لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء


جمرات تأكل العتمة ، للقاصة : منى المديهش

السلام عليكم ورحمة الله .. هذه قصة قصيرة أخرى .. لعلها تنال استحسانكمـ .. جمــــرات تأكل العتمـــــــة .. للقاصة السعودية منى المديهش ..

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (2) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 21-04-08, 11:06 PM   2 links from elsewhere to this Post. Click to view. المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 65992
المشاركات: 389
الجنس أنثى
معدل التقييم: النهى عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 18

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
النهى غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
افتراضي جمرات تأكل العتمة ، للقاصة : منى المديهش

 

السلام عليكم ورحمة الله ..

هذه قصة قصيرة أخرى ..
لعلها تنال استحسانكمـ ..



جمــــرات تأكل العتمـــــــة ..
للقاصة السعودية منى المديهش ..




1/ صفر:
إليـــه,
الليلة مطلع الشهر, والهلال كشوكة صغيرة نصلها ينغرس في طوايا الكبد .. وأنا في عتمة الليل أتحسس الآلام والأشجان العتيقة, أيها ذبل .. وأيها رحل .. أيها مازال يقاوم ..
لا شيء في هذا الليل .. إلا وحدتي وظرف بريدي ملقى وصورة غادرته توا ً ..
صورة من ورق .. تصافحني كل شهر .. تأتي إليّ .. وأنا أنتظرك أنت, وأنت لا تجيء ..
في كل مرة تصل إلي الصورة, أجوس ببصري خلالها .. أتجاوز بسمة الطفل الحبيب وأبحث عن ظل , عن أثر .. عن زوايا كنت ُ فيها .. عن دار يعرفني .. عنـــك أنت .. لكن لا شيء , إلا الطفل وهو ينمو .. كأنما هو الشيء الوحيد الذي لي فيه حق .. ولا شيء سواه ..
كان في أعماقك قلب لايغفر .. وجبال لا تنحني حتى لمرور السحاب .. وحزني مايزال ممهورا بقسوة البعد والحنين والندم .. الندم على أشياء صغيرة .. مازالت معلقة على حافة القلب .. تسائل هذا الليل متى ينجلي ..
قبل أيام أخرجت علبة الحبر الصيني ومجموعة ألواح .. وقلت سأعود, سأعود لحياتي التي أعلنتُ عليك الغضب لأنك سرقتني منها .. وحين شرعت ُ أرسم .. دخلت أختي وتمعنت في الخطوط الرمادية على اللوح الأبيض, وسألتني : هذا من ؟
قلت ُ:
ماذا تريدين ؟
قالت :
كأنه فرعون صغير محفور على جدار هرم ..
هل رسمتك على هيئة الفراعنة .. حدود فقط , وملامح صارمة , ونظرات ثابتة نحو الأمام .. نحو الأفق ؟
قطعت أختي تفكيري :
_ ترسمين صورة إنسان ؟ أهكذا علمتك الغربة ؟
_ مزقيها ..
بهدوء أجبتـُها , وحين التفت سمعت خشخشة الورق .. كانت قد مزقت الصورة ..
وأنـــت ..
من سيمزق صورتك من قلبي ؟


يتبــــــــــــــع ,,

 
 

 


التعديل الأخير تم بواسطة ♫ معزوفة حنين ♫ ; 24-04-11 الساعة 01:54 PM
عرض البوم صور النهى   رد مع اقتباس

قديم 22-04-08, 06:20 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 65992
المشاركات: 389
الجنس أنثى
معدل التقييم: النهى عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 18

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
النهى غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : النهى المنتدى : القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
افتراضي

 


7/ رجب:
إليـــــــــــــها ,
كنت أعلم أنني يوما ما سأزيح الغطاء عن البئر المطمورة .. وأبوح ..
تسألينني يارفيقة الطفولة عن هذا الوضع الغريب .. عن أم مهجورة , ووالد مغترب , وطفل بعيد ..
ستعجبين إذا قلت لك أن هذا كله من اختياري .. رضيت به وصممت عليه .. وأجبرت أهلي على أن يصمتوا رغم حيرتهم .. وقد صمتوا مادام ليس لهم خيار إلا سكوتهم أو انهياري ..
لا أريد أن أعترض عليه .. أخشى أن يعطيني ميثاق تحريري .. وأنا لا أريد أن أتحرر ..
لا أريد أن أطالب بالطفل .. أخشى ألا يبقى بعد ذلك مايربطني به ..
نعم تعبت من ألم البعد .. وقسوة الانتظار .. ولكني أحيا على أمل .. فلمَ تريدون أن تحرموني منه ؟
قد تعجبين إن قلت لك أن هذا الأمل الذي أحيا عليه الآن .. كان أكره شيء على قلبي قبل سنوات قليلة ..
لا تعجبي! نحن نكبر من غير أن نشعر .. وكلما كبرنا تغيرت أشياء كثيرة فينا .. ليس الجسد فقط هو مايكبر مع الأيام .. حتى الروح تكبر .. حتى المشاعر ..
من أين تريدين أن أبدأ ؟
لعلك تذكرين ذلك الصباح المدرسي المشرق , يوم أن كنا غادرنا - تواً - عامنا السادس عشر .. لعلك تذكرين كيف قلت لك بفرح طاغ بأنه منذ اليوم لن تجدنني أذاكر معكن .. فقد امتلكت ماهو أكبر من الكتب والدفاتر ..
في ذلك اليوم كانت أمي قد أخبرتني بأني خُطبت .. لم أشعر بأني كبرت إلا في ذلك اليوم .. وسعدت بكوني أصبحت شيئا مهما .. وحين سألتني أمي عن رأيي وافقت بغير تردد .. رحت أتأمل كيف سيكون حفل الزفاف ..
وكيف سأعيش ملكة وقد امتلكت رجلا مهمته إدخال السعادة على قلبي .. وكان طبيعيا أن أعلن لأهلي أنه منذ الغد لن أذهب للمدرسة , لقد كبرت والمدرسة للصغار فقط ..
لم أكن أعي ما أنا مقدمة عليه .. ولا ما ينتظرني من مسؤوليات .. وحتى هو لم أسأل عنه ..
وحين أتى لرؤيتي , لم أنظر إليه قدر نظري لماركة الساعة التي يرتديها .. وحين اطمأننت إلى أن أناقته كافية لأباهي به في حفل الزفاف .. نسيت كل شيء ..
بعد الزواج اكتشفت شيئا مهما .. لم يخلصني الزواج من الكتب والمدرسة التي أكرهها فقط .. لقد خلصني من شيء آخر ..
طفولتي التي لم أرتو منها .. بدأت أسمع لأول مرة كلمات مثل: لا تركضي لقد أصبحت امرأة .. لا تلعبي لا تضحكي هكذا .. لا تطيلي الجلوس مع الفتيات فأنت سيدة ..
فوجئتُ بأشياء كثيرة علي أن أفهمها وأخرى علي أن أعملها .. كانت أكبر مني ومن طفولتي .. ومن عبثي في بيت أهلي الذي ظللت فيه طفلة مدللة إلى اليوم الذي تزوجت فيه ..
وشيء آخر .. إنه (هــو) ..
لقد بدا جادا كثيرا .. يمتلك عقلا أكبر من عمره بكثير ..وأنا لم أعتد كل هذا الجد , وكل هذا التعقل .. لقد كان يتصرف كما لو كان أمام مشروع خطير .. يحسب كل شيء بميزان دقيق .. ويطيل الصمت والتأمل .. ويخطط لأشياء يسميها المستقبل .. وأنا لم أكن أرى الزواج إلا لعبة بين أطفال كبار .. لا أدري لم شعرت بعد مضي الأشهر الأولى أنه لا يهتم بي .. وأنه حرمني من طفولتي .. وأن أشياء من عمري وحياتي سرقت ولن تعود إلا إذا تحررت منه .. لهذا ، وبالبساطة التي قلت لأمي بها : موافقة .. ذهبت إليه وأخبرته بقراري بالانفصال .. لم يزد على أن اتهمني بالجنون .. وطلب مني عدم التحدث في هذا الموضوع مرة أخرى .. وكلما أصررت أنا على الانفصال .. أصر هو على التجاهل ..وشيئا فشيئا بدأ ذهني يسرب إليّ أنه يمتلكني بموجب عقد الزواج ..
لذا أصبحت أرى أن إصراري على الطلاق نوع من الدفاع عن الكرامة الشخصية .. ومع أنه بدأ ينتبه إلى تلك الطفلة بأعماقي ويحاول أن يرضيها .. إلا أن عقلي وجميع مشاعري قد سيطرت عليها تلك الفكرة ..
فازددت عنادا .. ونقلت جميع أشيائي إلى الغرفة الأخرى وأهملت جميع شؤون المنزل وعلى الأخص تلك التي يهتم بها هو ..
كنت كالريح التي لاقت إعصارا .. إذ لم يهتم كثيرا .. فالطعام يحضره من خارج المنزل .. والأعمال الأخرى أوكلها إلى الخادمة .. إلى أن جاء يوم أخبرني فيه أنه حصل على بعثة لإكمال دراسته بالخارج .. ومع أني رأيت في فكرة السفر تجربة جميلة , إلا أن ذهني مازالت تسيطر عليه الأفكار الغريبة , فأعلنت أني لن أذهب ولكن بعدها بأيام فوجئت بزيارة من أهلي .. وكأنما التحموا صفا واحدا ليشعروني بألا مكان لي إلا معه .. وأنهم جاؤوا لتوديعي لا غير ..
في الغربة لم أكن أجد أحدا يتحدث لغتي إلا هو .. ولما رأيت منه اهتماما بمحادثتي , شعرت أنه اخترع فكرة السفر ليسيطر عليّ فأعلنت الحرب .. أخبرته أني أريد الالتحاق بمركز للدراسة ورفض بدعوى أن في دراستنا معا صعوبة على كلينا .. ولكني كنت أرى في هذا الطلب حقا لي يجب عليه أن ينفذه مع بقية الطلبات .. وإلا فلم يتمسك بعدم تطليقي ؟
لهذا قلت له بأني لم أنسَ موضوع الطلاق وأن عليه أن يتذكر هذا .. وفي الحقيقة أني نسيت الموضوع وأعجبتني الحياة هناك , ولكن لم يسهل علي التنازل عن كبريائي ..
في تلك الفترة بدأت أشعر بنمو الجنين في أحشائي فعلمت أنه سيكون الحبل الذي سيربطني به إلى الأبد .. فقررت عدم إخباره بالأمر وقررت أيضا شيئا آخر ..
التخلص من الجنين .. تعمدت القيام بأعمال ثقيلة وشاقة .. لكن الجنين لم يتأثر .. إلى أن جاء يوم عاد فيه إلى البيت في غير موعده , فرآني وأنا أقوم بخطوة أكثر عملية من أجل إن يسقط الجنين ..
في ذلك اليوم رأيته لأول مرة غاضبا , ولأول مرة عنيفا , ولأول مرة يعبر عم رأيه تجاه تلك التصرفات الصبيانية التي كنت أقوم بها .. حدثني عن الأنفس الضالة .. التي مهما بلغت من الإساءة إلا أنه يكفيها الشعور بالمسؤولية لتهتدي .. قال بأنه سكت طويلا حينما كانت إسائتي له ولنفسي فقط , أما أن أسيء لروح بريئة عاجزة فهذا مالا يرضاه .. ستعجبين يارفيقتي إذا قلت لك أن كل تلك الكلمات التي قالها لم تحرك فيّ شيئا .. بل عبرت وتحدرت كما يتحدر الماء على سطح أملس .. ولم أتذكر إلا جملة أخيرة قالها وهو ينهض :
إذا لم تخافي من الله .. فهناك القانون .. القانون هنا يعاقب مثل هذا ويعده شروعا في عملية قتل ..
وفي الوقت الذي ازددت فيه صلفا واعتصاما بغرفتي , كان هو يزداد اهتماما وحرصا علي حتى من نفسي ..
كان يقطع ساعات عمله ويعود ليتأكد من كوني أتناول وجبات الطعام في وقتها .. كان حريصا على أن يجعل المائدة عامرة بكل الأصناف الجيدة .. كان لا يأكل بمقدار ما ينظر إلي ّ ..كنت أعود من كل نزهة بمثل الطريقة التي أنهض بها من طاولة الطعام .. أدير ظهري وأتجه لغرفتي حتى من غير كلمة شكرا ..
وقضيت أشهر طويلة لا أهتم إلا بنفسي .. والمعهد الذي التحقت به لدراسة اللغة الإنجليزية والصديقات اللاتي تعرفت عليهن هناك ..
أما هـــو وبيتي والطفل المنتظر فكانوا خارج اهتماماتي .. وكان لايدهشني شيء قدر اهتمامه الكبير, وصمته الطويل بالرغم من كل ما كنت ُ أفعل ..
وحنانه الذي يزداد كل يوم .. لأزداد أنا صلفا خشية من أن يأسرني ..
ووجدت نفسي يوما أمام ساعة عصيبة وأنا جهلاء عزلاء ..
مضربة كانت ساعة خروج المولود إلى النور .. لأجده قد رتب لهذه اللحظة .. وأعد لها كل شيء ..
بدءا من حجز المستشفى وانتهاء بالبيت ومايتحتاجه المولود الجديد ..
كم مضى من الوقت وأنا أسرد عليك هذه المواجع ؟ أعتذر لقلبك , فقد أثقلت عليك ولكني أمارس شيئا من التنفيس .. شيئا من التطهير .. بعد أن طويت على تلك الأحداث قلبي .. ومازال للحديث بقية أكمل فيها تتمة الوجع , فانظريني إلى حين ..
واسلمي ..



يتبــــــــــــع ,

 
 

 

عرض البوم صور النهى   رد مع اقتباس
قديم 23-04-08, 09:14 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 65992
المشاركات: 389
الجنس أنثى
معدل التقييم: النهى عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 18

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
النهى غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : النهى المنتدى : القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
افتراضي

 


3/ شعبان:
إليــــــــها.. تتمة وجــــــع ,
وكان الطفل ينمو .. وكنت لم أستطع أن أغفر له أن جاء بغير إرادتي كما لم أستطع أن أغفر لأبيه من قبل أن سرقني من طفولتي .. فلم أهتم به كثيرا .. بل إنني كنت أحمله إلى غرفة والده كلما بكى , وأدعه بين يديه وأنصرف لأغط في نوم عميق .. فهو ليس ابني وحدي ورعاية الطفل في نظري مسؤولية يكفي أن يقوم بها أحد الوالدين .. وأنا تبرعت بها له ..
أِشهر طويلة مرت قبل أن أشعر أن أشياء كثيرة فيّ قد تهاوت .. وأن هواء جديدا بدأت ُ أتنفسه .. لم تكن هناك لحظة فاصلة .. بل صور متتابعة متقطعة بدأت تشعرني بنفس آخر للحياة ..
بدأتُ أتعمد أن أتباطأ عند المرور إلى غرفتي لألقي نظرة عليهما وهما في غرفته .. كنت أسمع ضحكات الطفل المغمورة بالحنان .. وكلمات بسيطة منه لكنها معبرة ..
كنت أرى سعادة كان بإمكاني أن أكون جزءا منها, ولكن كثيرا ماكنت أكتفي بالتأمل الصامت ,, ثم أطرق وأمضي إلى غرفتي ..
كان مازال فيّ شيء من عناد وكبرياء .. وكنت أنتظر إشارة لأعود لكنها تأخرت , مثلما جاءت إفاقتي متأخرة..
لم يكن موجودا حين اتصل المشرف على دراسته طالبا بعض الأوراق على عجل .. ويبدو أنني أردت أن أختبر نفسي في مدى إجادتي اللغة الأجنبية , حينما بدأت أصغي له باهتمام .. وأدون مايريد .. ثم مضيت إلى مكتبه لأول مرة , وصرت أبحث عن المطلوب وحين وجدته كان مكتوبا بخط غير واضح .. وكان أمامي ساعة أخرى قبل وصول مندوب المشرف ..فشرعت في طباعت الأوراق وإعدادها بشكل منظم ..بعد ذلك تلقيت شكرا من المشرف .. الذي أبدى سروره بالشكل المعد .. مثنيا على المرأة الشرقية , وتفانيها في مساعدة أسرتها .. وكان يقول بأنه يرغب في توصيل تقديره هذا بعد أن علم منه أن الأوراق من إعدادي ..
وقد عجبت في ذلك اليوم من سعادتي بأني قدمت له شيئا , على الرغم من أني كنت أعتقد أنه لايعنيني ..
لقد سررت بما حققت له , أكثر من سروري بكل ما أنجزت لنفسي في المعهد ..لا أدري كيف حدث هذا ..
ولكن يبدو أن في داخل كل منا تلك المرأة العربية التي تحب دائما أن تكون خلف الإنجاز لا أمامه ..
وكان ذلك من الأيام القلائل التي وقفت فيها بانتظار أن يعود ..
وكنت قد حضرت كلمات قليلة حول أوراقه طبعا .. وكلي أمل أن يبادر هو ويجعل تلك الكلمات تكبر .. وحينذاك سأعرض عليه أن أعد له مايحتاج من أوراق دائما .. كنت على استعداد كبير لأن أقدم وأخدم بعد أن بقيت زمنا آخذ فقط .. ولكن حين حضر , اكتفى بأن شكرني بكلمة بسيطة وقال إنه يكرر أسفه ويعد بأن لايحرجني بموقف مثل هذا مرة أخرى , ثم اتجه إلى غرفته ..
هل سكن قلبك ندم ما ؟ ندم صغير على أشياء هجرتها , أشياء تركتها .. وعلمت فيما بعد أن حياتك ستكون أبهى معها ؟
هل هجع في جنباتك يوما شعور ما , ثم استيقظ فجأة ؟ هكذا كنت في تلك الأيام أتحسس قلبي فأجد أن ثمة طيورا صغيرة كانت قد هاجرت دون أن أشعر بها .. وأني أحتاج أن تعود ..
ذات يوم عاد مبكرا .. ودعاني إلى غرفته , كانت المرة الأولى التي يدعوني فيها .. وحين دخلت وجدت الطفل نائما في سريره بهدوء عميق , وهو جالس على الأريكة بانتظاري .. لما رآني قال:
_ سبق أن عرضتِ علي ّ رغبتك في أن تعودي إلى أهلك .. الآن أخبرك بأن بوسعك ذلك ..
ومد يده بتذكرة سفر وأكمل :
_ الرحلة الساعة الثامنة مساء .. أرجو أن تكوني على استعداد ..
نظرت إلى التذكرة بمزيج من الوحشة والذهول .. في حين أكمل هو :
_ الطفل سيبقى معي طبعا ..
_ لكني أريد أن أبقى .. من أجل الطفل ..
وكدت ُ أقول ( ومن أجلك ) لكن منعتني بقية مكابرة ..
قال :
_ الطفل سيكون بخير وهو معي .. تعلمين ذلك ..
_ لكن ..
_ ألم تكن هذه رغبتك ؟
_ نعم , لكن تأخرت كثيرا و ..
_ أعتذر لك عن كل تلك الأيام التي قضيتها في بيتي ..
_ لا لم أقصد .. أعني أن الوضع اختلف , وأنا اعتدت على حياتي .. ثم إن الأمر يحتاج إلى تفكير ..
_ فكرت ُ كثيرا .. وانتهيت ُ إلى أن هذا هو الحل .. وكان ينبغي أن يكون منذ زمن ..
_ لكن لماذا لا يكون هناك حل آخر ؟ أعدك أن أشياء كثيرة ستتغير ..
_ مضى وقت الحلول الأخرى ..
أطرقت ُ , فأكمل :
_ أرجو أن تتمكني من تجهيز حقائبك .. سأخرج الآن وأعود في المساء لأصطحبك إلى المطار ..
وفي المساء كانت السيارة تعبر بنا الأنفاق والجسور .. وتعبر الظلمة , وكان الطفل بين يدي مستغرقا في النوم.. قلت كمن يبحث عن حجة للبقاء:
_ الطفل يجب أن يكون معي ..
كان صوتي ضعيفا وأنينا وأقرب إلى بث حزن مبهم منه إلى مطالبة بحق .. فقال:
_ دعيه .. إنه على الأقل قطعة منك أمتلكها بعد أن فشلت في كسب مودتك .. تعلمين كم دعوت ُ الله أن يكون الطفل يشبهك , ليذكرني بك .. ولكن والدتي تقول أن الأبناء يأتون أكثر شبها للطرف الأكثر محبة للآخر ..
لا مانع بأن أعترف لك الآن بأن كلام والدتي كان صحيحا وأن تلك المحبة ظلت بالرغم من كل شيء ..
في تلك اللحظة كانت أعمدة الإنارة تلقي بحزم واهنة من أشعتها الضئيلة داخل السيارة .. رأيت وجهه ولمحت في عينيه وميضا مكتوما .. وكان على الرغم من تأثره الواضح لا يزال ثابتا .. ويده على مقود السيارة التي ينطلق بها نحو المطار بأقصى سرعة ..
لا تعجبي , كان يمتلك نوعا من الحنان الصلد .. الحنان القوي الذي يمكن للإنسان أن يستند إليه دون أن يخشى ضعفا .. ولأنني أعلم أنه يمتلك هذا النوع من الحنان , كنت أدرك أن لاشيء من تأثره ولا توسلي .. سيجعله يعود من نفس الطريق حتى وإن كان القرار بيده ..
حينما وصلت كان أهلي في استقبالي في المطار .. ولم يخفوا دهشتهم من مجيئي وحدي .. ولكن صمتي أوحى لهم بأن ثمة شيء .. وأنهم سيعرفونه فيما بعد .. وعلى طوال الطريق لم يكن أحد منا يتحدث , لكني كنت أسمع شيئا ينوح من بعيد .. وحين أكدت لي أختي بأنها لا تسمع شيئا أدركت أنه قلبي وقد تركته هناك ..
لم يبق بعد ذلك مايربطني بهما .. سوى صورة للطفل فقط .. يرسلها إليّ مطلع كل شهر .. وكنت أعرف من خلالها أنه ينمو , وأنه سعيد , وأنه بصحة جيدة ..
هذا الشهر وجدت شيئا آخر غير الصورة .. جملة صغيرة مبهمة لكنها حملت أطيافا عذبة لقلبي الموهن الموجوع ..
رأيت فيها الطفل وهو بين يدي , والسيارة التي كانت تجمعنا حتى وإن كانت تتجه إلى المطار , وليل الطريق الطويل , وأعمدة الإنارة .. أعمدة الإنارة التي ألقت ببعض شعاعها على وجهه وهو يتحدث .. رأيتها تومض في الفضاء كجمرات تأكل العتمة ..



- تمــــــــــــــــت -

 
 

 

عرض البوم صور النهى   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
القاصة السعودية منى المديهش, جمــــرات تأكل العتــمة, روايات
facebook




جديد مواضيع قسم القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t76650.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 19-04-17 10:20 PM
al-jwhara ibrahim (do0dlh) on Twitter This thread Refback 01-01-11 09:19 PM


الساعة الآن 09:20 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية