لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات احلام > روايات احلام
التسجيل مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات احلام روايات احلام


231 - بقايا ليل / كيت والكر

تحميلها على شكل كتاب هنا او رواية بقايا ليل الاسم الاصلي للرواية Wife for a day للكاتبة كيت والكر من #روايات_أحلام الملخص ما كان

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-12-08, 08:03 PM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري
عاشقة ليلاس



البيانات
التسجيل: Jun 2006
العضوية: 7104
المشاركات: 38,874
الجنس أنثى
معدل التقييم: Eman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 25417

االدولة
البلدUnited_States
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
Eman غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : روايات احلام
افتراضي 231 - بقايا ليل / كيت والكر

 

https://riwaya.ga/riwaya37/ba9aya_layl.htmlتحميلها على شكل كتاب
هنا

او هنا
رواية بقايا ليل
الاسم الاصلي للرواية Wife for a day
للكاتبة كيت والكر
من #روايات_أحلام


الملخص
ما كان حلما رائعا ليلة امس . انتهى كابوسا عند الصباح الرجل الذى ألبس ليلى خاتم الزواج بالامس , يلقى عليها الان كلمات الوداع. – لكن لا يمكنك ان ترحل. – يمكنني أن افعل ما أريد . حاولي فقط أن تمنعيني! لم يكن هذا هو الرجل الذى أحبته ومنحته جسدها وقلبها منذ يوم واحد فقط ! خيل إليها أنه رجلا غريبا أمسك بجسد رونان وانتزع منه روحه , تاركا من ذلك الرجل الذى أحبته , الهيكل فحسب. أمس حسبت أنها ملكت العالم , ووجدت الحب الحقيقي , الذى تطلعت إليه طوال حياتها , ولكن كل هذا مات عند الصباح

 
 

 

عرض البوم صور Eman   رد مع اقتباس

قديم 05-12-08, 08:04 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري
عاشقة ليلاس



البيانات
التسجيل: Jun 2006
العضوية: 7104
المشاركات: 38,874
الجنس أنثى
معدل التقييم: Eman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 25417

االدولة
البلدUnited_States
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
Eman غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : Eman المنتدى : روايات احلام
افتراضي

 

للامانة الرواية منقولة من الغالية just faith

الفصل الأول

نظر (( رونان غيرين )) الى وجه المرأه النائمة فى السرير , فأوشك أن يعدل عن قراره . فقد بدت مسالمة بريئة ، ورائعة الجمال .. وكان من الصعب عليه أن ينسى الليلة التى أمضاها معها .. والمشاعر المحمومة المتوهجة التى تبادلاها .. ومع ذلك لا يشعر بوخزة ندم لما يعتزم القيام به .
لكنه عاد فتذكر (( روزالى )) تلك التى تماثلها جمال وبراءة ، فقسى قلبه وثبت عزمه ثم مد يده يلمس كتفها برفق ، قائلا برقة : (( ليلى ... ))

.

لم تجب فى البداية .. فقد كانت مستغرقة فى نوم عميق بعد ليلة حافلة لم يذوقا خلالها طعم النوم . ولأنه لم يشأ أن يعطى نفسه الفرصة ليعيد النظر فى الأمور أو الاستسلام لضعفه أمام منظر البراءة هذا ، هزها بخفة ، ونظر اليها وهى تتمتم بصوت خافت وتتقلب فى مرقدها وعيناها مغمضتان .
- صباح الخير ، يا زوجة .
( صباح الخير يا زوجة ) اخترقت هذه الكلمات سحب النوم المتراكمة حول ذهن ليلى لتصل الى أذنيها غامضة مبهمة مما جعلها تقطب جبينها ناعسة مشوشة . زوجة ؟
وتحركت بتثاقل فى الفراش المريح ، وفتحت عينيها الذهبيتين الداكنتين على اتساعهما لتلتقيا بنظرات الرجل الجالس على حافة السرير وأصابعه القوية مازالت على ذراعها .
- رونان ؟

.

- طبعا ! وكيف يمكنها أن تنسى ولو لحظة ؟ كيف يمحو النوم حقيقة أنها منحت هذا الرجل قلبها كليا ؟ هذا الرجل الذى ألبسها أمس فقط خاتم الزواج ، مقسما على أن يحبها ويحترمها بقية حياته ؟
- تمطت مبتهجة ، ثم استدارت تواجهه : (( صباح الخير ، يا زوجى )) .
- كانت غمزة جفنيها وابتسامتها المغرية الناعسة موجهتين مباشرة الى عينيه الزرقاوين ، وكانت خصلات شعرها الأشقر الطويل قد انتشرت بشكل مثير حول وجهها البيضاوى الشكل على الوسادة الناصعة البياض .
- لكنها دهشت اذ لم تجد الصدى الذى كانت تتوقعه لابتسامتها وغمزتها الداعية . وانما ، بدا لها رونان فاترا بشكل غريب مقلق . فقد ظهرت البرودة على قسمات وجهه الذى يعلوه شعر ناعم بنى داكن .. برودة لا تمت بصلة الى ذلك العاشق المتلهف المحموم المشاعر الذى عرفته الليلة الماضية .
- توهج وجهها احمرارا لذكرى تلك الليلة ، وبللت شفتها السفلى المستديرة بلسانها . وعندما رأت نظراته تتابع هذه الحركة الخفيفة ، سرى فى عروقها شعور بالانتظار الأنثوى .
- - زوجى .

.

عادت تتمتم بهذه الكلمة ، وهى تلفظ كل حرف من حروفها بلهفة .. عندما استرسلت البارحة فى النوم ، كانت واثقة أنها ستستيقظ لتجد نفسها بين ذراعيه القويتين ، تغمرانها وتشعلان النيران فى جسدها .
لذا تملكها الارتباك والقلق وهى تراه الآن جالسا بجانبها ، مرتديا ملابسه ، وقد بدت عليه البرودة واللامبالاة . وسألته وهى تتذكر الرحلة التى سيقومان بها هذا اليوم : (( كم الساعة الآن )) .
- حوالى التاسعة .
- مازال الوقت باكرا ، فماذا تفعل خارج السرير ؟

.

قالت ذلك وهى تنظر الى ملابسه باستنكار . فقد بدت غير ملائمة للرحلة الطويلة التى سيقومان بها الى جزيرة استوائية ليقضيا شهر العسل فيها ... والبذلة الرمادية الأنيقة الفاتحة اللون ، والقميص الناصع البياض ، وربطة العنق المتحفظة ، زادت من شعورها بالارتباك وانتابها احساس بالعزلة والبعد عنه ، فقالت باحتجاج : (( لن تقلع طائرتنا قبل الثالثة .. أمامنا متسع من الوقت )) .
ومدت يدها تلامس يده القوية ، الملقاة على غطاء السرير الأبيض ، وهى تتمتم باغراء : (( عد الى السرير ))
لكن جوابه الوحيد كان هزة نفى بالغة العناد من رأسه الملمع الشعر . استقرت نظراته الكئيبة على (( محبس )) الزواج الذهبى المتألق فى يدها .
فقالت له بصوت حاد غير مصدقة : (( لا ! )) .
أهذا هو الرجل نفسه الذى عرفته خلال الليل ؟ أهو رونان نفسه الذى عاملها بغاية الرقة والحب .
وقالت بصوت خافت محاولة اغوائه : (( ما الذى حدث ، يا حبيبى ؟ أتراك سئمت منى ؟ )) .
وكان لسؤالها هذا ردة فعل مختلفة تماما عما كانت تتوقعه . فقد رفع رونان رأسه بحركة مفاجئة لتلتقى عيناه بعينيها ، وتشتبك برودة نظراته بدفء العنبر فى نظرات ليلى . واذا بشئ فى أعماق تينك العينين ، شئ عكر صفاءهما وجعلها ترتجف توجسا .
- سئمت منك ؟ هذا محال .

.

وليثبت كلامه هذا ، أرفقه بنظرة اشتهاء ساخرة اهتزت لها . ولكن ما أن بدأت ليلى بالعودة الى تلك الأحاسيس الدافئة ، حتى تنبهت الى ما يحف تلك النظرة من برودة جعلت عينيه أشبه بكتلتين من الثلج . قال لها : (( وجودك وحده يشعل النار فى كيانى ، أيتها السيدة ، وأنت تعلمين ذلك . نظرة واحدة اليك تجعلنى أرغب فيك الى درجة أننى أشعر أننى سأموت ان لم أحصل عليك . لكن تلك كفارة على أن أتحملها ))
قال ذلك بصلابة مزعجة .
- كفارة ؟

.

تحول احساسها بعدم الارتياح الى موج كاسح من الاضطراب والقلق ، فتوترت أعصابها بشكل بالغ وهى تقول : (( لم أفهم ! )) .
لم تستطع اخفاء رجفة فى صوتها وهى تندفع جالسة بذعر : (( ما الأمر ، يا رونان ؟ )) .
- أريدك ، يا ليلى .
قال ذلك متجاهلا سؤالها . كانت كل كلمة من كلماته باردة الى حد أن ليلى أجفلت منها وكأنها قطع من الثلج تتساقط على عنقها وكتفيها العاريتين . ثم تابع قائلا : (( ولكننى لن ألمسك بعد الآن أبدا .. على الاطلاق . انتظرت فقط أن تستيقظى لأقول لك الوداع )) .
- الـــ .. الوداع ؟

.

هذا مستحيل . لابد أنها لم تسمع جيدا ، أو أنها نكتة مثيرة للغثيان .. نكتة لم تعجبها مطلقا .. ولكنها ما كانت لتصدق أن يكون رونان بمثل هذه القسوة .
- هذا ليس مضحكا ، يا رونان ؟
- مضحكا ؟

قال ذلك بلهجة لم تكن بحاجة لمزيد من الايضاح .. الا انه أراد أن يخبرها بالأمر باسهاب ودقة فلا يوفر عليها شيئا . فقد أرادها أن تعلم بالضبط ما يجرى ، وأن تفهم معنى الألم الحقيقى .
- هذه ليست نكتة يا عزيزتى ، صدقينى . لم أكن يوما جادا كما أنا فى هذه اللحظة ، لقد انتهى زواجنا . وسأرحل الى غير عودة .

.


- ونهض واقفا بخفة فصدمت وهى تقارن حركته السهلة تلك بالانفعال العنيف الذى يعتمل فى رأسها . وتابع كلامه قائلا : (( وسأدعك تقررين موعد تنفيذ اجراءات الطلاق )) .
- ولكن ..
- والآن ، اذا سمحت ..
وكان فى تصرفه المهذب هذا ما يثبت تصميمه على عدم الرأفة بحالها على الاطلاق .
- أمامى رحلة طويلة بالسيارة .
وعندما كان يجتاز الغرفة لم تستطع ليلى سوى التحديق اليه بذهول واضطراب . وعلى الرغم من أن عينيها الذهبيتين تسمرتا على ظهره ، كانت أفكارها مستغرقة فى أحداث اليوم السابق .. يوم عرسهما .. وحاولت أن تفهم السبب الذى حول سعادتها المتألقة ، الى مثل هذه المشاعر المرعبة الأن .
كيف أمكن لأعظم أحلامها الذى حسبته قد تحقق أن ينقلب ، بهذه السرعة ، الى كابوس ؟ لقد انهار ذلك الانجاز الآن حطاما عند قدميها .

.


ما الذى جعلها لا تشتبه بشئ ؟ من المؤكد أنه كان ثمة دليل ما .. فما ان رفع القناع عن وجه العريس السعيد الى يتطلع الى زواجه بنفس الاثارة واللذه اللتين تملآن قلبها ، حتى ظهرت مشاعره الحقيقيه , ولو كانت المشاعر التى ادعى أنه يكنها لها صحيحة ، لما تصرف بهذا الشكل .
الا أنه لم يبد عليه قط التصنع ، ولم يساورها الشك للحظة واحدة فى صدق مشاعره . فمتى تبددت يا ترى ؟

.


لا .. هذا مستحيل ! لابد أنها تحلم ! ولابد أنها الآن فى كابوس تتلهف للاستيقاظ منه .
وراحت تقرص يدها وذراعها ، داعية الله أن يساعدها على الاستيقاظ من الكابوس .. ولكن شيئا لم يحدث . فهى مستيقظة تماما ، وجهنم هذه حقيقية .
أمس حسبت أنها ملكت العالم ، ووجدت الحب الحقيقى الذى تطلعت اليه طوال حياتها .
كان يوم أمس رائعا ، ولم يثر شئ استياءها سوى شعر رونان .

*********************

.



- حسنا ، هل أنت مستعدة للقيام بأطول مسيرة فى حياتك ؟
- قال (( جورج هاليداى )) هذا لليلى ضاحكا ، ويده تضبط ربطة عنقه المزخرفة ، فوق القماش الحريرى .. كان وجهه المغضن قد لوحته شمس شهر نيسان غير المتوقعة .
- - أطول مسيرة ، يا عمى جورج ؟
- وابتسمت ليلى وهى تنظر الى الرجل الذى لم يكن عمها الفعلى ، ولكنه اكتسب هذا اللقب لطول عهد صداقتهما حين بدأت عملها كبائعة زهور .
كان جورج يبيع الزهور على منصة مجاورة لمنصتها . وقد ساعدها كثيرا عندما انتقلت للعمل فى حانوت صغير مستأجر ، فبقى أقرب الأصدقاء لها وأشدهم اخلاصا لسنوات . ومع اقتراب موعد زفافها ، لجأت اليه اذ لم تكن تعرف مكان أخيها المفقود وكانت بحاجة الى بديل له يرافقها الى المذبح .
- يقال انها أشبه بالمسيرة نحو المشنقة .

.


- لعل التقاليد أعطتها هذه الصورة ، يا عزيزتى . ولكن رأيى فيها مختلف . فتلك المسيرة بالذات هى نحو هدف معروف مسبقا وسريع الزوال . أما هذه ، فمختلفة تماما اذا يلزمك وقت طويل للتفكير . ومع كل خطوة تخطينها تتساءلين عما اذا كنت قد اتخذت القرار الصائب . يحبنى .. لا يحبنى ..
- وكان يتقدم نحو الأمام بخطوات بطيئة وقور مع كل جملة يقولها .
- - أواه ، يا عم جورج ! لست مضطرة الى التفكير ، فأنا أحب رونان أكثر من نفسى ، وهو يبادلنى الشعور نفسه .
- حسنا ، ما دمت واثقة من ذلك .. لكن أرى أنك تسرعت قليلا .
وأنبأها عبوسه بما يجول فى رأسه ، فأسرعت تبدد قلقه .

.


- لا ، أنا لست حاملا ، ان كان هذا ما تفكر فيه . فرونان يعلم أننى أفضل الانتظار الى ما بعد الزواج .
- ان كان الأمر كذلك ، فزوجك نادر من نوعه . أظن أن هذا يفسر سرعته فى عقد الزواج . فلو كنت أصغر بثلاثين سنة ، ولى خطيبة بمثل جمالك ، لأسرعت فى عقد الزواج ، اذ كل يوم أقضيه بعيدا عنها قد يبدو لى أشبه بالأبدية .
- عمى جورج !
وتوهج وجهها احمرارا من أسفل عنقها الرشيق الى منبت شعرها الذى كان يعلوه اكليل بلورى . ورفعت باقة الورد الأبيض فى يدها محاولة اخفاء احمرارها .
- لا تخجلى منى ، أيتها الشابة ! فأنت فى السادسة والعشرين وتدركين ما أعنيه . أتمنى أن يعى رونان أنه حظى بكنز ثمين .
- لا تقلق من هذه الناحية .

.


طمأنته ليلى وقد أخذت بعض الذكريات تبعث الاحمرار الى وجهها مرة أخرى .
قد يكون رونان وافق على رغبتها فى الانتظار الى ليلة عرسهما ، لكن هذا لا يعنى أنه أذعن بسهولة ، أو انتظر صابرا مسيطرا على مشاعره . فى الواقع ، كادا يعدلان عن قرارهما هذا أكثر من مرة فى الأيام الأخيرة ، وهى تحمد الله لأن فترة الخطوبة كانت قصيرة . فقد استغرقت الشهرين ، وهى فترة أكثر من كافية بالنسبة لليلى .
أعادت موسيقى (( مسيرة الزفاف )) التقليدية المألوفة انتباهها الى الواقع .. أخذت تسوى ثوب زفافها العاجى الأنيق ، بأصابع مرتجفة ، ثم رفعت رأسها عاليا وهى تلتفت الى مرافقها بابتسامة واثقة : (( فلندخل )) .
- ألن تعيدى النظر فى الموضوع ؟

.


- لا أبدا . كلامك صحيح يا عمى جورج . رونان فريد من نوعه ، ولهذا السبب بالضبط سأتزوجه .



كانت الكنيسة من الداخل أجمل مما توقعت ، اذ وضعت الورود العاجية اللون على عتبات النوافذ الملونة الزجاج ، والزنابق البرية عند طرف المقاعد . أما المذبح ، فكان هناك وردتان طويلتان شبيهتان بالشموع التقليدية التى توضع عادة فى الكنيسة .
الا أن الشموع الحقيقية غابت عن المبنى القديم هذا ، بعد أن أفصحت ليلى عن رغبتها هذه للكائن الذى تفهم شعورها تماما .
وفى اللحظة التالية ، اتجهت نظرات ليلى الى الرجل الطويل الواقف أمام المذبح ، وقد بدا ساحرا فى معطف الصباح الرسمى البالغ الأناقة فنسيت على الفور كل شئ آخر .. انه رونان ، خطيبها الذى سرعان ما سيصبح زوجها بعد قليل .

.


وأخذ قلبها يخفق بعنف وعيناها العنبريتان تلتهمان جسمه الفارع وكتفيه العريضتين . كانت قدماه راسختين على الأرض الحجرية ، وساقاه قويتين ثابتتين ، ولا أثر فيهما للرجفة العصبية التى اعترت ساقيها فجأه ..
وجعلت الشمس المنسابة من النافذة على رأسه مباشرة ، خصلات شعره اللامعة النحاسية تتألق فى العتمة الهادئة .
فى تلك اللحظة لاحظت التغيير فى مظهره !
شعره ! لقد قص رونان شعره الرائع الجمال الذى كان بالأمس كثيفا لامعا ، ذا تموجات طبيعية ، فأصبح الآن قصيرا يكشف عن رقبته السمراء .

.


اضطرت ليلى الى عض شفتها السفلى بشدة لتكبت خيبة أملها . فقد كانت تعشق لف خصلات ذلك الشعر الحريرى الأسود على اصبعها ، وتتلهف للقيام بذلك فى ليلة عرسهما .. بدا لها أكبر سنا وأكثر صلابة فى شعره القصير الذى أبرز أيضا ناحية القوة فى شخصيته فتلك القوة هى التى منحته لقب رجل أعمال لا يرحم والتى نادرا ما لمستها أثناء معرفتها به .
لكنها لا تستطيع التعليق الآن . فقد تقدم الكاهن الى الأمام بادئا المراسيم ، واستدار رونان نحوها . وأمسك يدها بيده القوية الدافئة ، فرأت نظرة الاعجاب فى عينيه وهو يتأملها من رأسها لأخمص قدميها .
فى تلك اللحظة بدت الكنيسة والمحتشدون فيها وكأنهم استحالوا جميعا الى سحابة ملونة ، فلم يعد هناك سواها وسوى رونان وعهود الزواج بالحب والوفاء والاخلاص لبعضهما البعض بقية حياتهما .
وطوال الاحتفال ، كان فى أعماق تينك العينين الزرقاوين رغبة تحترق ، هى من القوة والتلهف بحيث تبعث فيها أحاسيس محمومة لا تليق بهذا المكان أو بهذه المناسة الرصينة .

.


ولكن بعد انتهاء الطقوس ، وانتقالهما الى حفلة الاستقبال فى فندق مجاور ، لم تعد ليلى تستطيع أن تكتم خيبة أملها أكثر ، فالتفت الى رونان معنفة .
- لماذا قصصت شعرك ؟
- مبروك لك أيضا .
كان هذا جوابه السريع الساخر ، وقطب حاجبيه الأسودين المستقيمين قليلا وهو يتابع : (( ومهما حدث ، فأنا أحبك ، يا زوجتى العزيزة . وأنا سعيد جدا لأننى أصبحت زوجك )) .
احساسها بما وراء كلماته هذه ، التى لم تتوقعها ، جعلها تمسك نفسها عما كانت تنوى قوله ، لتردد بحذر ، جملته : (( أحبك يا . . يا زوجى العزيز )) .
هل هذا صحيح . أيمكن أن يكون رونان قد أصبح زوجها حقا ؟ بعد تلك الأيام الحافلة بالشوق ، والليالى الحالمة بهذه اللحظة ، بدا لها مستحيلا أن تتحقق تلك الأحلام أخيرا .
- وأنا سعيدة جدا لأننى أصبحت زوجتك .

.


- أحقا ؟
لقد أحست ، مرة أخرى بذلك التشديد المقلق على الحروف بحدة كانت عيناه نارا فضية وهى تستخلص الجواب من أعماق روحها .
- هل أنت سعيدة ؟ سعيدة حقا ؟
فارتجف صوتها لعنف هذا الاستجواب الغير منتظر : (( طبعا أنا كذلك . ما هذا يا رونان ؟ استنطاق أسبانى ؟ )) .
- أردت التأكد فقط .
- التأكد !
.



أرسلت رغبة رونان المفاجئة للاطمئنان فى كيانها موجة من البهجة والاثارة ، غمرت قلبها بمزيد من الحب . ففكرة أن يظهر رجل متميز وناجح ، مثل رونان ، ويتحدث بمثل هذه المشاعر العميقة جعل عينيها تغرورقات بدموع حارة .
- أواه يا رونان ! وكيف لا أكون متأكدة ؟ لقد تزوجت لتوى الرجل الذى أحب وأقسمت على ذلك أمام العالم أجمع . .
- قاطعها بصوت خشن : (( ماعدا ديفى )) .
- فأجابت بهدوء : (( نعم ، ما عدا ديفى )) .
سالت دموعها هذه المرة لسبب مختلف تماما . فسعادتها كانت لتكمل كليا لو كان أخوها حاضرا اليوم .
- ليتنى تمكنت من الاتصال به !
- وكذلك أنا .
.

قال رونان ذلك بحدة فنظرت اليه بدهشة : (( لم أكن أعلم أن أمره يهمك الى هذا الحد )) .
- حسنا ، فلنقل أننى كنت أفضل لو قابلت أخاك قبل هذا اليوم .
- وحول عينيه عنها محدقا الى الخارج عبر القاعة المزدحمة . أيقنت ليلى أنه لم يكن يحدق بالمدعوين المتألقى الملابس ، الذين كانوا يضحكون ويثرثرون ، عندما عاد ينظر اليها بملامح غامضة يصعب تحديدها . وتكلم مرة أخرى ، فتملكها شعور غريب بأن الموضوع الذى كان يشغل أفكاره لا يمت اليها بصلة .
- اننا انسانان راشدان وعصريان ومع ذلك لا نستطيع أن نستدعى ولو فردا واحدا من أقربائنا .
- أعرف هذا . .

.



وتنهدت بأسى وهى تفكر فى والديها اللذين قتلا فى حادث مأساوى وهى فى السابعة عشرة من عمرها ، وديفى الذى يصغرها بست سنوات . لو بقيا حيين لشاركاها سعادتها وهما يريانها اليوم عروسا . ولم يساورها الشك للحظة فى أنهما كانا سيوافقان على هذا الصهر الوسيم ذى القامة الفارعة ، الذى يعشقها .
من المحزن أن رونان كان أيضا وحده . . فعندما سألته عن أقاربه الذين سيدعوهم الى العرس ، رد عليها باقتضاب : (( ليس لى أسرة . . ولكن سأعطيك قائمة بأسماء أصدقائى ، ان شئت )) .
وعوض عدد أصدقائه عن الأقارب ، حتى أن بعضهم أحدث ضجة كبرى فى هذه المدينة الشمالية الصغيرة ستدوم فترة طويلة بعد انتهاء الزفاف . . فبصفته رجل أعمال واسع الثراء ، كانت له اتصالات بأشخاص يماثلونه ثراء وشهرة . وقد حضر معظمهم حفل الزفاف اليوم .
لكن هذا لم يعن أن الفرصة سنحت لها للتحدث اليهم ، فقد أبقاها رونان بجانبه طوال الوقت فلم تجد الفرصة للتعرف على ضيوفه .

.


وقطبت حاجبيها قليلا عندما شاهدت أحد أصدقاء رونان ، (( كونور فيت باتريك )) فى حفل الزفاف . ففى اليوم السابق للعرس ، بدا عليه الشرود عندما قدموها اليه ، وأخضعها لفحص شامل بعث فيها اضطرابا واضحا .
أما (( هانا )) ، صديقتها الحميمة واحدى وصيفات العروس ، فقد نجحت فى التقرب منه على حلبة الرقص ، بينما كان يمنحها ابتسامة واسعة لملاحظة أدلت هى بها .
- لم هذه النظرة السوداء ؟ .
سألها رونان ذلك وهو يرى تغير ملامحها .

.

- لدى احساس بأن (( كونور )) ليس راضيا عنى ولا يشعر نحوى بمودة .
لمعت تانك العينان الفولاذيتان بسرعة وهما تحدقان بصديقه ، وعاد من جديد ليقطب جبينه . لكن رونان عاد فالتفت اليها ورماها بابتسامة بددت مخاوفها الحمقاء ثم قال لها بنعومة : (( وما الذى لا يرضيه فيك ، أيتها الحمقاء الصغيرة ؟ الحقيقة هى أننى لم أكن ، قبل الآن ، من النوع الذى ينشد الاستقرار . ولكن ، حبنا هذا كان أشبه بزوبعة غرامية . . ولقد صرعنى حبك وأنا عاجز عن استعادة توازنى )) .

************************

.


فى تلك اللحظة طمأنتها هذه الكلمات . . وتملكت ليلى التعاسة وهى تعود مرغمة الى حاضرها لتجد نفسها تحدق فى الباب الذى خرج منه رونان لتوه . لكن تلك الكلمات كشفت الآن عن خداع بالغ القسوة والوحشية وهو يعلن أنه راحل من دون عودة .
دفعها صوت الباب فى الطابق الأسفل وهو يفتح ، الى النهوض . ما الذى تفعله بجلوسها هنا بهذا الشكل ، تاركة رونان يرحل ؟ انه زوجها ! لم يمض على زوجاهما أربع وعشرون ساعة بعد . فهل ستدعه يرحل من دون مقاومة ؟
قفزت من سريرها برعب ، واختطفت عباءتها عن كرسى بجانب السرير ، غير عابئة بقميص نومها المكوم على الأرض حيث ألقى به رونان فى حمى مشاعره . . ارتدتها وأحكمت شد الحزام على خاصرتها وهى تنزل السلم .
كان الباب الأمامى مفتوحا على مصراعيه ، وأشعه الشمس تتسلل من خلاله . . شعرت بغصة فى قلبها أمام الطبيعة المشرقة ، التى تتناقض مع الاحساس الأسود بالهلع الذى ينتابها .
- رونان !

.

كان قد خرج من المنزل ووقف بجانب سيارته يضع حقيبته فى الصندوق ، فأخذ قلبها يخفق وهى تدرك مصدومة أنه كان يعنى حقا ما قال .
لأنها حتى هذه اللحظة ، لم تفقد الأمل فى أن ينتهى هذا الكابوس .
- رونان ، انتظر !
لكنه تجاهلها ، وحول وجهه بعيدا عنها وقد بدا من تصلب جسمه أنه يرفض أن يلين أمام تضرعاتها . . هبطت الدرجات قائلة : (( أرجوك ، لا تفعل هذا . . لا يمكن أن تفعل بى هذا يا رونان ، لن أسمح لك بذلك )) .
لكن رونان أغلق غطاء الصندوق ببطء متعمد . وتردد صدى ارتطام الغطاء ، فى رأس ليلى ، وكأنه يذكرها بالأبواب الفولاذية التى صفقت فى وجهها ، وصوت الساعة تعلن ساعة الفراق المرعبة .
لم يكن هذا رونان ! لم يكن هذا الرجل الذى أحبته من كل قلبها ، ومنحته جسدها وقلبها منذ يوم واحد فقط ! فقد خيل اليها أن رجلا غريبا دخل الى البيت ، وأمسك بجسد رونان وانتزع منه روحه ، تاركا من ذلك الرجل الذى أحبت الهيكل فحسب .
.

لكن العينين كانتا مختلفتين . كانتا صلبتين وباردتين كالفولاذ ، مهلكتين كنصل خنجر ، ومنيعتين كمصراعى باب حديدى .
- لا يمكنك أن . .
حاولت الكلام ، لكن صوتها خانها .
قال متحدثا بسخرية ، وهو يلقى عليها نظرة فاترة كئيبة كأيام الشتاء القارسة البرودة : (( يمكننى أن أفعل ما أريد ، حاولى فقط أن تمنعينى )) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 
 

 

عرض البوم صور Eman   رد مع اقتباس
قديم 05-12-08, 08:04 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري
عاشقة ليلاس



البيانات
التسجيل: Jun 2006
العضوية: 7104
المشاركات: 38,874
الجنس أنثى
معدل التقييم: Eman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 25417

االدولة
البلدUnited_States
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
Eman غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : Eman المنتدى : روايات احلام
افتراضي

 

2 – تذكرى هذا !

لم تتوان ليلى عن القيام بأول شئ خطر ببالها .

ركضت نحو رونان ، غير عابئة بأنها لا ترتدى الا تلك العباءة الحريرية الخضراء ، وتشبثت بكم سترته بكل ما لديها من قوة .

- لن أدعك ترحل قبل أن تطلعنى على السبب ! أنت مدين لى بهذا على الأقل .

عادت هذه الكلمات فاختفت فى حلقها وهى ترى العدائية فى عينيه ، ثم أبعد يدها عن كمه باستخفاف مهين :

(( لست مدينا لك بشئ )) .

.

قال ذلك بأنفة وهو يسوى سترته على كتفيه قبل أن يفتح باب سيارته .

- وان كان هناك من ديون فأنت من عليها تسديدها .

- أنا . . آه . . لا . . لا ترحل .

واذ رأته على وشك الصعود الى مقعد القيادة ، عادت تندفع اليه محيطة خصره من الخلف بذراعيها . لكنها سرعان ما أدركت الغلطة التى اقترفتها عندما شبكت أصابعها فوق (( بكلة )) الحزام الجلدى الذى يحيط بخصره ، بينما التصق صدرها بصدره .
فى الليلة الماضية أمسكت به بهذا الشكل ، لكنه كان حينذاك أليفا دافئا ، لا غريبا عدوانيا كما هى حاله الآن . . كان حينذاك يرتدى روب (( الحمام )) وكان قد نهض أثناء الليل من السرير لسبب ما ووقف يحدق من النافذة فلحقت به وطوقته من الخلف بذراعيها كما تفعل الآن .

.

لكن الأمر ، حينها ، كان مختلفا كليا ، اذ تجاوب معها على الفور وكشفت ردة فعله عن شوقه اليها ، مما دفعها للانفجار ضاحكة ، تتأوه وهى تواجه دفء جسده .

وكان رونان قد تأوه هو أيضا مسرورا واستدار اليها يأخذها بين ذراعيه . ولكنها فى اللحظة الراهنة شعرت بطعنة ألم قاسية أوهنتها .

وهذا الوهن الذى شعرت به جعل من السهل على رونان أن يخلص نفسه منها بقوة قذفت بها بعيدة . فدارت حول نفسها ثم ارتطمت بعنف بجانب السيارة .

فقال بصوت خشن : (( أنا راحل يا ليلى ، ولن تردعينى مهما فعلت )) .
.

لم يكن من السهل عليه قول هذا ، فلمسة واحدة منها كفيلة بأن تجعل كل عصب فى جسده يضج بالشكوى والحب والتوتر ، ولكم هو متلهف الى تلك المشاعر الجميلة الى جمعتهما الليلة الماضية .

عندما بدأ يتصرف على هذا الشكل ، اعتقد أن بامكانه أن يعزل مشاعره عنه ، ولم يضع فى الحسبان رغبته الشديدة فيها ، تلك الرغبة التى قد تدمره ان لم يقاومها بعناد وقد تجعل خطته رمادا .

وبدلا من أن يلتفت اليها ويأخذها بين ذراعيه ليعانقها ويضمها بكل ما فى مشاعره من شوق اليها ، انتزع نفسه منها بكل قوته .

مزق اليأس قلب ليلى وهى تراه يستقر وراء عجلة القيادة ويدير المحرك ؛ يأس ممزوج بمشاعر تملكتها جعلت من الصعب عليها التفكير بوضوح .

.




لم تذق من حب هذا الرجل سوى ليلة واحدة . . ولم تحضنها ذراعاه سوى ساعات قصيرة . . لكن جسدها عرفه بشكل جعلها أشبه بجارية من الزمن القديم ، مدموغة بوشم سيدها . كان يكفى أن تلمسه حتى تقفز حواسها الى حياة نابضة متوثبة ، وحتى يلتهب كل عرق فيها بالحنين والحب واللهفة الى ما يبعثه حبه فى قلبها .

وكما الآلة الموسيقية التى تتجاوب مع مهارة أداء صاحبها ، لم يكن عليها الا أن تشعر بدفئه ، وتشم رائحته ، وتشعر بخفقات قلبه تحت وجنتها ، لكى تضيع تماما ، وتؤدى اللحن الذى قرر أن يعزفه .

.

ولكن عليها أن تتصرف فى الحال ، قبل أن يرحل الى الأبد . لم تشك للحظة واحدة فى أنه كان يعنى ما يقول . فالاقتناع باد على وجهه ، ولو أنها لم تكن تعرف السبب .

مد احساس مفاجئ بالذعر أفكارها بفكرة يائسة ، فكرة جنونية . وقبل أن تمنح نفسها وقتا قد يفقدها جرأتها ، اندفعت نحو غطاء محرك السيارة تتسلقه جامعة حولها معطفها أثناء القيام بذلك .




فهتف بغضب بالغ : (( ليلى ! انزلى من هناك ! )) .




- حاول أن ترغمنى على ذلك !

.

واذ بصوت المحرك يدوى بعنف ، ويثير فيها الخوف من أن ينطلق بالسيارة وهى ما زالت جاثمة على الغطاء . وتصورت ، برعب ، هذه السيارة القوية وهى تنهب طريق المنزل ، متعرجة بوحشية فى سيرها لتجعلها تسقط ، فجمد الدم فى عروقها . وكانت أفكارها قد وصلت الى النقطه التى أخذت فيها تتخيل ما قد يحدث لها من ضرر ان هى وقعت عن هذه السيارة المسرعة ، على الطريق المرصوف بالحصى . . ولكن رونان رفع قدمه عن دواسة البنزين وتلاشى صوت المحرك . .

لم تكد ليلى تلتقط أنفاسها حتى انفتح الباب بعنف وخرج منه رونان مندفعا نحوها بخطوات واسعة ، وقد بدا الغضب على وجهه : (( ليلى . . )) .

وعندما وقف بجانبها أخيرا ، واضعا يديه على وركيه وعيناه تلتهبان غضبا .

- أنت لا تسهلين الأمور على .

قال لها ذلك مصرا على أسنانه .

- وأنا لا أريد أن أجعلها سهلة . . أريد أن أجعل هجرك لى بالغ الصعوبة . . لأننى . .

.

- ما بالك تتضرعين الى أن أبقى بينما أوضحت لك أن هذا آخر ما أريده فى هذا العالم ؟ فأنا لا أطيق رؤيتك ؟

- لكنك الليلة الماضية . .

- بات ذلك من الماضى . كانت غلطة مروعة . اضطرابا عقليا ، وهذا ما لا أريد أن يتكرر ثانية .

- لم يبد لى الأمر كذلك .

ولكن أى خبرة كانت لها فى هذه الأمور ؟ فقبله لم تعرف سوى علاقة واحدة عابرة خلت من العلاقة الفعلية . . كان حبها لكرستيان شيئا عاديا بالمقارنة مع النار التى أشعلها رونان فيها . . نار لم تكن تدرى بوجودها ، نار دمرت عالمها من شدة قوتها ، وجعلت زمام الأمور يفلت من يدها . فقد أصبحت بين ذراعى رونان امرأة أخرى . امرأة عاشقة محبة .

وانفجرت فيه قائلة : (( كانت رغبتك فى ذلك تضاهى رغبتى تماما . . )) .

- ليست النساء وحدهن قادرات على تزييف مشاعرهن .

رد رونان عليها بقسوة اضطربت لها أفكارها .

.

- آه ! علمت الآن أنك تكذب ، لان لا شئ فى ليلتنا الماضية كان زائفا .

لو صدقت كلامه ، لتدمر كل شئ . . كل ذكرياتها عن ليلة عرسها . . الليلة التى اعتقدت أنها سجلت فيها بداية أروع جزء فى وجودها . . الليلة التى أدركت الآن أنها لن تحصل على سواها فى حياتها الزوجية .

لم تكن تعلم شيئا عن المنزل أيضا ، فقد كانت مفاجأة أتحفها رونان بها فى آخر لحظة أيضا عندما غادرا قاعة الاستقبال واستقلا السيارة . لقد حسبت أنها سيقصدان المطار ومنه الى المكان الذى سيقضيان فيه شهر العسل . وبعد أن توارى عن الأنظار آخر الملوحيين بايديهم قال لها :

(( تغيرت الخطة ، ستقلع طائرتنا عند الثالثة من بعد ظهر غد )) .

- ولكن أين سنمضى ليلتنا ؟ .

فأجاب بابتسامة صغيرة غامضة : (( دعى الأمر لى ، لقد تدبرت كل شئ . سلمى أمرك لى وانظرى ماذا يحدث )) .

.

ارتجفت وهى تعود بأفكارها الى تلك اللحظة ، وتسمع تلك الكلمات مرى أخرى ، اذ أن شيئا ما فى الطريقة التى تكلم بها رونان جعلها تشعر بالغثيان .

فى الليلة الماضية ، أنهكتها أحداث النهار ونشوة التفكير فى أنها أصبحت (( السيدة رونان غيرين )) ، فلم تشعر بهذا الخطر المحدق .

- أتلهف لأكون معك .

تمتمت ذلك بحب وهى تداعب بيدها ذراعه وابتسمت عندما رأته يجفل بشكل غريزى . . فزجرها ضاحكا :

(( حاذرى من تصرفاتك ، أيتها الساحرة )) .

ولكنها تجاهلت احتجاجه قائلة :

(( طيلة الشهرين الماضيين وأنا أتوخى الحذر فى تصرفاتى مما زادنى احباطا )) .

.

- وذنب من هذا ؟ أذكر جيدا أنك أنت من أصر على التأجيل حتى يوم الزفاف .




- وها قد وصل يوم الزفاف ، وليس علينا ان ننتظر أكثر من ذلك . اننا الآن زوجان شرعيان وأستطيع أن أفعل ما يحلو لى . .

زادت من ملامستها له مبتسمة وهى تسمع صوت تنفسه .

- ليلى . . أرجوك . . كونى عاقلة .

- آه ، سأكون عاقلة .

لكن لهجتها منحت كلماتها معنى غير الذى كان يقصده .

- سأكون عاقلة جدا ، لا بل أفضل من عرفت من النساء . ولكن لم لا تضغط على البنزين ؟ أريد أن أصل فى أسرع وقت ممكن .

- سمعا وطاعة !

.

وانطلق رونان بالسيارة بسرعة البرق متجها الى ناحية الريف .

استحال دفء النهار ، الى مساء خانق غير مريح بينما كانت السيارة تعبر طريقا متعرجا لتصل فى نهايته الى مبنى فخم .

- أوه . . .

أخذت ليلى تحدق فيه بحيرة واعجاب بالغين .

كان المنزل مبنيا من حجر قد نعمه مر السنين ، وله مدخل أنيق مزين بالأعمدة ، ونوافذ يعكس زجاجها تألق الشمس المائلة الى الغروب ، أما نصف الواجهة الأمامية فكان مغطى باللبلاب المعترش الذى امتد فوق سطح مستنبت زجاجى من العهد الفيكتورى . .

- ما أروع هذا المكان ، لمن هو ؟

- بيتك .. وبيتى .

- بيتنا ؟

بلغ الذهول منها مبلغا فلم تلحظ الفاصل الواضح بين كلمتى رونان ، وتابعت قائلة : (( ولكن كيف ؟ )) .</b>

- لقد اشتريته . أليست هذه هى الطريقة المعتادة لاقتناء منزل .

.

- طبعا ، أعرف هذا .

وقرصته فى ذراعه مداعبة : (( متى . . )) .

- وقعت العقد الأسبوع الماضى ، آه ، أعرف . .

كان قد لاحظ التعبير على وجهها ففسره بدقة :

(( قال كونور انه كان على أن أستشيرك ، ولكن حالما رأيت البيت ، أدركت أنه سيعجبك جدا )) .

- وكنت محقا .

خفف واقع تفهمه لها من الوخزة الحادة التى شعرت بها وهى تخاله من الاستبداد بحيث يتخذ القرارات من دون الرجوع اليها .

- كانت شقتك تلك ستعوقنا عن الحركة . . اخترت هذا المنزل لأنه قريب من المدينة فتتمكنين من الذهاب يوميا لمراقبة عملك .

وبصفتك صاحبة أحسن متجر للزهور ، عليك أن تقطنى فى مكان أرقى من ذلك الصندوق ذى الغرفة الواحدة .

- كما أنه ليس بعيدا عن الطريق العام .

.

- والآن ، هل تأملته بما يكفى ؟ فالعاصفة على وشك أن تهب ، وان لم نسرع بالدخول ، فسيغرقنا المطر قبل وصولنا الى الباب .
وسرعان ما صح كلام رونان . . اذ ما أن أخرجا حقائبهما من السيارة ووضعاها فى الردهة ذات القرميد الأبيض والأسود ، حتى دوى الرعد وبدأت الأمطار تضرب على النوافذ .

- آه ، ما أقربه !

وقفزت بشكل مبالغ فيه ، والتصقت برونان .

- لا أظنك تخافين من الرعد ؟

نظرت الى وجهه المذهول ، ضاحكة : (( أنا لا أخاف منه ، ولكنه عذر ملائم لكى ألتصق بك )) .

.

وجذبته اليها ، وعانقته بعنف ، وهى تأمل خفية أن يستحثه هذا على التجاوب معها . لكنه لم يبادلها مشاعرها بل خلص نفسه من عناقها ، وأمسك بيديها الاثنتين قائلا :

(( هذا يكفى ، ألا تريدين أن ترى بيتك الجديد ؟ )) .

- ربما غرفة النوم .

وابتسمت بخبث : (( أما بقية المنزل فأراه فى وقت لاحق )) .

كان منزلا واسعا ، مليئا بالممرات القصيرة . وبينما كانا يتفحصان كل شبر فى المنزل ، أرخى الظلام ستاره ، وتحول الرعد الى زئير منخفض بعيد وتوقف البرق عن الوميض . خلف تراجع العاصفة موجة من البرد القارص . وعندما عادا الى غرفة الجلوس الأنيقة لم تتمالك ليلى نفسها من الارتجاف ، فقطب رونان جبينه قائلا :

(( هل تشعرين بالبرد ؟ هل أشعل المدفأة قبل أن نتعشى ؟ )) .

نظرت ليلى الى المدفأة الواسعة التى يعلوها رف خشبى ويحيط بها قرميد مزخرف ، وازداد ارتجافها الذى تحول الى خوف حقيقى ، ثم أجابت بسرعة :

(( لا ، شكرا )) .

.

- لكن البرد قارس ، والجلوس أمام ضوء لهب المدفأة يخلق جوا شاعريا .

لهب المدفأة . .

ووجدت ليلى نفسها تعود الى الماضى . . انها ترى الآن غرفة اخرى ، غرفة مختلفة تماما عن هذه الفسحة المطلية باللونين الأخضر والذهبى .
انها ترى الآن ذلك الأثاث المريح الرث ، وشجرة عيد الميلاد المنتصبة فى احدى الزوايا ، والزينة الورقية المعلقة على الجدران ، والمجسمات الصغيرة لبيوت وأشجار وبابا نويل .
وأمام اللهب ، وقف صبى صغير أشقر الشعر مادا يده الى شمعة ، ثم جمد مكانه عندما صاحت به محذرة . فى تلك اللحظة استطاعت أن تمنع ديفى . ولكن النيران اشتعلت فى ما بعد فجأة ، ووصل لهيبها الى الزينة الورقية على الجدران ومنها الى الستائر ، ليشتعل المكان ويتحول الى كتلة من النيران المضطرمة . .

- ليلى ؟

أعادها صوته الى الحاضر وهى تطرف بعينيها مشتتة الذهن لحظة . ولكنها ما لبثت أن أدركت أن الواقف أمامها ، هو رونان وأنه هو الذى تلفظ باسمها . عند ذلك ، أرغمت نفسها على الابتسام :

(( لا تشعل النار ، فالبرد ليس شديدا . كل ما أحتاج اليه هو شراب ساخت يدفئنى . . وذراعاك حولى )) .

يوما ما ستخبر رونان بقصة تلك الليلة المريعة . . فهى لم تتمكن من تحمل اخباره عن الحادث الذى تعرض له والداها .

ولكن ليس الليلة . . فلا المكان ولا الزمان يسمحان بذلك . قد يفسد هذا عليهما هذه الليلة الخاصة التى طال انتظارها لها .

- هل فى قصرك هذا طعام ؟

- طبعا ، سبق وأخبرتك بأننى تدبرت أمر كل شئ . . تعالى معى .

أخذها الى مطبخ ريفى واسع من دون أن يجولا فى المنزل . كان على المائدة المصقولة المصنوعة من خشب الصنوبر ، أطباق صينية فاخرة تحتوى على أنواع مختلفة من اطعمتها المختلفة .

- هيا ، تفضلى .

.

دهشت ليلى حين أدركت أنها تتضور جوعا . كانت من التوتر هذا الصباح بحيث لم تذق شيئا من الطعام . وأثناء الغذاء ، ملأت طبقا بمختلف أنواع الطعام وأخذت تأكل بنهم ، وهى تشكر رونان . وعندما انتهت هتفت قائلة :

(( كان الطعام لذيذا للغاية )) .

انتبهت فجأة اليه جالسا أمامها يراقبها عن كثب من دون أن يأكل شيئا . نظرت متسائلة فى تينك العينين الرماديتين اللتين بدتا الآن قاتمتين .

- ألست جائعا ؟ هذه الفطيرة لذيذة جدا . تناول بعضا منها . .

وناولته قطعة صغيرة منها ، ولكن بدلا من أن يأخذ الشوكة منها ، مال نحوها حتى أصبح وجهه على مقربة من وجهها ، وفتح فمه وكأنه طفل صغير . .

وضعت القطعة على لسانه باسمة ، واذا بها تشعر نفسها كالمسحورة ، غير قادرة على رفع نظراتها عنه وهو يمضع الطعام ثم يبتلعه بحذر ,من دون أن يحول عينيه عن عينيها .

سألته بصوت ازداد بحة وعمقا :

(( ماذا تريد أن تأكل بعد الخبر ؟ )) .

قطعة صغيرة محمصة مدهونة بالزبد ، تبعتها بقطعة جبن . لكن ليلى استعملت هذه المرة أصابعها فى اطعامه . وخفق قلبها وهى تشعر بفمه الدافئ ينغلق على أناملها .

- بعض السلمون المدخن . . والهليون . . و . .

أخذت تسرع فى انتقاء الأطعمة ، حتى لا تبعد نظراتها عنه . كانت عيناها تعودان بسرعة الى نظراته الثاقبة المصممة بينما أصابعها تتحرك وحدها فوق أطباق الطعام .

.

بدأت أنفاسها تتسارع ، وخفقات قلبها تشتد قوة ، وشعرت بجسمها يستحم بوهج الشمس الساطع بدلا من ضوء القمر الهادئ .

- آه ، وهذه حبات الفريز . .

تحرك هذه المرة بسرعة أكبر مما كانت تتوقع ، فاحتكت أسنانه بأناملها .

واذ برعشة تسرى فى ذراعها ، جاعلة اياها ترتجف . . شعرت بجفاف فى حلقها فأخذت تبتلع ريقها بحدة وتبلل شفتيها ببطء . وخفق قلبها بعنف وهى تراه يلقى نظراته الى وجهها المتوهج :

(( أتريد شيئا من القشدة على الفريز ؟ )) .

.

وغرفت القليل منها من الاناء ، مبعدة أصابعها سنتيمترات عن فمه .

ابتسم رونان ببطء واغراء ، ثم مال بحذر متعمد ، الى الأمام ، فالتهم الحبة بفمه الدافئ .

- رونان !

وعندما لم تستطع احتمال التوتر أكثر من هذا مالت اليه تعانقه .

وعندما ابتعدت عنه أخيرا لتلتقط أنفاسها ، كان صدره يعلو ويعبط ، وعيناه مشتبكتان بعينيها ، فقال بصوت أجش :

(( أظن . . أظن ، يا زوجتى ، أن الوقت قد حان )) .

ثم نهض واقفا ومد يده اليها ، مشبكا أصابعه القوية الصلبة بأصابعها البيضاء الرشيقة ، وهو يقول بلهجة حائرة بين الأمر والتوسل :

(( تعالى معى . . تعالى . . أريدك الآن )) .

.




استغرقت الرحلة الى غرفة النوم وقتا أطول مما توقعت ليلى اذ كان رونان يتوقف عند كل درجة ليعانقها بينما أنفاسها تشتد قوة ، ورأسها يزداد دوارا ، مما جعلها عاجزة عن التفكير أو النطق بكلمة مفهومة .

كانت تشعر فقط بكل عرق فى جسدها ينبض حياة .

قبل أن يصلا الى الغرفة ، رفس رونان باب الغرفة ليغلقه . ثم أخذها بين ذراعيه ، ويده تداعب شعرها الحريرى ، وأمسك رأسها يمنعه عن الحركة ، وأحنى رأسه الأسود ليقبلها معلنا بذلك ، بصمت ، عن عواطفه وحبه الذى لم يعد يقوى على اخفائه .

أما ليلى فقد تعلقت به وقد أطلقت العنان لمشاعرها بعد أسابيع من الكبت ، مبدية رغبتها فى أن تعرف كل شئ عن هذا الرجل ، كانت تعانقه بشوق أخذ يفتح الأبواب لطوفان من المشاعر العاصفة التى لن تغلق الأبواب أمامها بعد اليوم .

أحنى رأسه المزهو الى بشرتها الشبيهة بالقشدة وهو يتشمم بعمق شذا عطرها ثم أخذ ينثر القبلات على وجهها .

فمدت يدها تتخلل شعره البنى المحمر بأصابعها وتقربه منها أكثر وكان شوقها اليه قد جعل تحفظها يذهب مع الريح .

حملها واتجه بها نحو السرير ، وعاد يعانقها ثم اتكأ على كوعه وهو ينظر اليها وقد أظلمت عيناه بالمشاعر المحمومة :

(( الليلة ، يا سيدتى ، يمكنك أن تحصلى على كل ما تريدينه )) .

.

كان عليها أن تفكر بتلك الكلمات المراوغة ولكنها فى خضم هذه المشاعر القاهرة لم تشعر بخطر ما ، أو بأن هناك اشارة الى ما ينتظرها وراء سعادتها هذه .

- أى شئ . .

- ولكن أولا . .

واستدار مبتعدا عنها لحظة ، ثم تناول علبة صغيرة كان قد ألقاها على منضدة السرير الجانبية ، ثم فتحها .

- لسنا بحاجة . .

.

ولكنه أسكتها بوضع اصبعه على فمها برفق :

(( بل نحن بحاجة اليها ، لا أريد أطفالا فى الوقت الحالى . أريدك لى كلك ولأطول مدة ممكنة )) .

أرسلت هذه الكلمات فى كيانها فيضا من البهجة الخالصة .

- وهذا يناسبنى .

ومدت يدها لتداعب شعره القصير بأصابعها ، قطبت جبينها وتذمرت برقة قائلة :

(( لماذا قصصت شعرك ؟ )) .

.

- حسبت أنه لا يناسب وضعى الجديد كرجل متزوج .

- ولكن لو كنت تعلم كم حلمت بهذه اللحظة ، وكم كنت أتوق لمداعبته بأصابعى . .

وأرفقت كلماتها بالفعل .

وعندما رأته يجفل تحت لمسات أصابعها متشنجا ، ابتسمت ظافرة وهى ترى تأثيرها عليه .

- أيتها الساحرة . . أنت تبحثين عن المتاعب .

- أحقا ؟

وفتحت عينيها متصنعة الدهشة ، ثم تمتمت تقول :

(( أتعلم ؟ أظن أن هذا ما أفعله بالضبط )) .

.

وجالت أصابعها على كتفيه وكان حبها يتضاعف كل ثانية . وسمعت نفسها تقول ضارعة :

(( رونان . . أريدك . . )) .

عند ذلك فقط ، تقدم منها ، رأته يتردد ، ثم رأت شيئا يشتعل فى عينيه المظلمتين جعل قلبها ينتفض بخوف غريزى . لكنها ما لبثت أن نسيت كل شئ بعد ذلك بثانية واحدة .
ومع أنها كانت تهتف باسمه فى كل لحظة بصوت ممزق ، لم تسمعه يهتف باسمها قط . . ولم تسمعه بقول كلمة حب رقيقة تعبر عن البهجة التى كانت تمتلكه ، واكتفى بالقول :

(( تذكرى ! تذكرى هذا يا ليلى ! تذكرى ! )) .

تتذكر . . وكيف لها أن تنسى ؟ كيف لها أن تنسى ليلة عرسها الأولى بكل تفاصيلها ؟ كل لحظة منها انطبعت فى ذهنها ، ولن يمحوها شئ من ذاكرتها طالما هى حية ، طبعا فكل ما عرفته فيها لا ينسى أبدا .
.


.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 
 

 

عرض البوم صور Eman   رد مع اقتباس
قديم 05-12-08, 08:06 PM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري
عاشقة ليلاس



البيانات
التسجيل: Jun 2006
العضوية: 7104
المشاركات: 38,874
الجنس أنثى
معدل التقييم: Eman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 25417

االدولة
البلدUnited_States
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
Eman غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : Eman المنتدى : روايات احلام
افتراضي

 

الفصل الثالث
3 – العذاب . . رجل

لا ينسى . .
لسعت هذه الكلمة قلب ليلى ، فسرت البرودة فيها حتى العظم . . اذ وجدت نفسها تستيقظ على الكابوس وهو كل ما بقى لها من حياتها الزوجية . . ولكن كيف لها أن تعيش ومشاهد تلك المشاعر قد حفرت فى أعماق روحها ؟
لكنها اضطرت للخروج من هذه الذكريات لأن رونان قال شيئا لم تسمعه ، ولم تفهمه ، فطرفت بعينيها من دون أن تفهم :

(( من الأفضل أن نتكلم فى الداخل )) .


ونظرت اليه بارتياب ، وهى تردد : (( نتكلم )) .

لاح لها بصيص من الأمل . . وكأنه يريد فتح باب للنقاش ، بدلا من الاكتفاء بتوجيه انذار نهائى .

عليها أن تنزل عن السيارة ليدخلا معا الى المنزل . ولكن ان كان وضعها السخيف هذا يمنعه من الرحيل فلن تتخلى عن فرصتها الوحيدة . فأجابته بتوتر :

(( هل هناك ما نتحدث عنه ؟ قلت لى ان كل شئ انتهى وها أنت تقول الآن انه علينا أن نتناقش . . )) .

وسكتت بحدة وهى تراه يهز رأسه بغضب ، وقال بعناد :

(( لا مجال للمناقشة ، أردتك فقط الى أن تصغى الى )) .

- لن أتحرك من مكانى اذن ، يمكنك أن تتكلم هنا .

.


حاولت أن تصلح من جلستها ، لتواجهه . ولكنها ما ان تحركت على المعدن المصقول حتى كشفت العباءة غير المزررة عن جزء من جسمها . وكان يصعب عليها تدارك ذلك ، اذ كان عليها أن تبسط راحتيها على المعدن كى لا تنزلق على الأرض .

- آه ، بحق الله عليك .

لم تجد ليلى وقتا لتتكهن ما ينوى فعله ، واذ بها تطلق صرخة ذعر حادة عندما وضع ذراعا تحت كتفيها وأخرى تحت فخذيها ودفعها عن السيارة .
- رونا . . أنزلنى على الأرض .
لكن احتجاجها العنيف ذهب هباء ، لأنه زاد من ضغط ذراعيه الفولاذيتين حولها حتى لم تعد تستطيع الحراك . وسار بها نحو باب البيت وهو يتمتم قائلا :

(( لم أحملك عند العتبة وأنت عروس )) .
.

أثارت لهجة السخرية التى تكلم بها توترها . . رفس رونان بقدمه الباب ، ودخل الى غرفة الجلوس الأنيقة بلونيها الأخضر والذهبى ، ليلقى بها على كرسى كبير دونما اهتمام .
- والآن .. آه ، لا
وتحرك بسرعة وهو يراها تقف محاولة أن تهرب ، وقبض على كتفها بقوة ليعيدها الى الكرسى وثبتها عليه .
- أى نوع من المزاح هذا يا رونان ؟ الأمر ليس مضحكا ، صدقنى . .
- لست أمزح ، هل أبدو مبتهجا ؟
قال ذلك بلهجة خشنة خالية من المزاح ، تدل على رغبته بالانتهاء من هذه المسألة .
لم يتوقع منها قط أن تقاتل طويلا بمثل هذه الشراسة ، فقد حسب أنه فى مثل هذا الوقت ، سيكون بعيدا عن مدينة (( ادجرتن )) وقد أنجز رسالته ، تاركا حطام زواجه المزعوم خلفه ليلملمها (( ديفى كورنويل )) ، ان عاد الى الظهور .
ولكنه ، غير قادر على الابتعاد . وكأن ليلى أصبحت جزأ لا يتجزأ من حياته . والأسوأ من ذلك ، هو أنه بدأ يشعر بالأسف نحوها . . ولكن عليه أن يكبح مشاعره ، لأن الشفقة عى عاطفة لا ينبغى أن يدخلها فى حسابه .
- أخبرينى شيئا . . هل كنت صادقة عندما قلت انك أحببت هذا البيت ؟ .
.

أربكها تغييره المفاجئ للموضوع . . ومع أنها لم تعرف سبب هذا السؤال ، لم تستطع سوى قول الحق :

(( طبعا أحببته ، انه رائع الجمال ، ولكن . . )) .
- اذن فهو لك .
بدا لها وكأن الأرض قد زحفت تحت قدميها ولم يعد تحتهما شئ ثابت تقف عليه .
- ولكن لابد أنه كلفك كثيرا .
- فقال بعدم اكتراث :

(( تقريبا ، لكننى كنت أعلم أننى اذا تزوجتك فستتوجب على مسئوليات قانونية ، وتقبلت فكرة أن أدفع لك نفقة . . )) .
- لا أريد أموالك ! أنت تعرف أنها ليست سبب زواجى بك .
- حسنا ، هذا كل ما أستطيع أن أقدمه لك .
- ولكن لماذا ؟
وهزت رأسها بارتباك ، وقد أثار سلوكه حيرتها :

(( لماذا تزوجتنى اذا . . ؟ )) .

.

لم تستطع أن تكمل كلامها بعد أن سمرها فى مكانها بنظرة وحشية مفاجئة من عينيه الشفافتين . لكن وميض الخطر الذى ألجم لسانها تناقض مع اللامبالاة التى هز بها كتفيه وهو يقول محذرا : (( لا تسألى يا ليلى ، لأن الجواب لن يعجبك )) .
ولكنه لن يخبرها ، مهما كانت الشماتة التى قد يحصل عليها نتيجة اطلاعها على القصة بأكملها . فقد عاهد نفسه على أن يتكفل ديفى بالموضوع . ليواجه ما يعنيه تدميره لحياة أخته ، وتحطيمه لحياتها بسبب سلوكه الأثيم .
وردت ليلى بحدة : (( ليس الجواب هو الذى يقلقنى ، بل السؤال وحثك اياي على طرحه )) .
رباه ، ليته لا يرى تأثير تعليقه الأخير ذاك عليها !.
فأكثر ما آلمها هى تلك اللهجة العفوية الخالية من المشاعر ، وصوته الهادئ المسترخى .
هل هذا هو حقا الرجل الذى تعهدت أمام الكاهن بأن تحبه وتحترمه بقية حياتها ؟ أهو الرجل نفسه الذى قطع لها العهد نفسه أمس فقط ؟
دقت الساعة العاشرة والنصف ، وشعرت بطعنة سكين فى قلبها وهى تتذكر أنها فى مثل هذه الساعة من صباح أمس ، كانت عائدة مع صديقتها (( هانا )) من محل مزين الشعر وهما تضحكان والبهجة تملأ قلبها .

.

ولكنها كانت متوترة أيضا ، من المستقبل الذى ينتظرها . . فهى لم تقدم على الزواج عن طيش ، بينما رونان . .
منحها الغضب قوة لم تعهدها من قبل ، فأزاحت يده جانبا وهبت واقفة وقد التهبت عيناها .
- تعهدت أمس بأشياء معينة ، وأعنى تلك العهود المقدسة يا رونان ! (( أريد أن أحبك وأعيش معك وأحمل أطفالك )) . . العهود التى نطقنا بها عند عقد الزواج .
أتراها وصلت أخيرا الى أعماقه ؟ فقد لمحت تغييرا فى ملامحه . اذ أرجع رأسه الى الخلف بعنف وأسبل جفنيه على عينيه الفولاذيتين . .
فتابعت تقول :

(( وظننتك تعنى ما تقول . . فان لم يكن ذلك صحيحا ، وان جئت بى الى هنا بدعوى زائفة ، فأقل ما يمكن أن تفعله ، هو أن تعطينى تفسيرا . . انك تدين لى بذلك على الأقل )) .
- أنا لا أدين . . !
بدت لهجته المنخفضة هذه مخيفة ، لكنها لم تدع نفسها تتأثر بها ، لأنها كانت تجاهد فى سبيل حياتها التى حصلت عليها . .
- أريد جوابا ، يا رونان .


تحولت عيناه ، هذه المرة ، عن وجهها وقد عجز عن مواجهة نظراتها العنيفة المتألمة ، وانخفضت عيناها فجمدتا فجأة وكأنهما شلتا عن الحركة .
- رونان !
- تسترى .
- ماذا ؟
- قلت لك تسترى .

.


ولم تدرك أن عباءتها كانت تكشف عن جزء من مفاتنها الا بعد أن مد هو يديه يسويها ويضع جانبها الواحد فوق الآخر .
توهج وجهها بمزيج من الاضطراب والتوتر ، وهو يقول صارا أسنانه :
- ربما تمكنت من اغوائى ليلة أمس ، لكن هذا مستحيل الآن .
- وربما سمحت لك بأن تنقض علي بمخالبك حينذاك ، لكن ذلك لن يتكرر أبدا .
- هبت فى وجهه تتحداه وهى تنتزع نفسها منه مبتعدة عنه . وجاهدت لتمحو من صوتها آثار الكدر والجرح فى كرامتها ، وسرها أن تجعله هادئا كما كانت ترجو .
فقال بابتسامة قاسية :



(( لم تسميها مخالب الليلة الماضية ، حتى أنك تضرعت الى . . )) .
- حسبت الليلة الماضية أننا متزوجين !
فأومأ ببرودة : (( هذا صحيح . وهذا هو الأساس فى كل هذا ، أليس كذلك يا حبيبتى ؟ )) .
لكن لهجته كانت أبعد ما يكون عن التحبب .
- أتريدين حقا أن تعلمي لماذا تزوجتك ؟
لا . . توسل قلبها اليها أن تتفوه بهذه الكلمة ، وتصرخ أنها لا تريد أن تسمع كلمة مما سيقول . . فبصيص الأمل فى الخلاص الذى لاح لها فى الأفق ، عندما ركضت خلفه ، انطفأ الآن . .
لكن المنطق حثها على المطالبة بالسبب ، وبالرغم منها ومن توسلات قلبها واحتجاجه ، وجدت نفسها تومئ هامسة بشفتين جافتين :

(( نعم )) .

.


وجد نفسه عاجزا عن اخبارها الحقيقة ، خاصة وهى تنظر اليه بهاتين العينين الكبيريتين الذهبيتين ، وقد بدت ، أشبه بغزالة صغيرة تلاحقها كلاب الصيد . وأخذ يلعن بصمت أخاها الغائب ، آملا من صميم قلبه لو يستطيع أن يضع يديه حول عنقه ويخنقه .
لكن عليه أن يقول شيئا ، شيئا فظيعا يجعلها تتركه يذهب من دون اللحاق به . . وهذا لمصلحتهما معا .
- انها الطريقة الوحيدة للتقرب منك .
للوهلة الأولى لم تفهم تماما ما يعنيه ولكنه أضاف قائلا :



(( كنت أرغب فيك الى درجة اننى لم أتوان عن الزواج بك . . )) .
لكنه لم يكمل جملته اذ رفعت ليلى يدها من دون وعى منها ، لتنهال عليه بصفعة مدوية .
غص رونان بريقه ، ثم رماها بتلك الابتسامة القاسية وهو يقول :

(( قلك لك ان الجواب لن يروق لك )) .
- أيها النذل .

.


للحظة واحدة ، ظهر فى عينيه بريق خطر جعلها تخشى انتقامه . لكنه سرعان ما سيطر على نفسه وهز رأسه قليلا :



(( أظننى أستحق هذا . هل أنت مسرورة الآن ؟ )) .
- لا أظننى قد أكون يوما أسوأ حالا .
مضت لحظة لم تستطع فيها أن تفهم لماذا أحبته ، أو أقنعت نفسها بذلك . لابد أنها كانت مخطئة فكيف لها أن تحب رجلا كهذا ؟ ولكن رونان الذى عرفته ووقعت فى حبه كان مختلفا .
طردت هذه الفكرة الضعيفه من ذهنها الى الأبد . . فرونان الذى اعتقدت بأنها تحبه ، هو نفسه هذا الشيطان الذى يقف أمامها . . وان حاولت التفكير عكس ذلك ، فستضعف أمامه ، وتمنحه الفرصة للاساءة اليها من جديد .
- اخرج من هنا ، يا رونان .
قالت ذلك وقد أراحها أن تسمع صوتها هادئا منضبطا حتى لا يشك فى قوة اقتناعها بما تقول .
- اخرج واياك أن تعود ثانية .
- ان لم تخنك ذاكرتك ، فأنا من خطط لهذا منذ البداية . وأنت من أعادنى رغما عنى الى البيت .

.


- حسنا ، أفضل الموت على أن أعاود الكرة ، فجل ما أريد الآن هو أن ترحل من دون عودة .
- وهذا يناسبنى تماما . الوداع ، يا ليلى . ليتنى أستطيع القول اننا أمضينا وقتا طيبا .
وانحنى ساخرا قبل أن يستدير على عقبيه .
أخذت ليلى تنظر اليه بصمت أخرس ، وعندما اقترب من الباب توقف ، واستدار ببطء قائلا :



(( الحق معك ، يا حبييبتى ، فأنا نذل . ولكن عليك أن تسألى نفسك عما جعلنى كذلك )) .

- لا يهمنى ! ولا أريد أن أعلم . . لا أريد أن أعلم أى شئ عنك ! فكيف لى أن أميز بين الحقيقة والكذب فى حديثك ؟
- الحقيقة .
وأتبع هذه الكلمة بضحكة خشنة ساخرة بعيدة عن الهزل :

(( آه ، نعم . الحقيقة . حسنا ، ليلى ، حبيبتى ، ان كنت تريدين معرفة الحقيقة كلها ، فلن تجديها عندى . . ان ذلك الجواب الذى آلمك هو جزء بسيط فقط من الحقيقة . فان أردت معرفة القصة كلها ، فعليك أن تسألى أخاك . . هذا ان شاء ان يخبرك . . والآن ، سأرحل . . حقا )) .
تركته هذه المرة يرحل ، اذ ما بيدها حيلة .

.


وقفت تراقبه ، وهو يصعد الى سيارته ويشعل المحرك بهدير ينبئ بخروجه عن هدوئه وانضباطه .
عضت شفتها بقوة ، رافضة السماح لدموعها بأن تنهمر قبل أن يغيب رونان عن ناظريها .
كانت الساعة الثانية عشر . فى مثل هذه الساعة ، كانت تقف أمس على درجات الكنيسة باسمة سعيدة ، وعريسها الى جانبها . . بقيت زوجة له أربعا وعشرين ساعة بالضبط وها قد انتهى الآن كل شئ .
كانت الشمس ترسل أشعتها من السماء الزرقاء الصافية . انه يوم ربيعى رائع . . يوم رائع كان من المتوقع أن تبدأ فيه حياتها الزوجية . ولكنه تحول الى يوم وضع حدا لزواجها حتى قبل أن يبدأ .

***********************************
- اسألى أخاك . . اسألى أخاك .
بقيت هذه العبارة التى ودعها رونان بها ، تتردد فى ذهن ليلى طوال الأيام الأربعة التى تلت .
ذلك الجواب . . هو جزء بسيط من الحقيقة ، فان أردت معرفة القصة كلها ، فعليك أن تسألى أخاك . . هذا ان شاء أن يخبرك .
كانت ستفعل لو أمكنها ذلك ، ولكنها لا تعرف شيا عن ديفى .
عندما حددا ، هى ورونان ، موعد ذلك الزواج المنحوس ، بذلت جهدها للعثور على أخيها المفقود ، ولكن من دون جدوى .
منذ ثلاث سنوات وأخوها غائب عن حياتها . . فيوم عيد ميلاده السابع عشر ، عادت الى البيت لتجد غرفته مرتبة على غير العادة وخزانة ثيابه فارغة من ملابسه . واختفت فيثارته المحبوبة . فأدركت أنه لن يعود تقريبا .

.

ساورتها الشكوك أو الآمال ، لكن الورقة التى وجدتها على وسادتها بددتها كلها .
- أنا راحل لأجمع ثروة وأكتسب الشهرة . انتظرى ظهورى على شاشة التليفزيون قريبا جدا .


وختم الرسالة بالتوقيع الذى أصبح يستعمله ، محتقرا اسم أسرته ومعتبرا اياه صبيانيا بالنسبة الى نجم (( روك )) مثله .


جاءت فجيعتها فى هجر ديفى لها ، لتحل فى المرتبة الثانية بعد فجيعتها فى موت والديها المبكر . ومع مرور الزمن ، تحول ألمها لفراقه الى شعور بالخسارة ، فعاشت وهى تشعر بفجوة فى حياتها وحده يستطيع أن يملأها .
وعلاوة على سخرية الحياة المرة التى شغلت بالها نهارا وأرقتها ليلا ، أدركت الآن أن رونان هو الشخص الوحيد الذى كان على صلة بأخيها بعد أن ترك البيت .
- ان أردت أن تعرفى القصة بأكملها ، فعليك أن تسألى اخاك . .
كلماته هذه لا تعنى الا شيئا واحدا . أن ديفى . . العنيف والأحمق أغضب رونان بطريقة أو بأخرى وأشعل فى نفسه رغبة محرقة فى الأذى والتدمير . ولكن ما الذى فعله يا ترى فولد هذه الرغبة بالانتقام لدى رونان ؟
.

كان عليها أن تبدأ بالبحث عنه من جديد ، وتقتفى كل أثر له . ولكن لبحثها هذه المرة ، أهمية أكبر بكثير بعد أن أضيفت اليه تلك الرغبة الساحقة فى معرفة مدى تورطه مع رونان .
منحت نفسها أسبوعا ، لتضمد جراحها وتذرف الدموع التى أقسمت على ألا يراها الناس .
وعندما انتهى ذلك ، لملمت شتات نفسها ، واستجمعت قواها ، لتصنع درعا تحيط به نفسها قبل أن تواجه العالم مرة أخرى .
لكنها من البشر وتحتاج الى من يساندها ، ويساعدها فى محنتها . فاتصلت تليفونيا بأفضل صديقاتها ، قبل أن تخونها أعصابها كليا .
- هذه ، أنا ليلى ، أحمل لك خبرا سيئا للغاية .
كل ما كانت ترجوه هو ألا يتداول الناس الموضوع لوقت طويل .
لكن ذلك الأمل لم يتحقق ، فبالرغم من مضى أربعة أسابيع على عودتها الى العمل ، بقيت المدينة تضج بخبر الزواج الذى فشل .
- هذا ليس عدلا !
قالت ليلى هذا شاكية لصديقتها هانا التى مرت عليها فى الحانوت بعد انصرافها من المدرسة حيث تعطى دروسا فى التاريخ .
- كان من المفروض أن يحدث شئ آخر يشغل الناس عنى .
- ولكن شيئا لم يحدث ، وجاء سوء حظك من السماء ليتسلى به الناس ، ولا يمكنك أن تلوميهم ، لأن مدينة (( ادجيرتن )) لم تشهد عرسا مثل عرسك . وعليك أن تعرفى بأن رونان مختلف عن رجال المنطقة .

.


- هذا صحيح .
وتنهدت ليلى باكتئاب وهى تتذكر شعورها حين وقعت لأول مرة عيناها على قامته الطويلة ، وتقاطيع وجهه الرائعة ، وعينيه الزرقاوين الفولاذيتين وشعره القاتم اللامع .
- وبما أنك تعملين فى ميدان تصميم الأزهار . .
- ما هذه المبالغة ‍
ردت عليها ليلى ساخرة . . ربما بشكل أقوى مما كانت تقصد اذ حاولت أن تصرف ذهنها عن المجرى المؤلم الذى أخذته .
سألتها هانا مؤنبة :

(( وكم عدد النساء فى هذه المدينة اللاتى دخلن دنيا الأعمال ، واكتسبن فى مدة ست سنوات شهرة أحسن منسقات للأزهار . . آسفة ، بل مصممات أزهار ، فى المنطقة ؟ )) .
أخذت ليلى تتذكر بتعاسة . انها تعرفت على رونان من خلال عملها . فقد طلب منها تنسيق الأزهار لعرس الابنة الوحيدة لأحد الصناعيين الأثرياء .
وبصفته شريك (( فرانك هودغسن )) فى العمل كان رونان من بين المدعوين . وبعد أن عرفتهما والدة العروس على بعضهما البعض دعاها الى الرقص .
- كنت محظوظة لا غير .

.


فشخر صديقتها ساخرة : (( محظوظة ؟ ليس للحظ علاقة بهذا يا ليلى ؟ انها الموهبة والعزيمة والعمل الشاق . فعلى الرغم من فجيعتك بوالديك ، وأنت فى سن المراهقة شقيت طريقك لتصلى الى النجاح ، كما أنك ربيت ديفى أحسن تربية ، وان كان هناك من يستحق السعادة ، فهو أنت . . وكنت أظنك وجدت ذلك مع رونان )) .
وتغيرت ملامح هانا ، واستحال وجهها الباسم بطبيعته قاسيا عدائيا :
- ليتنى أستطيع الامساك به . .
فردت ليلى عليها بسرعة :

(( هانا . . أرجوك )) .
- قد تحدثنا عن قصة رونان مرات ومرات ، ولم نصل مع ذلك الى نتيجة .
فى الأسابيع القليلة الماضية ، تعلمت ليلى أن تتكيف مع ما حصل لها ، فالجراح التى سببها رونان لها كانت أكثر عمقا وتعذيبا من أن تلتئم . ولكنها شغلت نفسها فى عملها لتصرف ذهنها عن آلامها .
- لا أريد أن أتحدث عن الموضوع ، حتى أننى لا أريد التفكير . .
ولحسن الحظ ، قاطعهما فى تلك اللحظة طرق على الباب ، ثم أطلت (( هيثر )) مساعدتها قائلة :

(( ثمة زائر لك ، يا ليلى ، يقول ان الأمر شخصى )) .
وقفز قلب ليلى من مكانه .

.


أيعقل ذلك ؟ لم تعرف ما اذا كانت راجية أم خائفة . . ما الذى قد يساورها من مشاعر ان كان رونان ؟ ما الذى ستقوله له ؟ وبينما كانت تجاهد لاستجماع شئ من ضبط النفس ، صدمت وقد بدا زائرها على عتبة الباب .
لم يكن رونان . . كان شعر الزائر مشوبا بلون فضى وقد انسدل على كتفيه بشكل عشوائى غير منتظم أما عيناه فهما بنيتان داكنتان . بدت وجنتاه بارزتى العظام ، فانقبض قلبها حزنا عليه .
- ديفى !
كان آخر شخص توقعت أن تراه . وعبر صوتها عن مدى افتقادها له خلال الثلاث سنوات الماضية .
شعر ديفى بذلك ، فالتوى فمه وهو يقف بارتباك أمامها .
- مرحبا يا أختاه ، هل دهشت لرؤيتى ؟
كانت لهجة تنطوى على شئ من الغرور الممزوج بالتمرد .
- أدهشنى . . أواه ، يا ديفى !
نهضت واقفة ، واندفعت اليه مفتوحة الذراعين لتحتضنه مرحبة . ولم تستطع أن تمنع نفسها من الارتجاف وهى تشعر بنحول جسده الرقيق .
مهما كان العمل الذى قام به ديفى ، الا أنه بدا واضحا أنه لم يحرز النجاح الذى حلم به . . وقد خيل اليها أنه لم يذق الطعام منذ فترة طويلة .
- لقد غبت فترة طويلة ، أين كنت ؟ اشتقت اليك كثيرا .
- وأنا أيضا اشتقت اليك .
- حان الوقت لتعود يا فتى . كادت أختك تجن قلقا عليك ، أما كان ينبغى عليك أن تتصل بها من وقت لآخر لتخبرها بمكانك ؟
- كنت . . . مشغولا جدا . والوقت يمر بسرعة .
- كم يستغرق الاتصال التليفونى من الوقت ؟


- فقالت ليلى بسرعة :

.


(( هانا ، انه هنا الآن ، وهذا هو المهم ، هل ستبقى ، يا ديفى ؟ )) .
- ان كان ذلك ممكنا .
وفجأة ، نظر اليها مباشرة وقد ضاقت عيناه وقال :

(( سمعت أنك كنت تبحثين عنى ، هل من مشكلة ؟ )) .
- مشكلة ؟
لم يمنع عبوس ليلى هانا من الكلام :

(( هذا أقل ما يقال بشأن ما حصل )) .


ولأول مرة ، بدا الاهتمام على وجه ديفى : (( ماذا . . . ؟ )) .

فقالت ليلى بسرعة وهى تراه أشبه بحصان على وشك الجموح :

(( كنت أبحث عنك لأننى أردتك أن تحضر حفل زفافى )) .

آلمها كثيرا ان تقول ذلك . . فكل كلمة كانت أشبه بطعن سكين فى قلبها المحطم . وتابعت قائلة :

(( ولكن من حسن الحظ أنك لم تحضر لأن الأمور لم تتم بالشكل الذى كنت أريده )) .
قالت هانا ساخطة :
.


(( آه ، لو أستطيع أن أضع يدى على رونان غيرين )) .
- رونان غيرين !
جفل ديفى وكأنه لمس لتوه سلكا كهربائيا .
- هل وقعت فى براثن رونان غيرين ؟
- وهل تعرفه ؟
أرغمت ليلى نفسها على النطق بهذه الكلمات ازاء الذعر الذى تملك ديفى .
- ومن لا يعرف رونان غيرين ؟ فهو يملك xxxxا لا تحصى ، ويلقبونه ب ( المحيى ) لأنه يفتش دوما عن الأعمال المتداعية فيشتريها رخيصة ثم يحولها الى أعمال ناجحة . . فاذا شملك باهتمامه ، فأنت . . .
وسكت يحاول أن يعثر بالضبط على الكلمات المناسبة ، مما أثار توتر ليلى . . فأرغمت نفسها على سؤاله :

(( ماذا حدث ، يا ديفى ؟ )) .
- غيرين يلاحقنى . أنا . .
ونظر الى هانا التى فهمت الاشارة :

(( حان وقت انصرافى ، الى اللقاء ليلى )) .
ولم تكد ليلى تلحظ خروجها ، اذ كان اهتمامها مركزا على وجه ديفى الشاحب . . فتقدم وجثم على حافة المكتب ، وأخذ يهز ساقه متوترا . .
- ماذا حدث .

.

فقال وعيناه تتجنبان عينيها :

(( كنت أعمل ساقيا فى ناد ليلى وذات ليلة ، لم يأت المغنى ، فغنيت مكانه . وحدث أن رونان كان موجودا فى تلك الليلة فسمعنى أغنى . وأخبرنى لاحقا عن مدى استمتاعه بأدائى وسألنى ان كنت أنوى امتهان الغناء . وعندما قلت له ان ذلك هو حلمى ، قال انه قد يساعدنى لكنه يريد أن يتأكد أولا من أنه لن يضيع وقته سدى . وعاد فى الليلة التالية مع مساعد له فى العمل . . وهو صاحب محل تسجيل . . وأخذ يتحدث معى عن عقد للتسجيل )) .
- هذا رائع !
ولكن الكلمات تلاشت على لسان ليلى عندما رفع ديفى رأسه ورمقها بنظرة مظلمة .
- أتظنين ذلك ؟ هذا ما اعتقدته حينذاك . شعرت بنفسى أطير فوق السحاب .
ورفع كتفيه النحيلتين نابذا تلك الأفكار الحمقاء الساذجة .
- ولكن سعادتى لم تدم .
- ما الذى أفسد الأمور ؟
أبعد ديفى خصلات شعره المتهدل عن وجهه بيد مرتجفة ، وتنهد بعمق . ثم حول عينيه عن الاهتمام البادى فى عينيها :

(( أنا من تغير وأفسد تلك الفرصة الكبرى )) .
- أخبرنى يا ديفى .
- اسمعى يا ليلى ، لم تكن هذه أول فرصة لى فى مجال تسجيل الاسطوانات . عندما وصلت فى البداية الى لندن ، قابلت رجلا ، ووقعت معه عقدا . ولكنه كان يأخذ الأرباح كلها . ولم يمض وقتا طويلا حتى أدركت أنهم تملكونى لبقية حياتى ، فخطر لى أن أهرب . . وبالفعل نقضت العقد ، وتركت كل شئ ، حتى أننى غيرت اسمى وانتهى بى الأمر بالعمل كساق .
ولوى فمه بضحكة ساخرة :

.


(( الا أنه لم يعد بوسعى عقد اى اتفاقيات أخرى ، ولكن أدهشنى رونان غيرين عندما عرض على أن يخلصنى من العقد القديم مقابل مبلغ من المال يدفعه للطرف الآخر . . انما بثمن )) .

عندما سمع صرخة ليلى الذاهلة ، أومأ لاويا شفتيه :

(( نعم . . لقد ذهلت مثلك تماما . . لكن شريكه أوضح أن مهنتى فى الغناء تصلح للاستثمار ، وجل ما يهم غيرين هو المال . . المال وليس الموسيقى . فكنت بالنسبة اليه مشروع عمل فاشل يريد احياءه )) .
وبدت لها لمحة من ديفى القديم عندما رفع رأسه ومنحها ابتسامة صغيرة متغطرسة .
- كان يؤمن ، استنادا الى مرجع خبير ، أننى مغن جيد . ولكنه أصر على توقيع عقود قانونية لا يمكن دحضها . . أواه يا أختى ، ليتك تعرفين مدى النجاح الذى حققته بعد ذلك . .

- ولكننى لم أسمع عنك شيئا .
- آه ، لم أكن قد بلغت الذروة بعد ، اذ كان على أن أبدأ أولا فى اكتساب بعض الشهرة فى النوادى فى جنوب البلاد . ولكننى . . فقدت صوابى قليلا . . فصعدت مرة الى المسرح ثملا . . فثار غضب رونان ، لأنه انفق على مالا كثيرا . ومما زاد الطين بلة اننى حطمت السيارة وأصبح المحرك طعمة للنار . ومع أننى كنت قد وعدته بأن أسجلها فى شركة تأمين ، لم أقم بذلك .
- آه ، يا ديفى .
- أعلم هذا .
وعبس للهجة التوبيخ فى صوتها وتابع وهو يتجنب نظراتها .
- أعلم أننى كنت معتوها تماما ، ولكن رونان أوثقنى بتلك العقود القانونية ، فلجأت الى الطريقة السابقة . . وهربت ، وتخلصت من كل شئ . الا أنى ، قانونيا ، محكوم بالعقد الذى بينى وبين رونان غيرين وهو يلاحقنى الآن بتهمة نقض الاتفاقية . . كما أنه أقام على دعوى للمطالبة بفوائد القرض الذى منحنى اياه بنسبة فاحشة . . انه يعلم جيدا أننى لا أستطيع تسديد ديونه ، مع ذلك لم يكف عن ملاحقتى ، بطلب دمى .

.

- ارتجفت ليلى وهى تفكر فى حقد رونان الذى لا يعرف الصفح . . ولو أنها لم تختبر ذلك بنفسها ، لظنت أن ديفى يبالغ فى كلامه . . لكن ذكرى قسوته فى انهاء زواجهما ، لم يدع لها مجالا للشك فى كلام ديفى .
- كان يتوقع أن يجنى من ورائى ثروة كبيرة ، فاذا بى أجعله يخسر الكثير من المال . . لقد خذلته فصمم على أن يجعلنى أدفع ثمن ذلك .
فقالت بلهفة :



(( ولكن ، لو تحدثت معه ، واعتذرت اليه ، لاصطلحت الأمور . لقد آمن بموهبتك وان قلت له بأنك كنت أحمق وأنك من الآن فصاعدا ستجد فى العمل وتعيد اليه كل فلس دفعه . . ألن يصغى اليك ؟ )) .
كان فى ارتعاش ملامح ديفى جواب كاف . واستحال وجهه الشاحب الى وجه رمادى اللون لمجرد التفكير فى جوابها هذا .
- الأمر أكبر من ذلك بكثير ، يا ليلى . . لن يمكننى أبدا تعويض ما فقده ، وأنا لا أجرؤ على مواجهته . انه يريد الانتقام ولا يرضيه غير ذلك .
الانتقام ، وبعثت هذه الكلمة مذاقا كريها لاذعا فى فمها جعلها تشعر بالغثيان . هل كان تودد رونان اليها مجرد جزء من انتقامه من أخيها ؟ وهل مهزلة زواجهما مناورة ليستغل مشاعرها فى سبيل النهاية القاسية ؟
أكان ذلك كله لأجل ( المال ) فقط ؟ وهل دوافع رونان وضيعة الى حد القيام بكل هذه الأمور . رغم أن المبلغ الذى يديت غيرين له كبير ، الا أنها لم تصدق أن رونان قد ينحط الى هذا المستوى .
تذكر ديفى أخيرا ، السبب الذى دفعهما الى هذا الحديث ، فسألها :
- ولكن ما قصتكما ، أنت ورونان غيرين ؟ قالت صديقتك . . .
- آه ، لا تهتم بكلام هانا
قاطعته بسرعة اذ يكفى ما لديه من هموم .

.

- لا تفكر فى الموضوع .
بعد أن رأت الارتياح على وجهه ، وقد استرخى فى مقعده ، سرها أن تخفى عنه الحقيقة مع ما فى ذلك من ضغط على أعصابها . وقال فجأه :



(( ما أجمل أن اراك مرة أخرى ، يا ليلى ! لم اعرف مكانا آخر اذهب اليه . لكننى كنت أعلم أنك سترحبين بى وتعتنين بى كما فعلت دوما . هل يمكننى البقاء معك فترة ، يا ليلى ؟ )) .
انقبض قلبها بمزيج من المرارة والحلاوة ، السرور والتوتر ، الخوف والتوجس . . منذ مدة طويلة وهى تحلم بعودة ديفى الى البيت مرددا لها هذه الكلمات . . كانت أحيانا تخشى ألا يعود قط . .لكنه الآن هنا . . معها .
وحده التفكير فى رونان وتأثيره المهلك عليها وعلى أخيها ، ألقى ظلالا سوداء على سعادتها .
- أرجوك يا أختى .
.

واذ أدركت فجأه أنها عابسة ، وأنه فسر عبوسها هذا بكرهها لعودته الى حياتها . . وهذا آخر ما تريده ، قالت بابتسامة مرغمة :

(( يمكنك أن تبقى بقدر ما تشاء ، يا عزيزى )) .
وجاهدت فى نبذ رونان عن ذهنها ، لأنها لا تريده أن يفسد سعادتها بعودة ديفى .
- سأحضر معطفى ونذهب معا ، سأخرج اليوم باكرا وأدع الموظفين يغلقون المحل . . هيا بنا الى البيت !

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 
 

 

عرض البوم صور Eman   رد مع اقتباس
قديم 05-12-08, 08:28 PM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري
عاشقة ليلاس



البيانات
التسجيل: Jun 2006
العضوية: 7104
المشاركات: 38,874
الجنس أنثى
معدل التقييم: Eman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 25417

االدولة
البلدUnited_States
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
Eman غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : Eman المنتدى : روايات احلام
افتراضي

 

الفصل الرابع

4- أحميك من نفسى

.

- هيا بنا الى البيت .
أخذت ليلى تقتلع الأعشاب الطفيلية بعنف لا مبرر له وتلك الكلمة التى قالتها ل ( ديفى ) تتردد فى ذهنها بعد ذلك بيومين .
لم يكن هذا بيتها . . ومع أنه أصبح ملكها قانونيا بعد أن أرسل لها رونان الأوراق التى تثبت ذلك ، لا يمكنها أن تعتبره بيتها بأى شكل من الأشكال .
ولو كان لها الخيار ، لما رضيت بالبقاء هنا . . فالمكان حافل بالذكريات المرة . . وكل ركن فيه يذكرها بتلك الساعات القليلة التى أمضتها مع رونان . .
كانت عاجزة عن نسيان كل لحظة فى تلك الليلة التى أمضياها هناك ، فى غرفة الجلوس أو فى المطبخ الفسيح يتناولان الطعام . .
لكنها بعد زواجها تخلت عن شقتها الصغيرة فى المدينة ، ولم يعد لديها مكان آخر تذهب اليه . فاما أن تبقى فى هذا البيت ، أو تمكث مع هانا .
لم يكن لدى ديفى أدنى فكرة عن الموضوع . فقد اعتقد أن البيت ملك لها ، وقد أعجب جدا بحجمه وأناقته عندما أحضرته اليه للمرة الأولى .

وصرخ هاتفا :




(( ما هذا ، يا أختاه ؟ يا له من منزل . لم أظن قط أن بيع الزهور مربح الى هذا الحد )) .

فقالت بشئ من الحدة :

.







(( هذا ليس من بيع الزهور . صحيح أن الحانوت أفضل من تلك المنصة فى السوق ولكنه مستأجر ، لم أبدأ بكسب الأرباح الا بعد أن دفعت النفقات والأجور كافة . . ولو أننى لم أبرع فى ميدان تنسيق الأزهار لأفلست . . )) .





- هل تجنين ما يكفى لتسديد ديون رونان غيرين ؟




سألها هذا مترددا ، متوقعا منها أن تهز رأسها نفيا ، ولكنها أجابته مشجعة :




(( سنحاول ذلك ، أنا واثقة من أنه سيقبل أن ندفع له المبلغ على أقساط )) .




- أظن أن الآوان قد فات !




- لم يفت شئ بعد .

.






بقيت هذه الكلمات تتردد فى ذهنها وكأنها تعنفها ، فتمنت لو أنها لم تقلها . فكيف لها أن تخبر ديفى أن الوقت قد فات حقا ، وأن رونان بدأ بتنفيذ خطته الانتقامية . ما الذى سيشعر به ان علم بأن عدوه مصمم على أن يسترجع منه أكثر مما يدين له من مال ؟ .





- أظنك اقتلعت كل الأعشاب الطفيلية . . الا ان كنت ، تنوين متابعة الحفر حتى تصلى الى استراليا . . أو لعلك تتمنين أن تحفرى قبرى .





كان هذا آخر صوت ( تريد ) سماعه . أو على الأقل هذا ما حدثها به عقلها . ولكن كل هذه الأفكار المنطقية لم تمنع قلبها من أن يثب من موضعه ، وأن تتحول خفقات قلبها الى رعد وأن يدور رأسها مسببا لها الغثيان والسبب سماعها ذلك الصوت المألوف خلفها .





لا يا الهى ، لا تجعل هذا حقيقيا . . أرجوك يا الهى ليته مجرد وهم . . ليتها مجرد تصورات وليدة الخوف ، من أن يعود رونان ويجد أن ديفى عاد الى (( ادجيرتن ؟ )) .





لكنها كانت كالغريق الذى يتشبث بقشة ، وهو يعرف ذلك جيدا . كيف لها أن تخطئ ذلك الصوت العميق المثقل بالسخرية والهزل ؟





.






أخذت نفسا عميقا وعيناها مسمرتان على حوض الزهور أمامها ، وقد أدركت أن رونان محق اذ اقتلعت الأعشاب الطفيلية كلها ، وأوشكت أن تقتلع الأزهار نفسها ، أيضا . . فتركيز ذهنها على أمر تافه كهذا ألهاها عن التفكير بالألم الذى كان يترصدها ، لحظة تستدير فيها لتواجه الرجل الواقف خلفها .





- مرحبا يا رونان .




قالت ذلك بحذر وبصوت خال من المشاعر . كان الوحل يغطى يديها فأخذت تمسحهما ببنطلونها الجينز .




- لم أكن أتوقع رؤيتك مرة أخرى . ما الذى جاء بك الى (( يوركشاير ؟ )) .




- الأعمال ، وأمور أخرى .




بدا عليه الارتباك وكأنما ردة فعلها لمجيئه خذلته . . فارتسمت على شفتيها ابتسامة صغيرة لهذه الفكرة . . ان كان يتوقع منها الصراخ والصياح ، أو الانفجار فى بكاء هستيرى لمرآه ، فسيصاب بخيبة أمل مرة . . لقد حاولت ذلك فى صبيحة زفافهما ولم تنجح .




- الأعمال ؟

.






- ثمة xxxxات معروضة للبيع فى (( ليدز )) ، فجئت لرؤيتها .




كان رونان يعلم فى قرارة نفسه أن هذا جزء من الحقيقة . اذ كان بامكانه ، أن يزور (( ليدز )) فى يوم واحد أو يرسل أحد موظفيه لينوب عنه .




انتظر عدة أسابيع حتى وجد عذرا كهذا ليأتى الى الشمال . فمنذ أن ترك مدينة (( اجبرتن )) ونفض غبار هذا البلد عن حذائه ، أدرك أن من الصعب عليه التخلى عن زوجته ليلى غيرين .




فمن ذلك الحين وهى تشغل باله . ولم يكن لذلك تفسير فوجهها يتراءى له كل صباح من خلف عينيه المغمضتين . وصورتها لا تفارق خياله ، ومهما حاول التفكير فى شئ آخر تبقى فى ذهنه .




والأسوأ من ذلك أنها أيضا آخر ما يأتى الى ذهنه قبل النوم ليليا اذ تنسل الى أفكاره وتوقظ فيه جوعا يطرد النوم من عينيه ويتململ ساعات فى فراشه . وعندما يستسلم الى نوم خفيف ، تراوده أحلام تجعله يستيقظ لاهثا شوقا اليها بينما قلبه يخفق بين ضلوعه وأعصابه تحترق . .




لم يستطع أن يبعدها عن ذهنه . . حتى أرغم نفسه فى نهاية المطاف على الاعتراف بحاجته لرؤيتها ولو لمرة واحده . ربما يتمكن عند ذلك من اقناع نفسه بأنها لا تختلف عن سواها ، وأن تلك الليلة المميزة التى أمضياها معا قد خلقت منها ، فى ذهنه ، أسطورة رائعة لا تمت للمرأة الحقيقية بصلة .




كم حاول أن يقاوم تلك الفكرة ، كارها أن يرى نفسه ، هو الرجل العقلانى ، قد أصبح أسير رغباته . لكنه ، أدرك أخيرا ، أن ليس أمامه سوى الاستسلام .




وعاد يقول لها :




_(( خطر لى أنها فرصة ملائمة لأزور فيها زوجتى العزيزة وأسألها عن أحوالها )) .

.






أرغمت ليلى نفسها على ألا تجفل ازاء تهكمه الأسود بقوله ( زوجتى العزيزة ) ، واستدارت ببطء لتواجهه ، وقد سمرت عينيها على بقعة ما خلف كتفه اليمنى متجاهلة النظر اليه . . فهى مازالت عاجزة عن مواجهة نظراته . .




قالت أخيرا بلهجة رسمية :



_ (( حسبتك ترفض أن ترانى مرة أخرى )) .






فأجابها بخشونة :




_(( كنت أفضل ألا أراك ثانية أبدا لولا أننى أريد الآن أمرا مختلفا تماما )) .




كان كلامه مبهما فلم تفهم ما يعنيه . فلو فسرته على طريقتها ، لما كان تناسب مع سلوك رونان ، ومع كل ما علمته من صفاته منذ اللحظة التى وضع فيها خاتم الزواج فى اصبعها .




- حسنا ، اننى بخير كما ترى . . ويمكنك الآن العودة الى سيارتك ومتابعة طريقك .

.






ما الذى ستشعر به ان فعل ذلك ؟ حاولت أن توهم نفسها بأن هذا ما تريده ، متمنية لو انه لم يأت قط ، اذ لوث وجوده جو بيتها . . ولكنها ، فى أعماقها ، كانت




تعلم أن هذا غير صحيح . .

وجدت نفسها ضحية معركة متوحشة لاخفاء مبلغ تأثيره عليها . .






وكيف لها ذلك وكيانها متعطش لرؤيته وسماع صوته ، حتى أنها كانت تتحرق شوقا اليه خلال تلك الأسابيع التى غاب فيها عنها ؟ فما ان وقعت عيناها عليه حتى أدركت كم كانت حياتها فارغة من دونه .





ليس عدلا أن يتمتع بهذه الجاذبية المهلكة ، فعيناه الزرقاوان الفضيتان الفولاذيتان ، وقامته الطويلة القوية ، وشعره الامع الرائع ، كل هذا أثار فيها مشاعر أشبه ببركان متفجر .




وكان يفيض بملابسه العادية التى كانت عبارة عن بذله كحلية فضفاضة ايطالية الطراز وقميص رياضى ، رجولة وجاذبية مدمرة . . فلم يكن أمام ليلى سوى الاعتراف بأن كراهيتها له لم تمنحها المناعة الكافية ضد تلك الجاذبية .




وبالرغم من أنه أمضى ساعات طويلة خلف عجلة القيادة بقيت ملابسه أنيقة ، وشعرت بنفسها رثة الملابس أمامه ، ببنطلونها الجينز الكالح اللون وقميصها الأزرق المقفل المنقوش بأزها باهتة اللون .

وازداد ذلك الشعور سوءا وقد وقف رونان عاقدا ذراعيه فوق صدره ، مخضعا اياها لفحص شامل من قمة رأسها الى حذائها الملطخ بالوحل .

ثم قال لها :
.







_(( لقد لطخت خدك بالوحل )) .





كانت السخرية فى صوت رونان أكثر مما يمكنها احتماله وازداد الغليان فى أفكارها وهو يتقدم خطوة نحوها مادا يده اليها.




- لا !




وأجفلت مرتدة بحدة الى الخلف بحركة غريزية ، وقد مدت يديها الى الأمام بشكل دفاعى . . فان تركته يلمسها ، فستتناثر حطاما أشبه بشظايا كأس بلورية .




- أردت فقط أن أقدم لك هذه .




قال هذه الكلمات الباردة المقتضبة محاولا أن يخمد بها نيران غضبه ، بينما أصبح المنديل الأبيض الذى كان يحمله فى يده ، على وجهها فعلا .




- لا حاجة لأن تجفلي وكأن حية سامة تريد أن تلدغك . . ما كنت لأؤذيك أبدا .




ربما ليس جسديا . . اذ رغم قوته البالغة وقامته الفارغة ، لم تشعر قط بخوف فى حضوره ، كما لم تتصوره يوما قادرا على ايذاء شخص أضعف منه . . وحده التأثير العاطفى الذى يتركه عليها يخيفها .




- حسنا ، ألن تقدمى شرابا لزوجك ؟




أرادت أن تقول له :




(( مستحيل ! )) .

.







أرادت أن تخرجه من هنا نهائيا قبل أن يعود ديفى ، ولكنها لم تشأ أن يستنتج رونان أن ثمة ما تريد أن تخفيه عنه ان أبدت اللهفة للخلاص منه .




كان ديفى قد قصد المدينة عصر هذا اليوم فى سيارتها بعد أن أخبرها بألا تتوقع عودته قبل وقت الشاى ، وحسب خبرتها به ، لن يعود قبل السابعة .




- أرغب بفنجان قهوة ، فقد أمضيت ساعات طويلة على الطريق .




- فنجان قهوة . .




تمتمت هذه الكلمات وهى تتبعه صاعدة الدرجات متوجهة الى المطبخ .




لم تهتم بما اذا كانت تبدو قاسية القلب ، فهذا ما تشعر به فى الواقع ، عليها أن تقاوم اصرار ذهنها على أن تتناسب خطواتها مع خطواته أثناء السير . فقد كان من المستحيل ألا تتذكر ، بألم ، آخر مرة سارا فيها جنبا الى جنب فى ممر الكنيسة بعد انتهاء عقد مهزلة زواجهما الأسود .




- أعترف بأننى لم أتخيلك تحسنين العمل فى البستان .




أذهلتها لهجتة المسترخية للغاية . . كيف يمكنه أن يتصرف على هذا النحو ؟ كيف يمكنه أن يثرثر معها وكأنهما مجرد صديقين ؟ أو شخصين لم يتقابلا أكثر من مرة واحدة من قبل ؟



ألا يشعر مثلها بغصة فى قلبه لمجرد رؤيتها ؟ ألا يعى ذلك الصراع الذى يمزقها بين الكراهية المحرقة له التى تجعلها تتمناه بعيدا عنها مليون ميلا ، وبين الحنين والشوق اللذين يجعلانها تريده هنا بجانبها الى الأبد ؟

- لا أتصورك تلوثين تلك الأصابع الطويلة الرقيقة فى الوحل .



حثها كلامه على النظر الى يديها ، فلمح خاتم الزواج الذهبى تحت أشعة الشمس مثيرا فى نفسها شعورا كريها وكأن سكينا أغمدت فى قلبها .




- كما أننى لم ارك قط . .




فقاطعته بحدة :

.






_(( انك لم ترانى على الاطلاق والا لما . . )) .






وتوقفت عن الكلام ، وهى تصر على أسنانها حتى لا تنفجر فى وجهه . .





فمهما كانت رغبتها قوية فى أن تصيح وتقذف آلامها ولومها فى وجه ذلك المتعجرف الأسود الشعر ذى الوجه البارد الجامد فلن تفعل ذلك . لأنها لم تشأ أن يستمتع بالشماتة بها لما أحدثه انتقامه الوحشى ذاك .





لكن رونان لم يكن مستعدا ليتجاوز ما كانت ستقوله ، فسألها بسرعة :





- أتعنين أننى لما كنت تزوجتك ؟





فأجابت بسرعة :





(( عنيت أنك ما كنت لتدهش عند رؤيتى أعمل فى الحديقة . . لو عرفتنى بشكل كاف لعلمت أن أبى كان يملك بستانا صغيرا ، وقد ورثت عنه الاهتمام بالعمل فى البستان )) .





.






بذلت جهدا لتغير مجرى الحديث حتى تتجنب تكرار الحديث عما حدث بينهما ، فقد أرادت أن تسايره فى ثرثرته العفوية ، من دون الافصاح عن شعورها الحقيقى .





- اننى أعشق تنمية الأزهار والشجيرات ، وتمهيد التربة والزراعة والسقى والتشذيب ان اقتضى الأمر . وأظن أن المتعة التى يمنحها هذا العمل أشبه بالمتعة التى تشعر بها الأم عند رعاية الطفل .




- وهل سترعين الطفل بهذه الطريقة ؟ عندما تصبحين أما ، هل . . . ؟




- آه ، لا . . لا يمكنك أبدا أن تتمكن من السيطرة على الطفل بالطريقة نفسها .




كشف ردها العنيف هذا عن مبلغ الضيق التى تشعر به .





- كل ما يمكنك أن تفعله هو أن ترعاه وتمنحه حبك ، ثم تدعه يذهب . . عليك أن تعلمه الفرق بين الخير والشر ، وأن تطلق فى النهاية سراحه ليشق طريقة فى الحياة . .

.







وعندما وصلا الى المطبخ سألها :




_ (( وهل ستتمكنين من القيام بذلك ؟




ماذا لو أحسست بأنه لم يتعلم الفرق بين الخير والشر ، كما كنت ترجين ؟ )) .




وبدت نبرة غريبة فى صوته وهو يتابع :




_ (( ان كان الأب ، مثلا . . . )) .





واستدارت ليلى بينما كانت تملأ ابريق الشاى ماء وهى تقول :




_(( ما هذا يا رونان ؟ أتحاول أن تعرف ما اذا تركتنى حاملا عندما هجرتنى ؟ حسنا ، لا داعى للقلق ، فلم تثمر تلك الليلة عن أي نتائج غير مرغوب فيها ، وان لم تخنى ذاكرتى فقد حرصت على ألا يحصل ذلك ، وقد أعربت عن رغبتك بعبارات مختلفة كليا )) .

.







- أردت أن أحميك وأحمى نفسى .



قال ذلك بحدة أثارت فى قلب ليلى شعورا بالانتصار لأنها رأت تلك الملامح الهادئة الواثقه قد تبدلت . . ولعل التفكير فى أن كلماتها أصابته فى الصميم ، هون بعض الشئ من آلام ذكرياتها . وسألته :

_ (( وما الذى كنت تحمينى منه بالضبط ؟ )) .




ولكنها ندمت على طرحها هذا السؤال . . لم تكن تريد أن تعرف الجواب ، أو أن تسمع منه أنه لم يكن يرغب فيها على الاطلاق .




وتابعت تقول :




(( أذكر أننى قلت لك انه لا داعى للوقاية ؟ فقد حسبت أننى تزوجت الرجل الذى أحببته وأحبنى )) .




.





فسألها بحدة :




(( وماذا لو تركتك حاملا وأصبحت أنا أبا لطفل لا نريده ، نحن الاثنين ؟ )) .





هذا غير صحيح !

صرخ صوت ضئيل فى أعماق ليلى . . فبالرغم من كل شئ كانت تريد انجاب طفل منه .

لكن الاعتراف بذلك له سيكون قمة الحماقة ، اذ سيدرك مدى عمق مشاعرها نحوه ، و مبلغ الدمار الذى ألحقه بها عندما هجرها .
ولكنها عادت ، لتتساءل عما اذا كان هذا صحيحا . فقد دمرت قسوة رونان البالغة مشاعرها نحوه ، وحولت حبها له الى حطام وسببت لها جروحا لن تلتئم طوال حياتها .
- لماذا لم تستمر بالأمر اذن الى النهاية ؟ هل فقدت السيطرة على أعصابك ؟
فقطب رونان بارتباك :
.






_ (( فقدت السيطرة على أعصابى ؟ )) .





- لو تركتنى حاملا لاكتمل انتقامك من ديفى ، أليس كذلك ؟ فتتركنى حينها مرتبطة بمن يذكرني بك بقية حياتي . . لماذا لم تفعل هذا ؟ هل أردت أن تثبت لى أن فى قلبك رحمة ؟ هل تدعى بأن لجنون الانتقام حدودا ؟

- صدقى أو لا تصدقى ، فهذه هى الحقيقة .

بدا لها وكأن الكلمات تخرج من بين شفتيه مجرورة بكماشة حارة متجمرة ، بينما عيناه الفولاذيتان كانتا تنضحان بمشاعر لم تستطع تفسيرها ، لكن تعابير وجهه دفعتها الى القول بطيش :






_ (( على كل حال ، ان لم ترغب المرأة بأن تتم شهور الحمل يمكنها أن تجهض ، وكان بامكانى أن أتخلص بسهولة من . . هديتك الصغيرة التى قد تركتها لى )) .




دفعت هذه الكلمات رونان الى التأمل مليا ، فان لم يكن حذرا ، فسيجد نفسه يعطف عليها وينقاد الى طريق خطرة . ولكن ، ما ان بدأ يتساءل عما اذا كان قد أخطأ بحقها حتى نطقت بهذه الكلمات كبرهان على أنها أخت ديفى تماما .

.







وسألها من دون أن يزعج نفسه باخفاء الاشمئزاز من صوته :




_ (( هل كنت ستفعلين ذلك ؟ هل كنت . . . )) .




طبعا ما كانت لتفكر قط فى الاجهاض ، لكنه ظن أنها قد تفعل . . وكان فى الصدمة التى بدت على وجه ما جعلها تشعر بالارتياح .




- لحسن حظك أن هذا السؤال لم يعد ضروريا . وأظن أن الفضل يعود لك . .

- لست . .

كان على وشك اضافة شئ آخر ، لكن ليلى لم تترك له فرصة لذلك ، اذ ملأت فنجانا من القهوة ووضعته أمامه بعنف على المائدة قائلة :






(( القهوة التى طلبتها يا سيدى ! وسأكون شاكرة . . . )) .

.






وتعمدت أن تجعل لهجتها لاذعة وهى تكمل :




_ (( . . ان شربت قهوتك بسرعة وذهبت فى الحال )) .




تجاهل فنجان القهوة ، وأمسك بيدها يرفعها :




-(( أما زلت تلبسين خاتم زواجك ؟ )) .




- ولم لا ؟

وانتزعت يدها منه وكأن نارا لسعتها ، وأضافت :






_(( ما زلت زوجتك فى نظر القانون على الأقل ! )) .




فقال يذكرها بصراحة قاسية :

.







_ (( القانون فقط . ولكن من السهل التخلص من ذلك كما هى الحال بالنسبة الى طفل غير مرغوب فيه )) .





وتلقى شهقة الصدمة التى صدرت عنها بابتسامة صغيرة متجهمة ورفع فنجان القهوة ، وعيناها تراقبانها بامعان من فوق حافة الفنجان .




- هل من أخبار عن ديفى ؟




أفقدها تغيير الموضوع اتزانها وساورها الشك فى تعمده نطق كلماته بهذا الشكل . وقالت متوترة :




_ (( د . . ديفى ؟ لا ، لا شئ . انه . . )) .




ولكن للحظة قصيرة ، اتجهت عيناها نحو الباب من دون أن تتمكن من السيطرة عليهما ، ففضحت سرها . عندها ، وضع رونان فنجان القهوة على المائدة بعنف ، فاندلق السائل البنى الساخن فى كل اتجاه .

- انه هنا ، أليس كذلك ؟

والتهبت عيناها الذهبيتان المصعوقتان وهو يضيف :






_(( أخوك المجرم هنا ، أين يختبئ ؟ فى الطابق العلو ؟ )) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ

 
 

 

عرض البوم صور Eman   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أحلام, احلام, بقايا ليل, harlequin, دار الفراشة, kate walker, love, love story, روايات, روايات مترجمة, روايات رومانسية, روايات رومانسية مترجمة, wife for the day, هيرلكوين, قصص, قصص حب, قصص رومانسية, قصص عاطفية, كيت والكر
facebook



جديد مواضيع قسم روايات احلام
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 08:49 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية