بعد مرور عدة أيام ، تلقت ناتالي مكالمة هاتفية من مالك متجراً للفنون في بوستيانو ، أخبرها فيها إن المطبوعة الاثرية التي اختارتها من أجل إهدائها لأمها لمناسبة عيد ميلادها قد تم وضع إطار لها ، و أصبحت جاهزة للتسليم . بدا النهار رائع الجمال ، و فكرت ناتالي إنها أمامها خيارين : إما أن تأخذ واحدة من السيارات الرياضية او أن تطلب من سائق جدتها أن يوصلها . إلا ان ناتالي قررت التخلي عن كلا الخيارين و الذهاب سيراً على القدمين ، قاطعة مسافة الثمانية كيلومترات لتصل إلى البلدة ، فالرياضة مفيدة جداً لها ، كما يمكنها أيظاً أن تنعم بالسلام و الهدوء وهي في طريقها إلى هناك ، وتمتع ناظريها بالمناظر الطبيعة الرائعة الجمال . على خلاف الطريق التي سلكتها ، كانت بوستيانو تعج بالسياح ، لكن ذلك لم يقلل من سحر الفيلات المطلية بألوان مختلفة ، و المنتشرة فوق تلالها . بعد أن استلمت اللوحة المطبوعة ، زارت متجراً للثياب بعد أن لفت نظرها عرض لقبعات كبيرة تحمي من أشعة الشمس ، و خرجت منه معتمرة قبعة واسعة زينت حاشيتها بعدد من الزهور الحمراء اللون . منتديات ليلاس في تلك الأثناء قررت أن ترتاح و تتجنب حرارة منتصف النهار ، فاختارت مطعماً ذا شرفة مطلة على البحر . بعد أن تجاوزت الساعة الثانية و النصف ، انطلقت عائدة إلى منزلها ، لكن ما إن قطعت ثلث المسافة تقريباً حتى انقطع رباط حذائها . لم تكن تحمل شيئاً تستطيع ربطه بواسطته على قدميها ، وهكذا راح الحذاء يتأرجح حول كاحلها . و كأن ذلك لم يكن كافياً لإسدال غيمة على ذلك النهار الرائع ، اكتشفت ناتالي بعد قليل أن هاتفها النقال لا يعمل بسبب نقص في شحنة الطاقة ، ما منعها من الاتصال بأحدهم ليقدم لها المساعدة . مازال أمامها أكثر من خمسة كيلومترات لتقطعها عبر ممر لم يصمم ليسير المرء عليه حافي القدمين ، لذا لم يبق لديها خيار آخر سوى المرور بصعوبة عبر الأشجار الكبيرة لتصل إلى الطريق العام . لم يكن ذلك عملاً سهلاَ ، لكنها أملت على الأقل ، أن تلتقي بشخص رقيق العاطفة ، يوقف سيارته بمحاذاتها و يعرض عليها المساعدة . مرت حافلة سياحة أمامها ، يتبعها عدد من السيارات ، إلا أن سائقيها بدوا منشغلين بتركيز انتباههم على المنعطفات اللولبية أمامهم ، فلم يستطيعوا إبعاد نظراتهم عن الطريق لرؤية امرأة وحيدة تقف على جانبها . مرت عشرون دقيقة ولم يحالفها الحظ بعد بتوقف سيارة بالقرب منها ، فبدأت ناتالي تمشي بتثاقل نحو البيت . إلا أنها ظلت تلتفت كلما سمعت صوت سيارة تقترب آملة ان تتوقف بقربها ، لتجد نفسها بعد ذلك وحيدة من جديد . أخيراً ، بعد أن تخلت عن انتظار حدوث أعجوبة ما ، سمعت صوت شاحنة تبدو محملة بأشياء ثقيلة ما يجعلها تسير ببطء تقترب منها من وراء المنعطف . خشيت ناتالي أن تمر هذه الشاحنة أيضاً بها من دون أن تتوقف أيضاً إن اكتفت برفع إبهامها بتهذيب طلباً للمساعدة ، لذلك أمسكت بقبعتها ، و لوحت بها بقوة لتجذب انتباه السائق . أخيراً نجحت .. ها قد رآها السائق فأوقف السيارة بعد أن تجاوزها بمسافة قصيرة . اعتمرت قبعتها بسرعة ، و أمسكت المطبوعة جيداً ، و سارت قفزاً إلى حيث تقف الشاحنة ، فيما فتح السائق لها باب الشاحنة . في تلك الأثناء ، اصبحت تسير وهي تعرج بشكل واضح ، بسبب الحرارة اللاذعة المنبعثة من الرصيف ومن الجرح الذي بات مؤلماً في قدمها اليسرى . منتديات ليلاس ما إن وصلت إلى الباب المفتوح قالت وهي تلهث : (( شكراً لك ! أنت أنقذت حياتي )) سألها السائق : (( هل أنت متأكدة ؟ عندما التقينا من قبل راودني انطباع أنك تظنينني قاتلاً مأجوراً )) غاص قلبها بين ضلوعها لدى سماعها ذلك الصوت . بدا شعرها ملتصقاً براسها ، و قميصها الرطبة ملتصقة بظهرها ، اما وجهها ... آه ! هي لا تريد أن تعلم كيف يبدو وجهها . يكفيها ما تشعر به من حرارة و توهج .جلس السائق بتكاسل وقد القى ذراعه فوق مقود السيارة ، أما الذراع الأخرى فألقاها على ظهر مقعد المجاور المغطى بالفينيل . وها هو من جديد ، يرتدي بنطلون جينز أزرق قديماً ، و لا يرتدي قميصاً . صاحت به ناتالي : (( هيه ، أنت .. ما خطبك ؟ )) |
تابعت بغضب و هي تبعد نظرها عن عضلاته المشدودة : (( هل عليك دائماً أن تتجول مستعرضاً جسدك ؟ )) أجابها : (( فقط عندما أتوقع أن من ستراني ستتأثر بمنظري )) لم يحاول مطلقاً أن يبدي أي تحفظ و هو يتأملها بنظراته المتفحصة - حسناً ! هذا خبر جديد لك ، سيد برتولوزي . انا لست متأثرة على الإطلاق . منتديات ليلاس كانت هذه كذبة واضحة للعيان ، بالطبع ! جال بنظره عليها ، ثم قال معلقاً : (( أنا أيضاً لست متاثراً . أعرف أن أولاد الملوك لا يتميزون عادة بالذكاء ، لكن حتى عديمي الذكاء منهم يعلمون أن عليهم أن ينتعلوا احذية رياضية إن قرروا التنقل سيراً على الأقدام )) - انقطع رباط صندلي . - الصندل لا يعتبر حذاء رياضياً - أنا لست من النوع الذي اعتاد تسلق الجبال - ومن أنت إذا ، ايتها الأميرة ؟ - لن اقف هنا طوال النهار ، لأصغي إليك و انت تلقي علي محاضرات . هل ستقلني إلى المنزل ، أم لا ؟ - و لأي سبب أخر تعتقدين انني توقفت هنا ؟ قالت بغضب : (( إذاً ، اصمت وساعدني كي اصعد إلى الشاحنة )) حاولت جاهدة أن تجد ما تتمسك به ، لكي ترفع جسدها المتعب إلى داخل الشاحنة . انحنى الرجل قليلاً ، و أطبق بيده حول رسغها ، و شدها بقوة جعلتها تسقط كالكومة على المقعد المجاور مستلقية بوجهها عليه تقريبا . - يا إلهي ! خرجت أنفاسها من فمها كالشهيق . علق بهدوء : (( قليل من الشكر يكفيني ، و سأقدر لك صنيعك إن أظهرت بعض الإحترام لمرافقي )) جلست ناتالي بإستقامة ، ثم رفعت قبعتها عن ارض الشاحنة و هي توشك أن تساله عن اي مرافق يتحدث . و سرعان ما وقع نظرها على كومة متجمعة بقربه . رأت كلباً صغيراً لا يزيد عمره عن الشهرين , و قد لفه الرجل بقميصه ، فيما راح الكلب ينظر إليها باستغراب . فقط عناية الله جنبتها السقوط عليه. قالت وهي تحمل الكلب الصغير لتضمه إليها وتضعه تحت ذقنها : (( آه كم أنت رائع ! )) منتديات ليلاس لم يستطع هذا المسكين الصغير بعظامه البارزة إلا أن يتحرك بضعف ويئن من الألم . شعرت بضلوع ذلك المخلوق المسكين حتى من فوق قماش القميص , أما ما ظهر من وبره الأسود فبدا مليئاً بالأوساخ . أبعدت جزءً من القميص لتعاينه بصورة أوضح ، ثم نظرت إلى منقذها بنظرة منتقدة وقالت : (( هل هذا الكلب لك ؟ )) -ولمن هو إن لم يكن لي ؟ - إنه نحيل ومليء بالبراغيث و ربما بحشرات أخرى أيضاً . إنه أكثر حيوان مهمل رأيته في حياتي ، وهو بحاجة إلى طبيب بيطري . منذ متى تتعهد هذا المسكين؟ - منذ عدة ساعات رماها بنظرة عاجلة ، و تابع بهدوء : (( و إذا كان الأمر يهمك، فهو يعبث بقميصك )) -عدة ساعات فقط ؟! تفاجأت مما سمعته ،و اختارت أن تتجاهل ملاحظته المرحة الأخرى ، فتابعت : (( حسناً ! لم تقل لي ذلك ؟ )) -لأنك لم تسألي هزت رأسها وهي تزفر بانزعاج -حسناً ! إذاً كان هذا هو أسلوبك في الحديث ، أجبني عن سؤالي : (( من أين حصلت عليه ؟ )) |
تجهم وجهه ، وقال : (( وجدته في صندوق من الكرتون في زقاق في نابولي )) -أتقول إنك أنقذت حياته ؟ -هذه صحيح ! تنهد بقوة وتابع : (( يبدو أن يومي هذا مخصص لالتقاط المشردين )). ردت بسخرية : (( يا للأمر المسلي ! )) لامست بأنفها الكلب الصغير ،ثم مررت إصبعها على رأسه و هي تقول : (( هل كان وحده في الصندوق ؟)) نظر إليها متعجباً للحظة قبل أن يسألها : (( ألا يكفي كلب واحد ؟ )) -أعتقد أنه يكفي .. ترددت للحظة قبل أن تتابع : (( لاحظت أنك تتحدث اللغة الإنكليزية بطلاقة واضحة ، مع مسحة من اللكنة الأميركية )). -أهذا ما ترينه ؟ -أنت لست مستعداً لتقديم أية معلومات عنك، أليس كذلك ؟ ظهرت ابتسامة ساخرة على شفتيه ، قبل أن يجيب : (( ما من داعِ لذلك أيتها الأميرة . فلا بد أنك سمعت من جدتك الثرية كل ما يتعلق بي ، وما يمكن أن يقال عني أيضاَ )) -ليس كل شيء وطبعت قبلة على الأنف الصغير الأسود ،و هي تتابع : (( هي لا تعرف إنك تقوم بمساعدة الكلاب التائهة )) رماها بنظرة حائرة و قال معلقاَ : (( و هي لا تعرف أنك تركبين شاحنتي أيضا . تخيلي ما ستكون عليه ردة فعلها عندما تعرف بذلك ، أم أن هذا سيبقى سراَ بيننا نحن الاثنين ؟ )) -بالطبع لا ! فأنا راشدة بما فيه الكفاية ، و لست بحاجة إلى طلب الموافقة على كل ما أفعله من جدتي . أبعد نظره إلى الناحية الأخرى و أطلق زفرة استياء غير مصدق مما سمعه . -إن كا., هذا ما تريدينه .. أيتها الأميرة ! -هذا ما أريده ! و أرجو أن تكف عن مناداتي بذلك الاسم ... اسمي ناتالي . غرق الرجل أكثر في مقعده ، و راح يحدق أمامه من خلال الحاجب الزجاجي . دفنت ناتالي موجة أخرى من الغضب في أعماقها ، و قالت : (( و أنت تدعى داميانو . أهذا صحيح ؟ )) -لا ! خطأ صرت بقوة على أسنانها ، سألت : (( ما اسمك إذا ؟ )) -أتقصدين أن جدتك لم تخبرك ؟ -ما كنت لأسأل لو أنها أخبرتني ، كل ما أعرفه هو أنك من عائلة برتولوزي . منتديات ليلاس -في هذه الأرجاء ، هذا أكثر من كافِ. انعطف عن الشارع العام المزدحم ، و سار عبر الطريق الخاص الطويل الذي يؤدي إلى المنطقة المطلة على البحر . -أين تريدين أن تنزلي ؟ -أمام أبواب فيلا جدتي ، بالطبع . رفع كتفيه بلا مبالاة و علقت : (( ظننت أنك لا ترغبين بأن يراك أحدهم برفقة العدو )) -أنا لا أعتبرك أبدا عدواَ ، سيد برتولوزي . بالنسبة لي ، أنت ببساطة رجل يعيش في المنزل المجاور ، ولديك استعداد كبير للشجار و القتال . علت فمه شبه ابتسامة قبل ان يقول : (( و أنت امرأة مزعجة و متشبثة برأيك )) . -أنا امرأة تشعر بامتنان كبير لأنك مررت من هنا . ما كنت لأستطيع مطلقاَ العودة إلى المنزل سيراَ على قدمي . -في المرة التالية ، اصنعي معروفاَ مع نفسك و استعملي جزءَ من ميراثك الضخم لشراء حذاء رياضي . |
حدقت ناتالي إليه بانزعاج ، وقالت : (( ما الذي تعرفه عن ميراثي ؟ )) أجاب : (( يمكنك أن تتصوري ما أعرفه بنفسك)) وابتسم مرة ثا نية واحدة من تلك الابتسامات التي باتت معروفة لديها -الكلام ينتشر بسرعة ، و كل شخص في هذه المنطقة يعرف أنك الحفيدة الوحيدة للسينورا وايد ، و أنها تنفق في يوم واحد ما يكفي لإطعام شعبى نابولي كله سنة كاملة المعكرونة و البندورة . -لم أفكر إنك من الأشخاص الذين يصغون إلى الثرثرات العقيمة . -عليك ألا تفكري بي على الإطلاق ! أخبرها بذلك ، و هو يوقف شاحنته أمام بوابة فيلا روزا موندا الحديدية المزخرفة ، و أردف متابعا : (( جدتك ليست الشخص الوحيد الذي تتمنى لو أنني أختفي عن سطح الكرة الأرضية .اسألي أي شخص هنا و سيخبرك أنني نذير شؤم ، و أن تعرضين نفسك للخطر في التورط معي )) . منتديات ليلاس تجاهلت ناتالي كيف تسارعت دقات قلبها : (( أنا لا أشعر بأي خوف منك )) قال بنبرة سطحية : (( عليكِ أن تخافي )) . -شكرا على تحذيرك ، لكن إذا كنت حقاً تريد الاحتفاظ بسمعتك الرديئة ، عليك أن تتوقف عن إنقاذ الكلاب التائهة ، فهذا لا يناسب مطلقاً الصورة التي تعمل جاهداً على إظهارها طبعت قبلة أخيرة على رأس الكلب صغير ، و وضعته بلطف قرب صاحبة الجديد ، و تحركت لتقفز إلى الطريق ، فارتطم إصبع قدمها الحافية بحافة صندوق خشبي طويل موضوع تحت المقعد . صرخت متألمة : (( أوه . ماذا لديك في هذا الصندوق)). أجاب بصوت أجش تظهر فيه التسلية: (( بندقية !لإبقاء المتجولين بعيداً عن أرضي . من الأفضل لك أن تراقبي خطواتك ؟ في المستقبل )) -لا أصدقك ! لم يتمالك الرجل نفسه وضحك بطريقة عفوية قبل أن يقول : (( هذه غلطة أيتها اأميرة )) -لا أعتقد ذلك . أنا أعتبر نفسي جديرة حقاً بالحكم على الأشخاص ، و أنت لا تشكل خطراً على المجتمع كما تحاول أن تظهر . قفزت من الشاحنة ، و أعتمرت قبعتها ، ثم وضعت اللوحة تحت ذراعيها و تابعت : (( شكراً لك من جديد على صنيعك ، سيد برتولوزي )) . و بينما كادت تغلق باب الشاحنة ، قال الرجل : (( بالمناسبة .. اسمي ديميتريو )) . ظهرت على وجهها ابتسامة كبيرة واسعة . - ديميتريو !! إن اسم قوي و مليء بالفخر و الكبرياء لرجل قوي و فخور جداً ! تركها تتحدث مع نفسها , و أدار المحرك منطلقاً بالشاحنة عبر الطريق الفرعية إلى حيث البوابات الصدئة لمنزله . لم ينتظر ليتأكد أنها أصبحت بأمان داخل المنزل ، فقد أضاع ما يكفي من الوقت لأجلها فيما هناك الكثير من المسائل الملحة التي تحتاج إلى اهتمامه ، كإصلاح السقف لمِنع تسرب المياه . عليه أن يفعل ذلك في أقرب وقت ممكن ، إن كان يريد الحفاظ على طلاء سقف غرفة النوم الرئيسية . كما يجدر به سد بعض الثقوب في الجدران , و تغير شبكة الأنابيب الداخلية ، و شبكة الأسلاك الكهربائية ... قائمة أعماله لا نهاية لها . و الأن ها هو قد أضاف إليها الاعتناء بهذا الكلب الصغير . يا إلهي ! إنه بحاجة إلى من يصلح له رأسه المتعب . أوقف الشاحنة خارج المرآب الذي يستعمله الآن كمشغل ، ثم حمل الكلب إلى مكانه صغير مسقوف يقع بالقرب من باب المطبخ ، و وضع له وعاء صغيراً ملأه بالماء ، ثم راح يبحث عن قفص ليستعمله كمقر مؤقت له ريثما يصنع له مسكناً ملائماً في الحديقة . منتديات ليلاس لم ينقذ ذلك المسكين من الموت المحتم في نابولي ليتركه يهرب من أرضه . بعد أن تأكد أن الكلب بخير ، عاد إلى الشاحنة وبدأ بتفريغ الحمولة ، بدأ بالصندوق الذي كان قد وضعه تحت المقعد المجاور المقعد السائق . إنه ليس بندقية ايتها الأميرة ! إنه رف للأواني في المطبخ . مجرد التفكير بها دفعه للإبتسام ، و ساوره إحساس غريب لم يعد مألوفاً لديه في الفترة الأخيرة . فكر أنه عندما يكون بقربها ، لا يستطيع أن يبقى عابس الوجه . من الأفضل له أن يركز على معرفة سبب شعوره بالتسلية عندما يلتقي بها ، بدلاً من التفكير بما يشعر به نحوها . من المحتمل أنها تظنه أحمق , لأنه جلس يراقبها ، بدلاً من أن يعرض عليها المساعدة لتنزل من الشاحنة . |
و من المحتمل أيضاً إنها تعتبره مختلفاً من الناحية الإجتماعية ، لأنه أبقى الحديث بينهما في حده الأدنى ، لكن الحقيقة ليست كما تبدو للعيان . لقد عرف العديد من النساء في حياته ، لكنها لا تشبه أية واحدة منهن ، فما من امرأة أثارت لديه أحاسيس كتلك التي تثيرها فيه هذه المرأة بالذات . و هو لا يعرف بالتحديد كيف يمكن أن يتعامل مع تلك الأحاسيس . فعل خيراً إذ قرر عدم البوح لها بأي شيء ، و الألتزام بالصمت و الوقار ، مع أن كل خلية من خلايا جسده تثور عليه معترضة على ذلك . و بدأ بتفريغ كومة ألواح الخشب التي وضعها في صندوق الشاحنة . كان الوقت متأخراً بعد ظهر ذلك اليوم ، و حرارة الشمس قوية إلى حد قد يصيب من يعمل في تلك الاثناء بضربة شمس ، لكنه لم يهتم لذلك مطلقاً . استمر بالعمل حتى شعر بالإنهاك ، ظناً منه أن هذه هي الوسيلة الوحيدة ليبعدها عن أفكاره . لكن على الرغم من جهوده كلها ، بقي وجهها متشبثاً بعناد في مخيلته ، و ظلت هي تشغل أفكاره . منتديات ليلاس إنها من سلالة أصيلة ، تاريخا معروف لعدة أجيال . لا مجال مطلقاً للشك بذلك . لكن ما يجعلها لا تنسى لا علاقة له بنسبها أو بجمالها و نعومتها او بلباقة تصرفاتها . إنها الطريقة التي تعاملت بها مع الجرو الصغير . قامت باحتضانه و راحت تدندن له كأنه كلب أصيل ، و لم تهتم مطلقاً للفوضى و الأوساخ التي تركها على ثيابها الأنيقة الباهضة الثمن . عندما ذكر لها أين وجد ذلك الجرو المسكين سألته إن كان وحيداً في الصندوق . لقد كذب بطريقة ما في جوابه ، لأنه أدرك أنها ستشعر بالالم إن علمت إنه وجد ثلاثة كلاب أخرى ، و كلها ميتة . تباً ! لقد شعر بالألم هو أيضاً . الفرق بينهما . هو أنه تعلم منذ وقت طويل جداً كيف يتعامل مع كل ما تحمله الأقدار إليه ، و هو يشك بأن تكون لها المقدرة نفسها على التعامل مع الألم . الحقيقة ببساطة ، هي أنها أكبر بقليل من ذلك الجرو الصغير . ربما هي تننتمي إلى سلالة أفضل ، لكنها بريئة و ناعمة مثله ، و هو لا يستطيع تحمل الاعتناء بهما معاً في وقت واحد . من الافضل له أن يبعدها نهائياً عن أفكاره و عن حياته ، و ألاّ يدعها مطلقاً تقترب منه ... لكن الكلام أسهل من الأفعال . نـــــــــــهـــــــــــايــــــــــــــة الـــــــــــــــفــــــــــــصــــــــــــــل الــــــــثـــــــــــــالــــــــــــث |
الساعة الآن 02:41 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية