لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات احلام > روايات احلام > روايات احلام المكتوبة
التسجيل مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات احلام المكتوبة روايات احلام المكتوبة


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-09-08, 03:10 PM   المشاركة رقم: 6
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Mar 2008
العضوية: 66854
المشاركات: 2,022
الجنس أنثى
معدل التقييم: safsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 585

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
safsaf313 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : safsaf313 المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

هذا العبء ! وقعت الكلمة على رأسها كالصاعقة ما جعلها تقف وهي تحمل طفلها المولود حديثاً بين ذراعيها قائلة بنبرة متوترة : بنجي سيبقى معي .
من خلال الجدران المتقاربة كانت تسمع باستمرار صوت الموسيقى المرتفع . لا أحد من السكان يجرؤ على الشكوى فذلك الرجل في الشقة المجاورة شرير ومتسلط الطباع والجميع يعرف هذا على أي حال من المحتمل أن يمل مما يسمعه فيوقف هذه الموسيقى المزعجة إلا أن هذا كان يحصل مع ساعات الصباح الأولى فلا عجب إن كان بنجي لا يستطيع النوم جيداً خلال الليل .
ومع أن الساعة قد تجاوزت الثامنة مساءاً فماغي تدرك أن من الصعب أن تحمله على النوم لذا تركته يلهو بألعابه ها هو جالس في سريره القماشي بالقرب منها وهو يبدو سعيداً وهو يضع الحلقات البلاستيكية في مكانها على المخروط المخصص لها بحيث يهتف جذلاً حين يضع كلاً منها في مكانها المخصص يا لها من لعبة جيدة ! كم سرت ماغي حين وجدتها في أحد المحلات التي تقدم المساعدات الخيرية ألعاب بنجي وثيابه بالإضافة إلى ثيابها أيضاً ومجمل ممتلكاتها هي من الأسواق الخيرية ومؤسسات الإحسان .
فيما هي تلعب معه محاولة تجاهل الموسيقى الصاخبة راح ذهنها يدور ويدور وهي تفكر بذلك اللقاء الصباحي غير المتوقع والخارج عن المألوف .
هل حدث ذلك حقاً ؟ ذلك الرجل الذي يبدو صورة مثالية عن المليونير الذي تحلم به كل امرأة هل عرض عليها حقاً أن تتزوجه لمدة ستة أشهر مقابل مائة ألف جنيه ؟ ذلك هو الجنون بعينه ولا يمكن أن يكون قد حصل ..
طرقة على بابها جعلتها تجفل من سريره تطلع بنجي بتساؤل حوله عادت الطرقة مرة أخرى …
_ الآنسة جونز ؟
بدا الصوت مكتوماً وبالكاد تمكنت من سماعه بوجود ذلك الصخب الآتي من الشقة المجاورة أيكون هذا مالك المبنى ؟ من عادته أن يقوم بجولة من حين لآخر ليتفقد ملكيته فهو يجني مبلغاً مادياً جيداً من هذا المبنى ونجح في التهرب من الضرائب مشت نحو الباب باحتراس شديد لقد أضافت بنفسها سلسة حديدية من الداخل إلى قفل الباب فهي لا تشعر بالأمان في هذا المكان الذي يقطنه أمثالها من الفقراء .
ألقت ثقلها على الباب وفتحته قليلاً مبقية السلسلة مكانها استعداداً لدفعه بجسمها و اقفاله عند الحاجة إلى ذلك .
_ نعم ؟
_ أنا رافايللو دي فيسنتى تكلمنا معاً هذا الصباح أرجوك كوني لطيفة معي ودعيني أدخل .

 
 

 

عرض البوم صور safsaf313   رد مع اقتباس
قديم 13-09-08, 03:12 PM   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Mar 2008
العضوية: 66854
المشاركات: 2,022
الجنس أنثى
معدل التقييم: safsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 585

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
safsaf313 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : safsaf313 المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

2_ معاً فوق السحاب

ذهولها التام هو ما دفعها لتطيعه ما إن فتحت الباب حتى شعر رافايللو بارتياب مفاجئ هل يمكنه المضي بذلك حقاً ؟ هل يمكنه أن يتزوج هذه .. هذه .. راح يبحث عن الكلمة المناسبة نعم هذه الخادمة ؟ أيفعل ذلك مهما كانت الأسباب ؟ رؤيتها مرة أخرى جعلته يدرك حالة الفاقة المزرية التي تعيشها كانت ماغي ترتدي قميصاً متهدلاً وبنطلون واسع أما شعرها البني فمضموماً إلى الوراء برباط مطاطياً وقد بدا وجهه نحيلاً وأحاطت هالات سوداء في عينيها باختصار يمكنه القول أنها أقل النساء جاذبية ممن وقعت عليهن عيناه على الإطلاق .منتديات ليلاس
حسناً ! هذا ما يجعل منها مناسبة لتلك المهمة إنها النقيض لأماندا خياره الأول و الآن بدلاً من أن يصطحب معه إلى المنزل فتاة فائقة الجاذبية فارغة الرأس سوف يصطحب هذه المرأة القبيحة مع طفلها ! قد يكون ذلك أفضل بكثير إن لم يكن الأفضل على الإطلاق بالإضافة إلى ذلك فإن هذه المرأة هي بالتأكيد أكثر عوزاً للمال من أماندا خطرت له هذه الفكرة ما إن ألقى نظرة على هذا المكان السيء الذي تعيش فيه . أخيراً استقرت عيناه على الطفل الذي يجلس في سريره وينظر إليه بعينين متسعتين ذات لون بني كلون الشوكولا .
_ ماذا .. ماذا تفعل هنا ؟ وكيف .. كيف عرفت أين أسكن ؟
تمتمت الفتاة بتلك الكلمات متلعثمة وبدا واضحاً أنها في حالة من الصدمة سار رافايللو إلى الداخل وأغلق الباب خلفه فتراجعت ماغي إلى الوراء لتحول بينه وبين طفلها .
قطب رافايللو جبينه يا إلهي هل تظن أنه قد يسبب الأذى لابنها ؟
قال لها بنبرة جافة : لا داعي لان تصابي بالذعر آنسة جونز أخذت عنوانك من وكالة الاستخدام التي تعملين لديها هذا كل ما في الأمر وانتظرت طيلة النهار لآتي وأتحدث إليك ثانية لكنك لم تأتي إلى هنا إلا منذ وقت قصير أين كنت طيلة الوقت ؟
لقد جعل الأمر يبدوا وكأنها تغيبت عن المنزل دون مبرر .
قالت ماغي بنبرة مستسلمة : كنت في الخارج .
وقفت بالقرب من سرير بنجي بشكل يسمح لها بحمله والهرب به بسرعة إذا ما اضطرت إلى ذلك ثم تابعت تقول : أنا لا أمضي الكثير من الوقت هنا .
أصدر زائرها صوتاً يدل على السخرية من حنجرته ثم قال وهو ينظر حوله : هذا ما فهمته بنفسي من أين يأتي صوت الموسيقى الصاخب هذا ؟
_ من الغرفة المجاورة إنه يحب الصوت المرتفع .
_ لكنه أمر لا يمكن احتماله .
_ نعم .
وافقته ماغي وهي تفكر أنها تتحمله على الرغم من هذا وكذلك يفعل كل من في المبنى كانت ما تزال في حالة صدمة وهي تعلم ذلك .
كانت قد أوشكت على إقناع نفسها بأن ما حصل في الصباح لم يكن سوى أوهام من نسج خيالها والآن ها هو الرجل يقف إلى جانبها كأنه خارج من الحلم .
رافايللو دي فيسنتى .. راح الاسم يرن في رأسها مدغدغاً حواسها هذا الاسم يناسبه تماماً أدركت ماغي ذلك وهي تتأمل هيئته الإيطالية المهيبة التي تدل على الثراء والرجولة رمشت بأجفانها بعد ان أدركت أنها كانت تحدق بالرجل حتى كادت تلتهمه بنظراتها سار الرجل باتجاه الطاولة التي تستخدمها كطاولة طعام ولكافة الاستخدامات الأخرى أيضاً فوضع حقيبته الجلدية المليئة بالمستندات وما لبث أن أخرج منها مجموعة من المستندات .
_ لدي هنا الوثائق الضرورية أرجو منك أن تقرئيها قبل التوقيع عليها .
ابتلعت ماغي ريقها : أنا لن أوقع على أي شيء سيد فيسنتى .
_ دي فيسنتى وأنت ستصبحين السنيورا دي فيسنتى يجدر بك أن تتعلمي لفظ الاسم بصورة صحيحة .
شعرت ماغي فجأة بتعرق راحتي كفيها فمسحتهما بجانب بنطلونها .
_ حسناً سيد .. دي فيسنتى أنا .. أنا لا أظن أن بإمكاني مساعدتك حقاً .. ! إن الأمر غريب بالنسبة لي …
فتشت في أنحاء ذهنها يائسة كي تجد عبارات مناسبة لتقول له أن الأمر كله مربك بالنسبة إليها وإنها لن تقدم على مثل هذا الأمر .
ارتفع حاجباه المقوسين وردد قائلاً : غريب ؟
ثم أومأ بسرعة وتابع يقول : نعم إنه كذلك آنسة جونز لكن كما سبق وقلت لك هذا الصباح ليس لدي خيار آخر .. إن الأمر يتعلق ب‘دارة شركة الأسرة شركة فيسنتى .. لا أعتقد أن معرفة التفاصيل تهمك لكن لدي أسباب كافية تجعلني أقدم على زواج مؤقت وفق شروط محددة لكن هذا الزواج سيكون شرعي تماماً لسوء الحظ أنا مضطر على هذا الزواج المؤقت .
انفجرت ماغي قائلة : لما اخترتني أنا ؟ رجل مثلك يستطيع الفوز بأي امرأة .
تقبل رافايللو إطراءها هذا كأنه تقرير للواقع ليس أكثر .
_ فكري بعرضي هذا ليس كعرض زواج بل كوظيفة وظيفة مؤقتة آنسة جونز .
ثم غدا صوته أكثر جفاء وهو يتابع قائلاً : هذا هو الأمر الذي لم تستطع .. المرشحة السابقة لهذا الزواج تقبله .
حرك يديه بإيماءة تدل على جذوره الإيطالية بوضوح وأنهى كلامه قائلاً : إنها المرأة التي رأيتها صباحاً .
_ هل كنت على وشك الزواج منها ؟
_ نعم لكنها لسوء الحظ .. انسحبت في اللحظة الأخيرة من هنا برزت حاجتي إلى إيجاد بديلة لها فأنا مضطر إلى الزواج بأقرب وقت ممكن .
عادت ماغي تقول بإصرار: لكن لم اخترتني أنا ؟
كانت لا تزال ترى بأن عرضه مناف للعقل لكن معرفتها بأنه كان على وشك خوض هذا الزواج الغريب مع تلك الحمقاء التي رأتها تخرج من منزله بشكل عاصف جعل الأمر قابلاً للتصديق .
لكن رغم ذلك فإن اختياره لها كبديل عن تلك المرأة بقي أمراً لا يصدق فبعد كل شيء من المؤكد أن رجلاً مثله يعرف العديد من النساء الأخريات المخولات لزواج مماثل .
_ اخترتك لأن هناك فارقاً أساسياً بينك .. وبين امرأة مثلها أماندا تريد ذلك المال أما أنت …
توقف عن الكلام قليلاً ونظر نحوها وكأن عينيه تمكنتا من رؤية ما في قلبها ثم تابع يقول : أما أنت فبحاجة لهذا المال ما يجعلك أكثر واقعية تجاه المسألة .
تسمرت ماغي بمكانها أما هو فتابع كلامه بكل قسوة : أنت فعلاً بحاجة إلى ذلك المال آنسة جونز تحتاجينه بشدة لتنقذي نفسك .. وتنقذي طفلك أيضاً .
روعتها نظرات عينيه الداكنتين وبدا لها كأنه الشيطان نفسه يحاول إغرائها باغراءات تفوق طاقتها .
_ لا يمكنك متابعة العيش هنا تعرفين أنك لا تستطيعين عليك الخروج من هنا والمال سيؤمن لك هذا إنه بمثابة إنقاذ لحياتك وحياة ابنك اقبلي .. اقبلي المال الذي أعرضه عليك .
شحب وجه ماغي وتمكن رافايللو من رؤية قسماتها تتغير لقد طرح إيجابيات عرضه دون شفقة كأنه يقوم بعرض صفقة تجارية صعبة خرجت كلماته كسوط يجلد كل زاوية من منزلها البالي .
_ إنني أحمل مفتاح حياة جديدة .. مستقبل جديد .. مقابل أربع أسابيع من حياتك هذا كل ما أطلبه في المقابل تمضين شهراً برفقتي ثم تعودين حرة من جديد حرة مع مال كاف لإخراجك من هذا المكان إلى الأبد .
راح يحدق في عينيها بنظرات ثاقبة لم تستطع ماغي التفكير أو الإحساس بأي شيء بل بالكاد تمكنت من التنفس .
_أنا … أنا لا أعرف ممن أنت .. يمكنك أن تكون أي شخص ..
تلاشى صوتها قبل أن تكمل .
ارتفع ذقنه بغطرسة بدت متأصلة في جيناته وتمكنت ماغي من رؤية ذلك .
_ أنا رافايللو دي فيسنتى عائلتي من أكثر العائلات احتراماً وعراقة و أنا المدير التنفيذي لشركة فيسنتى وهي شركة تقدر بأكثر من أربع مائة مليون يورو أنا لا أضطر عادة إلى إظهار أوراقي الثبوتية للتعريف عن نفسي .

ابتلعت ماغي ريقها وتمتمت قائلة : نعم حسناً ! لكني في الواقع لا أنتمي إلى هذا الوسط الاجتماعي كي تكون معروفاً لدي .
تابع رافايللو كلامه بالنبرة المتغطرسة ذاتها : إن العرض الذي أقدمه لك هو بالضبط ما حاولت تلخيصه لك ليس هناك أي نوايا خبيثة أو خدعة ما مخبأة وراء كلامي يمكنك من التأكد من ذلك من خلال التحدث مع محامي إن أردت .
وأشار بيده نحو الطاولة متابعاً : إن ما ستقرئينه في هذه الأوراق هو بالضبط ما ستحصلين عليه والآن أرجوك أخبريني ما الذي يمنعك من التوقيع على الأوراق ؟
حدقت ماغي به بشراسة وفكرت لا يمكنها الزواج برجل مثله غني ووسيم إلى هذا الحد لا يمكنها أن تتزوج من رجل يبدوا وكأنه قفز من إحدى مجلات أخبار المشاهير مهما كان سبب الزواج ومدته يبدو الأمر جنونياً وغير عقلاني .. إنه ..
سمعت ماغي صوت بكاء قطع عليها حبل أفكارها يبدو أن بنجي سئم من لعبة أحجار البناء البلاستيكية فهدم ما كان قد بناه وبدأ بالصراخ بشكل آلي اتجهت ماغي نحو السرير لترفع بنجي بين يديها فتوقف عن البكاء واستدار ليراقب ذلك الرجل الغريب الذي يقف في وسط الغرفة ضمته ماغي إلى صدرها وشعرت بدقات قلبه القوية فوق جسدها .
قال رافايللو بهدوء : مائة ألف جنيه فكري .. فكري بما ستتمكنين من القيام به بهذا المبلغ الضخم .
بدأ جسد ماغي يرتجف أرادت بيأس أن يرحل رافايللو حالاً .. أن يأخذ محفظته وحقيبة يده الغالية الثمن ويخرج قبل أن يغويها كالشيطان نفسه .
_ لن تفعلي هذا من أجلك بل من أجل طفلك .
أغمضت عيناها محاولة عدم سماع صوته الناعم المغري .
_ إذا خرجت الآن ولم أعد أبداً كيف ستتمكنين من المضي في حياتك وأنت تعلمين أنك رفضت الفرصة الوحيدة لإخراج طفلك من هذا المكان المزري إلى الأبد ؟
كان جسدها مازال يرتجف فأخذت تحتضن طفلها بقوة أكبر حتى بدأ بنجي يحتج مبدياً انزعاجه .
_ أربع أسابيع ليس أكثر .. في منزل عائلتي في إيطاليا وهو منزل محترم جداً آنسة جونز أؤكد لك ذلك .. وبعدها تصبحين حرة .
قالت بصوت مرتفع سيأتي بنجي برفقتي .
فتح رافايللو يديه وقال : بالطبع سيأتي الطفل معك .. هذا أساسي .
لم يكن عليه أن يشرح لها لما على عروسه أن تصل برفقة طفل لا والد له سحب من جيب سترته الداخلي قلماً مطلياً بالذهب رفع عنه الغطاء وقدمه إليها قائلاً : عليك فقط أن توقعي الأوراق هيا … !
لم تستطع مقاومة نبرة صوته الاستبدادية .. تحركت ببطء وكأنها تسير في نومها وأعادت بنجي إلى السرير متجاهلة بكاءه واحتجاجه المستمر تصدق أن ما يحصل حقيقي .. فكرت أنها ستستفيق وفي أي لحظة لتكتشف أنها تحلم ليس إلا .
قدم القلم إليها فأخذته وكأنها تحت تأثير مخدر نظرت نحو الطاولة حيث راح رافايللو يقلب صفحات المستند حتى وصل إلى الصفحة الأخيرة فمد إصبعه ليدلها أين توقع .
سال الحبر من القلم الذهبي فوق الورق راسماً خطوطاً منحنية مصقولة ناعمة رغم ارتجاف يدها وهي توقع بدا لون الحبر في ضوء نهاية النهار كلون الدماء وحين سلمته الأوراق وهو يقف إلى جانبها كشبح شيطاني داكن شعرت بأمواج الضعف والوهن تسري في داخلها .
ما الذي فعلته ؟ آه يا إلهي ! ما الذي فعلته ؟
لكن .. مهما كان الأمر لقد فات أوان الندم .
جلست ماغي تحدق من النافذة المكورة نحو الغيوم المضاءة بنور الشمس فيما بنجي نائم في حضنها لقد عانى الطفل من الأرق منذ إقلاع الطائرة لكنه خلد أخيراً إلى النوم .
نظرت بلمحة سريعة عبر الممر الضيق للطائرة نحو رافايللو دي فيسنتى رأته يقلب أوراقاً وضعها أمامه على الطاولة وقد بدا منشغلاً جداً لم يكن هناك أي ركاب آخرين غيرهم على متن الطائرة الخاصة الفخمة وهي تتوجه نحو أوروبا يا لها من تجربة غريبة لماغي التي لم تسافر في حياتها من قبل !
منذ ذلك المساء الذي وقعت فيه الأوراق حتى اليوم لم ترى ماغي رافايللو أبداً كلف أحد موظفيه الصغار أن يؤمن مستندات الزواج ويصطحبها لتسجيله رسمياً وإعداد جوازي سفر لها و لبنجي .
مرت مراسم الزواج بشكل سريع يدعو إلى السخرية كان عليها قول بعض الجمل في أوقات محددة وهذا ما قامت به لكنها الآن وهي تجلس محدقة نحو الغيوم لا تتذكر سوى رجل صاحب قامة طويلة يقف إلى جانبها وصوت عميق ذو لهجة غريبة يتكلم معها ومع أمين السجل وهذا كل ما في الأمر .
لكن اللحظة الوحيدة التي لم تنسها هي حين قام ذلك الرجل بإمساك يدها ووضع خاتم الزواج في إصبعها في تلك اللحظة شعرت بتيار كهربائي يسري في جسدها ربما كانت لمسة يده الباردة هي السبب ليس إلا بعد ذلك طلب منها القيام بالأمر نفسه وأدركت أنها لن تتمكن من القيام بذلك إلا بصعوبة وقد أخذت يداها ترتجفان دون إرادتها .
تدبرت ماغي هذا الأمر لكن صوت بنجي في الغرفة المجاورة حول انتباهها كلياً عن متابعة المراسم وحالما تمكنت ركضت خارجاً إلى بنجي ورفعته بين ذراعيها ثم أتى رافايللو وقال بلطف ولكن دون أي نبرة شخصية ودودة : إن كنت جاهزة فإن علينا الذهاب .
أقلتهما سيارة ليموزين إلى مطار هيثرو ولم يقل لها زوجها الجديد أي كلمة باستثناء سؤالها بالنبرة السابقة نفسها إن كانت مرتاحة وإن كانت قد حصلت على كل ما طلبته .
استنتجت ماغي أنه كان شارداً مثلها تماماً خلال المراسم .
تزايد شرودها وتعبها الذهني عمقاً وقالت لنفسها سيري مع التيار راحت تلمس شعر بنجي الحريري بيدها وهي تحدق مجدداً بالنافذة علمت أن الصدمة هي التي ساعدتها على متابعة المهمة لكن رغم لا مبالاتها وفقدانها الإحساس بالأمور كانت تشعر ببعض الإثارة فبغض النظر عن الظروف الغريبة إنها المرة الأولى التي تسافر فيها خارج البلاد .
إيطاليا ! هل هي حقاً مسافرة إلى هناك ؟ منذ أن وافقت على الزواج من رافايللو دي فيسنتى قامت بجمع أكبر عدد من الكتب لأخذها معها إلى إيطاليا أصبح الكتاب عزائها الأخير منذ أن اكتشفت أن الطريقة الوحيدة للابتعاد عن الواقع فهو يأخذها إلى أماكن سحرية حيث يوجد أشخاص رائعون ..
نظرت ماغي إلى تلك السحب المشعة حيث يمتد عالم خفي يرتفع عالياً فوق الأرض وعادت إليها ذكرياتها مع كايس تجهم وجهها فجأة فرغم أنها تشعر بالأسف على طفل هجره أهله كلياً إلا أنها ترى نفسها محظوظة مقارنة بكايس فهي كانت ضعيفة جداً ذات عظام ركيكة وعينين واهنتين بسبب المعاملة السيئة لذا أخذوها من زوج والدتها المدمن ووالدتها السيئة .
تحرك بنجي بين ذراعيها فانحنت ماغي وقبلت شعره الداكن بلطف وقلبها يفيض حباً وعطفاً رفعت بصرها مجدداً نحو النافذة وفكرت أنها أصابت بقبول هذا الزواج الغريب فمهما بدا الأمر غريباً لقد فعلت ذلك لأمر مهم جداً .. من أجل بنجي !
لأول مرة منذ أن قلب رافايللو حياتها رأساً على عقب شعرت ماغي بالهدوء والراحة .
تنعمت بتلك الراحة حتى وصلت الطائرة إلى المطار الإيطالي الذي يعج بالناس أخذ بنجي يبكي ويصرخ مجدداً حين سدت أذنيه مجدداً بسبب تغير الضغط الجوي عند الهبوط في بيزا .
ضغطت على ظهرها يد بإلحاح ولكن ليس بخشونة إنه الرجل الذي تزوجت به منذ بضع ساعات يحاول إرشادها إلى الطريق الصحيح .
_ من هنا .
شقا طريقهما خارج المطار حيث كان هناك سيارة ليموزين ضخمة في انتظارهما خلال لحظات قليلة أصبحا في داخلها وقادهما السائق نحو زحمة الطريق ..
استغرقت الرحلة أكثر من ساعة في السيارة وبعد أن قطعا الشوارع المزدحمة أصبح القسم الأخير منها رائعاً .
حدقت ماغي من النافذة لتشبع ناظريها بمناظر توسكانا الخلابة بعيداً عن ضجيج لندن وشوارعها الممطرة وبينما سارت بهم السيارة أخذت تدل بنجي الذي وضع كرسيه قرب النافذة تماماً على أشياء في الخارج وهي تنحني فوقه وقد رأت ذلك فرصة لتبعد المسافة بينها وبين الرجل الذي يحتل الجهة الثانية من السيارة الضخمة .
راقبت إشارات الطرقات المكتوبة بالإيطالية والسيارات التي تسير على الجهة الخاطئة من الطريق بالمقارنة مع لندن بعد قليل لاحظت أن السيارة بدأت بالصعود متجهة نحو الجبل كانت أشعة الشمس منتشرة في

تلك الأنحاء تغمر أشجار السرو والبيوت الحجرية التي تتناثر هنا وهناك في القرى الجبلية وحولها امتدت حقول الزيتون والعنب حيث تسرح قطعان الماعز والخراف .
أخيراً وبعد أن أصبحت الطريق ضيقة تماماً وتلاشت الزحمة تباطأت سرعة الليموزين وانعطفت لتدخل بوابة حديدية ضخمة في تلك اللحظة سمعت رافايللو يعلن ؟: ها قد وصلنا !
نظرت ماغي نجوه بشكل خاطف بدا وجهه خالي من التعابير وقد ظهر عليه التوتر ما جعلها تشعر بالتوتر أيضاً .
وكأنما رافايللو قد قرأ توتر أعصابها فتكلم فجأة : كوني هادئة ! ليس هناك ما تخافين منه بالنسبة لك هذه مجرد وظيفة أرجوك تذكري هذا .
أتراها تتخيل أم أنه فعلاً بدا متجهماً وقد ظهر الغضب في صوته ؟ نظر إليها بتجهم ثانية ما أثار قشعريرة في جسدها لكن ماغي شعرت أن غضبه ليس موجهاً نحوها هي بالذات بل كان سبب اضطراره للزواج بغض النظر عن هوية الزوجة .
وقفت السيارة أمام فيلا ضخمة تشبه قصراً كبيراً فاتسعت عينا ماغي أمام روعتها إنها فيلا ذات طابع تاريخي أصيل حجارتها القديمة تغير لونها بسبب العوامل الجوية وقد انتصب بابها الخشبي الضخم عالياً أما الطريق إليها فقد امتدت خلفها متجهة نحو الغابة والتلال القريبة .
رفعت ماغي بنجي بحذر من السيارة وحملته فوق خصرها وكان قد استيقظ منذ فترة بسبب حركة السيارة القوية وهي تجتاز الطرق الوعرة .
شعرت كأن هواء بعد الظهر الدافئ بمثابة نعمة لها بعد تعودها على هواء المكيف في الليموزين وذلك لما لفحتها حرارة الهواء كانت ترتدي فستاناً قطنياً فضفاضاً وهو الثوب الذي رأته مناسباً للرحلة رغم أن سعره لا يتجاوز الجنيهات الخمس ورغم أن طرازه يناسب امرأة في الخمسين أكثر مما يناسبها لكن ذلك لا يهم فلو كان لدى رافايللو أي اعتراض لقدم لها بديلاً عنه .
حين أصبحا بالقرب من الباب فتح الباب وخرج منه رجل كبير السن يرتدي قميصاً وسترة طويلة وفهمت ماغي أنه كبير الخدم .
رحب الخادم برافايللو ومع أنها لم تفهم كلمة مما قاله لكنها علمت أنه لم يكن يتوقع قدومه وبالتأكيد قدومها أيضاً .
تبع ذلك المزيد من العبارات الإيطالية السريعة لاحظت ماغي ردة فعل الخادم و تعابيره المصدومة حين رآها وبنجي وقد بدا غير موافق أبداً على ما حدث .
أصبح الجميع داخل المنزل الآن التفت رافايللو نحوها ليقول بصوت عادي جداً دون إبداء أي اهتمام شخصي : لا بد أنك مرهقة وكذلك الطفل أنا واثق من أنك ترغبين أن ترتاحي بعض الوقت .
أكملوا طريقهم صعوداً عبر درج ضخم نحو الطابق الثاني ولم تستطع ماغي منع نفسها من التحديق حولها بذهول تام فالمنزل من الداخل بدا جميلاً بقدر جماله من الخارج جدرانه البيضاء مزينة بالرسوم الزيتية الفخمة وأرضه من الرخام الغالي الثمن أما درابزين الدرج فمصنوع من الحديد المزخرف بدقة بدا كل شيء تاريخياً وباهظ الثمن ولا يشبه الشقق العصرية الفخمة التي كانت تقوم بتنظيفها .
لم تصدق ماغي ما كان يحدث هل ستعيش حقاً في ذلك المكان الفخم لعدة أسابيع ؟
أخذها رافايللو إلى إحدى الغرف الكبيرة ومجدداً أخذت تنظر حولها بذهول غطى معظم مساحة الغرفة سرير خشبي ضخم مزخرف بالإضافة إلى بعض المفروشات فرشت الأرض سجادة عجمية رائعة أما النافذتان الموجودتان في الغرفة فقد تدلت فوقهما ستائر سميكة تنسدل على طول الحائط …
أعلمها رافايللو بنبرته الجافة المعتادة : يمكنك الوصول إلى الحمام التابع لهذا الجناح عبر الباب هل لديك كل ما تحتاجين إليه أنت والطفل ؟ يمكن لغوسيب أن يحضر لك أي شيء تطلبينه منه .
هزت ماغي رأسها وهي تشعر بالارتباك كان الخادم قد لحق بهما إلى الأعلى وهو يحمل حقائب سفرها فكرت ماغي أن تلك الحقائب البالية لا يبدوا عليها الانتماء إلى هذا المكان مثلها تماماً ..
نظر رافايللو إلى ساعته وقال : جيد ارتاحي أنت والطفل هل تريدين بعض القهوة ؟
هزت ماغي رأسها وقالت متلعثمة : شكراً لك .
قال رافايللو مجدداً : جيد سيرشدك غوسيب إلى الأسفل بعد أن ترتاحي لبعض الوقت آه …
صمت قليلاً ثم نظر نحوها مجدداً وقال : لا داعي لتغير ملابسك .
انصرف رافايللو وانصرف غوسيب معه .
حين أصبحت ماغي وحدها عادت لتنظر إلى الغرفة مجدداً من الواضح أن عليها البقاء في هذا المكان حتى يتم استدعائها ولكنها لا تستطع أن تتذمر فالغرفة مكان فخم وجميل إلا أنها شعرت بالقلق لأن كل ما في الغرفة باهظ الثمن جداً وكثير عليها وعلى بنجي .
أما بنجي فبدا متلهفاً لينطلق مستكشفاً الغرفة وضعته ماغي أرضاً فأخذ يتحرك بسرعة محاولاً اكتشاف المحيط الجديد وسرعان ما توجه نحو السرير الكبير لم تكن مضطرة لطلب سرير للطفل فالسرير كبير جداً ويتسع لها و لبنجي معاً .
ويتسع لزوجها أيضاً !
أزاحت هذه الفكرة جانباً رافايللو دي فيسنتى لم يكن زوجها سوى في الأوراق الرسمية لا أكثر .
نزل رافايللو عبر الدرج مجدداً إلى نحو الطابق السفلي وهو متجهم الوجه لم يكن يتطلع بحماس للمواجهة القادمة لكنها كانت مواجهة أساسية ولا يمكن التهرب منها عليه أن يعلم والده مرة و إلى الأبد أنه ليس لعبة يتحكم بها وفق مزاجه .
إن الشركة فيسنتى التي أسست منذ أكثر من مائة عام للمحافظة على ثروة العائلة التي تملك الكثير من الأراضي والعقارات هي بالنسبة لوالده بكل بساطة مؤسسة تجارية تؤمن حياة الرفاهية لآل دي فيسنتى .
أما بالنسبة لرافايللو فهي أكثر من ذلك لأنه يتفهم عام الأعمال جيداً ولكي تستطيع شركة دي فيسنتى أن تصمد في القرن الواحد والعشرين عليها أن تأخذ موقعاً مهماً في التجارة العالمية بات على رافايللو أن يحارب بشدة من أجل استراتيجيته لجعل شركة فيسنتى عالمية و لإقناع والده بهذا قد يكون هو المدير التنفيذي لكن والده هو رئيس مجلس الإدارة ومالك معظم الأسهم لطالما نظر والده إليه بتذمر ورفض مطالب رافايللو بانفتاح الشركة على السوق الأوربية ورغم أن عائدات الشركة في ازدياد مستمر إلا أن رافايللو يعلم أن والده كان يفضل أن تبقى الشركة مؤسسة محلية كما كانت دائماً .
لكن رافايللو عمل بجهد ليجعل الشركة تنتشر وتتوسع وهو ليس مستعداً أن يرى تعبه يذهب سدى أو ان تذهب الشركة للغرباء ولمنع حصول ذلك كان مستعداً للقيام بأي شيء .
مشى عبر الصالة ذات الأرضية الرخامية نحو المكتبة التي سيستخدمها كمكتب له وقف أمام النافذة التي تطل على البركة المزخرفة ونافورتها الجميلة أبعد قميصه إلى الخلف ووضع يديه فوق خصره وراح ينظر إلى الخارج بعصبية . ياله من حظ سيئ إن والده خارج المنزل في الوقت الذي يريد منه أن يكون موجوداً هنا أعلمه غوسيب عند وصوله أن والده وابنة عمه قد خرجا باكراً لتناول الفطور ولن يعودا إلا في وقت متأخر من بعد ظهر اليوم .
ستكون هوية الفتاة التي أحضرها معه مفاجأة للجميع آه ! نعم بالتأكيد ستكون مفاجأة كشر رافايللو مبتسماً إنها مناسبة تماماً كما أرادها أن تكون فمع طفل يتدلى فوق خصرها وفستان رخيص فضفاض على جسدها النحيل وشعر بني مربوط إلى الخلف بدت فعلاً مناسبة تماماً .
توترت ضحكته قليلا ً سيستشيط والده غيظاً ليس لأنه أحبطه فقط بل لأنه أهان اسم العائلة بزواجه من فتاة مثل ماغي .
ابتعد عن النافذة وذهب للجلوس خلف المكتب ربما يتمكن من العمل قليلاً بينما ينتظر عودة والده فقد يلهيه ذلك عن التفكير بالمواجهة المحتمة .
تساءل رافايللو لما على الأمور أن تسير بذلك الشكل ؟ لم هذا النزاع المؤلم الغير ضروري مع والده ؟ ألم يكن بإمكانه أن يتكلم معه ببساطة من دون هذا التحدي ؟
تنهد بحسرة لقد تحدث إلى غوسيب وزوجته ماريا في الخمس عشرة سنة الماضية أكثر مما تحدث مع والده فهما من اعتنيا به خلال فترة المراهقة والبلوغ أما والده فقد اعتبره فاسقاً وحاول إجباره مرات عدة على الزواج ظهر التوتر على فمه .. لو أنه وجد أي أمل للتواصل مع والده لما قام بالزواج من هذه الفتاة بهذا الشكل مر ظل خفي أمام عينيه إنها صورة والدته المتوفاة ترتسم أمامه لقد ماتت أمه في حادث سير مروع وهو في الخامسة عشرة من عمره ما سبب هذا التنافر الشديد بينه وبين والده .
بالنسبة لوالده جعله فقدان زوجته التي كان يعشقها يتوقف عن الاهتمام بابنه الوحيد أما رافايللو فقد
كان يعلم الآن بنظرته الثلاثينية الثاقبة أن تصرفاته الطائشة خلال المراهقة السرعة في القيادة والخروج برفقة الفتيات .. كانت عبارة عن صرخة من قلبه لجذب الانتباه والمساعدة والحب من والده الذي ابتعد عنه كثيراً في الوقت الذي كان هو في حاجة ماسة إليه .
أما الآن فقد فات الأوان وأصبح الجدار الفاصل بينهما أعلى وأمتن زادت قساوة والده وكذلك قساوته ولم يعد بينهما سوى التحدي والمواجهة .
سمع رافايللو صوت سيارة تتجه إلى المرآب ما دفعه للنظر إلى الخارج تمكن من التعرف على سيارة لوسيا المكشوفة المخصصة لراكبين فقط لطالما كان من المهم لها ان تقود سيارة فخمة وترتدي ثياباً لأشهر المصممين وأن تخرج مع الأشخاص المرموقين لذا فهي تملك رغبة قاتلة بالزواج من رجل غني .
ما إن سمع أصواتاً في الصالة حتى خرج من المكتب مرغماً نفسه على إظهار الراحة والفرح .
_ قال والده : رافايللو !
_ تقدم رافايللو : بابا ! .
استغرب انريكو دي فيسنتى قدوم ولده وسأله : متى وصلت إلى المنزل ؟
أجابه باقتضاب وهو يتوجه نحو قريبته الواقفة بذهول : بعد ظهر اليوم .
أكمل بشكل رسمي : لوسيا ! .
وانحنى ليعانقها شم رائحة العطر القوي الذي تضعه ولاحظ كثافة التبرج على وجهها رغم أنها فتاة جميلة لا تحتاج إلى كل هذا التبرج وهي تعلم ذلك .
تمتمت بنبرة صوت عادية : رافايللو .. يالها من مفاجأة !
رمقته بنظرة تقييمية ردها لها رافايللو على الفور بنظرات ملطفة وأجاب باقتضاب : كما ترين لقد عاد الشاب الطائش نهاراً ممتعاً ؟
ردت لوسيا : نعم كثيراً ! اصطحبني عمي انريكو لتناول الفطور في أحد معارض فيرنز هناك معرض لفنان أعشقه .
علت فم رافايللو ابتسامة مهذبة وتمتم قائلاً : وهل يعشقك هو أيضاً ؟
تجهم وجه لوسيا على الفور وقالت : لا تهاجمني رافايللو .
هز كتفيه قليلاً فهو يدرك أن لوسيا لا تنتقي عشاقها إلا من الوسط الفني وهم شبان يخرجون معها بسبب تأثير وجودها الإيجابي على مهنتهم وهذا واحد من الأسباب الكثيرة التي جعلته يرفض الخضوع لإصرار والده على تزويجه منها ربما يكون تقليدياً في تفكيره وهذا فعلاً ما كانت تقوله لوسيا عنه بضحكة هازئة لكنه بالتأكيد يفضل أن تكون زوجته أقل اختلاطاً بالرجال منها .
تجمد رافايللو في مكانه حين استخدم كلمة زوجة فوجود فتاة إنكليزية في الحادية والعشرين من عمرها غير جميلة وغير مغرية على الإطلاق في الطابق العلوي مع طفل بدون اسم وبدون والد ومع ذلك فهي تعتبر بحسب القانون زوجته الشرعية جعله هذا يشعر بصدمة لا تصدق هل قام حقاً بهذا ؟ ما فعله ما زال يبدو غير حقيقي ومجرد وهم .
عاد والده يتكلم وبدا صوته ساخراً : هل يمكنني أن أسأل عن سبب هذه الزيارة المشرفة والمفاجأة ؟
تلألأت عينا رافايللو الداكنتين : بابا غداً عيد ميلادي الثلاثين وأنت بالتأكيد كنت تتوقع مجيئي .
ضاقت عيني انريكو دي فيسنتى وسأله : حقاً ؟
ابتسم رافايللو وتابع : و أنا ألتزم بواجباتي تعالا وانضما إلي في الشرفة أعتقد ان علينا الاحتفال قليلاً .
لاحظ رافايللو نظرات لوسيا المتفحصة وانتباهها المفاجئ للموضوع فانتقل بنظره من والده ليبادلها نظرات اللطف ابتسم بتهذيب و لمعت عيناه حالما قبل والده الدعوة إلى الشرفة .
_ لوسيا ستنضمين إلينا أنت أيضاً بالطبع .
راقب كيف علت وجهها تعابير الرضى المبطنة وهي تتحرك إلى جانبه .

_ امرأة في حقل ألغام
اتخذ انريكو لنفسه مقعداً بجانب الطاولة الحديدية المزخرفة التي وضعت عند آخر الشرفة المقابلة لقاعة الاستقبال الرسمية .
قال بصوت حاد وهو يوجه نظرات أكثر حدة من صوته نحو ولده : حسناً ! هل يعقل أن تكون قد عدت إلى رشدك أخيراً ؟
شعر رافايللو بضيق شديد كأن حزاماً راح يشد فوق صدره مجدداً لكنه أجاب بصوت عادي : وهل لديك شك بذلك ؟
أصدر والده صوتاً من حنجرته يدل التذمر والانزعاج وقال : أعلم أنك عنيد وأناني ولطالما كنت كذلك !
قال رافايللو بهدوء : حسناً ! لمرة واحدة سأكون الابن المثالي …
وإن كان ضمن نبرة صوته بعض السخرية إلا ان أحداً غيره لم ينتبه لذلك تابع يقول : .. ولكن أول أريد أن أتأكد أني إن فعلت ما تريد وتزوجت في عيد ميلادي الثلاثين ستعطيني الحرية المطلقة في إدارة الشركة أليس كذلك ؟
علق والده : ها .. تعلم جيداً أن الأمور ستسير على هذا النحو بالذات .
_ وهل تعدني بذلك حقاً ؟
_ بالطبع .
ابتسم رافايللو وقال بهدوء وبصوت مهذب : في هذه الحالة إذاَ عليك تقديم التهنئة لي والالتزام بالجزء المتعلق بك في الاتفاق .
تسمر والده في مكانه وتمسكت يداه بقوة بذراعي الكرسي ولم يتمكن من النطق بأي كلمة لبضع لحظات أما لوسيا _ وعلى العكس منه تماماً فقد ضحكت قليلاً وتكلمت على الفور بصوت مليء بالغزل الغاضب : يا لك من رجل شيء ! أهذه طريقتك لطلب يدي ؟ لكنني سأعاقبك على عدم لباقتك تأكد من ذلك .
ثم أطلقت ضحكتها الرنانة مجدداً والتفتت نحو والده تمازحه بغنج نسائي : أخبرني انريكو كيف سأعاقب ولدك الفظ الذي تنقصه اللباقة في التقدم لطلب يد امرأة بشكل مهذب .
مرة أخرى ضحكت قليلاً لكن بدلال أكثر هذه المرة ونظرت مجدداً نحو من اعتقدت بأنه أصبح زوج المستقبل بدت نظرة رافايللو فضولية وكان يشعر بمزيج من التوتر والراحة أشار بيده ثم قال : قبل أن نتابع أظن أن الوقت حان للاحتفال .
وعلى الفور ظهر غوسيب حاملاً صينية العصير إلى الطاولة فتمتم له رافايللو بضع كلمات لم يسمعها أحد سواه فهز غوسيب رأسه وانسحب وشغل رافايللو نفسه بملء أكواب العصير وتوزيعها .
قالت لوسيا بغضب وسخط : لقد جلب غوسيب كوباً إضافياً أظن أن الوقت قد حان ليتقاعد ويكف عن العمل .
أعطاها رافايللو كوبها وهو يقول بخفة : حين تصبحين سيدة المنزل تصرفي كما يحلو لك .
ظهرت ابتسامة رضى وافتخار خفيفة على زاوية فمها رآها رافايللو لكنه لم يعلق على الموضوع اكثر .
أخذ والده كوبه ووقف وهو يرفعه برضى شديد : سأقترح نخباً .
بدا مسروراً جداً لقرار ابنه وكذلك كانت ابنة أخيه .
_ نخب السنيورا دي فيسنتى الجديدة .
رفع رافايللو كوبه وتمتم : يا للطف ! في الوقت المناسب أيضاً .
سمع صوت شخص قادم وسرعان ما التفت رافايللو باتجاهه .
وقفت الفتاة هناك ووقف غوسيب خلفها تماماً .. شعر رافايللو بالرضى فقد بدت بالصورة التي أراد إظهارها بها وبينما التفت الجميع لينظروا إليها وقفت بفستانها البالي وشعرها المربوط إلى الوراء وفوق ذلك كله هناك طفل رضيع يبكي فوق ذراعيها .
وقف رافايللو وساعدها على التقدم نحوهم فيما بدت المرأة جامدة لا تبدي أي تفاعل على الإطلاق أمسك بيدها ليتأكد أنهما يريان خاتم الزواج قال بصوت مرتفع واضح : اسمحا لي أن أقدم لكم زوجتي سينيورا دي فيسنتى .
للحظة وبينما وقفت ماغي متجمدة متمنية لو انشقت الأرض وابتلعتها عم صمت مطبق على المكان .. وبعد ثوان قليلة ارتفع صوت صاخب ..
بدا صوت العجوز كزئير الأسد لم تفهم ماغي كلمة واحدة إلا أن الغضب الشديد والثورة في صوته سقطت كالإعصار فوق رأسها ..إلى جانبها أخذ رافايللو وهو زوجها بالمعنى القانوني يشد بقوة على ذراعها الأيسر .
علقت أنفاس ماغي في صدرها حين راح الرجل العجوز بصوت مرتفع يصرخ توقعت أن يكون هذا الرجل والد رافايللو لأنه يملك وجهاً متغطرساً وسمات مشابهة تماماً لرافايللو .
وقف الخادم صامتاً وكأن أحداً ضربه على رأسه بشيء حاد أما المرأة التي كانت تجلس قرب والد رافايللو العجوز فبدت صامتة ومذهولة تماماً .
للحظات طويلة بدت كأنها ساعات لم سمع شيء سوى صوت العجوز الإيطالي المرتفع الغاضب بعدئذ بدأ بنجي يبكي بذعر شديد .
حررت ماغي يدها من رافايللو لتتمكن من ضم ابنها بقوة فوق صدرها واستدارت لتدخل مجدداً إلى قاعة الاستقبال الفخمة ما الذي يجري بحق السماء ؟
قاطع صراخ العجوز صوت مرتفع آخر .. إنه صوت رافايللو الذي جاء صوته أكثر حدة وغضب حاولت ماغي أن تبتعد قدر المستطاع عن ذلك المكان وهي تضم بنجي إلى صدرها محاولة تهدئته لكن ذلك بدا مهمة مستحيلة .
فجأة شعرت بيد تمسك ذراعها وتنهرها بقوة اشتمت رائحة عطر نسائي قوي وسمعت صوت امرأة يوجه الكلام لها بالإيطالية ورغم أنها لم تفهم كلمة إلا أنها شعرت بالذعر .
قالت بصوت متشنج : أرجوك .. أنا لا أفهم ..
أخذت المرأة نفساً طويلاً وضاقت عيناها وهي تسألها : أنت إنكليزية ؟
وعادت تهز ذراع ماغي مجدداً : من أنت ؟ وما الذي تخططين له بالادعاء أنك زوجة رافايللو ؟
أرادت المرأة ان تدقق في خاتم ماغي فأمسكت يدها لتراه لكن ماغي أبعدتها عنها ليصبح جسدها حاجزاً بين تلك المرأة وبنجي الذي راح يبكي من الخوف ركضت بعيداً نحو الباب وعبرت القاعة الرئيسية ثم صعدت الدرج متوجهة نحو غرفة نومها وحين تأكدت أنها أصبحت بأمان أخت نفساً عميقاً من الارتياح .
كان بنجي أول من فكرت به لقد أصبح بكاؤه هستيرياً الآن وقد يتطلب منها عناء كبير كي تهدئ روعه جلست على السرير ووضعته في حجرها وراحت تهزه بلطف وحنان فتحسنت حالته تدريجياً ثم وضع إصبعه في فمه وبدأ يشعر بالراحة .
آه ! يا إلهي ! ما الذي فعلته بنفسي ؟ أرجوك .. أرجوك يا إلهي دعني أستيقظ وأرى أني مازلت في منزلي ..
لكن ذلك لم يكن حلماً كي تستيقظ منه فهي فعلاً في توسكانا متزوجة من رافايللو دي فيسنتى ويبدو أن عائلته أصيبت بالهلع حين سمعت الخبر .
سمعت صوت وقع خطوات غاضبة في الممر ثم سمعت صوت أبواب تغلق بعنف و أخيراً أغلق أحد الأبواب بعنف فاق كل ما قبله وشعرت ماغي أن المنزل اهتز بأكمله جراء ذلك .
هدأ الوضع لبعض الوقت ثم سمع صوت محرك سيارة يدور بعنف وانطلقت السيارة مسرعة ليختفي بعدها الصوت ويخيم بذلك صمت طويل في أرجاء المنزل .
فتحت ماغي حقيبة يدها وأخرجت منها تفاحة وبعض قطع البسكويت أكلها بنجي بشراهة كبيرة لكنه ظل يشعر بالجوع راحت تحاول إلهائه بأشياء أخرى لساعة أخرى تقريباً لكن جهودها ذهبت هباء حتى العصير لم ينفع معه فالطفل يحتاج إلى طعام يناسبه وإلى شرب الحليب لم تعد تملك خياراً عليها النزول للبحث عن بعض الطعام له . فتحت الباب بهدوء وقلبها يقفز خوفاً بدا المكان معتماً في الخارج فنزلت الدرج بحذر لتصل إلى الطابق الأرضي .
دخلت عبر ممر توقعت أن يوصلها إلى المطبخ وتمنت أن تجد غوسيب هناك فتحت باباً أمامها بحذر شديد وحين دخلت أدركت أنها وصلت إلى مطبخ واسع قديم الطراز في الجهة المقابلة للباب رأت موقداً كبيراً وضعت فوقه أواني الطعام أما في وسط المطبخ وضعت طاولة خشبية كبيرة غطت معظم المساحة وخلفها نافذة قديمة الطراز أيضاً وقفت امرأة كبيرة السن تنظف قدراً نحاسياً كبيراً فوق مغسلة حجرية .
وقفت ماغي عند الباب مترددة فالتفتت المرأة نحوها سألتها بنبرة غير ودودة : نعم ماذا تريدين ؟
بدا وجهها قاسياً وتعبيرها بعيداً عن الترحيب ابتلعت ماغي ريقها وقالت متلعثمة بالإيطالية : عفواً هل .. من الممكن .. ؟
أملت أن يكون لفظها للكلمات صحيحاً كما تعلمته من كتاب تعليم الإيطالية التي اشترته مؤخراً .
قاطعتها المرأة وقالت بنبرة جافة : أنا أتكلن الإنكليزية ماذا تريدين ؟
أوشكت ماغي على الهرب والابتعاد بسبب قسوة المرأة حتى بنجي شعر بتلك القسوة ما زاده تعلقاً بأمه ابتلعت ماغي ريقها مجدداً وقالت بصوت يشبه الهمس : عفواً .. هل من الممكن بعد إذنك .. أن تقدمي بعض الحليب لابني ؟
نظرت المرأة نحو ماغي بعينين ثاقبتين من تحت حاجبيها الرماديين فشعرت هذه الأخيرة بتوتر شديد .
أخذت المرأة تتفحصها وتراقب ثيابها البالية وجسدها النحيل والطفل الذي تحمله ثم عادت تنظر إلى وجه ماغي المتوتر فجأة تغيرت تعابير المرأة فوضعت القدر جانباً وعلقت ببضع كلمات إيطالية لم تفهمها ماغي قبل أن تتحرك متجهة نحوها ثم قالت : تعالي .. تعالي اجلسي هنا ؟
أمسكت ماغي بقبضة قوية وحثتها على الدخول والجلوس على أحد الكراسي حول الطاولة .
_ أنت جائعة أليس كذلك ؟
مشت المرأة نحو الموقد حيث وضع العديد من الأواني وبواسطة إحدى الملاعق الخشبية الكبيرة سكبت من إحدى الأواني صحناً من السباغيتي ثم وضعت على وجه الصحن صلصة البندورة الحمراء وحملت صحن الطعام إلى ماغي وضعت الصحن على الطاولة ثم عقدت أحد مناديل الشاي الصغيرة حول عنق بنجي كي تحمي ثيابه من الصلصة .

 
 

 

عرض البوم صور safsaf313   رد مع اقتباس
قديم 13-09-08, 03:15 PM   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Mar 2008
العضوية: 66854
المشاركات: 2,022
الجنس أنثى
معدل التقييم: safsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 585

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
safsaf313 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : safsaf313 المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

فتح بنجي فمه تلقائياً لرؤية الطعام تذوقت ماغي القليل من السباغيتي كي تتأكد من برودتها قبل أن يمسك بنجي بذراعها ليوجه شوكة الطعام المليئة نحو فمه .
أكل بنجي وجبة كبيرة وحالما انتهى من تناول طعامه وضعت المرأة صحناً ثانياً من السباغيتي وصلصة البندورة أمام ماغي وأخذت الطفل منها ثم قالت لها : لقد حان دورك لتناول العشاء الآن .
حملته المرأة بشكل يدل على خبرة بالأطفال ثم استدارت لتملأ له كوباً من الماء أعطته إياه ليشربه بدا بنجي سعيداً جداً بذلك وأخذ يصدر صوتاً قوياً وهو يشرب .
راحت المرأة تداعبه وتخاطبه بكلام إيطالي ودود لم تفهم منه ماغي شيئاً سوى كلمة طفل .
أحضرت المرأة ملعقة خشبية وقدمتها إلى بنجي كي يلعب بها فالتقطها بسرور ثم جلست في الكرسي المقابل لماغي وقالت : هيا ! كلي طعامك .
بدا الطعام لذيذاً جداً التهمته ماغي بشراهة تماماً كما فعل بنجي .
تركتها المرأة تكمل طعامها وهي تلهي نفسها ببنجي الذي بدا غير متضايق للتكلم معه بلغة يجهلها راقبت ماغي تلك المرأة وقد بدا بوضوح مدى خبرتها مع الأطفال ما جعلها تعرف بالضبط ما قد يسلي بنجي مثل ضرب الطاولة بالملعقة الخشبية ومحاولته الوصول إلى المملحة الموضوعة على الطاولة ليلهو بها رشفت آخر ملعقة من صلصة البندورة وتنهدت بارتياح نظرت المرأة إليها وقالت وهي تنقل بنجي من جهة إلى أخرى في حضنها : إذاً سنتكلم الآن ..
وتابعت بنبرة إنكليزية ثقيلة : هل هو ابن رافايللو ؟
ظهرت على وجه ماغي تعابير الذهول وفتحت فمها من الصدمة ما جعل ردة فعلها تريح تلك المرأة التي قالت : حسناً ! هذا أمر جيد .
ظهرت النبرة اللاذعة مجدداً في صوت المرأة التي تابعت تقول : إذاً لقد تزوج ببساطة لكي يغيظ والده يا له من غبي ! .
حدقت ماغي بها ولم تعلم ماذا تقول فهي لم تكن تملك فكرة عن الوضع الشيء الذي ستواجهه عندما تصل إلى هذا المنزل أما مدبرة المنزل فلم تبدوا مندهشة أبداً مما حدث .
علقت المرأة قائلة : هل هو مجنون ليفعل هذا بوالده ؟ دائماً تتكرر الأحداث نفسها .. يتشاجران دائماً كالرعيان يا لعنادهما … ! لكن هذا أسوأ ما حصل بينهما على الإطلاق .
قالت المرأة بضع كلمات بالإيطالية ثم تابعت تقول بالإنكليزية : حسناً ! لقد حدث ما حدث الآن لكن إن لم يكن رافايللو والد طفلك فمن هو إذن ؟
صدم ذلك السؤال القاسي ماغي .
_ همم .. قال السنيور دي فيسنتى إنه بحاجة للزواج لأسباب قانونية في عيده الثلاثين .. وأنا وافقت لأني ..
صمتت فجأة وقد شعرت بالخجل من الاعتراف بأن السبب الذي جعلها توافق على الزواج من رجل غريب هو المكسب المالي .
رمقتها المرأة بنظرات قاسية وقالت : من اجل المال أليس كذلك ؟
احمرت وجنتا ماغي ونظرت أمامها خجلاً .
_ بالمال الذي وعدني به السنيور سأشتري منزلاً صغيراً لابني .
عادت النبرة اللاذعة للمرأة لكن بدا صوتها ضعيفاً ومتعباً وهي تسألها : وأين والد طفلك ؟ لا .. لا تقولي لي .. لقد رحل أليس كذلك ؟ المسألة تتكرر دائماً الرجال لا يكترثون والفتيات غبيات .
أعطت بنجي مجدداً لماغي وأخذت الأطباق كي تغسلها ثم رمقت ماغي بنظرات داكنة تحذيرية وهي تقول : حسناً ! لم يعد هناك ما يمكنك أن تقومي به الآن لكن بعد ما فعلته من المستحيل أن يسامح والد رافايللو ابنه .
تثاءب رافايللو حين وصلت أشعة الشمس إلى سريره ما زالت كلمات والده ترن في أذنيه .. استعاد كل كلمة بغيضة تبادلاها .. تذكر غضب والده العارم وسخريته هو الشريرة حين قال إنه بفضل إصراره على تزويج ابنه تزوج هذا الابن من امرأة كانت تقوم بتنظيف حمامات الشقق لكي تعيش وهي أم بلا والد .
*******
لعشر ثوان فقط فكر أن انريكو قد يصاب بأزمة قلبية بسبب هذا الكلام لكنه بدلاً من ذلك أخذ يوجه لرافايللو كلمات الغضب والشتائم لأنه جلب العار للعائلة بسبب هذا الزواج الطائش أما لوسيا فكانت تبحث عن شخص لتنفث سمها عليه وبد هو الشخص المناسب .
أعاده حمام ساخن إلى رشده قليلاً نظر إلى ساعة يده ليكتشف أن الوقت أصبح ظهراً إنه أول يوم من عمره بعد بلوغه الثلاثين لكنه لم يشعر بالسعادة وبرغبة بالاحتفال نظر من نافذة غرفته بتشاؤم ولم يشعر بالراحة لرؤية الحدائق في الأسفل حاول التركيز على أمور مهمة عليه الذهاب إلى روما لعقد اجتماع موسع وإعلان نفسه رئيساً لمجلس الإدارة الجديد .. ثم سيبدأ بتطبيق الخطط التي وضعها للدخول إلى السوق الأمريكية و الأسترالية ..
لفتت نظره حركة في الحديقة فعاد ينظر نحو الأسفل رأى الفتاة تقوم بجولة حول المنزل مع طفلها كانت تمشي ببطء ممسكة بيد الطفل وهو يحاول السير متأرجحاً في الممر المرصوف بالحجارة يا إلهي لقد نسي أمرها تماماً ..!
ما الذي سيفعله بها الآن ؟ لقد أدت مهمتها وأمنت له الزوجة التي يريدها لمواجهة والده لم يعد بحاجة إليها الآن لكنه لن يخاطر بنظرة الرأي العام له وتوضيحه هدفه من هذا الزواج المدبر بإرسالها الآن إلى إنكلترا هز كتفيه وفكر أن يطلب من ماريا أن تبقيها بعيدة عنه وسيسمح لها بقضاء عطلة تستمتع بها في الفيلا بينما يذهب هو إلى روما .
قبل أن يستدير نحو الغرفة لمح شخصاً آخر يخرج من المنزل .. إنها لوسيا ! بدا بوضوح أنها تتجه نحو الفتاة وهي تستشيط غيظاً .
خارجاً في الحديقة شعرت ماغي بالهلع فتلك المرأة أياً تكن كانت بالأمس غاضبة من إعلان رافايللو تماماً كما كان والده وهي الآن تتوجه نحوها عن سابق تصميم راح حذاء تلك يصدر صوتاً عالياً فوق الممر المرصوف بالحجارة وهي تمشي بسرعة إلى ان وقفت مباشرة أمام ماغي ..
ضاقت عينا المرأة بغضب ملتهب فشدت ماغي بيد بنجي الذي كان ينحني لاستكشاف الحجارة ..
مهما كان ما أرادت أن تقوله تلك المرأة فقد بقي طي الكتمان إذ سرعان ما سمع صوت وقع خطوات أكثر قوة وأكثر سرعة وظهر رافايللو عند زاوية المنزل كان يرتدي هذا الصباح بذلة رمادية أنيقة نظر إلى ماغي فإذا هي تحدق إليه باستسلام وبأنفاس متقطعة .
وجه كلامه إلى لوسيا بلغة إيطاليا سريعة : عليك أن تغادري لوسيا ليس لك أي عمل هنا كما لم يكن لك يوماُ كان عليك أن تعلمي أنني لن أتزوج منك أبداً .
لمعت عينا لوسيا غضباً وقالت بالإيطالية أيضاً : إذاً لقد تزوجت بهذه الساقطة بدلاً مني انظر إليها إنها تبدو كالدجاجة الهزيلة .
نظرات الازدراء التي رمقت بها المرأة ماغي جعلت رافايللو يتوتر ألقى بنظرة خاطفة نحو ماغي وهو يقول : كفى !
شحب لونها فجأة وتمنى رافايللو ألا تكون ذكية بما يكفي لكي تدرك معنى الكلام الذي وصفتها به لوسيا لكنه لم يساوره الشك بأنها سمعت النبرة العدائية في صوت قريبته مهما كانت اللغة التي تكلمت بها أخذ نفساً عميقاً وقال : لوسيا أظن أن من الأفضل لك أن تعودي إلى شقتك في فيرنز فأنت لم تقدمي خدمة جيدة لوالدي بجعله يعتقد أنك قد تصبحين زوجة ابنه العتيدة .
ظهرت نظرات مزعجة في عيني لوسيا الداكنتين وقالت بغضب : وأنت .. هل تظن أنك قدمت خدمة لوالدك بإحضار هذه .. هذه الفتاة إلى منزله ؟ أتمنى ان تكون فخوراً بما فعلته رافايللو .
استدارت لوسيا على عقبيها ومشت مبتعدة .
تنفست ماغي الصعداء وفي ذلك الوقت كان بنجي متشبثاً بيدها وقد شعر بالخوف من الصراخ و الأجواء المشحونة التي تحيط به حملته ماغي على ذراعها وهي تهمس له فوق رأسه : لا بأس يا صغيري .. كل شيء على يرام .
لكن لم يكن كل شيء كان يسير بشكل خاطئ .. كل ما يدور في هذا المكان الجميل كان خاطئاً .
_ كان عليك أن تخبرني .
لم تعلم من أين أتت هذه الكلمات أو من أين أتتها الشجاعة لقولها لكنها قالت ما قالته وهي الآن تنظر إلى الرجل الذي ظنت أنها تزوجته لأسباب قانونية تتعلق بالأعمال فقط لكنها استنتجت أن الأمر لم يكن يتعلق بالشركة .
لا يعقل أن يكون الغضب والسخط اللذين واجهتهما منذ ظهورها على الشرفة أمس متعلقين بأسباب غير شخصية كإدارة أعمال الشركة إنها مشكلة عائلية مشكلة عاطفية بشعة ومستمرة .
_ أخبرك بماذا ؟
بدا صوته حاداً أكثر مما أراد فالحديث الذي تبادله مع لوسيا جعله يبدو قاسياً .
أجابت ماغي بقوة : لم تخبرني أني سأسير في مكان مليء بالألغام البشرية الكل غاضب لأنك تزوجت مني والدك .. تلك المرأة .. أياً تكن .. وحتى مدبرة المنزل والخادم لم أكن اعلم أن الجميع سيكونون غاضبين مني .
حاولت ماغي بيأس أن تخفي الرجفة التي ظهرت في صوتها وهي تتكلم .
أجاب رافايللو ببرودة : ليسوا غاضبين منك بل مني أنا أما الشخص الوحيد الذي أنا غاضب منه هو والدي .
أخذ نفساً عميقاً : ربما يجب أن تعرفي أنه أراد أن يزوجني من لوسيا إنها قريبة لي وتود أن تصبح السينيورة دي فيسنتى كي تتمتع بمالي لقد عملت عليه بقوة كي يقتنع بأنها الزوجة المثالية لي والأم المثالية لأحفاده الذي يتمنى الحصول عليهم قريباً أما هو فحاول إجباري على ذلك بالقوة وهدد ببيع حصته في الشركة لكنني لم أكن لأسمح بذلك لقد عملت بجهد في السنوات العشر الأخيرة كي لا أضطر أبداً للزواج من امرأة لا أريدها لذا تحديته وتزوجت قبل يوم واحد من عيد مولدي الثلاثين .
بدا صوتها جافاً جداً هذه المرة وهي تقول : من امرأة ساقطة .
تفاجأ رافايللو أيعقل أنها تعلم ما معنى الكلمة ؟ وكأنها تمكنت من فهم أفكاره فتابعت القول : أليس هذا بالضبط ما تعنيه تلك الكلمة التي استخدمتها المرأة لوصفي سيد دي فيسنتى ؟
بدأت بالسير وقد أرادت فقط أن تبتعد عنه شعرت بالصدمة لبشاعة المواقف حولها لكن رافايللو أمسك ذراعها وقال : لا تعيري لوسيا اهتمام فهي غاضبة وحزينة لقد نفست عن غضبها أمامك ليس أكثر .
_ شكراً لك لكنني أفضل ألا يهينني أحد فلا أنت ولا قريبتك تعرفان أي شيء عني أو عن ظروفي أنا وابني .
امتقع وجهه بسبب ردها القوي فقال : كونك فتاة شابة لديها طفل صغير تخلى أبوه عنه يعني على الأقل أنك كنت غير حذرة باختيار الرجل المناسب .
تصلبت تعابير وجهها وأجابت : أظن أنني كنت أقل حذراً باختيار الرجل تزوجته بالأمس سيد دي فيسنتى كان علي بالتأكيد ان أتحرى عن علاقاتك المشبوهة أيضاً .
هزت ماغي ذراعها تحررها من قبضته وأسرعت بالابتعاد عنه خلفها سمعت رافايللو يطلق شتيمة ثم سمعت خطواته تسرع ليلحق بها وحين أصبح بقربها قال بقسوة : أنا آسف لأنك تعرضت إلى هذا الموقف لكن أود ان أذكرك أني سأدفع لك مبلغاً كبيراً من المال من أجل ما تقومين به .
شعرت بالإحباط حين ذكرها بذلك توقفت عن السير و أخذت تنظر إلى حذائه اللامع إنه محق عليها أن لا تنسى ذلك حتى لو لم يكن صادقاً حين أخبرها عن أسبابه التي دفعته للزواج منها .
رفعت بصرها نحوه وأجابت بعنفوان : لقد قمت بما وسعي سيد دي فيسنتى .. فعلت ما أردته تماماً ولكني لا أتوقع منك أن تسمح لأفراد عائلتك بصب جام غضبهم علي لأنهم غاضبون منك بسبب زواجك بي .
التوت شفتا رافايللو : هل تطالبين بالمزيد من المال ؟
ظهر الشحوب على وجهها بسبب سؤاله وقالت نافية : لا سيد دي فيسنتى ! أنا لا أطلب المزيد من المال أنا اطلب فقط ألا أكون عرضة لإهانات أقاربك إن لم يكن لأسباب أخرى فقل إنها تسبب الذعر لبنجي والآن إذا سمحت هل يمكنك ان تعطيني التعليمات التي علي اتباعها هذا اليوم وسأفعل ما بوسعي لتنفيذها هل تود مني أن أعود لغرفتي ؟
فاجأته للحظات ردة فعلها الغاضبة قال لها : تصرفي بحرية وافعلي ما تريدينه المنزل والحديقة تحت تصرفك أنا لست رهيباً إلى هذا الحد .. لقد عبرت لك عن أسفي الشديد لتصرفات قريبتي لكنها ستغادر قريباً وكذلك أنا لذا تصرفي وكأنك في بيتك .
مشى بعيداً تاركاً ماغي تغلي في غضبها لكن شعورها اختفى فجأة ما الذي جعلها تخوض هذا الشجار معه ؟ فالأغنياء لا يكترثون لمشاعر الناس وهي تعلم هذا جيداً بالنسبة لرافايللو فإنها مجرد أداة يستخدمها .. لقد وظفها لديه وهو يدفع لها مقابل عملها عليها ان تبقى صامتة ولا تتدخل مع أحد .. مهما حدث من شجارات حولها .
سمحت لبنجي ان ينزل إلى الأرض مجدداً وراقبته بصمت وهو يمسك بالحجارة ويرميها مجدداً على الأرض حين شعر أخيراً بالملل أمسكت يده وقالت له : هيا دعنا نعود إلى المنزل .
دارت حول المنزل تدخل من باب الخدم فهي تشعر بالراحة في ذلك المكان على الأقل إذ يبدو أن مدبرة المنزل قررت أخيراً أن تكون ودودة معها علمت ماغي في الصباح عندما نزلت إلى المطبخ لتطعم بنجي أن مدبرة المنزل تدعى ماريا وقد أظهرت ماريا لطفاً شديداً نحوهما مقارنة بالفظاظة التي تظهرها عادة وتوقعت ماغي أن ماريا تخبئ وراء فظاظتها ما إن دخلت ماغي إلى المطبخ حتى تهجت ماريا كلمات جديدة بالنسبة إليها بالكلمات الإنكليزية : حليب من أجل الطفل .
توجه بنجي نحوها بفرح معبراً عن ثقته بهذه المرأة الجديدة التي تدخل حباته حدثته ماريا بالإيطالية وأجلسته على الطاولة لتقدم له كوباً من الحليب بشراهة بدأت ماريا تكرر حليب أمامه مرات عديدة كي يتعلمها جيداً .
كرر بنجي الكلمة وراءها وهو يقول : بيب ….
ثم اخذ يراقبها وهو يسأل بكلام غير مفهوم : أيضاً ؟
فسرت ماغي لماريا ما يقصده بنجي بكلامه : يقصد أنه يريد كوباً آخر .
_ آه فهمت .
ملأت ماريا كوب بنجي بالمزيد من الحليب ونظرت إلى ماغي قائلة : إنه ولد جيد رغم أنه بلا أب .
بقيت تنظر نحو ماغي مطولاً بعينيها السوداوين ثم لان تعبيرها وأكملت : لكن من الواضح أنك تحبين ابنك كثيراً وهذا ما يجعل منك امرأة صالحة .
اغرورقت عينا ماغي بالدموع عند سماع هذا الكلام الذي بدا قاسياً ولطيفاً في الوقت نفسه فأصدرت ماريا صوت اعتذار بحنجرتها ووضعت أمام ماغي كوباً من الحليب الذي قدمته لبنجي .
لدهشتها أمضت ماغي بقية نهار ممتع حيث قضت وقتاً طويلاً برفقة ماريا وهما تمرحان مع بنجي فقد أخرجت ألعابه من الغرفة وأنزلتها إلى المطبخ لتلعب معه عند زاوية من الطاولة الكبيرة بينما كانت ماريا تحضر الغذاء لوالد رافايللو كما قدرت .
أما لوسيا فقد غادرت المنزل كما أعلن غوسيب حين أتى ليلقي نظرة على المطبخ لبعض الوقت وحسبما استنتجت ماغي فإن لوسيا لم تكن محبوبة من موظفي الفيلا .
لقد رحل رافايللو أيضاً منطلقاً بسيارته بسرعة إلى روما ما جعل ماريا تشعر بالاستياء لمكن ماغي شعرت بالراحة طول النهار .
بعد الغذاء بدأ القسم المشوق من النهار اصطحبتها ماريا مع بنجي إلى حوض السباحة الذي يقع في حديقة مسورة بدت المياه ملتمعة تحت أشعة الشمس بشكل يغري بالسباحة فركض بنجي الذي يحب الماء نحو البركة بحماس كبير سألت ماغي ماريا بتردد : ألن يمانع السنيور دي فيسنتى أن يسبح بنجي هنا ؟
توتر فم ماريا : أنت السينيورة دي فيسنتى الآن .. ولا تقولي أن ذلك حدث بالاسم فقط .. إنه متزوج منك وأنت زوجته .. إن أردت السباحة فاسبحي .
لم تستطع ماغي المقاومة رغم ان المياه بدت باردة بعض الشيء لكن بنجي استمتع بالسباحة في الإطار المليء بالهواء الذي جعله يعوم فوق الماء ولم تخشى ماغي أن يصاب بالبرد لأن أشعة الشمس كانت قوية .
مر الوقت بسرعة وهما يستمتعان بالسباحة بهدوء لوحدهما .
بعد فترة غفا بنجي على كرسي طويل تحت مظلة كبيرة فتحها لهما غوسيب بجانب المسبح بينما جلست ماغي تتشمس قربه .
على الرغم من المشاكل التي عصفت حولها منذ وصولها إلى هذا المنزل عليها أن تنسى كل المشاحنات وتستمتع بوقتها إذ لا علاقة لها أبداً بمشاكل رافايللو دي فيسنتى وهمومه .
أمضت ماغي أمسية هادئة مع بنجي برفقة ماريا و غوسيب في المطبخ .
قالت ماريا وهي تبدو غير راضية عن تصرفات رافايللو : ذهب إلى روما ولم يعد .
وفي المساء حين استغرق بنجي في النوم في السرير الكبير شربت القهوة التي أحضرتها ماريا وقرأت لمدة ساعتين تقريباً .
قبل أن تخلد إلى النوم جلست أمام النافذة تستمتع بأجواء الليل الإيطالي إنها الليلة الثانية لها في إيطاليا فيما هي تراقب الظلام الهادئ قالت لنفسها بنعومة : أنا محظوظة أكثر مما حلمت بمجرد خوضي هذه التجربة التي لم أفكر بها أبداً .
تراءى لها في الظلام وجه ذو عينين سوداوين بشرة سمراء عظام بارزة فوق الخدين وفم منحوت .. وجه يمثل قمة الوسامة الرجولية راح قلبها يخفق بجنون .. آه ! إنه ذلك النوع من الرجال الذي الذين يسلبون ألباب النساء .
تزايد شعورها بالضعف !
إن رافايللو دي فيسنتى بعيد عن متناول يدها أكثر من لوحة قيمة معلقة على جدار متحف .
ضغطت شفتيها معاً بقوة وهزت رأسها وقد اتسعت عيناها دهشة لتفكيرها به تنشقت هواء توسكانا المنعش المحمل بعبق أشجار السرو وعطر الأشجار و ببطء وقفت على قدميها وتوجهت نحو سريرها .عليه وبد هو الشخص المناسب .
أعاده حمام ساخن إلى رشده قليلاً نظر إلى ساعة يده ليكتشف أن الوقت أصبح ظهراً إنه أول يوم من عمره بعد بلوغه الثلاثين لكنه لم يشعر بالسعادة وبرغبة بالاحتفال نظر من نافذة غرفته بتشاؤم ولم يشعر بالراحة لرؤية الحدائق في الأسفل حاول التركيز على أمور مهمة عليه الذهاب إلى روما لعقد اجتماع موسع وإعلان نفسه رئيساً لمجلس الإدارة الجديد .. ثم سيبدأ بتطبيق الخطط التي وضعها للدخول إلى السوق الأمريكية و الأسترالية ..
لفتت نظره حركة في الحديقة فعاد ينظر نحو الأسفل رأى الفتاة تقوم بجولة حول المنزل مع طفلها كانت تمشي ببطء ممسكة بيد الطفل وهو يحاول السير متأرجحاً في الممر المرصوف بالحجارة يا إلهي لقد نسي أمرها تماماً ..!
ما الذي سيفعله بها الآن ؟ لقد أدت مهمتها وأمنت له الزوجة التي يريدها لمواجهة والده لم يعد بحاجة إليها الآن لكنه لن يخاطر بنظرة الرأي العام له وتوضيحه هدفه من هذا الزواج المدبر بإرسالها الآن إلى إنكلترا هز كتفيه وفكر أن يطلب من ماريا أن تبقيها بعيدة عنه وسيسمح لها بقضاء عطلة تستمتع بها
4_ نعم إنها زوجتك

ضغط رافايللو بقوة على دواسة الوقود ليتجاوز باصاً سياحياً كان يسير ببطء شديد على الطريق السريع عليه أن يكون بمزاج جيد لقد أصبحت شركة دي فيسنتى له بالكامل لكنه لا يشعر بالفرح فهو لم يشأ أن يتواجه مع والده فكيف بأن يتواجه مع الفتاة التي أصبحت زوجته أيضاً .
كل ما أراده أن يتخطى خدعة والده ويبعد لوسيا عن طريقه وأن لا يخسر جهد حياته في شركة فيسنتى لم يخطط أبداً للاهتمام براحة امرأة وتدليل ابنها فقط لأنه تزوج منها في اليوم السابق فهي كانت تعلم ماذا تفعل حين وقعت الأوراق .
صرخ في رأسه صوت مذنب يقول : لا إنها لم تعلم .
جعله ذلك يطلق بوق السيارة بقوة ليمنع سيارة تحاول تجاوزه من اختراق خط سيره .
تابع ذلك الصوت في داخله يقول تماماً كما قالت لك .. لم تكن تعلم أنها ستواجه الانفجار الغاضب في عائلتك عند وصولها لقد اصطدمت بهذا المحيط دون أي علم بالأسباب .
راح يفكر بقسوة : نعم حسناً ! لكن لا سبب يدعوني لأشعر بالسوء نحوها فهي على الأرجح فتاة إنكليزية غير ذكية لم تفقه أي كلمة مما حكي أمامها بالأمس حتى إنها جعلت نفسها حاملاً لكي تستفيد من ما يقدمه الضمان الاجتماعي ليس أكثر وهي الآن تمضي عطلة جميلة في فيلا مليونير إيطالي فتستمتع بأشعة الشمس بالتأكيد لن يقترب والده منها .. فهو ببساطة سيحبس نفسه في مكتبته ويبدأ بالتدخين أما لوسيا فقد رحلت من المنزل وقد تأكد رافايللو من أن ماريا و غوسيب يعتنيان بماغي وطفلها .
ما لبث أن اقتنع بوجهة نظره الأخيرة ولم يعد يفكر بالموضوع ضغط على دواسة الوقود أكثر فالقيادة بسرعة تضع دائماً مشاكله وراءه وتخلصه من همومه .
لكنه استعاد همومه لحظة وصوله إلى مدخل كراج الفيلا من جديد بعد نصف ساعة تقريباً وقعت عيناه على سيارة مألوفة وفكر بغضب يا للروعة ! لقد استدعيت قوات النجدة .
لم يشعر رافايللو بالدهشة لطالما استعان والده بشقيقته كلما واجه المشاكل مع ابنه حسناً ! يمكن للعمة اليزابيث أن تقول ما تشاء في هذه المسألة وهي بالتأكيد ستفعل فهي تملك لساناً حاداً لكن أي معاتبة ستأتي متأخرة لقد تحدى والده وانتهى الأمر .
استقبله غوسيب حالما وصل إلى المدخل بدا الرجل شاحباً وعلم رافايللو أنه ليس راضياً حين راح يتكلم .
قال محاولا ً تجاهل ملاحظات هذا الرجل الذي يعرفه أكثر من والده : أرى أن عمتي وزوجها هنا ! .
_ أجل سنيور وصلا منذ ساعة وهما يجلسان مع والدك .
هز رافايللو رأسه وعلق قائلاً : حسناً ! علي أن أنتهي من هذا الأمر هل هم في المكتبة .
هز غوسيب رأسه إيجاباً فقال رافايللو : حسناً !
أكمل طريقه نحو المكتبة وما إن دخل القاعة الكبيرة أدرك على الفور أن والده كان بقوم بتعداد أخطاءه وزلاته بالتفصيل أما عمته فكانت بالتأكيد تسترجع ذكرياتها حين كانت أختها الكبرى تعتني بها في هذا المنزل أما زوجها ففقد ظهرت عليه تلك النظرة المألوفة التي تدل على شرود ذهنه أميال بعيداً عن مشاكل العائلة ما إن اقترب رافايللو حتى افتتح والده الحديث معه قائلاً : إذاً قررت أخيراً العودة إلى المنزل ! أولاً تقوم بتحطيمي ثم تتركني بمفردي لكن أي معاملة أخرى سأتوقعها سأنتظرها منك ؟
شعر رافايللو بالغضب والتوتر يسيطران عليه مجدداً وقال : كنت بحاجة إلى النزول إلى روما لطلب عقد اجتماع لمجلس الإدارة في أقرب وقت ممكن كي أعلن أني أصبحت رئيس المجلس الجديد .
أطلق والده صوتاً يدل على استهجانه وقال : لقد نحيتني جانباً فعلاً حسناً ! لكن حين تترك شركة العائلة في دمار تام بسبب طموحاتك السخيفة تذكر أنك أخذتها مني عن طريق الغدر والخيانة .
تكلم رافايللو بصوت حديدي وهو يرى لون وجه والده يتغير بشكل خطير : أنت أعطيتني كلمتك بابا قلت لي أني سأدير الشركة بنفسي لو تزوجت في عيدي الثلاثين وأنا نفذت شرطك هذا كل ما في الأمر أنا لم أعد طفلاً صغيراً الآن وما أردت فعله بي لا يغتفر إنها حياتي الآن .. ولا يحق لك أن تتحكم بها كلعبة بين يديك .
ارتفع صوته مع ازدياد غضبه فوقفت عمته بينهما ورفعت يدها قائلة : هذا يكفي رافايللو ! وأنت أـيضاً انريكو ألا يمكنكما أن تحاولا على الأقل التفاهم بطريقة حضارية ؟
قال انريكو بغضب : حضارية ؟ أتطلبين طرقاً حضارية بعد ما فعله اليزابيث ؟
تنهدت اليزابيث قليلاً ثم قالت : يدهشني انريكو أنك بعد هذه السنين لا زلت تجهل أن رافايللو عنيد مثلك تماماً بالله عليك ! من أين أحضر هذا الرأس اليابس ؟ أردت إجباره على أمر فتمرد عليك ماذا توقعت منه أن يفعل ودمك العنيد يجري في عروقه ؟ نصحتك بألا تعاند في قراراتك لو أنه أراد الزواج من لوسيا لفعل ذلك دون مساعدتك له .
نظر انريكو بتمرد نحوها بسبب هذا النقد القاسي الذي وجهته إليه لكن أخته لم تفسح المجال له للرد فقد أعطت انتباهها لرافايللو لتقول بصوت يشدد على ملاحظتها : أشكر الله أنك تملك الإحساس الذي منعك من الزواج من لوسيا وأتمنى أن تقدم ذات يوم على زواج مبني على الحب لكن عليك أولاً أن تحرر نفسك من هذا الرباط الذي وضعت نفسك فيه بالزواج الآن فأنا لا أوافق على ما فعلته رافايللو سأخبرك بصراحة أنني مازلت آمل أن تثبت للجميع ولنفسك أيضاً أنك أكثر من مجرد رجل أعمال ذي عقل راجح ووجه وسيم .
ثم تابعت بصوت حاد : عليك أن تجعل عمتك تفرح بك .
وفتحت ذراعيها باتجاهه كأنها تطالبه بالاقتراب منها فأسرع رافايللو نحوها كالمعتاد ليطبع قبلتين على وجنتيها فقالت له بمرح : نعم هذا أفضل بكثير !
على الرغم من لسانها الحاد فهو يحبها كثيراً نظرت اليزابيث في عينيه للحظة وقالت بغرابة : علينا أن نتحدث سوياً أيها الشاب الوسيم سأرسم خطة لإخراجك من هذه الورطة .. ولن تكون المرة الأولى التي أفعل فيها هذا .. ولا المرة الأخيرة .
سمحت له بالابتعاد عنها ولكنها أكملت تقول : لكن أولاً علي أن أرتاح قليلاً فالرحلة من بولينا كانت شاقة لقد عمل عمك برناردو بجهد كبير وكانت جولته الثقافية متعبة ومازال هناك الكثير من الأوراق ليكتبها كان عليك توقيت مصائبك في وقت مختلف هيا برناردو .
نادت زوجها ليلحق بها وبالكاد تمكن هذا الأخير من تبادل كلمات الترحيب مع ابن أخ زوجته ثم لحق بها وقف رافايللو للحظات متردداً وهو ينظر نحو والده .
شعر كأنه قنبلة قابلة للانفجار بأي وقت لماذا ؟ فكر بأسى .. لماذا يجب أن تحصل معارك دائمة بينهما ؟
شعر بالإحباط قليلاً فوالده بدا كشخص غريب عنه لمعت عينا انريكو غضباً حين رأى رافايللو ينظر نحوه وقال : أنت .. أنت أيضاً اخرج من هنا لا أريد أن أراك .
لم يحتج رافايللو أن يقول له والده ذلك مرة أخرى فاستدار وخرج من المكتبة على الفور .
فكر بأن يخرج للسباحة هذا ما هو بحاجة إليه الآن فالطقس دافئ والحركة الجسدية قد تفيده ستساعده السباحة على التخلص من التوتر والمشاعر المتناقضة التي تشتعل داخله بعد أن ارتدى ملابس السباحة ووضع المنشفة على كتفه وتوجه نحو البركة وقف مكانه مذهولاً …
لقد سبقه أحدهم إلى حوض السباحة في الواقع أدرك أنا شخصان قد سبقاه إلى هناك إنهما زوجته وطفلها راقبهما للحظات من خلف شجيرات الورد …
كانت ماغي تلعب مع الطفل وهي تقف في الجهة الأقل عمقاً من البركة كانت تقوم برمي بنجي في الفضاء لتعود وتتلقاه عندما يصل إلى الماء مجدداً كانت تضحك بفرح وكذلك بنجي .
تقدم رافايللو باتجاه حوض السباحة لكن ظهوره فاجأ ماغي كثيراً تجمدت في مكانها غير مكترثة لإلحاح بنجي بمتابعة اللعب معه حدقت برافايللو بذعر لاحظه بسهولة وشعر بسخط مفاجئ لا داعي لأن تنظر إليه كمصاص دماء ! سرعان ما بدأت بصعود الدرج المسبح الحجري غير مبالية بصراخ الصبي الذي طالبها بالمزيد من السباحة .
قالت ماغي معتذرة : أنا آسفة جداً لم أدرك أننا يجب ألا نسبح في هذا الوقت .
اختلج رافايللو شعور غاضب آخر ولم يعد يشعر أنها تراه مصاص دماء وحسب بالوحش فرانكشتاين أيضاً .
أعلمها وهو يضع المنشفة على أحد المقاعد : لا داعي لتذهبا ... فأنا سأسبح قليلاً فقط أكملي اللعب مع الطفل .
لكنها تابعت الخروج من البركة وهي تقول : لا ! لا ! لقد انتهينا .
نظراً لتصرفات الطفل الغاضب بسبب الخروج من الماء يمكن الاستنتاج أنهما لم ينتهيا بعد كما ادعت .
بدا صوته جافاً أكثر مما أراد إظهاره وقال : ابقيا في الماء .
لا سبب يدعو تلك الفتاة لتنظر إليه وكأنه وحش .
تمتمت الفتاة : لا حقاً !
لم تعد تحدق به بل أصبحت نظراتها مرتبكة وبدأت تمشي نحو المقعد الذي وضعت أغراضها عليه كانت تمسك الطفل من تحت ذراعيه وهو يصرخ احتجاجاً ويركل الهواء بقدميه احتجاجاً ولحظة ظن رافايللو أن الطفل سيقع على الأرض فاندفع نحوه ليمسك به في اللحظة نفسها التي انحنت فيها ماغي لتنزله على الأرض كي يصبح بأمان .
لثوان قصيرة التقت عينا رافايللو بعينيها قبل أن يبتعد من جديد مدركاً أنها لا تحتاج لمساعدته أذهله ما رآه في عينيها لقد بدت مذعورة بشدة .
وقف رافايللو وقال : ظننت أن الطفل سيقع .
وقفت ماغي في مكانها ممسكة بيد بنجي ورغم أنه كان يشدها باتجاه الماء بقوة فجأة قالت وقد اختفت نظرة الذعر في عينيها : هذا الطفل اسمه بنجي إن كان طفلاً بلا أب ذلك لا يعني أنه لا يملك اسماً أيضاً .
توتر فم رافايللو وفكر أنها تبدو نحيلة جداً وأنه كان عليها رمي الثوب الذي ترتديه للسباحة منذ زمن طويل على الأرجح أنها اشترته من متاجر الثياب البالية فهو كبير جداً عليها وقد ارتخى المطاط فيه أما ألوانه فلم تكن منسجمة مع بعضها أبداً .
وفيما هو ينظر إليها باشمئزاز تغيرت تعابير وجهه تذكر رافايللو تلك التعابير إنها نفسها التي رآها على وجهها حين رآها في لندن وقرر أنها المرأة المناسبة لغايته .
لاحظ ردة فعله أيضاً .. لقد استعاد ذلك الشعور بعدم الارتياح الذي أحس به وهما يركبان السيارة التي أقلتهم من المطار .
حسناً ! إنها ليست مذنبة بالظهور بهذا المنظر المزري فهي بالتأكيد لا تملك المال لشراء ثوب سباحة يحسن شكلها بدلاً من إضفاء القبح عليه وفي الواقع ينطبق الأمر على كافة ملابسها فهي فعلاً أكثر الملابس التي رآها في حياته بشاعة .
مرت صورة لوسيا في ذهنه بجسدها النحيل مرتدية آخر ابتكارات الموضة فهي معتادة على ارتداء ثيابها لمرات معدودة جداً قبل أن ترميها .
لكن المقارنة غير عادلة فالفتاة التي تقف أمامه تبدو كأنها آتية من كوكب آخر .
عبس وهو يتذكر المشهد حين وصفتها لوسيا بالساقطة عاد إليه شعوره بالانزعاج لكنه أصبح أقوى هذه المرة ما شأن لوسيا بحق السماء كي تصفها بذلك الوصف ؟ إنها فكرة سخيفة بل هجومية أيضاً .
وجه نظره مجدداً نحو الطفل الذي مازال يتخبط بعنف كي يعود إلى البركة حسناً ! ليس لديه والد لكن اتهام هذه المرأة بعدم المبالاة سيكون سخيفاً كاتهامها بأنها ساقطة .
( أنت لا تعرف شيئاً عني وعن ظروفي ) .. هذا ما قالته له في السابق .
عادت إلى ذهنه الاتهامات التي وجهت لها في الصباح لقد فهمت ما وصفتها به لوسيا جيداً لم يتوقع منها أن تفهم ولكنها فهمت .. وازداد انزعاجه ..
أوقفت ماغي الطفل بقرب أحد المقاعد وهي تتكلم إليه بحدة محاولة لف منشفة حوله لكنه رماها بعيداً وارتفع صراخه إلا أنها عادت ولفته بها ولفت نفسها بمنشفة أخرى ثم وقفت مكانها قليلاً .
فجأة فكر رافايللو تبدو جميلة بجسدها النحيف والسمرة التي اكتسبتها في الشمس ربما …
ربما لأن المنشفة أخفت ذلك الثوب البشع الذي ترتديه أو لأن أشعة الشمس كانت تعكس ضوء دافئاً على وجهها رأى شعرها الطويل مربوط إلى الوراء كذيل الحصان لم يدرك في السابق حتى أنها تملك شعراً طويلاً فهي دائماً تلفه على بعضه وترفعه بملقط شعر .
راقبها وهي تحمل الطفل وقد كف عن الصراخ الآن وبدأ يحدق برافايللو بعينيه السوداوين الكبيرتين هل قالت أن اسمه بنجي ؟ سيحاول أن ذلك في المرة المقبلة فقد يجعلها ذلك تكف عن التصحيح له بتلك الطريقة القاسية .
حملت ماغي أغراضها وانصرفت وهي تتمتم : عن إذنك .
لاحظ رافايللو أن الطفل .. بنجي .. كان متشبثاً بإطار العوم كأنه كنز من الذهب انتابته مشاعر الغضب والانزعاج من الواضح أن الفتاة كانت تمضي وقتاً ممتعاً مع الطفل .. بنجي ذكر نفسه بالاسم .. والآن هما يعجلان بالانسحاب لم يكن ضرورياً فوجودهما لم يكن ليزعجه طالما يبقيان بعيدين عن المسار الذي سيسبح فيه ..
حسناً لقد فات الأوان الآن بالإضافة إلى أنه لم يكن هو المذنب في رحيلهما فهي التي أصرت على الذهاب أخذ رافايللو موقعاً مناسباً على حافة البركة ثم اندفع نحو الماء ليغطس مبتعداً باتجاه الحافة الأخرى التي تبعد عشرين متراً .
بعد أربعين دقيقة كان قد قطع مسافة كيلومترين ذهاباً وإياباً شعر بالتعب لكن مزاجه أصبح جيداً كانت الشمس قد غابت الآن والظلام بدأ يغطي المكان لكن الهواء لا يزال دافئاً مشى بجانب البركة والتقط منشفته ثم نشف شعره قبل أن يلفها حول جسده .
شعر بالجوع الشديد وقرر أن يأخذ حماماً ثم يغير ملابسه وينزل لتناول بعض المقبلات أدرك أن عمته ستنقض عليه وتسمعه ثرثرتها حتى يمل لكنه بعد هذه التمارين أصبح بمزاج جيد ما يسمح له بتحملها لقد شعر بالسرور لحضورها فهي تنجح دائماً في تهدئة أعصاب أخيها لطالما قامت بهذا الدور طيلة حياتها .
إن وجود عمته وزوجها سيجعلان فترة العشاء أقل إزعاجاً سيساعدان على جعل الأمور أكثر تحضراً .
علت ابتسامة صغيرة فم رافايللو وهو يدخل إلى المنزل .
بعد عشرين دقيقة جلس على الشرفة يشرب القهوة ويراقب أشجار السرو ممتعاً نظره برؤية السهول البعيدة التي تطل عليها الفيلا سمع فجأة وقع خطوات عمته تقترب فوقف يساعدها على أخذ مكانها وعاد يجلس قربها .
بدأت تتكلم على الفور بنبرة آمرة قائلة : حسناً سنتكلم الآن .
في الطابق العلوي كانت ماغي تحمم بنجي رغم أن ذلك لم يكن ضرورياً فقد كان نظيفاً جداً من مياه البركة النقية لكن الحمام شكل إرضاء كبيراً له بعد أم حرم من متابعة اللعب في البركة أما ماغي فلم تنزعج لأنهما غادرا البركة إذ سبق وسبحا مرتين فيها منذ الصباح وقد أمضيا نهاراً هادئاً كالأمس تماماً .
لقد سبحت حين استيقظت ثم تناولت الفطور مع ماريا و غوسيب وعادت لتسبح بعدها ثم أخذت قسطاً من النوم هي و بنجي ومن ثم خرجت تستكشف الحديقة والأراضي المحيطة بالفيلا .
تابعت الاستكشاف صعوداً نحو التلة حتى وصلت إلى الغابة حين عادت إلى المنزل علمت من ماريا أن عمة رافايللو وزوجها وصلا فأخذت بنجي للاختباء في الباحة التي تضم البركة حيث سبحا للمرة الأخيرة في اليوم .
عادت تقلب الأفكار في ذاكرتها .. آه ! لما لم تأخذ بنجي وتنسحب من حوض السباحة قبل عشر دقائق
من وصول رافايللو ؟ لو كان الخجل يقتل الإنسان لماتت من الخجل وقتها ! عادت صورته تقتحم خيالها .. بدا جسده قوياً جداً بطوله الذي يبلغ ست أقدام وبشرته السمراء وعضلاته المفتولة …
شكرت الله لأنها لم تحمر خجلاً وإلا لشعرت بإحراج أكبر .. يكفي أنها تشعر بالإحراج بسبب النظرات التي يرمقها بها وكأنها خرقة مكسوة بالقذارة .
جلست القرفصاء سامحة لبنجي بإلصاق يد مليئة بالصابون على الحائط بجانب حوض الاستحمام راح الطفل ينشر الصابون حوله في كل الجهات أرجعت بيدها بضع خصلات من شعرها إلى الخلف وبينما كانت تقوم بتحريك رأسها انتبهت إلى صورتها في المرآة .
آه يا إلهي ! تبدو بشعة جداً فقميصها قديمة وواسعة لا تبرز شكل جسمها أبداً أما شعرها فبدا مشعثاً عدا عن كونه مجعداً وطويلاً أكثر من اللزوم تذكرت أنها حاولت قصه مرة عند مزين الشعر ولكنها لم تعد الكرة .
فقد اكتشفت وقتها أن الشعر الطويل لا يكلف المال أما الشعر القصير فبلى .
فكرت أن أي رجل سيراها بحالة مزرية فما بالك برجل أنيق ووسيم مثل رافايللو دي فيسنتى ! تذكرت نظراته وهو يحدق إليها بعينيه الواسعتين و رموشه الطويلة متفحصاً بنظرة تقييمية شكلها المزري فشعرت بخجل كبير .
أحست ماغي ببقعة صابون تطير لتحط على ذقنها قاطعة حبل أفكارها تلتها على الفور قهقهة بنجي ما جعلها تكف عن العبوس وتضع أفكارها المحزنة جانباً ابتسمت له بمودة وفكرت أن بنجي على الأقل لن يكترث لمظهرها الخارجي كل ما يريده منها هو الحب وهو الشيء الذي سيحصل عليه إلى الأبد .
بعد انتهاء الحمام ألبست بنجي ثياب نومه القديمة ولكن النظيفة تماماً ووضعته وسط السرير الكبير ألقى الطفل رأسه على الوسادة غامراً بيديه الدب المحشو بالقطن الذي أصبح بالياً لكنه يعشقه بقوة وجلست ماغي إلى جانبه تقرأ له في الكتاب المصور المفضل لديه بدا بنجي متعباً جداً هذه الليلة وتوقعت ماغي أن يغفو بسرعة فكرت بالنزول بعد ذلك إلى المطبخ لإعداد سندويش لها على العشاء .
بوجود ضيوف في المنزل لم تشأ أن تكون مصدر إزعاج لماريا و غوسيب بالإضافة إلى أنها ستشعر بالأمان إن حملت طعامها إلى غرفتها بعيداً عن عيون عائلة رافايللو وعن رافايللو بالذات .
********
لم يتوقع رافايللو أن يستمتع بتوجيهات عمته لكن هذا ما حصل فهي على الأقل قد تفهمت وجهة نظره على العكس من والده إلا أنها بالرغم من ذلك قالت أنه ووالده يستحقان ما يواجهانه مع بعضهما وأنهت حديثها قائلة : أنتما لا تحتملان كلاكما .
ثم أخذت نفساً عميقاً وتابعت : والآن بعد أن أوضحت وجهة نظري اذهب وأحضر زوجتك تلك إلى هنا .
كان رافايللو يرفع كوب العصير عن الطاولة فتجمد مكانه محدقاً في عمته قالت عمته : حسناً ! ما من سبب يدعوك لتبقيها مختبئة بعد الآن علي أن أراها بنفسي .
أجاب رافايللو بجفاء : إنها في غرفتها .
_ حسناً اذهب ونادها لتنزل لا يمكنها البقاء هناك طيلة فترة المساء .
وضع رافايللو كوبه على الطاولة بانزعاج وقال إنها تعتني بطفلها .
لوحت عمته بيدها على الطريقة الإيطالية قائلة : يمكن لأحد الخدم البقاء مع الصبي من الأفضل لك أن تذهب لترى إن كانت جاهزة للنزول إلى العشاء تعلم أن والدك لا يحب التأخير في موعد تقديم العشاء .
توتر فم رافايللو وبدأ يقول : أنت لا تفهمين عمتي ولكن …
لكن عمته قاطعته بصوت حاسم : ما أفهمه رافايللو أنك أهملت تلك الفتاة منذ إحضارها إلى هنا انطلقت على الفور إلى روما لأنك مهووس بأعمال تلك الشركة ولكني سأقول لك أمراً مهما كانت الأعمال في الشركة ملحة ومهما كنت متشوقاً لأخذ مكان انريكو عليك ألا تترك زوجتك في المنزل بمفردها أبداً فهذا غير عادل على الإطلاق أنا لا أكترث إن كان هذا الزواج يلائمك أم لا وإن كنتما منسجمين أم لا لكن هناك أصول عليك إتباعها وهذه أهمها : أياً تكن تلك الفتاة ومهما بدت غير مناسبة كي تكون سنيورة دي فيسنتى لقد تزوجت منها وحصل ما حصل .. إنها زوجتك الآن .
ضغط رافايللو شفتيه على بعضهما بقوة .. هذا لا ليس ما خطط له أبداً وقف بتوتر ونظر إلى تعابير عمته الآمرة ثم قال بسخرية : جيد جداً …
ثم وجد نفسه يكمل فجأة : .. لكني سأطلب منك أن تتساهلي معها قليلاً .
عاوده ذلك الشعور بعدم الارتياح إن عمته امرأة مرعبة وهي بالتأكيد ستهلك تلك المخلوقة الضعيفة التي تجلس بأمان غرفتها الآن وستنقض عليها بلسانها المؤذي .
لاحظ أن عمته توجه نحوه نظرات غريبة كأن كلامه قد فاجأها أجابت بجفاء : سوف آخذ بعين الاعتبار .. ظروفها السيئة فبالإضافة لما أخبرني به أخي عن أخلاقياتها وخلفيتها المتواضعة تكلمت مع ماريا فتوضح لي أمور عديدة عرفت أنها أم عازبة غير محظوظة كالعديدات غيرها ويبدوا أنها تمكنت من إقناع ماريا بأنها ليست فتاة سيئة وهذه مهمة ليست سهلة أبداً لذا أعترف بأني أشعر بالفضول لرؤيتها بنفسي .. حسناً ! هيا اذهب وأحضر زوجتك كي تتخلص من حديثي معك …
زوجته ! مشى رافايللو مبتعداً عن عمته دارت دارت كلماتها في ذهنه لم يكن من المفترض حدوث ذلك .. لم يخطط لجعل تلك الفتاة جزء من حياته فالزواج منها كان لوحده اقتحاماً لحياته والآن تريد عمته أن يحضرها معه للعشاء وكأنها زوجته فعلاً .
صعد درجتين في كل خطوة وحين وصل إلى باب غرفتها دق عليه بحدة .
أجفلت ماغي وكان النعاس قد بدأ يغلبها فيما هي تراقب فراشات العث تطير عبر النافذة متجهة نحو المصباح الذي أضاءته فقد وضعته بعناية على الأرض كي يعطي لها نوراً كافياً لتقرأ وفي الوقت نفسه كي لا يزعج بنجي الذي ينام بجانبها بشعاعه القوي وفيما هي تراقب الفراشات محاولة إبعادها بيدها عن المصباح كانت تشعر بالتعاطف معها لقد شبهت رافايللو بالنور الجميل الذي لا يقاوم بينما رأت نفسها بسهولة كواحدة من هذه الفراشات …
عاد الباب يطرق مجدداً فألقت نظرة سريعة متوترة نحو بنجي مخافة أن يوقظه الصوت ثم خرجت من السرير وذهبت تفتح الباب .
فتحت ماغي فمها باندهاش .. كان رافايللو يقف هناك بجاذبية تخطف الأنفاس وهو يرتدي بنطلوناً قمحي اللون وقميصاً ذات لون أزرق داكن منحته ياقتها المفتوحة نفحة لاتينية ملفتة جعلت أنفاسها تعلق في حنجرتها سألها : هل يمكنني الدخول ؟
إلا أنه لم ينتظر الجواب بل دخل إلى الغرفة وهو يلقي نظرة خاطفة نحو الطفل النائم وتابع : هل أزعجتك ؟
صرخت ماغي في داخلها قائلة : نعم ! لقد أرعبتني بدخولك إلى الغرفة وأنت تبدو كحلم كل امرأة وتسأل إن كنت قد أزعجتني ؟ وقبل فوات الأوان استجمعت قواها وقالت كاذبة : لا ! على الإطلاق .
هز رافايللو رأسه فانعكس نور المصباح المضاء على شعره فأظهره بلون قاتم جداً شعرت بأنفاسها تنخطف مجدداً .
_ العشاء سيقدم بعد وقت قصير هل يمكن أن تكوني جاهزة في الوقت المناسب ؟
حدقت فيه بذهول فتابع يقول : ستأتي إحدى الخادمات لتجلس مع الط … بنجي وإن استيقظ فسوف تناديك .
قالت ماغي بتردد وهي بالكاد تفهم ما يقوله : هو ينام إلى ما بعد منتصف الليل ثم يستيقظ .
هذا ما كان يحدث بالعادة إلا أنه في الليلتين الماضيتين لم يستيقظ حتى الصباح فقد كان يشعر بالتعب بعد هذه المغامرة الجديدة بالإضافة إلى أن توسكانا هادئة جداً بالمقارنة مع لندن جعلها نومه طوال الليل تستمتع بنوم هنيء هي أيضاً فمنذ ولادة بنجي لم تحظ بليلة من النوم المشبع شعرت أنها مرتاحة أكثر من العادة ..
بالطبع كلما فكرت ماغي بسخرية فهي الآن تعيش حياة مليئة باللهو وهذا يساعدها كثيراً على أخذ قسط من الراحة .
عاد رافايللو يتكلم وأجبرت نفسها على سماعه : جيد إذا سأتركك كي تبدلي ملابسك أرجوك أسرعي قدر المستطاع .
انتقلت نظراته لتتفحص قميصها الواسعة المتهدلة وما إن هزت ماغي رأسها إيجاباً حتى رحل مبتعداً عن الغرفة .
انضم رافايللو إلى عمته وزوجها في غرفة الجلوس ثم أتى غوسيب يزف خبراً أشعره بالارتياح أخبرهم أن انريكو يشعر بالتوعك قليلاً وقد ذهب يرتاح في غرفته وأنه لن يتناول العشاء معهم توتر فم رافايللو لكنه لم يعلق رفض والده الجلوس مع زوجة ابنه غير المرغوب فيها على الطاولة نفسها لتناول العشاء .
أما عمته فكانت أقل صبراً منه ولم تتمكن من السكوت فعلقت تقول : يا له رجل صعب ! أتمنى فقط ألا تشعر زوجتك بالإهانة .
تململ رافايللو وقد عاد الشعور بعدم الارتياح ينتابه مجدداً وفكر : إهانة ؟ لو أنها تشعر بالإهانة لأحست بذلك حين نظر إليها في لندن وقرر أنها الأداة المناسبة لانتقامه من والده …
جعله صوت الباب وهو ينفتح يستدير فجأة وكأنه نادها بأفكاره .. فقد ظهرت ماغي عند الباب بتردد وخجل .
فكر أنها تبدو كالفأر كانت ترتدي ذلك الثوب الشنيع الذي ارتدته أثناء مراسم الزواج كان الثوب ينسدل بعدم تناسق فوق ساقيها من دون خصر وبياقة واسعة غير أنيقة أما شعرها فمرفوع إلى الوراء فوق رأسها أفضل ما يمكنه قوله أنها هو أنها بدت مرتبة ونظيفة جداً .
قالت بصوت يكاد لا يسمعه أحد : مساء الخير .
توقف المشهد للحظة .. بعدئذ لاحظ رافايللو أن الاحمرار بدأ يعلو وجنتيها فمشى بضع خطوات إلى الأمام واتجه نحوها …

 
 

 

عرض البوم صور safsaf313   رد مع اقتباس
قديم 13-09-08, 03:18 PM   المشاركة رقم: 9
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Mar 2008
العضوية: 66854
المشاركات: 2,022
الجنس أنثى
معدل التقييم: safsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 585

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
safsaf313 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : safsaf313 المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

5 _ في قبضة التنين ..

_ تعالي لأعرفك على عمتي وزوجها .
أمسكها رافايللو من مرفقها وساعدها على التقدم بدت أعصابها مشدودة كاللوح تحت قبضته وكادت تتعثر وهي تمشي نحوهما حتى بعد ترك يدها تمكن رؤية مدى توترها وهو يقف بجانبها .
_ عمتي اليزابيث .. هذه ماغي , ماغي إنها عمتي اليزابيث كالي وزوجها البروفيسور برناردو كالي .
أحست ماغي بأنفاسها تعلق في صدرها وشعرت بالدهشة لأن رافايللو ناداها باسمها .
حنى هذه اللحظة كان واضحاً لها بشكل مؤلم أنه لم ينادها باسمها أبداً بل وجه لها الأحاديث بشكل مباشر جداً .
فتحت عيناها بقوة من الدهشة حين أدركت أنه هذا المساء قام بمناداة بنجي باسمه أيضاً ! وبالكاد صدقت ذلك حين دخلت إلى الغرفة ورأتهم جالسين توقعت انفجارات أخرى كالتي استقبلها بها والده وقريبته بالأمس لكن على العكس من ذلك راحت عمته تنظر إليها بسلام بعينيها الواسعتين .
فجأة ابتسمت لها عمته لم تكن ابتسامة كبيرة بالضبط ولم تكن دافئة جداً أيضاً بل ابتسامة اجتماعية حضارية كما ابتسم لها زوجها أيضاً لكن ابتسامته كانت أكثر دفئاً .
قال رافايللو بصوت خافت :للسف وجد والدي نفسه متعباً بعض الشيء لذا لن يحضر للعشاء أتمنى أن تعذروه .
عضت ماغي شفتها بدا من الواضح أن والده يتجنبها وكأنها مصابة بوباء ما .. حسناً ! ربما أنا مصابة حقاً بوباء ما من وجهة نظره فأنا لست زوجة ابنه المثالية آه لم بحق السماء لم يدرك رافايللو أن عليه الزواج فتاة تنتمي إلى وسطه الاجتماعي للتخلص من لوسيا ؟ ما قام به هو الزواج من أول امرأة يصادفها .. لا تزال ماغي تتذكر كلمات تلك الفتاة الشقراء بوضوح فلينظر الآن إلى الفوضى التي زج بها نفسه .. كان عليه أن يدرك ما ستكون عليه ردة فعل والده حين يرى أن ابنه تزوج من عاملة تنظيف لديها طفل تعتني به أيضاً ألم يدرك أن وجود الطفل سيجعل الوضع أكثر سوءاً .
رفعت ماغي ذقنها وهي تفكر : حسناً ! هذا أمر يخص رافايللو ووالده فهي لا تهتم لكونها تعيش من تنظيف بيوت الأغنياء وتعتني بطفل دون أب فبنجي هو حياتها إنه هدية كايس لها .. الهدية الأخيرة .
أتى غوسيب لإعلامهم أن العشاء جاهز اقترب رافايللو من ماغي أكثر ومسك ذراعها من جديد فعاد التوتر يملؤها علمت أن هذا مجرد مشهد تمثيلي أمام عمته لكنها تمنت لو انه يقف على بعد كيلومتر منها أجبرت نفسها على التخفيف من توترها ولم تفتها نظراته المنتقدة لمظهرها على الرغم من أنها كانت نظرات سريعة
جداً .
بعد وقت قصير دخلوا إلى غرفة الطعام وأخذت ماغي تمتع نظرها برؤية التحف الفضية والأغطية الحريرية شعرت بفرح كبير لجلوسها إلى طاولة الطعام الخشبية اللمعة .
سألتها عمة رافايللو بنبرة غريبة ولكن بلغة إنكليزية سليمة تماماً كلغة رافايللو : هل أعجبك الطعام ؟
وجدت ماغي نفسها تجيب بشكل تلقائي : إنه لذيذ جداً .
ابتسمت السنيورة كالي وقالت : إنه مصنوع من الأجاص المستورد وأنا لا أشجع هذا الطعام أنا أحب الأكل الإيطالي وأفضل تناول الفاكهة ففي موسمها لا يزال الوقت مبكر لنضوج الأجاص هنا أما اللحم فهو ممتاز إنه من مدينة بارما وأظنها مدينة معروفة بجبنه البارميزان في إنكلترا .
بدا من الواضح أ|ن العمة تحاول جعل ماغي أكثر ارتياح أدركت ماغي ذلك وقدرت لطفها .
تابعت السنيورة كالي حديثها وهي تركز على نقل صورة جميلة عن توسكانا لماغي :" لكن هناك أشياء كثيرة تتميز بها توسكانا وأنا واثقة أنك ستستمتعين بها كثيراً إنها تتميز بالمطبخ البسيط كطبق البستيكا آلافيدينتينا وهو مكون من اللحم المشوي على الفحم ومن لحم البط .
رفع زوجها يده وقال : لا تكوني قاسية على بارما عزيزتي فهي في النهاية تتشارك العديد من الميزات مع توسكانا .
كانت هذه المرة الأولى التي تسمع فيها ماغي ذلك البروفيسور بماغي طويلاً وكأنه يتفحص أحد تلاميذه .
علق رافايللو بقسوة : برناردو هذه الزيارة الأولى لماغي إلى إيطاليا لا أظنها ستفهم ما تعنيه …
وفي الوقت الذي تكلم فيه تقريباً كانت ماغي تقول وهي تحاول تذكر ما قرأته في الكتيب الذي أحضرته عن إيطاليا : دوقة بارما .. ماري لويز و … أرملة نابليون هي دوقة لوكا .
قال لها البروفيسور مشجعاً : جيد جداً ! عليك زيارة لوكا قريباً .. إنها جوهرة توسكانا .
أجابته ماغي : قرأت القليل عنها في الكتيب الذي أحضرته معي .. أعتقد أنه تشتهر بجدرانها أليس كذلك ؟
_ نعم بالفعل بنيت هذه الجدران في أواخر القرن الخامس عشر لمنع الأسبان من الدخول إليها وتمكنت بذلك من الحصول على الاستقلال كانت في ذلك الحين المدينة الإيطالية الوحيدة التي تتمتع بقوانين خاصة إلى جانب فينسيا استمر ذلك حتى قام نابليون بتنصيب أخته اليزا دوقة عليها وعلى توسكانا أيضاً .
علقت زوجته بجفاء : إن زوجي عالم تاريخ كما تتوقعين على الأرجح .
فاجأ ذلك ماغي كثيراً التفتت السنيورة كالي نحو زوجها وتابعت تقول : أرجوك برناردو لا تكن مملاً .
ابتسمت ماغي بخجل وهي تقول : لا يمكن للتاريخ أن يكون مملاً لا سيما تاريخ مليء بالأحداث كتاريخ إيطاليا.
كان كلامها صحيح تماماً بالنسبة للبروفيسور الذي أجاب قائلاً : و لتوسكانا التاريخ الأغنى في إيطاليا .
سألته ماغي : أي الإتروسكان .
أكد البروفيسور معلوماتها : نعم الإتروكسان .
وأخذ يستطرد في الحديث حتى وصل إلى الحضارة الرومانية القديمة التي سيطرت على البلاد قبل وقت طويل من اكتساب روما لهذه القوة والمنزلة العظيمة .
قاطعت زوجته الحديد معلقة : لطالما قدرت الإتروكسانيين فقد كانت النساء عندهم يتمتعن بحرية مذهلة كن يتناولن الطعام مع الرجال ويملكن الأراضي ويتكلمن في العلن .
خبأت ماغي ابتسامتها فقد تمكنت من معرفة السبب الذي جعل السنيورة كالي تقدر هذه التصرفات من النساء التفتت نحو رافايللو لترى إن كان يجد تعليق عمته مهماً لكنها تفاجأت حين رأت وجهه .
كان ببساطة يحدق بها وكأنها مخلوق غريب من كوكب آخر ارتبكت ماغي ورمشت عينيها بتردد هل قامت بعمل خاطئ ؟ أبعدت نظراتها مجدداً وهي تشعر بدقات قلبها تتسارع هل كانت تتصرف بشكل غير لائق ؟ هل من المفترض بها أن تصمت وألا تشارك بالحديث ؟
ثم سمعت البروفيسور يقول لرافايللو : يجب ان تشغلك زوجتك لبعض الوقت عليك أن تأخذها في جولة سياحية هناك الكثير لتراه .
عضت ماغي شفتها .. إن آخر ما يتمناه رافايللو هو التجول معها في رحلة سياحية قالت بسرعة : آه لا سيكون هذا مستحيلاً .. إن ابني الصغير ..
أجابت السنيورة كالي بهدوء : أؤكد لك أني و ماريا سيسرنا الاهتمام به في غيابك الطقس في إيطاليا هذه الفترة ملائم جداً للسباحة .
قالت ماغي تخالفها : آه ! أرجوك .. حقاً أنا لا يمكنني ترك بنجي .
عادت عمة رافايللو تقول : من الجيد له أن يحاول الشعور بالسعادة حتى وإن لم تكوني بقربه يجب ألا تقلقي لبقائه معنا ماريا تملك خبرة بالأطفال وقد أخبرتني أنه طفل رائع ولديه تربية جيدة بالنسبة لسنه .
ابتسمت العمة برقة ما جعل وجنتا ماغي تحمران خجلاً لم تعرف بما تجيب فنظرت أمامها على الطاولة وفجأة شعرت بلمسة يد خفيفة فوق يدها .
كانت تلك السنيورة كالي التي تابعت تقول : أعتقد أن الأمر كان صعباً عليك أليس كذلك ؟ فالناس دائماً يطلقون أحكاماً قاسية على الآخرين .
والتفتت نحو رافايللو الذي توتر فمه ثم قالت وهي تحاول تغير الموضوع : رافايللو اطلب من غوسيب أن يقدم الطبق الثاني .
مضى وقت العشاء بهدوء اكتشف البروفيسور خلاله وجود مستمع جيد له فأكمل خلال العشاء كلامه عن تاريخ إيطاليا وعن توسكانا بالتحديد أخذت تشعر بالارتياح أكثر خصوصاً أن رافايللو بقي صامتاً طيلة العشاء أما عمته وزوجها فقد بدا لطيفين جداً معها .
بعد العشاء طلبت السنيورة كالي من غوسيب تقديم القهوة في غرفة الجلوس عندها فقط تمكن رافايللو من طرح سؤال على ماغي كان يحيره طيلة ذلك الوقت فبعدما خرج البروفيسور وزوجته من غرفة الطعام أنذرتها نبرة صوته الخشنة بجدية سؤاله وهو يقول : أيمكنك أن تشرحي لي لما تعمل امرأة متعلمة مثلك بالعمل في تنظيف الشقق ؟
حدقت ماغي به .. كان يقف بقربها تماماً لكن هذا لم يكن سبب دهشتها الوحيدة كررت خلفه بذهول : متعلمة ؟
أوضح لها رافايللو بتحد : لديك معلومات واسعة من التاريخ ومن الواضح أنك امرأة ذكية فلماذا تعملين عاملة تنظيفات ؟
انبسط وجهها الآن وأصبحت قادرة على الإجابة على سؤاله فقالت : أنا لا أحمل أي شهادة .. لكن لطالما أحببت المطالعة وهذا كل ما في الأمر فدخول المدرسة .. كان أمراً صعباً .
فكرت ماغي ان لا داعي لجعله يمل من تفاصيل قصتها ولا ضرورة لإخباره كم كان صعباً عليها كفتاة ملجأ ان تتحمل التعليقات والضغوطات من التلاميذ الأكثر حظاً منها لوجودهم مع عائلاتهم .
تابعت قائلة : رغم أني تلقيت بعض الدورات التدريبية التي توازي التعليم الأولي .. لكنني لم أتمكن من المتابعة .
وعادت تفكر ان لا ضرورة أيضاً لتخبره أن السبب يعود إلى تزامن دراستها مع اكتشاف المرض لدى كايس .
ابتلعت ريقها وتابعت : ولكن أحد الأشياء التي أود القيام بها .. وقد أصبحت أمراً ممكناً الآن هو متابعة المزيد من الدراسة لأتمكن من الحصول على عمل أفضل حين يبدأ بنجي في الذهاب إلى المدرسة لن أعمل بدوام كامل طبعاً سأعمل فقط عند وجوده في المدرسة لأكون دائماً موجودة في المنزل لأجله .
أتى صوت عمته آمراً وهو تقول : رافايللو دع الفتاة المسكينة تأتي لتناول القهوة .
عندئذ ترك ذراعها ورافقها بتهذيب إلى غرفة الجلوس .
تفحصت اليزابيث كالي ابن أخيها وزوجته بنظرات متسلطة وأفسحت مجالاً بجانبها على الأريكة ذات القماش الحريري وقالت : تعالي واجلسي إلى جانبي ماغي رافايللو .. يود برناردو أن يدخن سيجار والتدخين هنا غير مسموح به بالتأكيد لذا أرجوك رافقه إلى الشرفة .
فكرت ماغي أنت اللطف الزائد ليس من صفات السينيورة ومرة أخرى وجدت نفسها تنظر في عيني رافايللو لكنها لم تجد فيهما نظرات التسلية بل وجدت فيهما سؤالاً صامتاً .
أخذت المرأة تسألها عن عملها وطفلها وأسباب زواجها من رافايللو لكن الموضوع الوحيد الذي لم تسأل عنه بشكل مزعج هو والد بنجي ..
قالت لماغي : تحصل هذه الأمور أحياناً ولطالما حدثت أمور متشابهة وبالتأكيد سيحصل هذا مع الكثيرات بعدك لكني بصراحة أقدر فيك جرأتك باتخاذ القرار بإبقاء الطفل معك كان من الأسهل لك لو تركته مع والده .
بقيت الكلمات في صدر ماغي تملؤها بالرعب : أبداً لم أكن لأفعل ذلك .. وزاد الرعب في داخلها حين تذكرت أن والدتها هي لم تفكر حتى باحتمال إعطائها لوالدها وبدلاً من ذلك تركتها بكل بساطة على جانب الطريق لكي تلقى حتفها .. لكنها بقيت صامدة لتعيش والآن سيستمر صمودها وتمسكها بالحياة من أجل بنجي .
رأت ماغي عبر النافذة رافايللو .. الشخص الذي تزوجته مقابل مائة ألف جنيه لكن شيئاً في داخلها أوجعها وآلمها لذا التفتت بعيداً عنه لا ! لا يمكن ان يحدث هذا .. يا لها من أفكار سخيفة وخيالية ! لا يمكن لرجل مثله أن يلتفت نحوها ولا في أحلامها .
*******
استيقظت ماغي في صباح اليوم التالي حين دخلت إحدى الخادمات إلى غرفتها وهي تحمل صينية القهوة قالت الخادمة وهي تبتسم : صباح الخير سنيورة .
ثم توجهت نحو بنجي تحدثه بالإيطالية رغم أنه كان لا يزال نائماً جلست ماغي تراقبها قليلاً ثم رشفت قهوتها والتفتت تنظر من النافذة نحو أشجار السرو التي انتشرت فوقها أشعة الشمس الساطعة .
راحت تفكر بسهرة ليلة أمس وما رافقها من مشاعر غريبة بدت عمة رافايللو وزوجها لطيفان معها كثيراً أما رافايللو فبدا مهذباً ومتحضراً أي أيضاً ! لم يبدو على السنيورة كالي أنها مستاءة لأنها تزوجت من ابن أخيها من أجل المال .
قالت لها بالأمس بطريقتها الحاسمة المعتادة : اعرف ان هذا الأمر خاطئ بالتأكيد لكني أتفهمه تماماً ولا ألومك أبداً صغيرتي .
عبست ماغي وفكرت هل يعني قولها أنها تلقي اللوم على ابن أخيها ؟ رغم أنها لم تكن تدري ما ستواجهه قبل مجيئها إلى هذه الفيلا لكنها الآن لا تحسد على وضعها أبداً .. فالجميع يتمنى لو أنها على بعد ملايين الأميال عنهم .
استيقظ بنجي وبدأت ماغي ترحب به فهو كعادته يستيقظ بنشاط ومزاج طيب ما يستدعي منها اهتماماً .
بعد ان لبسا ثيابهما حملت ماغي صينية القهوة بحذر بإحدى يديها وأمسكت يد بنجي بيدها الثانية ونزلت إلى المطبخ لتناول الفطور لكنها حين أغلقت باب غرفتها سمعت خطوات آتية من آخر الرواق .
كان والد رافايللو يمشي باتجاهها وحين رآها وقف مندهشاً أما ماغي فجمدت مكانها رغم أنها رأته لفترة قصيرة منذ ثلاث أيام لكنها عرفت أنه انريكو دي فيسنتى بدا شبيهاً برافايللو بفارق ثلاثين سنة فقط .
قست معالم وجهه حين رآها ولم تعلم ماغي ما عليها القيام به هل تقول له صباح الخير أم تصمت وتتابع طريقها ؟ أم من الأفضل لها أن تعود إلى غرفتها ؟
شعر بنجي بالتوتر فتشبث بساق والدته وهي تقف هناك حاملة صينية القهوة ولا تعلم ما عليها فعله ..
قال انريكو دي فيسنتى بصوت أجش : إذاً أنت لا تزالين هنا !
لم تجب ماغي ولم تعلم ما عليها قوله .
تابع انريكو بصوته القاسي : هل تتخيلين أن بإمكانك التصرف وكأنك في منزلك ؟ هل تتخيلين نفسك سيدة مجتمع محترمة الآن .. أنت وطفلك هذا ؟
ارتجف جسد ماغي بينما اقترب منها انريكو أكثر بشكل تهديدي وعيناه الداكنتان تحدقان إليها بقرف وكره : إذاً اعلمي أن ابني الجاهل اختارك زوجة له ليهينني فقط أراد أن ينتقم مني ويخالف إرادتي فأحضر إلى المنزل امرأة من حثالة البشر .. لقد اختارك لأنك أسوء زوجة كان من الممكن أن يحصل عليها .. بشعة جاهلة من عامة الشعب ولا تملكين قيماً أخلاقية أبداً أحضرك من أحد أحياء لندن الفقيرة .. واختارك عاملة تنظيف فقط لكي يقرفني .
شعرت ماغي أنها على وشك الإغماء سمعت ضغط دمها القوي يطرق في أذنيها أما بنجي فخبأ وجهه ببنطلونها القطني من الخوف رغم انه لم يفهم أي كلمة لكنه استطاع ان يشعر بقسوة الكلام الذي وجه لوالدته .
أصبحت نظرات ماغي ضبابية فيما تابع والد رافايللو طريقه عبر الدرج الرخامي متوجهاً نحو الصالة شعرت أن ماغي أن الصينية تهتز بين يديها أدركت أنها إذا لم تضعها من بين أصابعها المرتجفة وتتكسر على الأرض .
فجأة أخذ أحدهم الصينية من يدها وهو يقول : تعالي إلى هنا …
وأدخلها مجدداً نحو غرفتها شعرت ببنجي يؤخذ منها لبعض الوقت فيما الطفل يحتج على ذلك وبعد ان جلست على السرير أعاد ذلك الشخص بنجي إلى أحضانها وجلست هناك تملس شعر بنجي بيدها وهي غير واعية لشيء حولها .
وقف أمامها رجل طويل أسمر منعت قامته وصول الضوء إلى عينيها فأدركت أنه رافايللو دي فيسنتى الرجل الذي اختارها ليس لأنها مناسبة ومتوفرة فقط بل لأنها ستقرف والده بالتأكيد رنت كلمات والده في أذنيها مجدداً : امرأة من حثالة البشر .. إنها بنظره أفضل إساءة يمكنه أن يقدمها لوالده .
قال بصوت منخفض : ماغي …
استمرت في تمليس شعر بنجي بيدها وهي تحدق بذهول نحو السجادة على الأرض حاولت ألا تفكر ألا تشعر .. تابع رافايللو يقول : يجب ألا .. ألا تصدقي ما قاله والدي إنه غاضب مني أنا ولا ذنب لك في ذلك .
لم تستطع أن تنطق ولو بكلمة واحدة فيما راح رافايللو ويراقب تعابير وجهها أراد ان يجد الكلمات المناسبة لكنه لم يستطع لم يترك له والده مكاناً لتلطيف الأمور وعلى الرغم من ذلك استمر بالمحاولة .
_ ماغي أنا ….
رفعت ماغي رأسها فالتفتت نظراتهما معاً قالت : ليس عليك أن تقول شيئاً هذا ليس ضرورياً .
لم تبال إن كان قد بدا بعض الضعف في صوتها رفضت حتى الاعتراف بضعفها من غير الممكن أن تشعر بشيء حياله .. هذا مستحيل وقفت وهي تحمل بنجي فوق ذراعها وأطلقت نفساً فيه بعض الضعف أيضاً ثم سألت وقد بدت مسيطرة على نبرة صوتها : أرجوك أخبرني أين تود مني أن أتناول الفطور ؟ أم تفضل أن أبقى في غرفتي ؟
رغم سيطرتها على صوتها إلا أنه بدا حاداً جداً كحبل مشدود على وشك الانقطاع توتر فم رافايللو وقال : تقوم العائلة عادة بتناول الفطور على الشرفة في الأيام المشمسة .
مد يده نحوها لكنها لم تبال بها بل مشت نحو الباب إلا ان رافايللو وصل إلى الباب قبلها وفتحه من أجلها بلطف كبير فكرت ماغي أن عليه أن يوفر لطفه هذا للدوقات فبعد ما اكتشفته اليوم فهمت أن لطفه يذهب سدى معها .
لقد اختارها لسبب واحد مدروس بعناية ومخطط له أراد ان يهين والده كان يعرف بالضبط ما ستكون عليه ردة فعل والده لقد استخدمها ببرودة أعصاب لينتقم من والده .
كان الفطور مع العائلة على الشرفة آخر ما أرادته ماغي لكن شرودها وعدم اكتراثها سيساعدانها على تحمل الجلسة مشت نحو الغرفة مع رافايللو لتجد أن عمته وزوجها هناك وكذلك والده .
حالما رأى البروفيسور ماغي وقف ليلقي عليها التحية أما هي بالكاد تمكنت من هز رأسها لترد عليه أما والد رافايللو فوقف بحدة كصرير الحديد فوق الصخر وحمل فنجان قهوته قائلاً : سأكون في المكتبة علي إنجاز بعض الأمور .
ومشى مبتعداً مبدياً بوضوح عدم رغبته بمشاركتها الجلسة عادت كلماته تضج في رأسها من جديد : امرأة من حثالة البشر .. لم تجلس ماغي في الكرسي الذي كان يمسكه رافايللو لها بل فضلت الجلوس في أبعد زاوية من الطاولة في تلك اللحظات شعرت برغبة في الموت كان قلبها محطماً بألم لم تستطع البوح به .
سألتها اليزابيث كالي بصوت مرتفع قليلاً : إذاً هذا هو طفلك الصغير ! ما اسمه ؟
أجاب رافايللو وهو يجلس قبالة ماغي باسطاً منديل المائدة في حضنه : بنجي .
بدا صوته متوتراً وتساءلت ماغي عن السبب .
شغلت نفسها بإجلاس بنجي في حجرها محاولة تفادي النظر في عيون الموجودين أحضرت إحدى الخادمات زجاجة الحليب لبنجي فتلقاها بفرح ولهفة أما ماغي لم تشعر بالشهية للأكل بل أحست كأنها تجلس وراء حاجز زجاجي يفصلها عن بقية الجالسين حولها حتى حين كانوا يطرحون الأسئلة وتقوم هي بالإجابة باختصار وبصوت منخفض لم تفسح مجالاً للبدء بأحاديث شيقة كتلك التي تم تداولها البارحة أثناء العشاء .
قالت عمة رافايللو وقد لاحظت تصرفات ماغي : يبدو أنك مرهقة .
هزت ماغي رأسها توافقها دون ان تنظر في عينيها أخذت تطعم بنجي بعض الطعام الطري كانت ما تزال تشعر أن الجميع بعيدين جداً عنها لا سيما رافايللو الذي بدا لها وكأنه على بعد سنوات ضوئية منها لكنها لاحظت أنه يراقبها لم تتمكن من قراءة تعابيره فقد بدا الغموض في عينيه واعتقدت ماغي أنه على الأرجح يفكر كم تبدو قبيحة غير مهذبة وأنها تلوث أجواء منزله المعطر وكأنه يتمنى فقط لو ان بإمكانه رميها في الخارج حالاً .
فكرت ماغي باستغراب لم آلمها إلى هذا الحد أن يكون رافايللو دي فيسنتى الرجل الغريب بكل ما في الكلمة من معنى قد استخدمها عن سابق تصميم لمضايقة والده فقط ؟ لمَ يؤلمها اختياره لها لأنها امرأة من حثالة البشر ؟
هل أراد ان يرميها في وجه والده لأنها بسيطة ومن مستوى وضيع ولأنها أم عازبة تعمل في تنظيف الشقق في لندن لكي تعيش ؟
علمت ماغي في داخلها ألا ذنب لها في اتهاماته فهي لم ترتكب أي ذنب ولم تخطئ أبداً لكي تشعر بالخجل ففي النهاية على أحدهم أن يقوم بتنظيف البيوت ويبقي شقق الأغنياء مريحة ومرتبة .
لكن على الرغم من ذلك بقيت ماغي تشعر بألم كبير في أعماقها .
انتزعها من أفكارها المؤلمة صوت كرسي تحرك إلى جانبها كانت السنيورة كالي تتكلم معها فأجبرت ماغي نفسها على سماع ما تقوله .
_ عزيزتي دعي بنجي يأتي معي قليلاً أخبرتني ماريا أن ابنة أختها أحضرت بعض الألعاب التي كانت لأولادها أعتقد أن هناك دراجة بثلاث عجلات والكثير من الألعاب الأخرى التي لا شك أن ابنك الصغير سيفرح بها كثيراً .
أخذت السنيورة كالي بنجي من حضن ماغي وأوقفته على الأرض ثم ابتسمت للطفل وهي تقول : هيا ! تعال لرؤية الألعاب الجديدة .
فهم بنجي كلمة ألعاب فمشى نحوها بسرور أمسكت السنيورة يد بنجي الصغيرة وأمسك البروفيسور يد ه الثانية راقبتهم ماغي وهم يشقون طريقهم باتجاه زاوية المنزل لكنها كانت ما تزال شاردة الذهن .
أثناء ذلك كان رافايللو يراقبها بدت صغيرة جداً لتتحمل مسؤولية طفل وصغيرة جداً كذلك على قبول الاتهامات القاسية التي رماها والده في وجهها .
شد قبضتي يديه بقوة يا إلهي ! لقد تعرضت للأذى بسببه بدا ذلك واضحاً جداً فالحزن والأسى اللذان ظهرا في نظرات عينيها جعلاه يشعر بالسوء إنها تنكمش على نفسها وتبعد ذاتها عن الآخرين .. ولا يمكنه لومها على ذلك .
شعوره بعدم الارتياح بالنسبة لكل ما يتعلق بها ازداد حدة ليغدو نوعاً من الشعور بالذنب وجد نفسه يتمنى بكل ما يملكه من قوة لو أنه يستطيع أن يمحو من ذهنها ذلك المشهد البشع الذي حصل أمام غرفتها ليته تمكن من إيقاف والده قبل أن يبدأ برمي تلك الاتهامات القاسية البشعة والكلمات السيئة في وجهها .
لكن اللوم يقع عليه أيضاً فبعد ظهر ذلك اليوم وفي أول لقاء لها مع والده تعمد ان يقدمها إليه بنبرة يمتزج فيها الغضب والسخرية مسبغاً عليها مختلف الصفات التي تجعلها أبعد ما تكون عن الجاذبية واللباقة تلك الصفات التي يجب أن تتحلى بها زوجته والقصد من وراء ذلك كله هو إغاظة والده وجعله يفهم معنى تصرفه هذا وكأنه يقول له : أردت أن تلوي ذراعي وتجبرني على الزواج .. حسناً ! انظر .. انظر إلى أي نوع من النساء اخترت زوجة لي .
تفجرت مشاعر الذنب في داخله مشاعر قوية وغير سارة على الإطلاق كما أحس بشيء أبعد من الشعور بالذنب شيء بدأ ينمو في داخله وهو يجلس هناك إلى طاولة الفطور يراقبها ملاحظاً انكماشها على نفسها والنظرة المليئة بالألم التي تطل من عينيها .
إنه الغضب !
بات الغضب شعوراً مألوفاً لديه خلال الأشهر الماضية مع محاولات والده التضييق عليه ودفعه قسراً للزواج من لوسيا لقد اعتاد شعوره هذا بالغضب يوماً بعد يوم إلى أن غدا الغضب جزءاً منه إلا أنه ظل مصمماً على عدم السماح لوالده بالتحكم في حياته وكأنه لعبة يديرها كيفما يشاء . نعم لقد أصبح الغضب شعوراً مألوفاً له إلا أن غضبه بدا مختلفاً هذه المرة إذ كان موجهاً نحوه هو نفسه هب واقفاً على قدميه في حركة مفاجأة .
_ تعالي !
سلخت ماغي بصرها عن المكان الذي كانت تنظر إليه حيث ذهب بنجي برفقة آل كالي لتجد أن رافايللو يقف بالقرب منها وقف هناك بطوله الفارع وهيئته الآمرة ما دفعها على الوقوف فوراً راحت تنفض فتات الخبز عن بنطلونها وما إن رفعت بصرها حتى رأت ان رافايللو يراقبها وينظر إلى ثيابها بعدم استحسان .
فكرت ماغي في سرها : نعم ثيابي زهيدة الثمن قديمة الطراز وغير أنيقة لكنني ما كنت لأختارها لولا أني مضطرة ما كنت لأرتدي هذه الثياب لو كنت أملك ما تملكه من المال ولكنني لا أملك المال .. الفقر ليس جريمة وهو لا يدعو صاحبه إلى الخجل .
تابعت تقول لنفسها : لن أطأطأ رأسي وأشعر بالخزي لأنني لست غنية .. كما أني لن أطأطأ رأسي لأني يتيمة الأبوين .
أعلن رافايللو بنبرة صوت مشدودة : اليوم سوف نذهب إلى لوكا .
اتسعت عينا ماغي فلم تتوقع ذلك مطلقاً وما لبثت أن قراره هذا على علاقة مع عشاء ليلة أمس حين راح البروفيسور يتحدث عن لوكا وألحت زوجته على ابن أخيها ان يصطحب عروسه في جولة سياحية .
قالت في صوت منخفض ونبرة خجولة : هذا ليس ضرورياً .
أجابها رافايللو : دعني أحكم على ذلك .
شعرت بالغضب يختبئ خلف كلماته ولم تتفاجأ بذلك لقد أجبرته عمته بشخصيتها المسيطرة على اصطحابها في جولة سياحية بدا واضحاً مدى انزعاجه لأنه سيضيع نهاره برفقة امرأة اختارها لأنها من حثالة البشر …..
لا يمكنني أن أترك بنجي .
وجدت ماغي نفسها عاجزة عن النظر في عينيه فأخذت تنظر هناك فخفضت بصرها قليلاً لكن ذلك لم يكن أفضل أخيراً أزاحت نظرها بعيداً عنه كلياً لكي ترتاح وأخذت تنظر نحو أشجار السرو التي تملأ الحديقة .
_ سيكون بنجي بخير هنا فعمتي وماريا ستهتمان به كثيراً وتأكدي أنه سيفرح برفقتهما .
نظر رافايللو إلى ساعته الذهبية الغالية الثمن وتابع يقول : أفضل أن ننطلق بعد نصف ساعة أرجوك كوني مستعدة لذلك .
هز رأسه وسار ليختفي داخل الفيلا .
تنهدت ماغي وفكرت بما عليها فعله .. هل تصر على موقفها وترفض الخروج معه ؟ إنها بالتأكيد تريد ذلك .. مجر التفكير أنها ستمضي وقتها برفقته هو أمر بغيض فما بالك بالخروج معه في جولة سياحية حول المدينة وهي تعلم أنه يتمنى هلاكها ؟ لماذا بحق السماء يريد الخروج معها ؟ كان يستطيع بالتأكيد أن يتذرع بالعمل كي يقنع عمته بعدم قدرته على مرافقتها إضافة إلى ذلك ومهما حاول التخفيف عنها من الصعب عليها أن تترك بنجي لوحده فهي لم تبتعد عنه مطلقاً منذ ولادته .
لكن بالرغم مما فكرت به ماغي حين ذهبت لتبحث عن بنجي وجدت أنه لا يفتقدها أبداً لقد شعر بالفرح مع ماريا وعمة رافايللو وبدا متحمساً جداً وهو يلعب على الدراجة .
أسرعت ماريا نحو ماغي وهي تقول : اذهبي الصغير سعيد جداً وهو لا يلاحظ غيابك إن رآك الآن سيتعلق بك من جديد لذا اذهبي الآن إن شعرت أنه حزين في غيابك سأتصل ب السنيور ليعيدك على الفور إلى المنزل لقد وعدني أن يفعل ذلك لكننا سنهتم جيداً بالطفل وكأنه ابننا أنا معتادة على الاهتمام بالأطفال لطالما اهتممت بأطفال كثيرين قبله هيا اذهبي !
أبعدت ماريا ماغي وعادت تحدث بنجي وكأنها تقدر شجاعته على ركوب الدراجة .
أدارت ماغي ظهرها ومشت مبتعدة .. كانت تعلم في داخلها أم من المفيد أن يبدأ بنجي بالشعور بالسعادة بعيداً عنها فحين يعودان إلى لندن ويتخذان لنفسيهما شقة خاصة يعيشان فيها سيكون الوقت ملائماً ليتعرف بنجي على مجموعة أطفال في سنه ويبدأ بالذهاب إلى الحضانة حين صعدت إلى غرفتها لكي تجهز نفسها ارتدت تنوره قطنية ذات لون كاكي ورغم أنها بدت واسعة عليها قليلاً إلا أن مجرد كونها تنوره جعلها مميزة أكثر من غيرها وارتدت معها قميصاً قطنية ذات لون أبيض حملت ناغي حقيبتها التي بدت شبه فارغة لخلوها من الأغراض التي تخص بنجي ونزلت إلى الطابق الأرضي .
وقفت في الصالة الكبيرة تتساءل عما عليها فعله الآن تمنت ألا تضطر إلى مواجهة والد رافايللو مجدداً لحسن حظها كان والده في الغرفة المجاورة وقد أُقفل الباب لكنها تأكدت من وجوده هناك لدى سماعها أغاني الأوبرا تخرج منها إنها موسيقى لفيردي …..
رغم أنها لا تمتلك جهاز ستيريو متطوراً لكنها اشترت راديو صغيراً وتعودت أن تمضي كل مساء بعد أن ينام بنجي وهي تقرأ وتستمع إلى الأخبار اليومية والبرامج العلمية وأن تستمتع بالموسيقى عبر إذاعة الموسيقى الكلاسيكية المفضلة لديها .منتديات ليلاس
جعلها سماع وقع خطوات تأتي من الأعلى تستدير نحو الدرج كان رافايللو ينزل الدرج وقد بدا لها ممتلئاً بالقوة وهو يرتدي بنطلوناً قطنياً من اللون الكاكي أيضاً مع قميص بولو وقد ألقى سترته الحريرية فوق كتفه وهو يمسكها بإصبعه أما في يده الثانية فكان يحمل نظارته الشمسية وقفت ماغي وهي تحمل حقيبتها أمام صدرها تنتظر أوامره محاولة عدم التفكير بمدى وسامته ورجوليته .
_ هل أنت جاهزة ؟ جيد !
بدت نبرته حادة وغير شخصية كالمعتاد توجه نحو الباب الرئيسي ومشت ماغي خلفه تماماً بهرتها الشمس خارجاً فضاقت عيناه وراحت تلحق بخطواته وهو يشق طريقه إلى المرآب خلف الفيلا .
حين وصلا إلى المرآب وجه إليها التعليمات قائلاً : انتظريني هنا ! .
نفذت ماغي تعليماته على الفور فيما أكمل طريقه إلى السيارة لحظات وبدأ صوت السيارة يهدر كالتنين وظهرت أمامها فجأة سيارة فخمة مكشوفة إنها إحدى السيارات الرياضية الأغلى ثمناً .
أوقف رافايللو السيارة إلى جانب ماغي تماماً ثم نزل منها ليفتح لها الباب قائلاً : ادخلي … ! .
صعدت ماغي إلى السيارة وهي تشعر بالخوف وما إن استقرت في المقعد حتى انحنى رافايللو فوقها ليضع لها حزام الأمان .
تجمدت ماغي في مكانها فهو لم يقترب منها جسدياً بهذا الشكل من قبل تراجعت في جلستها إلى الخلف قدر ما استطاعت وبعد وقت قصير كان قد اتخذ مجدداً وابتعد عنها وضع نظارته السوداء وأدار المحرك مجدداً ثم أخرج السيارة نحو الطريق مسرعاً تمسكت ماغي جيداً كأنها تحاول الحفاظ على حياتها الغالية في إحدى الألعاب الخطيرة في مدينة الملاهي فيما هما يتوجهان نحو الأوتوستراد الذي يقع في وادي ريرآرنو .

_ .. وهي امرأة أخرى !
بدت جدران لوكا التراثية مثيرة للإعجاب تماماً كما وصفها الدليل السياحة الخاص بماغي لكن رافايللو لم يقصد تلك الجدران ولا الكاتدرائية سان مارينو أو كنيسة سنترو ستوريكا القديمة ولا حتى متحف بوتشيني الذي يضم نصباً تذكارياً لأشهر أبناء لوتشيا بدلاً من ذلك وجدت ماغي نفسها تقاد إلى مبنى ضيق ذي واجهة أنيقة شعرت في تلك اللحظات بدوار قوي لكثرة ما تطاولت بعنقها في جميع الاتجاهات بذهول فأينما نظرت كانت تجد عجائب تاريخية لمدينة توسكانا القديمة حتى الكنائس والمطاعم والمقاهي بدت ذات طابع قديم جداً ما أثار إعجاب ماغي بالتصميم العمراني الإيطالي العظيم .
أشار رافايللو نحو باب المدخل وقال : تعالي .
رأت ماغي مكتب الاستقبال يشع بالأنوار تجلس خلفه امرأة أنيقة في العشرينيات من عمرها رفعت تلك المرأة نظرها عن دفتر المواعيد وهما يدخلان ثم شع وجهها .
قالت بلغة إيطالية طلقة : رافايللو !
نظرت من خلف المكتب بحماس واقتربت من رافايللو وعانقته قال لها شيئاً ما وهو يضحك وبدا واضحاً أنه يمازحها ثم بدأ بالكلام .
وقفت ماغي على بعد خطوات منهما وقد فهمت من تعابير وجه المرأة ومن النظرات التي ألقتها نحوها بين الحين والآخر فيما هي تستمع لرافايللو أنها هي بالذات موضوع تلك المحادثة .
تشبثت ماغي بشكل لا إرادي بحقيبتها وشعرت بالاحمرار يعلو وجنتيها كانت على وشك الاستدارة للتحديق عبر النافذة إلى الشارع الضيق حين أطلقت المرأة ضحكة طويلة وصفقت بيديها وهي تلتفت نحو ماغي .
قالت لها بالإنكليزية : تعالي ! تعالي ! هناك أشياء كثيرة علينا القيام بها وليس لدينا الكثير من الوقت آه لكن النتيجة ستكون مذهلة ! .
توجهت المرأة نحو رافايللو وهي تبتسم قائلة : سندع رافايللو يذهب الآن فلا حاجة لنا به هنا ولن أنتظر رأيه في ذلك أبداً .
ثم نظرت نحو رافايللو وأومأت له بيدها وهي تقول ممازحة : هيا .. هيا ارحل من هنا الآن .
تمكنت ماغي من التكلم أخيراً : أرجوك ما الذي يحدث هنا ؟
لمعت عينا المرأة السوداوان بشكل لعوب وهي ترد عليها قائلة : إنها مفاجأة !
نظرت ماغي بقلق نحو رافايللو ويداها تتشبثان ببعضهما بقوة فوق مقبض حقيبتها لم تتمكن من فهم تعابير وجهه لكنه قال بضع كلمات للمرأة الغريبة فهزت رأسها وخرجت إلى غرفة أخرى وقف ينظر إلى ماغي قليلاً بينما وقفت هي والقلق باد عليها بوضوح .
قال لها وقد بدا صوته أكثر مما أراد : لا داعي للقلق فقط ضعي نفسك بين يدي أوليفيا وستكونين بخير .
قالت بصوت مخنوق : لم أفهم بعد .
نظر نحوها للحظات طويلة هذه المرة كأنه يجد صعوبة في إيجاد الكلمات المناسبة : لو أمكنني محو ما سمعته من والدي هذا الصباح لفعلت ولكن ذلك ليس بمقدوري لذا كل ما يمكنني فعله هو إثبات العكس .
بدا وجه ماغي جامداً كالجليد كأن قناعاً وضع فوقه لكن عيناها فضحا ما تشعر به وجعلت رافايللو يرى الألم من خلالهما .
قالت بهدوء وصوت خالي من أي تعبير : لكنك لن تتمكن من إثبات عكس ما قاله والدك لأنه قال الحقيقة أليس كذلك ؟ ماذا قال ؟ إنني .. إنني أمثل أقبح إهانة تمكنت يوماً من تقديمها إليه إنني على النقيض تماماً من صورة المرأة التي كان من الممكن أن ترحب بها عائلتك كزوجة لك . ولهذا السبب بالذات تزوجتني لهذا السبب تزوجتني أنا ولم تختر امرأة من عالمك الخاص … لكي تهين والدك .
أطلق صوتاً من حنجرته كأنه يهم بالكلام لكنها تابعت كلامها : أخبرتك أن ذلك لا يهم وهو فعلاً لا يهمني فأنت تدفع لي المال من أجل ذلك ولهذا السبب لا يحق لي الاعتراض والاحتجاج .
شعر رافايللو بألم قوي في داخله وكأن سكيناً يمزق صدره قال لها : تقولين أن هذه هي الحقيقة ماغي .. لكنها ليست كذلك سبق وبرهنت لي أنها مجرد كذبة وكذلك لعمتي وزوجها و ماريا و غوسيب والآن أريد فقط إنهاء المهمة .
حدقت فيه وقالت : أي جزء تعتبره كذبة ؟ أخبرني ؟ أن بنجي ليس لديه والد ؟ أنني أرتدي ثياباً بالية ؟ أنني أعيش من تنظيف الشقق ؟ أم أنني لست المرأة المناسبة لتكون زوجتك ولا أستحق سوى أن أكون كالتراب تحت الأقدام ؟ أي جزء هو كذبة ؟
كانت ماغي تنظر إليه دون ان تبدو على وجهها أي تعابير واضحة لكن المشاعر راحت تغلي في داخله بقوة أحد تلك المشاعر كان الشعور بالغضب إنه الغضب نفسه الذي جعله يأتي بها إلى هنا وإلى جانب الغضب تملكته مشاعر أخرى إنه الشعور بالذنب ….
لم يعد يستطيع امتصاص ما كان يخفيه أكثر فقال : أنت لست أول امرأة تنجب طفلاً يتخلى عنه والده من الواضح أنك تملكين ذكاءً يخولك ان تكوني شخصاً افضل لست مذنبة بسبب أصلك الفقير المهمل تماماً مثل ابنك أما بالنسبة لمظهرك .. حسناً ! هذا ما سنتكفل بتغيره الآن .
أنهى رافايللو كلامه والتفت بعيداً عنها لم يكن يريد أن يراها وهي تنظر إليه حاملة جراحها وألمها خلف ذلك القناع الوهمي الذي يخفي مشاعرها الحقيقية .
نادى رافايللو : أوليفيا … !
دخلت أوليفيا من الغرفة الثانية تكلما بالإيطالية وقد بدا التساؤل على وجهها .. ثم قالت بالإنكليزية : إذاً لقد أصبح واضحاً ما سنقوم الآن ؟
ثم ابتسمت لماغي وقالت : جيد .. فلنبدأ الآن .
قال رافايللو لماغي : سأعود لاحقاً .
ومشى خارجاً .
حدقت ماغي به بيأس ما الذي يجدر بها أن تفعله الآن ؟ هل عليها أن تلحق به وتخبره .. ماذا ستقول له ؟ إنها تفضل العودة إلى لندن وعدم رؤيته أو رؤية أحد من أفراد عائلته أو حتى رؤية فيلا توسكانا الفخمة بعد الآن حسناً .. ! لن تتمكن من فعل هذا لقد قامت بتوقيع عقد زواج ولن تتمكن من تغيير هذا الواقع حتى يقرر رافايللو دي فيسنتى أن الوقت قد حان لتعود إلى إنكلترا وذلك بعد تأكده من عدم وجود احتمال لجعل الزواج باطلاً أو المخاطرة بإثبات أنه مجرد ضرب من ضروب الاحتيال وبذلك تعود الشركة إلى يد والده من جديد .
جلس رافايللو في المقهى ينظر نحو الساحة الخارجية التي كانت مدرجاً رومانياً منذ ألفي سنة باستثناء شراء غرض واحد فقط أمضى حتى الآن اكثر من ساعتين يتجول في المدينة زار كنائس كثيرة متجاهلاً نظرات السائحات والإيطالية على حد سواء فهو لا يبادل النساء النظرات حين يكون معكر المزاج .
لقد جعله الاندفاع والشعور بالذنب يحضر تلك الفتاة الفقيرة الهزيلة إلى صالون أوليفيا للتجميل كي يحسن مظهرها قليلاً .. وبأي شكل كان لكنه ربما لم يقدم إلى تلك الفتاة أي خدمة بجعل أوليفيا تحسين من مظهرها عبس رافايللو حين وردت تلك الفكرة في ذهنه .. ربما لا أمل في تجميل مظهرها مهما حاولت أوليفيا أن تفعل ربما لم يفعل شيئاً بإحضارها هنا سوى تعريضها للإذلال والإهانة من جديد .. ألم يقم بإهانتها بقدر كاف حتى الآن ؟
أومأ للنادل كي يحضر له فنجاناً آخر من القهوة ثم رفع جريدته مجدداً يتابع تصفحها فربما تجعله مآسي العالم ينسى شعوره بالذنب قليلاً .
بعد أربعين دقيقة رن هاتفه فمد يده إلى جيب سترته ليخرجه منها .
_ مرحباً … !
_ رافايللو لقد انتهينا سنلاقيك في المطعم .. أراك هناك .
كانت أوليفيا توجه فوراً إلى المطعم حيث سبق له أن حجز طاولة للغذاء عندما دخل وقع نظره حالاً على أوليفيا كانت تجلس أمام المنضدة قد ازدحم المكان بالناس أشارت له بيدها فتوجه مباشرة نحوها متسائلا ما الذي فعلته مع ماغي ساوره شعور بالإحباط مجدداً ربما وجدت أوليفيا أنه من المستحيل تحويل ماغي إلى فتاة جميلة وأنيقة فتركتها في الصالون بينما أتت كي تنقل إليه الأنباء السيئة .
عندما اقترب رافايللو أكثر لفتت نظره امرأة تجلس أمام المنضدة أيضاً وهي تدير ظهرها نحوه كان هناك الكثير من النساء لكن تلك الفتاة استرعت انتباهه كثيراً راقبها بعينيه مطولاً كانت تجلس باستقامة دون حراك مرتدية قميصاً من الحرير بنية اللون دون أكمام بدن طويلة القامة وشعرها متميز باللون البني الفاتح تتخله خصل شقراء وهو ينسدل كالموج الناعم فوق كتفيها وجد رافايللو نفسه يفكر كم تبدوا تلك الفتاة مثيرة للاهتمام فهي تملك شيئاً مختلفاً .
أرادها أن تستدير نحوه ليرى إن كانت جميلة فعلاً بقدر ما تبدو من الخلف لكنه تذكر فجأة ان الوقت ليس مناسباً الآن ليقدر جمال وسحر نساء أخريات لذا عاد لينظر مباشرة نحو أوليفيا راحت تراقبه وهو يقترب وعيناه مأخوذتان تماماً بتلك المرأة الجالسة بقربها ما إن وصل بالقرب من المنضدة سألها بالإيطالية : حسناً ! كيف جرت الأمور ؟
حضر رافايللو نفسه لسماع الأسوأ حين نظر نحوه ولم يجد أثراً لماغي أجابته أوليفيا بحماس : احكم بنفسك .
نظر حوله مجدداً لكنه لم يتمكن من رؤية تلك الفتاة الفقيرة التي تركها مع أوليفيا في الصباح صمم رافايللو على تجاهل الفتاة المثيرة التي تدير ظهرها نحوه .. يجب ألا تشتت ذهنه بل عليه اعتبارها كأي شخص عابر .
قالت أوليفيا : ماغي ……..
رغم محاولته التفتيش عن ماغي لم يستطع رافايللو منع نفسه من مراقبة تلك الفتاة بطرف عينه أما هي فقد اختارت تلك اللحظة بالذات لكي تستدير في جلستها نحوه لم يستطع مقاومة مشاعره فالتفت لينظر إليها .
مرت لحظة بدا فيها غير مصدق لما يراه ربما هناك خطأ ما في عينيه … ! لا بد من ذلك فالمرأة أمام البار تملك وجه ماغي .. لكنها ليست ماغي إنها امرأة مدهشة جذبت عيوناً كثيرة غير عينيه .
أخذ نفساً عميقاً وقال : يا إلهي لا أصدق ما أراه !
أطلقت أوليفيا صرخة ابتهاج لكن رافايللو تجاهلها وظل يحدق غير مصدق لما يراه إنها ماغي ! لكنها لا تبدو هي نفسها ! لقد تغيرت ملامحها كلياً الآن وقد ترك هذا التغيير أثاراً واضحة لم تعد بشرتها شاحبة وقد زالت جميع الشوائب منها كما اختفى الوهن والشحوب وظهر جمالها الحقيقي المشرق بدت عيناها أعمق وأوسع وأكثر جمالاً أما وجهها فبدا ناعماً وقد انسدل شعرها على جانبيه ونحتت وجنتاها بشكل يلفت النظر نحو عينيها الجميلتين بذهول أما فمها ….
شعر رافايللو بانقباض في معدته رؤيتها جعلته يود تمرير يده في شعرها ومعانقتها .
_ هل أحببت هذا التغيير ؟
صوت أوليفيا الممازح هو ما أعاده إلى رشده لكن تركيزه لم يدم طويلاً فقد عادت عيناه مجدداً تراقب ماغي
التي بالكاد تمكن من التعرف عليها بدت نحيفة ذات جسد جميل ولم تعد تبدو هزيلة بالنسبة إليه يا إلهي ! كيف تمكن من التفكير أنها هزيلة ؟ لقد بدت كشجرة الصفصاف مرنة ورشيقة .
لم يتمكن من إبعاد نظراته عنها أما هي فراحت تبادله النظرات وقد بدا عليها الذهول أيضاً تساءل لما تشعر بالذهول لكنه توقف سريعاً عن التفكير في ذلك وأخذ يتفحص جسدها النحيف ثم عاد لينظر إلى وجهها من جديد .
بدا رافايللو غافلاً عن كل ما حوله حين سمع أوليفيا وهي تمر بجانبهما وتقول : وداعاً رافايللو ! استمتع بوقتك ..
لكنه لم يعرها أي اهتمام .
لم يسعفه صوته تماماً فقال بتلعثم : ماغي ؟
عضت ماغي شفتها فجعلته حركتها المألوفة هذه يتأكد بأن تلك هي نفسها الفتاة الفقيرة التي استغلها بغطرسته ليصل في النهاية إلى مبتغاه فعاملها بلا مبالاة كأنها مجرد أداة مثالية تخدم هدفه لإيذاء والده .
تضاربت المشاعر بداخله بعضها كان مألوفاً لديه وبعضها الآخر بدا جديداً تماماً حتى تلك اللحظات كان أفضل شعور أحسه تجاهها هو الشفقة .. شفقة لا مبالية على تلك الفتاة القبيحة غير المحبوبة .. شفقة ممزوجة بالشعور بالذنب لأنه عرضها للقدح والذم من قبل والده وللصراخ في وجهها وتوجيه كلام قاس وجارح لها لم يشأ أن يجعلها يوماً تدرك سبب اختياره لها لم يتعمد أبداً أن يرمي الحقيقة البشعة في وجهها بهذا الشكل .
عاد ضميره يؤنبه هل ظن ان بإمكانه إعطائها المال وجعلها تقبل بهذا الإذلال وتبقى صامتة ؟ إن سماعه كلمات الإدانة التي تلفظ بها هو نفسه تجري على لسان والده جعله يدرك وللمرة الأولى كم كان متحجر الفؤاد ها قد تبين له الآن أنه كان مخطئاً وان والده كان مخطئاً يا إلهي ! كم كان على خطأ … !
تزايد إحساسه بالذنب لكن هذا الإحساس جديد عليه .. وهو يكاد يفقده صوابه .
شعرت ماغي أنها تترنح وراحت دوامة من الأفكار تدور في رأسها أفكار خشيت ان تعترف بها .. تمسكت بأكثر هذه الأفكار بساطة ووضوح ومع ذلك شعرت بالصدمة وعدم التصديق رافايللو دي فيسنتى الوسيم المتغطرس الرجل الذي يخطف الأنفاس رافايللو دي فيسنتى الذي كان منذ وقت قصير
يتهرب منها ويتجنبها كأنها مرض معدي .. ينظر إليها الآن و كأنها .. كأنها امرأة حقيقية من لحم ودم .. وكأنها امرأة جذابة تدير رؤوس الرجال .
بدا الأمر وكأنها ولدت الآن بالنسبة إليه بل كأنها لم تكن موجودة أصلاً من قبل ما جعلها تشعر بالإهانة لا تشعر بها إلا المرأة المنبوذة لم تكن بالنسبة إليها أكثر من خردة لا تستحق أن ينظر إليها أما الآن .. فكما لو أن أحدهم قام بنفض الغبار عنها وأعاد إليها بريق الحياة في نظره إنها هنا الآن أمامه .. امرأة تضج بالحياة .
هذه الفكرة أيقظت فكرة أخرى من تلك الأفكار التي جعلتها تترنح إن رافايللو دي فيسنتى يملك تأثيراً مدمراً عليها فمجرد وجوده قربها وتفحصه لها بإمعان من رأسها حتى قدميها يعني أنه اعتبرها امرأة جديرة باهتمامه جعلها ذلك تشعر كأن ألسنة من النار الملتهبة تلفحها في كل أنحاء جسدها .
بدت تلك اللحظة بلا نهاية .. بعدئذ لاحظت ماغي _ وبصورة ضبابية _ أحدهم يقف بالقرب منهما ويقدم لهما باحترام بالغ لائحتي الطعام المغلفتين بغلاف جلدي تمتم الرجل بضع كلمات جعلت رافايللو يسلخ نظراته عن ماغي ثم يأخذ منه لائحتي الطعام قائلاً لها : ماذا تودين أن تأكلي ؟
سمعت ماغي حشرجة في صوته لم تسمعها من قبل ما أرسل ارتعاشه خفيفة في عمودها الفقري .
في الواقع كان جسدها بأكمله ما زال يرتجف ليس فقط بسبب نظرات رافايللو بل إن الساعات الثلاث التي أمضتها لدى أوليفيا بدت لها تجربة فريدة من نوعها وغير عادية بالنسبة إليها فقد استسلمت ببساطة ليدي أوليفيا الخبيرتين و لحماسها وابتسامتها لتضفي على جسمها وشعرها لمسات الجمال السحرية .
لم تكن ماغي تعلم حتى بوجود هذا النوع من صالونات التجميل ! قامت مجموعة من أخصائيات التجميل بتنظيف جسمها وفركه بالكريمات كما غسلن شعرها وقصصنه وصبغته ثم صففنه في تسريحة أنيقة بعدئذ قامت أوليفيا بوضع الزينة على وجهها بعناية حتى أنها لم تصدق عينيها حين رأت صورتها في المرآة أخيراً اصطحبتها أوليفيا إلى غرفة تبديل الملابس حيث رأت مجموعة رائعة منها هناك اختارت لها ثوباً حريرياً أنيقاً وهي تقول بنعومة : ألم أقل لك إنني سأجعلك تبدين رائعة الجمال ؟ وهذا ما فعلته .
هذا ما حصل بالفعل ! شعرت ماغي أنها تسير في الهواء كما شعرت سندريلا تماماً حين قابلتها الجنية وزودتها بالثياب والزينة اللازمة لحفلة الأمير عبرت ماغي عن امتنانها التام للمرأة الأخرى التي راحت تضحك قائلة : حسناً ! والآن لنجعل رافايللو يراك وسوف يسقط فكه على الأرض من شدة اندهاشه .
شعرت ماغي بالتوتر حين اقترب رافايللو منها يعطيها قائمة الطعام وكادت يده تلمس كتفها سألها : هل تودين ان أترجم لك لائحة الطعام ؟
ابتلعت ريقها وتمكنت من همس بضع كلمات وقالت : أود .. أود أن أطلب طبقاً خفيفاً فقط .
التقت نظراتهما معاً فرأت ماغي لمعاناً ذهبياً يشع من عينيه اللتين أحاطتا بهما رموشه الكثيفة ما أعطاه مظهراً مثيراً كما تنشقت رائحة عطره الذي أعطاه سحراً رجولياً خاص شعرت بدوار في رأسها وبأنفاسها تنقطع .
عاد رافايللو واستقام في جلسته ثم ابتسم وقال : حسناً .
تغيرت تقاسيم وجهه حين ابتسم ما جعلها تشعر بالدوار مجدداً رأته يبتسم بالأمس لعمته وكذلك هذا الصباح لأوليفيا لكن هذه المرة .. هذه المرة كان يبتسم لها بشكل خاص لم تصدق أن هذا يحدث فعلاً لا بد أنها تحلم ..
لكن .. إن كان هذا حلماً فهي لم تستفق منه بعد أمسك رافايللو بمرفقها مما جعلها تشعر كأن جسدها يحترق تحت لمسة يده أحست بشيء غير عادي في داخلها كأن فراشات غير مرئية أخذت تطير حولها بينما رافقها رافايللو إلى باحة المطعم الخلفية المزينة بالزهور حيث وزعت طاولات أنيقة .
أخذت مكانها وهي تشعر بالرعب من التعثر بسبب كعبي حذائها المرتفعين اللذين لم تعتد عليهما لكنها أحسنت التصرف ولم تواجه المشاكل بل جلست خلف الطاولة وعيناها لا تريان سوى رافايللو دي فيسنتى .
للحظات وبينما تلهى رافايللو بطلب الطعام حاولت ماغي تقبل الأمور بهدوء لتقنع نفسها بأنها تحلم من يصدق أنها تجلس هنا في هذا المكان السحري مع أكثر الرجال وسامة في العالم ؟ بعد أن أنهى رافايللو طلب الطعام عاد لينضم إليها رأت أشياء في عينيه جعلت الفراشات الوهمية تطير بشكل دائري متناسق فوق
رأسها .
قال لها بينما أخذت عيناه تراقبان وجهها وشعرها : إنه أمر مذهل ! لا أعرف ما أقول .
وبسط يديه بتلك الإيماءة الإيطالية المعهودة لديه .
تحركت ماغي قليلاً في مكانها بعدم ارتياح وقالت بصوت متوتر : إنه تأثير مساحيق التجميل .. وسوى كذلك …
ردد رافايللو خلفها : سوى ذلك ؟ آه نعم ! لقد كنت أعمى .. أعمى حقاً هذا كل ما في الأمر .
ظهرت نبرة تثير الاستغراب في صوته التقت نظراتهما مجدداً فلمحت ماغي في عينيه تعابير غريبة جعلتها تشعر ..تشعر بماذا ؟ لم تتمكن من وصف مشاعرها .
عاد رافايللو ليتكلم : لقد كنت أعمى عن كل شيء والآن أسألك …
تغيرت نبرة صوته وتابع : .. أسألك إن كان بإمكانك مسامحتي لأنني كنت أعمى وأرجو أن تقبلي هديتي عربوناً للسلام بيننا .
مد يده إلى جيب سترته وأخرج علبة دائرية ملفوفة بورقة فضية اللون مربوطة بشريط ذهبي ووضعها أمامها كانت تلك العلبة ثمرة تسوقه طوال النهار .
قال بصوته المميز : هيا ! افتحيها .
أطاعته ماغي بتردد وفتحت العلبة وما إن فكت الشريط حتى ظهرت علبة مجوهرات زرقاء اللون بدأت معدتها تتقلص كأن الفراشات أصبحت تدور في داخلها .
داخل العلبة وجدت عقداً جميلاً مصنوعاً من الذهب مصمماً بإتقان حدقت فيه وعيناها ترمشان .
_ هل تقبلينه كعربون لندمي على معاملتي القاسية لك ؟
أتى صوته الهادئ منخفضاً ومتميزاً بتلك النبرة التي لم تفهمها لكنها لم تكن في حالة تسمح لها بتحليل معنى نبرته الغربية تصلبت حنجرتها وقالت : لا يمكنني قبول هذا أرجوك .. إنها أمر غير ضروري أنت تدفع لي الكثير من المال …
قطع رافايللو كلامها حين مد يده ووضعها فوق يدها ثم قال لها بحدة : لا !
جعلها صوته تنظر نحوه بخوف أما هو فتابع : لن نتكلم عن هذا الآن .
ثم غير نبرته وقال : .. إن كان العقد يعجبك ضعيه الآن أظنه مناسباً للثياب التي ترتدينها .
فكرت ماغي أنه محق ليس عليها اعتبار تلك الهدية سوى إكسسوار إضافي لثيابها فكل التغيرات التي قامت بها أوليفيا هي جزء مما يريد رافايللو تغيره فيها .
أطاعته مجدداً وأخذت العقد من العلبة بدا خفيفاً جداً وقد صنع ليلبس بشكل عملي ارتبكت أصابعها خلف رقبتها وهي تحاول وضعه وفي لحظة كان رافايللو قد وصل إليها فأزاح شعرها ومرر أصابعه لتلامس يديها وتأخذ العقد من بين أصابعها تمتم وهو يلبسها إياه : اسمحي لي …
أصبحت الفراشات بداخلها تدور بشكل جنوني وشعرت كأن الدماء تهرب من شرايينها ارتعشت أعصاب رقبتها بسبب إحساسها المرهف .. ليتها تستطيع التمسك بتلك اللحظة للأبد .. إنها تشبه الجنة !
أغمضت عينيها لتستمتع بذلك الشعور الجميل الأخاذ لكنه انتهى بسرعة وعاد رافايللو إلى مكانه ليراقب عمله الفني المميز ثم قال : اليوم سنبدأ بداية جديدة .
وأخت عيناه تشربان من جمالها كأنها شراب معتق نادر .
فكرت ماغي أن يومها يبدو شبيهاً بالحلم وان رافايللو يبدو إنساناً مختلفاً وكأنه ليس الشخص نفسه الذي لم ير فيها سوى فتاة سيرحب بها والده كزوجة له بدا لها كأن رافايللو هذا قد اختفى وظهر مكانه أكثر الرجال وسامة في العالم ليجلس أمامها ويعاملها وكأنها أميرة شعرت باندفاع محموم في أحاسيسها وحاولت بصعوبة إبقاء قدميها على الأرض ومنع الفراشات التي في داخلها من جعلها تحلق عالياً .
خلال الغذاء الذي شعرت كأنه لحظات قصيرة تنتهي بسرعة حاول رافايللو إبقاء الأحاديث عامة وغير شخصية أخبرها عن لوكا وعن توسكانا و إيطاليا .. تنوعت الأحاديث بدء من التكلم عن تاريخها وصولاً إلى العصر الحالي وعادات المجتمع المعاصر …
ورغم التوتر الشديد في بداية الأحاديث وعدم تمكنها من مبادلته الكلام بسهولة إلا أنها تبدلت كثيراً مع الوقت وأخذت تسأله بحماس تماماً كما فعلت مع زوج عمته بالأمس وتدريجياً وجدت نفسها مرتاحة وراحت تتكلم بشكل طبيعي .
حاولت تخزين هذه اللحظات كذكريات غالية كحلم لا يصدق حدوثه في حياتها الحقيقية ظلت تحس طوال الوقت كأن تياراً كهربائياً يسري في جسدها ما جعل من الصعب عليها التوقف عن التحديق بوسامته الإيطالية التي جعلته رجلاً كامل الأوصاف .
ومع انتهاء الغذاء عادت ماغي إلى العالم الواقعي .
بنجي ! ارتجف جسدها لشعورها بالذنب وبينما وضع رافايللو بطاقة اعتماده على الطاولة ليأخذها النادل قالت له ماغي : أرجوك .. هل من الممكن .. أن أتصل بماريا .. كي أطمئن على بنجي ؟
ابتسم لها وقال : بالطبع ! .
أخرج هاتفه الخليوي وطلب رقم المنزل ثم تكلم سريعاً وأقفل الخط .
قام بنقل الأخبار لماغي فقال : تصرف بنجي بشكل ممتاز هذا الصباح فأكل فطوراَ كاملاً وهو الآن ينام بسلام
لكن ماريا تقترح أن تكوني إلى جانبه عندما يستيقظ في هذه الحالة علينا ترك الجولة الكبرى حول المدينة إلى مناسبة أخرى أما الآن فلم نتمكن من القيام سوى بجولة قصيرة ونتمشى بجانب قسم الجدران الأثرية ستكون هذه النزهة ممتعة .
اتجها خارج المطعم وبدأا المشي تحت الخيمة الخارجية التي تحمي من أشعة الشمس وتعمدت ماغي فتح حقيبة يدها لإخراج نظارتها الشمسية التي أعطتها إياها أوليفيا كان من الأسهل لها ان تنظر من خلال النظارة دون ان يتمكن أحد من رؤيتها وفيما هما يشقان طريقهما تعمد رافايللو أن يمسكها من مرفقها وأدركت ماغي فجأة بأن وجودهما معاً في هذا المكان لفت أنظار الموجودين .
بدا واضحاً ان الرجال ينظرون نحوها بإعجاب من كل الاتجاهات سواء كانوا يمرون بقربها أو يراقبونها من بعيد وهم داخل المقهى بدت نظرات الناس متفحصة لدرجة أشعرتها كأنها ترتدي ثياباً غير محتشمة وحالما شعرت بالخجل اقتربت ماغي من رافايللو بشكل عفوي غير مقصود .
نظر رافايللو نحوها وقد ظهرت ابتسامة ملتوية عند طرف فمه وقال لها : في إيطاليا لا نشعر بالخجل من إبداء إعجابنا بامرأة جميلة لا تقلقي طالما أنا بجانبك لن يتمكنوا من القيام بشيء سوى النظر إليك من بعيد .
ثم اصبح صوته اكثر جفافاً وتابع قائلاً : لكنني لا أنصحك بالتجوال بمفردك إذ ستتعرضين لبعض المضايقات .
شعرت أن وجهها يتلون خجلاً واسترجعت كلمات رافايللو في ذهنها لقد وصفني بالمرأة الجميلة !
تابعت سيرها وهي تشعر بالذهول .
أصبح السير بجانب الأسوار التاريخية أسهل إذ زاد عدد السياح والمارة فلم تعد ماغي تجذب الأنظار كالسابق
ابتعدت قليلاً عن رافايللو وتجاوب هو معها على الفور وأخذ ببساطة يجاريها في المشي .
كانت ماغي تشعر بمتعة كبيرة كلما توقف رافايللو كي يدلها ويشرح لها عن جزء مميز من الجدران التي تحيط بالمدينة .
_ لقد شيد سكان لوكا الأغنياء منازلهم الفخمة في القرن السادس عشر في الأرياف المحيطة بالمدينة والتي في أغلبها الآن مفتوحة أمام السياح ربما نذهب لرؤيتها في يوم آخر هناك الكثير لتشاهدينه في توسكانا حتى أنك ستحتارين أي مكان تختارين لزيارته .
فجأة استيقظت ماغي من حلمها الجميل وقالت : أرجوك أنا متأكدة من أنك ستنشغل كثيراً بأعمالك الخاصة .
أجابها رافايللو بتلقائية : ليس لدي عمل ملح هذه الفترة .
اجتماع مجلس الإدارة الذي سيعلن فيه رافايللو رئيساً للمجلس لن يعقد قبل الأسبوع المقبل والتأخير لن يوتر رافايللو فوالده لن يتمكن من التهرب من تطبيق الاتفاق المبرم بينهما .
شرد ذهنه قليلاً لم يشأ أن يفكر بوالده الآن تصاعد الغضب بداخله وظهرت ابتسامة غريبة على فمه فكر أنهما حين يعودان إلى المنزل سوف يجبر والده على رؤية ماغي الجديدة كي يمحو من ذهنه صورة تلك الفتاة التي رماها في وجهه منذ أيام .
نظر رافايللو نحو رأسها ذي الشعر الحريري الذي بالكاد يصل حتى كتفيه إنه لم يتمكن بعد من استيعاب التحول الذي حل بماغي .. إنه فعلاً تحول مذهل كانت تمشي إلى جانبه وقد بدت وقفتها ملفتة أما فستانها
فقد أظهرت قصته قوامها الرشيق بدا فستانها بسيطاً لكن رافايللو يعلم أن سعره ليس بالبساطة نفسها .. حسناً ! بدا الأمر كالحلم فهي ليست هزيلة لكنها ذات قوام نحيف وليست شاحبة … بل مشرقة …
بمظهرها الحالي ستتمكن من محو أي فكرة مسبقة عنها .. لذا سيجعل والده بالتأكيد يراها الآن سيجعله يعترف بذكائها وثقافتها الشخصية التي بنتها بمفردها وكذلك بمستواها المعيشي الجديد الذي قدمه لها سيجعله يرى أن كل وصف قاس وصفها به كان خاطئاً وبأن السبب الوحيد الذي جعلها تقبل بتلك المهمة الوضيعة هو خوفها على ابنها وإصرارها على الاعتناء به وتقديم كل ما بإمكانها له .
لمع العبوس في عينيه وفجأة دون تفكير بالموضوع أخذ يتكلم فقال : أخبريني عن والد بنجي .
تجمدت ماغي في مكانها وهي في منتصف مشيتها لبرهة ثم تابعت السير من جديد ظهرت القسوة في صوته مما جعلها تهلع لم يريد أن يعرف ؟ حاولت التكلم بهدوء فأجابت : ليس .. ليس من السهل علي التكلم في هذا الموضوع أتعلم ! حين كنت في الملجأ …
راحت ماغي تتكلم وهي تنظر مباشرة أمامها .
قاطعها قائلاً : أي ملجأ ؟
_ ملجأ الأطفال .. للعناية بهم .. لا أعلم ماذا تسمونه بالإيطالية .
عبس رافايللو وهو يفكر ماذا يعني ذلك ؟ هل هي يتيمة ؟ سألها : ماذا حدث لوالديك ؟
أنا .. أنا لا أعلم .
_ كيف ذلك .
التفتت نحوه بسرعة كان يعبس بشدة مما جعله يبدو مرعباً ألح عليها بالسؤال قائلاً : أحقاً لا تعرفين ما حدث لهما ؟
_ أنا .. أنا لا أعرف من هما والدي لقد وجدوني بعد ولادتي ببضع ساعات وفي ثيابي ورقة تقول أمي فيها أنها لا تستطيع إعالتي وقد هجرها زوجها حاولت الشرطة إيجاد المرأة التي أنجتني ولكن دون جدوى .. أنا أعتقد أن الفتيات الشابات هن اللواتي يتخلين عن أطفالهن إذ يحببن شباناً طائشين سرعان ما يتخلون عنهن فيشعرن بالرعب لذلك على الأرجح قامت أمي بالتخلص مني .
لم يقل رافايللو أي شيء فاستمرت بالسير وهي تتابع كلامها بذلك الصوت المتوتر الذي حاولت جاهدة ان تجعله يبدوا طبيعياً : إذاً هل رأيت أنا لا أعرف أمي وليس لدي أدنى فكرة عن هوية والدي إنه على الأرجح لم يعرف حتى أنها حامل …
سرت قشعريرة باردة في جسد رافايللو : لم يكن لدي أدنى فكرة عن هذا الأمر .
أجفلت ماغي حين قاطعها وشعرت بنبرته القاسية من جديد وقد ظهر فيها المزيد من الحدة هذه المرة توقفت قدماها عن الحركة مجدداً لقد تهدم الصرح الحضاري التي أظهرته على الغذاء استرقت النظر إليه قليلاً توقف رافايللو عن السير أيضاً وراح ينظر إليها لم تتمكن من رؤية عينيه اللتين كان يخفيهما وراء نظارتيه الشمسيتين إلا أنها تمكنت من رؤية فمه الذي بدا متوتراً مشدوداً .
شعرت بقلبها يهبط إلى الأرض بدا الأمر كالخروج إلى عاصفة ثلجية بعدما أزهرت زهور الربيع …
فكرت بحزن : آه ! لما لم أكتفي بقول بعض الأعذار وعدم إخباره شيئاً عن بنجي أو عني ؟ لقد أرعبته مني الآن ! وشعرت بالندم يأكلها .
قالت بصوت خافت : لقد اعتقدت أنك تعلم ذلك فقد كتب على شهادة ميلادي : الأهل مجهولون الهوية أما تاريخ ميلادي فهو أقرب تقدير تمكنت المستشفى من إعطائه لقد أخذت شهادة ميلادي من أجل تسجيل الزواج .
أجاب بتجرد : لم أنظر إليها .
عضت ماغي على شفتها بالطبع ! لم سيزعج رافايللو دي فيسنتى نفسه بالنظر إلى شهادة ميلادها ؟
تابع رافايللو الكلام وقد بدا صوته بعيداً جداً : كنت تحدثيني عن بنجي .
وبقلب يغرق من الحزن أجبرت ماغي نفسها على متابعة قصتها المؤلمة …
_ همم كنت في دار الرعاية ونشأت بيني وبين كايس صداقة قوية صداقة قربتنا من بعضنا البعض بشكل كبير حسناً .. ! بعدئذ أصبحت الأمور أكثر تعقيداً ..
ابتلعت ريقها عبر حنجرتها المشدودة مجبرة الكلمات على الخروج من فمها وهي تسترجع ذكريات الأيام الماضية تابعت القول : عندما تركنا الملجأ وبدأنا باستكشاف العالم سكنا في شقة واحدة وعندها فقط ظهرت أعراض السرطان على كايس في الفترة الأولى بدا العلاج نافعاً استمر ذلك لمدة عامين لكن السرطان عاد من جديد بشكل أقوى إلى أن خطف الموت كايس .. بعد ولادة بنجي مباشرة .
لم تستطع إكمال الكلام فعادت تهم بالمشي مجدداً لكنها لم تعد تنظر حولها نحو الأسوار شعرت بالامتنان لنظارتها السوداء لأنها أخفت دموعها .
جاء صوت رافايللو خافتاً وهو يقول : أنا أشعر بالخجل .. أشعر بالخجل من كل فكرة مسبقة أخذتها عنك أو قلتها لك .
ثم أدارها نحوه وأمسك بمرفقيها أغمضت ماغي عينيها لتمنع انهمار المزيد من الدموع شعرت أن حنجرتها تشتعل لمحاولتها القوية منع نفسها من البكاء .
شعرت بإحدى يديه تتركها ثم امسك نظارتها ورفعها عن عينيها .
_ لا نريد الدموع .. الدموع ستفسد تبرجك .
لاحظت ماغي في صوته نبرة مزاح رفعت بصرها نحوه لتحدق به وعيناها الغارقتان بالدموع لدرجة جعلتها تراه بشكل ضبابي بتهذيب كبير مرر إصبعه تحت عينيها ليلتقط دموعها قبل نزولها فوق خديها وحين وضحت أمامها الرؤية التقت نظراتهما معاً …
شعرت ماغي كأن الوقت اصبح معلقاً ولم تعد قادرة على التحرك أو حتى التنفس وكأنها مقيدة بطوق من الفولاذ .
توقف العالم حولها عن الحركة لقد اختصر العالم بنظرها برافايللو إنه الوحيد الذي بقي موجوداً بالنسبة إليها وكان ينظر إليها بعينيه الداكنتين اللتين بدت تعبيرهما غريبة غامضة .
بهدوء مرر رافايللو أصابعه بين خصل شعرها الناعم .
_ جميل جداً …
تمتم بهذه الكلمات بصوت منخفض ثم أخفض رأسه ليعانقها فأغمضت ماغي عينيها لتستمتع بعناق رائع لم تتوقعه مطلقاً من الرجل الفاتن الذي يرافقها شعرت بقوة جسده ودفئه وهو يضمها إلى صدرها برقة وهدوء .
تمنت أن يستمر هذا العناق للأبد لكن لسوء الحظ أن الأمر انتهى سريعاً .
فجأة ابتعد رافايللو عنها مما جعلها تشعر بخسارة كبيرة سرت أصداؤها في جسدها نظرت مطولاً نحوه ومشاعرها تظهر بوضوح على وجهها فيما الغموض لا يزال بادياً في عينيه أمسك رافايللو يدها وسبك ذراعها بذراعه ثم أرجع نظارتها إلى عينيها مجدداً وقال لها : : علينا العودة إلى السيارة .
عادت معه وهي تشعر بدوار في رأسها كأنها تعيش فترة أقرب إلى الحلم منها إلى الحقيقة ولم تستطع التفكير بشكل منتظم .
عم الصمت معظم فترة العودة إلى الفيلا كان رافايللو يقود السيارة بالسرعة والتركيز اللذين قاد بهما هذا الصباح لكنها هذه المرة لم تشعر بالتوتر الذي كان مسيطراً في الصباح بل بدا كأن رافايللو يستمتع بقيادة سيارته القوية أما ماغي فقد أمضت رحلة العودة وهي تجلس ملتفتة نحوه بين الحين والآخر ثم تمسك خصل شعرها بيدها كي لا يتطاير في الهواء .
راح رافايللو يلتفت نحوها بين الحين والآخر وقد علت فمه ابتسامة صغيرة وكأنه يشعر بالرضى لم تفهم ماغي مغزى تلك الابتسامة لكن ما تعرفه هو ان شيئاً ما يذوب في داخلها كلما التفت نحوها .
تمنت أن لا تنتهي هذه الرحلة على الإطلاق !

 
 

 

عرض البوم صور safsaf313   رد مع اقتباس
قديم 13-09-08, 08:17 PM   المشاركة رقم: 10
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Mar 2008
العضوية: 66854
المشاركات: 2,022
الجنس أنثى
معدل التقييم: safsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 585

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
safsaf313 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : safsaf313 المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

هممممممممم فين كلامكم الحلو؟؟؟؟؟؟!!!!!!!

 
 

 

عرض البوم صور safsaf313   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أحلام, معا فوق النجوم, دار الفراشة, جوليا جايمس, julia james, روايات, روايات مترجمة, روايات مكتوبة, روايات احلام, روايات احلام المكتوبة, روايات رومانسية مترجمة, the italian's token wife
facebook



جديد مواضيع قسم روايات احلام المكتوبة
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 10:45 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية