بجوار النافذة المحكمة الإغلاق اجلس في الظلام التام أحيانا يتخلله أضواء السيارات التي تمر بجانب المنزل , فنجان القهوة الصغير , دخانها يتصاعد لا يجد ما يحركه فيُكون هو العديد من الأشكال , حتى خُيل لي انه صنع وجهها الأبيض الرقيق بابتسامتها الغامضة تلك التي تستحوذ على فمها و تنعكس منه على عينها الضيقة. سرحت داخل ذلك الدخان حتى غصت به تماما أدخلني في أعماقه ....
منتدى ليلاس الثقافي
في بداية الرحلة دخلت إلى نفق مظلم يأتي من نهايته صورتها تضيء قليلا المكان , أشارت لي بالقدوم ناحيتها , ذهبت إلى هناك حيث وجدت شاشة عرض كبيرة تبث فيها لحظة مرورها صدفة أمامي في بداية العام الدراسي الحالي و لم أبالي بها .
رويدا رويدا بدأ ضوء الشاشة يبهت إلى أن اختفى.
مرت دقائق الصمت قصيرة إلى أن قطعها إعادة بث على الشاشة , فقد كانت تحكي كيف بدأت قصتي معها ,, كان اهتمام أحد أصدقائي بها اعجابه بالغموض الذي يعتري ملامحها. ويريد أن يستشيرني فهو يعلم بخبرتي ببواطن تلك الأمور ,, إرشاداتي و توجيهاتي هي ما كانت تبث لا اعلم كيف وصلت لها ,, وجدتني اصرخ في أعماقي من الحيرة و الريبة ,,
مرة أخرى أطفأت الشاشة..
انتظرت , طال الانتظار كثيرا هذه المرة , صمت كاد يقتلني ,, فلم تضيء الشاشة و لكني لا اعلم ماذا افعل فالمكان مظلم ,, حاولت أن أجد طريقي فاستندت على الحائط تحسسته , الحائط غريب صلب ذلك ما اعتقدت , لكن ما نزع روحي مني هو عندما وضعت يدي عليه غاصت فيه , جذبني كليا لداخله ,, قذفني بعنف إلى جانبه الآخر أدخلني إلى مدينة واسعة و حدثت إغمائه.
لا اعلم كم بقيت هكذا لكنني استفقت على عالم من الغرائب ,, كثير من الناس اغلبهم أراهم في الجامعة يتهافتون عليها محاولين التقرب منها لكن هيهات ,, لكن وجدتهم هنا في صور مختلفة فقد كانوا صغارا ضعافا محتجزين داخل زنزانة ضخمة قائمة في وسط المدينة تكفي لحبس ديناصورات زمن الأساطير ,, ينادون بأعلى صوتهم على من يخرجهم ,, مشاهد ذلك المكان تشبه إلى حد كبير ما أراه في أماكن تواجدها التي أراها فيها و لكن بتصميم يهز كياني , يدخلك إلى عالم الشك و الغموض ,, لقد أدخلتني مدينة الأساطير التي حلمت كثيرا أن ادخلها و اليوم - اليوم فقط - اندم على ذلك ..
صورها موجودة , بنفس ابتسامتها الغامضة موجودة ,, في أماكن كثيرة في أرجاء المدينة , وجدتها مرسومة على تلك الجبال الحمراء الجميلة في أقصى يمين المدينة , وجدتها على القصر الأبيض الذي يزين يسار المدينة ,,
المدينة واسعة كل ما بها طبيعي الأشجار و الشلالات التي تتكسر فيها المياه على صخور ملساء تحته.. تحوي العديد من مصابيح الإضاءة القوية لتجعل كل شيء مكشوف تماما و الهروب درب من الجنون.
لكن المخيف و الذي هز كياني ما سمعته و رأيته , فقد تركزت الأضواء على صورتها في القصر و حدث آخر شيء توقعته فقد تحركت الصورة و نادت على الفرسان أن يأتوا ليقبضوا على المتسلل الجديد ,
كان عددهم مهول , يرتدون زي العصور الوسطى , خيولهم تصدر أصواتا عجيبة تشبه زئير الأسود ,, تأهبوا سريعا و قدموا للقبض علي ,, تلك الأصوات زادتني تعجبا و فزعا , لم أفكر إلا في الجري و الهرب من هنا , هرولت كثيرا , بعدت اكثر , لكن المدينة لم تنتهي , فلم أجد بها أسوار , مضايق ,, فقط مساحات شاسعة من الخضرة .
عندما تعبت من الجري دون جدوى نظرت خلفي أرى أين هم مني و لكن حدث ما كاد يخرج عيني من مكانها رعبا و ألما و ما انقبض له قلبي حتى كاد يخرج من صدري , فنظرة واحدة للخلف وجدت كل الأشياء ثابتة لم تبعد وعلى نفس المسافة التي بدأ منها هروبي ,, فالقصر و الجبال و السجن على مرمى بصري في نفس المكان .
جثوت على ركبتي يائسا لحالي و نهايتي , الخيول و ركابها قادمون في هدوء السخرية تعلو وجوههم فهم يعلمون ألمي و يعلمون انهم احكموا سيطرتهم التامة , سمعت صوتها من بعيد و هي تضحك ضحكة المنتصر , كلما ازدادوا اقترابا ازداد صراخي , جاء لي فرسان يكتنف ملامح وجههم الانتصار ليحملوني و يلقوني هناك في الزنزانة قاومت بأخر رمق مما امتلكه صارخا بضعف "لا أريد أن ادخل عالمك فأنا لا أريدك لا اهتم لأمرك" ملوحا يدي في الهواء بوهن ثم امسكوا بي......
يدي هذه كانت هي البرزخ بين الحلم و الحقيقة فقد استفقت على صوت تكسير الفنجان الذي ألقيته بوهن أثناء سرحاني , صوت أحسسته انفجارا عنيفا جعلني اقفز من مقعدي بسرعة و خوف شديدين و لكنه أنقذني من مصير هلاكي , حينما ألقيت بالفنجان كان صورتها تحطمت من دخان القهوة و أصبحت حرا.
لم انتظر حتى انظف المكان , أزيل أثار الفنجان المسكوب المكسور , عبرته مسرعا إلى مكتبي أمسكت صورتها بنفس ابتسامتها الغامضة التي انتهيت من رسمها منذ قليل , نظرت لها بحسرة و ألم , مزقتها إلى أجزاء صغيرة جدا من فرط انفعالي ,, ثم ذهبت أزيل آثار القهوة.