لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
التسجيل مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء


في المنزل رقم 13...

إن للموت رائحة مميزة ... رائحة حادة نفّاذة تملأ المكان ... لكن القتيل وحده من يستطيع شمّها !! *****************

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-10-07, 09:13 AM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Feb 2007
العضوية: 23419
المشاركات: 16
الجنس أنثى
معدل التقييم: كريستل عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كريستل غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
افتراضي في المنزل رقم 13...

 



إن للموت رائحة مميزة ...

منتدى ليلاس الثقافي

رائحة حادة نفّاذة تملأ المكان ...



لكن القتيل وحده من يستطيع شمّها !!




*****************




انبسطتْ تحت أشعة الشمس الذهبية رُقعة أرض شاسعة مترامية الأطراف .. بُنِيت عليها منازل متناسقة البنيان متقنة التصميم و متناثرة على امتداد البصر .

تحوطها أشجار الأرز الباسقة و جبالٌ خضراء شامخة تزدانُ قِمَمُها بالورود النضرة الزاهية الألوان.


و لا شك أن الرّائي من عُلُوْ سوف يلاحظ انشطار هذه الرقعة و انقسامها إلى قسمين متباينين ...

قسم من البنايات الحديثة العصرية الطراز ، و الذي يُطلق عليه اسم (المدينة الجديدة) ... و هو القسم الأوسع نطاقاً و الأكثر ازدحاماً بالسكان .. حيث يحتل ثلثي المساحة تقريباً.

و القسم الآخر تبرز علامات القِدَم السحيق على منازله و مساجده و أسواقه الشعبية .. و هو ما يُشكّل (المدينة القديمة).


هذه الرقعة البديعة التي تلاقت عندها آثار الماضي و معالم الحاضر هي مدينة (فاس) .. العاصمة الثقافية العريقة للمغرب .

فما أجمل أبوابها المزخرفة بالنقوش الإسلامية و ما ألذّ لكنة سكانها السلسة المُحبّبة و ما أبهى ذلك الشعور بالانتماء الذي يتملّكك و أنت تتجول بين شوارعها الفسيحة ...



*****************



المدينة القديمة ، ساحة القرويين ، حيّ الحنصالي .... فضاء شعبيّ يموج بالحياة و يعُجّ بالحركة .. متشابهة منازله ، متقاربة أبوابه.


صبيان يركضون بخفة أمامك و من حولك ثم سرعان ما يختفون عند أول انحراف فلا يبقى سوى صدى ضحكاتهم تتقاذفه الجدران ..

و في الطرف الآخر من الزقاق تمر ثلة من نساء محجبات يمشين بتؤدة و استحياء و يحملن أكياساً على رؤوسهنّ بطريقة فيها من البراعة و الإتقان الشيء الكثير ..

و من حباهُ الله بميزة شدّة الانتباه فلن تفوته ملاحظة بيتٍ كبيرٍ معزول يقع في آخر الحي ...

جدرانه عفنة متآكلة ، أبوابه صدئة مهترئة ، زجاج نوافذه مكسور متناثر ، و طلائه الأبيض الشاحب متشقّق جرّاء سنين الإهمال الطويلة . و أكثر ما يلفت النظر إليه هو بوابته الضخمة العتيقة ، و قد عُلّق على مقبضها الحديديّ قطعة خشبية مائلة طمسَ ملامحها الغبار المتراكم ، و قد كُتِبَ عليها بخط قديم شبه ممسوح (رقم 13) ...


و إذا حاولتَ سؤال أيّ شخص يقطن بذلك الحي عن هذا البيت .. ستجده يجيبك هامساً بسؤال مُبهم يزيدكَ حيرةً فوق حيرتك : ( أتقصد البيت رقم 13 ؟! ) ...


إنه بيتٌ شهير لا يجرأ أحد على التحدث عنه إلا بالهمس .. تحوم حوله الأساطير و تتحدث عنه قصص الأشباح و الجن ، و لعلّ أشهرها و أكثرها وثوقاً هي قصة السيد (سليم وجدي) و عائلته ..


إذ يُروى أن المنزل رقم 13 كان ملكاً لتلك العائلة منذ ما يعادل نصفَ قرنٍ من الزمان ...


و السيد (سليم) كان رجلاً عصاميّاً صلباً قاسي الفؤاد ، جمع و كدّس ثروته الهائلة من عمله في تجارة بيع الأقمشة التي كان حاذقاً فيها و التي توارثها عن والده الشيخ (وجدي).

و لم يكن له من الأهل في هذه الدنيا سوى أخٌ غير شقيق يصغره بحوالي تسعة أعوام ... لم يعرف أحد اسمه قط و لا حتى شكله ، لكن صيته اشتهر بين جيرانه لكونه "مختلّ العقل" ...


فحسب ما تقوله الروايات .. بدأت الحكاية عندما تزوج الشيخ ( وجدي ) و هو على أعتاب الستين بشابة حسناء صغيرة السن بعد وفاة زوجته الأولى – والدة سليم – بسنين عديدة ...

و قد كان قلب العجوز متعلّقاً بزوجته الجديدة أيمّا تعلّق و غدا مع مرور الوقت مولعاً بها إلى حدّ الهوس .. لدرجة أنه كان يراقب كل حركاتها و سكناتها و لا يقوى على فراقها .. فحبسها في المنزل و لم يسمح لها بالخروج إلاّ للضرورة القصوى .. و إن حدث ذلك فإنه يبعث من يلحق بها و يراقبها حتى تعود .

فعاشت الشابة حياةً رتيبة مملة و منغلقة تماماً عن العالم الخارجي .. حتى أصبحت زوايا غرفتها الضيّقة هي محور عالمها ... و لم يعد بإمكانها أن تتحرك و تتنقل سوى في حدود ما توفره جدران المنزل الكئيب من مساحات .

و بعد سنة تقريباً من الزواج تفاجأ الشيخ (وجدي) بأن زوجته حامل في أشهرها الأولى ، كانت الصدمة كبيرة عليه لأنه شكّ بأن الطفل ليس من صلبه! و أيقن على الفور بأن زوجته قد خانته مع عشيقها السابق .. ذلك الخبّاز الفقير الذي حاولت فيما مضى الهرب معه لولا أن عائلتها أعادتها و حرمتها من لقاءه ، ثم أجبرتها على الارتباط برجل عجوز ثري حتى يعينهم على تحمّل مَشاق الحياة التي نتجت عن فقرهم المدقع ...

و ذلك العجوز الثري كان هو !

لقد عاشت معه أيامها و لياليها مُكرهة بعد أن باعتها عائلتها إليه بثمنٍ بخس ...

جنّ جنون الشيخ (وجدي) و اشتعل قلبه بغضبٍ مُستعر .. مضت الأيام و الأسابيع و الأشهر و هو يختلس النظر شزراً إلى زوجته السعيدة بحملها و التي تعدّ الدقائق شوقاً لموعد ولادة طفلها المنتظر ...

لَكَمْ تاقت نفسه بأن يراها جثة هامدة مرمية عظمها و لحمها للكلاب .. و لَكَمْ داعب الشيطان خياله و وسوسَ له لأن يثأر لرجولته المُنتهكة و أن يُطبق يديه الغليظتين على عنقها الجميل ليكتم أنفاسها نازعاً منها الحياة ..

لكن بقايا حبه لها العالقة بوجدانه كبحت جِماح جنونه و رغبته الشيطانية النهمة هذه ...



لم يعرف أحد ما حدث بالضبط حين ولد الطفل أخيراً ... فكل ما سمعوه بعدها عن الشيخ و زوجته الشابة جاء من القابلة التي توّلت عملية توليد طفلهما .. و كانت امرأة كهلة متدينة و رزينة استدعاها الشيخ لخبرتها و سمعتها الحسنة في الحيّ ...

عادت إلى منزلها بعد أن تمّت عملية التوليد بسلام و هي ترتجف من قمة رأسها إلى أخمض قدميها! ..

حاول من يعرفها على أن يحضّها للبوح بما رأته .. لكنها كانت تكتفي في كل مرة بضمّ الإنجيل إلى صدرها و ترديد أدعية للرب بصوتٍ مرتعش تلحظ فيه أقصى درجات الهلع ...

إلا أنها ذكرت ذات يومٍ بأن ذلك الطفل كان .. أبشع "مخلوق" وقعت عيناها عليه! ...

لقد ولد الطفل مشوّهاً ...

و اختفت أمه بعد ولادته بأيام في ظروفٍ غامضة!


و لمدة عقدٍ من الزمن نسي الناس أو تناسوا حكاية ساكني المنزل رقم 13 ...

فقد مات الشيخ (وجدي) في منتصف القرن الماضي بذبحة صدرية ، و ورث المنزل من بعده ابنه الأكبر (سليم) الذي كان شاباً في مُقتبل العمر آنذاك ، و قد أوصاه والده قبل مماته بأن يعتني بأخيه الذي كان يشبهه إلى حدٍّ كبير ( مما يثبتُ أنه كان ابنه من لحمه و دمه في نهاية الأمر !! ) ...

وافق (سليم) مُكرهاً في البداية ... لكن مع مرور السنين بدأ يفقد صبره مع أخيه "المعتوه" المشوّه المظهر و سئِمَ من هذيانه العنيف و نوبات جنونه المُفاجئة .. فتردّد بين الناس انه اعتاد على كيّه بعصا من الحديد الحامي حتى يُفقده وعيه ليرتاح منه لدقائق!!

و في النهاية قام أخيراً بحبسه بغرفة معزولة في الطّابق العلوي ... الغرفة ذاتها التي وُلِدَ فيها !

و لم يتحدّث إليه أو يقترب منه من ذلك الحين .. حتى أنه كان يكتفي فقط بتقديم الطعام له من فتحة أسفل الباب ثم ينصرف دون أن يلتفت لعويله و بكائه المرير ..

استمر الحال على ذلك لسنينٍ طويلة حتى مات السيد (سليم) بذبحة صدرية مثل والده ، و انقطع صوتُ صراخ أخيه حتى اقتنع الناس بأنه مات من الجوع ...


و بعدها بدأت أشياء غريبة تحدثُ بالمنزل رقم... 13 !!

فقد غادر المنزل كل من استأجره بطريقة مريبة تثير القشعريرة ، منهم من خرج عارياً يجري و قد ترك كل ما يملك في المنزل .. و منهم من أفقده الهلع صوابه .. و أكثر من مرة وُجدت بالمنزل جثث هامدة على وجوه أصحابها أعتى علامات الرعب! ..


فقرّر وارث المنزل رقم 13 منذ عقدين من الزمن أن يغلق باب تلك الغرفة التي كانت سجناً للأخ المجنون ، فوضع فوق بابها كميات كبيرة من الخرسانة .. و ذلك بعد أن اعترف له - من لم يفقد حياته و لا عقله من المستأجرين - أن تلك الغرفة بالذات تحوي بين جنباتها سراً مرعباً .. إذ يُسمع ببابها ليلاً صوت قرع عنيف يكاد أن يخلع الباب من مكانه ! .. ثم أصوات خدشٍ بالأظافر و عويلٍ تقشعرّ له الأبدان ! ...


و تخلّى بعد ذلك صاحب المنزل 13 عن ملكيته.. فخلا المنزل من السكان و الأثاث و من كل شيء .. ما عدا تلك الغرفة بالطابق العلوي و التي لم يجرأ أحدهم على دخولها ليفرغ ما بها من أثاث.. و بقيتْ بآخر رواق الطابق العلوي.. غامضة ، رهيبة .. و قد غُطّي بابها بطبقة سميكة من الخرسانة..


دُفنتْ و دفنَ معها سرّها الذي بقي مجهولاً حتى تلك الليلة من شتاء عام 1957....


* * *


ركنتْ الباخرة أخيراً في مرساها بعد أن أصدرتْ صريراً مزعجاً ..

انفتح بابها الضخم على مصراعيه، فظهرت من ورائه وجوهٌ متوترة جدّية مختلفة الألوان و الأشكال ، عيونها تفتّش عن شيءٍ ما ! ..

و حين انقشع الزحام و خفّت كثافة الأنام .. ظهر من بين المسافرين بحّاران إنجليزيان فارعا الطول ، رثّا الملبس .. تبدو جليّة على محياهما إمارات الشباب و الحيوية و حب المغامرة ..

أحدهما جميلُ القسمات أزرق العينين و له شعر بلاتينيّ أملس و بشرة نضرة ناصعة البياض ، يشي مظهره اللّطيف بشيءٍ من الضعف و الخنوع في شخصيته .

أما الآخر فذو بشرة خُمرية يكسوها النمش و له شعر أجعد بنيّ فاتح كأوراق الخريف ، بدا عاديّ الشكل .. لا تجد ما يميز وجهه القاسي الملامح سوى عيناه الزيتيتان الغامقتان المتقدتان ذكاءً و فطنة ...

في ذلك المسـاء كان الجو غائماً .. إذ اقتربت السحب الرمادية المبعثرة و امتزجت لترسم سماءً كئيبة تنذرُ بغضب الرياح ...

دلفَ الشابان إلى حانة صغيرة بالية في مؤخرة زقاقٍ مظلم ..

كانت عقارب الساعة وقتها تشير إلى التاسعة ليلاً ..



* * *


الحادية عشرة و النصف ليلاً ...

صوت ضحكاتٍ مدوّية بالمكان .. خرج الشابان من الحانة و هما يترنحان من فرط السكر .. و أخذا يصطدمان ببعضهما ثم بجدران الزقاق المظلمة..

انتبها إلى أن السماء بدأت ترسل خيوطاً من الماء البارد .. صرخ أحدهما و هو يرفع رأسه إلى السماء ، و قهقه الآخر بعد أن صفع صاحبه على مؤخرة رأسه ..

ابيضّت السماء في غمضةِ عين اثر دوي قصف الرعد ، و ما هي إلا لحظات حتى انهالت الأمطار بغزارة شاقةً طريقها لتروي مسامات الأرض القاحلة.

عبث (ويليام) بخصلات شعره البلاتينيّ الناعم كعادته حين يمرّ بحالة من الشرود و الفراغ الذهني ... و بعد دقيقتين التفت إلى صديقه المبتلّ الذي بدا و كأنه قد فرغ للتوّ من السباحة بملابسه!! ... بادله (ادوارد) نفس النظرات البليدة .. فأدخل (ويليام) يده بجيبه و أخرج باطنه في حركة ساخرة كتعبير على نفاذ النقود لديه...!

قام الآخر بنفس الحركة ليسترسل الاثنان في نوبة ضحكٍ هستيريّ ..

وضع (ادوارد) ذراعه على كتف رفيقه و هو يجول معه بشوارع المدينة الضبابية الشبه الفارغة التي أغرقتها الأمطار ، ثم انفجر ضاحكاً و الكلمات تتدافع من جوفه ...

- وووه .. اللّعنة على تلكَ ال****** ! .. لقد أخذنَ كل ما تبقى معي من مال ..

أجابه ( ويليام) و هو لم يزل يقهقه بصوته الرقيق:

- هههه .. أما أنا فقد أعطيته لهنّ عن طيب خاطر ! ...


* * *


بعد أن تاه الشابان بأحياء المدينة المتشعّبة .. قادتهما قدماهما أخيراً إلى فنـاء رحب ، كُتب على لافتة بمدخله : "سـاحة القرويين. "

كان الوقت قد جاوز منتصف الليل ، فخلت شوارع " حيّ الحنصالي" و أُغلقت الدكاكين و عمّ الصمت و خيّمت ستارة الظلام على الأجواء .. و هما لا زالا يتجولان بلا هدى و البرد ينخر عظامهما ..

بدأ تأثير الخمر يزول عن ذهنيهما شيئاً فشيئاً لما أحسا بحجم المصيبة التي وقعا بها ..

قلّب (ويليام) كفيه في يأس و تنهّد بحسرة متمتماً :

- رحمتك يا رب السموات! ... أفلسنا و لا يوجد مكانٌ لنحتمي به وسط هذه الأمطار !..

لم يجبه (ادوارد) للحظات .. فقد كانت عيناه معلّقتان على مكانٍ ما أشار إليه بإصبعه قائلاً :

- انظر .. أ ترى ذلك المنزل هناك ؟ ..

- نعم أراه .. ما به ؟

- ما رأيك لو ... نقضي ليلتنا هناك حتى تشرق الشمس على الأقل؟

- أجننتْ ؟! .. نبيتُ هناك ؟! .. انه منزلٌ مهجور آيلٌ للسقوط !! .. ثم أنظر إلى تلك الكتابة .. "رقم 13 " ! .. أليس هذا الرقم نذيرَ شؤم ؟!

- إنه الحل الوحيد يا أبله! .. ماذا تريدنا أن نفعل؟؟ .. أنحشر أنفسنا في سلتيّ قمامة مثلاً؟؟ .. أم أنكَ تفضّل الموت برداً ؟؟

- و لِمَ لا نطرق الأبواب و نطلب المبيت ؟! ..

- يا لسذاجتك ! .. أتظن أن أحداً من هؤلاء العرب سيرغب باستضافة سكيرين أجنبيين تائهين في منتصف الليل و المطر يقصف الأرض قصفاً ؟! ..


بدا و كأن (ويليام) قد اقتنع بكلام صاحبه فطأطأ رأسه و ركل قنينة فارغة أمامه بحركة تلقائية لتصدر صوتاً حاداً رنّاناً لدى ارتطامها بقارعة الطريق ...

ثم قـال أخيراً :

- ... كيف سندخل إذن ؟

ابتسم (ادوارد) و أجاب بهدوء و هو يرمق صديقه بطرف عينه :

- أظن أننا نملك ما يكفي من قوة لتحطيم نافذة قديمة .. صحيح يا (ويلي)؟


* * *


قفز (ادوارد) مسرعاً داخل النافذة المحطّمة ثم تبعه (ويليام) و التردد بادي على حركاته ..

بالكاد تفاديا شظايا الزجاج المتناثرة تحت قدميهما و واصلا تقدمهما لاستكشاف المكان ...

- أكاد أختنق ! .. الجو عفنٌ شديد الرطوبة هنا..

قالها (ويليام) بعد أن شهق ملأ صدره و كأن الهواء كله قد سُحِبَ من رئتيه! ..

تأمّل (ادوارد) المكان من حوله قائلاً :

- يبدو كأن أعواماً طوالاً مضت و المنزل مغلق .. منسي..

- غريب ! .. مع أن هذا الحيّ مأهولٌ بالسكان ..

- آه لا يهم .. المهم هو أن العاصفة بدأت تهدأ قليلاً في الخارج ... صح؟

ضحك (ادوارد) ضحكة قصيرة متقطّعة في محاولة فاشلة منه لتخفيف حدّة التوتر الذي انتاب صاحبه .. ابتسم (ويليام) ابتسامة باهتة مجاملة لصديقه و لمعرفته بأنه يشاركه نفس الشعور .. فهو لا يذكر متى سمع (ادوارد) يطلق تلك الضحكة الغريبة آخر مرة .. لكن ما يذكره أنه كان يسميها "الضحكة الكاذبة" التي يطلقها (ادوارد) لا شعورياً لإخفاء إحساسه المتعاظم بالتوتر ! ...



* * *


أثناء سيرهما وجد الصديقان بالصدفة شموعاً متناثرة وسط أكوام القمامة و العفر ، فالتقط (ادوارد) كمية منها و أشعل فتيلها حتى تمدّهم ببعض الدفء .. ثم أمسك بإحدى الشموع و قرّبها إليه ليظهر نصف وجهه يتراقص على لهيبها ...

- لعبة ورق واحدة ثم ننام ملئ جفنينا .. حسناً يا (ويلي)؟

تأفّف (ويليام) قائلاً بصوته العذب الشاكي :

- ( اد ) ! أكاد أموت من الإعياء و أنت تقول ..

- قلتُ لعبة واحدة فقط ! .

رضخ (ويليام) مرة أخرى لرأي (ادوارد) .. و جلسا الصديقان مفترشين الأرض..

و مضت مدة وجيزة عَلَتْ بعدها ضحكاتهما و تردد صداها مخترقاً سكون اللّيل ...


* * *


صعد الاثنان أحد الأدراج في بهو الصالة الفسيحة مستنيرين بضوء الشمعة الشاحب ....

كانا قد أنهيا سابقاً سبع أشواطٍ من لعبة الورق و قد صنع بهما التعب ما صنع .. ليقررا أخيراً البحث عن مكان أقل قذارة حتى يستقبل جسديهما المنهكين ...

مرّت لحظات طويلة من الصمت الثقيل المشحون بالتوتر .. لم يقطعها سوى صوت صرير الأرضية المتداعية التي يخطيان عليها بحذرٍ شديد ...

- يا إلهي! ما أقدم هذه الدرجات ! .. إلى أي عصر يعود هذا المنزل اللّعين ؟؟ .. كن حذراً (ويلي) ..

لم يجبه (ويليام) ، فقد كان شارد الذهن تائه العينين ..

- هيه ! .. ألم تسمعني؟ ما بك ؟ ..

- لا أدري لِمَ ....

- "لِمَ" ماذا؟ ...

- لِمَ لَمْ أرتح كثيراً لهذا المنزل ؟ .. ينتابني شعورٌ فظيعٌ إزاءه ! ...

ظهرت ابتسامةُ سخرية طفيفة على ثغر (ادوارد) قبل أن يضرب راحته على كتف صديقه و هو يهتف ضاحكاً بنفس (الضحكة الكاذبة) تلك ..

- لا تخف يا صغيري الوسيم (ويلي) .. لن يأكلك الغول! ..

لكن (ويليام) لم يبتسم هذه المرة!


* * *


وصلا الآن إلى مدخل الطابق الأول .. رائحة القذارة لا تُطـاق! ...

ساحة شاسعة سقفها مماثل للقُبّة و تحوطها أبوابُ خشبية صلبة بشكل دائريّ من كل الجهات! ..

حاولا فتح الأبواب واحداً تلو الآخر .. لكن دون جدوى .. إنها مُغلّقة بإحكام! ...

- تبّـــا ً ..

قالها (ادوارد) مُغتاظاً ثم توجه بخطى مسرعة إلى درجٍ طويل على اليسار يؤدي إلى أعلى ..

رفع (ويليام) رأسه و تحسّس جبينه المتصبّب عرقاً ثم دمدم بصوتٍ خفيض مخنوق :

- إلى أين أنتَ ذاهب؟ ..

- بقي الطابق العلوي! ..


* * *


الطابق العلوي ...

نفس المظهر المهيب .. حيث الساحة الواسعة ذات السقف الدائريّ و الأبواب التي تحاصرها .. و نفس المشهد المقزز إياه من الأزبال و القارورات الفارغة و الأواني البالية..

لكن يوجد فارق بسيط هنا ..

يبدو أن (ادوارد) و (ويليام) قد لاحظا ذلك الباب هناك .. في آخر الرواق ..

بابٌ تناثرت أمامه كتل هائلة من الأحجار الخراسانية ! ..

و مما لا شك فيه أنهما انتبها أيضاً إلى كون جزءٍ من الباب مفتوح على فُرجة صغيرة ! ...


* * *


تقدما نحو الباب الحديدي الضخم دون أن ينبس أحدهما ببنت شفة..

دفعا الجزء المفتوح منه بأقصى طاقتهما .. فأنطلق صوت حادّ انبعث صداه المزعج في الأرجاء ..

و عندما تمكنا أخيراً من حشر جسديهما بمشقة و صعوبة للعبور من خلال الفتحة التي وسّعاها .. وجدا أنفسهما أمام منظرٍ لم يتوقعاه ...

ارتفع حاجبا (ادوارد) بدهشة في حين شهق (ويليام) حين وقعت أنظارهما على الغرفة ..

لقد كان بها أثاث!! ...

سرير ضخم مرتفع ذو ملاءات حريرية .. كنبات واسعة مطرّزة بالذهب .. شمعداناتٌ تتدلى عليها خيوط عنكبوت! ستائر قرمزية طويلة أكلتها العثّة! ...

و صور كبيرة بالحائط يغطّي الغُبار المتراكم ملامح أصحابها ، ثم بسـاط فخم غريب الألوان و ثريّات ماسية ذات طراز عتيق معلّقة على السقف ...

و هناك أوانٍ معدنية قديمة ملقاة في أحد الأركان .. بقربها توجد فئرانٌ ميتة أُكِلَ لحمها !! ..


وقفا مشدوهان لبضع ثوانٍ و هما يحدقان في هذه القطع الأثرية العجيبة.. على ضوء خجول للقمر المطل من وراء ستائر النافذة ..

تكلم أحدهما أخيراً بصوت متحشرج غلبهُ الذهول ..

كان ذلك هو (ادوارد) ...

- أنظر إلى هذا السرير .. إنه يتسع لأربعة أشخاص ! ..

- ادوارد ! ...

- رائع! .. يبدوا مريحاً حقاً .. أسرع ، ألستَ مُنهكاً مثلي؟

قفز (ادوارد) على السرير فرِِِحاً و هو يصفّر بلحنٍ مبتهج ...

- ادوارد ! ...

صرخ (ويليام) به للمرة الثانية فتلاشت الابتسامة العريضة من على محيا ( ادوارد) الذي قطّب جبينه متسائلاً :

- ما الأمر ؟ ...

- ألم تلحظ شيئاً غريباً هنا ؟! ..

- مثل ماذا ؟ ..

تمتم (ويليام) بصوت خافت و عيناه تدوران بعصبية بالغة على أرجاء الغرفة :

- كيف تكون هذه الغرفة وحدها التي يوجد بها أثاث .. في حين أن المنزل بأكمله يبدو كمزبلة ؟!

- نحن لا ..

قاطعه (ويليام) مسترسلاً و كأنه لم يكن يتوقع أجوبة على أسئلته أصلاً :

- ثم كيف لم تُسرق قطع الأثاث الثمينة هذه أو ينتفع بها صاحبها على الأقل ؟!..

- و ما أدراني أنا بـ ...

- و لماذا هذه الغرفة بالذات مفتوحة جزئياً في حين أن عشرات الغرف مقفلة بإحكـام ؟!

- هييه ! .. يكفي! .. من تحسب نفسك ؟ .. شارلوك هولمز ؟! ، على أية حال .. لا تشغل بالك بكل هذا الهراء .. فنحن سنغادر هذا المنزل التعِس صبيحة يوم الغد ..

تكوّر (ادوارد) على نفسه و دثّر جسده بالغطاء و هو يتثاءب قائلاً :

- سأخلد للنوم ... و من الأفضل أن تنال أنتَ الآخر قسطاً من الراحة يا (ويلي) ، طابت ليلتك.

تنهّد (ويليام) كاتماً غيظه ، و بدا أن مجهوده الذي بذله لمنع نفسه من الصراخ غضباً على صديقه اللاّ مبالي تطلّب كل ما لديه من مقدرة على ضبط النفس ...

تسلّل بداخله شعورٌ باردٌ انقبضَ له صدره .. شعورٌ بضياعٍ و وحدةٍ قاتلة .. و قف وسط الغرفة جامداً و قد اضطربت حواسه .. شعر بمعدته تتقلّب من التوتر و الخوف ...

غمغم (ويليام) مخاطباً نفسه : لماذا كل هذه الرهبة؟! ... لستُ أفهم! ... ربما أنا لستُ سوى جبانٍ يتخيّل الأشياء كما يقول عني (اد) ! ... لكن ...

هزّ (ويليام) رأسه بقوة و كأنه يحاول بعناد أن ينفض عنه تلك الهواجس المريعة التي خيّمت على عقله ..

و بدأ يذرع الغرفةَ جيئةً و ذهاباً و دوامة من الأفكار المختلطة تتصارع في ذهنه ..

اتجه دون أن يشعر نحو إحدى اللّوحات الكبيرة المعلّقة على الحائط ... و وجد نفسه يمسح الغبار المتراكم عنها و قد انتابه الفضول ...

اتّضحت من بين ذرّات الغبار السميكة ملامحٌ أنثوية جميلة .. صورة لأنفٍ مستقيم و شفتين مكتنزتين و وجنتين ورديتين و عينين رماديتين فاتنتين كثيفة الأهداب و شعرٍ مموّج فاحم السواد تلتفّ خصلاته على قمةِ جبينٍ وضّاء ...

كان وجهاً لشابة صغيرة السن موفورة الصحة و الجمال ...

تابع (ويليام) عملية المسح بشغف طمعاً بأن يُمتّع بصره بمنظرٍ جماليّ آخر ، لكن عيناه ضاقَتْ بإشمئزاز عندما وقعت على صورة الشخص الذي كان يقف بجانب الشابة الجميلة ...

كان رجلاً هزيلاً طاعناً في السنّ .... شبه أصلع لولا بضع شعرات بيضاء متطايرة خلف رأسه ، و له وجهٌ كريه ينفر الناظر إليه .. خطّت التجاعيد الرفيعة طريقها بين مسامه و نقشت آثارها على جلده المتغضّن ...

و هناك شخص آخر أيضاً .. ولد صغير وقح المظهر في حوالي التاسعة أو العاشرة من العمر يقف متململاً بين العجوز و "زوجته" .. أو "ابنته" .. من يدري؟!

ظلّ (ويليام) لدقائق بطيئة ينظر مسحوراً إلى تلك اللّوحة الفنية البديعة و هو يُحدّث نفسه :

- يا لها من لوحة! .. لابد بأن رُسِمَتْ بأناملِ فنّانٍ شهير و لا شك ... أتسائل إن كان هؤلاء هم أصحاب المنزل الأوائل ... ربما .


عاوده ذلك التعب الشديد في أطرافه .. فارتمى على طرفِ السرير و سرعان ما أحسّ بالنوم يتسلّل زاحفاً لجفنَيْه ...

و قبل أن يستسلم للنعاس اتجهت عيناه لا شعورياً إلى مصدر قلقه الغريب المحيّر .. إلى تلك الفئران الميتة المأكول لحمها أكلاً !!



* * *


عندما استفاق بعد مدة .. جلسَ و مطّ ذراعيه متثائباً ملأ فمه فاركاً عيناه بقوة ، ثم قلّب بصره بكسل في أرجاء و زوايا الغرفة ..

كل شيء من حوله يبدوا ضبابياً مشوّشاً نتيجة لتأثير نومه الثقيل .. ففرك عيناه بقوة أكبر حتى استعاد أخيراً الرؤية بوضوح ..

لكنه عاد و فرك عينيه مرة أخرى حتى يتأكّد من أنه لا يحلم!! ...

إنها نفس الغرفة ... نفس الأثاث ... لكن كل ما فيها كان يسطع نظافةً و ترتيباً هذه المرة!! ...

عادت الأرضيات لامعة برّاقة و اختفت القاذورات و كميات الغبار المتراكمة من على الكنبات و الثريّات .. و أضاء المكان نور الشمعدانات الدافىء ...

بدا هذا المشهد الحميميّ مختلفاً تمام الاختلاف عن المشهد الذي سبق استيقاظه من النوم !! .. باستثناء أن الوقت لا يزال ليلاً و الأمطار لا تزال تقصف في الخارج ...

- ما الذي يحدث بحق الجحيم؟!! .. أأنا أهذي؟!! ... لحظة! أين اختفى ...

في اللّحظة التي التفت فيها بحثاً عن صديقه .. استوعب بأنه لم يعد على السرير ! .. بل كان مستلقياً على ظهره في أرضية الغرفة! ...

تناهت إلى مسمعه صوتُ همهمات خافتة .. صوتُ غناءٍ خافت .. أيوجد أحد هنا ؟!!

... أدار رأسه مباشرة نحو مصدر الصوت ليجد على السرير - الذي كان نائماً عليه قبل ساعات – امرأة جميلة سوداء الشعر تجلس حاملةً طفلاً بين ذراعيها و هي تدندن له بصوتٍ شجيّ!! ...

كانت تبدو كفتاة في مُقتبل العمر أكثر من امرأة مكتملة النضوج ..

- كفّي عن الغناء .. رأسي يؤلمني!

مرة أخرى أدار رأسه نحو مصدر الصوت .. ليجد هذه المرة رجلاً عجوزاً نحيل الجسم أصلع الرأس ( لولا بضعُ خصلاتِ شعر بيضاء خلف رأسه ) !! .. يجلسُ منتصب الظهر في أحد المقاعد ..

ارتعدت الفتاة قليلاً للنبرة القاسية التي خاطبها بها العجوز ، لكنها سرعان ما تمالكت نفسها و قالت بصوتٍ يفيض رقة و عذوبة :

- آسفة ... هل عاودكَ الصداع من جديد يا زوجي العزيز ؟؟

( زوجها ) !! ... لقد أذهله هذا الأمر بالطبع .. لكن ما أذهله أكثر هو أن لا أحد من هذين الزوجين قد انتبه لوجوده معهما في نفس الغرفة !! .. و كأنه غير مرئيّ لهما !! ...

ردّ العجوز ببرود : لا داعي للتظاهر بأن أمر صحتي يشغلُ بالكِ .. فأنا أكره النفاق ..

لأول مرة تمكّن من النظر لوجه العجوز بإمعان .. فهالهُ مقدار الحقد و الكراهية المرتسمة على ملامحه .. و لو كانت النظرات تقتل لوقعت الفتاة صريعة لها في تلك اللّحظة! ...

بهتَ لون وجهها و طأطأت برأسها بألم و هي بالكاد تحبس دموعها ..

- لستُ أدري .. حقاً لستُ أدري لماذا .. تعاملني بهذا الشكل ... لقد تغيّرتَ كثيراً يا (وجدي)!

هدر العجوز مزمجراً في وجهها :

- ناديني بالشيخ (وجدي) يا عديمة الإحترام ! .. و لا تمثلي عليّ دور الفتاة البريئة التي جُرِحَتْ كرامتها .. فقد سئمتُ ألاعيبكِ و حيلكِ .. سئمتها .. أتفهمين؟

- ما الذي تقوله؟! أنا كنت و لا أزال كما أنا منذ أول يومٍ تزوجتني فيه .. و أنت تدرك ذلك جيداً !

- أتجرئين على الردّ عليّ أيضاً ؟! .. لقد خدعتني منذ البداية .. و بكل براعة أيضاً ! .. لعبتِ دور الفتاة العفيفة الشريفة أمامي حتى تسلبينني أموالي ...

احتقن وجهها و انسابت الدموع الحارة على خديها و هي تتمتم بصوتٍ خنقته العبرة :

- أنتَ من لاحقني و أصرّ على الزواج بي ... أنسيت؟؟ اتق الله فيما تقوله! .. أهذا كلامٌ تصف به أم ولدك؟!

- هذا الشيطان المشوّه ليس ولدي!!

انقضّ العجوز على زوجته كالثور الهائج و انهال عليها صفعاً و هو يصرخ بأعلى صوته و الغضب يغلي بأعماقه : ليس ولدي .. ليس ولدي .. ليس ولدي أيتها الزانية !!

صرخ الطفل الرضيع مرعوباً و قد أحاطت ذراعيّ أمه بجسده النحيل حامية إياه ..

و عندما هدأت ثورة غضبه العارم و استعاد رباطة جأشه .. ابتعد عنها و هو يرتجف بشدة ، بينما ظلّت الفتاة جامدة في مكانها منخرطة في نحيبٍ صامت لا يقطعه سوى شهقاتها المتكرّرة .. بدت بالفعل كمن شلّته الصدمة و الألم .. ليس ألم الرضوض و الكدمات التي غطّت وجهها بل ألم نعتها بتلك الصفة البشعة التي قذفها زوجها على مسمعها ...


دار العجوز حول الغرفة مُسرع الخطى و هو يعضّ اصبعه محاولاً اخماد بركان الغضب الذي تفجّر بداخله ...

توقف أخيراً و التفت ببطء نحو زوجته المصدومة و قد تجمّع الدم في رقبته و برزت شرايين جبهته .. تقدّم نحوها بخطواتٍ بطيئة متثاقلة حتى وقف بجانبها تماماً ، و أخذ فجأة يضحك ضحكاتٍ هستيرية بالغة القسوة و عيناه مغروقتان بالدموع .. ثم انحنى و همس بإذنها :

- أتعلمين ما يضحكني يا عزيزتي؟! ... أنني أحببتكِ .. أحببتكِ أكثر من أي شيءٍ في الدنيا ! .. وهبتكِ كل ما أملك و كنتُ مستعدّاً لأن أفديكِ بالغالي و النفيس ... منحتكِ أعز ما أملك .. ثقتي! .. لكنكِ غدرتِ بي .. و أنا لا زلتُ أحبكِ .. و هذا ما يكاد يُفقدني صوابي! .. أ ظننتِ بأنني لن أكشف أمر خيانتكِ لي؟ .. لستُ سوى عجوزٍ أبله يغدق عليكِ الأموال .. أليس كذلك؟ .. حسناً سنرى ..

و في حركة سريعة أطبق العجوز يديه الغليظتين على عنق الفتاة و قد سال لعابه و تطاير الشرر من عينه :

- انتظرت هذه اللّحظة طويلاً .. طويلاً ! ...

ازرقّ وجه الفتاة و جحظت عيناها و هي تُصارع الموت حتى سكنت أطرافها و همدت حركتها .. فإنطلقت صرخة تلاشى صداها مع دوي قصف الرعد : لاااااا ...

كانت تلك صرخة (ادوارد) الذي انتفض من مكانه مذعوراً و هو يتصبّب عرقاً !! ...

وجد نفسه وسط السرير من جديد و قد عادت الغرفة لحالها المزري! ... ها هو صديقه (ويليام) يغطّ في نومٍ عميق على طرف السرير ... و لا أثر للعجوز أو للفتاة المقتولة! ..

هل ... كان ... كابوساً ؟!

مسح (ادوارد) جبينه المبتلّ بالعرق بيدين مرتعشين و هو يحاول استيعاب ما حدث ..

- كنت أحلم اذاً .. لكنه بدا حقيقيّاً جدّاً .. تُرى هل .... لا لا ... كان حلماً ! .. مجرد حلم!


استلقى (ادوارد) على ظهره و هو يردّد لنفسه :

- مجرد حلم! .. مجرد حلم! ..



***


تقلب (ادوارد) في مكانه و هو يواصل شخيره المزعج ثم فتح عيناه فجأة ...

كان شيء ما يخزه بظهره! ..

فركَ عينيه و فتحهما بتثاقل .. فرأى في مشهدٍ ضبابي صديقه يحمل شمعة و يتمتم بكلمات غير مسموعة..

- ما بك يا أحمق ؟ .. لماذا تطعنني بإصبعك النحيف ؟! ..

قالها (ادوارد) مكشّرا عن أسنانه من فرط الغضب ..

لم يجبه (ويليام) .. و ظلّ ينظر إليه بعينين جاحظتين و فمٍ مفتوح يرتعش فكه السفلي !..

- اسمع .. إن كنت تحب هذا النوع من الألعاب الصبيانية ، اذهب و العبها بعيداً فأنا لا ..

- اســـ...مـ...ع!!

تمكن (ويليام) أخيراً من لفظ هذه الكلمات التي كانت تتحشرج في حلقه! .. ثم رفع إصبعه مرتجفاً و أشار ببط ء إلى الباب ..

وخز الخوف قلب (ادوارد) بعد أن انتبه إلى وجه صديقه الذي كان شاحباً شحوب الموتى! ..

و طفق الاثنان يرمقان الباب بترقّب و وجل قبل أن...

صوتٌ ما بالخارج !!..

- أسمعتَ .. (ادوارد) ... سمعتَ هذا ؟!! ..

- نعم... إنه صوت خطوات على السلم !! ..

لفظ (ادوارد) الجملة الأخيرة بنبرة يتخلّلها الذعر و الاضطراب ...

و بدأ الصوت يعلو أكثر ...

فأكثر ...

فأكثر !! ..

- ما الذي ...

قفز (ويليام) و وضع يده على فم صديقه حتى لا يُصدرَ صوتاً آخر ...

أطبق (ادوارد) شفتيه و تضاعف الهلع بقلبه و هو ينظر لصاحبه الذي أخذت عيناه تدوران في محجريهما بجنون و قد غمر العرق وجهه الذي ابيضّ من الرعب! ...

تغيّر صدى الصوت و ارتفعت حدّته!.. مما يُثبت أن القادم قد دخل البهو !..

أشار (ادوارد) بهياج إلى الشمعة في يد (ويليام)! ...

فهم الأخير أنه قد نسي الضوء الذي تحدثه الشمعة .. فوضع كفه بسرعة على شعلتها لتُطبق الظلمة كلّياً على المكان ...



* * *



كانا مُحاطين بظلام تام .. بحيث لو أغمضا عيناهما أو فتحاها فلن يحدث ذلك فرقاً ! ..

سَرَتْ برودة ثلجية لاذعة فجأة في جو الغرفة الذي كان قبل لحظات يعبق بنسماتٍ رطبة حارة ، و كأن يداً عملاقة قد أسقطت حاجزاً سميكاً ثلجي البرودة على الغرفة بأكملها لتصيبهما بالعمى ! ...

أدار (ادوارد) رأسه يميناً و يساراً بعد أن فتح عيناه على آخرهما محاولاً اختراق حجب الظلام .. لكن الظلال كانت قد غطّت على بصره كحاجزٍ بلا لونٍ أو وزن ...

انتصب الشعر على ذراعيّ (ويليام) و ظهره ، و قد أفقده الفزع الشعور بحواسه فلم تصدر عنه أيّ ردة فعل باستثناء نظراته الفارغة التي تجمّدت في عينيه ...

يبدو أن الخطوات قد توقفت !..

استنشقا رائحة الشمع المحترق المتلاشي و استرقا السمع بإمعان ..

بلع أحدهما ريقه الجاف بصوتٍ مسموع ...

و فجأة .. و بدون مقدمات .. سمعا أنيناً تلاهُ صوتُ ركض ...

ثم ......



* * *



رأيا ظلاً يتجاوز عتبة الباب بسرعة البرق !..

ارتفعت دقّات قلبيهما و شهق أحدهما شهقة حادة و كأن قلبه انفجر !..

أراد (ويليام) أن يولج يده في جيبه حتى يُخرج عود ثقاب فسقطت الشمعة من يده و تدحرجت فوق أرضية الغرفة !..

كانت الغرفة مُظلمة كلّيتها باستثناء بقعة أمام السرير قد أسقطت عليها النافذة ضوءاً شاحباً للقمر يتسلّل عبر ستائر الغرفة ...

و كان ذلك "الشيء" واقفًا في وسطِها !..

و عندما قصف الرعد في تلك اللّحظة تمكنا من رؤية نصفه السفلي !!..



* * *



كــان يبدو أطول من اللاّزم !..

ليس واضحًا بما فيه الكفاية و لكنهما رأياه في تلك اللّحظة الخاطفة ...

ساقاه النحيفتان و المقوّستان ! .. عظامهما البارزة عليهما لحم مترهّل كأنه مسلوق !!..

ثم يداه الطويلتان وقد جاوزتا ركبتيه.. يكسوهما نفس اللّحم المتراخي المتفحّم ! .. يديه الغليظتين كقدميّ خنزير بُترَتْ بعض أصابعها التي كانت تعصر عصراً بين قبضتها " جثة فأر مأكولٌ لحمه أكلاً " !! ..

كان هذا كل ما تمكنا من رؤيته، و قد كان كافياً ليجعل عموديهما الفقريين يرتعشان بعنف و تسري بعروقهما صعقة تشلّ جسميهما !..

و كانت الحركة المباغتة التالية .. أن قفز أحدهما من السرير صارخاً و قد فقد صوابه تماماً !..


* * *


و قد كان هذا (ويليام) ... إذ وثبَ من السرير و قد أفقده الرعب توازنه العقلي و ذهب برباطة جأشه ...

اصطدم في طريقه بكرسي خشبيّ .. فأزاحه عن طريقه بلمح البصر و هو يطلق صيحاتِ رعب مفزعة !..

تحرك "المخلوق" البشع من مكانه للحظة و قد أثارت انتباهه الضجة التي أحدثها (ويليام)! ... و هنا لمح (ادوارد) وجهاً قبيحاً متورماً منتفخاً شديد التشوه لا يكاد يشبه ملامح الآدميين في شيء .. عينانِ صفراوتان جاحظتان .. و فم واسع ملطّخة أسنانه بالدماء!!

بقيّ (ادوارد) جامداً كتمثال شمعيّ ، قابضاً على الفراش بكفيه ، عيناه جاحظتان و قد ابيضّ وجهه من الرعب .. أنفاسه متجمّدة و قلبه يكاد ينخلع من صدره لهول ما يراه !..


و ارتفع صُراخ (ويليام) ! ...


* * *


بدأ عقل (ادوارد) يعمل أخيراً بعد أن خدّرته نوبة الرعب الجنونية تلك ..

و فور أن تبلورت فكرة ما بذهنه حتى نفذها بطريقة آلية..

إذ وثب من السرير وثبة لا تُصدّق و ركض كالمجنون باتجاه عتبة الباب التي بالكاد يراها !..
ثم سرعان ما وجد نفسه يقفز في الدرجات قفزاً و هو يحاول تمييز نهاياتها بصعوبة..

لاهثاً .. مُبعثر التركيز .. حافي القدمين و قد انغرست أسفلهما قطع من الزجاج المتناثر في كل مكان..


و ارتفع صُراخ (ويليام) أكثر !..



* * *


وصل (ادوارد) إلى الطابق الأول ...

لا يكاد يرى موضع قدميه لشدة الظُلمة الحالكة و لكنه مازال يواصل عدوه المحموم .. لا يخطر بباله خاطر و لا تُثيره رغبة من الرغبات.. سوى رغبة الخروج من جحيم الرعب الذي تورّط فيه !..

زلّت قدماه على حين غرّة في درجة من الدرجات التي كان يقفز بها .. فهوى و اندفع جسمه بعنف ليتدحرج بسرعة مُخيفة و يرتطم بالجدار تارة و تارة أخرى يصطدم رأسه بالحديد الذي يحدّ السلم .. فصدر عن ذلك صوتُ فرقعة مروّعة !


ثم استقر جسدهُ أخيراً على أرضية الطابق السّفلي ....



* * *


سكنت حركاته و شُلّت أطرافه .. و بقي لُهاثه الرتيب يُسمع في جوف الظلام ..

أحسّ بسائل دافئ يسيل على جبهته ففهم أنه الدم .. فقد تلقّى رأسه ضربات مؤلمة و هو يتدحرج بالسلم ..

حاول فتح جفنيه بصعوبة و لكنهما كانا ينغلقان رغماً عنه.. فأدرك برعب أنه سيفارق وعيه عمّا قريب ! ...

و لم يكن ليتحرك أو يرفع رأسه قيد أنملة لولا أن سمع صرخة مدوّية بالأعلى .. صرخة وحشٍ كاسر على وشكِ الانقضاض على فريسته! ...

أهذه هي إذن لحظة الموت؟! .. لحظة تتلاشى فيها كل الصور و الروائح و الأسماء فلا يبقى إلا .. الفراغ! ...

لكن لا ! .. لا .. لن أموت هنا!! ...

ثارت غريزة البقاء بداخله ، فأنّ بشدة و هو ينتصب واقفاً على قدميه..

و لما رمى خطوة واحدة الْتوت رجلاه و سقط بقوة .. فهوى وجهه على بقعة الدماء التي خلّفها جُرح رأسه..

تلوّى من شدة الألم و هو يمسك بساقه اليمنى ... لقد كُسرت! ..



* * *


نهض مزمجراً و أسنانه تصطك من شدة الفزع بعد أن ثار بركان الرعب بأحشائه من جديد ... عرج جاراً ساقه المكسورة باتجاه النافذة التي حطّمها و صديقه قبل دخولهما إلى هذا المنزل الملعون! ...

وقف أمامها لحظة قبل أن يضع يداه على حافتها ثم يرفع جسده بجُهد جهيد و يُلقي بنفسه إلى الخارج ..



* * *


كان يعرج بشكل مخيف و هو يلهث لهاثاً عنيفاً مُتسارعاً .. و خيوط المطر تضرب على رأسه المجروح بحدّة كالإبر الصغيرة ...

فاختلطت قطرات الماء البارد على وجنتيه بدموعه الدافئة التي تسكبها عيناه و هو يفكر بمصير ( ويليام ) ...


ولم يزل على هذا الحال.. حتى رأى بطرف عينه رجلاًً يستند إلى حائط سورٍ قديم ، يضع يديه بجيب معطفه الواقي من المطر و بفمه نصف سيجارة مشتعلة...

قصده (ادوارد) مُسرعاً دون لحظة تفكير .. فكاد الرجل يفرّ فزعاً من طريقة مشيته العرجاء و لُهاثه و منظر رأسه الدامي ! ...

و لكن (ادوارد) توقف و صرخ به متوسلاً و هو يشير بيده خلفه و قد ارتعدت أوصاله ...

بقي الرجل لبرهة حائراً ينظر باستغراب إلى (ادوارد) قبل أن يقترب منه بحذر و على وجهه إمارات الاستفسار و الاستفهام ..

كان (ادوارد) يتأتأ مرعوباً بكلماتٍ متقطعة و صوته يُخالطه النياح :
- "وحش"! .. صديقي! .. هناك! .... ظلام! .. لا أدري! .. لا ..لا .. أرجوك!! .. أرجوك!! ...

و لمّا أعرب الرجل عن عدم فهمه لما يحاول (ادوارد) تفسيره.. في هذه اللحظة بالذات .. سمعا صرخة رعب رهيبة ورائهما ..

صرخة يعرف (ادوارد) صاحبها جيداً !! ..

ثم طارت غربانٌ من سطح المنزل مطلقةً زعيقاً أشبه بزعيق طيورٍ مذبوحة!


* * *


و لم يكد (ادوارد) يلتفتُ ورائه حتى دوّى بالمكان صوت تكسّر زجاج .. و اندفع جسمٌ من نافذة بالطابق العلوي لمنزلٍ مهجور يقع في نهاية الحي .. ليسقط الجسم بعنف مع شظايا الزجاج على قارعة الطريق !! .. ثم عمّ الصمت و أطبق قبضته الحديدية على المكان ...

صاح الرجل الغريب فجأة:

- أتقصد المنزل رقم 13 ؟!

ثم فرّ هارباً مُطلقاً ساقيه للريح !...


* * *


لم يُصدّق (ادوارد) ما رأته عيناه.. و بقي متسمراً مكانه و قد تجمّد الدم في عروقه ..

هو الذي كان يجري برِجلٍ مكسورة حتى يطلب النجدة لصديقه المسكين... (ويلي)! ... صديقُ الطفولة.. ذلك الشاب المرح الطيب .. الذي أحسّ بالخطر مُسبقاً !..


بكى بحرقة و هو يجر رجله متغلباً على رعبه و منتصراً على رغبة الفرار التي تتملكه..

ثم وصل إلى أسفل النافذة ...

انحنى على جثة صديقه الهامدة و قد هالهُ منظره المشوّه و التواء أطرافه ! .. فسكب المزيد من العبرات و هو يمرّر أصابعه خلال خصلات شعر (ويليام) البلاتينيّة ثم انخرط في نوبة بكاء هستيري يقطّع نياط القلب ...

و لكنَ ما أشعل الرعب في صدره و جعله يفقد وعيه و يهوي قرب الجثة ... هو عينا صديقه الميت ... اللّتان خرجتا من مقلتيهما تماماً !!

فماذا رأتا أكثر مما رأى ؟!! ...




النهاية

 
 

 

عرض البوم صور كريستل   رد مع اقتباس

قديم 28-10-07, 01:57 AM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو قمة


البيانات
التسجيل: Aug 2006
العضوية: 9235
المشاركات: 1,245
الجنس أنثى
معدل التقييم: بحر الندى عضو على طريق الابداعبحر الندى عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 181

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
بحر الندى غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كريستل المنتدى : القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
افتراضي

 

يسلمووو
وتسلمـ الانامل
وموفقهـ يارب
^_^

 
 

 

عرض البوم صور بحر الندى   رد مع اقتباس
قديم 28-10-07, 11:34 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 45866
المشاركات: 21
الجنس أنثى
معدل التقييم: الهام الروح عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 11

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الهام الروح غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كريستل المنتدى : القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
افتراضي

 

مشكووووووووووووووووووووووووووووره وماقصرتي


رائع ********رائع ********رائع

 
 

 

عرض البوم صور الهام الروح   رد مع اقتباس
قديم 03-11-07, 05:17 PM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Aug 2006
العضوية: 9746
المشاركات: 282
الجنس أنثى
معدل التقييم: Electron عضو له عدد لاباس به من النقاطElectron عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 107

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
Electron غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كريستل المنتدى : القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
افتراضي

 

تسلمي على الرواية ... عشت يذكرني أسلوب السرد بأحد أفلام الرعب الأمريكية . لك مستقبل رائع في هذا النوع من الروايات.

 
 

 

عرض البوم صور Electron   رد مع اقتباس
قديم 03-11-07, 07:10 PM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو قمة


البيانات
التسجيل: Aug 2006
العضوية: 9235
المشاركات: 1,245
الجنس أنثى
معدل التقييم: بحر الندى عضو على طريق الابداعبحر الندى عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 181

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
بحر الندى غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كريستل المنتدى : القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
افتراضي

 

ممكن تجون هنا شوووي

هنــــــــــــــا

 
 

 

عرض البوم صور بحر الندى   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
في المنزل رقم 13...
facebook



جديد مواضيع قسم القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 01:16 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية