة تسبح في نور ذهبي دافئ. ألقت بكيس السفر في صندوق السيارة الخلفي، ثم جلست بجانب اريادن اتي قالت: "حسنا فلنذهب".
تكلمت بلغة هي مزيج من الانكليزية واليونانية، واذا ظنت ان جين قد لا تفهم ما تقول فهي مخطئة. فعلى الرغم من انها لم تسكن في كاليثي سوى عامبن ونيف، الا اها استطاعت ان تكتسب مقدارا جيداً من اللغة.
كانت بحاجة لأن تفعل ذلك لكي تستطيع ادارة معرضها.
كما ان ديميتري أرادها ان تتكلم بلغته، حصوصاُ في اللحظات الحميمة....
كانت الذكريات مزعجة حصوصا وهي تجلس بجانب الفتاة التي ستصبح زوجته قريباً. ويشكل لا ارادي مررت يداً متوترة على الانتفاخ الخفيف في بطنها. حدثها عقلها بان عليها ان تخبر ديميتري عن الطفل، لكن آخر ما تريده ان يظنها تريد ان تعود اليه.
ـ كم من الوقت ستمكثين هنا؟
قاطع سؤال اريادن مجرى افكارها المضطربة ولعل هذا امر حسن. فهي ليس هنا لتلبية لدعوة ديميتري بل لان أباه يريد ان يراها.
أجابت رغم انها حجزت للعودة في نهاية الاسبوع: "لا ادري"
واخذت تنظر الى الراس البحري والمنحدرات الوعرة المتجهة الى مياه البحر الفيروزية التي تلعق الشاطى.ء كانت قد نسيت تماما مدى جمال المنطقة وسألت: "كيف حال ليو؟ يقول ديميتري انه يشعر بتحسن"
نظرت اليها اريادن: "السيد سوفاكيس؟ حسنا انه مشؤش الذهن نوعاً ما. كنا قلقين جداً عليه"
ـ أنا واثقة من ذلك.
حاولت جين ان تشعر تحوها بالعطف، لكنها شعرت بان اريادن مهتمة بوجودها هنا أكثر من اهتمامها بوالد ديميتري، فقد كانت كلماتها خالية من المشاعر.
ـ انه متلهف جداً لأن يرى ديميتري سعيداَ.
وتابعت اريادن كلامها غير واعية الى انها تتكلم خارج الموضوع: "ليس حسنا ان يبقى الرجل من دون زوجة أو أسرة"
فتوترت شفتا جين: "ان ديميتلاي متزوج"
لم تستطع ان تقاوم رغبتها في الرد، فالقت عليها اريادن عليها نظرة ذاذاتت معنى: "لن يدوم ذلك طويلا. اخبرني ديميتري انك لن تثيري اي مشكلة بالنسبة للطلاق"
ـ أحقا أخبرك؟
رغبت في ان تقول انه كان عليها ان يفكر في ذلك قبل ان يغويها، لكن القسوة لم تكن من طباعها، وقالت: "لعله هو على حق"
ـ لعله؟
أشاحت جين بوجهها نحو البحر: "اين ديميتري؟ هل هو في البيت؟"
ساد صمت قصير قالت اريادن بعده بكراهية واضحة: "انه في رحلة عمل، ولن يعود قبل نهاية الاسبوع"
شعرت جين بالالم يتملكها، لكنه لم يكن الماً جسمانياً رغم علمها ان دميتري تصرف كما وعدها الا ان هذا الخبر دمرها فهو يعني اتها لن تراه.
ـ كنت تتوقعين رؤيته، اليس كذلك؟
لم تشأ اريادن ان تبقى صامتة، وعضت اسانها كيلا تتلفظ بالجواب المرّ الذي أوشكت على النطق به، وقالت: "انت مخطئة تماما كدنا نصل"
كل شيء بدا مألوفا الى حد مؤلم.. البوابة الخشبية والطريق المتعرج الذي تقوم الاشجار على جانبيه مشكلة ستاراً كاملاً للبيت، ثم الفيللا الفسيحة الفخمة بيضاء اللون كانت مصاريع النوافذ مفتوحة كما قرميد السطح يعكس اشعة شمس العصر. شهقت جين يالرغم عنها لكنها اسرعت تخفي ذلك، فلا لزوم للشعور بكل هذا الحنين لمجرد ان الذكريات غمرتها. فقد تركت الجزيرة بارادتها بعد ان كادت خيانة زوجها تدمرها.
أوقفت اريادن السيارة فترجلت جين منها قبل ان تتكلم الفتاة. لم تطلب المجيء الى هنا وليس في نيتها ان تخفف من مخاوف اريادن. اذا كان لديها شكوك من ناحية ديميتري، فلتواجه ذلك.
جل ما تريده هو ان تقوم بما يتوجب عليها ثم ترحل.

ظهر خادم بينما كانت جين تتناول كيس امتعتها، فسرّها ان تسلمه هذه المهمة. شعرت بالضيق من سخافة وضعها، راجية ان تصل الى غرفتها وتجد وقتا تصلح فيه مظهرها قبل ان تجتمع بوالدي ديميتري.
أخذ الخادم يتكلم باليونانية وهو يعلق الكيس على كتفيه، فالتفتت جين الى اريادن التي وقفت بجانب السيارة. فقالت هذه وهي ترفع جاجبها بغطرسة: "يقول انه ينتظرك ليريك غرفتك".
أومات جين بشيء من الضيق: :اني افهم اليونانية قليلاً، أشكرك على استقبالك لي يا اريادن. اتوقع ان اراك في ما بعد".
توترت شفتا اريادن: "بكل تأكيد دعتني السيدة سوفاكيس للمكوث هنا عدة أيام. قالت ان الامر ربما يكون...اسهل بهذا الشكل"
أسهل لمن؟ أخدت جين تتساءل بينما هي تتبع الخادم عبر الفناء صعودا الى الشرفة مسقوفة بعرائش من الازهار.
كان الباب الواسع مفتوحا على ردهة فسيحة مبلطة بالرخام تؤدي الى قاعة استقبال مبردة بمراوح ضخمة معلقة في السقف.
أشار الخادم الى جين لتتبعه الى حيث الارض مبلطة بالآجر اللامع، فمرا بالنافورة التي تومض ويحيط بها تماثيل الآلهة التي حكمت يوما ما في هذه الجزر، ثم صعدا السلم الفسيح الى الطابق العلوي وكانت جين تعجب أثناء صعودها، لاريج الأزهار الذي لا تجد له مثيلاً في وطنها.
كانت تعلم، منذ سكنت في هذه الجزيرة، ان الفيلا مؤلفة من طابقين وجناحين. وعندما كانا هي وديميتري، يقيمان هنا شغلا الغرف الواقعة في نهاية الجناح الأيمن، لكن يبدو امها ستقيم في مكان آخر الآن.
ألقت نظرة على المشهد البادي تحتها، فصعقت لشعور العزلة الذي تملكها. لم تر سوى الخدم ورغم انها كانت ترجو ان تهرب الى غرفتها من دون ان ترى والدة ديميتري، الا انها شعرت بالاهانة لأنها لم تجد أحداُ في استقبالها. لعل هذا ما تريده الام، لكنها رفضت ان تدع تصرف تللك المرأة يؤثر فيها.
لعلها تحاول ان تريها انها في غير مكانها الطبيعي، لكن جمال هذه الغرف العالية السقف التي تتصل ببعضها البعض، وذات الجدران الكسوة بالحرير والجلد الفاخر، بدا مذهلا للغاية. كانت أسرة سوفاكيس اسطورية الثراء، وهذا ما جعل علاقتها بديميتري غير متناسبة، ومدمّرة في النهاية.
فسحة السلم المزينة بالتحف كانت قريبة من الشقة التي أشار اليها الخادم لتدخلها، والتي كانت فخمة ومريحة معاً. غرفة جلوس أنيقة متصلة بغرفة نوم فسيحة ذات باب خارجي ينفذ الى الشرفة.
وفيما حمل الخادم كيسها الى الداخل، سارت هي الى النوافذ احدى تلك النوافذ المستطيلة كانت مفتوحة قليلا مما جعلها تسمع هدير البحر الخافت. ورات في الاسفل مياه بركة السباحة تلمع تحت أشعة الشمس العصر وخلف الحدائق، كانت كثبان الرمال تقود الى شاطىء ابيض الرمال تعانقه مياه بحر ايجه الفيروزية التي تتألق يخطف البصر. سألها الخادم اذا أعجبتها الغرفة، فالتفتت اليه باسمة واجابته بلغته: "كثيرا جدا، شكرا.
ـ بكل سرور
وابتسم لهل بحرارة ثم تمنى لهل اقامة طيبة وغادر الغرفة تبعته الى الباب الخارجي، وعندما اغلقته خلفه، استندت اليه. شعرت بتعب مفاجىء لكنها ادركت انه تعب نفسي بقدر ما هو جسدي. وعادت تمر بيدها على بكنها متفحصة. يا الهي! لم تكن متلهفة لمواجهة والدة ديميتري، لكنها لم تحلم ان يقتصر اللقاء على خطيبته فقط.
كانت تدرك ان عليها ان تخرج أغراضها القليلة من الكيس، لكنها لم تشعر برغبة في ذلك حالياً. تركت الباب وخلعت حذاءها ثم سارت الى غرفة النوم حيث القت بنفسها على السرير البالغ الاتساع والمريح للغاية، وأغمضت عينيها.


6ـ النجمة الساطعة

استيقظت على صوت طرق على الباب.
فتحت عينيها، وفي البداية لم تدرك اين هي. وذكرها منظر موجة عالية راتها من النافذة المفتوحة بمكانها.
وفجأة جلست، ثم أمسكت بطرف الفراش عندما دارت الغرفة به.ا تملكها الغثيان لكنه لم يدم طويلاً لحسن الحظ. لقد نهضت بسرعة بالغة وهذا كل ما في الامر...يبدو انها مستغرقة في نوم عميق.
وكلمها شخص من الخارج باليونانية، فنزلت من السرير كارهة وسارت الى الباب راجية الا تكون ماريا. لم تشأ ان تواجه حماتها بسروال مجعد وقميص مبتل بالعرق. لم تكن مستعدة لاستقبال أحد فتملكها الارتياح عندما فتحت الباب لتجد خادمة تنتظر في الخارج.
كانت تحمل صينية غليها عصير فاكهة بارد وكأس. عندئذ، أدركت جين انها تشعر بظمأ شديد أخذت الصينية من الخادمة متوقعة منها ان تذهب، لكن هذه قالت: " السيدة سوفاكيس تسألك ان كان بامكانك ان نتضمي الى الأسرة لتناول الشراب قبل العشاء. هل الساعة السابعة والنصف وقت مناسب؟"
كانت جين قد وضعت الصينية على منضدة قريبة وسكبت انفسها كأسا من الشراب البارد وبعد ان أخدت جرعة منه. نظرت الى ساعتها كانت الساعة تقارب السابعة فعادت تحملق فيها غير مصدقة. لقد نامت أكثر من ساعتين. لا بد انهم سيعتبرونها قليلة التهذيب اذ لم تعبأ حتى بتقديم احترامها لوالد ديميتري.
قالت: "همم نعم هذا حسن"
وأدركت ان الفتاة لم تفهم ردها فعادت تقول ذلك باليونانية.
لم تضيع جين الوقت في شرب العصير بل حملت الكأس الى الحمام لانها لا تزال ظمأى. خلعت ملابسها وقفت تحت المياه الباردة المتدفقة.
وبعد نصف نصف ساعة، تأملت مظهرها في المرآة المستطيلة. من حسن الحظ ان ثوبها الزمردي لم يتضرر من وضعه في الكيس، وانها أحضرت معها الحذاء العالي الكعبين الذي اشترته خلال رحلة الى تايلاندا!
وضعت بعض الكحل ولمسة بنية مائلة الى الصفرة على شفتيها. على كل حال، لن يهتم احد بالنظر الى مظهرها ما عدا والد ديميتري. كان شعرها لا يزال رطباً، لكن عندما سرحته وربطته الى الخلف بدا مناسبا كما ان الرطوبة جعلته يبدو داكن اللون.
حسنا، انها جاهزة ولم تشأ ان تحمل حقيبة يد فخرجت من غرفتها، وتنفست بعمق قبل ان تتجه الى السلم. كان الجو مظلماً تقريباً فيما الطابق السفلي مضاء بعشرات المصابيح الموضوعة في الفجوات، لتضلل التماثيل الناعمة الرقيقة بلون ذهبي حتى النافورة غرقت في حوض من النور الساطع، ما جعل المكان يسبح في نور سحري.
أخذت تتأمل ما حوله، معجبة بكل ما تراه بعينها الخبيرة الذواقة لكن من دون اي شعور بالحسد.
رات خادمة تقف عند أول السلم، تنتظرها لمرافقتها الى سيدتها. راحت تختلس النظر الى مظهر جين، ما جعلها تتساءل لأول مرة عما اذا كان ممكناً لأي شخص ان يشك في سرّها لكن الفتاة فضولية وحسب، ومن يمكنه ان يلومها؟
غادرتا الردهة وسارتا في ممر يقود الى مؤخرة الفيلا. كان الممر مفتوحاً من جانب واحد ما جعلها تسمع مرة أخرى همهمة البحر الرقيقة.
وتساءلت عما اذا كان ليو سوفاكيس يستقبل ضيوفه خارجاً لكن وقبل ان تصلا الى الشرفة، اتجهت الخادمة الى حيث قامت خيمة زجاجية ضخمة. كان مستنبت البرتقال هذا كما تتذكره جين دغلاً حقيقياً لانبات الاشجار والنباتات الاستوائية، مع انوار خفيفة تتسلل بين الخضرة.
أعلنت الخادمة وصولها فتقدم ليو سوفاكيس بتثاقل وهو يتكىء على عصا، لكن ابتسامة ترحيب حقيقية ارتسمت على وجهه. لاحظت جين خطوط الاجهاد على ملامحه التي ما زالت شبها بملامح ابنه: "جين"
تكلم بحرارة وهو يمسك بيديها الاثنتين في يده الطليقة ويميل عليها ليطبع قبلة على خديها: "ما أجمل ان اراك ولكن.. "
ونظر اليها بامعان مضيفاً: "تبدين متألقة. قالت اريادن انك كنت متعبة جدا حين وصولك"
ـ كنت فعلاً متعبة
ردت تحيته وهي تكبت اسثياءها لأن اريادن كانت تتحدث عنها وسمحت لوالد ديميتري بان يجرها الى الأمام لمقابلة الآخرين وهي تقول: "آسفة فقد غلبني النوم والا لجئت اليك لأشكرك على دعوتك لي جميل ان اراك مرة أخرى يا ليو لن اسألك عن حالك الآن لأنني واثقة من انك متعب من الجواب عن هذا السؤال"
ـ كم انت على الصواب، يا عزيزتي!
وربت على يدها مرة أخرى ثم تركها: "ولا حاحة بك الى الاعتذار من الواضح ان النوم أفادك. والآن أظنك تعرفين الكل هنا اليس كذلك؟ ماريا طبعا".
وانتظر حتى تبادلت جين قبلة باردة مع حماتها ثم تابع: "اريادن التي قابلتها من قبل الآن، ثم ستيفن، وانا واثق انك تتذكرينه، ويانيس ام عليّ ان أقول الاب جوزيف؟"
وتوترت شفتاه بشكل غير متوقع قبل ان يضيف: "جاء خصيصا ليراك"
حيتهم جين جميعاً، ممتنة لأنها تعرفهم جميعا باستثناء اريادن. منذ حمس سنوات مضت، كانت تعتبرهم اسرتها، حتى الام رغم ان هذه لم تحبها قط.
بقيت دقائق عدة تخبرهن بما كانت تفعله مؤخراً. يبدو ان ديميتري أخبرهم عن نجاح المعرض وعن دورها في هذا النجاح.
حاولت الا تشعر بالمودة والحماسة لتأثره بالمسؤوليات التي سلمتها لها اولغا وتساءلت عما كان يحاول ان يريح ضميره لكنه لم يكن يعلم ان اباه سيدعوها الى هنا عندما عاد الى الجزيرة!
أثناء تناول الطعام في غرفة الطعام المجاورة، وجدت جين نفسها تتحدث الى كل منهم بدوره. كانت المائدة فسيحة وقد أضيئت بالشموع ما جعل قراءة الملامح صعبة.
بقيت والدة ديميتري باردة كالثلج كما بدا استياء اريادن من وجودها جلياً، فقد سرقت منها الاضواء. لكن ليو وولديه بذلوا جهدهم في تسليتها والتخفيف من ارتباكها. لطالما كان ستيفن عاطفياً ذا مزاج مرح، محب للنكت
اما التغيير الاكبر فكان مع يانيس الكاهن عندما تركت جين الجزيرة، كان قد ابتدأ لتوه دراسته ليصبح كاهناً. وها هو ذا الآن يبدو غريبا في لحيته وشاربيه الكثين، وذا هيبة، رغم لطفه الذي عرفته عنه يوما.
اكلت جين قليلا وشربت اقل لكنها ابقت بجانبها كأسا مليئة بالماء البارد.


كانت والدة ديميتري قد اقترحت لتوها ان ينتقلوا جميعا الى الصالون الرئيسي لاحتساء القهوة عندما سمعوا صوت هدير طائرة فوق رؤوسهم. كان صوت طائرة هيلوكوبتر تطير على علو منخفض وكأنها ستهبط الى الارض.
جف فمها على الفور، وتعرقت راحتاها لما شعرت به من ضيق فوضعت الكاس من يدها خوفا من ان ينزلق الى الارض. كل افراد الاسرة هنا، ما عدا ديميتري. لذا لم يكن لهذا الصوت سوى تفسير واحد وكانما شاركتها اريادن أفكارها. اذ اتسعت عيناها بمزيج من الدهشة والحدس، وسالت ليو سوفاكيس: "هل هذا ديميتري؟ لكنني ظننت انه لن يعود الى البيت قبل نهاية الاسبوع!"
فقالت ماريا سوفاكيس بحرارة: "انه لا يصبر على فراقك لماذا لا تخرجيت لاستقباله؟ انا واثقة من ان ليو سيعذرك".
وقبل ان تقف اريادن، تدخل الوالد قائلا: "قد يكون هذا فاسيليس يا ماريا. ثيو فاسيليس مساعد ديميتري".
وأضاف موجها الحديث الى جين: "كنت طلبت منه ان يرسل لي بعض الارقام اثناء النهار، ولعل قرر ام يحضرها بنفسه".
ـ لا أظن هذا
وعندما همت ماريا بان تؤكد زوجها ان مساعد ديميتري لن يستخدم طائرات الشركة، غصت جين بريقها. يا الهي! لا يمكن ان يكون ديميتري لقد وعد... ولكن بماذا وعد؟ وعد ان يتجنب رؤيتها لكنه لم يقل انه سيمكث بعيداً عن الجزيرة فهذا بيته واريادن هنا.
قال ليو وهو يتناول عصاه، ويترك مكانه عند راس المائدة: "يبدو انها هبطت. سأذهب وانتظره على الشرفة"
شرعت اريادن تقول: "بامكاني انا ان اذهب...."
لكن والد ديميتري اسكتها باشارة من يده: "اذهبي انت الى الصالون مع الاخرين يا عزيزتي، واستمتعي بقهوتك. اذا كان هذا ديميتري، فاود ان أمضي يضع دقائق معه على انفراد للحديث عن شؤون الشركة. انت تدركين ذلك".
نقلت جين بصرها بين اريادن وحماتها، فلم تدرك ايهما أكثر انزعاجا من كلامه هذا.
هتفت ماريا بحدة: "يفترض بك ان ترتاح"
لكن ليو رفع اصيعه الى شفتيه وهو يقولك "سافعل هذا، ولكن بعد ان اتكلم مع ابني".
فقالت ماريا وهي تلحق به: "ولم لا تتحدث الى ديميتري في مكتبك؟ لمجرد انها هنا، لا يعني ان ديميتري لا يستطيع ان يدخل الى منزله"
قال ليو باستياء وقد بدت عيناه مشابهتين لعيني ابنه ديميتري: "جين، اسمها جين انتبهي الى القهوة ولن اتاخر..."
غادر الغرفة من دون ان يضيف كلمة أخرى وساد الصمت في الغرفة، فاذا بجين تغتنم الفرصة لتهب واقفة: "ارجو المعذرة يا ماريا لكني احب ان اذهب الى غرفتي الآن. كان يوماً مرهقاُ، وعليّ ان اخرج امتعتي من الحقيبة"
صحيح ان امتعتها هي ثوبان ويعض الملابس الداخلية وبعض السراويل القصيرة ولن يتطلب ترتيبها سوى يضع دقائق، الا ان حماتها لا تعلم بذلك.
ـ حسنا، اذا كنت واثقة....
كانت جين واثقة من ان حماتها واريادن تكادان لا تصدقان حسن حظهما هذا وقالت لشقيقيّ ديمتري بابتسامة متكلفة: "طبعا واثقة! سرني ان اراكما مرة أخرى يا ستيفن ويانيس. اذا لم اركما مرة اخرى، فشكرا على ترحيبكم بي"
كان ليو قد وصل الى الباب الخارجي عندما عادت الى الردهة حيث خلعت حذاءها كيلا تثير انتباهه. اجتازت الردهة بسرعة، ثم سارعت الى صعود السلم الى الطابق العلوي. كان تنفسها غير منتظم من توتر الاعصاب ومن الجهد الذي بذلته وعندما وصلت الى فسحة السلم، وقفت قليلا لتنظر الى الاسفل لكن عندما سمعت صوت الرجلين. تملكها الذعر واسرعت الى غرفتها اذ لم تشأ ان يظن ديميتري انها متلهفة لرؤيته مرة اخرى. واذا قررت ان تخبره عن الطفل فهي لا تريد ان يظن انها تتوقع منه ان يغير رايه بالنسبة الى الطلاق. ما من شيء، فهو ما زال نغلا وكاذبا وبعد تصرفه ذاك في لندن لم تعد تدين له بشيء. سارت الى النافذة، فرات الاضواء التي تتألق تحت الماء في البحيرة. لقد اعتادت ان تسبح فيها مع ديميتري اثناء اللبل عندما ينام الجميع.
لم تبارحها الذكريات، فتركت النافذة وسارت الى غرفة النوم. وجدت ان الخدم اغلقوا النافذة واناروا المصابيح على جانبي السرير الواسع كما انهم أخرجوا امتعتها من الكيس وعلقوا ثوبها الثاني في الخزانة وطووا كل ملابسها الاخرى ووضعوها في الادراج. لا بد ان ماريا تعرف هذا لكنها لم تحاول ان تقنعها بالبقاء معهم ولماذا تقنعها؟. فماريا لا تريدها هنا واريادن هي المفضلة بينما جين ليست سوى طفيلية مزعجة أصر زوجها على اعادتها الى حياتهم.
خلعت جين ثوبها فشعرت بنهديها اثقل من قبل. سارت الى الحمام واخذت تتأمل صورتها في المرآة. نعم، ثمة تغيرات في جسمها ويمكنها ان ترى ذلك بوضوح.
وقفت بشكل جانبي، ثم وضعت يديها على بطنها.
ثمة انتفاخ بسيط سبق ولاحظته ام انها تتخيله، فهي لم تكد تتم الاسبوع السادس. متى يصبح الحمل ظاهراً؟ كان عليها ان تسأل اختها.
او ربما لا! لوسي لن تمتنع عن اخبار امهما ما سيجرح كرامة الام ويفتح عليها ابواب جهنم. ربما من الافضل ان تحتفظ بهذا الخبر لنفسها حالياً
على الاقل، حتى تقرر ما عليها ان تفعل.
ـ هل تعجبين بنفسك، يا جين؟.
بدا هذا الصوت مألوفاً الى حد مؤلم لكن ما لم يكن مألوفاً تماماً هو المشاعر المتدفقة من صوته. منذ متى وهو يقف على عتبة الحمام؟ هل رآها تتفحص نهديها؟
لا بد انه رآها... قررت هذا ودقات قلبها تتسارع.
هذا هو السبب الذي جعله ينظر اليها وعيناه تنضحان بالمشاعر المحمومة.

7ـ جعلتيني مجنونا

أشاحت بوجهها عنه... وساد الصمت لحظة طويلة. كانت تعلم ان عليها ان تستر نفسها لكن دافعا ما... ولعلها رغبة في تعذيبه منعتها من ذلك.
تساءلت عما يتوقع منها ان تقول، فلا بد انه حضوره بهذا الشكل يخرق كل قواعد التهذيب، لا سيما وانهما يتحضران للطلاق، وان خطيبنه المستقبلية تنتظره في الاسفل. ستكون حمقاء ان لم تطلب منه ان يغادر جناحها على الفور.
لكن كل ما قالته هو: "كان هذا في الماضي يا ديميتري!"
نظرت من فوق كتفها، فرأت وجهه الصلب الملامح يظلم احباطاً. ومضت فترة توتر ثم قال بحدة: "البسي ثيابك. اريد ان اتحدث اليك. سأنتظرك في الغرفة المجاورة"
ـ غرفة النوم؟
ـ لا، بل غرفة الجلوس. أسرعي!
نظرت جين الى نفسها في المرآة وقالت بنعومة: "لعلي لا اريد ان ارتدي ملابسي. لقد صعدت من الطايق السفلي كي أنام. انا متعبة، وارى ان عليك ان تذهب الآن. سأتحدث اليك في الصباح"
فأجاب من خلال اسنانه المطبقة: "لن اكون هنا في الصباح. عليّ ان احضر اجتماعا في اثينا سيستمر يومين. وارجو ان اعود في نهاية الاسبوع".
ـ وما علاقة هذا بي؟
لم تعرف كيف قالت هذا، لكنها قالته بنبرة ساخرة.
ـ ارتدي شيئاً!
أضاف باختصار وهو يرفع حمام معلقاً على الباب ويلقيه اليها: "هذا يكفي".
لم تحاول جين ان تلتقطه فوقع على الارض. شتم ديميتري بلغته ثم تقدم منها، وعيناه تقابلان عينيها في المرآة، ثم التقط ووضعه عنوة على كتفيها وهو يقول: "البسيه، والا لن اكون مسؤولاً عن النتيجة"
ـ آه لقد أخفتني.
كانت بدأت تستمتع بهذا الموقف، رغم انها تدرك انها تلعب بالنار. لم يكن ديميتري بالرجل الذي يتفبل الاستفزاز بسهولة. وجعلتها ملامحه تحبس انفاسها حين قال بلهجة تهديد: "جين"
وتقابلت أعينهما في المرآة، فأحست بأنه أدرك تماما ما تفكر فيه عنذئذ ايتعدت عنه ثم انحنت تلتقط ثوب الحمام عن الارض لتلبسه بسرعة وتشده حول جسمها المرتجف قائلة: "لا بأس، فلنذهب الى غرفة االجلوس. لا ادري ما هو الموضوع الذي سنتحدث فيه، لكنك سوف تخبرني".
تنحى جانبا ليسمح لها الخروج من الحمام فوجدت نفسها مرغمة على الاحتكاك بجسمه الصلب المنيع. كان يرتدي بذلة رمادية داكنة، وقميصا بلون اللؤلؤ وقد ارخى ربطه عنقه بدا مختلفا بشكل أثار احاسيسها، لكنها تعلم انه يبدو بهذه الحاذبية حتى لو ارتدى سروال جينز وقميصاُ مقفلاً.
كانت غرفة مظلمة فأضاءت جين مزيداً من المصابيح على الفور. ارادت ان تتخلص من هذا الاحساس بالضعف. لماذا جاء ديميتري الى غرفتها? الا يمكن ارجاء ما يؤيد ان يقوله الى الصباح؟ وتذكرت انه قال انه سيغادرالى اثينا في الصباح، ما يعني انها ستنجو من مهانة ان يدخل عليها الحمام فيجدها تتقيأ.
ومع ذلك، بقي يشغل بالها بطوله وسمرته وجاذبيته الخطيرة وغموضه وبراعته في التلاعب بالكلمات. وفجأة بدت الغرفة أصغر حجماً، وحميمة وخطر عليها انه علم بأمر الطفل. فارادت ان تجلس، لكنه لم يفعل مثلها. عليها اللعنة اذا كانت ستدعوه للجلوس وهكذا رفعت راسها ونظرت اليه ببرودة، بينما راحت معدتها تهددها بان تحرجها مرة اخرى.
بدا متعباً، وقد ادرك ان هذا الوقت ليس مناسبا للحديث مع من ستصبح زوجته السابقة. حقيقة انها غادرت غرفة الجلوس حالما سمعت صوت طائرته، اكدت انها لا تريد ان تراه لماذا لم يطع أمه فينتظر حتى اليوم التالي ويتصل بها من اثينا ليطمئن الى انها تلقت من المحامي اوراق الطلاق؟ في الواقع، اراد ان يعرف ما عنته اولغا ايفانوفيتش حين اتصلت.
قال: "تلقيت اتصالاً هاتفياً"
ادرك من توتر ملامحها المفاجئ انها شعرت بالتوجس من الآتي.
قالت بصوت خافت: "اتصال هاتفي؟"
ثم تمالكت نفسها واردفت: "ما علاقة هذا بي؟"
رد بفتور: كان الاتصال من اولغا ايفانوفيتش ."
راى نظرة ذعر مفاجئ في عينيها. ما الذي تخافه؟.
ـ اولغا؟ ولكن كيف؟
ـ هيه كيف استطاعت الوصول اليّ؟
وعندما لم تجب تابع يقول: "لعلك تتذكرين اني من قبل. كنت ابحث عنك لاخبرك بان أبي طلب ان يراك. ويبدو انها هاتفها سجّل رقم هاتفي. على اي حال حرصت على ان تسجله تحسبا لما ياتي به المستقبل".
ازدردت جين ريقها: "ولكن ام اتصلت بك اولغا؟"
هز هتفيه: "لقد باعت ذات مرة تمثالا صغيرا من البرونز لابي. اليس كذلك؟
تذكرت جين انها هي من باعه ذلك التمثال وكانت هذا بداية معرفتها بليونيدس سوفاكيس الاب ومن بعده ابنه..
ـ هل هذا ما تريده؟ ان تخبر اباك عن بعض التحف التي عثرت عليها حديثا؟
توترت شفتا ديميتري: "هل تعتقدين ذلك؟"
ارتجفت جين رغم حرارة الغرفة، ثم هتفت بعد ان قررت التحدث بصراحة: " لا ادري ماذا عليّ ان اظن؟ لم لا تخبرني بما قالته بدلا ان تلعب باعصابي؟"
ـ هذه ليست لعبة.
وفتح زرا اخر في اعلى قميصه، كاشفا عن بشرته السمراء المغطاة بشعر خفيف اسود ثم ضاقت عيناه وهو يتابع قائلاً: "مخدومتك قلقة على صحتك يا جين، وليس على على صحة ابي. اخبرتني انك ضعبفة حاليا. قالت ان عليّ الا افعل ما يكدرك. والآن، ماذا تظنينها تعني بذلك؟ ما الذي اخبرتها به؟
قالت بحدة وهي تلعن اولغا في سرها: "انت... انت تعلم انني لم اكن بصحة جيدة عندما اتصلت بي فتملك اولغا القلق عليّ وهذا كل ما في الامر".
ـ انا اوافقك الراي
سكت لحظة فادركت انه يتأمل الاحمرار الذي صبغ وجنتيها الشاحبتين ثم اضاف: "لكنك اخبرتني انه مجرد رشح، والرشح لا يستلزم مثل هذا القلق"
ـ هذا صحيح، لكن اولغا عاطفية للغاية ولعلها ليست واثقة من انك لن...لن...
ـ لن ماذا يا جين؟
وتقدم منها، فثبتت كيلا تبتعد: "من انك لن تخدعني"
لم تشأ ان تعترف باته ما زال قادرا على ان يؤلمه.ا وقالت محاولة ان تجعل لهجتها مرحة: "ألن تتساءل اريادن اين انت؟".
ـ اريادن تثق بي
واضاف بخشونة بعد ان جعله كلامها في موقف الدفاع: "ماذا؟ اتظنينني لم اخبرها الى اين انا ذاهب؟ وانني جئت الى هنا متسللاً لارى امرأة انا متلهف للتخلص منها من دون ان ادع اريادن تدرك نيتي؟"
زمت جين شفتيها وقد اصبحت الآن في موضع الدفاع: "كلا"
ـ هذا حسن، والا فانت مخطئة للغاية.


لم يعلم ديميتري من اين جاءه هذا الغضب كله. فقد اصبح فجأة عتيفا للغاية.فجين هنا الآن، في بيت اهله، وهي تبدو اجمل من اي وقت مضى وقد اثار هذا امتعاضه, لم يكن يريدها هنا. لم يشأ ان يتذكر ما كان بينهما ذات مرة وقال:انا واريادن متفاهمان"
قالت ساخطة: "با لحسن حظك".
هذا الشعور بالسخط هو حتما افضل من الشعور بالارتباك الذي تملكها سابقا وتابعت تقول: "اذا كان هذا كل ما جئت لتخبرني به فماذا تنتظر؟ اريد حقا ان انام".
تملكه الغضب وعندما تمالك نفسه سألها: لماذا جئت الى هنا يا جين؟"
اتسعت عيناها. لقد صدمت ولاحظ هو ذلك.
وهزت راسها واجابت: لماذا جئت الى هنا؟انت تعرف لماذا جئت يا ديميتري. لقد طلب والدك مني ذلك"
ـ كان بامكانك ان ترفضي.
ذهلت: "ارفض رغبة رجل يموت؟ ماذا تظنني؟"
ـ لا ادري ماذا انت با جين؟ قديسة ام شريرة؟ لا استطيع ان اقرر تماماً.
انفرجت شفتاها، ثم قالت مع نبرة ازدراء في صوتها: "حسنا، انا على الاقل لست انانية يا ديميتري. انت اناني كلياً".
ـ وانت لست كذلك؟
لم يعد يدري لماذا اراد ان يتابع هذا الموضوع، لكنه عاجز عن تركه: ـ هل هذا يعني انك بررت السبب الذي جعلك تهجرينني؟ أم ان عليك ان تذكري نفسك دوما بالسبب الذي جعللك تقترفين تللك الغلطة الهائلة؟
ـ لم تكن تلك غلطة
ـ لماذا اجد صعوبة في تصديق ذلك؟ اليس من المنافق ان تتحدثي عن المادئ فيما سمحت لي منذ اسابيع قليلة بان انال منك ما اشاء؟
بدت لها هذه الكلمات قاسية للغاية. هي تخرج من فمه فشهقت وقبل ان تستطيع منع نفسها رفعت يدها وصفعته.
لم يحاول ان يتجنب الصفعة ونظرت غير مصدفة الى آثار اصابعها على وجنته.
ندمت على فعلتها على الفور فهي لم تفعل شيئا كهذا قط من قبل لكن الوقت فات على تغيير رايها وما كادت يدها تبدي نوعا من الخضوع حتى تبددت رباطة جاش ديميتري فأطلق صرخة عنيفة بلغته لم تفهمها، وامسك بمعصمها باصابع صلبة وجرها اليع رغما عنها: "اذا كان هذا ما تريدينه، من اكون انا لأشكو؟"
ـ ديميتري!
صرخت ولكن من دون فائدة اذ قال بخشونة: "اخرسي"
ـ ولكن ليس بامكانك...
عاد يكرر ان تخرس وهو يقبض على شعرها ويميل راسها الى الاسفل وادركت هي انها ضاعت فالغضب والاحباط الذي شعر بهما جعلا التصرف معها بلطف مستحيلاً وعندما اسندها الى الجدار خلفها سحق جسدها.
وتمتم يصوت اجش: "انت رائعة الجمال وانا اريدك"
كانت يداها عالقتين بين جسديهما، وحين سحبتهما. رفعت اصابعها بفزع لتخدش وجنته، لكنه دمه لم يسل لحسن الحظ. لكن حين خدشت راسه باظافرها. اخذ يزمجر متذمراً وقال وهو يترنح: "اياك ان تدعي انك لا تريدينني ايضاً"
ورغم ان يديها امسكتا بشعره تريد ان تبعد راسه عن راسها، الا ان ارتجاف صوته مزق تصميمها ارباً ارباً.
قالت بعنف: "انا انا لا اريد"
لكن شفتيها نطقتا بقصة مختلفة وازدادت العواطف المشبوبة بينهما.
ـ لهذا السبب جئت الى هنا اليس كذلك؟
وصمت لحظة ثم تابع قائلاً: "انت مصممة على ان تدمريني"
هتفت: "كلا"
لكن ديميتري لم يصغ اليها فقد ضمها اليه بشدة، وسألها بصوت يفيض بالمشاعر: "هل تشعرين بما اشعر به؟ نعم، طبعاً ولكن هل لديك فكرة عن شعوري وانا ملتصق بك الى هذا الحد؟"
ـ ديميتري,,,
تابع كلامه وكأنها لم تقل شيئا: "لقد جعلتني مجنوناً تماماً، ومنفعلاً للغاية"
وصمت ثم اردف: "لكنني ما زلت اريدك حتى تمنحيني بعض الراحة من هذا العذاب الذي سببته لي"
ـ ديميتري
ـ لا تحاولي ان تقولي انني لا ادري ما اقول بل اعرف، اعرف يا جين صدقيني
ـ ديميتري...ارجوك...
ارتعش لصوتها الاجش، وشرع يفتح قميصه بيده الطليقة بعد ان انتزع ربطة عنقه والقى بها الى أخر الغرفة وكانت تشجعه بعد بعد ان تعلقت بعنقه عندما سمعا دقا متردداً على الباب بقيا لحظة من دون حراك، وكأنهما تجمدا لتوهما وراح ديميتري يشتم بلغته بصوت خافت
ـ جين
جف فمها وفد تملكها الخوف للحظة من ان يكون ديميتري هو من تكلم، فينبه الواقف خلف الباب الى وجوده في غرفتها لكنها ادركت على الفور ان ديميتري من الغضب بحيث لا يمكن ان يقول كلمة مهذبة انه صوت آخر، صوت امتزج بالارتباك ودفعت راس ديميتري الى الخلف ليتمكن من رؤية شفتيها وهما تقولان بصوت خافت: "انه ابوك".
وكان الذعر يبدو على وجهها فتمتم باستسلام: "اعلم هذا"
ـ ما الذي ستفعله؟
انتصب واقفاً وأخذ يسرح شعره باصابعه، فيما سترت نفسها وهي تضيف: "لا يمكن ان يجدك هنا، خصوصاً بهذه الحالة. غليك ان تذهب".
فقال ساخراً: "اذهب الى اين؟ أتتوقعن مني ان اختبئ في الحمام؟"
ـ هذه فكرة حسنة بكل تأكيد
نظر اليها باستخفاف وهمس: "لا سبيل الى ذلك!"
ـ جين
وساد صمت طويل، عاد بعده الاب الى الكلام: "هل معك أحد، يا عزيزتي؟ يمكنني ان اعود في ما بعد اذا شئت".
ـ لا .، انا...
حاولت ان تجد جوابا، وهب تنظر الى ديميتري ضارعة متوسلة كي يختفي عن النظر.
لكن كل ما فعله هو أن أقفل قميصه ودسّه تحت سرواله ليتوجه نجو الباب ويفتحه.

تملك جين الدهشة بعد ان ادركت انها نامت بشكل جيد.
لم تتوقع هذا بعد النهار والمساء اللذين مرت لهما. توقعت ان تستلقي لساعات تفكر في كل ما حدث، واذا بها تفقد الوعي حالما لمس راسها الوسادة.
هل ضميرها مرتاح؟ لم تكن تظن ذلك. فما فعلته وما سمحت لديميتري ان يفعله معها...لا يغتفر وكانت تستحق ان تمضي الليل تعنف نفسها على حماقتها.
لا شك ان حملها هو سبب استسلامها للنوم بسهولة .وانقلبت على ظهرها فرأت الشمس تنساب من خلال الستائر. اثناء وجودها في لندن كانت الاحلام المزعجة تقض مضجعها، لكنها كانت من الارهاق الليلة الماضية بحيث لم تستطع ان تبقي عينيها مفتوحين. لم تشعر بمثل هذا الارتياح منذ مدة طويلة، منذ عاد ديميتري الى حياتها في الواقع .على كل حال، حان الوقت لمواجهة النهار، ولم يكن الغثيان هو ما يزعج معدتها الآن. يا الهي! ماذا خطر لوالد ديميتري عندما راى ابنه يفتح باب شقتها ويندفع خارجا من دون ايضاح؟ لقد اكتفى بكلمة مقتضبة هي "بابا" وهو يمر به متجها نحو السلم وكانه لا يريد ان يجيب عن اي سؤال عن وجوده هنا.
ماذا خطر للأب من افكار وهو يرى ابنه مع المرأة التي يفترض ان يطلقها، لا بل يقوم فعلياً بالاجراءات اللازمة لذلك. الم تستلم اوراق الطلاق من المحامي قبل ان تغادر لندن قادمة الى كاليثي؟ وعدم توقيعها لا يعني انها غير موجودة.
وبعد رحيل ديميتري، بقي والده يحدق في اثره وكانه لا يفهم الوضع. وعندما نظر الى جين وكانه استوعب الموقف.
كان وجه جين مصبوغاً بالاحمرار ليو الاب ليس احمق، ولا بد انه تكهن بالضبط ما قاطعه. ولهذا رفض الدخول حين دعته الى ذلك. وعاد ينظر الى فسحة السلم وكانه يتوقع عودة ابنه. قال لها: "اذا كان لديك كل ما تحتاجينه. فسأتمنى لك ليلة سعيدة نامي جيدا، يا عزيزتي".
بدا وكانه ادرك ان الوقت ليس مناسباً لتبادل الحديث لكن عندما تمنت له جين ليلة سعيدة، تمنت لو تتمتع بالجرأة اللازمة لتقول له ان ليس كما يظن! رغم ان الامر كما ظنه فعلا! كيف يمكنها ان تخدعه؟
اثناء استحمامها، احضرت لها خادمة فطورها، حيث وجدت صينية تحمل عصير فاكهة وكعك محلى وقهوة على المنضدة بجانب سريرها. واملت الا تكون الخادمة قد سمعت شيئا ما كان لها ان تسمعه. وماذا لو سمعت؟ فالغثيان يتملك الناس لأسباب كثيرة.
كانت رائحة القهوة رائعة والكعك المحلى جيدا، حتى انه جعلها تشعر بتحسن.
اكلت كعكتين وشربت عصير فاكهة. كانت حيويتها تتزايد مع مرور الوقت فابتلعت نصف فنجان من القهوة، واتجهت الى الخزانة حيث اخرجت منها بلوزة وردية من دون كمين وسروالاُ قصيراً.
غادرت غرفتها بشي من التوجس، وكانت الساعة قد تجاوزت التاسعة. لعلها ستجد احداً في الاسفل وهذا لا يعني انها تفكر في ديميتري. كان ستيفن هو اول شخص قابلته، بعد ان جذبها لحن يعزف على البيانو في غرفة الموسيقى حيث النوافذ المستطيلة تطل على الشرفة الخلفية. عبرت القاعة ثم توقفت عند المدخل. ورغم انه ما كان بامكانه ان يسمع وقع خطاها، الا انه التفت اليها ثم وقف وهتف باسمها: "جين".
وتقدم نحوها مبتسما بحرارة قبل ان يردف: هل نمت جيدا؟ الم تكوني متعبة للغاية بعد... بعد رحلتك؟
كان لتردده معنى ما ... لكنها فضلت الا تعلق على ذلك فقالت: "نمت جيدا جدا لا اظنك تعمل اليوم؟"
عندما غادرت الجزيرة، كان ستيفن يعمل كمساعد لأبيه. لكنها تعلم ان الاب لا يمكن ان يوافق على الملابس التي يرتديها ابنه الآن لو كان يعمل معه. اما هو فقال باقتضاب: ليس اليوم. هل تناولت فطورك؟ يمكنني ان اطلب من انجلينا.."
فاجابت وهي تنظر في انحاء الصالون المضاء باشعة الشمس: "لقد اكلت. شكراً .هذه غرفة جميلة وهادئة للغاية. لقد نسيت مدى هدوء "كاليثي" ".
قال بجفاء: "تعنين مدى كآبتها"
وتساءلت ان كانت تتصور هذه الكآبة في صوته. بدا الليلة الماضية سعيدا لكن جوا واضحا من الكآبة احاط به الآن. وتمتمت تقول: "اظن ان ذلك يعتمد على ما تتطلع اليه"
فقال رافعا حاجبيه بشي من الخبث: "وما الذي تتطلعين اليه يا جين؟ هل نجاحك في عملك هو حقا كل ما تريدينه في الحباة؟"
فقالت بخشونة: "لا ادري ماذا اريد...ين الآخرون؟ يتناولون الفطور؟"
فاجاب من دون اهتمام: " نادرا ما ينزل ابي من غرفته قبل الغداء وامي تمضي الوقت معه عادة. لكنها قد تغير هذا النظام بسبب وجود اريادن هنا. ويانيس عاد الى كليته اما...اخي الآخر فقد رحل منذ اكثر من ساعة!
ـ ديميتري؟
وتماكنها الحيرة فهب لم تسمع حتى صوت الطائرة، لكنها شعرت بالارتياح ايضا فالامور سصبح اسهل لآن بعد رحيله
ـ نعم ، ديميتري من المتوقع ان يعدو غدا مساء
ـ غدا مساء؟
ـ نعم غدا مساء
ونظر اليها بشي من التسلية: "وهكذا، كيف ستسلين نفسك حتى ذلك الحين؟"
احكمر وجهها: لا ادري ما الذي تعنيه فانا لم احضر الى هنا لأرى ديميتري"
ـ لا؟
لم يبد عليه الاقتناع فتساءلت عما اذا كان هذا ما يظنه امه وابوه ايضا، عدا عن ديميتري نفسه لكنها لم تشأ ان تفكر في ذلك قالت شابكة يديها ببعضهما البعض: "طلب ابوك ان يراني، ولم استطع... م اشأ ان ارفض"
هز ستيفن كتفيه مشككا. كان اقصر من ديميتري، وثمة شيء انثوي في ابتسامته الساخرة: " ما دمت تقولين ذلك، من اكون لكي اعارضك؟ لعلي اسمح لآراء ام بان تؤثر في حكمي على الامور."
هزت جين راسها وهمت بالرحيل لتبحث عن صحبة اكثر مودة، لكنه بسط ذراعيه بعجز: "انا آسف اعلم اني سافل. عليك الا تهتمي بي يا جين .تعالي آخذك في نزهة. يمكننا ان ننزل الى الشاطئ غبر الحديقة"
فترددت: "آه لست ادري ما اذا..."
ـ ارجوك! او بامكاننا ان نجلس بجانب البحيرة اغرف كم تحبين السباحة.
كان بامكان ستيفن ان يصبح ظريفا حين يشاء، لكن ارتداء بذلة سباحة عمل غير حكيم في ظرفها الحالي. ولهذا قررت ان تقبل عرضه الاول: " نزهة على الاقدام فكرة حسنة".
حسنا، هذا افضل من التسكع هنا في انتظار حضور حماتها او اريادن. غادرا المنزل من باب الغرفة الصباحية بدا هذا الجزء من الفيلا تماما كما تتذكره جين، بجدرانه الزورقاء، والاواني الخزفية الصفراء والبيضاء على المناضد المغطاة بالزجاج، والارضية الرخامية الباردة والستائر الرومانية نصف المسدلة كان الغرفة مشرقة لكن ذكرى الجدل الذي دار بينها وبين ديميتري صباح ذلك اليوم الذي غادرت فيه الجزبرة نهائياً افسدت عليها تمتعها بجمال الغرفة.
سلكا ممراً بين مروج خضراء تسقى بنظام ري فعال وتحيط بها نباتات الصبار. كان الطقس شديد الحرارة، ولم يخطر في بال جين ان تشتري مظلة حين حزمت امتعتها. فاملت الآن ان لا تحترق بشرتها. ما من شيء في هذه الرحلة سار كما توقعت. فكان عليها الآن ان تراجع حساباتها وعندما وصلا الى الشاطئ لفحهما نسيم.
خلعت جين حذاءها وحملته بيدها وسارت على الرمال التي لم نكن حاة جدا بعد بحيث تحرق قدميها.
سارت نحو المياه. فهتف فهتف ستيفن وهو يهرع خلفها: "مهلاً ...لدينا الصباح كله"
وفكرت بجفاء في ان الصباح كله امامه هو فقط، لكنها لم تقل ماذا خطر لها. ومع هذا تساءات عما يجعل ستيفن يمضي ايامه متكاسلا هنا على الجزيرة بينما بدا واضحا ان اباه لا يعمل كثيرا الآن.
راحت الامواج تلامس قدميها العاريتين فيما برودتها تتحول الى دفء لذيذ وتذكرت باسف ان هذا افضل وقت للسباحة قبل ان تشتد حرارة الشمس وتحترق الاجساد

اقترب منها ستيفن وهو يقول: "عليك ان تسترخي قليلا، يا جين انت لست في انكلترا الآن".
ـ اتظنني لا اعلن هذا؟
كانت عيناها على قدميها تتأملان الرمال وهي تنزلق من بين اصابعها. وهزت كتفيها ثم نظرت اليه سائلة: "ما الذي تفعله هنا ، يا ستيفن؟هل ارسلوك لكي تراقبني؟".
ـ اتظنين اني كنت لأوافق على ذلك؟
رفعت حاجبيها ساخرة: "هل اعتبر هذا بمثابة نعم؟
رد ساخطا: "كلا! ظننت انه قد يسرك ان يصحبك احد هذا كل ما في الامر"
نظرت اليه بامعان لثوان ثم اشاحت بوجهها قائلة: "لا بأس".
بعدئذ، اخذت تسير وقدماها في المياه الضحلة قبل ان تضيف: "اخبرني اذن عما تفعله الم تعد تعمل مع ابيك؟"
توترت شفتا ستيفن وردّ: "انا واثق من انك غير مهتمة بمشاكلي يا جين، لكن الفضول يتملكني بالنسبة الى علاقتك بديميتري. هل تعلمين انه سيتزوج اريادن حالما يتم الطلاق؟"
ـ نهم اخبرني ذلك
ـ وهل اخبرك بالسبب؟
تنهدت: "هل لهذا صلة بالموضوع يا ستيفن؟ ديميتري يريد الطلاق، وهذا كل ما في الامر"
ـ لا، هذا ليس كل شيء لم يكن ثمة حاجة لكي يطلب ديميتري الطلاق الا اذا اراد هو ذلك طبعا.
فقطبت جبينها: "ماذا تعني؟"
ـ اعني انني كنت مستعدا لأن امنح ابي الحفيد الذي يتلهف اليه. لكنني لست الشخص المناسب. علاقتي بفيليب ليست حسنة بما يكفي، رغم اننا معا منذ اكثر من ست سنوات.
نظرت جين اليه غير مصدقة: " اتعني....انك وفيليب مارتن ... نكما...."
ـ عشبقان؟ نعم انت تعرفين فيليب طبعا اليس كذلك؟ الم يخبرك ديميتري باننا نعيش معا؟
ـ قال انكما... صديقان
وشعرت بمدى غبائها، فحتى عندما اخبرها ديميتري ان ستيفن لا يهتم بالنساء، لم تفهم ما يعنيه.
ـ طبعا ما كان لك ان تدهشي. ديميتري هو وريث ابي لأنه الابن الاكبر. الصبي الذهبي! وابن اي ولد آخر غير مناسب ابدا.
هزت جين راسها هل يعلم ديميتري هذا؟ هل لديه فكرة عما يشعر به ستيفن؟ طبعا لا بد ان ديميتري واباه ناقشا هذا الموضوع في وقت م.ا ولم تعرف ماذا تقول غير انها آسفة فابتسم مرغما: "هذا غير مهم هلنواصل السير قليلا؟
سارا على الشاطئ قليلا ثم استدارا ليعودا ادراجهما وتملك جين الارتياح عندما تحول الحديث بينهما الى امور غير شخصية، وانشغلت بمحاولة تجنب اي موضوع قابل للجدل. لكن عندما عادا من الشاطئ وتوجها نحو الشرفة الارضية شعرت بوخز في كتفيها. وبنظرة سريعة ادركت تم ذراعيها قد كساهما الاحمرار ولا بد ان وجهها اصبح كالشمندر ايضا.
واغاظها ان ترى حماتها واريادن في الشرفة تحت مظلة مخططة. اذ تطلب منها الاستمرار في السير تحوهما كثيرا من الشجاعة خصوصا وانها ابتدات تشعر بدوار وبانها على وشك الاغماء لم تستطع تجنب هذا الشعور لا سيما بعد ان اعتذر ستيفن وتابع طريقه الى داخل المنزل، تاركا جين تواجه المرأتين وحدها. قالت ماريا غلى الفور وقد لاحظت عيناها الذكيتان ما تشعر به كنتها: "آه، جين، لم لا تجلسين معنا شرعنا لتوّنا باحتساء القهوة".
كان جين تعرف بان ليس لدى حماتها رغبة حقيقة في صحبتهالكنها الطريقة الوحيدة لجعل الموقف المحرج اسوأ. بدا انها تدرك ان جين تود التوجه الى غرفتها لتضع بعض المرهم الملطف على وجهها وذراعيها لكنها لم تستطع ان تقاوم فرصة تعذيبها.
واذ كانت جين متلهفة لئلا تزيد الوضع سوءا، ارغمت نفسها على الابتسام قائلة: "شكرا".
والقت نفسها على كرسي بجانب اريادن.
لكن حتى رائحة القهوة جعلتها تشعر بالغثيان وعندما طلبت ماريا من الخادمة ان تحضر فنجانا آخر، بللت جين شفتيها الجافتين وقالت: "اود فقط كويا من الماء؟"
حدقت ماريا فيها بفروغ صبر: "ماء؟ما بك؟ هل انت بخير؟
فاجابت جين بسرعة متلهفة لئلا تثير الشكوك: "اشعر بحرارة شديدة وبظمأ، اذا لم يكن لديك مانع"
فقالت اريادن هازئة: "انها غير معتادة على الجو عندنا. فهي تبدو كسرطان بحر غير مطهو، يا ماريا . لعلها تفضل الذهاب الى غرفتها"
كرهت جين الحديث عنها وكأنها غير موجودة، لكنها كانت شاكرة للفتاة الأخرى قولها هذا، فلم تتذمر وقالت وهي تقف شاعرة بساقيها ترتعشان: "اظن ان عليّ ان افعل ذلك، يا ماريا. هلا طلبت من الخادمة ان تحضر الماء الى غرفتي".
توتر فم ماريا: "لا بد ان بإمكانك البقاء لدقائق يا جين لم تتح فرصة النحدث معا بعد. الا تريدين ان تعرفي حال زوجي هذا الصباح؟"
ـ طبعا اريد ان اعرف حالة ليوالصحية. ظننت فقط...
وعادت جين تجلس على كرسيها بيتما قاطعتها ماريا بحدة: يمكنني ان اتصور ظنك. تتمنين لو اننا لا نتحدث في هذا الوضوع. لكن دعينا نكون صريحتين فانا لم اوافق على دعوة ليو لك الى هنا لأنك غير مرغوبة فيم في بيتي .والآن، وبعد ان رايته، ارجو ان تقدمي اي نبرير ثم ترحلي بكل تهذيب في اسرع وقت ممكن."
اطلقت جين نفسا مرتعشا ثم هتفت: "لماذا سمحت لديميتري بان يتصل بي؟ لماذا لم تتظاهري بانك تحدثت الي وانني رفضت الحضور؟"
ـ لان ليو ما كان ليقبل بذلك. كما يهمني امر ديميتري الى حد يمنعني من ان اكذب اليه.
هزت جين راسها لكن الشعور يالدوار عاودها فتمسكت بذراعي الكرسي لكي تسند نفسها.
ولسوء الحظ ان حماتها واريادن لاحظتا ذلك، فشخرت ماريا وقالت بانفعال: :اذهبي الى غرفتك اذن، اذا كنت عاجزة عن التحكم في نفسك لخمس دقائق. عليك اذن ان تفعل ما قالته اريادن ولكن لا تنسي ما قلته لك. وفي المرة القادمة لن اكون متفهمة بنصف هذا المقدار .

عاد ديميتري الى الجزيرة عصر اليوم التالي اذ لم يبق ليستمع الى النتجة النهاية للاجتماع متحججا بمرض ابيه ورغبته في ان يراه.
تفهم الجميع عذره هذا لكنه تساءل ما اذا سيتفهمونه لو علموا ان الاطمئنان الى صحة ابيه يمثل حجة فهو يريد ان يطمئن الى جين، وان يتأكد من انها لم تتعرض الى اي ارهاب في غيابه. لم يدرك سبب هذه اللهفة الى رؤية زوجته لكن هذا هو الواقع. وهذا لا يعني انها ستسّر برؤيته.
على الرغم من انه لا يستطيع ان يبعد يده عنها، الا انه واثق الى حد بعيد من انها ندمت على ما حصل بقدر ندمه هو.
وعندما هبط الطيار بالهيلوكويتر على بعد مئة ياردة من الفيلا تنهد بارتياح. ولم ينتظر من مساعده فازيليس ان يفتح الباب وينزل السلم بل قام بالمهمة بنفسه وترجّل. وعندما انضم اليه الرجل، قال له: "لن احتاج اليك الليلة يا ليو يمكنك ان تذهب الى بيتك اذا شئت".
كان والدا ليو يعيشان في جزيرة اخرى من مجموعة الجزر. فقال ثيو: "احب ان ابقى في الكوخ، اذا لم يكن لديك اعتراض".
ووضع على الارض حقيبتي الاوراق اللتين كان يحملهما ثم اعاد السلم الى داخل الطائرة، وهو يتابع قائلاً: "ارجو ان ارى لانت، اذا لم يكن لديك مانع".
ـ ولماذا امانع؟ انها امرأة حرة.
ـ حسنا...الكل يعلم انكما كنتما ذات مرة... كنتما....
فقال ديميتري بخشونة: "كنا صديقين يا ثيو.... صديقين وليس عشيقين كما سمعت من دون شك"
ـ لكن زوجتك....
قال ديميتري وقد تبخر مزاجه الحسن: "هي ايضا لم تصدقني".
وتمالك نفسه ثم عاد يقول: "انس هذا فقد اصبح من الماضي الآن لعل لانت ستخبرك يوما ما، من هو والد مارك الحقيقي. وحتى ذلك الحين، صدقني بهذا الشأن. انا اتمنى لك بل لكما حظا سعيدا"
ـ شكرا
حمل ديميتري حقيبته، وعندما وصل الرجلان الى البيت. افترق ، فاتجه ثيو نحو الاكواخ، فيما ركض ديميتري صاعداً الدرجات بخفة ليدخل ردهة الاستقبال.
بدا المكان مهجوراً لكن سرعان ما برزت امه من ناحية الشرفة الارضية وهتفت بدهشة لرؤيته: "ديميتري! هل من خطب؟"
ـ هل من المفترض ان يحدث شيء يا امي؟ لقد ذهبت الى مؤتمر كما قلت. ثم عدت.. اين أبي؟
كان هذا افضل من ان يسأل عن جين. اجابت باستياء واضح: "نعم، عليك ان تسأل. خرج في نزهة بالسيارة مع تلك المراة. انذرته بانه من غير الحكمة ان يرهق نفسه، لكنه لم يستمع الي"
ادرك ديميتري ما تعنيه امه بالضيط.
وكان ارتياحه كبيرا بحيث لم يفكر في كلماته قبل ان يقول: "لا اظن ان نزهة بالسيارة مع جين سترهقه كثيرا، يا امي"
ما الذي قاله؟ الم يكن يريد ان يخرج جين من حياته؟ ان يشجع اباه على ان يجعل زيارتها الى هنا سارة وممتعة هو تصرف غير لائق برجل محترم.
قالت امه: "كان عليّ ان ادرك انك لن توافقني الراي على اي حال. انت من احضرها االى هنا"
لم يجب ديميتري لكن امه لم تكن قد انهت كلامها: "الحمد لله لأن اريادن رافقتهما ستحرص على ان لا تدع اباك يتصرف بشكل غبي"
ـ بشكل غبي؟
قالت بغيظ: "كان يدعوها للبقاء الى وقت غير محدد".
بعدئذ تأبطت ذراعه وكانها ادركت ان هذه ليست طريقة مناسبة للترحيب بابنها بعد غيابه: "هيا بنا ثيرميا هنا ونحن نتناول شايا مثلجاً على الشرفة وسيسرها ان تراك".
آخر شخص يريد ان يراه الآن هو والدة لانت. اترى لانت معها؟ هل من الممكن ان يكون سيء الحظ الى هذه الدرجة؟ وهكذا، وعندما ارادت امه ان تجره معه، سمر قدميه في الارض قائلاً: "دعيني ارتاح يا امي. انا مرهق للغاية ما اريده الآن هو ان استحم".
ـ كلام فارغ .ماذا ستقول ثيرميا لو علمت امك جئت ولم تأت لتحبتها؟
توتر فكه: طهل هي وحدها؟"
ـ طبعا لا، فلانت معها وانا اعلم انها ستسر بصحبة من هو اصغر سناً.
هذا عظيم! وكبح آهة. من دعا آل ادونيدس؟ لكن ما من حاجة للسؤال.
سيصاب ثيو بخيبة امل عندما يذهب الى المدينة ولا يجد لانت في بيتها. وعلى عكس ما قالته امه، لم يبد على لانت السرور لرؤيته. وقالت بادب بعد ان حيا امها: "ديميتري قالت العمة ماريا انك لن تعود قبل الغد".
القى ديميتري على امه نظرة ساخرة، لكنها تشاغلت عنه بسكب الشاي المثلج في الكأس التي احضرتها الخادمة وهي تقول له: "هل تريد بعض الشاي المثلج، يا ديميتري؟"
أجاب وهو يرى لانت تتبادل النظر مع امها خالسة: "لا، شكرا لا استطيع البقاء الآن وبعد ان علمت ان ابي بصحة جيدة، احب ان اذهب الى البيت".
انتصبت ماريا والكأس في يدها: "لا يمكنك ان تذهب يا ديميتري كم دون ان ترى اباك".
فقال باصرار من بين اسنانه: سأراه في ما بعد اما الآن، فعلي ان ادرك ثيو قبل ان يغادر المدينة"
ـ هل ثيو هنا؟
كانت لانت هي التي تكلمت. وراى ديميتري نظرة توقع واضحة في عينيها، فقال: نعم سيمضي الليل في الكوح. اتريدين ان تراه؟
ـ آه ، حسنا....
ـ لا اظن ذلك يا ديميتري.
وسألته امه: "لماذا تريد لانت ان ترى ثيو، يا ديميتري؟ كانت ثيرميا تخبرني لتوها ان لانت تلقت الكثير من الرسائل من ذلك الشاب خلال غيابك. لقد اصبح مصدر ازعاج".
رفع ديميتري حاجبيه ناظرا الى لانت: "هل هذا صحيح؟"
ـ انه ارسل لي الرسائل؟ نعم.
فقال ديميتري بصبر: "عنيت هل اصبح مزعجا؟ يبدو انك يظنك تحبين صحبته"
نقلت لانت نظراتها بارتباك بين امها وماريا: "حسنا... وانا... احب صحبته"
تبادلت المرأتان نظرة نفاد صبر وتملك ديميتري هو ايضا نفاد صبر فقال: "اذن؟ هل تريدين ان تريه ام لا؟"
وعندما بقيت مشيحة بوجهها قال معتاظا: "انك في الثالثة والعشرين، يا لانت اذا اردت ان تقيمي علاقة معه فلن يستطيع احد ان يمنعك".
ـ ديميتري!
نظرت اليه امه بفزع لكن ديميتري كان قد عانى ما فيه الطفاية وقال للفتاة: "حسناً؟"
القت الفتاة بنظرة قلقة اخرى ناحية امها، ثم وقفت وقالت بمذلة: "نعم احب ان اراه"
ودع امه وثيرميا باقنضاب ثم دخل المنزل ولانت في اثره كانا يعبران ردهة الاستقبال عندما سمع ديميتري صوت سيارة قادمة فشعر بانقباض غريزي في معدنه وخطر له ان مسار الاحداث ليس في صالحه ظن ان الامور لا يمكن ان تسوء اكثر مما صارت اليه، لكنه اخطأ في حساباته.
قالت لانت بصعوبة: "لا بد ان هذا ابوك واريادن و....زوجتك"
فالقى عليها نظرة ساخرة وقال: "نعم. اظنك على صواب. ما اروع هذا!"
فنظرت اليه بعتاب: "انت لا تعني ذلك؟"
ـ احقا لا اعنيه؟
وبالرغم منه، تابع تقدمه الى الباب: "حسنا، سنرى اليس كذلك؟".

ـوقفا على عتبة الباب المفتوح بينما سيارة أبيه تتوقف اسفل الدرجات المؤدية الى الشرفة الارضية. كانت جين اول من خرج من السيارة، فاسرعت الآن تدور حولها لتفتح الباب لأبيه. مدت اليه يد المساعدة فاستند اليها شاكرا قبل ان يتناول عصا محولا ثقله عليها.
قال بحرارة ظاهرة: "شكراً يا عزيزتي"
ثم رأى ابنه فهتف: "ديميتري"
واذا باريادن التي كانت تجلس في المقعد الخلفي ترفع راسها غير مصدقة، وتصرخ متجاهلة جين واباه: "حبيبي".
ركضت اليه تمسك بذراعه ثم وقفت على رؤوس اصابعها لتطبع قبلة على خده وهو تقول: "ها قد عدت!"
ـ ها قد لاحظت!
كان صوته متزنا فيما هو يراقب زوجته واباه يصعدان الدرجات بحذر ثم شتم في سره، ووضع حقيبة اوراقه على الارض وتقدم ليساعدهما، تاركا اريادن ولانت تتبادلان نظرة بعبدة عن المودة.
قال الاب بضيق: يمكنني ان اتدبر امري"
القت جين على زوجها نظرة ازدراء وقالت: "اتريد ان تؤثر في حبيبتيك؟"
واستحالت الابتسامة التي منحتها لأبيه الى ابتسامة حقد وهي تنظر اليه فاجاب بحدة: "حسنا، يبدو انني لا اؤثر فيك. وصدقي او لا تصدقي لم اكن اعرف انها قادمة الى هنا اليوم".
قال هذا متجاهلا احتجاج ابيه الذي كان ملقيا كل ثقله على كتفه.
قالت غير صادقة تماما: "هذا لا يهمني"
وركزت اهتمامها على الرجل العجوز مضيفة: "لم تعد المسافة طويلة امامك يا ليو".
هز الرجل العجوز راسه: "هذا ما اراه لكنني لست عاجزا كما ترين"
قال ديميتري بجفاء بعد ان وصلوا الى الشرفة الارضية: "انت لم تتعود صعود الدرجات".
ثم ترك ذراع ابيه مضيفا: ها انت تعتمد على نفسك"
فقال ليو باقتضاب: "شكرا"
لكنه عندما راى ملامح لانت القلقة. رق صوته وقال لها: "مرحبا، يا صغيرة الى اين تذهبين مع ديميتري؟"
فاجابه ديميتري، وغيظه يتصاعد مع كل كلمة يقولها ابوه: "لسنا ذاهبين الى اي مكان"
لكن لانت قالت بتوتر: "انا ذاهبة لأرى ثيو. يقول ديميتري انه يعيش في الكوخ".
فاومأ الرجل العجوز: "وهل توافق امك على هذا؟"
قال ديميتري غاضبا: "ساء قبلت امها ام لم تقبل، فهذا غير مهم"
نظر اليه ابوه محذراً، وهو يقول: انت تفعل ما تريد، لكن لا تتوقع السلوك نفسه من كل شخص آخر"
ثم التفت حوله يبحث عن جين قبل ان يردف: "تعالي يا عزيزتي هل لك ان تعطيني ذراعك؟"
بدا على جين عدم الارتياح. وهذا ما عليها ان تشعر به، كما خطر لديميتري غاضبا فهو لم يحضرها الى هنا لتدق اسفينا بينه وبين ابيه. تباً! لقد نال من هذا كفايته تقريباً.
قال متجاهلا عدم موافقة اريادن: "اريد ان اتحدث الى زوجتي، اذا امكن الاستغناء عنها خمس دقائق".
فقال الاب بنفاذ صبر: "الا يمكن ارجاء هذا با فتى؟"
وكانت هذه هي القشة الاخيرة فاجاب ديميتري بفتور: "لا غير ممكن جين ، هل لك ان تأتي الى غرفة المكتبة؟ يمكننا ان نتكلم هناك"
نظرت جين حولها من اليأس لكنها علمت انها لن تجد اي عون سواء من اريادن او لانت. هز ليو كتفيه باستسلام، وسار على الارض الرخامية الناعمة، مثبتاُ انه لا يريد معونتها.
اجابته في النهاية مذعنة: "اظن ذلك".
وتقابلت عيناها مع عيني لانت القلقتين، فقالت لها: "لا تقلقي، لن احجزه طويلا"
ـ آه بالله عليك.
وامسك ديميتري بذراعها وقادها بحزم نحو الممر الذي يؤدي الى الجناح الغربي من الفيلا بعدئذ، نظر خلفه وكانه شعر ببعض الندم لمعاملته تلك لاريادن واضاف: "ساراك على مائدة العشاء، يا آري سنمضي الليلة كلها معا. اعدك بذلك".
لان وجه اريادن: "لا بأس"
وزمت شفتيها الورديتين: "احبك"
لم يجب ديميتري لكنه ادرك ان جين علمت تماما ما قالته اريادن. اذ تصلبت ذارعها، ولو استطاعت ان تنتزع ذراعها من يده لفعلت. لكنه قادها الى غرفة المكتبة المليئة بالكتب ثم صفق الباب الثقيل خلفهما.
عندئذ فقط تركها فابتعدت عنه قليلا وسارت لتنظر من النافذة التي تطل على شلال من الازهار والنباتات. بدا البحر بعيدا خلف اراض شاسعة مشجرة ترسم حدود املاك سوفاكيس لكن المنظر الخلفي كان ساحرا فلون البحر يزداد دكنة ليتحول لونه من الفيروزي الى الياقوت الازرق.
وامتد الصمت. اما جين التي صممت على الا تكون البادئة بالكلام فوجدت اعصابها تزداد توتراً.تملكها القلق من ان يكون قد عرف، بشكل ما بامر الطفل ولكن لو عرف بذلك لعلمت هذا قبل الآن.
سمعت صوت اوراق فاضطرت لان تلتفت اليه شبه متوقعة منه ان يكون ممسكا برسالة خاصة من طبيبها. لكن هذا مضحك ولم تستطع ان تصدق حتى انها فكرت فيه، ثم هدأت قليلا عندما اكتشفت انه يبحث بين اوراق ابيه. ارتجفت سخطا وهتفت: "ما الذي تفعله؟ تدعوني الى هنا ثم تبدأ بقراءة بريد والدك؟ اذا كانت هذه لعبة لتظهر سلطتك فانس هذا".
بقي ديميتري منحنياً على المكتب، لكنه نظر اليها من خلال اهدابه: "هذه ليست لعبة لاظهار السلطة"
قال هذا وعاد الى مهمته ثم اضاف رغما عنه: "يبدو انك طوقت ابي بسحرك".
سهقت: "وهل هذا ما اردت ان تخبرني به؟"
ـ لا.
واخيرا، انتصب في جلسته وقذف بالرسالة كان يتفحصها جانبا: "اردت ان اسألك ان كنت تسلمت اوراق الطلاق من كارل جيرارد.كان يفترض ان تتسلميها منذ اسبوع، قبل ان تغادري وطنك الى الجزيرة"
انتفخت خياشيم جين وردت عليه بحدة: "حسنا، هذا لم بحدث"
قطب ديميتري وسألها: "هل انت واثقة من ذلك؟"
فسألته ببراءة: "واثقة من ان الاوراق لم تصل منذ اسبوع؟ نعم انا واثقة تماما".
دار ديميتري حول الكتب، ثم استند اليه وهو ينظر اليها بامعان: "هذا غريب جدا. عندما تحدثت اليه هذا الصباح اكد لي ان الاوراق قد ارسلت".
قالت بعفوية وهي تتحول ناحية الباب: "اللوم على مكتب البريد اذن"
وصمتت لحظة ثم اردفت: "اما الآن، فاذا سمحت، احب ان اذهب لارتاح"
ـ ليس الآن
لم يتحرك لكنها كانت واثقة من انه لن يدعها تذهب قبل ان ينتهي وقال بنعومة: "اخبريني. متى تريدين ان تعودي الى لندن؟"
شبكت ذراعيها فوق صدرها: "اتريد ان تتخلص مني؟
توترت شفتا ديميتري: "اريد فقط اعلم ما قلته لأبي".
ـ لم نتحدث عن موعد رحيلي. لا تقلق يا ديميتري. لن اخبر احدا عما حدث في شقتي.
انتفخت خياشيم ديميتري: "انت تقولين هذا وكانه تهديد".
ـ لا. انا اطمئنك فقط الى ان ليس هناك ما تخافه مني.
ـ اخاف؟ ولماذا اخاف منك يا جين؟ انا واثق من ان اريادن لن تهتم بما تقولينه.
بدا مصمما على الجدل فقالت: "اتعني انها لن تصدقني؟ يا لها من حمقاء!"
فأظلم وجهه: "اتريدين ان تقولي انك ندمت على ما حدث؟"
فغرت فاها: "هل تمزح؟ طبعا ندمت"
فقال بشي من الاحتقار : "لماذا؟ الم يكن هذا جيداً؟ تبعا لما تقوله مخدومتك، انت وعشيقك تمضيان كثيرا من الاوقات في شقتك".
ـ هذا غير صحيح
لم تشأ ان تدعه يفلت بهذه التهمة، متمنية، وليس لأول مرة، ان تبعد اولغا انفها عن شؤونها الخاصة.
ـ ولماذا علي ان اصدقك؟
ـ لأن اليكس لم يدخل شقتي قط. لا تحكم على الاخرين بمقياسك الخاص يا ديميتري، فانا لا اعاشر احد.
ضاقت عيناه: : "وماذا تفعلان معا اذن؟"
ـ هذا ليس من شأنك.
ـ اسعديني.
ضاقت به ذرعا فردت: "كلا انا لا اسألك عنا تفعلانه معا انت واريادن. لا يهمني ذلك ما دام لا يتعلق بي. لا اصدق انني سألتك مرة عما فعلته مع لانت".
وبللت شفتيها مردفة: "لست مضطرة الى ذلك، فقد كنت أعلم".

10ـ لا تعذبني


ـ كنت لا تعلمين شيئاً!
وقفز من مكانه عند المكتب بحركة واحدة تنذر بالخطر فاقشعر بدنها. كان اسمر، ضخما وقوي المظهر وشديد الغضب ولم تستطع ان تمنع نفسها من ان تتراجع هاربة منه.
لكنها وجدت طريقها مسدودا بالكرسي ذي الذراعين فوقعت عليه وهي تشهق بدهشة. ولاح ديميتري امامها بشكل مخيف. ظنت للجظة انه سيضربها، لكنه لم يفعل بل انحنى فوقها ممسكا بذراعي الكرسي يحبسها عليها وهو يقول بخشونة، وانفاسه الحارة على بشرتها التي ما زالت حساسة بسبب الشمس: "لا بأس"
كانت ترتدي بلوزة وتنورة بنية اللون.
ـ ها انا اقولها ولاخر مرة. لقد نمت مع اريادن ولا انكر ذلك، لكنني لم انم قط مع لانت.
لم تستطع جين ان تنكر لذعة الالم التي شعرت بها وهي تسمعه يعترف بانه واريادن عشيقان.واستطاعت ان تقول بمرارة: "ثمة من فعل ذلك".
ـ ولكن ليس انا.
ـ لماذا قالت اذن انه انت؟.
ـ الجواب هو نفسه الذي قلته من قبل. عليك ان تسأليها. لعلها هذه المرة ستخبرك الحقيقة.
ابتلعت ريقها وهي ترفع يصرها: "ما يصعب علي فهمه هو كيف يمكنك حتى ان ترافقها اذا كانت كاذبة".
ـ في البداية لم استطع ذلك..لكن امي...
هزت جين راسها: "هذا صحيح. كان علي ان ادرك ان لأمك دورا في هذا الامر"
قال من بين اسنانه: "اتها مولعة بلانت، وهي تعتبرها من الاقارب."
ـ كما لم تفعل معي قط.
فتنهد: "لا بأس اعلم ان ذلك كان صعبا عليك لكن كان يمكن ان يمر بسهولة اكبر"
قبل او بعد ان نمت مع لانت؟
ـ سبق واخبرتك...
ـ لا بأس لا بأس. ما زلت لا افهم لما ينبغي ان يهمك رايي الآن.
تنفس بحدة: "لأنن هذا هو الواقع"
ـ لماذا؟
ـ ما رايك؟
لوت جين شفتيها وقالت ساخرة: "لأنه من غير المسموح ان يعارض احد ديميتري سوفاكيس العظيم. ام تريد فقط ان تعذبني؟"
فقال: "وهل انا افعل ذلك؟"
بدا صوته مخنوقا، فغامرت بالنظر اليه من تحت اهدابها، ودهشت وهي ترى المذلة على ملامحه. ارتجفت: "انت تعلم انك تفعل"
ـ كيف؟
بسطت يديها وهي تشير الى ذراعيه: "هل انا بحاجة الى قول المزيد؟"
اظلمت عيناه، لكنه اضطر لأن يعترف بانها على حق وقال: "لا بأس، فهمت. ربما عليك ان تسألي نفسك عن السبب"
ـ لماذا تحب ان تعذبني؟
ـ انا لم اقل اني احب ذلك.
اصبح صوته الآن اجش من فيض المشاعر ورفع يده التي لاحظت جين انها غير ثابتة تماما ثم امسك بذقنها وادار وجهها اليه: "ما زلت تقودينني الى الجنون وانت تعرفين هذا".
ارتجفت، واستطاع ان يشعر بذلك.
اقشعر جسمها واحمر وجهها فيما لم يستطع ان يمنع نفسه من ان ينحني ويعانقها.
انطلقت من فمها آهة رقيقة. فركع على ركبتيه واحاط وجهها بكفيه. كان الاحساس حاداً فائقاً، وفاضت الذكريات وراحت خفقات قلبه تتعالى كالطبل في اذنيه.
قالت باحتجاج انما بصوت يكاد لا يسمع.
"اتتوقع منه حقا ان يتوقف؟ وتسارعت انفاسه فيما لم تحاول هي هي ان تبتعد عنه.
ادركت انه يجرها الى الشرك الذي عرفته من قبل. كان يهمس بلغته ويلامس ذراعيها وكتفيها الناعمين وهمس وهو يحني راسه: "انت رائعة الجمال".
ـ يا إالهي، يا ديميتري، اياك...
ـ لكني اريد ذلك.
لم يصغ الى احتجاجها، ووجدت هي ان التمسك بتعقلها يزداد صعوبة. كما سماع صوته المتهدج اشعرها برضى بالغ اذ عكس مشاعر فطرية لا يمكن لأي من الغطرسة ان تخفيها.
هذا جنون، الا يهمه المكان الذي هو فيه؟ ما الذي قد يحصل اذا خطر لأمه او اريادن ان تأتيا ما يحدث؟
يبدو انه لا يهتم ولم تستطع ان تتكلم عندما سألها: "هذا افضل، اليس كذلك؟"
حركت راسها باشارة ايجاب عاجزة فوضع يده على رقبتها وادنى وجهها اليه بعاطفة بالغة الانفعال. تاوه وهو يتكلم بلغته ليعبر عن مدى ما يتملكه من مشاعر.
كانت يداها متشابكتين في حجرها، لكنهما تحركتا بشكل لا ارادي تقريبا، فأمسكتا به.
كانت تظن ان المرأة لا يمكن ان تتجاوب مع زوجها بالطريقة نفسها، لكن هذا ليش صحيحاَ. لطالما قادها ديميتري الى الجنون، ولم يكن الامر مختلفا اليوم.
واعترفت في سرها بانها تريده بقدر ما يريده حتى لو ندمت في ما بعد.
لكنها ادركت انهما عرضة لأن يراهما اي شخص يمر قرب النافة من الخارج.
صدرت عن ديميتري آهة مخنوقة وقال: "اياك ان تجروئي على معارضتي. فانت زوجتي وانا اريدك".
اكتشفت انها لم تعد تهتم بالاعتراض مرة اخرى. نظر اليها وقال بصوت خافت: "انت كاملة. نحن نكمل بعضنا بعض. اليس كذلك؟"
قالت بجهد: "نعم، نعم"
ثم اغمضت عينيها واردغت: "ارجوك.."
ـ ثمة حدود لتحكمي بنفسي يا حلوتي وقد اجتزناها منذ دقائق. نحن ننتمي الى بعضنا البعض.
لم تستطع ان تنكر هذا خصوصاً في هذه اللحظة حي اصبح جسدها ملكا له وشعرت بان حرارته تذيب كل افكارها المترابطة.

لم تكن واثقة كم من الوقت بقيا مستلقين هناك في البداية، لم تستطع التحرك ثم وجدت انها لا تريد ذلك لكنها، في النهاية، رفعت ذراعها ونظرت الى ساعتها، واذا بالرعب يتملكها وهي ترى انهما امضيا في المكتبة اكثر من ساعة
ولا بد ان شخصا ما، امه على الاعلب، سيبدأ بالتساؤل لما طال الحديث بينهما الى هذا الحد وتصورت جين كيف ستتصرف حماتها اذا فتحت الباب ورات ابنها الغالي بين ذراعي من ستصبح طليقته قريبا جدا
لم تستطع ان تحمل فكرة ان تشاهد ماريا سوفاكيس مذلتها فمهما كانت مبرراتها، يبقى انها سمحت لديميتري مرة اخرى با ن يستغلها يا للسماوات! الم تتعلم درسا من اول مرة؟ انها امرأة حامل وهي لم تصبح كذلك بسبب التزامها بالتفكير السليم
ـ ماذا تفعلين يا حبيبتي؟
احتجاج ديميتري الكسول جعلها تسرع واستطاعت ان تدفعه جانبا وهي تقول: "انا ذاهبة"
تكلمت بصوت غير ثابت وهي تسوي ملابسها، ثم عادت تقول: "ارجو ان تحسن مظهرك ولا اظن ارياد ستسر ان راتك في حالتك الحاضرة"
شتم ديميتري لكنها لاحظت انه فعل ما اشارت اليه بعدئذ، نظر اليها بعينين ضيقتين وقال: "نحن لم ننته بعد كما تعلمين"
القت اليه نظرة ثم اجابت بحدة: "با اظننا انتيهنا"
وحين توجهت الى الباب هذه المرة، لم يحاول ان يمنعها
ـ سأراك على العشاء
ورغم تلهفها لأن ترفض تذكرت انها ضيفة في منزل زالديه والقرار في هذا لا يعود لها
هزت راسها وخرجت من الباب، داعية الله ان تصل الى غرفتها من دون ان تقابل اريادن او لانت او اي فرد من اسرة سوفاكيس ارادت ان تنفرد بنفسها بحيث تحظى بوقت للتفكير، لا بل ارادت ان تهرب من هذه الورطة التي اوقعت نفسها فيها لكنها لن تتمكن من ذلك ستكون مغادرتها الجزيرة مؤلمة لكن عليها ان ترحل وفي اقرب وقت ممكن، قبل ان تقوم بعمل بشين كأن تخبر ديميتري انها حامل وما يدعو الى السخرية هو انها تفضل ان تعترف له بانها ما زالت تحبه على ان تخبره بحملها
حبست انفاسها هل هذا صحيح؟ هل هي من الحماقة بحيث وقعت في حبه من جديد؟
لن يصدق ديكيتري ابد انها لم تتعمد الحمل وهل تريد حقا علاقة تقوم على هذا الشك؟
لا عليها ان ترحل من هنا حتى لو صدقها ديميتري، سيبقى شبح طفل لانت بينهما دوما كما على علا قة باريادن الآن، وليس لديها الحق في تدمر جياته مرة اخرى حتى لو مزق هو حياتها
كانت قد وصلت الى السلم عندما ناداها شخص باسمها في البداية ظنت انه ديميتري فتابعت طريقها لكنها عادت زانتبهت الى ان ذلك الصوت اكثر رقة من صوت ديميتري التفتت الى الخلف فاذا بها ترى ليو الاب يستند الى الى الدرابزين في الاسفل، ما جعلها تتوقف على الفور ورغم علمها بانها متوهجة الوجه ولاهثة، عاد تهبط السلم، راجية ان تخفي الشمس الغاربة ملامحا في الظلال
قالت حين لم يتكلم مرة اخرى: "كنت ذاهبة لتوي لأغير ملابسي"
فأمال راسه جانبا: "اخبرتني اريادن ان ديميتري معك فارجو الا يكون قد اساء اليك مرة اخرى"
اساء اليها؟ وشعرت بنوبة غضب سرعان ما كبحتها: كان اراد ان يسالني اذا ما تسلمت اوراق الطلاق"
لقد قالت الحقيقة، ثم باات شفتيها واظافت: "انا مسرورة لهذه الفرصة،l فانا اريد ان اتحدث اليك با ليو اظن ان الوقت حان كي اعود الى انكلترا"
قطب جبينه: "ستذهبين؟"
ابتلعت ريقها وردت: نعم، الآن بعد ان عاد ديميتري"
ـ اذن كان يرغمك
لا يمكنها تدعه يظن ذلك، فاجابت: "كلا في الواقع حسنا، انا اعرقل الامور هناط
ـ انت لا تعرقلين اموري، يا جين
فتنهدت: "هذا صحيح، لكنك تدرك ما اعنيه سرني ان اراك مرة اخرى لكنني لم اعد انتمي الى هذا المكان"
فتنهد" :حسنا اذا كان هو قرارك"
ـ وهو كذلك
وعندما رات خيبة امله، اندفعت نحوه تحتضنه: "انت تعلم انني لا اريد ان اتركك"
ـ لماذا تتركيني اذن؟
فاجابت وهي تتراجع الى الخلف: "انا مضطرة الى ذلك ارجو ان تقول انك تدرك ما اعنيه"
فهز رتسه زقال: "اظنك اخبرت ديميتري"
ـ لا لم اخبره بعد
ـ الا تظنين ان لديه ما يقوله في هذا الشأن؟
ـ ربما
وتنهدت بما ان اخبار ديميتري هو امر لا يمكنها مواجهته حالياً، اضافت: "هل لك ان تفعل هذا يا ليو؟ اعني ان تخبره بنفسك؟ ولكن ليس قبل العشاء، اذا لم يكن لديك مانع"
بدا الانزعاج على ليو وسألها: "هل انت حائفة منه؟"
كبحت آهة وقالت بارتباك: "لا فقط لا اريد اي انفعال من دون سبب والآن، اذا سمحت، علي ان استعد للعشاء"

 
 

 

عرض البوم صور شوق الهيا   رد مع اقتباس
قديم 19-05-09, 01:50 PM   المشاركة رقم: 20
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Oct 2006
العضوية: 15297
المشاركات: 43
الجنس أنثى
معدل التقييم: شوق الهيا عضو على طريق الابداعشوق الهيا عضو على طريق الابداعشوق الهيا عضو على طريق الابداعشوق الهيا عضو على طريق الابداعشوق الهيا عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
شوق الهيا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : شوق الهيا المنتدى : روايات احلام
افتراضي

 

11ـ ارحلي

تملك ديميتري الارتياح عندما علم ان ثيرميا لن تشاركهم العشاء. وجد والديه وستيفن واريادن ينتظرون في البيت الزجاجي عندما وصل. اراد ان يسأل عن جين الا انه قرر ان يلتزم الحذر.
في البداية، شغله ابوه بالحديث عن المؤتمر الذي حضره لكن حالما توقف الاب ليتحدث الى والدة ديميتري. اخذت اريادن مكانه هاتفة: "ما الذي اخرك طيلة فترة العصر بهذا الشكل؟ لقد لبثتما انت وتلك المرأة دهوراً في غرفة المكتبة. ما جعلني مرغمة على تسلية امك وخالتك. صدقني ان هذا لم يكن سهلاً".
قال بهدوء: "ثيرميا ليست خالتي. هل عادت لانت؟".
فاجابت اريادن باستياء: "لا. هل تتوقع منها العودة؟"
فرد ديميتري بحدة: "تمنيت الا تعود. ليس لدينا، انا ولانت، ما نقوله لبعضنا البعض".
بدا الرضا على اريادن، وقالت: "لاحظت ان زوجتك لم يسرها ان تراكما معا. اظن ان ذلك يعيد اليها ذكريات تعيسة، اليس كذلك؟"
لم يستطع ديميتري ان يخفي استياءه فسألها: "ما هي تلك الذكريات التعيسة؟ جين لا تعرف لانت".
ـ لا لكن رؤيتها للانت ذكرتها كم كانت علاقتكما وثيقة.
ـ علاقتها انا وجين؟
ـ لا، بل انت ولانت. هيا يا ديميتري، اعرف ان الطفل الذي وضعته لانت كان طفلك.
ـ انت لا تعرفين شيئاً على اي حال، لا اريد التحدث في الموضوع معك او مع اي شخص آخر.
فرفعت اريادن حاجبيها بتسلية: "آه، فهمت.هل هذا ما كنتما، انت وجين، تتجادلان بشانه؟ يمكنني ان اتصور كم كان ذلك بهيجاَ".
اراد ان يقول لها انها لا تدري عنا تتحدث، لكنه وجد انه من الاسهل ان يدعها تعتقد انه تجادل مع جين من ان يجعلها تخمن ما كانا يفعلانه.
هل اقام علاقة حقا مع جين امام نوافذ الكتبة المفتوحة؟ ماذا فعلت له لتجعله لا يهتم بمن قد يراهما؟ ومتى سينتهي كل هذا الهيام المجنون؟
وتابعت اريادن كلامها غير واعية الى انه لم يعد يتابعها: "ستبتهج امك عندما ترحل جين. واظن ان ليو ابتدأ يتمنى لو انه لم يدعها الى هنا".
شكك ديميتري في ذلك وهو يتذكر معاملة ابيه لجين عصر هذا اليوم ما جعله لا يشك في ان الرجل العجوز مولع بها. ولعله مولع بها اكر مما ينبغي، ما دام يتوقع طلاقها من ابنه وزواجه من اخرى.
والتفت الى الباب واذا به يرى اباه يتوجه اليه ليحيي جين. كانت ترتدي سرولا ضيقا من الحرير، وسترة من الحرير كلاهما باللون الاسود الذي ابرز بياض بشرتها الناصع.
اثارته رؤيتها على الفور، وخشي ان يلاحظ احد ما ارتسم على وجهه من مشاعر. لكنه طمأن تفسه الى ان البيت الزجاجي معتم الى حد كبير، لا تضيئه سوى فوانيس قليلة موزعة في المكان. كما انه استعاد تحكمه بمشاعره اثناء احتفاء ابيه بها.
اقترح الاب بشي من الخبث: "لم لا تحضر لزوجتك شرابا، يا ديميتري؟"
ورغم ان ديميتري استاء من هذه الالفة، الا ان هذا الاقتراح منح الاب سببا ليحول عينيه عنها.
ـ هل احضر لك "اوزو"؟
فهزت راسها: "عصير برتقال فقط، رجاء؟"
لاحظ انها تجنبت عينيه قبل تلتفت باسمة الى اخيه الاصغر الذي جلس بقربها: "نسيت ان اشكرك يا ستيفن لأنك اخذتني الى كاليثي هذا االصباح".
تمتم ستيفن يتعليق يقلل من اهمية هذا العمل، لكن ديميتري شعر باستيائه يتعاظم وهو يتصور جين واخاه معا. ستيفن لا يهتم بصحبة النساء، فما الذي جعله يأخذ جين الى المدينة؟ يمكنها ان تقود السيارة وتذهب بمفردها، فلم لم تفعل ذلك؟
واخطأ اذ نظر اليها عندما احضر لها كأس عصير البرتقال، فقد بادلته بنظرة استفزاز ثم قالت تتصنع الاهتمام به: "شكرا، الا تشرب انت شيئا؟"
فتوتر فكه: "مزاجي ليس حسناً"
ورفع حاجبه ساخرا قبل ان يردف: "ماذا اشتريت من كاليثي؟ لو علمت انك بحاجة الى شيء ما لأحضرته من اثينا".
عندئذ، تدخل ستيفن قائلا: "الا تعلم بصفتك رجلا متزوجا ان المرأة تستمتع بالتسوق حتى وان لم تكن بحاجة لشي؟"
فسارعت اريادن تقول: "لن يطول ذلك، اليس كذلك يا حبيبي؟"
وتأبطت ذراع ديميتري وهي تتابع: "لأنك متلهف لتصبح حراً".
راى ديميتري جين تزم شفتيها لهذه الدعابة العديمة الذوق، لكن ستيفن هو من اجاب: "من حسن الحظ انني هنا لأكون نصيراُ لجين".
واحاط خصر جين بذراعه وشدها اليه مضيفا: "لقد انسجمنا معا الى حد كبير، كبير... اليس كذلك يا عزيزتي؟"
فقاات جين وقد عادت اليها ابتسامتها: "حسنا، لا بد ان اعترف بانك اعتنيت بي بشكل جيد جدا"
شعر ديميتري انه يريد ان يسدد لكمة الى وجه اخيه المغرور فقال وهو يحرر نفسه من قبضة اريادن: "لِمَ لم تذهبي لنفسك الى المدينة؟ سيارتك ما زالت في المرآب اليس كذلك؟"
قالت اريادن وهي تحاول ان تمسك بذارعه مرة اخرى: "لقد اعطتني امك سيارة البورش تلك يا ديميتري، كما جين لم تعد تعيش هنا".
نفض يدها عنه وهو يقول بغضب ملتهب: "ليس لأمي الحق في ان تعطي تلك السيارة لأحد"
حتى ستيفن بدت عليه الدهشة ازاء عنفه هذا، وغامر بالقول: "لكنها ليست سيارة جديدة"
لكن نظرة واحدة الى وجه اخيه جعلته يصمت.
قال ديميتري بحشونة واصرار: "السيارة سيارة جين لماذا لم يستشرني احد بهذا الخصوص؟"
وكانت الام قد سمعت الاصوات المرتفعة فالنفتت باستنكار الى ابنها الاكبر: "بالله عليك، يا ديميتري، انها مجرد سيارة وليست جواهر التاج!"
فقال غاضبا: "وانت كنت متلهفة لإذلال جين، اليس كذلك؟"
ثم التفت ونظر الى اريادن مضيفا: "لا تخبريني انك ذهبت لنحضريها من المعدية بتلك السيارة"
ـ فعلت هذا طبعا. انها مجرد سيارة يا ديميتري كما قالت امك.
بدا واضحا ان اريادن لم تفهم سبب هذه الضجة كلها وقال بكآبة: "انها سيارة جين وليست سيارتك"
ادركت جين ان عليها ان تتدخل قبل ان يقول او يفعل ما يندم عليه حتما بعد رحيلها. فقال وهي تنظر الى عينيه الساحطتين بهدوء: "انا لا اريدها، وهنيئا لاريادن بها. انها مناسبة للمنطقة".
ـ اذا كنت تظنين...
لم يكن لدى جين فكرة عما اراد ديميتري ان يقوله. اذ قاطعه والده قائلا بحزم: "العشاء جاهز. تحاول انجلينا منذ خمس دقائق لفت انتباهنا. هل نذهب؟"
والقى على ديميتري نظرة تحذير.


كان العشاء رائعا، مؤلفا من اللحوم والاسماك والخضار المطهو فضلا عن السلطة اليونانية. ولعله كان لذيذا لكن جين وجدته ثقيلا. وشعرت بالارتياح عندما رفعت الاطباق لتقدم الحلوى..
ظنت ان احدا لم يلاحظ قلة شهيتها. لكن عندما تركوا المائدة وانتقلوا الى الصالون المجاور لاحتساء القهوة، وجدت ديميتري الى جانبها يسألها بصوت خافت: "الست جائعة؟"
نظرت اليه بنفاذ صبر: "هل ادهشك ذلك؟"
ـ هل تلومينني؟
ـ حسنا، انني اتساءل عن سبب كل لك الهياج. انت ستتزوج اريادن، فلم عليها الا تستعمل السيارة؟
انتفخت خياشيم ديميتري: "هذه السيارة لا تعني لك شيئا اليس كذلك؟"
ـ ديميتري، السيارة بقيت مركونة طوال السنوات الخمس الماضية فلم لا؟
ـ كنت اعمل على صيانتها بانتظام.
ـ هذا جميل منك.
حاولت ان تبدو لامبالية، لكن اصراره اثر في اعصابها. دمرها ان تكون قريبة منه جسديا الى هذا الحد، بينما تعلم ان هاوية عميقة تفصل بينهما. كان ذهنها مليئا بما حدث بينهما.
قال عابسا: "اظن ان هذا هو السبب الذي جعلك تطلبين من ستيفن ان يأخذك ال المدينة. لم اكن اعلم انك واخي صديقان حميمان".
ردت عليه بحدة: "ثمة امور كثيرة لا تعرفها عن اخيك"
ونظرت من حولها بسرعة فرات ان بقية افراد الاسرة ينتظرونهما لينضما اليهم. فقالت: "علينا ان نجلس".
ـ ثانية واحدة!
لحسن الحظ ان الحادمة اختارت تلك اللحظة لتأتي بابريق القهوة.
ورغم ان جين كانت واثقة من ان ماريا واريادن لعنتاها لأنها حجبت عنهما، الا ان مرورها منح ديميتري الوقت الكافي ليطلب منها ان تفسر ما تعنيه. فقالت باصرار، متمنية لو بامكانها ان تسحب كلماتها: "هذا غير مهم. انطر امك واريادن تنظران الينا".
ـ اريد ان اعلم ما عنيته. ما الذي لا اعرفه عن ستيفن؟ لا تخبريني بانه اصبح الآن يفضل النساء على الرجال.
ـ لا تكن بهذا الاستعلاء. يبدو ان ستيفن ورفيقه عاشا معا اكثر من ست سنوات.
ـ اعلم هذا. لديهما بيت في كاليثي. ستيفن يمضي الكثير من الوقت في الفيلا بسبب مرض ابيه فقط.
لاحظت جين ان الانظار انصبت عليها الآن، فقالت: وهذا هو المفروض اذن"
فازداد عبوسا: "لم تفسري لي بعد ما عنيته بكلامك عن ستيفن. ما الذي لا اعرفه وعلي ان اعرفه؟"
ـ آه، ديميتري... لا يمكننا ان نناقش هذا الآن.
ـ هذا حسن، سآتي الى غرفتك في ما بعد. عندئد يمكنك ان تخبريني.
لم تستطع ان تمنع من ان تسأله ببراءة:الن تكون جينذاك مع اريادن؟"
وجود اسرته منعها من ان يحيبها بما تستحقه، فقال: "بعدما جرى بيننا عصر هذا اليوم؟ لا اظن ذلك".
فهتفت بانفعال: "آه ... ديميتري"
ولتخفي شعورها الحقيقي، قالت بتهور: لا بد انك تكبر في السن.في الماضي كنت اكثر قدرة على الاحتمال".
وتصاعد رنين الهاتف في مكان ما من المنزل، لكن ديميتري تجاهله اذ راح يحدق في جين وفي عينيه غضب واضح فاسرعت الى حيث جلست بجانب ابيه. ادركت انه ليس من العدل ان تستفزه بينما لا يستطيع ان يجيبها، لكن يبدو انها تمادت هذه المرة حتى بالنسبة اليه.
ـ ما الذي تعنينه بذلك بحق جهنم؟
وتقدم ليقبض على ظهر الاريكة خلفها: "جين... هذا انذار مني..."
مهما كان ما اوشك ان يقوله، فقد توقف عن الكلام عند ظهور مدبرة منزل ابيه المفاجئ. وقفت انجلينا عند العتبة. بدا واضحاً من وجهها المتوهج ويديها القلقتين ان ثمة خبراً هاماً تريد ان تقوله.
قالت وهي تنظر الى ديميتري: "عفواً، يا سيدي لكن لديك مخابرة من اثينا"
كانت تتكلم بلغتها الام لكن جين فهمت معظم ما قالته: "قلت لهم ان الاسرة تتناول العشاء لكن السيد افينيس اصر على التحدث اليك شخصياً. انه يقول ان القضية مسألة حياة او موت".
تردد ديميتري لحظة قبل ان يستدير ويتبع المرأة خارجا من الغرفة. وترك ذهابه فراغا غير مريح سرعان ما ملأه الاب كالعادة.
ـ ما كان افينيس ليتصل ليتصل لو ان الامر ليس هاماً.
وحاول ان يقف لكنه عاد فجلس: "ماريا، هل لك ان تذهبي وتري ما حدث؟ اردت ان اذهب بنفسي، ولكن..."
وبسط يديه بحركة واضخة المعنى فلم تعترض ماريا لأول مرة: "طبعا"ووضعت قهوتها مضيفة: "ارجو المعذرة منكم جميعاً"
لم تعرف جين ما عليها ان تقول، لكن ستيفن قال: "كان عليك ان تطلب ذلك مني، يا ابي. بامكاني ان احمل رسالة، كما تعلم".
هز ليو راسه، وقد بدا وكأنه لا يتمالك اعصابه: "لا اظن ذلك، يا ستيفن آسف! لكن بامكانك طبعا ان تذهب لترى ان كان هناك ما يمكنك القيام به"
هز ستيفن راسه: "هل من فائدة؟"
ـ ربما، اذا لم لديك مانع.
تردد ستيفن لحظة، لكنه عاد ووقف ليعادر الغرفة تاركا والد ديميتري مع اريادن وجين فقط.
قالت اريادن: "ماذا حدث برايك؟
هز ليو راسه مرة اخرى: "الله اعلم، لعله اصطدام بين ناقلات نفط"
فتحت اريادن فمها ذهولا: "وهل هذا خطر؟"
فاجاب بابتسامة مرغمة: "قد يكون كذلك. دعينا نرجو الا يكون كذلك"
بللت جين شفتيها: "هل...هل سيتسلم ديميتري الامر".
اجاب قبل ان تتمكن اريادن من ان ترد عليها بان الامر ليس من شانها: "ليس بالضرورة".
وحدق في سقف الغرفة مفكراُ وعاد يقول: "لدينا عمال فنيون لمثل هذه الامور لكن...طبعا قد يرغب هو في ذلك".
قالت جين متفهمة: "كما كنت لتفعل انت"
ابتسم بشيء من الكآبة وقالل وهو يربت على يدها: "انت تعرفينني جيداً يا عزيزتي. كنت سأعشق المشاركة".
ابتسمت جين بينما بدا الاستياء على اريادن.
وفي هذه اللحظة عادت ماريا الى الغرفة محاولة ان تبعد القلق عن ملامحها وهي ترى زوجها.
ـ حسنا؟
فتنهدت: "ثمة حادث"
وعادت الى الجلوس قبل ان تتناول فنجان قهوتها البارد: "اين انجيلينا؟ القهوة لم تعد ساخنة"
ـ ما نوع الحادث؟
اراد ليو ان يعلم فوضعت قهوتها من يدها: "سيعالج ديميتري الامر... هل يريد احد منكم..؟"
ـ ماريا؟
حملق فيها الآن فتأوهت وقالت مستسلمة: "لا بأس لا باس. حدث انفجار لم يتضح يعد كيف حدث ذلك لكن السفينة "ارتميس" مثقوبة في البحر"
شتم ليو وقال: "مثقوبة؟ هل اصيب احد؟"
ـ يقول افينيس ان رجلا قد اصيب. وهذا كل ما في الامر.
فقال بارتياح: "الحمدلله! ولكن هل "ارتميس" معرضة للغرق؟"
ـ هذا ممكن.
ومالت نحوه وربتت على لركبتيه: "عليك ان لا تقلق يا ليو. ديميتري سيتولى كل شيء كما اخبرتك"
بدا الاحباط على وجه ليو: "اظنه سيعود الى اثينا الليلة؟"
ـ انه يرتب الامر. سياخذه كوستاس.
فأومأ ليو: "نعم، الهيلوكوبتر ستأخذه مباشرة الى هناك"
بدا الرعب على وجه كاريا: "آه...لا اظن ذلك"
وشعرت جين بوخزة من القلق في اعماقها فيما قال ليو متأكداً: "انا اعرف ديميتري. سيرغب في رؤية الحادث بنفسه".
ـ ولكن...اليس في ذلك خطر عليه؟
كانت اريادن هي التي تكلمت، فنظر اليها والد ديميتري بفروغ صبر: "الحياة نفسها خطر. الم تكتشفي ذلك بعد؟ لقد اكتشفت جين هذا، اليس كذلك يا عزيزتي؟"
لم تعرف جين كيف تجيب، لكن لحسن الحظ عاد ستيفن فتحولت الانظار اليه: "هل اخبرتك ماما بما حدث يا بابا؟"
ومال على الاريكة التي يجلس عليها ابوه قبل ان يردف: "انا ذاهب مع ديميتري".
ورفع حاجبيه ساخرا وهو ينظر الى جين: "اليس هذا جديرا بالاعتبار؟"
حدقت جين فيه، لكن ماريا هي التي قالت بقلق: "لا يمكنكما ان تذهبا، انتما الاثنين، يا ستيفن. ماذا عن... ماذا عن ابيك؟ ماذا عنا؟ قد نحتاج اليك"
فقاطعها ليو: "دعيه يذهب يا ماريا ربما حان الوقت لكي اتذكر ان لي ثلاثة ابناء وليس اثنين فقط ... ستيفن؟ ... كن حذرا فقط ... ؟"
ـ سافعل، يا بابا.
وامسك بكتفي ابيه ثم غادر الغرفة بعد كلمة الوداع.
اوشكت ماريا على البكاء، وارتجفت جين بشكل واضح.قكرة توجه الرجلين بالطائرة الى سفينة نفط انفجرت لتوّها، كان مخيفة. تمنت لو تذهب لرؤية ديميتري لتخبره بان ينتبه لنفسه، لكنها لا تملك هذا الحق لكن اريادن هبت واقفة بعد لحظة، ولحقت بستيفن ونظرت ماريا الى جين ببرودة: "حسنا، ارجو الا تدعي هذا الحادث يؤثر في قرارك بالرحيل في اسرع وقت ممكن، واظنك، في هذه الظروف، على صواب اليس كذلك؟".

 
 

 

عرض البوم صور شوق الهيا   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أحلام, anne mather, آن ميثر, احلام, دار الفراشة, روايات أحلام الجديدة, روايات احلام, روايات احلام الحصرية, روايات رومانسية, the greek tycoon's pregnant wife, وضاعت الكلمات
facebook




جديد مواضيع قسم روايات احلام
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t111152.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 29-08-09 04:08 PM
ط­طµط±ظٹ 442 - ظˆط¶ط§ط¹طھ ط§ظ„ظƒظ„ظ…ط§طھ ظ„ظ„ظ…ط¨ط¯ط¹ط© ط¢ظ† ظ…ظٹط«ط± - ظ…ظ†طھط¯ظٹط§طھ ظ„ظٹظ„ط§ط³ - Gturl This thread Refback 23-05-09 02:04 PM


الساعة الآن 05:26 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية