لم تعترف باربرا بذلك , بل قالت : (( لا أعلم لماذا تتخذين هذا الموقف , أنت من طرح الموضوع في بداية الأمر )) - و أنت رفضت حتى التحدث بالأمر - ألا يسمح لي بتبديل رأيي ؟ يمكنني أن أرى بوضوح كم أنت متعلقة بهذا الرجل , لذلك أعتقدت إنك ستسرين بهذه الدعوة . - ليس عندما تقدمين عليها من وراء ظهري . جدتي , كان عليك أن تناقشي الأمر معي قبل أن تباشري بإرسال الدعوات . - أردت أن أفاجئك , عزيزتي , و يؤسفني أن الأمر ارتد عليك بالسوء , لكن ليس هناك ما أستطيع القيام به الآن . كل من أرسلت لهم الدعوات قبلوها , بمن فيهم صديقك السيد برتولوزي , لذلك أخشى القول إن عليك أن تتغلبي على مخاوفك و تتخذي قرارك بالإستمتاع بالسهرة . الإستمتاع بالسهرة هو أمر شبه مستحيل ! وقفت ناتالي قرب الأبواب المفتوحة على الشرفة لتتمكن من النظر بوضوح إلى داخل القاعة , و ضعت ابتسامة جديدة على وجهها الذي أصبح يؤلمها بسبب محاولتها بأن تبدو سعيدة و مرتاحة . حاولت قدر استطاعتها أن تتجاوب مع الأحاديث الدائرة حولها , فيما أبقت عينيها طيلة الوقت على المدخل خلف قاعة الإستقبال . لقد وصل جميع المدعوين ما عدا ديمتريو الذي لم يظهر له أي أثر بعد . تمنى جزء منها أن يبدل رأيه فيقرر البقاء في منزله . أرسل ديمتريو باقة من الزهور رائعة الجمال إلى جدتها , في وقت سابق من هذا اليوم . و اعترفت ناتالي إنها لفتة مميزة من رجل يملك ما يكفي من اللباقة الإجتماعية . ازداد توترها مع مرور كل لحظة , فراحت تختلس النظر بين الفنية و الأخرى إلى الساعة المطلية بالذهب الموضوعة فوق رف الموقد . في النهار أمضت الساعات و هي تحضر نفسها . ترددت في إختيار ما بين فستان مميز لأشهر المصممين و ثوب أكثر بساطة ليتلاءم مع ما سوف يرتديه ديمتريو . فمن المحتمل إنه لم يدرك إنها سهرة بحاجة إلى بذلة رسمية و ربطة عنق سوداء , أو إنه لا يملك بذلة رسمية . في النهاية , قررت أن تبدو بكامل أناقتها من أجله , فأختارت فستاناً من تصميم أحد أشهر مصممي الأزياء , ذا لون أزرق يتدرج عند الأطراف كلون الطاووس , أما صدره العالي فلا يمكن مقارنته بأي ثوب آخر . منتديات ليلاس عقدت شعرها كالتاج في أعلى رأسها , و وضعت طبقة من ظلال العيون , و مررت فرشاة الكحل فوق جفنيها ثم تعطرت . أخيراً ظهر ديمتريو . لو أن هناك ذرة من العدل في هذا العالم , لمر وصوله من دون أن يلاحظه أحد و انخرط الرجل بين الحضور بدون أي تعليق , لكن هذا لم يحدث . ففي اللحظة التي فتح فيها روميرو الباب الرئيسي و أعلن حضوره , انطلق تيار كهربائي غير منظور في أجواء الغرفة . توقف الخدم عن الحركة , بمن فيهم أولئك الذين تم إستئجارهم للحفلة , و غاص ضجيج الكلام الدائر في صمت مطبق . و نسي الجميع الأكواب في أيديهم , و حدقوا به في ذهول و استهزاء . بدا كأنما مخلوق من كوكب آخر قد هبط في وسط القاعة , أما ما دعا الجميع إلى رفع حواجبهم استهجاناً , فليس عدم ارتدائه بذلة رسمية تقليدية في الحفلة , بل الثياب التي اختارها لهذه المناسبة عوضاً عن البذلة التقليدية . اختار ديمتريو ربطة عنق مخططة سوداء اللون مع بذلة سوداء مقلمة أيضاً و قميصاً ذات لون غامق كلون الفحم . بدا كأنه قطعة واحدة من رأسه حتى أخمص قدميه المغلفين بحذاء أسود لماع . اختياره لهذه الثياب ذات اللون الواحد يظهر بوضوح مدى جرأته و ثقته بنفسه . |
علمت ناتالي ذلك , حتى قبل أن تتمتم امرأة قريبة منها محدثة زوجها : (( يا إلهي ! لقد انضمت المافيا إلى الحفلة ! ما الذي أصاب عقل باربرا حتى تدعوه ؟ )) انقبض قلب ناتالي , و شعرت بألم شديد . أرادت أن تبعده عن خط النار , و أن تتحدى أي شخص يتوجه إليه بكلمة سيئة كما أرادت أن توبخه على عدم إظهار القليل من المنطق بتصرفه . و الأهم من هذا كله , أرادت أن تعاتب جدتها و تلومها لأنها تعمدت أن تذله و تحرجها . مهما يكن الأمر , فات الأوان الآن على القيام بأي شيء . لقد ارتكبت خطأ بتركها الأمر يجري على هذا النحو . الآن أصبح الوقت متأخراً جداً , و هي لا تستطيع القيام بأي شيء سوى البقاء ثابتة في مكانها , ترنو إليه بعينيها كي يسامحها لأنها لم تفطن من قبل إلى إنه يسير إلى فخ نصب له . أمام دهشة الجميع تقدم ديمتريو دون أن يبدو عليه أي إرتباك أو انزعاج لأنه وجد نفسه عرضة لنظراتهم الفاحصة و انتقاداتهم القاسية . جال بنظره عبر الغرفة الواسعة , و أحنى رأسه قليلاً لجدتها , و هي الشخص الوحيد الذي اقترب منه . بدا له بوضوح إنها مسيطرة على الوضع بإحكام . أحنت رأسها قليلاً , و شاب حركاتها الاشمئزاز و هي تقول : (( حسناً ! سيد برتولوزي ... ها قد أتيت أخيراً ! بدأت أظن إنك لن تحضر )) استجابته فاجأتها تماماً , و ظهر ذلك على ملامح وجهها . توقعت أن يمسك بيدها و يهزها قليلاً , إلا إن ديمتريو رفع ظاهر يدها إلى شفتيه , و طبع قبلة قصيرة عليها , ثم همس بصوته المثير كما يفعل دائماً : (( ما كنت لأحلم بالانضمام إلى هذه الحفلة المميزة , سنيورا , و يسعدني جداً وجودي هنا )) ثم نظر مباشرة إلى عينيها , و غمزها . كأنه أراد أن يقول لها : نحن نعلم أن كلينا نكذب , لكن إذا كانت هذه رغبتك في اللعب , فإن الأمر يناسبني . ظهور التوتر على ملامح جدتها هو أمر يستحق التوقف عنده . لم ترَ ناتالي يوماً جدتها محبطة كما رأتها في تلك اللحظة . ردت قائلة : (( لنقدم لك شراباً ما , بعدئذ سأعرفك على الجميع )) أجاب ديمتريو و المرح بادٍ في صوته : (( يبدو الشراب فكرة جيدة , لكنني أشك أن يكون هناك حاجة لتقديمي لأي كان . فأنا متأكد أن جميع ضيوفك يعرفون من أكون )) شعرت ناتالي بالخوف من أن تختنق جدتها بسبب ما سمعته , لكن باربرا أفاقت بسرعة من ذهولها , و قالت معترضة : (( لكنك لا تعرفهم )) هذه المرة , منحها إحدى أجمل ابتساماته , و علق : (( أنا أعرف حفيدتك , و هذا كاف على ما أظن )) - هذا صحيح رمقته ملياً بنظراتها التي تقطع كالسكين , و تابعت : (( أصبحتما مقربين جداً , كما يبدو )) وافق من دون أن يرمش له جفن : (( جداً ... كما يتقرب الجيران عادة من بعضهم البعض )) تشابكت نظراتهما كأنهما في معركة . لكن كما يحصل لناتالي تماماً حين لا تستطيع الصمود أمام تحديق عينيه الزرقاوين الثاقبتين من دون أن تفقد تماسكها , هذا ما حصل لجدتها أيظاً . - حسناً , إذاً ! تابعت بصوت كالأزيز , و هي تبتعد عن خط النار قبل أن تتمزق كرامتها إلى أشلاء , و أشارت نحو ناتالي : (( سأتركك بين يديها , و أتمنى أن تنجح حيث فشلت , و تتمكن من إقناعك بتوسيع دائرة معارفك )) أخيراً و بعد أن تحررت من شرنقة الجمود التي لفت الغرفة , انضمت ناتالي إليهما , و تمتمت : (( مرحباً ! )) منتديات ليلاس أدركت أن الأنظار تحولت إليها . لم تعرف إن كان عليها أن تبتسم من جديد , أم تقع بين ذراعيه و تنفجر بالدموع ببساطة .. أنقذها ديمتريو من ارتباكها , حين ضغط بيديه على يديها , ثم تراجع إلى الوراء قليلاً و هو يقول : (( لم أراك يوماً أكثر جمالاً , أميرتي ! )) ما سر هذا الرجل ؟ إنه يقول الكلام المناسب في الوقت المناسب . سألت نفسها و هي تشعر بصدمة تركتها غير قادرة على التفوه بأية كلمة . لم تكن ناتالي الوحيدة التي أصابها التعجب و التساؤل . فعندما وصل هذا الرجل , بدا كأن الطاعون نفسه قد انتشر في الغرفة , إلا أن توازن القوى تغير منذ تلك اللحظة . إذ سرعان ما ظهر للعيان إنه الرابح في معركة الارادة مع سيدة المجتمع المميزة باربرا وايد , أما أولئك الذين أداروا ظهورهم له منذ عدة دقائق , فراحوا يرمقونه الآن بإحترام يشوبه الحقد و الحسد . بربطة عنق سوداء أم بدونها , هذا الرجل يستحق نظرة ثانية ! لم تستطع ناتالي إلا أن توافق على ذلك . فقد رتب ديمتريو شعره الأشعث ليصبح أملس , كما محا كل آثار للظلال تحت عينيه , و قص أظافره التي بدت نظيفة و مرتبة تماماً . أما عطر ما بعد حلاقة الذي وضعه فبدا منعشاً و مميزاً . و مع أن اختياره لثيابه ليس تقليدياً على الإطلاق , لكنها لا تستطيع أن تنكر أن سترته أنيقة جداً , كذلك قميصه و ربطة عنقه المصنوعتين من الحرير الصافي . لم يعد لدى ناتالي أي شك و هي تقوم بجولة بين الحضور برفقته , إنه يستطيع تدبير أمره في مجتمع أكبر من هذا . لم يخيب ديمتريو أملها البتة . تعامل مع كل تعارف باحترام و اهتمام , مما أثار إعجابها و غضبها معاً . تساءلت من هو الشخص الذي يحاول ديمتريو أن يهزأ به , هي أم كل شخص آخر هنا ؟ |
أدركت إنها ليست الوحيدة التي تشعر بالحيرة نحوه , مع إن الرجال صافحوه باحترام , و استجابت النساء له بابتسامات حذرة . عندما سمع جرس العشاء , و اجتمع المدعوون كلهم في غرفة الطعام , شعرت ناتالي أنهم لا يزالون يتوقعون أن يرتكب أخطاء رهيبة , وهم بالكاد يستطيعون الإنتظار حتى يرونه يعود إلى حجمه الحقيقي . لم يحقق لهم ديمتريو ما يتمنوه , فقد تصرف بكياسة و لباقة مميزتين مع السيدتين اللتين جلستا على المقعدين المجاورين له , فأحنى رأسه بانتباه ليصغي إلى أحاديثهما . بدا واضحاً إنه يعرف تماماً أية شوكة يجب أن يستعمل , و أي كوب عليه أن يرفع , كما أبدى معرفة واسعة بالسياسة العالمية و الإقتصاد و كذلك في عالم الرياضة . أخيراً , سألته امرأة تجلس بعيداً عنه , و هي امرأة لم تستطع تحمل ما تسمعه لدقيقة أكثر : (( كيف توصلت إلى معرفة تلك المعلومات المختلفة لتبدو بهذه البراعة , سيد برتولوزي ؟ )) لو أن الظروف مختلفة , لوجدت ناتالي هذا السؤال هجومياً و غير لبق . أما الآن , فهي بالكاد تستطيع الإنتظار لسماع إجابته . - أمضيت عدة سنوات و أنا أتنقل في العالم , سنيورا . أجابت المرأة باهتمام : (( آه ! أحقاً ! هل تخبرنا عن الأماكن التي زرتها ؟ )) رفع كتفيه العريضتين و ابتسم لها بثقة قبل أن يجيب : (( أمضيت عدة أشهر في آسيا و أستراليا و في الشرق الأوسط , لكنني أمضيت معظم الوقت في الولايات المتحدة )) رمقته المرأة بنظرات مليئة بالاعحاب الذي يقارب الافتنان قبل أن تقول : (( أين كنت في الولايات المتحدة , بالتحديد ؟ )) - أمضيت معظم الوقت في نيو جرسي . المعلومة الصغيرة أثارت اهتمام الحاضرين . ابتسم الجميع ابتسامات ملتوية , و تبادلوا نظرات الاستهزاء , ما دل على ان افتراضهم الفوري هو إنه كان متورطاً في الجانب السيئ من الحياة هناك و بالتحديد في غاردن ستايت التي اقترن اسمها بالأعمال المشبوهة . بعدئذٍ أضاف ديمتريو بكسل , و في الوقت المناسب : (( ... و تحديداً في برنستون )) انفجر الجميع بالضحك لدهشتهم , و سأله شخص آخر : (( بالتأكيد أنت لا تقصد جامعة آيفي ليغ ؟ )) أجاب بنبرة سطحية : (( بلى . هذا ما قصدته بالتحديد )) - و ماذا كنت تفعل هناك , بحق السماء ؟ - ألعب كرة السلة و كرة المضرب .. منتديات ليلاس و مرة ثانية , أضاف بعد وقت قصير : (( ... حين لا أكون منشغلاً بحضور الصفوف )) هذه المرة , باربرا هي من طرح السؤال : (( هل قلت حضور الصفوف ؟ هل كنت تلميذاً في برنستون , سيد برتولوزي ؟ )) - بالطبع ! سنيورا وايد أضاف بعد قليل : (( لولا ذلك كيف يمكنني أن أدعي أنني أحمل شهادة ماجستير في الاقتصاد من هناك ؟ )) هذه المرة إجابته جعلتها تحبس أنفاسها , كذلك فعل كل من في الغرفة . - ما من طريقة أخرى , بالطبع . استعادت باربرا سيطرتها على نفسها , و حدقت به كأنها تقيمه للحظة : (( آه ! آه ! سيد برتولوزي , يبدو أنني قللت من شأنك كثيراً )) مرة ثانية , ابتسم لها ديمتريو تلك الابتسامة التي تبهر من يراها , و علق قائلاً : (( لا تهتمي للأمر , سنيورا . معظم الناس يفعلون ذلك , في اللقاء الأول )) |
لم تكن ناتالي متأثرة به كما حدث للجميع . على العكس من ذلك , فإن الشكوك التي اعتقدت إنها دفنتها , عادت تطاردها . و بينما كانت التصاريح و التعليقات تدور حولها , لم تسمع ناتالي سوى ذلك الصوت الذي يدوي في رأسها . من هو هذا الرجل ؟ و ما الذي جعلك تعتقدين إنك تعرفينه ؟ و كم عدد المفاجآت التي ما زال يخفيها ؟ و متى سيعمل على إظهارها ؟ *** نام ديمتريو حتى وقت متأخر نهار الأحد , و استيقظ بعد الساعة التاسعة . تمدد على الفراش الجديد المريح , في سريره الكبير الجديد , و وضع يديه وراء رأسه . عبر الغرفة , كانت الأبواب الزجاجية التي تطل على الشرفة مفتوحة , لتظهر منظراً رائع الجمال للبحر التيراني الذي يصل إلى جزيرة صقلية البعيدة . فكر أن هذه هي ليلته الأولى في الجناح الرئيسي في المنزل , و جعله ذلك يشعر بابتهاج و فرح غامرين . فقد جاء ذلك بمثابة تتويج لبراءته التي تجلت بوضوح في االليلة الماضية . لقد تمكن من التغلب على الكثير من الصعوبات من قبل , لكن لا شيئ يمكن مقارنته بما حققه البارحة . بدأ الأمر مع زيارة روسو الذي نقل إليه الأخبار السعيدة , فأعلمه أن عملية الشرطة انتهت بنجاح . أراد التحري الشاب أن يشرح له الأمر بالتفصيل , و بدا متشوقاً للقيام بذلك . لكن ديمتريو لم يرغب بمعرفة التفاصيل , فهو يشعر بالرضى لإنه لعب دوراً صغيراً في تلك العملية . ثم اختتم يومه بحفلة العشاء عند باربرا وايد . هو لن يخدع نفسه ليظن أن ليلة واحدة هي كل ما يحتاج إليه كي يتمكن من الدخول إلى ذلك المجتمع الأرستقراطي , لكنه من جهة أخرى لم يتوقع يوماً أن تدعوه المرأة إلى حفلة كهذه . الأمر الذي يهمه هو إنه أثبت وجوده و خرج منتصراً من مشادة هدفت إلى التخلص منه , مع إنتهاء السهرة , لا بد أن الجميع تساءلوا كيف تمكن من الإنتصار عليهم في لعبتهم . كان باستطاعته أن يخبرهم كيف جرت الأمور معه ليصل إلى حيث هو الآن , لكنه لا يرغب بتقديم تفسيرات إلا لناتالي , فهي وحدها من بين كل الناس , تقبلته كما هو , و لم تطلب منه مرة أن يتغير . لقد تمكنت من رؤيته على حقيقته , على الرغم من ستار الكبرياء الذي كان يختبئ خلفه . لقد أحبت فيه الرجل الحقيقي , و بسبب حبها غير المشروط , تمكن ديمتريو من التخلص من المرارة التي ملأت حياته لمدة طويلة . أغمض عينيه و ابتسم . أخيراً أصبح حراً , و قادراً على الاعتراف لها بذلك الحب الذي يشعر به نحوها , فيخبرها عن الآمال التي زرعه حبها في نفسه : بالزواج منها , و بإنشاء عائلة و بإنجاب أطفال متحررين من الماضي السيء ... أطفال لن يعرفوا مطلقاً ألم الرفض أو العار .. أطفال سيكبرون و هو يشعرون بالفخر لأنهم يحملون اسم برتولوزي . إن وافقت ناتالي على طلبه بالزواج منها , فذلك يعني أن العمل الشاق المضني الذي قام به و هو يرمم الفيلا حقق هدفاً أكبر بكثير من تخليد ذكرى جدته . سيصبح عمله هذا هديته للمرأة التي يحبها , و هو يعرف إنه سيحبها إلى الأبد , و ميراثه للأطفال الذين ستنجبهم له .منتديات ليلاس رن جرس الهاتف بجانب السرير . مد ديمتريو يده و هو لا يزال مبتسماً , و مغمض العينين . قرب سماعة الهاتف من أذنه و قال : (( نعم ! )) سمعها تقول : (( أنا ناتالي ! نحن بحاجة إلى التكلم معاً ! )) . نــــــــــهـــــــــايـــــــــــــة الــــــــفــــــــصـــــــــل الــــــــــعـــــــاشـــــــــــر |
11 - من أنت ؟ كان ديمتريو في الخارج عندما وصلت , كان واقفاً بجانب شاحنته القديمة يتحدث إلى اثنين من العمال الذين حلوا محل فريق العمال السابق . قال و هو يشير لها لتدخل إلى المنزل : (( لن أتأخر عليك كثيراً )) . لم تمانع ناتالي في الإنتظار , إذ منحها فرصة لرؤية المكان جيداً , فالتغييرات التي حدثت منذ وصول العمال الجدد بدت مذهلة . تم استبدال قطع الرخام المكسورة , و تم تلميع البلاط بشدة . الألواح الخشبية و الأفاريز المكسوة بالجص عاد إليها توهجها الأساسي , و قد ملأت رائحة عطر الليمون و شمع العسل المكان . لاحظت أن معظم المفروشات من الطراز الحديث باستثناء بعض القطع القديمة الرائعة الجمال , و التي تعود لجدته . لابد إنها القطع التي وضعها في المخزن منذ وقت وفاتها . باستثناء البيانو الضخم المصنوع من خشب الأبنوس الأسود المزخرف , و بعض الأواني المليئة بالنباتات الجميلة , فإن مفروشات قاعة الاستقبال كلها من الجلد الأبيض الفاخر , مع مصابيح من المرمر و طاولات من الزجاج الفاخر . بدا كل شيء رائعاً , مميزاً و ممتعاً للبصر . هذا المكان الفسيح المليء بالأناقة يلفت الانتباه إلى الشرفة الواقعة خلف الأبواب المفتوحة . استطاعت ناتالي أن تتخيل كيف سيبدو المنظر في شهر كانون الأول ؛ سوف تتوهج قطع االحطب المشتعل في المدفأة الرخامية البيضاء , فيما تتألق أزهار البونسية ذات اللون الأحمر الداكن حول المدفأة و الطاولات المحيطة بها . من هو مالك هذه الفيلا المرممة حديثاً , و التي تنضح بالذوق و الثراء ؟ و من أين أحضر المال ليصنع هذا الجمال كله ؟ ربما السؤال الأكثر إلحاحاً هو : ما هو هذا الرجل ؟ أهو حبيب أم كاذب ؟ عندما اتصلت به عبر الهاتف هذا الصباح , بادرها قائلاً بنبرة رقيقة : (( أتريدين أن نتحدث ؟ يمكنني أن أفكر بطرق أفضل لقضاء النهار . كيف حالك هذا الصباح , حبيبتي ؟ )) عاهدت ناتالي نفسها على البقاء قوية و ثابتة العزم , مع أن عقلها و ساقيها تحولت إلى هلام . أجابت : (( أشعر بالارتباك )) منتديات ليلاس تذكرت تعليقات جدتها و هما تشربان شراب الميموزا قبل تناول الطعام هذا الصباح . - ذلك الشاب فاجأنا جميعاً باستثنائك أنت بالطبع , عزيزتي . لا شك أنك كنت تعلمين من قبل أن هناك الكثير الذي لا يمكن معرفته عنه مطلقاً من خلال النظر إليه . آه ! إنها لا تعلم شيئاً . بالكاد تمكنت من النوم البارحة و هي تحاول أن تفهم لماذا أبقى كل تلك المعلومات عنه طي الكتمان , و أخيراً توصلت إلى استنتاج مقنع . في الواقع , تصرفه ليلة البارحة أعاد شكوكها السابقة إلى نقطة الصفر . مهما حاول ديمتريو أن يبرر أفعاله , فكل ما سيضيفه سيبقى مجرد نفاق بالنسبة إليها . أغلق ديمتريو باب الشاحنة القديمة , و سُمع في المكان هدير المحرك , تبعه صوت العجلات فوق الطريق الفرعية المغطاة بالحصى , ثم غاب الصوت ما إن ابتعدت الشاحنة أكثر . بعد مرور لحظة , دخل ديمتريو إلى المنزل و أغلق الباب الرئيسي وراءه . - أين أنتِ , أميرتي ؟ قالت : (( في قاعة الاستقبال )) |
الساعة الآن 11:50 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية