لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القسم الادبي > منتدى الكتب > الادباء والكتاب العرب
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الادباء والكتاب العرب الروايات - السير الذاتية -أدب الرحلات العربية – كتب أدبية


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-01-07, 04:09 PM   المشاركة رقم: 16
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 7991
المشاركات: 259
الجنس أنثى
معدل التقييم: lost in memories عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 15

االدولة
البلدPalestine
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
lost in memories غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : lost in memories المنتدى : الادباء والكتاب العرب
افتراضي

 

كان ترقب حسان وزوجته للعرس، واستعداداتهما الدائمة له، للقاء كل الذين سيحضرونه من شخصيات وعائلات كبيرة، يجعلني أستمع لهما أحياناً، وكأنني أستمع إلى أطفال يتحدثون عن "سيرك"، سيحلّ بمدينة لم يزرها سيرك ولا مهرّجون من قبل.

وكنت لذلك أشفق عليهما.. وأعذرهما.

لقد كانت قسنطينة في النهاية، مدينة لا يحدث فيها شيء ما عدا الأعراس. فتركتهما لفرحتهما ينتظران "السيرك عمَّار"، واحتفظت لنفسي بخيبتي.

كان كل شيء استثنائياً في ذلك اليوم. وكنت أعرف مسبقاً برنامجه من أحاديث السهرة.

سيذهب حسان لقضاء حاجاته في الصباح، ثم يصلّي صلاة الظهر في المسجد، وبعدها سيمر بي صحبة (ناصر) لنذهب جميعاً إلى حضور العرس.

أما عتيقة فقد تأخذ الأولاد وتذهب منذ الصباح لترافق العروس إلى الحلاق. ثم تبقى هناك لتقوم مع نساء أخريات بخدمة الضيوف وإعداد الطاولات.

كنت أشعر برغبةٍ في البقاء في سريري في ذلك الصباح، وعدم مغادرته قبل الظهر، ربما بسبب متاعب البارحة، وربما استعداداً للسهر والمتاعب الأخرى التي تنتظرني في ذلك اليوم..

وربما فقط لأنني لم أعد أدري أين يمكنني أن أذهب، بعدما قضيت أسبوعاً وأنا أهيم على وجهي في تلك المدينة التي كانت تتربّص بذاكرتي في كل شارع. وكنتِ تختبئين لي فيها خلف كل منعطف..

وجدت بعد تفكير قصير، أن السرير هو المكان الوحيد الذي يمكن أن أهرب منك إليه. أو على الأقل ألتقي فيه معك بلذّة وليس بألم.

ولكن..

هل سأجرؤ حقاً على استحضارك اليوم.. في هذه اللحظة التي كنت أدري أنك تتجمّلين فيها استعداداً لرجل آخر؟

هل سأجرؤ على استحضارك في هذا الصباح.. وهل سيغفر لك جسدي حقاً في لحظة نزوة كلّ خياناتك السابقة واللاحقة؟ كان ذلك جنوناً في جنون!!

ولكن أليس هذا الذي كنت تريدينه في النهاية، عندما قلت: "سأكون لك في تلك الليلة..".

كنت أشعر برغبة في امتلاكك في ذلك الصباح.
وكأنني أريد أن أسرق منك كل شيء، قبل أن أفتقدك إلى الأبد. فبعد اليوم لن تكوني لي، وستنتهي هذه اللعبة الموجعة الحمقاء التي لم تكن هوايتي قبلك.

موجعاً كان لقائي معك ذلك الصباح.
فيه كثير من الشراسة والمرارة الغامضة.
فيه كثير من الحقد والشهوة الجنونية.
لو كنتِ لي..
آه لو كنتِ لي ذلك الصباح.. في ذلك السرير الكبير الفارغ البارد دونك. في ذلك البيت الشاسع بذكريات الطفولة المبتورة.. وشهوة الشباب المكبوت الذي مر على عجل.

لو كنت لي.. لامتلكتك كما لم أمتلك امرأة هنا. لاعتصرتك بيدي الوحيدة في لحظة جنون. لحوّلتك إلى قطع.. إلى مواد أولية.. إلى بقايا امرأة.. إلى عجينة تصلح لصنع امرأة.. إلى أي شيء غيرك أنت، أي شيء أقلّ غروراً وكبرياءً.. أقلّ ظلماً وجبروتاً منك.

أنا الذي لم أرفع يدي الوحيدة في وجه امرأة، ربما كنت ضربتك ذلك اليوم حدّ الألم، ثم أحببتك حد الأم، ثم جلست إلى جوار جسدك أعتذر له..

أقبّل كل شيء فيك، أمحو بشفتيّ حمرة أطرافك المخضّبة بالحناء، لأوشّمك بشراسة القُبَل، عساك عندما تستيقظين تكتشفينني مرسوماً على جسدك كالوشم، بذلك اللون الأخضر الوحيد الذي لا يرسم إلا على الجسد!

من أين جاءني كلّ ذلك الجنون؟ أكنت أريد أن أنفرد بك وأمتلكك قبله، أم كنت أدري يومها بحدسٍ أو بقرارٍ مسبق أنني أنفق معك آخر رعشات اللذّة، وأنني سأضعك خارج هذا السرير بعد اليوم إلى الأبد؟

لم تكن مشكلتي معك مجرد شهوة. لو كانت لحسمتها يومها بطريقة أو بأخرى.
هنالك أكثر من امرأة هنا يمكن أن يمتلكها رجل دون جهد.

هنالك أكثر من باب نصف مفتوح ينتظر أن يفتحه رجل.

هناك جارات تتقاطع خطواتي بهنّ مراراً في هذه البيوت العربية المشتركة، وأدري رغبتهن السرية في الحب.

تعلمت مع الزمن، أن أفكّ رموز نظرات النساء المحتشمات.. والمبالغات في اللياقة والمفردات المؤدبة.

ولكنني كنت أتجاهل نظرتهن ودعوتهن الصامتة إلى الخطيئة.

لم أعد أدري اليوم.. إن كنت أتصرف كذلك عن مبدأ.. أم عن حماقة وشعور غامض بالغثيان؟

كنت في الواقع أشفق عليهن.. وأحتقر أزواجهن الذين يسيرون كالديوك المغرورة دون مبرر..
سوى أنهم يمتلكون في البيت دجاجة ممتلئة متشحّمة لم يقربها أحد ربما عن قرف!

أو أخرى شهيّة ومدجّنة حسب التقاليد ولا يتوقع صاحبها أنّ جناحيها القصيرين.. مازالا يمارسان القفز.. فطرياً!

يا لحماقة الديوك!

إذا كانت كل النساء عفيفات هنا، وشرف كل الرجال مصوناً، فمع من يزني هؤلاء إذن؟ وكلهم دون استثناء يتبجّح في المجالس الرجالية بمغامراته؟

أليس كل واحد منهم يضحك على الآخر.. ولا يدري أن هناك من يضحك عليه؟!

كم أكره ذلك الجو الموبوء بالنفاق.. وتلك القذارة المتوارثة.. بنزاهة!

يحدث عندما تتقاطع نظراتي بهنّ، أن أستعيد قولك مرة، عندما أبديت لك دهشتي مما جاء في روايتك الأولى.. ورحت أستجوبك بحثاً عن ذاكرة مشبوهة.

قلتِ:

"لا تبحث كثيراً.. لا يوجد شيء تحت الكلمات. إن امرأة تكتب هي امرأة فوق كل الشبهات.. لأنها شفافة بطبعها. إن الكتابة تطهّر مما يعلق بنا منذ لحظة الولادة.. أبحث عن القذارة حيث لا يوجد الأدب!"

وكانت القذارة المتوارثة أمامي في كل مكان، في عيون معظم النساء الجائعات لأي رجل كان.
في عصبية الرجال الذين يحملون شهوتهم تراكماً قابلاً للانفجار.. أمام أول أنثى.
ولكن كان عليّ أن أقاوم رغبتي الحيوانية ذلك اليوم. وألا أترك تلك المدينة تستدرجني إلى الحضيض.

فهنالك مبادئ لا يمكنني التخلّي عنها مهما حدث. كأن أعاشر امرأة متزوجة، تحت أي مبرر كان.

وربما كان هذا سر حزني الآخر. فقد كنت أدري أن مستحيلاً آخر قد أضيف إلى مستحيلات أخرى يومها، وأنك لن تكوني لي أبداً بعد اليوم.

لم أكن خجولاً من يدي اليمنى ذلك اليوم.

شعرت بشيء من الارتياح، وأنا أكتشف أنني برغم كل ما حلّ بي مازلت أحترم جسدي.

المهم في هذه الحالات، ألا نفقد احترام جسدنا ونحن نمنحه لأول عابر سبيل.

فأين يمكن أن نسكن بعد ذلك إن نحن أهنّاه.. وإن رفض أن ينسى ذلك؟

رميت فجأة بالغطاء، واتّجهت نحو النافذة وأشرعتها وكأنني أفتحها ليخرج طيفك منها إلى الأبد، ويدخل النور إلى تلك الغرفة.

في هذه المدينة المسكونة بالجنّ والسحرة، ماذا لو كنت جنّية تتسلل إليّ مع العتمة، تنام إلى جواري، تقصّ عليّ قصصاً عجيبة، تعدني بألف حلّ سحري لمأساتي.. ثم تختفي مع أول شعاع وتتركني لهواجسي وظنّي؟

هل خرج طيفك حقاً يومها من سريري.. من غرفتي وذاكرتي. وهرب من تلك النافذة؟ لا أدري!

أدري فقط أن قسنطينة، دخلت من تلك النافذة نفسها، التي قلّما فتحتها.

وإذا بالأذان يفاجئني من أكثر من مئذنة في آن واحد، ويسمّرني في مكاني أمام الأقدام المسرعة في كل الاتجاهات.

وكان جسر (سيدي راشد) يبدو بدوره منهمكاً في حركة دائمة كامرأة تستعد لحدثٍ ما.. مأخوذاً بهمومه اليومية، وبحماس نهايات الأسبوع.
وجدت في انشغاله عن حزني ذلك الصباح بالذات شيئاً شبيهاً بالخيانة.. وعدم العرفان بالجميل.

قررت بدوري ألا أجامله.. فأغلقت في وجهه وجهي.. ورَدَدْت النافذة..

وفجأة.. انتابتني رغبة جارفة للرسم. زوبعة شهوة الألوان.. تكاد توازي رغبتي الجنسية السابقة وتساويها عنفاً وتطرّفاً.

لم أعد في حاجة إلى امرأة.. شفيت من جسدي وانتقل الألم إلى أطراف أصابعي..
في النهاية لم يكن السرير مساحة للذّتي ولا لطقوس جنوني. وحدها تلك المساحة البيضاء المشدودة إلى الخشب كانت قادرة على إفراغي من ذاتي.

فيها أريد أن أصبّ الآن لعنتي، أبصق مرارة عمرٍ من الخيبات.
أفرغ ذاكرة انحازت للون الأسود.. مذ انحزت لهذه المدينة الملتحفة _حماقة_ بالسواد منذ قرون، والتي تخفي وجهها _تناقضاً_ تحت مثلث أبيض للإغراء.

سلاماً أيها المثلث المستحيل.. سلاماً أيتها المدينة التي تعيش مغلقة وسط ثالوثها المحرم ( الدين – الجنس – السياسة).

كم تحت عباءتك السوداء.. ابتلعت من رجال. فلم يكن أحد يتوقّع أن تكون لك طقوس مثلث (برمودا) وشهيته للإغراق..

كانت الأفكار الرمادية تتوالد في ذهني في ذلك الصباح. والغيظ يملؤني تدريجياً كلما تقدّمت الساعة واقترب وقت قدوم حسان وناصر لمرافقتي إلى ذلك البيت، لأحضر عرسك.
وكان غيظي وخيبتي قد شلا يدي ومنعاني حتى من أن أحلق ذقني أو أستعد لذلك الفرح المأتم.
كنت أذهب وأجيء فجأة في تلك الغرفة بعصبية مدمن تنقصه رشفة أفيونه.

كيف لم أتوقع أن أشعر بهذه الحاجة المرضيّة اليوم لإمساك فرشاة، وبهذه الرغبة الجارفة للرسم؟ تلك الرغبة التي لا تقاوم، والتي تصبح ألماً في أطراف الأصابع، وتوتراً جسدياً ينتقل من عضو إلى آخر؟

كنت أريد أن أرسم.. وأرسم.. حتى أفرغ من كل شيء. وأقع ميتاً.. أو مغمى عليّ إرهاقاً ونشوة.

من الأرجح أنني هذه المرة لن أرسم جسوراً ولا قناطر. ربما رسمت نساءً بملاءات سوداء.. ومثلثات بيضاء.. وعيون كاذبات، واعدات بفرح ما. فاللون الأسود لون كاذب في معظم الأحيان.. تماماً مثل اللون الأبيض.

وقد لا أرسم شيئاً، وأموت هكذا واقفاً، عاجزاً أمام لوحة بيضاء.

فهل أروع من أن نوقّع مساحة بيضاء ببياض، وننسحب على رؤوس الأصابع، مادمنا لم نوقّع شيئاً في النهاية، ووحدها الأقدار توقّع حياتنا، وتفعل بنا ما تشاء؟

لماذا التحايل على الأشياء إذن.. لماذا المراوغة؟

أما كنتِ لوحتي؟ ما فائدة أن أكون رسمتك ألف مرة، مادام آخر سيضع توقيعه عليك اليوم، سيضع بصماته على جسدك، واسمه جوار أوراقك الثبوتية؟

وماذا تفيد عشرات المساحات التي غطيتها بك، أمام سرير سيحتوي جسدك.. ويخلّد أنوثتك الأبدية؟

أيّ جدوى لما أرسمه.. إذا كان هناك دائماً من سيضع توقيعه نيابة عني كالعادة؟

***


في تلك اللحظة المتقدمة من اليأس، دقّ فجأة الهاتف، وأخرجني للحظة من وحدتي وهواجسي. فرحت أسرع نحو الغرف البعيدة الأخرى، لأردّ عليه.

كان حسان على الخط. سألني دون مقدمات:

- واش راك تعمل..؟

أجبته بشيء من الصدق:

- كنت غافياً شيئاً ما..

قال:

- حسناً إذن.. توقعت أن تكون جاهزاً وتنتظرني منذ مدة. كنت أريد أن أخبرك أنني قد أتأخر بعض الوقت. هنالك مشكل صغير يجب أن أحلّه.

سألته متعجباً:

- أيّ مشكل؟

قال:

- تصور بماذا طلع لي ناصر اليوم؟ إنه لا يريد أن يحضر عرس أخته..

قلت وأنا أزداد فضولاً:

- لماذا؟

قال:

- إنه ضد هذا الزواج.. ولا يريد أن يلتقي بالضيوف ولا بالعريس.. ولا حتى بعمّه!

كدت أقاطعه "معه حق".. ولكنني سألته:

- وأين هو الآن؟

قال:

- لقد تركته في المسجد. قال لي إنه يفضّل أن يقضي يومه هناك بدل أن يقضيه مع هؤلاء "القوّا..."!

ولأول مرة ضحكت من قلبي. ولم أستطع أن أمنع نفسي من التعليق بصوت عالٍ:

- رائع ناصر.. والله "نستعرف بيه".!

ولكن حسان قاطعني بصوتٍ فيه شيء من العتاب والعجب:

- واش بيك هبلت إنت تاني.. عيب.. شفت واحد ما يروّحش لعرس أختو.. واش يقولوا الناس..

- الناس.. الناس.. يقولوا واش يحبوا.. خلينا يا راجل يرحم والديك..

وقبل أن أقول له شيئاً قال:

- ابق في البيت إذن.. سأمر عليم حال ما انتهي. سنتحدث في هذا الموضع فيما بعد، فأنا أحدثك من مقهى، وحولي كثير من الناس (... على بالك..!).

ثم أضاف:

- ستجد في المطبخ أكلاً أعدّته لك عتيقة..

وضعت السماعة. وعدت إلى غرفتي.

لم أكن في حاجة إلى أكل. كنت فقط أشعر بشيء من الظمأ الصباحي، وبشيء من المرارة التي صار لها فجأة بعد ذلك الهاتف، مذاق السعادة الغامضة.

لقد ملأني موقف ناصر غبطة. شعرت أن هناك شخصاً آخر يشاركني حزني دون علمه، ويقف معي ضدّ هذا الزواج، ولكن على طريقته..

فحلٌ ناصر، جدير بأن يكون ابن سي الطاهر.

لم ألتقِ به بعد. ولكن أتوقع أن يكون (راسو خشين..) مثل أبيه. أن يكون عنيداً ومباشراً مثله.

وإذا كان فعلاً مثله فلن ينجح حسان أبداً في تغيير رأيه.
مازلت أذكر عناد سي الطاهر وقراراته النهائية دائماً، التي لا يمكن لأحد أن يزيحه عنها.

وقتها كنت أجد في تلك المواقف شيئاً من الدكتاتورية، وغرور القائد. ثم مع الزمن، أدركت أنه كان لا بد للثورة في أيامها الأولى من رجالٍ مثل سي الطاهر، بذلك العناد، وتلك الثقة المطلقة بالنفس، حتى يفرضوا رأيهم وسلطتهم على الآخرين، ليس حباً بالجاه والسلطة، إنما للمّ شمل الثورة وعدم ترك مجال للخلافات والاعتبارات الشخصية، وحتى لا تموت تلك الشعلة الأولى وتبعثرها الرياح..

عادت ذكرى سي الطاهر فجأة. في لحظة لم أحجزها له..

وعادت طلّته، موجعة كتلك الرصاصات التي أفرغوها في جسده يوماً، وأودت به قبل أن يشهد استقلال الجزائر بأشهر.

أين هو ليحضر هذا اليوم الاستثنائي الذي سيخلف موعده أيضاَ؟
أكان قدره أن يخلف فرحتين؟
رحل كما جاء، سابقاً لزمنه، وكأنه أدرك أنه لم يخلق للزمن الآتي. كنت أعي بشيء من المرارة، أن كلّ الذين أحبّوكِ لن يحضروا عرسك هذا.

سيتغيب عن فرحك كل الذين كنتِ فرحتهم. سي الطاهر وزياد.. وناصر أيضاً.

لماذا وحدي وقعت عليّ تلك القرعة، وقادتني الأقدار إليك؟

ولماذا استدرجتني حتى هنا، باسم الذاكرة والحنين.. وذلك الحب الجنوني المستحيل، وقلت تلك الجملة التي ملأت جيوب الأحلام وهماً.. "سأكون لك مادمنا في قسنطينة..".

كيف صدّقتك.. وجئت؟

وكنت أدري انك تكذبين، وتهدينني الغيوم البيضاء.. لصيف طويل. ولكن.. من يقاوم مطر الكذب الجميل؟
هنالك أكاذيب نحاول أن نصدّقها حتى نحرج النشرات الجوية. لكن عندما تنهطل الأمطار داخلنا.. من يجفف دمع السماء؟

في الواقع كنتِ امرأة ساديّة، وكنت أعرف ذلك.
أذكر ذلك اليوم الذي قلت لك فيه: "لو خلّف هتلر ابنة في هذا العالم.. لكنتِ ابنته الشرعية!".

ضحكتِ يومها. ضحكت.. ضحكة حاكم جبّار واثق من قوّته. وعلّقت أنا بسذاجة الضحية: "لا أدري ما الذي أوصلني إلى حبك، أنا الهارب من حكم الجبابرة.. أيمكن بعد هذا العمر أن أقع في حبّ امرأة طاغية..!".

ابتسمت فجأة.. ثم قلت بعد شيء من الصمت: "مدهش أنت عندما تتحدث، تفجّر فيّ أكثر من موضوع للكتابة.. سأكتب يوماً هذه الفكرة..".

اكتبيها إذن ذات يوم.. صحيح أنها تصلح لرواية!




في ذلك الصباح، كانت الخمرة ملجئي الوحيد، لأنسى خيبتي معك.

في تلك الغرفة التي يؤثثها سرير فارغ، ونافذة تطل على المآذن والجسور، وطاولة فارغة من لوازم الرسم، لم أجد لي من طوق نجاة سوى بضع أوراق وأقلام فقط، وزجاجة ويسكي أحضرتها لحسان قبل أن يتوب، ومازالت في حقيبتي تنتظر. فأحضرتها ورحت أشرب ذلك الصباح نخب زياد وسي الطاهر.. ونخب قسنطينة.

تذكّرت مسرحية أعجبت بها يوماً. فكتبت أعلى الصفحة، دون كثير من التفكير "كأسك يا قسنطينة".

وضحكت لهذا الدور الذي كان جاهزاً لي في هذه المدينة التي تمنع عنك الخمرة، وتوفر لك كل أسباب شربها.

لم أكن أدري وقتها، أنني كنت أخطّ خلاصة خيبتي كلمتين قد تصلحان عنواناً لهذا الكتاب، الذي ربما ولدت فكرته يومها.
كانت بي رغبة لتحديك وتحدّي هذه المدينة.. وهذا الوطن الكاذب.

رفعت كأسي الملآى بك.. نخب ذاكرتك التي تحترف مثله النسيان. نخب عينيك اللتين خلقتا لتكذبا.
نخب فرح الليلة الجاهز للبكاء.. نخب بكائي العاجز عن الدموع.
أنت التي صالحتني مع الله، وأعدتني يوماً إلى العبادة. ها أنت تخونينني ليلة جمعة.. تحلّين دمي، وتطلقين عليّ رصاص الغدر..

فلماذا لا أسكر اليوم.. من أكثرنا كفراً يا ترى!

في الواقع، لم تكن الخمرة هوايتي. كانت مشروب فرحي وحزني التطرف. ولذا ارتبطت بك وبتقلباتك الجنونية. ففي كل مرة شربت فيها كنت أؤرخ لحدثٍ ما في قصتنا التي لا تنتهي.

وها أنا أفتح على شرفك زجاجتي الأخيرة.. وأرتكب جنوني الأخير. فلا أعتقد أنني قد أسكر بعد اليوم. لأنني سأغسل يدي منك اليوم.. وأشيّعك على طريقتي.

وحده أمر ناصر يعنيني الآن، أخيك الذي يصلي في هذه اللحظة في أحد مساجد هذه المدينة، لينسى مثلي، أنهم سيتناوبون على وليمتك الليلة.. وأن هناك من سيتمتع بك في غفلةٍ منا..

في الواقع.. كنت أسكر نخبه.. لا غير!

إيه ناصر..

أنا.. وأنت.. وهذه المدينة.

مدينة تواطأت معنا في التطرف والجنون. مدينة "سادية" تتلذذ بتعذيب أولادها. حبلت بنا دون جهد. ووضعتنا كما تضع سلحفاة بحرية أولادها عند شاطئ وتمضي دون اكتراث، لتسلمهم لرحمة الأمواج والطيور البحرية..

"إفكروا.. وإلا الله لا يجعلكم تفكِّروا.." يقول "الفكرون" في ذلك المثل الشعبي وهو يتخلى عن أولاده.

وها نحن بلا أفكار.. نبحث عن قدرنا بين الحانات والمساجد.

ها نحن سلحفاة تنام على ظهرها. قلبوها حتى لا تهرب، قلبوها في محاولة انقلاب على المنطق..

فكم يشبه الميلاد الموت في المدن العريقة، حيث نولد ونموت وسط مجرى الهواء والرياح المضادة!

وما أكبر يتم السلاحف في هذه المدينة!

عندما جاء حسان بعد ذلك، وفاجأني جالساً أكتب أمام تلك الطاولة وأمامي زجاجة ويسكي نصف فارغة، كاد يشهق من العجب. وظل ينظر إلي مدهوشاً وكأنني بفتح تلك الزجاجة أخرجت له مارداً، أو جنّاً أطلقته في البيت.

حاولت أن أمازحه فسألته بسخرية:

- لماذا تنظر إليّ هكذا.. ألم ترَ زجاجة كهذه قبل اليوم؟

ولكنه دون أي رغبة في المزاح أخذ الزجاجة من أمامي، وذهب بها إلى المطبخ، وهو يسبّ ويتحدث لنفسه كلاماً لم يكن يصلني.

وعندما عاد قال لي بنبرة فيها شيء من اليأس وبقايا من متاعب ناصر:

- يا أخي واش بيكم.. البلاد متّخذة وأنتما واحد لاتي يصلي.. وواحد لاتي يسكر.. كيفاش نعمل معاكم؟

توقف سمعي عند ذلك التعبير الذي لم أسمعه منذ عدة سنوات "البلاد متّخذة" والذي يعني أن البلاد قائمة قاعدة.. أو تشهد حدثاً استثنائياً، والذي هو في الواقع تعبير جنسي محض.

ابتسمت وأن أكتشف مرة أخرى قدرة هذه المدينة على زجّ الصور الجنسية في كل شيء. وذلك ببراءة مدهشة..

رفعت عيني نحوه وقلت له بشيء من السخرية المرة:

- هذه هي الجزائر يا حسان.. البعض يصلّي.. والبعض يسكر.. والآخرون أثناء ذلك "ياخذوا في البلاد.."!

ولكن حسان لم يبدُ على استعداد للتمادي معي في النقاش.

ربما لأنه بعد ذلك الوقت الذي قضاه في إقناع ناصر لم يعد قادراً على المزيد من المناقشة. فقال وهو يقاطعني:

- سأذهب لأحضر لك القهوة، حتى تفيق وتطير عنك هذه السكرة.. ثم نتحدث. إن الناس ينتظروننا هناك وبعضهم لم يرَك منذ سنوات. يجب ألا تذهب إليهم في هذه الحالة!

عندما عاد بعد لحظات بالقهوة سألته:

- ماذا فعلت مع ناصر؟

قال:

- لقد وعدني أنه سيمر هناك وقت العشاء إرضاءً لخاطري فقط، ولكنه لن يمكث طويلاً. وبرغم ذلك أشك في أن يحضر فعلاً. لا أفهم عناده هذا.. إنه لا يملك سوى أخت واحدة في النهاية.. ولا يمكن ألا يقف في عرسها أمام الناس.

جنون!

كنت أحتسي تلك القهوة حتى يطير سكري، حسب تعبير حسان. ولكن كنت أشعر في الواقع أنني أزداد سكراً أو جنوناً، وأنا أستمع إليه.

كتلك اللحظة التي سألته فيها عن سبب مقاطعة ناصر لهذا العرس، وإذا بالحديث يجرّنا إلى أكثر من موضوع.

قال:

- إنه على خلاف مع عمه. فهو يعتقد أنه استفاد كثيراً من اسم سي الطاهر، وأنه قلّما اهتم بمصير زوجة أخيه وأولاده. وهذا العرس لا هدف له غير أسباب وصوليّة ومطامع سياسية محض.. فهو ضد اختيار عمه لهذا العريس السيئ الصيت سياسياً وأخلاقياً. فالجميع يتحدّث عن العمولات التي يتقاضاها في صفقاته المختلفة.. وعن حساباته في الخارج.. وعن عشيقاته الجزائريات.. والأجنبيات. إضافة إلى كون هذا الزواج زواجه الثاني، وأن له أولاداً يقارب عمرهم عمر عروسه الجديدة..

سألته:

- وهل تجد أنت هذا الزواج طبيعياً؟

قال:

- لا أدري بأي منطق تريد أن أحكم عليه. من المؤكد أنه بمنطق الأشياء عندنا زواج طبيعي. إنه ليس أول زواج من هذا النوع، ولن يكون الأخير.. إن لمعظم الرجال المهمّين هنا أكثر من عشيقة. وكلهم تخلّوا بطريقة أو بأخرى عن زوجاتهم وأولادهم، ليتزوجوا من عروس جديدة أصغر عمراً وأكثر جمالاً وثقافة من الأولى.. إنك لا تستطيع أن تمنع رجلاً عندنا زادوا له نجمة على أكتافه، من أن يزيد امرأة في بيته، أو تمنع رجلاً حصل على منصب جديد لم يحلم به، من أن يبدأ في البحث عن فتاة أحلامه.

وأضاف:

- أنا حاولت فقط أن أقنع ناصر أن عمه لم يقصد بالضرورة القضاء على مستقبل أخته بهذا الزواج. بل إن أي شخص سواه كان سيرحّب بهذه المصاهرة.. ويسعى إليها لاهثاً.. إنها الطريقة الوحيدة ليحل مشكلاته ومشكلات ابنته مرة واحدة، ويوفر عليها كثيراً من المتاعب..

سألته:

- لو كانت لك بنت وخطبها منك هذا الرجل، أكنت زوّجته منها؟

قال:

- طبعاً.. ولم لا؟ إن الزواج حلال.. الحرام هو ما يمارسه بعضهم بطرقٍ عصرية. كأن يرسل أحدهم ابنته أو زوجته.. أو أخته لتحضر له ورقة من إدارة، أو تطلب شقّة أو رخصة لمحل تجاري نيابة عنه، وهو يعلم أن لا أحد هنا يعطيك شيئاً بلا مقابل. لقد خلق البسطاء بأنفسهم عملة أخرى للتداول ويقضون بها حاجاتهم.. هات امرأة.. وخذ ما تشاء!

تمتمت بذهول:

- أحق ما تقول؟

أجاب:

- إنه ما يحدث الآن في أكثر من مدينة.. وفي العاصمة بالذات.. حيث يمكن لأي فتاة تمرّ بمكتب ما في الحزب أن تحصل على شقة أو خدمة أخرى.. والجميع يعرف العنوان طبعاً، ويعرف اسم من يوزّع الشقق والخدمات على النساء والشعارات على الشعب بالتساوي.. يكفي أن ترى منظر الفتيات اللاتي يدخلن هناك لتفهم كل شيء..

سألته:

- ومن أدراك بها؟

قال متذمراً:

- من؟ لقد سمعته بأذني وشاهدته بعيني يوم ذهبت هناك منذ بضعة أشهر لأقابل صديقاً موظّفاً في الحزب.. عساه يساعدني في الخروج من سلك التعليم. تصور.. حتى البواب لم يكلف نفسه مشقة الحديث إليّ.. وعبثاً رحت أشرح له أنني قادم من قسنطينة لهذا الغرض. وحدهن النساء كن جديرات بالعناية هناك.. وعندما أبديت تذمّري "للأخ الفرّاش" أجابني بشيء من العصبية، و"التشناف" أن معظم الزائرات موظفات في الاتحادات الحزبية.. أو مناضلات. وكدت أسأله وأنا أرى إحداهن تمر أمامي "بأي "عضو" ناضلن على التحديد..؟" ولكنني سكتّ.

إيه.. يا ولدي روح.. كل شي أصبح يمر بالنساء اليوم. بالسهرات.. المجالس الخاصة. ولذا لو كنت أملك الخيار لزوّجت ابنتي من واحد يمكنه بهاتف أن يأتيها بكل شيء. على أن أعطيها لواحد مثلي يعيش معها في البؤس كما أعيش أنا.. أو يدخل في هذه الحلقة القذرة.. ويبعثها تدقّ على مئة باب؟

ربما لاحظ وقتها آثار الصدمة المدهشة على ملامحي.. وتلك المرارة التي أسكتتني من الهول، عندما أضاف وكأنه يستدرك ليخفف من خيبتي:

- على كل حال.. لن يحدث هذا. حتى لو عرضت ابنتي على (سي....) فمن المؤكد أنه لن يقبل بها. إنهم لا يتزوجون إلا من بعضهم. ففلان لا يريد إلا بنت فلان، حتى "يبقى زيتنا في دقيقنا.!" ويضمنوا لأنفسهم التنقل من كرسي سلطة إلى آخر، فكيف تريد في هذا الجو أن يستطيع شابٌّ بسيط أن يبني حياته؟ كل البنات يبحثن عن المسؤولين والمديرين والرجال الجاهزين.. وهؤلاء يعرفون ذلك فيزيدون من شروطهم كل مرة.. بينما عدد العوانس يزيد كل يوم.. إنه قانون العرض والطلب.

إذا رأيت الأمور بهذه العين، فإنك حتماً تعذر سي الشريف. المهم أن يستر بنت أخيه، ويضمن لها ولنفسه مستقبلاً سعيداً قدر الإمكان.

أما كون العريس سارقاً وناهباً لأملاك الدولة.. فماذا تريد أن تفعل؟ كلهم سرّاق ومحتالون. هنالك من انفضحت أموره، وهنالك من عرف كيف يحافظ على مظهر محترم.. فقط!

أصبت بذهول وأنا أستمع إليه.

كدت أقول له إنه في النهاية على حق. وربما كان سي الشريف أيضاً على حقّ.. لا أدري.

ولكن كان هناك شيء ما في هذا الزواج، يرفض أن يدخل عقلي وأقتنع به .

 
 

 

عرض البوم صور lost in memories   رد مع اقتباس
قديم 27-01-07, 04:10 PM   المشاركة رقم: 17
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 7991
المشاركات: 259
الجنس أنثى
معدل التقييم: lost in memories عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 15

االدولة
البلدPalestine
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
lost in memories غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : lost in memories المنتدى : الادباء والكتاب العرب
افتراضي

 

الفصل السادس


لعرسك لبست بدلتي السوداء.
مدهش هذا اللون. يمكن أن يلبس للأفراح.. وللمآتم!
لماذا اخترت اللون الأسود؟
ربما لأنني يوم أحببتك أصبحت صوفياً، وأصبحتِ أنتِ مذهبي وطريقتي. وربما لأنه لون صمتي.
لكل لون لغته. قرأت يوما أن الأسود صدمة للصبر.
قرأت أيضاً أنه لون يحمل نقيضه. ثم سمعت مرة مصمم أزياء شهيراً، يجيب عن سر لبسه الدائم للأسود قال:

"إنه لون يضع حاجزاً بيني وبين الآخرين".

ويمكن أن أقول لك اليوم الكثير عن ذلك اللون. ولكني سأكتفي بقول مصمم الأزياء هذا.
فقد كنت في ذلك اليوم أريد أن أضع حاجزاً بيني وبين كل الذين سألتقي بهم، كل ذلك الذباب الذي جاء ليحط على مائدة فرحك.
وربما كنت أريد أن أضع حاجزاً بيني وبينك أيضاً.

لبست طقمي الأسود، لأواجه بصمت ثوبك الأبيض، المرشوش باللآلئ والزهور، والذي يقال إنه أعدّ لك خصيصاً في دار أزياء فرنسية..
هل يمكن لرسام أن يختار لونه بحياد؟
وكنت أنيقاً. فللحزن أناقته أيضاً. أكّدت لي المرآة ذلك. ونظرة حسان، الذي استعاد فجأة ثقته بي، وقال بلهجة جزائرية أحبها، وهو يتأملني: "هكذا نحبك آ خالد.. إهلكهم..!".

نظرت إليه.. كدت أقول له شياً.. ولكني صمتّ.

عند الباب المشرع للسيارات، وأفواج القادمين، استقبلني سي الشريف بالأحضان..

- أهلاً سي خالد.. أهلاً.. زارتنا البركة.. يعطيك الصحة اللي جيت.. راك فرحتني اليوم.

اختصرت ذلك الموقف العجيب مرة أخرى في كلمة. قلت:

- كل شيء مبروك..

وضعت قناع الفرح على وجهي. وحاولت أن أحتفظ به طوال تلك السهرة.

يمتلئ البيت زغاريد. ويمتلئ صدري بدخان السجائر التي أحرقها وتحرقني. يمتلئ قلبي حزناً. ويتعلم وجهي تلقائياً الابتسامات الكاذبة. فأضحك مع الآخرين. أجالس من أعرف ومن لا أعرف. أتحدث في الذي أدري والذي لا أدري. حتى لا أخلو بك لحظة واحدة.. حتى لا أفاجئك داخلي.. فأنهار.

أسلّم على العريس الذي يقبّلني بشوق صديق قديم لم يلتق به منذ مدة:

- هاك جيت للجزائر آ سيدي.. كان موش هاذا العرس.. ما كناش شفناك!

أحاول أن أنسى أنني أتحدث لزوجك، لرجل يتحدث إليّ مجاملة على عجل، وهو يفكر ربما في اللحظة التي سينفرد فيها بك في آخر الليل..

أتأمل سيجاره الذي اختاره أطول للمناسبة.. بدلته الزرقاء الحريرية التي يلبسها _أو تلبسه_ بأناقة من تعوّد على الحرير. أحاول ألا أتوقف عند جسده. أحاول ألا أتذكر. أتلهّى بالنظر إلى وجوه الحاضرين.

وتطلّين..

تدخلين في موكب نسائي، يحترف البهجة والفرح، كما أحترف أنا الرسم والحزن.

أراك لأول مرة، بعد كل أشهر الغيبة تلك، تمرين قريبة وبعيدة، كنجمة هاربة. تسيرين.. مثقلة الأثواب والخطى، وسط الزغاريد ودقّات البندير. وأغنية تستفزّ ذاكرتي، وتعود بي طفلاً أركض في بيوت قسنطينة القديمة. في مواكب نسائية أخرى.. خلف عروس أخرى.. لم أكن أعرف عنها شيئاً يومذاك.

آه كم كنت أحب تلك الأغاني التي كانت تزفّ بها العرائس، والتي كانت تطربني دون أن أفهمها. وإذا بها اليوم تبكيني!

"شرّعي الباب يا أم العروس.." يقال إن العرائس يبكين دائماً عند سماع هذه الأغنية.

تراك بكيت يومها؟

كانت عيناك بعيدتين.. يفصلني عنهما ضباب دمعي وحشد الحضور. فعدلت عن السؤال.

اكتفيت بتأمّلك، في دورك الأخير.

ها أنت ذي تتقدّمين كأميرة أسطورية، مغرية شهية، محاطة بنظرات الانبهار والإعجاب.. مرتبكة.. مربكة، بسيطة.. مكابرة.

ها أنت ذي، يشتهيك كل رجل في سرّه كالعادة.. تحسدك كل النساء حولك كالعادة..
وها أنذا _ كالعادة_ أواصل ذهولي أمامك.

وها هوذا "الفرقاني".. كالعادة.. يغنّي لأصحاب النجوم والكراسي الأمامية.

يصبح صوته أجمل، وكمنجته أقوى عندما يزفّ الوجهاء وأصحاب القرار والنجوم الكثيرة.
تعلو أصوات الآلات الموسيقية.. ويرتفع غناء الجوقة في صوتٍ واحد لترحب بالعريس:

"يا ديني ما أحلالي عِرسو.. بالعوادة..
الله لا يقطعلو عادة..
وانخاف عليه.. خمسة. والخميس عليه"

تعلو الزغاريد.. وتتساقط الأوراق النقدية.

ما أقوى الحناجر المشتراة. وما أكرم الأيدي التي تدفع كما تقبض على عجل!

ها هم هنا..

كانوا هنا جميعهم.. كالعادة.

أصحاب البطون المنتفخة.. والسجائر الكوبية.. والبدلات التي تلبس على أكثر من وجه.

أصحاب كل عهد وكل زمن.. أصحاب الحقائب الدبلوماسية، أصحاب المهمات المشبوهة، أصحاب السعادة وأصحاب التعاسة، وأصحاب الماضي المجهول.

ها هم هنا..

وزراء سابقون.. ومشاريع وزراء. سرّاق سابقون.. ومشاريع سرّاق. مديرون وصوليون.. ووصوليون يبحثون عن إدارة. مخبرون سابقون.. وعسكر متنكّرون في ثياب وزارية.

ها هم هنا..

أصحاب النظريات الثورية، والكسب السريع. أصحاب العقول الفارغة، والفيلات الشاهقة، والمجالس التي يتحدث فيها المفرد بصيغة الجمع.

ها هم هنا.. مجتمعون دائماً كأسماك القرش. ملتفون دائماً حول الولائم المشبوهة..
أعرفهم وأتجاهل معظمهم "ما تقول أنا.. حتى يموت كبار الحارة!"

أعرفهم وأشفق عليهم.

ما أتعسهم في غناهم وفي فقرهم. في علمهم وفي جهلهم. في صعودهم السريع.. وفي انحدارهم المفجع!

ما أتعسهم، في ذلك اليوم الذي لن يمدّ فيه أحد يده حتى لمصافحتهم.

في انتظار ذلك.. هذا العرس عرسهم. فليأكلوا وليطربوا. وليرشقوا الوراق النقدية. وليستمعوا للفرقاني يردد كما في كل عرس قسنطيني أغنية "صالح باي".

تلك التي مازالت منذ قرنين تُغنّى للعبرة، لتذكّر أهل هذه المدينة بفجيعة (صالح باي) وخدعة الحكم والجاه الذي لا يدوم لأحد..

والتي أصبحت تُغنّى اليوم بحكم العادة للطرب دون أن تستوقف كلماتها أحداً..

كانوا سلاطين ووزراء *** ماتوا وقبلنا عزاهمْ
نالوا من المال كُثرةْ *** لا عزّهم.. لا غناهُمْ
قالوا العرب قالوا *** ما نعطيوْ صالح ولا مالُو.."

أتذكر وأنا أستمع لهذه الكلمات، أغنية عصرية أخرى وصلتني كلماتها من مذياع بموسيقى راقصة.. تتغزّل بصالح آخر "صالح.. يا صالح.. وعينيك عجبوني..".

إيه يا قسنطينة، لكل زمن "صالحه".. ولكن ليس كل "صالح" باياً.. وليس كل حاكم صالحاً!

ها هوذا الوطن الآخر أخيراً أمامي.. أهذا هو الوطن حقاً؟

في كل مجلس وجه أعرف عنه الكثير. فأجلس أتأمّلهم، وأستمع لهم يشكون ويتذمّرون.

لا أحد سعيد منهم حسب ما يبدو.

المدهش أنهم هم دائماً الذين يبادرونك بالشكوى، وبنقد الأوضاع.. وشتم الوطن.

عجيبة هذه الظاهرة!

كأنهم لم يركضوا جميعاً خلف مناصبهم زحفاً على كل شيء. كأنهم ليسوا جزءاً من قذارة الوطن. كأنهم ليسوا سبباً في ما حلّ به من كوارث..

أسلِّم على (سي مصطفى). لقد أصبح وزيراً منذ ذلك اليوم الذي زارني فيه ليشتري مني لوحة. ورفضت أن أبيعه إياها.

لقد نجحت تكهّنات (سي الشريف) إذن، فقد راهن على حصان رابح..

أسأله مجاملة:

- واش راك سي مصطفى؟

فيبدأ دون مقدمات بالشكوى:

- رانا غارقين في المشاكل.. على بالك..!

تحضرني وقتها، مصادفة، مقولة لديغول: "ليس من حق وزير أن يشكو.. فلا أحد أجبره على أن يكون وزيراً!".

أحتفظ بها لنفسي وأقول له فقط..

- إيه.. على بالي..

نعم.. كنت (على بالي..) بتلك المبالغ الهائلة التي تقاضاها في كندا كعمولة لتجديد معدّات إحدى الشركات الوطنية الكبرى. ولكنني كنت أخجل أن أقول له ذلك، لأنني أدري أن الذين سبقوه إلى ذلك المنصب.. لم يفعلوا أحسن منه.

اكتفيت فقط بالاستماع إليه وهو يشكو، بطريقة تثير شفقة أي مواطن مسكين..

بينما كان حسان مشغولاً عني بالحديث مع صديق قديم.. كان أستاذاً للعربية.. قبل أن يصبح فجأة.. سفيراً في دولة عربية!

كيف حدث ذلك؟

يقال إنه ردّ دين.. وقضية "تركة" وصداقة قديمة تجمع ذلك الأستاذ بوالد إحدى الشخصيات.. وأنها ليست "الحالة الدبلوماسية" الوحيدة!

مثل (سي حسين) الذي أعرفه جيداً والذي كان مدير إحدى المؤسسات الثقافية، يوم كنت أنا مديراً للنشر. وإذا به بين ليلة وضحاها يعيّن سفيراً في الخارج.. بعدما طلعت رائحته في الداخل. فتكفلوا بلفّه بضعة أشهر وبعثه إلى الخارج مع كل التشريفات الدبلوماسية خلف علم الجزائر!

ها هوذا اليوم هنا.. في جوّه الطبيعي.

لقد استدعي إثر قضية احتيال وتلاعب بأموال الدولة في الخارج، ليعاد دون ضجيج إلى وظيفة حزبية.. ولكن على كرسي جانبي هذه المرة.

هنالك دائماً في هذه الحالات.. سلة مهملات شرفيّة!

في مجلس آخر، مازال أحدهم ينظّر ويتحدث وكأنه مفكّر الثورة وكل ما سيليها من ثورات. وإحدى ثورات هذا الشخص.. أنه وصل إلى الصفوف الأمامية في ظروف مشبوهة، بعدما تفرّغ لتقديم طالباته إلى مسؤول عجوز مولع بالفتيات الصغيرات..

هذا هو الوطن..

وها هو عرسك الذي دعوتني إليه. إنه "السيرك عمّار".. سيرك لا مكان فيه إلا للمهرّجين، ولمن يحترفون الألعاب البهلوانية.. والقفز على المراحل.. والقفز على الرقاب.. والقفز على القِيَم.

سيرك يضحك فيه حفنة على ذقون الناس، ويروّض فيه شعب بأكمله على الغباء.

فكم كان ناصر محقاً عندما لم يحضر هذا الكرنفال!

كنت أدري بحدسٍ ما أنه لن يحضر.. ولكن أين هو الآن.؟

تراه مازال يصلي في ذلك المسجد.. لكي لا يلتقي بهم. وهل تغيّر صلاته.. أو يغيّر سكري شيئاً؟

آه يا ناصر! كفّ عن الصلاة يا ابني. لقد أصبحوا يصلّون أيضاً ويلبسون ثياب التقوى. كفّ عن الصلاة.. وتعال نفكّر قليلاً. فأثناء ذلك ها هوذا الذباب يحطّ على كل شيء، والجراد يلتهم هذه الوليمة.

كلما تقدم الليل، تقدم الحزن بي، وتقدم بهم الطرب. وانهطل مطر الأوراق النقدية عند أقدام نساء الذوات، المستسلمات لنشوة الرق، على وقع موسيقى أشهر أغنية شعبية..

"إذا صاح الليل وَيْن انباتُو *** فوق فراش حرير ومَخدّاتُو.."

أمان.. أمان..

إيه آ الفرقاني غَنِّ..

لا علاقة لهذه الأغنية بأزمة السكن، كما قد يبدو من الوهلة الأولى. إنها فقط تمجيد لليالي الحمراء والأسرّة الحريرية التي ليست في متناول الجميع.

"ع اللي ماتوا.. يا عين ما تبكيش ع اللي ماتوا.."

أمان.. أمان.

لن أبكي.. ليست هذه ليلة لسي الطاهر.. ولا لزياد.

ليست للشهداء ولا للعشاق. إنها ليلة الصفقات التي يحتفل بها علناً بالموسيقى والزغاريد.

"خارجة من الحمّامْ بالريحيّةْ *** يا لِندراشْ للغير وإلا ليّ.."

أمان.. أمان.

لن أطرح على نفسي هذا السؤال. الآن أعي أنكِ للغير ولستِ لي. تؤكد ذلك الأغنيات، وذلك الموكب الذي يهرب بك، ويرافقك بالزغاريد إلى ليلة حبّك الشرعية.

وعندما تمرّين بي، عندما تمرين.. وأنت تمشين مشية العرائس تلك، أشعر أنكِ تمشين على جسدي، ليس "بالريحيّة" وإنما بقدميك المخضّبتين بالحناء.. وأن خلخالك الذهبي يدّق داخلي، ويعبرني جرساً يوقظ الذاكرة..

قفي..

قسنطينة الأثواب مهلاً! ما هكذا تمرّ القصائد على عجل!

ثوبك المطرّز بخيوط الذهب، والمرشوش بالصكوك الذهبية، معلّقة شعر كتبتها قسنطينة جيلاً بعد آخر على القطيفة العنابي. وحزام الذهب الذي يشد خصرك، لتتدفّقي أنوثة وإغراءً، هو مطلع دهشتي.
هو الصدر والعجز في كل ما قد قيل من شعرٍ عربيّ.
فتمهّلي..
دعيني أحلم أن الزمن توقّف.. وأنك لي. أنا الذي قد أموت دون أن يكون لي عرس، ودون أن تنطلق الزغاريد يوماً من أجلي.
كم أتمنى اليوم لو سرقت كل هذه الحناجر النسائية، لتبارك امتلاكي لك!
لو كنت "خطّاف العرائس" ذلك البطل الخرافي الذي يهرب بالعرائس الجميلات ليلة عرسهنّ، لجئتك أمتطي الريح وفرساً بيضاء.. وخطفتك منهم..

لو كنتِ لي.. لباركتنا هذه المدينة، ولخرج من كل شارع عبرناه وليّ يحرق البخور على طريقنا.. ولكن ما أحزن الليلة.. قسنطينة!
ما أتعس أولياءها الصالحين.. وحدهم جلسوا إلى طاولتي دون سبب واضح.. وحجزوا لذاكرتي الأخرى كرسيّاً أمامياً..

وإذا بي أقضي سهرتي في السلام عليهم واحدا واحدا..

سلاماً يا سيدي راشد..
سلاماً يا سيدي مبروك.. يا سيدي محمد الغراب.. يا سيدي سليمان.. يا سيدي بوعنّابة.. يا سيدي عبد المؤمن.. يا سيدي مسيد.. يا سيدي بومعزة.. يا سيدي جليس..

سلاماً يا من تحكمون شوارع هذه المدينة.. أزقّتها وذاكرتها.
قفوا معي يا أولياء الله.. متعب أنا هذه الليلة.. فلا تتخلوا عني.. أما كان منكم أبي؟

أبي يا "عيساوي" أباً عن جَد؟
أنت الذي كنت في تلك الحلقات المغلقة، في تلك الطقوس الطُرقيّة العجيبة، تغرس في جسدك ذلك السفود الأحمر الملتهب ناراً.. فيتخرق جسدك من طرفٍ إلى آخر، ثم تخرجه دون أن تكون عليه قطرة دم؟
أنت الذي كنت تمرّر حديده الملتهب والمحمّر كقطعة جمر، فينطفئ جمره من لعابك، ولا تحترق.

علّمني الليلة كيف أتعذّب دون أن أنزف.
علّمني كيف أذكر اسمها دون أن يحترق لساني.
علّمني كيف أشفى منها، أنت الذي كنت تردد مع جماعة "عيساوة" في حلقات الجذب والتهويل، وأنت ترقص مأخوذاً باللهب:

"أنا سيدي عيساوي.. يجرح ويداوي.."

من يداويني يا أبي.. من؟

وأحبها..

في هذه الساعة المتأخرة من الألم، أعترف أنني مازلت أحبها.. وأنها لي.
أتحدّى أصحاب البطون المنتفخة.. وذلك صاحب اللحية.. وذلك صاحب الصلعة.. وأولئك أصحاب النجوم التي لا تعدّ.. وكل الذين منحتهم الكثير.. واغتصبوها في حضرتي اليوم.

أتحداهم بنقصي فقط.
بالذراع التي لم تعد ذراعي، بالذاكرة التي سرقوها منّي، بكل ما أخذوه منّا.

أتحداهم أن يحبوها مثلي. لأنني وحدي أحبها دون مقابل.

وأدري أنه في هذه اللحظة، هناك من يرفع عنها ثوبها ذاك على عجل. يخلع عنها صيغتها دون كثير من الاهتمام ويركض نحو جسدها بلهفة رجل في الخمسين يضاجع صبية.

حزني على ذلك الثوب.. حزني عليه.

كم من الأيدي طرّزته، وكم من النساء تناوبن عليه، ليتمتع اليوم برفعه رجل واحد. رجل يلقي به على كرسي كيفما كان، وكأنه ليس ذاكرتنا، كأنه ليس الوطن.
فهل قدر الأوطان أن تعدّها أجيال بأكملها، لينعم بها رجل واحد؟

أتساءل الليلة.. لماذا وحدي تستوقفني كل هذه التفاصيل. وكيف اكتشفت الآن فقط، معنى كل الأشياء التي لم يكن لها معنى من قبل؟

أتراه عُشق هذا الوطن.. أم البعد عنه، هو الذي أعطى الأشياء العادية قداسة لا يشعر بها غير الذي حرم منه؟

ألأن المعايشة اليومية تقتل الحلم وتغتال قداسة الأشياء كان أحد الصحابة ينصح المسلمين بأن يغادروا مكة، حال انتهائهم من مراسيم الحج، حتى تبقى لتلك المدينة رهبتها وقداستها في قلوبهم، وحتى لا تتحول بحكم العادة إلى مدينة عادية يمكن لأي واحدٍ أن يسرق ويزني ويجور فيها دون رهبة؟

إنه ما يحدث لي منذ وطئت قدماي هذه المدينة. وحدي أعاملها كمدينة فوق العادة.

أعامل كل حجر فيها بعشق. أسلم على جسورها جسراً جسراً. أسأل عن أخبار أهلها، عن أوليائها وعن رجالها، واحداً.. واحداً..

أتأملها وهي تمشي، أتألها وهي تصلي، وتزني وتمارس جنونها ولا أحد يفهم جنوني وسرّ تعلّقي بمدينة يحلم الجميع بالهرب منها.

هل أعتب عليهم؟

هل يشعر سكان أثينا أنهم يمشون ويجيئون على ذاكرة التاريخ.. وعلى تراب مشت عليه الآلهة، وأكثر من بطل أسطوري؟

هل يشعر سكان الجيزة في بؤسهم وفقرهم، أنهم يعيشون عند أقدم معجزة، وأن الفراعنة مازالو بينهم، يحكمون مصر بحجرهم وقبورهم؟

وحدهم الغرباء الذين قرأوا تاريخ اليونان والفراعنة، في كتب التاريخ، يعاملون تلك الحجارة بقداسة، ويأتون من أطراف العالم لمجردّ الاقتراب منها.

تراني أطلت المكوث هنا، واقترفت حماقة الاقتراب من الأحلام حتى الاحتراق، وإذا بي يوماً بعد آخر، وخيبة بعد أخرى، أشفى من سلطة اسمها عليّ، وأفرغ من وهمي الجميل.. ولكن ليس دون الم؟
في هذه اللحظة، لا أريد لهذه المدينة أن تكون أكثر من رصاصة رحمة.

ولذا أتقبّل تلك الزغاريد التي انطلقت في ساعة متقدّمة من الفجر، لتبارك قميصك الملطّخ ببراءتك، كآخر طلقة نارية تطلقها في وجهي هذه المدينة، ولكن دون كاتم صوت.. ولا كاتم ضمير. فأتلقاها جامداً.. مذهول النظرات كجثة، بينما أرى حولي من يتسابق للمس قميصك المعروض للفرجة.

ها هم يقدمونك لي، لوحة ملطّخة بالدم، دليلاً على عجزي الآخر. دليلاً على جريمتهم الأخرى.
ولكنني لا أتحرك ولا أحتجّ. ليس من حق مشاهد لمصارعة الثيران، أن يغير منطق الأشياء، وينحاز للثور. وإلا كان عليه أن يبقى في بيته ولا يحضر "كوريدا" خلقت أساساً لتمجيد "الموتادور"!
شيء ما في هذا الجو المشحون بالزغاريد والزينة وموسيقى "الدخلة".. والهتافات أمام ثوب موقّع بالدم، يذكّرني بطقوس الكوريدا. وذلك الثور الذي يعدّون له موتاً جميلاً على وقع موسيقى راقصة يدخل بها الساحة، ويموت على نغمها بسيوفٍ مزيّنة للقتل، مأخوذاً باللون الأحمر.. وبأناقة قاتله!

من منّا الثور؟ أنتِ أم أنا المُصاب بعمى الألوان، والذي لا يرى الآن غير اللون الأحمر.. لون دمك؟

ثور يدور في حلبة حبّك، بكبرياء حيوان لا يهزم إلا خِدعة، ويدري أنه محكوم عليه بالموت المسبق.

الواقع أن دمك هذا يربكني، يحرجني، ويملأني تناقضاً.

أما كنت أتحرق دائماً لمعرفة نهاية قصتك معه، هو الذي أخذك مني، تراه أخذ منك كل شيء؟

سؤال كان يشغلني ويسكنني حد الجنون، منذ ذاك اليوم الذي وضعت فيه (زياد) أمامك. ووضعتك أمام قدرك الآخر.
تراك فتحت له قلاعك المحصّنة، وأذللت أبراجك العالية، واستسلمت لإغراء رجولته؟

تراك تركت طفولتك لي، وأنوثتك له؟

ها هو الجواب يأتيني بعد عام من العذاب. ها هو أخيراً لزج.. طريّ.. أحمر.. ورديّ.. عمره لحظات.

ها هو الجواب كما لم أتوقّعه، مقحماً، محرجاً، فلِمَ الحزن؟

ما الذي يؤلمني الأكثر هذه الليلة.. أن أدري أنني ظلمت زياداً بظني، وأنه مات دون أن يتمتع بك، وأنه في النهاية كان هو الأجدر بك الليلة؟
أم أن تكوني فقط، مدينة فتحت اليوم عنوة بأقدام العسكر، ككل مدينة عربية؟

ما الذي يزعجني أكثر الليلة؟ أن أكون قد عرفت لغزك أخيراً، أم كوني أدري أنني لن أعرف عنك شيئاً بعد اليوم، ولو تحدّثت إليك عمراً، ولو قرأتك ألف مرة؟

أكنتِ عذراء إذن، وخطاياك حبر على ورق؟

فلماذا أوهمتني إذن بكل تلك الأشياء؟ لماذا أهديتني كتابك وكأنك تهدينني خنجراً للغيرة؟
لماذا علّمتني أن أحبكِ سطراً بعد سطر.. وكذبة بعد أخرى.. وأن أغتصبك على ورق!

فليكن..

عزائي اليوم، أنك من بين كل الخيبات.. كنت خيبتي الأجمل.

***


يسألني حسان: لماذا أنت حزين هذا الصباح؟

أحاول ألا أسأله: ولماذا هو سعيد اليوم؟

أدري أن غياب ناصر ومقاطعته البارحة للعرس، قد عكّر نوعاً ما مزاجه. ولكنه لم يمنعه من أن ينسجم مع أغاني "الفرقاني"، وأن يضحك.. ويحادث كثيراً من الناس الذين لم يلتق بهم من قبل.

كنت ألاحظه. وكنت سعيداً شيئاً ما، لسعادته الساذجة تلك.

كان حسان سعيداً أن تُفتح له أخيراً تلك الأبواب التي قلما تفتح للعامة، وأن يدعى لحضور ذلك العرس الذي يمكنه الآن أن يتحدث عنه في المجالس لأيام؛ ويصفه للآخرين الذين سيلاحقونه بالأسئلة، عن أسماء من حضروا وما قُدِّم من أطباقي.. وما لبست العروس..
ويمكن لزوجته أيضاً أن تنسى أنها استعارت صيغتها والثياب التي حضرت بها العرس من الجيران والأقارب، وتبدأ بدورها في التفاخر على الجميع بما رأته من بذخٍ في ذلك العرس، وكأنها أصبحت فجأة طرفاً فيه، فقط لأنها دعيت للتفرّج على خيرات الآخرين.

قال فجأة:

- إن سي الشريف يدعونا غداً للغداء عنده. لا تنسَ أن تكون في البيت وقت الظهر لنذهب معاً..

قلت له بصوت غائب:

- غداً سأعود إلى باريس.

صاح:

- كيف تعود غداً.. ابقَ معنا أسبوعاً آخر على الأقلّ.. ما الذي ينتظرك هناك؟

حاولت أن أوهمه أن لي بعض الالتزامات، وأنني بدأت أتعب من إقامتي في قسنطينة.

ولكنه راح يلحّ:

- يا أخي عيب.. على الأقل احضر غداء سي الشريف غداً ثم سافر..

أجبته بلهجة قاطعة لم يفهم سببها:

- فرات.. غدوة نروّح.

كان يحلو لي أن أحدّثه بلهجة قسنطينية. كنت أشعر مع كل كلمة ألفظها، أنه قد يمر وقت طويل قبل أن ألفظها مرة أخرى.

قال حسان وكأنه يقنعني بضرورة عدم رفض تلك الدعوة:

- والله سي الشريف ناس ملاح.. مازال برغم منصبه وفيّاً لصداقتنا القديمة. أتدري أن البعض يقول هنا إنه قد يصبح وزيراً. ربما يفرجها الله علينا في ذلك اليوم على يده..

قال حسان هذه الجملة الأخيرة بصوت شبه خافت، وكأنه يقولها لنفسه..

مسكين حسان!

مسكين أخي الذي لم يفرجها الله عليه بعد ذلك. أكان من السذاجة بحيث يجهل أن ذلك العرس هو صفقة لا غير، وأن سي الشريف لا بدّ أن يتلقّى شيئاً ما مقابله. نحن لا نصاهر ضبّاطاً من الدرجة الأولى.. دون نوايا مسبقة.

أما بالنسبة لما يمكن أن يربح حسان من وراء منصب سي الشريف المحتمل.. فمجرد أوهام.

المؤمن يبدأ بنفسه، وقد تمر سنوات قبل أن يصل دور حسان.. وينال بعض ما يطمح إليه من فتات.

سألته مازحاً:

- هل بدأت تحلم أن تصبح أنت أيضاً سفيرا؟

قال وكأن السؤال قد جرحه نوعاً ما:

- يا حسرة يا رجل.. "اللي خطف.. خطف بكري.." أنا لا أريد أكثر من أن أهرب من التعليم، وأن أستلم وظيفة محترمة في أيّة مؤسسة ثقافية أو إعلامية، أية وظيفة أعيش منها أنا وعائلتي حياة شبه عادية.. كيف تريد أن نعيش نحن الثمانية بهذا الدخل؟. أنا عاجز حتى عن أن أشتري سيارة. من أين آتي بالملايين لأشتريها؟. عندما أتذكّر تلك السيارات الفخمة التي كانت مصطفّة أمس في ذلك العرس، أمرض وأفقد شهية التعليم. لقد تعبت من هذه المهنة، أنت لا تشعر بأية مكافأة مادية أو معنوية فيها. لقد تغيّر الزمن الذي "كاد فيه المعلم أن يكون رسولاً".. اليوم حسب تعبير زميل لي "كاد المعلم أن يكون (شيفوناً) وخرقة لا أكثر.

لقد أصبحنا ممسحة للجميع. فالأستاذ يركب الحافلة مع تلاميذه. و "يدزّ" و "يطبّع" مثلهم. ويشتمه الناس أمامهم. ثم يعود مثل زميلي هذا، ليعدّ دروسه ويصحّح الامتحانات في شقّة بغرفتين، يسكنها ثمانية أشخاص وأكثر.

بينما هناك من يملك شقّتين وثلاثاً بحكم وظيفته أو واسطاته.. يمكنه أن يستقبل فيها عشقياته أو يعير مفاتيجها لمن سيفتح له أبواباً أخرى.

صحّة عليك يا خالد.. أنت تعيش بعيدا عن هذه الهموم، في حيّك الراقي بباريس.. ما على بالكش واش صاير في الدنيا.!

آه حسان.. عندما أذكر حديثنا ذلك اليوم، تصبح المرارة غصّة في الحلق، تصبح جرحاً، تصبح دمعا، تصبح ندماً وحسرة.

كان يمكن أن أساعدك أكثر، صحيح.

كنت تقول: "اطلب شيئاً يا خالد مادمت هنا، ألست مجاهداً؟ ألم تفقد ذراعك في هذه الحرب؟ اطلب محلا تجارياً.. اطلب قطعة أرض.. أو شاحنة، إنهم لن يرفضوا لك شيئاً. هذا حقك. وإذا شئت دعه لي لأستفيد منه وأعيش عليه أنا وأولادي.. أنت يحترمونك ويعرفونك، وأما أنا فلا يعرفني أحد. إنه جنون ألا تأخذ حقك من هذا الوطن. إنهم لا يتصدّقون عليك بشيء. أكثر من واحد يحمل شهادة مجاهد وهو لم يقم بشيء في الثورة. أنت تحمل شهادتك على جسدك.."

إيه حسان.. لم تكن تفهم أن هذا هو الفرق الوحيد بيني وبينهم. لم تكن تفهم أنه لم يعد ممكناً اليوم، بعد كل هذه السنوات، وكل هذا العذاب، أن أطأطئ رأسي لأحد.. ولو مقابل أية هبة وطنية.

ربما كنت فعلت هذا بعد الاستقلال. ولكن اليوم مع مرور الزمن، أصبح ذلك مستحيلا.
لم يبق من العمر الكثير أخي. لم يبق من العمر الكثير، لأطأطئ رأسي قبل الموت.

أريد أن أبقى هكذا أمامهم، مغروساً كشوكة في ضميرهم. أريد أن يخجلوا عندما يلتقوا بي، أن يطأطئوا هم رؤوسهم ويسألوني عن أخباري، وهم يعرفون أنني أعرف كل أخبارهم، وأنني شاهد على حقارتهم.

آه لو تدري حسان!

لو تدري لذّة أن تمشي في شارع مرفوع الرأس، أن تقابل أيّ شخص بسيط أو هامّ جداً، دون أن تشعر بالخجل.

هناك من لا يستطيع اليوم أن يمشي خطوتين على قدميه في الشارع، بعدما كانت كل الشوارع محجوزة له. وكان يعبرها في موكب من السيارات الرسمية.

لم أقل شيئاً لحسان. وعدته فقط كمرحلة أولى أن أشتري له سيارة. قلت له: "تعال معي، واختر سيارة تناسبك. تأخذها معك من فرنسا. لا أريد أن تعيش هكذا في هذه الحالة بعد اليوم..".

فرح حسان يومها كطفل. شعرت أن ذلك كان حلمه الكبير الذي كان عاجزاً عن تحقيقه، وعاجزاً عن طلبه مني. ولكن كيف لي أن أعرف ذلك وأنا لم أزره منذ سنوات؟

عندما أذكر حسان اليوم، وحدها تلك الالتفاتة تبعث في قلبي شيئاً من السعادة، لأنني أسعدته بعض الوقت، ومنحته راحة لبضع سنوات.
سنوات.. لم أكن أتوقع أن تكون الأخيرة.

عاد حسان إلى موضوعه قال:

- هل أنت مصر حقاً على السفر غداً؟

قلت له:

- نعم.. من الأرجح أن أسافر غداً..

قال:

- إذن لا بد أن تطلب سي الشريف اليوم، لتعتذر منه. فقد يسيء تفسير موقفك.. ويأخذ على خاطره..

فكرت قليلاً فوجدته على حقّ. قلت لحسان:

- اطلب لي رقم سي الشريف لأعتذر إليه..

كنت أتوقع أن تتوقف الأمور هناك. ولكن سي الشريف راح يرحّب بي.. ويحرجني بلطفه، ويلحّ لأحضر لزيارته ولو في ذلك الحين..

قال:

- تعال إذن وتغدّ معنا اليوم.. المهم أن نراك قبل أن تسافر.. ثم يمكنك أن تقدم هديتك بنفسك للعروسين قبل أن يسافرا أيضاً هذا المساء..

لم يكن هناك من مخرج. وجدت نفسي مرة أخرى، أواجه قدري معك. أنا الذي قررت السفر على عجل، حتى أنتهي من العيش في هذه الأجواء التي كانت تدور كلها بطريقة أو بأخرى حولك.

ها أنا مرة أخرى ألبس بدلتي السوداء نفسها، أحمل لوحة توقّفت أمامها يوماً وكانت سبب كل ما حلّ بي بعد ذلك. وأذهب مع حسان إلى الغداء..

ها هما قدماي تقودانني مرة أخرى نحوك. كنت أدري أنني سألتقي بكِ هذه المرة. كان هناك حدس مسبق يشعرني أننا لن نخلف هذا الموعد اليوم.

ما الذي قاله سي الشريف ذلك اليوم؟ ما الذي قلته ومن قابلت من الناس؟ وماذا قدم لنا من أطباق على تلك السفرة.. لم أعد أذكر.

كنت أعيش لحظات حبك الأخيرة. ولم يكن يهمني شيء في تلك اللحظة، سوى أن أراك.. وأن أنتهي منك في الوقت نفسه!

ولكن.. كنت أخاف حبك. كنت أخاف أن يشتعل حبك من رماده مرة أخرى. فالحب الكبير، يظلّ مخيفاً حتى في لحظات موته.. يظلّ خطراً حتى وهو يحتضر.

وجئت..

أكثر اللحظات وجعاً، أكثر اللحظات جنوناً، أكثر اللحظات سخرية، كانت تلك التي وقفت فيها لأسلم عليكِ، وأضع على وجنتيك قبلتين بريئتين، وأنا أهنئك بالزواج، مستعملاً كل المفردات اللائقة بذلك الموقف العجيب.

كم كان يلزمني من القوة، من الصبر ومن التمثيل، لأوهم الآخرين أنني لم ألتقِ بك قبل اليوم، سوى مرّة عابرة، وأنكِ لم تكوني المرأة التي قلبت حياتي رأساً على عقب؟
المرأة التي تقاسمني سريري الفارغ منذ عدة أشهر، والتي كانت حتى البارحة.. لي!

كم كان يلزمني من التمثيل، لأهديك تلك اللوحة، دون أي تعليق إضافي، دون أية إشارة توضيحية، وكأنها لم تكن اللوحة التي بدأت بها قصتي معك منذ خمس وعشرين سنة.

وكم كنتِ مدهشة أنتِ في تمثيلك، وأنتِ تفتحينها وتلقين نظرة معجبة عليها، وكأنك ترينها لأول مرة! فلا أستطيع إلا أن أسألك يتواطؤ سري جمعنا يوماً:

هل تحبين الجسور؟

ويخيم بيننا فجأة صمت قصير، يبدو لي طويلاً كلحظة تسبق حكماً بالإعدام.. أو العفو.

قبل أن ترفعي عينيك نحوي وينزل حكمكِ عليّ:

- نعم أحبها!

كم من السعادة منحتني لحظتها في كلمتين!

شعرت أنك تبعثين لي آخر إشارة حبّ.

شعرت أنك تهديني أكثر من مشروع لوحة قادمة. أكثر من ليلة وهمية.. وأنك رغم كل شيء ستظلّين وفيّة لذاكرتنا المشتركة.. ولمدينة تواطأت معنا، ومدّت كل هذه الجسور.. لتجمعنا.

ولكن.. أكنت حبيبتي حقاً؟ في تلك اللحظة التي كان رجل آخر فيها إلى جوارك. يلتهمك بعينين لم تشبعهما ليلة حب كاملة، في تلك اللحظة التي كان فيها الحديث يدور حول المدن التي ستزورينها في شهر العسل، وكنت أنا أشيّعك بصمت، لسفرك الأخير عن قلبي..


لقد كانت تلك هزيمتك الأولى معي.. انتهى كل شيء إذن. ها أنا قابلتك أخيراً، أكان هذا اللقاء يستحق كل ذلك الانتظار، كل ذلك الألم؟

كم كان حلمي به جميلاً! وكم هو اليوم مدهش ومسطّح في واقعه! كم كان مليئاً بانتظارك، وكم هو فارغ.. موجع بحضورك!

أكانت نصف النظرة التي تبادلناها بين نظرتين، تستحق كل ذلك الوجع، كل ذلك الشوق والجنون؟

تريدين أن تقولي لي شياً، وتتلعثم الكلمات.. تتلعثم النظرات.

لقد نسيت عيناك الحديث إليّ.. ولم أعد أعرف فكّ رموزك الهيروغليفية.
فهل عدنا يومها إلى مرتبة الغرباء، دون أن ندري؟
افترقنا..
قبلتان أخيرتان على وجنتيك. نظرة.. نظرتان.. وكثير من التمثيل، وألم سري صامت.

تبادلنا جميعاً كلمات المجاملة والتهاني والشكر الأخير.

تبادلنا عناويننا، بعدما أصرّ زوجك على أن يعطيني رقم هاتفه في البيت وفي المكتب في حالة ما احتجت إلى شيء.

وانصرفنا كل بوهمه.. وقراره المسبق.

عندما عدت إلى البيت بعد ذلك، نظرت طويلاً إلى تلك البطاقة التي كنت أتحسّسها طوال الطريق بشيء من الذهول.. ومذاق ساخر للمرارة. وكأنك انتقلت معها من قلبي إلى جيبي تحت اسم ورقم هاتفي جديد.

ودون كثير من التردد.. أو التعمّق في التفكير، قرّرت أن أمزّقها فوراً، مادمت أملك القدرة على ذلك، ومادمت مصمماً على أن ينتهي كل شيء هنا في قسنطينة.. كما أردتِ يوماً، وكما أصبحت أريد أنا اليوم.

***

The End

 
 

 

عرض البوم صور lost in memories   رد مع اقتباس
قديم 27-01-07, 04:15 PM   المشاركة رقم: 18
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 7991
المشاركات: 259
الجنس أنثى
معدل التقييم: lost in memories عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 15

االدولة
البلدPalestine
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
lost in memories غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : lost in memories المنتدى : الادباء والكتاب العرب
افتراضي

 

تمت والحمد لله انشاء الله تنال اعجابكم وتستمتعوا بقراءتها متلي:) ممممم وبس
byoooossshh :)
enjoy & have fun

 
 

 

عرض البوم صور lost in memories   رد مع اقتباس
قديم 19-10-08, 04:20 PM   المشاركة رقم: 19
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2006
العضوية: 13121
المشاركات: 14,011
الجنس ذكر
معدل التقييم: dali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسي
نقاط التقييم: 4990

االدولة
البلدCuba
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
dali2000 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : lost in memories المنتدى : الادباء والكتاب العرب
افتراضي

 

تم إضافة رابط لتنزيل الرواية من قبل مجموعة الطوارئ

 
 

 

عرض البوم صور dali2000   رد مع اقتباس
قديم 22-12-08, 09:37 PM   المشاركة رقم: 20
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Nov 2008
العضوية: 104657
المشاركات: 6
الجنس ذكر
معدل التقييم: salt_icecream عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدSyria
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
salt_icecream غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : lost in memories المنتدى : الادباء والكتاب العرب
افتراضي

 

عفوا , لكن اين الرابط؟

 
 

 

عرض البوم صور salt_icecream   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
2004, أحلام مستغانمي, مؤسسة الفرات, ذاكرة الجسد
facebook




جديد مواضيع قسم الادباء والكتاب العرب
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 10:10 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية