ثم جلس إلى جانبها و عانقها من جديد . غرقا معاً في عناق طويل , حملهما إلى عالم مليء بالسحر و البهجة . جلسا متقاربين لفترة , إستمتعا بكل لحظة أمضياها معاً , كما لو إنهما وجدا بعضهما من جديد بعد فراق طويل . قال لها و هو يضمها إلى صدره : (( أتمنى أن نبقى معاً لأطول وقت ممكن ! )) - أيعني هذا إننا سنتقابل ثانية ؟ قال : (( تأكدي من ذلك , أنا أتطلع بشوق لقضاء أمسية برفقتك تحت ضوء القمر )) - و هل ستعد العشاء لي أيظاً ؟ شعر بغصة من الندم لأنه مجبر على خداعها , لكنه قال : (( ليس الليلة , أميرتي . لدي عدد من المشاغل الليلة , ما رأيك في أن أقفز فوق السور , و أقابلك عند بداية الممر في أرض جدتك حوالي الساعة التاسعة ؟ لا أريدك أن تسيري بمفردك في الظلام )) على الرغم من شعورها بخيبة الأمل , لم تظهر ناتالي ذلك بل قالت : (( سألقاك هناك )) - سأكون بإنتظارك ما إن وصل إلى المنزل , إتصل ديمتريو بروسو , و بادره قائلاً : (( هل هذا وقت مناسب للتحدث إليك ؟ )) أجاب التحري : (( هذا يعتمد على ما ستقوله )) - إنني مهتم للأمر , إن كنت أستطيع المساعدة في التخلص من كاتانسكا , فيمكنك الإعتماد علي - هذا ما أملت سماعه . هناك مقهى في الهواء الطلق , في الساحة الواقعة خلف مركز الشرطة في بوستيانو . قابلني هناك غداً عند الساعة الحادية عشرة , لكن لا تقترب لتجلس إلى الطاولة التي أجلس عليها نفسها . سأعمل على أن تبقى الطاولة المجاورة لطاولتي خالية كي تجلس عليها أنت . - حسناً ! أراك غداً - إلى اللقاء تابع روسو مؤكداً ما قاله في المرة السابقة : (( تذكر ديمتريو ! لا تتحدث بأية كلمة لأي كان , إذا إنكشف ما نخطط له , سيضيع عملنا كله )) - هذا واضح *** بدا الليل ساكناً يغمره نور القمر , و الأزهار تملأ الحديقة بأريجها العطر , كأنها ترحب بناتالي و هي تشق طريقها للقاء ديمتريو في المكان الذي إتفقا عليه . وجدته بإنتظارها , و هو يحمل مصباحاً يدوياً , و غطاء مطوياً ملقى على ذراعه . قال : (( مرحباً ! )) منتديات ليلاس ثم ضمها إليه معانقاً إياها بقوة , حتى إنها خشيت ألا تتمكن بعد ذلك العناق من السير عبر المنحدر برباطة جأش لكن بالطبع , ما كان عليها أن تقلق . سار ديمتريو أمامها , متوقفاً بين الفنية و الأخرى ليضيء الطريق أمامها بنور المصباح . قادها بأمان حتى لامست قدماها الرمال التي لا تزال حارة . وضع الغطاء على الأرض , و سألها : (( أتريدين أن نتمشى قليلاً ؟ )) - حسناً ! لنتمشى قليلاً قبل أن نجلس سارا على الرمال الدافئة متشابكي اليدين . لم يتبادلا الأحاديث مطلقاً , بل أصغيا إلى صوت الأمواج المتهادية التي ترتطم بالشاطئ , لكن صمتهما هذا لم يحل دون إنسجامهما معاً برابط أقوى من الكلام . بدت تلك اللحظات رقيقة و مؤثرة , حتى إن ناتالي شعرت بالدموع تنهمر على خديها لشدة السحر الذي يحيط بهما . عانقها ديمتريو برقة و حنان جعلاها تشعر إنها أسعد امرأة في العالم . من الذي قال إن المال هو ما يصنع السعادة ؟ أن تكون حبيبة مثل هذا الرجل لهي سعادة تفوق كثيراً ما أملت يوماً أن تعيشه , حتى إنها لم تفكر يوماً إن مثل هذه السعادة موجودة أساساً . إنها الجنة على الأرض ! تساءلت متعجبة كيف تمكنت أن تشك برجل يجمعها به مثل ذلك الإنسجام , في الفكر و الروح و الجسد معاً . *** |
عندما دخل ديمتريو المقهى وجد روسو بإنتظاره . كان الرجل يقرأ جريدة الصباح , و هو جالس إلى واحدة من ثلاث طاولات و ضعت في زاوية الساحة . إلى طاولة الثانية جلست سيدتان في منتصف العمر تتحدثان و هما تشربان القهوة . جلس ديمتريو إلى الطاولة الثالثة , و أدار ظهره إلى روسو . طلب فنجان قهوة و راح يقلب صفحات جريدة تركها زبون السابق . علق روسو : (( هنالك مقالة جيدة في قسم الرياضة )) قلب روسو الصفحة , و أعاد الجريدة إلى الأمام عينيه , ثم تابع : (( قد ترغب في أخذها معك عندما تغادر . في الوقت الحالي , تظاهر إنك تهتم بقراءة العناوين , و إنتبه لما ستقوله )) علقت المرأة الأقرب إليه من الطاولة الثانية : (( هذه هي الخطة الرئيسية )) و بدأت تشرح له الخطة , بينما إقتربت صديقتها منها , و قد إتسعت عيناها , و كأنها لا تستطيع تصديق الأخبار التي تسمعها . الخطة بسيطة و سهلة ؛ عليه أن يتظاهر إن ماله قد نفد , و إنه لا يستطيع الحصول على قرض من المصرف , ثم يتقرب من كاتانسكا أملاً في مساعدته , فيطلب منه قرضاً لمدة ستين يوماً , و يوافق على رهن الفيلا كضمانة له , كما عليه أن يرضى بكل ما يقدمه له كاتانسكا , و يوافق على أي مقدار من الفائدة يريده , على أن يتظاهر دائماً إنه يشعر بالقلق طيلة مدة القرض . تابع روسو : (( إنها ستون يوماً , بمعنى أخر , هي الفترة الكافية لجمع الأدلة التي نحتاجها لنتمكن من إلقاء القبض عليه , و عندما يتم ذلك , سيكون عملك قد إنتهى )) وضع ديمتريو الجريدة على الطاولة , و مد يديه إلى أقصى ما يمكنه كأنه يتمطى . - يبدو لي أن ذلك سيكلفني مبالغ طائلة . قالت المرأة و هي تضحك : (( لا , سنيور . من الناحية المالية لن تخسر شيئاً . نحن نطلب فقط تعاونك و القليل من وقتك . سيتم بيعك بضائع مسروقة و مواد رديئة , و سوف يجبرك كاتانسكا على قبول عمال غير كفوئين يعملون لديه بصورة دائمة . أنت خبير في ميدان عملك , و تعرف ما تريده . عليك أن تحتفظ بسجلات و وثائق عن كل شيء , و أن تعاين أي نوع من البضاعة يقدم لك . لن يغيب عن نظرك أي شيء , أتعتقد إنك تستطيع القيام بهذا العمل ؟ )) لقاؤه ليلة البارحة بناتالي , سمح له بأن ينام ملء جفونه طيلة الليل , لأول مرة منذ أسبوع , كما إستيقظ عند الصباح مستعداً لمواجهة النهار بطاقة كبيرة و تفاؤل , و إن كانت هذه المهمة هي مجرد ثمن عليه تقديمه لإستعادتها في حياته , فسيدفع هذا الثمن بطيبة خاطر , حتى لو كان مضاعفاً ثلاث مرات . - نعم يمكنني القيام بذلك , لكنني لم أفهم مدى فائدة عملي هذا . - لا داعي لأن تفهم . ما تقوم به أنت هو عبارة عن جزء صغير من عملية كبيرة , و كلما كانت معلوماتك أقل عن الأمور التي تجري حول كاتانسكا , كلما كان القيام بدورك أكثر سهولة و تلقائية . - لا تنظر الأن , لكن صديقنا كاتانسكا يقطع الساحة و يتجه نحونا نهض روسو بهدوء و هو يتابع : (( أظنها فكرة جيدة أن تطالع صفحة الرياضة , و أن تأخذ الورقة الموضوعة هناك قبل أن تصبح موضوع إهتمامه )) منتديات ليلاس ما إن أنهى كلامه حتى سار مبتعداً . و جد ديمتريو ورقة وحيدة موضوعة بين صفحتين من صفحات الأخبار الرياضية . طوى الورقة جيداً , و وضعها في جيب سترته الداخلي . قالت المرأة : (( يا له من توقيت جيد ! لقد رآك سنيور , و هو يتجه نحو طاولتك مباشرة , إن كنت مستعداً , يمكنك البدء في الحديث منذ الأن )) فتحت حقيبة يدها , و أخرجت علبة صغيرة , ثم نظرت إلى المرآة و مررت أحمر الشفاه على شفتيها , بعدئذٍ نظرت إلى صديقتها و قالت : (( هل إنتهينا ؟ )) حملت صديقتها حقيبة مليئة بالمشتريات كانت قد وضعتها عند قدميها , و أجابت : (( أعتقد ذلك )) و من دون أن تلتفتاه للحظة نحوه , غادرتا . بعد مرور دقيقة واحدة سقط ظل على جريدته , فرفع ديمتريو نظره ليرى كاتانسكا يضع حقيبته من الجلد غالية الثمن على الطاولة , و يجلس على الكرسي المواجه له . |
طوى ديمتريو الجريدة و وضعها على حافة الطاولة , ثم فكر بعزم : لتبدأ المعركة ! *** قال لها , و هو يسير برفقتها إلى منزل جدتها ليلة أمس , إنه سيعمل طوال النهار في اليوم التالي , و هكذا علمت أن قدومها إلى منزله سيعيق أعماله . تابع قائلاً إنه يرغب في إصطحابها إلى العشاء في المساء . فاجأها كلامه فرددت بفرح : (( أتعني أن نخرج في موعد غرامي إلى مطعم ؟ )) قال و إبتسامته تلمع تحت ضوء القمر : (( هذا ما أفكر فيه . يمكنني أن أصطحبك إلى مكان لا يتعرف علينا فيه من أصدقاء جدتك )) - آه ! أنا لا أهتم لهم هزت ناتالي رأسها و هي تشعر بالدهشة من التبدل السريع للحياة . منذ أربع وعشرين ساعة فقط كانت تحاول جاهدة أن تبتسم , و الأن هي لا تستطيع أن تمسح الإبتسامة عن وجهها . - لم أظن مطلقاً إنك تفكر في أن نخرج في العلن معاً , هذا كل شيء . لكنني سعيدة جداً لأنني كنت مخطئة . - حسنا ! أخبرتني أن جدتك ذهبت إلى كابري , و أنت تعرفين القول الشائع عما يحدث عندما يغيب الهر . - أتعني أن الفئران تسرح على هواها ؟ - بالضبط . لكن ليس علينا أن نتباهى بعلاقتنا في بلدتها . سيبدو ذلك كأننا نبحث عن مشاكل أنت بغنى عنها . أنا لا أريد أن أخلق مشاكل لا داعي لها بينك و بين جدتك . قالت : (( لن تفعل ذلك . تعلمت منذ سنين عديدة كيف أتعامل مع جدتي عندما تحاول السيطرة علي , و هي تعلم إنني قادرة على الإنتقال للعيش في فندق إن حاولت التدخل في حياتي الإجتماعية )) - حسنا ! سأمر لإصطحابك عند السابعة ؟ هزت رأسها موافقة و قالت : (( إضغط على جهاز الإتصال بالداخل , و سيعمل روميرو على فتح الأبواب الكهربائية لك )) - أتعتقدين أن إصطحابك من مدخل الفيلا فكرة جيدة ؟ - ديمتريو ! عندما أبعدتني عنك شعرت باليأس , أما و قد التقينا من جديد , فقد سئمت من المغادرة خلسة و التظاهر بعدم معرفتك , لذلك أريدك أن تأتي لإصطحابي من أمام الفيلا , إلا إذا .... توقفت عن الكلام للحظة قبل أن تتابع : (( هل سنذهب بالشاحنة ؟ )) - و هل يسبب لك ذلك مشكلة ؟ - لا ! لكن إن كنت ترغب , يمكنني أن أقود أية سيارة من السيارات الأربع الموجودة في المرآب . - لا , لا أرغب في ذلك ! قال ذلك بصوت بارد كالثلج منتديات ليلاس سارعت ناتالي توضح له : (( ما أفكر فيه هو إنك تنفق ثروة على إصلاح منزلك , و نظراً لإرتفاع ثمن الوقود هذه الأيام , لا أريد أن أثقل عليك بنفقات إضافية من أجلي ! )) - دعيني أقلق بنفسي على ما أستطيع تقديمه , أميرتي . أنت فكري فقط كيف ستستمتعين غداً بوقتك. أخذت نصيحته على محمل الجد , فأمضت طيلة النهار في منتجع في بوستيانو , تهتم بجمالها . و الأن , فيما عقارب الساعة تشير إلى السابعة إلا عشر دقائق , كل ما بقي لديها من عمل هو أن ترتدي فستانها القطني الرقيق و تنتعل حذاءها المرتفع الكعبين اللذين إشترتهما هذا الصباح . رأت روميرو يفتح الباب الأمامي في الوقت الذي نزلت فيه الدرج , و أدركت ناتالي إنه تفاجأ لرؤية شاحنة تقف أمام مدخل الفيلا , و لأن مرافقها للأمسية هو ديمتريو برتولوزي الرجل السيء السمعة , لكنه يملك من الحنكة ما يكفي كي لا يظهر دهشته . ساعدها روميرو لتجلس على المقعد , و إستدار ليفتح الباب ديمتريو قائلاً بإحترام كبير : (( إستمتع بأمسيتك سنيور )) |
راحت الشاحنة تصدر طقطقة و هي تمر خلال الأبواب لتصل إلى الطريق العام . قالت له : (( أرأيت ؟ لم يكن الأمر صعباً , أليس كذلك ؟ )) خفف من سرعته حتى توقف تحت ظل الجدار و ضمها إليه عبر المقعد بقوة , و هو يقول بخشونة : (( تحدثي عن نفسك ! تبدين رائعة جداً , حتى إنني عندما رأيتك , كدت أندفع لمعانقتك , و لم يمنعني من ذلك إلا خشيتي أن يسقط رئيس الخدم في منزل جدتك ميتاً من الصدمة )) إشتدت ظلمة الليل فغدا داكناً كالحبر , و إختفت النجوم من السماء , و شحب لون القمر من حرارة عناقه . أخيراً عندما إبتعد عنها , كانت ناتالي ترتجف من رأسها حتى أخمص قدميها . قال : (( هذا يكفي الأن )) أعاد إنتباهه إلى القيادة الشاحنة عبر الطريق العام , و هو في غفلة تامة عن إضطراب مشاعرها و الخدر الذي أصاب كل ذرة من جسدها . منتديات ليلاس إصطحبها ديمتريو إلى نابولي حيث توجها إلى مطعم صغير هو عبارة عن كهف يشرف على مياه الخليج , حيث قدم لهما الخبز الساخن الشهي المصنوع في المنزل على ألواح خشبية , أما الحساء الذي لم تتذوق ناتالي مثله في حياتها فقد قدم في أوعية من الفخار مع بقية المأكولات المحلية . بعد تناول الطعام , رقصا على أنغام أغاني دين مارتن التي قام بعزفها على بيانو قديم بحار عجوز . شعرت ناتالي كأنها في الجنة , فالقمر يسطع فوق الخليج نابولي , و الشموع الرائعة الجمال تضيء الصالة , فيما ديمتريو يضمها إليه و هما يرقصان . لم تشعر يوماً في حياتها بسعادة مماثلة . سألها ديمتريو و هو يمسك بيدها : (( ما الذي فعلته اليوم ؟ )) - ذهبت إلى بوستيانو منذ الصباح الباكر , و تسوقت . أتراها تخيلت أن التماعة من القلق ظهرت في عينيه للحظة ؟ تابعت : (( و ماذا عنك ؟ هل قمت بكل ما خططت له ليومك ؟ )) - أجل - أنت تمضي الكثير من الوقت في عملك في المنزل , لا بد إنك سعيد بأخذ فرصة و لو لعدة ساعات . - هذا صحيح ! و على الفور بدل ديمتريو الموضوع , ليسألها : (( متى ستعود جدتك ؟ )) - لم تقل لي . لماذا ؟ رفع يدها ليطبع قبلة على راحتها , و يعلق : (( أتساءل كم من الوقت أستطيع الإستفادة من وجودك هنا , قبل أن تأتي باحثة عني و هي تحمل بندقية في يدها )) إتسعت إبتسامتها , لأنها فعلاً ضغطت على نفسها كي لا تقول : يمكنك الإستفادة من وجودي حتى أخر حياتك , إن أردت ذلك , و لأنها شعرت بفرح لا يوصف من لمسة شفتيه على كفها . و كأنما لاحظ ديمتريو ما تشعر به , فقال : (( هل نستطيع الذهاب من هنا , أميرتي ؟ لنذهب إلى مكان نستطيع البقاء فيه بمفردنا ؟ )) قالت ناتالي و هي تضحك : (( لا مانع لدي . إنها فكرة رائعة ! )) . نــــــــــــــــهـــــــــــــايـــــــــــــة الــــــــفـــــــــصــــــــل الــــــثــــــــــامـــــــن |
باين ان الرواية روعةحبيبتى بس تكمل هقرأها بسرعة
شكرا لك حبيبتى والله يعطيك العافية يا أحلى أماريج ياقمر اتمنى لك السعادة والحب من كل اللى حوليكى يا عسل :98yyyy: |
الساعة الآن 02:35 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية