لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > المنتدى العام للقصص والروايات > القصص المكتمله
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله خاص بالقصص المنقوله المكتمله


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-03-07, 05:07 PM   المشاركة رقم: 16
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو قمة


البيانات
التسجيل: Sep 2006
العضوية: 12480
المشاركات: 3,036
الجنس أنثى
معدل التقييم: roudy عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 44

االدولة
البلدPalestine
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
roudy غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : roudy المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

اقتباس :-   المشاركة الأصلية كتبت بواسطة روز مشاهدة المشاركة
   اه كتير عجبتني القصة
بليز كمليها رودي
وما تتاخري علينا

انشالله ماراح اتأخر عليكو
انا اقدر اتأخر على الحلوين

 
 

 

عرض البوم صور roudy   رد مع اقتباس
قديم 11-03-07, 03:29 PM   المشاركة رقم: 17
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو قمة


البيانات
التسجيل: Sep 2006
العضوية: 12480
المشاركات: 3,036
الجنس أنثى
معدل التقييم: roudy عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 44

االدولة
البلدPalestine
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
roudy غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : roudy المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

- أرجوك، ابعد أفكارك المريضة عني، وخذها مني نصيحة ياااا "أبو العريف" تعالج في الطب النفسي لأن تفكيرك منحرفٌ مثلك.

عاد "فيصل" ليضحك من جديد وبقوة، ابتسم "خالد" وسرعان ما انتقلت عدوى الضحك إليه، "يا لهذا "الفيصل" مهما شتمته فإنه يضحك، بل حياته كلها ضحك ومرح، سئ الأخلاق لكنهُ صافِ القلب ولا يحملُ الضغينةَ أبداً ولهذا أحبه".

زاد "فيصل" من سرعة السيارة، و"خالد" يشعل له اللفافة الثالثة وقد شرد في حديث صديقه..
- "معقول...اممممم"!!!!!!



(11)
جلست "مريم" على سريرها، تدون اسمها على الدفتر بخطٍ دقيق، تأملت حروفه المنقوشة وهي ساهمة تفكر فيه، في كلماته التي ترن في أذنيها..."انتبهي لنفسك!!!!"
التفتت إلى "ليلى"، كانت جالسة على الحاسوب......

- ليلى.
- نعم. (ردت دون أن تبعد ناظريها عن الشاشة).
- أتعتقدين أني...أني جميلة؟ (سألت بترددٍ خجول).

التفتت إليها باستغراب وقد تفاجأت بالسؤال:
- أنتِ أختي وبالطبع أراكِ جميلة.
- أقصد لو لم تكوني أختي ماذا سيكون رأيكِ بي؟!
- ولم كل هذه الأسئلة؟
- أرجوكِ أجيبي بصدق.
- جميلة و....
- ولكن عرجاء....(أكملت فجأة بحزن).
- ماذا تقولين؟!
- هذه هي الحقيقة. (أكدت وهي ترسم خطوطاً في دفترها الجديد دون شعور.(

قامت "ليلى" من كرسيها، وجلست بالقرب من "مريم":
- كنتُ قد نسيته، لكنّ أحدهم ذكرني به اليوم وهو مشكور.
- عمّا تتحدثين؟!
- عن عرجي...من يريدُ عرجاء..من يريد!!! (رددت بألم وهي تضغط بقوة على القلم الرصاص).
- أنتِ جميلة وصغيرة ومتعلمة، من الأعمى الذي لا يريدك.
- أقول لكِ أنا عرجاء، ألا تفهمين، يريدونها كاملة كالدمية لا نقص فيها، حين تمشي لا تقدّم رجلاً عن الأخرى، وحين تركض لاتتعثر كعجوزِ شمطاء.
- لا يوجد شئ كامل في الدنيا إلا الله.
………………………… -

نهضت "ليلى" من على فراش أختها وأخذت تجول في الغرفة الضيقة وهي تشبك يديدها، سكتت لدقائق، أخذت نفساً عميقاً ثم أردفت:
- خذيني مثالاً، هذا أنا أمامكِ جميلة كما تقولين ومتعلمة وأمشي بشكلٍ سليم كما تتمنين، ولازلتُ كالبيت الواقف، يقفون أمامه ليتفرجوا لكنّ أحدهم لم يتجرأ أن يدخل إليه.

التفتت إليها، إلى الحزن الذي يرزء في عينيها التي أحاطت بهما خطوط دقيقة ابتدأت في الظهور، كلٌّ لديه هم، ومن رأى هموم غيره هان عليه همّه:
- سيأتي ذلك اليوم الذي سنفرحُ فيه بكِ أنا متأكدة.
- متى سيأتي، عندما أدخل في الثلاثين من عمري؟! أرجوكِ كوني واقعية، كما هم يريدونها تمشي سليمة يريدونها كذلك صغيرة..صغيرة في عمر الزهور.....

وانكسر القلم "لكنّ الزهور عمرها قصير"...
صمتت "مريم" ولم تعلق على حديث أختها، كانت الأخيرة قد خرجت مسرعةً ربما إلى الحمام!!

أغلقت "مريم" دفترها واستلقت على فراشها وهي تفكر فيما حدث لها اليوم، كانت عبارة "انتبهي لنفسك" تطنُّ في أذنيها بوقعٍ غريب ومتكرر، غطت نفسها جيداً فالجو بارد، بارد والشتاء قاسٍ لا يرحم، ومع هذا أحست بحرارة تدبُّ في قلبها شيئاً فشيئاً لتمنحها الدفىء في ليالٍ تبدو طويلة وقاسية جداً..

"ولكن هل تنام؟؟!!"

========

- إلى متى؟؟
- لقد وعدني "خالد" بأنهُ سيخبر والدي بذلك..
- دائماً خالد خالد خالد..سأتزوجك أنت أم خالد؟!
- لكنكِ تعرفين الظروف و....

وضعت يديها على أذنيها وهي تتأفف:
- أعرف، أعرف أرجوك لا تكرر قصتك المعهودة، لقد مللتها و....مللتك.

نظر لها بإنكسار وقد غشا الحزنُ عينيه:
- مللتِ مني!!

تطلعت إليه ببرود وقسوة:
- مللتُ من جبنك..من خوفك الدائم من أخيك..أنا أريدُ أن أتزوج برجل أتفهم، برجل وليس بنعامة!!!!

صُعق بمكانه، وقد تلاشت كلُّ الألوانِ من وجهه:
- "فرح" ماذا تقولين؟!
- أقولُ الحقيقة.. (وهي ترمقهُ بإشمئزاز.(
- أتقولين هذا بعد كل ما فعلتهُ من أجلك، بعد كل العذاب والهوان الذي تحملته لتكوني لي.
- هيه، لاتبالغ، أنا لستُ لك وربما أعيد النظر في هذا الأمر من جديد.
- أنتِ تمزحين، أليس كذلك؟!! (قالها بترجي وهو يكاد يركع)..
- بل جادة كل الجد.... وابتعدت عنه، طيفها يبتعد عنه، وعودها لايكادُ يبين.
- "فرح" أرجوكِ لا تقولي هكذا، إنتِ تقتليني..أرجوكِ عودي..لا تقوليها، عودي إلي، أتوسل إليكِ.

لكنها كانت قد غادرت إلى البعيد.
- فرررررررررررررررررح...

فزّ من فراشه وقد تصبب العرق على جبينه..
- "كان حلماً، بل كابوساً..أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم"... أسند رأسه بيديه وقد خانته عيناه، دمعت!!! كانت دموع قهر، غيظ، دموع ذليلة....
- أأبكي أنا!!!! تعجب من نفسه....رجل وأبكي؟!

غادر فراشه، وبالرغم من قراره الإقلاع عن التدخين إلا أنهُ أشعل واحدة بعصبية، أغلق المدفأة ، كان الحر يطوقه، يكادُ يخنقه، فتح نافذة غرفته، تسلل الهواء البارد إلى جوفه، هدأت ضربات قلبه المجنونة وجفّ عرق جبينه، تمتم:
- لابد أن أفعل شيئاً، لابد أن أفعل، يكفي كل هذا الذل...يكفي......

==========

- مريم، مريم استيقظي.
- هااا، ماذا تريدين؟
- نسيتي، الجامعة ستبدأ اليوم.
- الجامعة!! (فزت من فراشها مذعورة) كم الساعة الآن؟!

ابتسمت لها "ليلى" بإطمئنان:
- لا تخافي الساعة الآن السادسة صباحاً.

زفرت "مريم"، محاضرتها الأولى تبدأ الساعة الثامنة صباحاً..ذهبت إلى الحمام لتغتسل، ارتدت ملابسها، ثم سحبت عباءتها وحجابها من الشماعة على عجل..نظرت إلى وجهها في المرآة، عيناها حمراوتان من قلة النوم..

ذهبت إلى الصالة ولحقتها "ليلى" ليتناولا وجبة الإفطار، سكبت لنفسها كوب شاي، كم تعشق كوب الشاي بالحليب في الصباح، لذتها الوحيدة أن تشربه مع والدتها المرحومة بدون إزعاج، دون وجود طرف ثالث، هي فقط وأمها وأكواب الشاي التي تدفأهم، لحظات كانت تشعرها بالأمان والسعادة..الأمان كلمة تبدو غريبة بعض الشئ؟!!!

- ليلى، أين والدي؟
- لقد خرج ليوصل "أحمد" لمدرسته.
- خرج؟!كيف؟! ومن سيأخذني للجامعة اليوم؟!

نظرت لها ليلى بإمتعاض:
- اذهبي في الباص.
- أنا لا أعلم في أيّ محطة يقف، ومتى..لا أدري، أنا في الحقيقة خائفة..

تطلعت لها باهتمام:
- لمَ أنتِ خائفة؟

هزت رأسها بضيق:
- لاأدري، من كل شئ، من الجامعة، من الفتيات، يُخيل لي أنّ الإماراتيات مغرورات وأنا لا أعرف أحداً هنا. "السمووحة منكن"
- ماذا ستفعلين بغرورهن!! لا تهتمي، ركزي بدراستك وبنفسك فقط.
- طيب، سأتصل لوالدي، لا أريد أن أتأخر منذ اليوم الأول.
- لو كانت سيارة (البي أم) مُلكي لأوصلتكِ فيها، لكنها أمانة..(وابتسمت بشرود.(

وفي تلك اللحظة، أطلّ أبوها بوجهه المتعب:
- السلام عليكم.
- وعليكم السلام والرحمة.
- هاا، أنتِ جاهزة؟
- أجل، جاهزة.

لم تتكلم معه طوال الطريق إلا ببضع كلمات، كانت تحترم والدها، علاقتهما تبدو رسمية بعض الشئ، علاقة بين أب وابنته لم تتجاوز المثل السائد:
"إذا كبر ابنك خاويه".
أخذت تتطلع إلى الشوارع من خلال النافذة، تُراقب الناس والسيارات والمحلات، وصلوا إلى الجامعة، وعاودها الخوف من جديد.

- ها قد وصلنا، بالتوفيق إن شاء الله.
- مع السلامة.

وصلت، كانت الجامعة مليئة بالفتيات، كلهن يتنافسن في الأناقة والجمال، ملابس ومكياج مبالغ فيه بشكلٍ كبير..

أحست بنفسها ضائعة في هذا المكان، تائهة كورقة مجعدة ترتجف كورقة الجدول الذي تحمله بيدها، تطلعت للوجوه لعلها ترى وجهاً مألوفاً، وجهاً يدخل الطمأنينة في قلبها، يُشعرها بأنها قريبة من وطنها، لكن لا أحد، عادت لتتطلع إلى جدولها من جديد، رموزه غامضة كحياتها ربما..

وفي الجانب الآخر كانت "أمل" واقفة مع صديقاتها يثرثرن وهنّ سعيدات بلقائهن المتجدد كل عام، كانت تشعر بأنها اليوم فراشة لا تقدر أن تكبح جماح جناحيها لتطير، وجهها يفضح أشواقها يكسوه رونقاً ولمعاناً، فاليوم ستراه كما تعودت منذُ عامين، ستتعطل بينهما لغة الكلام، ويبقى حديث العيون السيد بينهما، أبلغ من كل الكلمات التي قيلت بين المحبين..

التفتت إلى حيثُ تقف "مريم" أخذت تفتشُ في ذهنها عن هذا الوجه...
- أين رأيتهُ يا ربي؟!

ولكأنّ "مريم" حست بتلك العيون المحدقة بها، فرفعت عينيها لا شعورياً نحو الهدف، ابتسمت "أمل" في وجهها بإرتباك ثم لفّت وجهها، لكنها عادت لتنظر إليها مرة أخرى وقد اتسعت عيناها دهشة:
- أجل، عرفتها، إنها هي..

استأذنت من صديقاتها وهي تقترب من "مريم" بخطى خجلة، "مريم" عرفتها منذُ الوهلة الأولى، المسافة التي تفصل بينهما خطوتان.
- أتذكريني؟

هزت رأسها بالإيجاب "وكيف أنساكِ ألستِ أخته!!!"
- لم يكن موقفاً لطيفاً للتعارف، أليس كذلك؟
- لا عليكِ، لقد نسيته..."أفعلاً نسيته؟؟".
- امم، لابد أنكِ سنة أولى صح؟
- وكيف عرفتي؟
"- المكتوب مبين من عنوانه."

ضحكت "مريم" بأريحية..
- اعطني جدولك.

تناولته وهي تقرأ بصوتٍ مرتفعٍ بعض الشئ:
- أنتِ تخصص علم نفس، مثلي ممتاز، اممم ستكونين معي في 3 محاضرات ياللصدف.
- أخيراً وجدتُ من أعرفه هنا.
- تعالي، سأعرفكِ على صديقاتي.

سحبتها معها وهي تشعر بالفرح، وسرعان ما اندمجت معهم في الحديث وسقط غطاء الخجل كما لو كانت تحادث صديقاتها بالثانوية.

=============

وقفت أمامه وهي تمسك الأوراق، تراقب الشعيرات البيضاء التي بزغت من شعره غصباً رغم عنايته بصبغه على الدوام، كان أملساً لامعاً جاءتها رغبة غريبة لتتلمسه!!! لتتحس نعومته..يا إلهي كم يلمع بطريقة غريبة، يا لزوجته المحظوظة..

رفع رأسه نحوها فجأة، ارتبكت، شعرت بالذنب لأنه ضبطها تراقبه، هذا ليس من حقها، ابتسم بإتساع فغضت بصرها وهي تحترق:
- لا لا أنا لا أقدر أن أتحمل.

رفعت رأسها بتردد وهي تسأله باستغراب:
- م..ما..ماذا حدث؟
- أنا لا أقدر أن أتحمل ألاّ أرى هاتين العينين الجميلتين، أهي عدسات ملونة؟

ذابت "ليلى" في مكانها كذُبالة شموع المساء، قدامها لاتكاد توقفانها، الأوراق ترتجف أم هي من ترتجف؟!
- اجلسي لم أنتِ واقفة؟

جلست دون شعور، لم يكن بإستطاعتها أن تقف أكثر، وطئت رأسها وهو يتفحصها بتمعن، كانت مرتدية شالاً أحمر عكس لونه على بشرتها البيضاء الصافية، وبالرغم من لبسها للعباءة إلا أنها بدت أنيقة جداً وناعمة جداً.

- ليلى..
- آآآ...نعم. "لم أشعر بأنّ اسمي عذب قبل هذا اليوم".
- هل أنتِ مرتبطة؟

رفعت وجهها غير مستوعبة سؤاله، لكنها نكسته مرةً أخرى، هي لا تقوى أن تنظر له مباشرة، كم يخطف أنفاسها!!!
- أعرف أنه موضوع خاص، لكن إجابتك مهمة بالنسبة لي، كثيراً...

الكلمات اختنقت في حنجرتها، تأبى الخروج من هذا الحلق الأحمق، هزت رأسها بالنفي. تنهد بارتياح وقد التمعت عيناه:
- أتقبلين الزواج مني؟

هذه المرة كادت تقع من على الكرسي، كادت أن تصرخ بنعم لكنها أمسكت نفسها.. اهدأي أيتها المجنونة، ماذا سيقول عنكِ، "متلهفة على الزواج منه!!".
- تعلمين أنني متزوج ولديّ أطفال، لكنني لستُ سعيداً في حياتي الخاصة، صدقيني منذُ رأيتك عرفت أنكِ الفتاة التي انتظرها قلبي لتملكه، لتتربع في حناياه..

لحظات وتتحول "ليلى" إلى سائل، إلى هشيم، هي رومانسية حالمة بطبعها، فما بالك وهي تجد من يقول لها مثل الكلام الذي تقرأه في رواياتها..

- أريدكِ هنا في مكتبي وهنا - وأشار إلى صدره- في سويداء قلبي، أريدكِ معي في كل مكان..

غاص قلبها وبات لون وجهها يفوق لون شالها في إحمراره، لم تنبس ببنت شفة، لازالت مطرقة.
- ما قولك ياااا حبيبتي!!!
تنفست بعمق، بأقصى ما استطاعت أن تسحبه رئتيها من هذا الهواء الحار المحبوس في المكتب.

- يمكنك أن تزور والدي.
- لماذا؟

تطلعت إليه بغباء:
- ألم تقل أنك تريد الزواج مني!!
- بلى، ولكن ليس الزواج الذي تظنين..
- ماذا تقصد؟
- أقصد أن نتزوج....عرفياً.
- ماذا؟؟
صاحت في وجهه وهي تقوم من على الكرسي وقد تحطمت كل الأحلام الوردية التي كانت تتراقص أمام عينيها منذُ قليل.
- أرجوكِ اهدأي.
- ماذا تعتقدني، لقيطة، مشردة، ليس لدي أهل، ينقصني شئ كي أتزوج عرفياً؟؟!
- ليس الموضوع هكذا، والله يعلم أني لا أقصد أن أقلل منكِ شيئاً فأنتِ غالية بالنسبة لي، لكنها الظروف، الظروف الحالية هي من تحتم عليّ ذلك.
- أيّ ظروفٍ هذه؟
- زوجتي مثلاً..أطفالي..لا بد أن أهيأهم لزواجي الثاني.
- إذن ننتظر إلى أن تتحسن ظروفك.
- إلى متى...أقصد أنا لا أقوى على الانتظار وأنتِ أمام عيني، وأعتقد أنكِ تبادليني نفس المشاعر صح؟

لم ترد عليه، كان فكرها حائراً ما بين عقلها وقلبها، قلبها الذي يحنُّ إليه وعقلها الذي يستصرخ "لا تتهوري!"

اقترب منها وهي شاردة الذهن، وبصوتٍ ملئ بالحب، بالعتاب، بالتعاطف قال:
- لا أريدك أن تتعجلي في ردك، ولكن كل ما أرجوه ألا تهدمي حلمي، أن أكون معكِ طوال العمر هو جلُّ ما أتمنى.

خرجت وهي ترتجف من الحنق، ألقت الأوراق التي بيدها على مكتبها، وضعت يديها أسفل ذقنها، لم لا تنتهي الأحلام نهاية سعيدة؟!!

============

خرجت "مريم" و"سلمى" معاً من المحاضرة الأخيرة، تباطئت "أمل" خلفهما متعمدة وهي تلتفت كل حين للواقف خلفها، يرمقها بتلك النظرات الولهة التي اعتادت عليها وباتت تحن لها، آه متى تنطق وتقولها، عامان وأنا انتظر؟! الممر الآن شبه خال، لم لا تغتنم هذه الفرصة قبل أن تضيع، انطقها ولن تندم..

"لكنه لم ينطق، كم يغيظني". عادت مريم وسلمى إلى الممر مرةً أخرى يستعجلانها في المشي، لحقتهما وهي تشتم حظها النحس في سرها.
- أتعرفان أي تقف محطة الباصات.
- لم؟! سألت "سلمى" باهتمام.
- كي أركبه وأطير للمنزل طبعاً، فأنا أكاد أموت من الجوع.
- ولم ترجعين في الباص، سأوصلكِ معي إلى البيت. قالت "أمل".
- كلا، لا أريد أن أثقل عليكِ.
- بيتكم لا يبعد عن بيتنا إلا بخطوات، ستعودين معي دون نقاش، على الأقل أجد من أحدثه في طريق العودة بدلاً من الجلوس بصمت مع السائق.
- طيب سأتركم الآن، والدي ينتظرني، مع السلامة.
- مع السلامة. (ردت كلتا الفتاتين.(

سارتا معاً وهما تتحدثان في أمور شتى..البنات..المحاضرة..الدكتور.
- اعطني رقم جوالك.
تبادلتا أرقام الهواتف لتبدآ صفحة جديدة من الصداقة بينهما، لمحت "أمل" سيارتهم المرسيدس السوداء، حتى زجاج نافذة السيارة لونه أسود داكن.
جرّت "مريم" معها، كانت الأخيرة تمشي بإستحياء، لا تحب أن تكون ثقيلة على أحد. ورغم دكونة الزجاج إلا أنّ "خالد" ميزها، عقد حاجبيه بتعجب لكونها مع أخته.."غريبة" هكذا ردد في نفسه، لكنهُ ما لبث أن ابتسم، "يا للصدف!" وأتته فكرة..

دفعت"أمل" مريم لتدخل أولاً خلف السائق، وحين دارت لتذهب للجانب الآخر أقفل "خالد" أبواب سيارته آلياً دون أن تلتفت "مريم" لما يجري، كانت تتصفح خطط مقرراتها الدراسية بإهتمام، أمسكت "أمل" إكرة الباب المقابل لأمل لكنه لم يُفتح، انتبهت "مريم" لحركتها فرفعت رأسها.
- "رفيق" افتح ال...
وإذا بها تلتقي بعيناه من خلال مرآة السيارة، صُدمت، بل صعقت مشدوهة، نظر لها مباشرة وبقوة وقد انحرفت زاوية فمه في شبه ابتسامة..

- حلوة كلمة "رفيق"!!!

تعجبت "أمل" من السكون المخيم على الموجودين بالداخل، لا توجد أية حركة، دقت على زجاج المقعد المجاور للسائق، فتح النافذة.
- هيا ادخلي بسرعة. (شهقت في مكانها.(
- من؟ خالد؟!

ضغط على الزر فدخلت وسيل من الأسئلة يسبقها فخالد ليس من عادته أن يأخذها من الجامعة.
- زوجة السائق أنجبت صبياً وقد أعطيته اليوم إجازة.

"يا للمشاعر المرهفة" رددت "مريم" في نفسها بتهكم. أكمل:
- لذا لا تعتقدي أني جئتُ من أجل سواد عينيك، مع أنّ هناك عيون تستحق الإتيان من أجلها!!!
لم تعبأ أمل بفظاظته فقد اعتادت عليها، سقطت عيناهُ عليها من جديد وهو يغمز لها..طأطأت رأسها، أكان يقصدها، يا للوقاحة يا لقلة الأدب، شعرت بالغيظ
- أ...أمل.
- نعم. (التفتت لها بجذعها.(
- قولي له أن يفتح الباب. (نظر إليها وقد تغضن جبينه بعبوس).
- لماذا؟
"أتسألين بعد كل ما حدث؟!"

- أنا لا أركب مع...مع هذه ال..الأشكال.

فغرت "أمل" فاهها وهي تنظر لأخيها الذي أسودّ وجهه فجأة، دار لها ففزعت في مكانها، وضعت يدها على فمها لكأنها انتبهت لخطورة كلماتها ، لكنه لم يمهلها شدّ يدها بقوة حتى كاد أن يسحق معصمها.
- هذه الأشكال؟؟ ها ماذا تقصدين، ألا يعجبكِ شكلي؟!
وأكمل وهو يسحبها للأمام ويقرب وجهها حتى كادت أرنبة أنفه تلامس وجهها.
- انظري لي، ألا ترين جيداً، ربما هكذا أفضل..

وقعت أنفاسه الغاضبة عليها، لامست بشرتها، كانت قريبة منه بشكلٍ فظيع، لم تقوى على النظر إليه، كانت ترتجف وهي تحاول التملص من قبضة يده وقلبها يغوص إلى القاع، إلى آخر نقطة...
- آآه، اب..ابتعد عني..يدي...
- خالد دع الفتاة، هذا عيب، لقد آلمتها.
تعبت "أمل" من الصياح لكن دون جدوى.
لازال يشدها، يحاول أن يجبر عينيها على النظر إليه لكن هيهات، كان وجهها متضرجاً بحمرة قانية، أبسبب الألم أو الخجل لا يدري...

قربه يحرقها، يحيلها إلى هشيم، وأنفاسه المتلاحقة تكادُ تصيبها بالجنون، مشاعر متضاربة في صدرها لا تستطيع أن تفسرها، غضب..كره..ألم أم ماذا؟؟

طفرت الدموعُ من عينيها، بللت أهدابها، برقت كنجوم سماوية رغم أنهم في عزّ الظهيرة!! رأى تلك النجوم، فأرخى يده لكنه لم يترك معصمها بعد، سحبت يدها بسرعة منه وصدرها يعلو ويهبط، ضمتها إليها، وهي تتلمسها بيدها الأخرى، عيناها لا زالتا مسبلتان وتلك النجوم تُنذر بالسقوط...
عاد إلى موضعه دون أن يعلق أو....يعتذر، خيم الصمت على الجميع لكأنّ على رؤوسهم الطير، لم يُسمع إلا صوت أنفاسهم المتلاحقة!!

تطلعت إلى معصمها، إلى آثار أصابعه المطبوعة، لقد سحقها، كانت ترتجف، شدتها بقوة لتوقف ارتجافها دون جدوى، حواسها لا تطيعها، تأبى أن تمنحها بعض السكون والأمان....

- افتحوا الباب، أريد أن أعود للبيت. (صاحت بصوتٍ متباكٍ).
تطلعت لها أمل بتعاطف، خجلة من تصرف أخيها:
- وكيف ستذهبين؟
- في الباص.
- ربما تحركت الباصات الآن.
- سأتصل بأبي ليأخذني، لا أريد أن أبقى هنا..لا أريد.

حينها غطت "مريم" وجهها وأجهشت بالبكاء وهي تشهق. التفتت أمل لأخيها لكن لا حياة لمن تنادي، كان وجهه جامداً كالصخر لا تعبير فيه.

لم تسمع رداً رفعت رأسها وهي تمسح الدموع المبللة وجهها بتصميم "لن أكون ضعيفة، لن أكون دمية يحركها هذا الأحمق المغرور"، كان يراقبها وقد كست وجهه مسحة تأثر لكنه مسحها فوراً، صاحت بغضب وبصوتٍ متقطع:
- أنت.. أنت... افتح الباب وإلا وإلا....
- وإلا ماذا؟! (سألها ببرود.(
- وإلا سأصرخ وأفضحك بين الناس كلهم...

هزّ "خالد" رأسه باستهزاء، وهو يحرك مفتاح السيارة، ويضغط على الكابح بقوة، حتى ارتجت السيارة بهم بقوة، سرعته كانت جنونية، خافت "مريم" بل كاد قلبها يقع، لكنها توقفت عن البكاء وابتدأ هرمون "الأدرينالين" بالعمل.

- خالد، هدأ من سرعتك...
- قولي لصديقتك أن تطبق لسانها أولاً، وتحتفظ بتهديداتها لنفسها.

لم ترد "مريم"، كانت تمسح تلك الدموع الحادرة على وجهها بصمت.."أيّ رجلٍ هذا؟ أهو من البشر حقاً؟! كم أهانها..كم ذلها واليوم مدّ يدهُ عليها وهي صامتة لا تقوى على الدفاع عن نفسها، لم خُلقنا ضعفاء!!".

ضغطت أمل على زر الراديو لعلها تهدأ الجو المتوتر داخل السيارة، كان الموضوع الإذاعي يدور حول حقوق المرأة وكيف حافظ الإسلام على كرامتها ومنحها المكانة الرفيعة دون كل الأديان.

"هه، الدين وصى ولكن المسلمون في خبر كان، لو كان الدين يُطبق لما وصلنا إلى ما نحنُ فيه الآن، لما تدهورت القيم والأخلاقيات، ولما تأخرنا وتقدم غيرنا..خذوا هذا المتعجرف عديم الأخلاق مثالاً، ها هو يصفّر وكأن شيئاً لم يكن..من أيّ طينةٍ خُلق؟!!"

دار كل هذا في رأسها، دموعها جفت، كم وعدت نفسها ألا تبكي، لكنها تعود دوماً للبكاء..أغلق الإذاعة..يبدو أنّ الموضوع لم يعجبه..عدو المرأة هذا..
بدأت معدتها في التقلب، وأخذت تصدرُ أصواتاً واضحة من شدة الجوع، شعرت بالحرج لا بد أنّ الكل سمع!! ياللفضيحة...أرجوكِ اصمتي قليلاً إلى أن أعود..شعرت بتلك العيون تراقبها، لابد أنه يبتسم، أو ربما يضحك عليها، يا رب متى أصل..أشعر بالإختناق.

اقتربوا من مطعم "جسميز" ازدردت ريقها، فهي لم تشرب إلا كوب شاي!!! انتهى دور "الأدرينالين" وابتدأ انزيم "الأمايليز". تلوت معدتها وأصدرت أصواتاً أقوى.

- "أمل" أتريدين شيئاً من هارديز، سأشتري لي وجبة غذاء.

اختفت كل الألوان من وجهها، نست الألم..الكره..الغضب الذي يعتمل في صدرها نحوه منذ قليل..شعور الحرج هو من طغى عليها تلك اللحظة، لا بد أنه تأكد من جوعها.
- اشتري لي مثلك.
- اسأليها إذا تريدُ شيئاً. (خاطب أخته.(
- لا أريدُ شيئاً...منك.

غادر السيارة وهو يصفع الباب خلفه بقوة أخافتها." طلعة بلا..ردة".

- لا أدري ماذا أقول لكِ..أعتذر عن كل ما بدر منه.
رددت أمل بخجل دون أن تقوى على النظر في وجه صاحبتها.
- لا عليكِ..أنتِ لا ذنب لكِ.

مرت 5 دقائق، عاد وهو يحمل 3 أكياس، أعطى كيسان لأمل وأشار إلى الخلف. ترددت "إنها لا شك سترفض".
- "مريم" خذي.

أدارت "مريم" وجهها للجهة الأخرى وهي تزمُّ شفتيها. أعادت الكيس إلى حجرها.
- قولي لها أنهُ ليس من أجلها بل لكي ترحمنا من تلك الأصوات المزعجة.
"- خالد"!!.
- لقد رأيتُ في حياتي أصنافاً كثيرة من البشر لكنني لم أرى أوقح منك أبداً.
- اها، "أمل" قولي لها اذا لم تصمت سأعيد ما حدث منذُ قليل... إذا كان يعجبها ذلك.
"- خالد" أنت من بدأت أولاً.
- صه، اسكتي أنتِ، لديها لسان تدافعُ به عن نفسها.

عضت على شفتيها بغيظ حتى كادت تدميها "يُعجبني ذلك؟!!! يا إلهي أمدني بالصبر". إنهُ يحاول أن يستفزها، تعرف ذلك، اصبر، اصبر عليّ قليلاً وأنتِ يا مريم تمالكي نفسك، لم يبقى على العودة إلا القليل.

وصلوا، أشارت "أمل" إلى منزلهم، أوقف مكابح سيارته فجأة، فارتطمت "مريم" بكرسيه...شتمتهُ في سره بكل الألفاظ التي سمعتها منذُ ولادتها...لقد تعمد ذلك.

أطلق زر الباب، فتحته وهي تجر نفسها والغيظ يطحنها، يفتتها إلى قطع صغيرة. اسندت قدميها المرتجفتين على الأرض، لم تتحرك، اقتربت من نافذته، طرقتها بعصبية، فتحها وهو يبتسم بوقاحة:
- نعم آنسة، أنسيتِ شيئاً، تريدين كيس الطعام، لا تخجلي قوليها.
"هل اقتربت يوماً من الذروة؟!!!"

- أنت رجل حقيييييييييييييييير. وضيييييييييييييييييييع. تاااااااااااااااااااااااااااااافه.

حرك يده ليفتح باب السيارة لكنها لم تنتظر، ركضت مسرعة إلى البيت حتى كادت أن تتعثر، أغلقت الباب خلفها بالمزلاج وهي تستند عليه ورأسها يطن..اصاخت السمع لم يلحق بها ذلك المعتوه، ما دامت في بيتها فهي في أمان منه...أمان؟!! كلمة لا أفتأ أن أذكرها هذه الأيام....

أما "خالد" فقد انفجر ضاحكاً من شكلها المذعور، فقد ركضت كالمجنونة وكأن وحشاً يلاحقها، أدار مقود سيارته وعاد مع أخته العابسة وكلما تذكرها ضحك حتى أدمعت عيناه وهدأ!!!!!!!!



 
 

 

عرض البوم صور roudy   رد مع اقتباس
قديم 11-03-07, 03:32 PM   المشاركة رقم: 18
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو قمة


البيانات
التسجيل: Sep 2006
العضوية: 12480
المشاركات: 3,036
الجنس أنثى
معدل التقييم: roudy عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 44

االدولة
البلدPalestine
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
roudy غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : roudy المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

(12)
عادت "ليلى" والأفكار تعصف بذهنها، أحست بصداع يخترق خلايا دماغها، يلطم البقية الباقية من تحملها، أتجرأ على القبول، أتوافق أن تكون زوجة بالسر، بورقة تربطها برجل، دون شهود، دون إشهار دون أن يعلم والدها، هكذا في السر كلصة، كسارقة، كمن ترتكب الحرام..

أتقوى على هذه المجازفة الخطيرة، أتتزوج هكذا، ليس بالأمر الهين، إنه ورطة، كيف، ماذا أفعل؟!!!

وإذا رفضت عرضه، ستخسر والفرص تمر مر السحاب، و"أبو محمد" فرصة لن تتعوض، ستخسره وربما تخسر عملها معه..

"اسمعي يا ليلى من أنتِ لترفضين، أنتِ في الثامنة والعشرين، بعد عامين تقريباً ستلحقين بركب العانسات، وهم وصموكِ به منذُ زمن، ستذبلين وسيضيع شبابك وأجمل سنوات عمرك هباءاً كالرماد، كلمة "ماما" لن تسمعيها أبداً، وحين تستيقظين صباحاً ستلتفتين حولكِ لترين لا أحد، وحيدة أنتِ في هذا المكان، آآه الوحدة، الوحدة كريهة طعمها مر كالعلقم، يا ربِّ ساعديني، ألهمني الصواب، ماذا أفعل، لمَ وضعتني بين خيارين أحلاهما مر، بين نارين، نار فراقك ونار أهلي ومجتمعي الذي لن يرحمني..."

غسلت وجهها بالماء، لن تذهب عصراً إلى العمل، ستعقد هدنة مع نفسها، ستفكر..

"لا بد أن أرتاح، أن أفكر بعقلانية فرؤيته تشوشني، تُطيّر ما تبقى من عقلي إن كان موجوداً أصلاً!!!!!"

استلقت على فراشها، أغمضت عينيها المرهقتين، استرجعت تلك القصة التي حاكتها في خيالها منذُّ أن رأته، هي و "أبو محمد" معاً في منزل يظللهم...

ألسنا جميعنا نحلم، ونحيك خطوط أحلامنا بخيوط ناعمة ذهبية، لكنها لا تلبث أن تهتز و تتقطع تلك الخيوط، تتهدل كخيوط العنكبوت...

تقلبت يميناً وشمالاً على وسادتها، تلك الوسادة الخالية وصورته لا تفارقها:
"- أتقبلين الزواج مني".

============

دعكت "مريم" يدها ربما للمرة الخمسين!!!! كانت جالسة بجوار "أحمد" تساعده في حل الواجبات المدرسية.
"- مريوووم" 5-2 تساوي كم؟
…………………………-
- مريووووووووووووووم.
- ماذا..ماذا بك؟ لم تصرخ؟
- أسألك 5-2 كم؟
- ألا تعرف كم؟ انظر- فتحت قبضة يدها باتساع وهي ترفعها لأعلى- هذه خمسة أصابع ابعد أصبعان هكذا، كم أصبع بقى في نظرك؟
- امممممم، قلتُ لكِ ثلاثة..أرأيتِ كم أنا ذكي!!!
تأفف العبقري الصغير وهو يدون الإجابة في الكتاب، ابتسمت "مريم" ابتسامة مشوشة وعادت لشرودها.

ترك "أحمد" كتابه و أخرج من حقيبته لعبة خشبية مصنوعة يدوياً على شكل فزاعة، أخذ يعبث بها بنعومة، يمسح على عينيها ويمسدُّ شعرها المجعد، قربها من حجره وهو يهمس برقة:
- "ماما...ماما".

انتبهت "مريم" من شرودها وهي تنظر له بإستغراب ممزوج بالألم، هذه هي المرة الأولى منذُ عامين يذكر فيها والدتهم..كان صغيراً جداً في الرابعة من عمره، بكى معهم عندما رآهم يبكون، سأل عن أمه، قالوا له ذهبت، إلى أين؟ أجابهُ والده: إلى السماء، لكن السماء بعيدة كيف وصلت إليها؟ سكت الأب ولم يجب وانصرف خارجاً من البيت.

سحبته هي حينها، تحبه كثيراً، أكثر من أي شخصٍ آخر، وهو متعلق بها كتوأم روحها، مسحت دموعها وهي تحضنه، وأقسمت حينها أن تكون له أمه وأبوه وأخته وكل شئ، أقسمت أن تنسيه يتمه، أن تربيه كابنها رغم ضحالة خبرتها وصغر سنها...

ازاحت ذكرياتها، تنظر إليه، إلى بقية الغالية، ظنتهُ نسيها، ولكن من ينسى أمه؟!! شعرت بغصة، بحرقة، بألم، هي لن تستطيع أن تحل محلها أبداً مهما حاولت، سيظل ذلك الجزء السحري الغامض الذي يحيط بالأمهات مفقوداً، حنان الأم من يعوضه، وذلك الحجر الدافئ أين سيجد مثله؟!

لا زال ممسكاً بتلك اللعبة بحنان، يهمس لها بشجون، اقتربت منه وهي تربت على ظهره بخفة، التفت لها، في عينيه نظرة انكسار كسرت نفسها، حولتها إلى هشيم!!!
- أ..أح...حمد...
- نعم.
………-
- ماذا تريدين؟

"أرجوك اخفض هذه العينين!!"

- أريدُ أن... لكنها لم تكمل، ضمتهُ بقوة، بأقصى قوتها، وهو لم يحتج، كان صامتاً وجسده الصغير يرسل اهتزازات عنيفة لكأنه ينتظر تلك اللحظة التي يُفرغ فيها شحناته المكبوتة، تركت دموعه تبلل ثيابها، شهقاته تُسمع بوضوح الآن، تبكي معه على أمها وعليه وعلى الأيام...

=============

- "راشد" ما بالك، أراكِ متغيراً هذه الأيام.

هزّ "راشد" كتفيه بلا مبالاة وهو يشعل له سيجارة.
- وعدتَ للتدخين أيضاً!!!!!!!

انتظر حتى العشرة كما طريقة "خالد" في العد أو الذبح النفسي كما يسميها، ثم قال:
- أعتقد أن هذا الأمر يخصني ولا...يعنيك.

فتح "خالد" عينيه غير مصدقٍ ما يسمعه، لا بدَّ أن أخاهُ جن.
"- رشوووود" احترم نفسك، كيف تخاطبني هكذا.
- اسمي "راشد" وليس "رشود" ياااااا خلّوووود!!!!

وانصرف دون أن يترك لخالد مجالاً للتعليق، قفل عائداً إلى الصالة وهو يمرر يده على شعره بإستياء، كانت أخته جالسة تشاهد التلفاز، سحب جهاز التحكم عن بعد من يدها بجفاف، ضغط على الأزرار دون أن يستقر على قناة، كانت تنظر له بغيظ مكتوم، ليس بمقدورها أن تحتج، أن تعترض أو تعاتبه وإلا وجدت أصابعه الثقيلة مطبوعة على خدها دون إنذار!!

"لمَ هو ليس لطيفاً كراشد، لم يحادثها يوماً كشقيقة، إما يصرخ في وجهها ويأتمر عليها كما لو كانت طفلة، أو ينقطع بينهما الإرسال كما في هذه اللحظة، وجودها أو عدم وجودها واحد بالنسبة له..."

ألقى الجهاز بعيداً عنها، في آخر كرسي قابع في الصالة وسار!!! وهي تكاد تنفجر، نهضت وتناولته وعادت لتتابع المسلسل الذي كانت تشاهده، لكنها لم ترى إلا أغنية الحلقة!! شدت خصلة من شعرها كانت قد نفرت غصباً بقوة وانصرفت هي الأخرى إلى غرفتها...

وفي مكتبه الخاص، أمسك "خالد" أوراق العمل، يقلبها دون اهتمام، ركنها على الطاولة من جديد، كان يشعر بالضيق، بالملل، أو الحيرة ربما...

"هي، أجل هي من سببت لي هذه الحالة، قبل أن أراها كنتُ بخير بل بألف خير، وجاءت لتفسد راحتي، صيرتني تلك المشاكسة أكثر عصبية، وأكثر نفوراً من البيت، هذا أنا أكشف نفسي أمام "أمل" بتُّ أوصلها إلى الجامعة بحجة أو أخرى لعلي أراها ولكن هيهات، بعد الموقف الأخير أشك أن تركب معي أصلاً..لم هيَ بالذات، لم يسبق أن انجذبت لفتاة مثلما انجذبتُ لها، الفتيات هنّ من يحمن حولي، كم هنَّ طماعات، يردن في الرجل كل شئ، المال والشباب والجمال، بإختصار كل شئ، ولا يملأ عينهن إلا التراب!!!

لنعد لها، مريم..اممم اسم جميل لكن لا يناسبها!!! لو كان بيدي لسميتها "ثقيلة الدم" "الخوّافة" أو "سارقة الدجاج" ههههههه، لقد بتُّ أحب أكل الدجاج الآن، آكلهُ بنهم، يذكرني بمواقف لطيفة فيفتح شهيتي للمزيد، أففففف، ماذا أقول أنا، لا ينقصني إلا هي لأفكر فيها، من هي ومن أنا؟!! أنا "خالد" ابنُ هذا كله، وهي "مريم" مجرد "مريم" بدون لقب، بدون مستوى، دون حتى جنسية إماراتية، لحظة لكنها تحمل ألقاباً أخرى اختاروا منها ما تشاؤون...

1. بنت الفقر!
2. أبوها سائق تاكسي!!
3. أخوها مدمن مخدرات!!!

"عظيم، يا لها من ألقاب جميلة ومشرفة!! ترفعُ الرأس فعلاً، ينقصها لقب رابع فالأرقام الفردية لا تعجبني، أتشاءم منها، ربما يلحقها لقب جديد لا ندري!!"

نقر بأصابعه على الطاولة، بطريقته المعتادة في العد لكنه لم يكمل، نهض من كرسيه وصبرهُ ينفذ شيئاً فشيئاً، أقنعه ما قاله لكنّ طيفها اللعين يتراءى دائماً أمام عينيه، صورتها لا تفارق ذهنه، تتكرر بصورة غير طبيعية، ماذا أريدُ منها، أأتزوجها، كلا كلا هذا هو الجنون بعينه، أو بعد كل ما عددته لكم من ألقاب أقترنُ بها وتصبح هي زوجتي، زوجة السيد "خالد ال ...... " وأحملُ معي ألقابها معها!!!!!!!!

سؤال يطرح نفسه من جديد: ماذا تريد بالضبط يا خالد؟؟؟
طافت أجوبة كثيرة في خاطره، قلّبها في ذهنه لكنهُ لم يستسغها، أحسًّها لا تناسبها، لا تُناسب براءتها، لا تناسبها و......كفى!!!

رنّ هاتفه الجوال، تطلع إلى الشاشة، كان "فيصل" هو المتصل، هزّ رأسه لعله يبعد أفكاره المشوشة، ضغط على الزر.
- ألو..
- أهلاً.
- أين أنت؟
- أنا في البيت.
- في البيت!! تعال، جميع الشباب في الشقة، لديّ مفاجأة بل قل مفاجآآت.

ابتسم "خالد" في خاطره، إنه يعرف أي المفاجآت يعنيها صديقه المنحرف.
- اسمع ليس لديّ وقت لتفاهاتك.

صاح "فيصل" بانفعال حتى اضطرّ "خالد" لإبعاد الهاتف مسافة لا بأس بها عن أذنيه.
- أتسميها تفاااهات، أبدل أن تشكرني لأني لا أنساك أبداً في الأفراح والمسرات!!!!! ولكنني من يستحقُّ ذلك لأنني أكلم تافه مثلك.
- فيصل، أغضبت، آنا آسف، أنتِ تعرفني لا أحبُّ مثل هذه الأمور.
………….-
- فيصل؟؟؟؟
………….-
- هيه فيصل، "شارب غوار" لم لا ترد؟
- شارب غوار في عينك. (ابتسم "فيصل("
- هههههههههه.
- ماذا قلت الآن، أ ستأتي؟!
- اممممم، لا أعتقد ولكنني سأزورك اليوم بلا شك و...سلم لي على مفاجآآآتك.
- يووووووووصل...(قالها ضاحكاً. (
- مع السلامة.
- مع السلامة.

وضع يده أسفل ذقنه، شارد الذهن، مبلبل الخواطر، عاد لأوراقه، أمسك قلمه وهو يحاول القراءة بتمعن، لا بد أن يشغل نفسه عنها، لا بد أن يمحوها ما أمكن، هذا إن استطاع!!!!

 
 

 

عرض البوم صور roudy   رد مع اقتباس
قديم 11-03-07, 03:42 PM   المشاركة رقم: 19
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو قمة


البيانات
التسجيل: Sep 2006
العضوية: 12480
المشاركات: 3,036
الجنس أنثى
معدل التقييم: roudy عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 44

االدولة
البلدPalestine
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
roudy غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : roudy المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

(13)
الساعة الآن السابعة صباحاً بتوقيت الإمارات، استيقظت "مريم" بنشاط ، لقت أختها نائمة على غير العادة!! غريبة، هي تستيقظ منذُ بزوغ الفجر لتصقل نفسها للعمل!!! وكأنها عارضة أزياء وليست سكرتيرة ثم توقظها للجامعة بعد أن يتبقى على تحرك الباصات نصف ساعة!!!

أزاحت لحافها الوثير، واقتربت منها، هزتها بلطف أولاً ثم زادت من ضغطها:
- ليلى.
- أف، ماذا تريدين.
- أأنتِ مستيقظة؟!!
- أجل.
- غريبة، ألن تذهبي إلى عملك اليوم؟
- سأذهب. (قالتها بفتور.(

لا زالت دافنةً وجهها في الوسادة دون أن تتحرك، توقفت "مريم" في مكانها، ترقب أختها بخوف:
- أأنتِ بخير، هل أنتِ مريضة؟

نزعت وجهها من وسادتها بإنهاك، تحسّ بالتعب، بالتعب النفسي، رفعت رأسها ببطء:
- أنا... بخير ليس بي شئ..

فزعت "مريم" من منظر تلك العينين الحمراوين، خيوط دقيقة متشابكة عبثت ببياضهما، أخفت رونقهما، أين ذلك البريق...لقد أنطفىء..

تجاهلت تلك النظرة المصدومة المرتسمة على محيا أختها، وسارت إلى الحمام، نظرت لوجهها في المرآة، لم تنم البارحة، قضته في التفكير والتفكير والبكاء..

لقد اتخذت قرارها ولن ترجع فيه، تعلم إنها الخاسرة الأولى والأخيرة، لكنهُ عين الصواب كما تقول أمها، آآآآه أمي، لو كنتِ معي لكنتِ أرشدتني، لما وقعتُ في دوامة الحيرة
، لكنتِ عرفتي ما بي، كنتِ ستنقذيني وتساعديني على الخروج من هذه المشكلة....

من يفهمني هنا؟ لا أحد، الكلُّ لاهٍ، أبي في عمله الذي لا ينتهي أبداً، و"مريم" وجامعتها، أكادُ أجزم أن "محمد" أكثرنا سعادة وأقلنا هماً!!!

ارتدت ملابسها، لازالت حتى تلك اللحظة تهتم بإناقتها، رغم يأسها، رغم حزنها، رغم القرار الذي اتخذته في ليلةٍ غاب فيها القمر، أتراها صائبة..مقتنعة بما ستقوله، ألن تندم يوماً!!!

"الفرصة تمر مرّ السحاب..أيها السحاب مع السلامة، ألقي التحية على النجوم إن تلاقيتما يوماً!!!".

شغلت السيارة، سيارته وذهبت لتواجهه وتخبره بقراراها..

=============

- أي من الفئات الخاصة سنختار؟ سألت "أمل".
- أرى أن فئة صعوبات التعلم أفضلها والمراجع متوفرة بكثرة في المكتبة. ردت "سلمى".
- كلا كلا، لقد تشبعنا من هذا الموضوع، ثم إنّ البرنامج العلاجي لذوي صعوبات التعلم صعب جداً، لا بد من إعداد خطة فردية لكل نوع من هذه الصعوبات..متى سننتهي حينها؟!! استنكرت "مريم".
- إذن؟
- اممممم، إما نختار مشكلات سلوكية وانفعالية أو فئة الموهوبين والمتفوقين عقلياً. اقترحت "مريم".
- نختار المشكلات السلوكية والإنفعالية فالموهوبون والمتفوقون بعيدون عنّا تماماً..ردت "سلمى".

صاحت "أمل" بإنفعال:
- تحدثي عن نفسكِ يا ماما، لقد طبقت اختبار "ريفن" للذكاء ونتج أن نسبة ذكائي هي....اممم لن أقول أخافُ أن تحسدوني.

عبست كلتا الفتاتين في وجهها، ضحكت من منظرهما المغتاظ ولكنها أردفت بتجاهل:
- طيب، حللنا مشكلة الموضوع، تبقّى مكان اللقاء لإنجاز المشروع.
- في بيتنا طبعاً. تكلمت "سلمى".
- لالالا، منزلكم بعيد، ثمّ أنا و"مريم" في نفس المنطقة ونفس الشارع، أي أنتِ من يتعين عليكِ القدوم لإحدانا.
- هذا ظلم.
- بل العدل، نحنُ اثنتان وأنتِ واحدة. مدت "أمل" لسانها، فلكزتها الأخيرة في خاصرتها.
- أأأخ.
- حتى تتعلمي الأدب.
- هيه، أنتن، الكل ينظر إلينا..ماذا سيقولون مجانين في الجامعة؟! صاحت "مريم".

دعكت "أمل" موضع اللكزة وهي تصرُّ على أسنانها:
- طيب سيكون الاجتماع في بيتنا.

أرادت "مريم" أن تعترض، لا تريد أن تذهب هناك، لكنها أحجمت، أين ستجلسهم؟ البيت من طابقٍ واحد، والمجلس احتله "محمد" بعد أن احترق أثاث غرفته عندما كان يدخن سيجارته وهو نائم!!! والصالة لا تكاد تخلى، هي مكان اجتماع العائلة، وحتى لو توفرت لهم غرفة فأي أسباب الضيافة تقدر أن توفرها لهما دون خجل أو تقصير..

سارت الفتيات كلٍ إلى بيتها على أمل أن يلتقين مساءاً للشروع في إنجاز المشروع..

==========

دقت باب المكتب بيدٍ مرتجفة، لقد ناداها منذُ مدة لكنها كانت تتباطئ..ماذا ستقول؟؟ الملف الذي بيدها ينتفض بل جسدها بأكمله ينتفض، يا ليتني لم آتي، ليتني لم أعمل أصلاً و لم آراه....

- ادخلي يا "ليلى".

جرّت قدميها بصعوبة بالغة، وبعينين لا ترين أعطتهُ الملف، لم ينظر إليه ووضعه على جانب كيفما كان.
- اجلسي، لم أنتِ واقفة؟

جلست دون شعور، طأطأت رأسها تُتابع حركة أصابع قدميها المُبردة بعناية!!
- هل فكرتِ بموضوعنا؟

"آه لقد أتت اللحظة الحاسمة".

رفعت رأسها إليه دون أن تحر جواباً، هي اطلقي لسانك، ألقي بما في جعبتك..أنا ومن بعدي الطوفان..أين سمعتُّها؟!!!

- هاا ماذا قلتِ يا عزيزتي..

"لو كنتُ عزيزةً عليك فعلاً لما وضعتني في هذا الموقف الصعب".

عبت هواءاً في صدرها، نظر لها بتوتر وبصبرٍ يكاد ينفد، يستعجلها بالكلام وعيناه مثبتتان على شفتيها تنتظران قرارها.

- أنا موافقة.
تنهد بإرتياح بصوتٍ مسموع، كان واثقاً بأنها ستقبل به لكن شكلها وهي والجة إلى المكتب لم يكن مطمئناً، أشعره بالخوف.

قام من مكتبه وجلس بالكرسي المقابل لها، وجهها ينضحُ بالعذاب، بالألم، لم قبلتِ يا "ليلى"؟!! صدقوني أنا لا أملك أن أرفض، سامحني يا أبي..سامحني..


 
 

 

عرض البوم صور roudy   رد مع اقتباس
قديم 11-03-07, 03:43 PM   المشاركة رقم: 20
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو قمة


البيانات
التسجيل: Sep 2006
العضوية: 12480
المشاركات: 3,036
الجنس أنثى
معدل التقييم: roudy عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 44

االدولة
البلدPalestine
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
roudy غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : roudy المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

- كم أنا سعيد جداً، بل محظوظ..صدقيني لن تندمي أبداً معي، سأجعلكِ تعيشين كالأميرات..

"أحقاً لن أندم؟! أتمنى ذلك".

- اسمعي اخرجي أنتِ أولاً وأنا سألحقك بعد قليل، قفي بالقرب من مطعم (.....) عند الشارع المقابل للشركة.
…………….-
- اتفقنا؟

هزت رأسها بالإيجاب دون أن تعلق، أنهضت نفسها وهو يبتسم لها بإطمئنان، ودعته على أمل أن يلتقيا بعد قليل..

لحقها وتزوجا، كان زواجاً سريعاً، بورقة.. مجرد ورقة لا أكثر أو أقل، دون أن يدري أحد لا أبوها ولا مريم ولا أحد!!!!

اصطحبها إلى شقة، كانت معظم الوقت ساهمة، شاردة، يخاطبها وهي تهز رأسها دون تركيز، توقفت عند باب الشقة بتردد، توقف متسائلاً، لاحظ ارتباكها فأمسك يدها، سحبتها منه بسرعة وهي تنظر لهُ شزراً، لكنها انتبهت لنفسها، إنه زوجك أيتها الغبية، أليست الورقة التي معك تشهدُ بذلك؟! لامت نفسها على تصرفاتها المراهِقة كما سمتها ودخلت معه وهي تشدًًّ حقيبتها!!

=============

- كلا كلا، أريدُ أن أذهب معك. صاح "أحمد"
- أنا لن أذهب إلى نزهة، لدي مشروع، واجب عليّ إنجازه.
- لا يهمني.
- كلنا فتيات، أتريد أن تجلس معنا، ماذا سيقولون عنك "أبو البنات!!".

صمت وهو يكاد أن ينفجر، احتقن وجهه وبدأت عيناه باللمعان، آلمها منظره لكنها أمسكت نفسها، لا تريدُ أن تعوده على تلبية كل طلباته.

- لا يوجد أحد معي هنا، سأبقى مع من؟! قالها بتباكٍ.
- أبي هنا.
- إنهُ نائم.
- نم معه أو اذهب وشاهد التلفاز، ثم إنًّ "ليلى" ستأتي بعد قليل وستلعب معك.

نظر لها بغيض وهو يعضّ أصبعه السبابة بقوة، أبعدتها عن فمه وهي تصرخ:
- لا تعد هذه الحركة مرة أخرى، أتفهم.

رفعها من جديد وعضها، وهو ينظر لها بعناد، حاولت أن تبعدها أو تضربه ربما لكنهُ فرّ من أمامها، تنهدت بيأس وهي تلم قبضة يدها وخرجت..

حملت كيسها معها، يحتوي على بعض المراجع والحلويات!!! الجو ربيعي اليوم رغم شتوية الفصل، تأملت النجوم في طريقها، تبدو كقلوب واهنة تنبضُ من بعيد، صدت للأرض ها هي تقترب من منزل صديقتها، مرت على المزرعة بسرعة، لا تريدُ أن تذكر شيئاً، ستنسى، أجل ستحاول أن تنسى....

دقت الجرس، لم تنتظر كثيراً إذ سرعان ما فتحت "أمل" لها الباب، كأنها متيقنة من هوية القادمة، ابتسمت لها وهي ترحب بها بحرارة، بدت جميلة في زيها المسائي، تبدو كوردة "محمدي".

دخلت بتردد، بتوجس، كأنها خائفة من شئٍ ما، خائفة من أن تراه!!!!
- هل حضرت "سلمى"؟
- لقد حضرت قبلك بنصف ساعة..لم تأخرتي هكذا يا آنسة "مريوووم"؟
- أخي "أحمد" هو من أخرني، كان يريد القدوم معي.
- ولم لم تجلبيه معكِ، كان سيسلينا؟!
- خفتُ أن تسحريه فلا ينفعنا بشئ.

ردت ضاحكة وضحكت "أمل" معها وهي تسحبها إلى الداخل.

- الله، لديكم أرجوحة، منذُ زمن لم أركب أرجوحة.
- أرجوحة؟! لقد كبرنا على ركوبها، هيه أين تذهبين؟!
- سأتأرجح عليها قليلاً.
- ماذا...ليس الآن، بعد أن ننتهي من المشروع تأرجحي كما تشائين، لقد تأخرنا.

دفعتها إلى "المجلس" والأخيرة تتذمر، ألقت "مريم" التحية على سلمى لكنها صاحت فيهما:
- أنتما، لِمَ لم تناما في الخارج أفضل ها؟! والدي اتصل وأخبرني بأنه سيأخذني بعد ساعتين ونحنُ لم نبتدأ بشئ.
- بسم الله الرحمن الرحيم، لاتخافي سننهي كل شئ في ساعة. ردت "مريم" بعبوس.

جلست الفتيات معاً وهنّ يناقشن الموضوع بجدية، تداعت أفكارهن بطلاقة، وفعلاً لم تمر ساعة إلا وقد وضعن الملامح الأساسية لبُنية المشروع.

تمددت "سلمى" و"أمل" بتعب وهن يزفرن، أما "مريم" فقد وقفت بنشاط.
- أين أنتِ ذاهبة؟ سألت "سلمى".
- تريد أن تتأرجح. ردت أمل بابتسام.

مدت "مريم" لسانها:
- أجل، سأترجح هل لديكِ مانع؟

ضحكت الفتاتان، سارت دون أن تبالِ بهما، خاصة أنها تأكدت بعدم وجود أحد في المنزل كما ذكرت "أمل" فالليلة ليلة خميس، من يريد الجلوس في المنزل؟!!

الشجيرات الخضراء تحيطُ بالحديقة بكثافة، توجهت للأرجوحة أسرها شكلها، كانت كبيرة، متسعة..شدت خيوطها تستوثق من قوة احتمالها، جلست، أرخت نفسها، دفعت بنفسها إلى الوراء، إلى أقصى حدٍّ تستطيع الوصول إليه وانطلقت بقوة إلى الأمام، أحست بنفسها خفيفة كريشة في مهب الصبا، ضحكت بإنتعاش، بفرحٍ طفولي، اليوم هي طفلة بجدلتين تتطايران في الهواء و"محمد" يدفعها دائماً بقوة، تكاد تلامس السحاب وتشعر بحرارة الشمس، تريد أن تصل إلى السماء...يا تُرى كم تبعد عنّا؟!!

"آآه، كانت أيام، أيام جميلة لن تعود، إنها مجرد ذكرى نستعيدها لنرطب بها جفاف واقعنا، واقع الحرمان، واقع كل شئ أو اللاشئ، واقع اللاواقع!!!! يا أيام عودي، عودي كما في السابق، عندما كنّا أحياء".

لم تسمع "مريم" صوت الباب الخارجي وهو يُفتح ولا إلى الظل الواقف خلفها الآن، يُراقبها بإهتمام وتأمل، لازالت تطير في الهواء وذيل خمارها يتطاير معها بحبور....

هو ميزها، رغم سمرة هذا المساء، بل يكاد يجزم أنهُ لو رآها بين آلاف النساء سيعرفها من عودها النحيل، انظروا لها كيف تتأرجح، ألم أقل لكم أنها طفلة!!!

- أتريدين أن أدفعك؟!

اهتزت من وقع الكلمات التي فاجئتها، دارت بوجهها ناحية مصدر الصوت، هو..دائماً هو، وضعت قدمها بسرعة لتوقف حركة الأرجوحة، لكن حركة القصور الذاتي كانت أقوى منها والرياح دوماً تجري بما لا تشتهي مريمُ!! اختلّ توازنها وسقطت..

لم تكن السقطة مؤلمة، كانت على التُراب، منهُ جئنا وإليه نعود..

- آسف أخفتك... هل تأذيتي؟ (سأل بخوف.(

لم ترد، لا زالت جالسة على الأرض. وصل محاذتها، ركع بجانبها، لكنها ابتعدت عنه وهي تحاول النهوض، ضغطت بمقعد الأرجوحة لتستند عليه لكنه خانها وارتفع لأعلى فوقعت من جديد، ارتسمت على شفتيه ابتسامة لم تغب عن عينيها، مسحت يديها عن التراب على جانبي عباءتها وهي تتحاشى النظر إليه، لم تنسى موقفهما الأخير، أتُراه نسى، ثم كيف يقول لها "أتريدين أن أدفعك" أين يظنُّ نفسه؟؟!

- هل أنتِ بخير؟ ) كرر سؤاله.(

لم تجبه وشرعت في التحرك إلى حيث صديقاتها، سار ناحيتها ووقف قبالتها مانعاً إياها من إكمال طريقها.

- لا أدري هذا الغرور والتكبر ما مصدره؟!
- لو سمحت ابتعد عن طريقي.
- لم لا تردين هاا؟
- أنا لا أردُّ على.... وأطبقت فمها بخوف وكأنها انتبهت لنفسها، لا تريد أن تكرر ما حدث، زلة واحدة تكفي!!!
- على هذه الأشكال..أكمليها..

نكست رأسها وهي تعضُّ على شفتيها، حين تراه لا تعرف أن تنطق جملتين بصواب، دائماً لسانها يزلقها في مشادات كلامية لا تعرف سببها.

نظرت له خلسة من زاوية عينيها وهي ترمش لتتأكد من تعابير وجهه، لم تنطلِ عليه هذه الحركة لكنها أعجبته.
"ليس غاضباً...هذا جيد".

- لو سمحت، إنهم ينتظروني.
- اممممم، سأدعك إذا قلتِ "سعيدة برؤيتك مرةً أخرى"!!!!!!!!!!!!!!. قالها بتشدق.

هذه المرة كادت أن تسقط على رأسها فوراً من هول ما تسمعه.

- قوليها..
- لن أقول شيئاً، من فضلك ابتعد. (صاحت.(
- لن تقولي، إذن لن أتحرك وأنا التزم بكلمتي دائماً.

نظرت حولها بإرتباك، ماذا يقول هذا المجنون؟!! "أمل" تعالي... يا ليتني لم آتي إلى هنا.

- "أمللللللللللللللللللللللللللللل".
- تهدديني بالصراخ، فلتأتِ "أمل" إن استطاعت أن تفعل شيئاً.
- أنت ماذا تريد؟ هاا..هل أنت معتوه؟! (غرست أصبعها في رأسها إشارةً إليه).
- أجل أنا كما قلتي والمعتوهون يفعلون أي شئ، مرفوع عنهم القلم!!! (وضم ذراعيه بتصميم).

إنها تعرفه جيداً، تعرف من هو "خالد"، لم يقصر في توضيح ذلك أبداً.
- أقول ماذا؟
- قولي "سعيدة برؤيتك مرةً أخرى"!!
- لكن هذا..هذا لا يجوز، ليس من... حقي. (قالتها بإستعطاف.(
- لم تعقدين المسألة، أنا أعطيكِ هذا الحق، ماذا سيضركِ إن نطقتها. "دعيني أتخيل ولو مرة أنكِ تبادلينني نفس الشعور..الشعور!!! ماذا تقول؟؟!"

"الأمر ليس بهذه البساطة، إنهُ أصعب مما تتصور، إنها ليست مجرد كلمات، بل هي أحاسيس، آه لو كنت تعرف، ولكن أنى لشخصٍ مثلك أن يفهم".

مرت بضع دقائق، خالتها دهراً، هي صامتة بيأس وهو ينتظر..شئ يشدها إلى عينيه كلما أبعدت وجهها أنجذبت إليهما من جديد..

- أنا...تعثرت حروفها بإرتباك.
- نعم. (نظر لها مباشرةً وهو يكاد يرى انعكاس صورته في عينيها!!(

أطرقت خجلاً وهي تكمل:
- س...عيدة.
- لماذا أنتِ سعيدة؟ "يا لهذا السؤال!!"

هزت رأسها وهي تضع يداً على خدها الذي تضرج حمرةً:
- أنا..أنا لا أقدر.
……………-

تنفست ببطء وعمق وهي تحاول أن تهدأ من انفعالاتها لكأنها تريد أن تفهمه شيئاً آخر، يختلف عمّا تنطقُ به قسمات وجهها:
- أنا لا أحب أن أنافق أو أخدع الآخرين..

انطفأت ابتسامته، تأملها لثوانٍ، لم تقلها، أصعبٌ أن نكذب على أنفسنا، لمَ لمَ لمَ، كان بإمكانكِ أن تغيري الكثير، كلمة واحدة كانت ستغير مجرى حياتي وربما حياتكِ للأبد، لا تخدع نفسك يا "خالد"، هي لا تحبُّ الخداع، ماذا تُريد منها أن تقول: منذُ أن رأتك وهي لا تنام لأن طيفك اللعين لا يفارق مقلتيها!!!! اخرس واحتفظ بالبقية من كرامتك..

ابتعد عنها بصمت، دون حركة، دون كلمةٍ زائدة، أما تراهُ الآن هو الحزنُ مرتسمٌ على وجهه الأسمر؟!! سارت دون أن يتسنى لها أن تحلل تعابيره أكثر، شعرت بغصة، برغبة في العودة، لتصرخ بقوة:
" أيها المغرور لو تعرف كم أنا سعيدة..سعيدة جداً برؤيتك رغم كل شئ!!!!".

 
 

 

عرض البوم صور roudy   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الكاتبة لا انام, ظلالات الحب, قصة مكتملة للكاتبة لا انام
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 11:59 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية