كاتب الموضوع :
شوق الهيا
المنتدى :
روايات احلام
12-كشف السرّ
اوقفت جين سيارتها امام بيت امها، ثم جلست دقائق عدة تتساءل كيف ستتدبر الامر. عليها ان تخبر امها انها حامل. اذ لا يمكنها ان تغامر بان تدع اولغا تذيع الخبر، كما انها لم تر امها منذ اكثر من اسبوع وهي تستحق ان تعرف الحقيقة.
ومع ذلك، لم تكن متشوقة لأن تخبرها بهوية والد الطفل.
لقد غادرت كاليثي عصر امس. ورغم كراهية والد ديميتري لرحيلها الا انه استدعى لها طائرة هليكوبتر لتأخذها الى اثينا بدلا من اندروس حيث كانت تنتظرها تذكرة سفر الى لندن على مقاعد الدرجة الاولى.
كانت جين شاكرة جدا لهذا،فهي لم تنم جيدا ليلة سفرها. اذ كانت لا تعرف اين هو ديميتري او ماذا سيفعل. لم تستطع ان تنكر خوفها على سلامة ديميتري وستيفن معا. ولو ان ماريا لم تجعل وضعها بتلك الصعوبة، لبقيت يومين آخرين لتطمئن الى انهما بخير.
لكن ليو طمأنها الى انه تلقى اتصالا من ديميتري وان الاخبار جيدة. حسنا، سيتلقى ليو المعلومات مباشرة، عليها هي ان تعتمد في لندن على نشرات الاخبار لسماع اي خبر عن السفينة وعن زوجها.
كان ليو قد رافقها الى مهبط الهليكوبتر، بعيدا عن نظرات ىزوجته المستنكرة، حيث شكرها على مرة اخرى على حضورها، وعبر لها عن املها في ان يتقابلا مرة اخرى. حينذاك قالت له جين انها ستلبي دعوته. ولعل هذا لم يكن تصرفا حكيما نظرا للظروف، حسب اعترافها. فكيف يمكنها ان تعود الى كاليثي بينما سيظهر حملها بشكل واضح بعد اسابيع.
واحذت تفكر بائسة في انها لن ترى والد ديميتري مرة اخرى. وفيما هما يتنظران كي يضع الطيار امتعتها على متن الطائرة، تملكها شعور بانه لديه الكثير ليقوله لها، وتكهنت بانه يريد ان يدافع عن ابنه، لكنه لم يجد الكلمات. على كل حال، عليها ان تضع ايامها تلك في كاليثي خلفها. ان حياتها هنا في لندن وفي غضون ايام، ستعود الى عملها في بيع وشراء التحف.
فتحت السيدة لانغ الباب ثم هتفت وهي تقبل ابتنها على خديها: "حسنا،حسنا، لم تخبريني بفدومك".
وتنحت جانبا لتدعها تدخل الردهة الضيقة.
ـ وصلت الليلة الماضية. هل نجلس هنا في المطبخ؟
واشارت الى المطبخ القريب فاجابت الام: "لا. سنصعد الى الطابق العلوي. جهزت لتوي ابريق شاي. ادخلي وساحضر الصينية".
فترددت جين: "اتريدين مساعدة؟"
قالت الام بحدة: "انا قادرة تماما على حمل صينية الى الطابق العلوي. لن اتأخر طويلاً".
صعدت جين السلم ودخلت الى غرفة نوم امها التي تطل على فسحة امام البيت، ولم تستطع الا ان تقارن بينها وبين شقتها البسيطة.
ـ اجلسي بالله عليك.
كانت امها قد دخلت الغرفة ووضعت الصينية على طاولة امام المدفأة.
جلست على كرسي بذراعين ثم تناولت فنجان الشاي من يد امها.
جلست الام على الاريكة بجانبها: "ها قد عدت اذن؟ هذه الاريكة مريحة اليس كذلك؟"
ثم نظرت اليها تقيمها قبل ان تضيف: "ما زلت تبدين شاحبة. هل افهم من هذا ان الامور لم تسر بشكل جيد؟"
قالت: "كانت...لا بأس بها. لقد رحب ليو بي كثيرا".
قالت جين هذا بغموض، فقالت الام: "وماذا عن ديميتري؟ هل كان هناك؟ ما يذكرني... اذيع خبر عن ان ناقلة نفط من سفنه قد احترقت. لا اظنك تعرفين شيئا عن ذلك؟"
"حبست جين انفاسها: "ماذا قالوا؟ هل...هل تضرر احد؟
قطبت الام جبينها: "اذا تعنين ديميتري فلم يذكر اسمه. يبدو انه لم يكن موجودا. رجل مثله لا يقحم نفسه في احداث خطرة كالانفجارات".
ـ هذا غير صحيح. في الواقع، سمعت بالحادث فقد حدث في الليلة التي سبقت عودتي الى الوطن. فذهب ديميتري واخوه الى اثينا على الفور.
ـ هذا اذن سبب عودتك الى الوطن؟
فقالت جين مدافعة: "كلا. كنت قد اخبرت ليو من قبل انني سأرحل وذلك قبل ان يقع الحادث"
آه ...حسنا ... مما سمعته لم يكن الحريق عظيما. اظن الضجة التي حدثت هي بسبب الحطر الذي قد يمتد الى السفن الاخرى.
اومأت جين اذ لم تجد في نفسها الثقة لتتحدث في الموضوع. لم يكن خطر امتداد النار الى السفن الاخرى هو الذي اخافها، بل وجود ديميتري في ذلك المكان.
ساد الصمت لحظات قالت الام بعده: "وكيف حال السيد سوفاكيس؟"
ـ ليست سيئة. انه هزيل للغاية وليس قويا بما يكفي. لكن ذهنه ما زال بالغ النشاط كعادته.
قالت الام بارتياب: "اتظنين ذلك حقا؟"
فاجابت جين: "ماذا تعنين؟"
ـ حسنا، انه يعلم انك وديميتري بدأتما معاملات الطلاق، اليس كذلك؟ وهكذا كان عليه ان يعلم ان ليس من الحكمة ان يدعوك الى منزله. هل ظن ان جمعه لكما معا قد يؤدي الى تغير ما.
ـ لا، طبعا لا.
وارتجفت يده فوضعت كوب الشاي من يدها بسرعة على الطاولة.
امعنت امها النظر فيها مفكرة ثم سألتها بدهاء: "هل رجوت ذلك؟"
احمرت وجنتا جين: "رجوت ماذا؟"
ـ رجوت ان يغير ديميتري رايه؟
ـ لا!
وهذا صحيح فهي لم تكن ترجو امرا كهذا عندما غادرت انكلترا. وتابعت تقول: "لقد تركت ديميتري يا امي، ولا افكر في العودة له".
لم يبد الاقتناع على الام وفكرت جين في استحالة ان تخبرها عن الطفل الآن.
ـ متى ستعودين الى العمل اذن؟
قالت جين وقد بدا عليها الانهاك والضجر: "لا ادري. ربما غدا او بعد غد ساتحدث الى اولغا".
فقالت الام باستياء: "ما اجمل ان تظهري كل هذا الاندفاع والنشاط نحو العمل".
بللت جين شفتيها: "حسنا، لم تكن صحتي جيدا مؤخراُ".
فقالت الام بانتصار: "هذا ما ظننته. لقد قلت لك قبل السفر انك تبدين مريضة".
فقالت جين باستسلام: "هذا صحيح".
ـ ما الامر اذن؟ هل ذهبت الى طبيب؟
ـ ذهبت قبل السفر.
ـ ولم تخبريني؟ اظنك اخبرت تلك المرأة ايفانوفيش. لكنني امك وانت لا تظنين اني استحق ان اعلم ما يجري....
ـ انا حامل!
لم تكن جين تعلم ما ستقوله قبل ان تنطق بهذه الكلمات.
كانت تعلم فقط ان عليها ان توقف فيض كلام امها. بعد ذلك جلست واخذت تحدق فيها بذعر.
هذه المرة استمر الصمت لوقت اطول ووضعت امها الكوب من يدها واخذت تزدرد ريقها مراراُ وكأنما جف حلقها..
بعدئذ، قالت بهدوء: "اظنه ديميتري"
هبط كتفا جين: "نعم"
ـ آه، يا جين!
توقعت ردود فعل كثيرة من امها، ولكن ليس العطف:
ـ منذ متى عرفت؟ هل هذا هو سبب ذهابك الى اليونان.
ـ لا. ديميتري لا يعلم. يجب الا يعلم فهو سيتزوج امرأة اخرى.
حدقت فيها امها غير مصدقة: "انت لست جادة. لكن يا جين، كيف تدعينه يتزوج امرأة اخرى بينما انت حامل بطفله؟ هذا غير معقول منك".
تنهدت جين وردت: "امي، كوني حاملا لا يشكل فرقا بالنسبة الى... الى شعورنا نحو بعضنا البعض"
ـ لا اصدق هذا.
عضت جين شفتها: "ما حدث بيني وبين ديميتري كان...غلطة. كان يجب الا يحدث ابداً".
ـ لماذا فعلتما ذلك اذن؟
ـ آه لا ادري كنت متكدرة...وهو....وهو...
سرت جين الآن لأنها لم تخبر امها بسبب رغبة ديميتري في الطلاق.
ـ استغل الفرصة.
ـ لا. لم يكن الانر كذلك.
ـ كيف كان اذن؟
احمر وجهها لهذا السؤال: "امي ارجوك لقد حصل ما حصل. الا يمكنك تقبل ذلك فقط؟"
نظرت اليها امها عن قرب: "الا تأخذين عادة حبوباً لمنع الحمل؟"
ـ انا افعل عادة. كان الامر تهورا مني، اعلم هذا.
ـ يا الهي العزيز!
ـ اعرف ان هذا غباء. انا ادرك ذلك الآن.
ـ اتساءل كم من النساء الشابات قلن ذلك.
ونهضت الام عن الاريكة واحذت تتمشى في انحاء الغرفة بقلق، ثم عادت تقول: "دعينا نواجه ذلك، انه ملام مثلك".
ـ لعله اعتقد مثلك انني اتناول حبوبا لمنع الحمل. لم نتحدث في الامر حينذاك.
ـ ومع ذلك...
ـ امي، هذه ليست مشكلة ديميتري، انها مشكلتي انا وسابقي الامر كذلك.
فشخرت امها: "يبدو ان ذلك الرجل تعود انجاب الاطفال من نساء ما كان ينبغي له...."
ترددت قبل ان تتابع: "اظنك:رايتها هناك...ماذا كان اسمها؟ لانت؟"
احنت جين راسها: "نعم. رايتها"
ـ وهل هي من سيتزوجها؟
وترددت جين ثم قالت: "لا. لقد مات طفل لانت"
احقا؟ هذا مناسب جدا".
ـ لم يكن الامر كذلك.
شعرت جين بان عليها ان تدافع عن تلك الفتاة فتابعت تقول: "اظنها كانت متكدرة جداً".
ـ وهل كان ديميتري متكدرا هو ايضاً؟"
ـ اظن ذلك,,,
وسكتت لحطة ثم اظافت: "ما زال ينكر ان الطفل ابنه".
حدقت امها فيها: "انت لا تصدقينه، اليس كذلك؟"
بدا العجز على جين: "لا...لا".
ـ هذا شيء سار على كل حال.
وبدا الارتياح على وجه الام: "ماذا ستفعلين الآن؟ هل ستربين الطفل وحدك؟"
ـ هذا هو الخيار الاول.
فقطبت الام جبينها وسألت: "الخيار الاول؟ وما هو الخيار الثاني؟ اذا لم ترغبي في اعلام ديميتري.."
وسكتت، وعندما تكلمت مرة اخرى، عكس صوتها اهتماماً حقيقياً: "انت لم تفكري في...عدم انجاب الطفل، اليس كذلك؟ اعني...لا حاجة لأي قرار سريع. يسرني ان افعل ما استطيع واعلم ان لوسي ستساعدنا".
ـ آه يا امي.
شعرت جين بعينيها تغرورقان بالدموع: "آخر ما تحتاجينه هو طفل هنا".
ردت امها بحزم: "لا تنسي ان هذا الطفل هو حفيدي مثل بول وجسيكا".
قالت جين بصوت مخنوق وهي تقف وتعانق امها: "ماما، انا احبك وانت تعلمين ذلك.."
حاولت الام ان تتذمر فلم تفلح: "والآن، اشربي الشاي. الشابات الحوامل يحتجن لكل قواهن.
|