لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > قسم الارشيف والمواضيع القديمة > الارشيف
التسجيل مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الارشيف يحتوي على مواضيع قديمة او مواضيع مكررة او محتوى روابط غير عاملة لقدمها


أبحث عن رواية العطر لباتريك زوسكند (طلب محلول)

أبحث عن رواية العطر لباتريك زوسكند ادا أمكن العطر نضال نجار تدور أحداث رواية العطر* في القرن

 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-04-07, 05:09 PM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2007
العضوية: 26217
المشاركات: 4
الجنس ذكر
معدل التقييم: kundera عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
kundera غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : الارشيف
افتراضي أبحث عن رواية العطر لباتريك زوسكند (طلب محلول)

 

أبحث عن رواية العطر لباتريك زوسكند ادا أمكن




العطر



نضال نجار



تدور أحداث رواية العطر* في القرن الثامن عشر في فرنسا. البطل غرنوي: إنسانٌ يعيش على هامش المجتمع منذ ولادته. وُلِدَ في حيٍّ فقير وسط النفايات والأوحال والروائح الكريهة المنبعثة من المكان. شبَّهه الكاتب بحشرة القرادة، ليصوِّر لنا هذه الشخصية المنطوية على ذاتها، المتحيِّنة للفرصة أو الظرف أو التوقيت المناسب، لتبدأ حياتها أو نشاطها كما يحلو لها:

تتكوَّر على نفسها، متوحدةً بذاتها، صمَّاء بكماء تتشمَّم وحسب، عنيدة متعفِّنة ومقرفة، تصرُّ على الحياة، منتظرةً الصدفة... (ص 26)[1]

هذه الانطوائية نجمتْ عنها سلبيات، بل رذائل كثيرة، منها جهل الفضائل والمعارف والمعاني والمشاعر أيضًا:

فكلمات القانون، الضمير، الرب، السعادة، المسؤولية، التواضع، ما تزال في نظره مبهمة... (ص 30)

ثم فهو يقرأ المستقبل، ويتنبأ بأحداث قبل وقوعها، وبمجيء أشخاص قبل وصولهم. بصيرته حادة: فهو يرى في الظلام وعبر الورق والخشب والقماش والجدران. حياته كانت أقرب إلى الحيوانية منها إلى الإنسانية، وخاصة في أثناء عمله في الدباغة.



وفجأة يكتشفُ روائح طيبة فاخرة لأنها لا تشبه تلك التي في ذاكرته، وذلك في المناطق البرجوازية، حيث الأثرياء والأمراء. وقد لاحظ أن الهدف من العطر هو الفتنة والجذب، واكتشف أن الجسم البشري يُصدِر روائحَ مميَّزة، إما مقزِّزة ومنفرة وإما بلا نكهة، أو فاخرة وساحرة، كتلك التي انبعثتْ من جسم الفتاة – ضحيته الأولى – ذات الثلاثة عشر ربيعًا:

عَرَقُها منعشٌ كريح البحر، دُهْنُ شعرها كزيت الجوز، فرجُها كباقة من زنابق الماء، وجلدُها كزهر المشمش... مئات آلاف الروائح لم تعدْ تساوي شيئًا قياسًا إلى هذه الرائحة... (ص 48)

لهذا أراد أن يمتلكَ ذلك الجمال البِكْر (العطر الإلهي) في فوضى روحه الأسود، فقتلَها خنقًا وبلامبالاة. وقد أدركَ حينئذٍ بأنه "عبقري"، فأصبح لحياته معنى وهدف، وهو تثوير عالم الروائح. فأنفُه يتميَّز بحساسية خارقة تمامًا، مثل ذاكرته. وهذا يكفي ليجعل منه أشهر عطَّار في تركيب روح العطور.

إذن هي حالةٌ من عدم الرضا لدى البشر، مما أدى إلى نقل فوضاهم اللامتناهية إلى عالم الخارج. وقد استحضر الكاتب مقولة لباسكال: "إن تعاسة الإنسان تنتج من كونه لا يريد أن يقبع ساكنًا في غرفته" (ص 65)، مشيرًا بذلك إلى العصر الجديد المتجدِّد بأفكاره المجنونة، كالإنسان المثالي، وتدهور الأخلاق، والانحلال الفكري والسياسي والديني... الكلُّ يجري مع التيار، لا عكسه، من أجل المال والثروة.

وبهدف معرفة رائحته الخاصة، بمعنى "استغراقه الكلِّي في وجوده الذاتي"، اختار غرنوي البقعة الأكثر نأيًا عن البشر. كانت على قمة بركان بلومب دو كانتال، على ارتفاع ألفي متر، جنوب كليرمون، حيث السكون، سكون الروائح البشرية. وعبر نفق يفضي إلى فسحة صغيرة في قلب الجبل، بقي هناك سبعة أعوام متوحدًا مع ذاته.

لم يكن الربُّ ما يشغل باله، كجميع الذين ينعزلون عن البشر للتوحُّد مع الرب. ثم اكتشف أنه إنسانٌ، وأن على الآخر أن يحبَّه، لا أن يتواصل معه وحسب. ففكر بابتكار عَبَقٍ مميَّز:

ليس بوسع البشر الهروب من العَبَق، لأنه شقيق الشهيق، معه يدخل إلى ذواتهم، لا يستطيعون صدَّه إنْ رغبوا بالبقاء على قيد الحياة... (ص 116)

ويسافر غرنوي إلى غراس – مسقط رأس العطور – لتطوير خبرته ومعرفته. وفجأة يجذبه عبقٌ ملائكي؛ إذ إن شهيقًا واحدًا منه يجعل الزمن وكأنه قد تضاعف أو اختفى نهائيًّا. فلم يعد يدري إن كان هنا أو هناك. فعَبَقُ اليوم يشبه ذاك المنبعث من جسد الضحية الأولى الذي في ذاكرته. يمكث وراء السُّور ليشمَّ ضَوْعَ العطر، إلى أن يتعرَّف إلى مصدره: كان فتاة تلهو في الحديقة. ففكَّر بامتلاك عَبَقِها بطريقة تختلفُ عن الأولى التي، حين قَتَلَها، سَكِرَ بعبقها، وبذلك أنهاه. أما هذه المرة فهو سيحوِّله إلى سُكْرٍ لامتناهٍ. وبدأَ بالتجارب:

وزَّع قطعًا قماشية اختبارية تحت مقاعد الكاتدرائية. وبعد مرور خمسة قُدَّاسات عاد لجمعها. والنتيجة خليط غير متلائم من عَرَق المؤخرات ودم الحيض وطيات الركب الرطبة... الكتلة الروائحية ضبابية ومقرفة إلى حدِّ التقيؤ، لكنها بشرية بلا شك... (ص 119)

لكن، ليس هذا ما يشتهيه، بل عبقٌ بشريٌّ لقلة نادرة من الناس تُلهِم الحب. إذن ضحاياه كنَّ من النوع الفائق الجمال والبالغ التأثير.

يُعتَقَلُ بعد اقترافه جرائم قتل عديدة في المنطقة. لا يشعر بالآلام الجسدية من جرَّاء التعذيب: فهو لم يُصدِر صرخة أو آهة واحدة. حتى الكاهن الذي زاره ليسمعَ اعترافه خرج مذهولاً ليقول:

عندما ذكرتُ اسمَ الربِّ أمامه، نظر دون فهم، وكأنه يسمع الاسم لأول مرة. ثم تمدَّد على سرير الزنزانة وأغفى... (ص 243)

اعتبر القضاة بأنه مختل عقليًّا، وأُقفِلَ بابُ التحقيق بعد الحكم عليه بالإعدام في الساحة، حيث حَدَثَ ما يشبه المعجزة. فلأن الناس أحبوه، غَمَرَهُم شعورٌ طاغٍ بالودِّ والحنان: منهم مَنْ رَكَعَ واهتزَّ وارتجف...

أما السيدات فوضعن قبضاتهن في أحضانهن، وأخذن يتأوَّهن من اللذة... (ص 252)

الأسقف شعر بنشوةٍ دينية هائلة... وانقلبت القصة إلى حفلة مجون باخوسية. (ص 253)

وبذلك تحققت غايته بأن يحبَّه الجميع، من دون أن يحبَّ أحدًا منهم؛ وأدرك أن ما يُشبِعُه هو أن يكره وأن يكون مكروهًا. إنه أمام الحقيقة العارية، واقفٌ في مواجهة الآلاف من البشر. أدرك أن ألف صرخة لن تنقذه، وأنه ليس ثمة مهرب. فالذي أمامه كان وما يزال "العالم":

هؤلاء البشر الأغبياء القذرون المُستَثارون جنسيًّا... (ص 256)

الهياكل البشرية السَّكْرى والمُجهَدة من فجور الاحتفال مرميَّة هنا وهناك، بعضها عارٍ

وعلى بعضها الآخر ثمة ثياب ]…[ الهواء متخمٌ برائحة النبيذ الحامض والكحول الثقيل والبول والعَرَق ورائحة غائط الأطفال والدخان المتصاعد من بقايا النار التي شَووا عليها لحومهم وسكروا ورقصوا... (ص 260)

لقد فسَّر جرائمه كالتالي: أحاسيس الناس في الساحة، حينما غَمَرَهُم بعطره، تشبه أحاسيسه تجاه الفتيات ضحاياه؛ لكن الفارق أن الناس اشتهوه، أو ظنُّوا كذلك، بينما هو لم يكن يشتهي أية فتاة، بل عبقُها، جمالُها البكر، ملائكيتُها أو ألوهيتُها. وبقيَ ذلك سرًّا لم يفهمه أحد.

رأي شخصي

العطر رواية السحر والفتنة، رواية اللامعقول الممتزج بالممكن والمحتَمل، الممتع الذي نشمُّه في أثناء قراءة الصفحات وما بعدها، وذلك لأن "العطر" الذي فيها يستدرجُ حواسنا إلى ما وراء الحواس.[2]

*** *** ***





* باتريك زوسكيند، العطر: قصة قاتل، بترجمة نبيل الحفار، دار المدى، دمشق، 1997.

[1] ترقيم الصفحات يحيل إلى طبعة الجيب الفرنسية للكتاب. (المحرِّر)

[2] ولد باتريك زوسكند في العام 1949 في أمباخ على سفوح الألب. درس التاريخ في جامعة مونيخ. عُرِفَ كاتبًا في العام 1981 بمسرحية عازف الكونترباس، ثم العطر، أولى رواياته في العام 1985. حصل على جائزة غوتنبرغ لصالون الكتاب الفرانكوفوني السابع. في باريس كتب سيناريوهات لمسلسلات تلفزيونية عديدة وقصصًا قصيرة وسيناريوهات سينمائية. يتنقَّل حاليًّا بين باريس ومونيخ، حيث يعيشُ متفرِّغًا للكتابة.

 
 

 

عرض البوم صور kundera  

قديم 01-04-07, 05:12 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2007
العضوية: 26217
المشاركات: 4
الجنس ذكر
معدل التقييم: kundera عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
kundera غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : kundera المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

كاتب الموضوع: محمد الاحمد - 06-04-2006



رواية العطر لباتريك زوسكند
واقعية كضربٍ من الخيال
من دون شك بأن بطل رواية (العطر) البديعة لـ(باتريك زوسكيند) هي شخصية متخيلة، مخترعة، ولا يمكن أن تكون حقيقية، بالرغم من أنها عاشت بيننا، وما كساها مؤلفها إلا لحماً ودماً وموقفا، فصرنا لن ننسها أبداً، لأنها شخصية فاعلة، وخارقة قد أسبغ عليها المؤلف أوصافا لا يمكن أن تنطبق على إنسان، (وإذا كان اسمه اليوم قد طواه النسيان، على نقيض أسماء نوابغ أوغاد آخرين، مثل دوساد، سانت جوست، فوشيه، أو بونابرت[1])، لأجل أن تبقى تعيش بيننا تتحدى النسيان، وتتحول إلى كائن قد عاش على هذه الأرض وترك أرثا عظيماً، بأفعاله، كما أي شخص حقيقي قد ولد ومن بعد حياة حافلة قد مات. (أنا الوحيد الذي أدرك مدى جماله الحقيقي، لأنني أنا من أبدعه- الرواية[2]) شخصية بقيت تثير الإعجاب، وتمضي بقارئها كأنها تأخذه مسحورا، وبقيت كشخصية روائية بقيت مكتسية بثقافة المؤلّف الذي ولد عام 1949م، حيث بدأ موسيقيا فاشلا، وأصبح فيما بعد صحافيا ناجحا، درس التاريخ في جامعة ميونخ 1968-1974م، كتب مسرحية (عازف الكونترباس) مونودراما في فصل واحد في عام 1981م اصدر رواية العطر عام 1985م، وفاز عام 1987م بجائزة غوتنبرغ، (يعيش حاليا في باريس متفرغا لكتابة السيناريوهات السينمية)، و (العطر) رواية مشوقة لا يمكن لقارئ ما تركها، أو نسيانها، واغلب أحداثها تحلل الطبيعة البشرية بكل تفصيل، كونها حوت خصائص سردية مثيرة، والمؤلف عاد بها إلى تاريخ 17-7 -1738م، يوم مولد بطلها صاحب الأنف الأسطوري بتحسسه للروائح (جان بالتيست غرنوي) في مزبلة نتنه، من أزقة باريس الخلفية، (في أكثر أماكن المملكة بأسرها زخماً بالروائح- الرواية- ص 7)، وُلد من أم عاملة (صبية في منتصف العشرينيات من عمرها، والتي مازال جمالها باديا- الرواية[3])، وقد تركت أخوته (كما فعلت في الحالات الأربع السابقات[4]) دون رجعة تحت طاولة تنظيف السمك، امرأة في فقر مدقع، بائسة، تعمل في شارع قذر، حيث تعمل على تنظيف فضلات السمك، وكان في نيتها أن تتركه هناك مع الفضلات كي يموت، ويُلقى في النهر مع النفايات كما فعلت مع أربع ولادات سابقة لها. أدى ذلك إلى افتضاح أمرها، ساقها إلى المحكمة، فالإعدام تحت المقصلة. أما الطفل المسخ (كان قبيحا، ولكن ليس إلى درجة أن يرتعد الإنسان من بشاعته- الرواية[5])، تنقل بين المرضعات اللواتي كنّ يتركن دون أسف عليه لما يبثه فيهن من شعور بالتقزز لجشعه المفرط في رضع الحليب، فلم تقبل به إلا مرضعة بائسة، كانت لا تشم، ولا تشعر بما حولها، قبلت به انتحارا، وكل ذلك لا يضفي على الشخصية بأنها حقيقية، شخصية اجترحت بذكاء بالغ، شحّ نظيرها في الروايات العالمية، حيثُ أمضت الرواية في انف قارئها فعلا قرائيا، وليس عبر عينيه، فإطار الرواية التاريخية هو القرن الثامن عشر، ومساحتها الرئيسية هي الروائح بشكل عام والعطور بشكل خاص، معتمداً المؤلف على مرجعية علمية متخصصة بصناعة العطور في ذلك الزمن، وتراكيبها، والمواد الأولية لها ومقادير الخلطات، وسارت الحكاية تجول في الطبيعة مقارنة بما يشمه الأنف من مزارع الزهور، وسردت درساً لجغرافية باريس البراقة، ومختلف المناطق الفرنسية التي سارت عليها أحداث روايته.‏ شخصية (غرنوي) منعزلة، مبدعة، متأملة، مكتشفة، ساعية إلى اكتشاف المجهول، ولكنها ليست غامضة إلى الحد الذي يتصوره العديد من النقاد فهي مثيرة للإعجاب، حيث يشدنا الراوي إليها منذ اللحظة الأولى، ويعطينا دفقا طيبا من المعلومات المتواصلة والمتجددة، دون مقدمات في عالم العطور، والزهور، وكيفية تفكيك المزيجات، والعودة بها إلى أصولها، إضافة إلى كيفية استخلاص أذكاها، وخلطات عجيبة بعضها متوفر أن لم يكن هنا، فهو يوجد هناك، فالشخصيات والأحداث والأماكن والمشاعر والمواقف ترسمها روائحها، وكأنه لم يبق كتابا في زمانه عن العطور إلا واطلع عليه، ولم يكن قد ترك تركيبا لعطر ما، إلا والمؤلف قد جربه، عملا، أوشمّاً، (فلم يعد يشم الخشب فحسب، بل أنواع الخشب، كالاسفندان والبلوط والصنوبر والدردّار، والدرّاق، كما بدأ أنفه يميز بين الخشب العتيق والطازج والهش والمتعفن والطحلب، بل بين أنواع الحطب وكسراته وفتاته- ص27)، وقد استعاض عن العين المبصرة بالأنف الدقيقة الشم التي أصبحت راوٍ يصف أدق التفاصيل، وأعمق المشاعر، وأعقد المواقف، وأكثرها غرابة.‏ حيث لا يعرف من الأشياء التي حولها سوى رائحتها، وأصبح بذاكرة روائح يقارن بها الحيوات المحيطة به أجمعها (فلقد قضى ليالي طويلة أمام الأنبيق محاولاً بأي طريقة كانت بواسطة التقطير التوصل إلى روائح طيبة جديدة، لا يعرفها العالم بعد في شكلها المركز هذا، إلا أنه لم يتوصل إلاَّ إلى بعض الزيوت لنباتات سخيفة، أما نبع تصوراته الغني الذي لا ينضب، فقد بقي مستغلقاً عصياً، لم تخرج منه أية قطرة لرائحة محسوسة، وخاصة تلك التي كان يحلم بها، وعندما أدرك مدى فشله سقط مريضاً حتى كاد أن يموت- الرواية).‏ من اجل أن يعطي القارئ موضوعية (غرنوي) المثيرة للجدل حيث تركه بلا رائحة تدل على شخص البطل، وهذا ما أبقاه غريبا غير مستدل عليه، في هذا الجو الخانق الموبوء بالروائح الزنخة المتعفنة، مخلفا الرعب في نفسه لأنه لا يستدل إليها من خلال رائحتها، بمعنى انه لا يعرف موقعه فيما يريد أن يعرف، (وضع سبابته ووسطى يسراه تحت انفه وتنشق عبر ظهريهما. شمَّ هواء الربيع الرطب المبهر برائحة الشقائق، لكنه لم من إصبعيه أي شيء قلب كفه وتشمم باطنها، أحس بدفئها، ولكنه لم يشم شيئا، شمَّر أكمام قميصه الممزق ودفن انفه في باطن كوعه، كان عارفا بان هذه النقطة التي تفوح منها الرائحة الخاصة بكل شخص، لكنه لم يشمَّ شيئا، كانت المفارقة مذهلة، فهو (غرنوي)، القادر على شم رائحة أي إنسان على مسافة أميال لا يستطيع شم نفسه- الرواية[6])، فيشعر به كل من رأى (غرنوي) يشبه شبحا، كون مؤلف قد أوجده كيانا بلا رائحة على الإطلاق، (خامرهُ إحساس غريب أن هذه الرائحة الطيبة هي المفتاح لعالم الروائح الطيبة الأخرى كلها- الرواية).‏ كان يشم كل شيء حتى بصمات الإنسان،
فالبصمة عنده، تعرق الأصابع، وما تتركه (حياته حتى الآن كانت لا أكثر من وجود حيواني غارق في ضباب كثيف يغلف معرفته بذاته، لكن هذا اليوم بالتحديد هو الذي جعله يدرك أخيراً هويته الحقيقية، أي أنه عبقري، لا ريب في ذلك، وأن لحياته معنى ومقصداً وهدفاً ومصيراً علوياً، هو ببساطة تثوير عالم الروائح، وأنه الوحيد في العالم الذي يمتلك الوسائل لتحقيق ذلك، أنفه ذو الحساسية المتميزة، ذاكرته الخارقة، والأهم من كل ذلك عبق فتاة شارع (دي ماريه) المدموغ في ذاكرته والذي كانت صيغته السحرية مشتملة على كل ما يحتاجه لخلق رائحة رائعة، أي خلق عطر الرقة، القوة، الدوام، الجمال المتنوع المرعب الذي لا يقاوم، لقد وجد بوصلة حياته القادمة- الرواية).‏ لقد وجد (غرنوي) على هذه الطبيعة وفق منطق متسلسل هي التي أوصلت مؤلفه إلى هذه القناعة بهذه الطبيعة الأعجوبة وافتقاده للرائحة البشرية، تمخض عنها قدرة عجيبة أخرى هي حاسة الشم الخارقة، فيشم العالم كله، والعالم كله لا يشمه هذه القدرة الخارقة على الشم وتمييز أدق الأشياء من روائحها جعلته كمن يرى بأنفه متخطياً الجدران والأبواب المغلقة، ما دام لا يحتاج إلى عينيه في التعرف على الموجودات، بواسطة أنفه العجيب، وحاسة شمه الخارقة جعلته، شفافاً، يود معرفة ما سيمكنه معرفته بأنفه كقارئ (إلا أنها لم تكن تشبه الليمون الحلو أو الكبّاد، ولا المرّ، أو أغصان القرفة أو البتولا أو الكافور، أو إبر الصنوبر، ولا مطر أيار، أو ريح الجليد، أو ماء النبع. كانت رائحة دافئة، ولكن ليس كدفء الياسمين أو النرجس ولا كدفء النارنج أو السروّ أو المسك، وليس كدفء خشب الورد أو الزنبق الملون ذي الأوراق السيفية- الرواية).‏ وبقيت الحكاية تتحكم في مساحة الرواية لتضم تشويقاً إضافيا إلى التشويق المعرفي، (أخبره بالديني أن هناك عدة طرق من بينها هرس الأزهار بالزيت أو الدهن وهي أكثر جودة من التقطير. وأن منطقة غراس في الجنوب مشهورة بهذه الطرق)، لان المبدع قد صنع من بطله أنموذجا تراجيديا، متميزا، يتعاطف معه من يقرأه، ويكون القراء متعاطفين مع بطله على حد سواء فمن بعد أن كبر قليلا قذفت به المرضعة (مدام غايار) إلى دبّاغ يُدعى (غريمال) ظنا منها بأنه ذا فأل سيء فتسبب في انقطاع عنها الدفعة السنوية من قبل الدير، وراح يعمل صغيرا جدا في حرفة خطرة جداً، حيث سلخ جلود الحيوانات المتفسخة.‏ بقي بطل الرواية معذبا، ومعدما لا يبغي سوى المسار خلف ما يبهجه، وحيث لا يبهجه سوى الرائحة، وبقيت الروائح وفرزها كل أمانيه.. (كان يعمل أربع عشرة ساعة يومياً، عملاً تعافه الأنفس، وتكلّ عنه سواعد الرجال الأشداء. لكنه كان يقاوم الأمراض ومشقة العمل بصبر عجيب، حتى عندما أصيب بالجمرة الخبيثة نتيجة عمله في المدبغة وظن (غريمال) أنه ميت لا محالة، قاوم المرض، ونجا منه بعد أن ترك على وجهه ورقبته ندوباً زادته بشاعة- الرواية).‏ وكأي بشر حقيقي عرف الحب، والمرأة، وبواسطة انفه أيضا، فللحب رائحة جذبته وقلبت موازينه، وصارت لديه أمنية أن يمتلك تلك الرائحة، فـ(المرة الأولى التي شمّ فيها أنفه رائحة لطيفة طيبة، شعر بقلبه يتعذب هذه الرائحة كان لها خاصية منعشة: هذه الرائحة، التي تتبعها أنف (غرنوي) كانت رائحة فتاة في الرابعة عشرة، وامتلاكه لرائحة الفتاة دفعة لخنقها وتشمم جسدها كاملاً حتى الثمالة كي لا يضيع منه شيء من عبقها، ومنذ هذه اللحظة عرف (غرنوي) طريقه- الرواية)، و قد ابتدع أيضا الراوي شخصية معادلة لـ(غرنوي)، عندما أهله للعمل عند أشهر صانع عطور في باريس هو (بالديني) الذي كان يعاني من منافسة عطار آخر صنع عطر (الحب والروح) الذي لقي رواجاً عظيماً. لكن (غرنوي) استطاع ان يكسب الثقة التامة بمعرفته كشف سرّ هذا العطر وتركيبته، وأن يستخرج ذات العطر (الحب والروح) بل إنه أجرى عليه تعديلاً فأنتج عطراً يفوقه روعة، وهذا ما أعاد لـ(بالديني) سمعته وجعله يستخدم (غرنوي) في معمله كي ينتج له عشرات العطور المبتكرة التي أذهلت الناس وجعلتهم يتسابقون على شرائها.‏ وفي الوقت نفسه كانت غاية (غرنوي) من العمل عند ه هو معرفة أسرار صنعة العطور كيفية استخلاص رائحة معينة، وتحويلها إلى عطر، أما التراكيب، فإن ذاكرته الشميَّة قادرة على التميز وتفكيك الروائح المزيج، ولك ما تعلمه عند بالديني لم يكن ليشبع نهمه، فقد كان مشغولاً بالتفكير في كيفية استخلاص الرائحة بطريقة غير العصر والتقطير، فتجربته معه كانت لشبه برحلة (غرنوي) إلى الجنوب وصولاً إلى مدينة (غراس)، وعمله عند (مدام أرنولفي) في ورشتها للعطور وتجريبه لاستخلاص الروائح بواسطة الدهون تشكل الجزء الأكثر موضوعية وفق منطوق الرواية، حيث جعله يبتكر عدة عطور تحدث تأثيرات مختلفة في الآخرين، فهذا عطر (الاستعطاف) الذي يوحي للآخرين بأنه يستحق العون والمساعدة، وذاك
عطر (النفوّر) يدفع الناس للابتعاد عنه، وذلك عطر يُشعر الآخرين بأنه في عجلة من أمره، وهكذا... تمهيداً لتركيب العطر الذي يحلم به ويجعل الآخرين يموتون حباً به، الذي ارتكب من اجله خمس وعشرين جريمة، ضحاياه من العذراوات اللائي لم يتجاوزن الرابعة عشرة وقد حققه، وحقق به موته، فقد تمكن ان يغير وجهة الرأي العام به، ومن قاتل سفاح في أعين الناس إلى صديقا حميما، ومحبوبا من قبل الجميع، و من فرط هيامهم به وبرائحته الذكية، تلقفوه إلى حد تقطعت أوصاله بين أيدي مريديه، وضاعت أشلائه بين الناس، والرواية لم تمت كونها، أحيت على الورق بطلاً روائيا، قد فتح باباً لن تغلق بموت الشخصية، أو بموت مؤلفها.. ‏

[---------------------------------
[1] ص5 – ترجمة نبيل الحفار- 2003م الطبعة العربية الثالثة صادرة عن دار المدى .
[2] ص 236
[3] ص 7
[4] ص 7
[5] ص 25
[6] ص 129
محمد الأحمد

 
 

 


التعديل الأخير تم بواسطة galalgalal ; 27-06-07 الساعة 10:41 AM سبب آخر: الغاء رابط لمنتدى اخر
عرض البوم صور kundera  
قديم 03-04-07, 05:08 AM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2006
العضوية: 12422
المشاركات: 23
الجنس ذكر
معدل التقييم: vito_corleone عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
vito_corleone غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : kundera المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

اشترك معكم فى طلب هذه الرواية العبقرية .. أنا شاهدت الفيلم المأخوذ منها perfume : the story of a murderer و هو مبهر جدا

و لكنى اتمنى الحصول عليها و لو حتى بالانجليزية فهى تستحق

شكرا للجميع

 
 

 

عرض البوم صور vito_corleone  
قديم 09-04-07, 09:27 PM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Nov 2006
العضوية: 15839
المشاركات: 6
الجنس أنثى
معدل التقييم: منى العلي عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدBahrain
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
منى العلي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : kundera المنتدى : الارشيف
افتراضي

 


وأنا ايضا اتمنى وبشدة ان احصل على هذه الرواية
آآآآه ليتكم تحققون لنا هذه الامنية ايها الرائعوون في ليلاس

كل الشكر والتحية لهذا الموقع الرائع

 
 

 

عرض البوم صور منى العلي  
قديم 10-04-07, 01:16 AM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
حكيم المنتدى


البيانات
التسجيل: Oct 2006
العضوية: 15471
المشاركات: 2,182
الجنس ذكر
معدل التقييم: galalgalal عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 29

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
galalgalal غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : kundera المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

هذه الرواية موجودة فقط للبيع !!
انتظروا قليلا فربما يضعها احد لنا هنا 00
واعذركم فى الالحاح على الرواية لانها تستحق الطلب من كثرة الكلام عليها ولحصولها على اعلى الجوائز
وعلى فكرة انا بحثت عنها فى كل مكان على النت 00 لكن واه من لكن غير متاحة الان فصبر جميل

محمد جلال

 
 

 

عرض البوم صور galalgalal  
 

مواقع النشر (المفضلة)
facebook



جديد مواضيع قسم الارشيف
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 04:25 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية