لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

قصص من وحي قلم الاعضاء قصص من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-05-22, 07:25 PM   المشاركة رقم: 6
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2019
العضوية: 333794
المشاركات: 25
الجنس أنثى
معدل التقييم: مخمل الرجاء عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 74

االدولة
البلدAlgeria
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
مخمل الرجاء غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : مخمل الرجاء المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: رواية دفء وجمود

 

قراءة مفيدة وممتعة للجميع
لا تنسوا التعليق والمشاركة مع الأصدقاء
دمتم في أمان الله وحفظه

 
 

 

عرض البوم صور مخمل الرجاء   رد مع اقتباس
قديم 16-05-22, 08:28 PM   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2019
العضوية: 333794
المشاركات: 25
الجنس أنثى
معدل التقييم: مخمل الرجاء عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 74

االدولة
البلدAlgeria
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
مخمل الرجاء غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : مخمل الرجاء المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي الفصل الثالث

 



الفصل الثالث
ـــــــ



بعد شهرين

فوضى، ضجيج، صور متداخلة، أشجار عالية، عناق تتلوه طعنة، وها بوجه مسود تعلوه ملامح ميت يهمس بفحيح:
ــ ذؤيب، اقتلني

أنا ذؤيب، أستيقظ فزعا بعينين جاحظتين ونفس متسارع لأنظر حولي بارتياب، الجدران الكئيبة والأثاث الساكن، كل هذا لم يتغير، أنا في غرفتي، لقد كان مجرد كابوس، آخذ نفسا عميقا مغط وجهي براحة يدي محاولا تمالك أعصابي

أعتدل في جلوسي لأستكمل الأعمال المكتبية التي قاطعتها الغفوة البائسة، هذه الأعمال تجعلني أشعر بكم هائل من الممل والضجر لكنها تبقى الحل الأفضل للهروب من الفراغ وما يرافقه من الأفكار السوداوية

دقائق لا يُسمَع فيها شيء غير خربشة القلم وصوت الضرب على أزرار لوحة المفاتيح، فجأة تبدأ الإضاءة في البريق .. النور ينقطع ويعود بسرعة، أرفع نظري للمصباح باستنكار، ألم يصلح أمزيان العطل بعد؟ أبلع ريقي لأعود لعملي متأكدا من أن الأمر لن يستمر على وضعه، تمر الثواني بشكل ثقيل، ليعود نفسي للتسارع جاعلا صدري يرتفع ويهبط بشكل ملحوظ، سيل من العرق يأخذ مجراه على وجهي، القلم لا يكاد يثبت بسبب ارتعاش يدي الشديد، والبريق لايزال على حاله

ــ ذؤيب، اقتلني

ينقبض قلبي فور سماعي لهذا الهمس، أنظر حولي لأجد الجدران تحمل ذاك الوجه البائس وتضيق علي الغرفة، أنهض من مكاني سريعا، أمد يدي للدرج مخرجا نظارتي الخاصة وأندفع بأقصى سرعة خارج المكان مغلقا الباب خلفي بكل قوة قبل أن تتبعني تلك الوجوه

أستند على الجدار بتعب لأضبط إعدادات النظارة .. إنها نظارة خاصة تخصص لي مستوى إنارة مناسب كوني أكره الظلام وأعاني من حساسية اتجاه الإنارة المرتفعة.. أتحسس حلقي الذي أصبح ينافس البيداء في الجفاف، مضى وقت طويل على عيش هذه الأجواء الكريهة، بئسا لك أمزيان لما لم تصلح الإنارة؟ من سيجعلني أنسى وجه راشد الآن

أستمر في شتم أمزيان وراشد لأفعل المثل للمهندس الذي صمم هذا المنزل الضخم وسط سيري نحو المطبخ من أجل شرب الماء، لما الرواق طويل لهذه الدرجة؟ رأسي يبدأ في الطنين ليشتد الألم مع كل خطوة أخطوها، أتوقف عن التقدم في محاولة لاستجماع قواي ليقع نظري على الإطار الضخم المعلق على جدار الرواق، تحديدا على وجه الشاب المبتسم بهدوء، راشد .. بئسا لك بئسا لك وبئسا لك للأبد، لو عدت للحياة حقا فسأحرص على قتلك بيدي المجردتين، فقط ما الذي تستفيده من إزعاجي بهذه الطريقة

أشد على قبضتي بغضب شديد ناويا لكم الجدار لكن صوت أنثوي يوقفني بقوله:

ــ راشد أخي المغدور، أهلك الله قاتلك وجعله يتلوى بين لهب جهنم وبئس المصير


*


أنا دميتري، أضرب على كتف دانيال بفخر معرفا الجميع إياه:

ــ وكما أخبرتكم جميعا فهذا الفتى معجزتنا الجديدة، رغم وجهه البريء إلا أنه يصبح قطة شرسة في أرض المعركة، رأيته بأم عينيّ وهو يطلق النار على ثلاثة رجال في أقل من ثانيتين

تظهر علامات الدهشة على بقية أفراد العصابة، نحن مجتمعين في قاعة الحفلات وسط الأغاني الصاخبة والأكلات اللذيذة، إنها حفلة أقامها الرئيس بسبب مرور عشرون عاما على توليه منصب القيادة، ينسحب دانيال ببطء مبتعدا عنا ليستأذن قائلا:

ــ أعتذر على سلوكي الوقح لكنني أريد الخروج للحديقة والراحة من هذه الأصوات الصاخبة، قرأت تقريرا طبيا يقول أنها
مضرة للصحة فقد تؤدي لفقدان حاسة السمع

ــ حاسة السمع؟ متأكد من أنك لو لم تفقدها عند سماعك لصراخ وعويل ضحاياك فلن يفقدك إياها شيء آخر، على كل حال تستطيع الذهاب، أنت تستحق التدليل بعد إنجازاتك الرائعة، لا أذكر أن هناك غيرك من أصبح عضوا رسميا بالعصابة في شهرين فقط

أقولها بإطراء لأضرب ظهر دانيال الذي غادر وتعبيراته الخجولة لا تفارقه، يقترب ماكس نحوي بعدما ابتعدت عن بقية الأعضاء المشغولون بالدردشة، يقول ببرودة:

ــ يبدو أنك وقعت في حب المستجد، أنت لا تكف عن الإطراء مع أن هذا ليس من عادتك

ــ هل هذا واضح؟ لا تقل أنك غيور، لكن ألم تعجب به؟ إنه رائع حقا، حتى أنا لا أجيد التعامل مع الأسلحة بهذه الطريقة

ــ قابلتُ الأفضل منه بالفعل

ــ حسنا أنت محق ماكس، لكن بالنسبة لشخص بشخصيته .. لا لم يمر علي أحد مثله .. المتميزون كثيرا ما يكونون مختلين نفسيا مثلك لا خجلين يستمرون في الانحناء والتماس الأعذار

يرفع ماكس حاجبه بعد كلامي لأردف مستمرا في استفزازه:

ــ أنا أتكلم بجدية، ذوي الأقنعة الكثيرة مختلون نفسيا، لا أصدق أن هناك شخص طبيعي يستطيع العمل مع الكثير من الأطراف وإظهار الولاء لهم دون أن يُكتَشَف، الجواسيس والممثلين هم الأسوء

ــ من يهتم، الأهم أننا نحصل على المرتب الأفضل، لا أظن أن هذا يخفى عليك يا صاحب المسدس النظيف

يجيبني مستفزا إياي، صاحب المسدس النظيف؟ هذا المسمى الذي أطلقه علي الرئيس بعد نومي في إحدى المهام وعدم إطلاق النار على ضحيتنا، لقد كانت فضيحة أكره تذكرها، أنا دميتري، رغم أن منصبي الحالي هو مقاتل من المسافات البعيدة إلا أني أكره عملي حقا، فميزتي الرئيسية هي القتال من المسافات القريبة لكن الرئيس أمرني بأخذ عمل آخر بسبب نقص الأيدي العاملة في هذا المنصب، لا أستغرب كره الأعضاء له، من الممل حقا البقاء لساعات في مكان بعيد عن موقع حدوث العملية ورؤية الجميع يستمتع ويسفك الدماء بينما أنت تحرسهم لا غير

أجهز جملتي لرد استفزازه لكنه يصدمني بتصريحه:

ــ لقد وجدت وثائقا بمكتب جيفري تحمل تواقيع العميل بِين، بين الوغد، إنه يخون العصابة

تتمالكني الصدمة، بين المسؤول عن هندسة مباني العصابة يخوننا؟ لقد بدأ العمل معنا منذ سبع سنوات ولسبب كونه المعيل الوحيد لعائلته فلا يستطيع الابتعاد عنهم والمجيء للمقر هنا، ولكون عمله يقتصر على التخطيط فتواجده الدائم غير مهم لذا سُمِح له بالبقاء بعيدا، خاصة كونه يملك موهبة مميزة في التصميم الهندسي لا يمكن إيجادها بكثرة

ــ هل أنت متأكد من ذلك؟ ربما يحاول خداع منظمة موند من أجل التجسس عليها لا غير، لا بد من أنه يريد القيام بعمل مميز للحصول على ترقية ومدح من الرئيس

أقولها بمحاولة تبرير لكن ماكس يرد بحنق:

ــ لا تحاول البحث عن عذر، لقد سألت جيفري عن علاقته به وقال متفاخرا أنه من سلمهم مخططات المباني التي اقتحموها مؤخرا في الأشهر الماضية، لقد سهل لهم الأمر بعدما أعلمهم بمكان كل الفخاخ، من حسن حظنا أنه انضم لهم مؤخرا فقط، لكن لو استمر الأمر دون أي تدخل فنظام حماية العصابة الصخري سيهدم

ــ وهل أخبرت الرئيس؟

ــ نعم، لكنه لم يقم بأي إجراء

ــ جديا؟ ألم يأمر بقتله أو حجزه حتى؟

ــ كلا، ظل صامتا دون إصدار أي أوامر

يجيب بحنق مضاعف لأعتنق الصمت بتفكير، أشعر بصدمة من هذا الخبر الذي يهدد العصابة لكني لست غاضبا للدرجة التي وصلها ماكس، رغم أننا بدأنا العمل هنا في فترات متقاربة منذ كنا في العاشرة من عمرنا لكنه يحمل ولاءً أشد مني للعصابة، أنا أعمل لسببين هما الرغبة في المال واستمتاعا بسفك الدماء .. الكثير من الأغبياء يعتبروني مختلا نفسيا للأسف، هم لا يعرفون المتعة الحقيقية .. أما ماكس فألاحظ عدم اهتمامه بالمال بقدر رغبته في الإطاحة بالقانون الفاسد وهزيمته .. أذكر أنه ذكر سابقا أن شرطيا قتل والده ظلما مما جعله يمقت القانون .. لذا أي تهديد للعصابة يعتبرها تهديدا لحياته وعالمه الخاص

ــ على فكرة، ألم ترى جوزيف؟

أسأل في محاولة لتخفيف حدة الموقف ليجيب ماكس بانزعاج:

ــ لقد كان هنا لكن الرئيس طلب رؤيته في مكتبه لذا غادر

ــ ألا تظن أنه أصبح المفضل عند الرئيس مؤخرا؟ رغم أنه انضم للعصابة منذ سبع سنوات فقط بعكسنا اللذان نملك خبرة خمس عشرة سنة إلا أنه يستمر في تدليله

ــ لا أستغرب هذا فهو ابن أخيه بعد كل شيء، انتماء الدماء مهم بالنسبة للكثيرين، خاصة أنه من المحتمل أن يرث قدرات كعمه الرئيس

ــ نعم يبدو أن عائلتهم تتميز بالعبقرية، سمعت إشاعة مفادها أن جدودهم كانوا من أهم وأبرز القادة الحربيين قديما

ــ لا يمكننا الجزم بذلك لأن أصول الرئيس غير معروفة، الرئيس غامض للغاية، الشيء الوحيد الذي يتأكد الجميع حوله هو حبه للورود خاصة الأوركيد والكاميليا والسوسن، والآن توقف عن الثرثرة فرأسي يؤلمني

أميل فمي بعبوس، أهذا من أردت التخفيف عنه؟ ياله من ناكر جميل


*


أنا ملاك، أركض بأقصى ما أملك من سرعة متجاهلة نزيف جراحي ولهيبها، أخال أنني أسابق الضوء والصوت في هذه اللحظة، أدير رأسي للخلف ملقية نظرة أخيرة على ذاك المنزل الضخم الذي كنت محتجزة به، لقد هربت منه أخيرا بعد شهرين من الاحتجاز

ــ كفي عن الاستدارة، ركزي على الركض وحسب فقد أُكتشِفَ أمر اختفاءك الآن على الأرجح

يقولها الرجل المتشبث بي لأجيبه بانزعاج بعد محاولاتي اليائسة لفك يدي عن يده:

ــ لا شأن لك، أتركني وحسب، أستطيع الركض بمفردي

ــ لا أستطيع فعل هذا قبل وصولنا لبر الأمان لذا اصبري، لا تقلقي لست شخصا سيئا، أنا مجرد رسول أرسلني والدك عزام لإعادتك

يقولها بمحاولة لطمأنتي مردفا:

ــ أدعى جوزيف بالمناسبة

أستمر في الركض متجاهلة الرد عليه، لما يخبرني باسمه؟ أيظنني سأعتبره حليفي لو قال هذا؟ لست غبية لكي أصدقه، حتى ادعائه بعلاقته مع أبي مازال موضع شك، لكنه يبقى خياري الوحيد حاليا لذا علي مجاراته إلى أن تسنح لي الفرصة بالإفلات، فهو من ساعدني على الهرب

تنطلق السيارة سريعا، دقائق تصل لنصف ساعة حتى نتوقف في مكان موحش لا يتواجد به غير قصر كبير وحديقة ذابلة نباتاتها، أرمق المكان بخوف أخفيه وراء ملامحي المرتابة، هذه البناية قديمة للغاية، نصفها الأول قد أكلته النيران وفحمته أما الآخر فقد أصبح رمادا وتلاشى، لماذا أحضرني إلى هنا؟

ــ لقد وصلنا لوجهتنا، أعلم أنه ليس المكان الملائم لكنه الوحيد المتاح في هذه اللحظة، شقتي بعيدة جدا ويجب ألا أغيب عن الحفلة كي لا أجلب الشكوك نحوي، خذي هذا المصباح وهذا الطعام المتبقي من غدائي، سأعود غدا بأسرع ما يمكنني لذا اصبري

يقولها جوزيف مناولا إياي المصباح والطعام، ثم يردف مشيرا للقصر:

ــ ظلي في الطابق الأول لكي لا تتأذي بالحجارة المنهارة بين الفينة والأخرى، والآن وداعا

يختتم حديثه ليركب السيارة وينطلق تاركا إياي في هذا المكان الموحش، أعاود إلقاء نظرة على القصر بينما الرعب أخذ مجراه في قلبي فور هبوب ريح قوية، أرتل بعضا من ما أحفظ من القرآن، إذا لم تقتلني العصابة فسأنتهي على يد الجن والعفاريت، رحمتك يا رب


*


"أنا ريان، اليوم يوافق تاريخ مولدي، أخيرا أتممت الخامسة عشر من عمري، أردت الاحتفال والمطالبة بالهدايا لكني تذكرت كلام جارتنا أمل عن كون الاحتفال بيوم الميلاد بدعة لا تجوز، كما أنني أستغرب في من يحتفل بمرور عام آخر من حياته واقتراب أجله، لكنني أشعر بالمتعة عندما أتذكر أنك لا تزالين في الرابعة عشرة، من يصدق أن عمتي أصغر مني سنا

ها بكارمن وياسمين تقفزان هنا وهناك في رجاءٍ من والدتهما خالتي كاميليا من أجل السماح لهما والخروج للحديقة، لكن موقفها الرافض لا يتغير، فمنذ مجيئنا تم فرض منع تام لخروجنا دون سبب مهم ودون مرافقة أحد الرجال، الأمر لا يقتصر على خارج المنزل إنما بداخله أيضا، جدي يرفض رفضا قاطعا خروجنا من طابقنا ومقابلة أفراد العائلة والتعامل معهم لسبب مجهول، تخيلي أنهم يقيمون كل يوم جمعة حفلة أسرية تملؤها ضحكاتهم ورائحة الطعام الزكية لكننا كالعادة ممنوعين من المشاركة، أتعلمين؟ أحترم رغبة جدي في قراره هذا لكنني أريد مخالطة هذه العائلة ومعرفة أسرار ثروتها، المكان يصيح بالغنى يا فتاة

عمي ركان يدخل الآن لتقفز عليه ابنتاه، تنهرهما خالتي خوفا على يده المصابة، صحيح لقد سبق وأخبرتك أنه خاض شجارا مع أقاربه انتهى برمي الأخير الرصاص عليه ومحاولة قتله، أظن أن اسمه كان مصعب ذياب، أحد الكارهين لوجودنا هنا، ما السبب؟ حاولت معرفته لكن أمي رفضت التصريح أكثر

لقد تذكرت، مؤخرا قمت ببحث شامل عن شجرة العائلة، لقبنا الحقيقي "ذياب"، إنه فخم، لا أفهم لما زوره جدي، المهم دعينا نكمل .. كبار العائلة هما الأخوان هشام وهشيم اللذان تزوجا من امرأتان أجنبيتان هما بلوميريا وفاوانيا، وعاش أربعتهم في هذا القصر الكبير، هشام وبلوميريا أنجبا جدي عزام وتوأمه أب ذؤيب وكلاهما في الخمسين من عمرهما الآن، أما هشيم وفاوانيا فأنجبا أب مصعب .. الذي حاول ابنه قتل عمي .. وأب زياد، متعب، والفتاة الوحيدة في العائلة جدتي أفنان، أتساءل إن كان سبب إصابتها بالاكتئاب هو عدم وجود أخت لها، لكني سمعت إشاعة من الخدم مفادها أن هشيم لديه زوجة أخرى تقطن الريف ولديه ابنين منها، الأمر متشعب للغاية لكن حاولي فرزه فطالما أردنا معرفة أصولنا والآن جاءت اللحظة المنتظرة

صحيح، سمعت من الخدم .. الذين أصبحوا أصدقائي الآن .. سبب طردنا من العائلة، قالوا أن جدي عزام كان كثير التمرد على والده هشام لدرجة أنه كان يصاحب رجلا أجنبيا من دولة البيضاء بالرغم من رفض والده لهذه الصداقة، وعندما مات هذا الأجنبي تحت ظروف غامضة ترك خلفه أبناءً قرر جدي الاعتناء بهم وفاءً له، وهذا ما لم يرضي هشام وجعله يطرده، من كان يتوقع أن شجار الأب وابنه كان من أجل شيء سخيف كهذا؟

وعندما سألت أمي عن الأمر قالت أن هذا الصديق الأجنبي هو والدها، حيث كان شرطيا قتله المجرمون رفقة زوجته فاعتنى جدي عزام بأطفاله الأربعة .. أمي أوركيد، خالتي كاميليا، ملاك وراشد .. حيث أن راشد قد رضع من جدتي مع فارس لذا أصبح فردا رسميا من الأسرة، أما أمي وخالتي فتزوجا من أبي وعمي ركان بعد وقوعهم في الحب، لتبقى ملاك التي فضلها جدي على الجميع كما نعلم، حتى عندما أصيب بالجنون قبل أعوام لم يقم بضربها عكسنا .. نحن الذين عشنا الذكريات السوداء بحذافيرها، آآآه

أوه، لقد تحدثت كثيرا، أشعر وكأنني في حصة تلفزيونة أقص فيها على المتفرجين قصصا تاريخية من الزمن البعيد، ماذا عنك ضياؤنا الجميلة؟ هل مازالت أنستازيا تتنمر عليك؟ لو تجرأت على إزعاجك مجددا أخبرينا كي أعلمها الآداب، لقد استطعت مؤخرا الانضمام لصالة رياضية لذا سأبدأ في تنمية قويتي من أجل مواجهة كل من يتجرأ على الاقتراب منك وإزعاجك"

أنهي كتابة الرسالة الإلكترونية لأرسلها، تمر دقائق حتى ترد علي ضياء:

"يا لك من محظوظ، تستمتع وتعيش المغامرة بينما الملل يقتلني هنا، أنا حقا أتمنى العودة للحسناء، بلدي الأفضل، الحياة هناك كانت رائعة، أتمنى لو لم تنسى ندى الغاز يتسرب، لا أصدق أن بيتنا الجميل احترق وفرقنا في دروب الحياة.

صحيح، هل عاد أبي من سفره أم لا؟"

أميل فمي بانزعاج مجيبا بكذب:

"لا لم يعد بعد، فور عودته سأعلمك بإذن الله"


ذاك الرقم الذي أخذته من هاتف جدي والمسمى بـ "ذنبي" قمت بتعقب موقعه ووجدته رقم هاتف ثابت لإحدى البيوت بالريف، اتصلت به فأجابتني الخادمة لأغامر وأطلب الحديث مع ضياء، وكما ظننت ضياء كانت هناك حقا، لازلت أذكر اللهفة التي أجابتني بها ومدى الشوق الذي كانت كلماتها تغرق به، أخبرتني أنّ جدي أعلمها بعودته فور انتهائه من عمل ما لكني لم أعرف ماذا يعنيه هذا، جدي لا يتزعزع من المنزل إلا لزيارة متجر الأسرة البسيط، هو يستطيع إعادتها أو طلب ذلك من أحدهم لكن لما لم يفعل هذا وكذب عليها؟ لا أفهم ما يفكر به جدي لكني أجبتها بكونه مسافرا حاليا بعدما ظلت تزعجني بسؤالها يوميا، هل يتعمّد إبقائها بعيدا؟ أبسبب شاجرها المستمر مع أبي؟ أم لحمايتها؟

حمايتها؟ تتبادر لذهني ذكرى احتراق بيتنا في دولة الحسناء قبل سفرنا لهذا البلد، كنا قد خرجنا للتنزه وعندما عدنا وجدنا اللهب يلتهم بيتنا، قيل لنا أن عمتي ندى من نسيت الغاز يتسرب لكني سمعت حديثا جانبيا بين جدي وأعمامي مفاده أن الحريق مدبر من طرف أعداء لنا، أظن أن جدي يريد حماية ضياء منهم والأمر نفسه مع ملاك لذا تركها في المدرسة الداخلية، لكن لما هما الاثنين بالتحديد؟ هل لأنهما الفتاتان الأصغر سنا بيننا؟

ــ ريان، مع من تتحدث؟

يقطع تفكيري سؤال أمي التي ظهرت فجأة خلفي، أغطي شاشة هاتفي بتوتر لأعدل جلوسي على كرسي المكتب، أتمنى أنها لم ترى شيئا:

ــ مع صديق

ــ حقا؟ ومنذ متى أصبح لديك أصدقاء غير ضياء؟ إنها الوحيدة التي تتحمل غرورك

تقولها باستخفاف، لو علم جدي بتواصلي مع ضياء فأظن أني سأعاقب إلا أني لا أستطيع إخفاء الأمر عن أمي، هي لن تشي بي، كما أنها لن تتركني وشأني لو لم أصارحها

أنظر لها بعينين ضيقين هامسا بحذر:

ــ حسنا سأخبرك، إنها ضياء، لكن لا تخبري أحدا، لو علم جدي فمن المحتمل أن يعاقبني ويمنعني من الحديث معها ويجبرني على العمل مع أبي

تظهر ملامح الدهشة على ملامحها لتسرع بالسؤال في همس أشد:

ــ ضياء؟ هل استطعت التواصل معها؟ متى فعلت هذا وأين هي الآن؟

ــ لقد وجدت رقمها قبل شهرين بهاتف جدي وهي الآن تقطن بمنزل في الريف، ليس بيت قريبة جدي الذي أخبرنا عنها بل منزل آخر انتقلت له

ــ ما عنوانه؟

ــ لا أعلم

ــ اسألها عنه

أرمق أمي باستغراب من سبب اهتمامها الكبير بمعرفة العنوان لكنها تردف سريعا بعد ملاحظة نظراتي لها:

ــ أعلم أننا لا نستطيع زيارتها كوننا تحت مراقبة عمي عزام الشديدة لكني سأحاول إرسال بعض الأشياء لها، الرواية التي طالما انتظرتها صدرت أخيرا وستكون سعيدة لو ابتعناها لها

تشع السعادة مني بسبب تفكيرها في إسعاد ضياء لأسرع في سؤال الأخيرة عن العنوان، أمي رائعة حقا، أمي وردة أوركيد على شكل بشر، حفظها الله من كل شر


*


أنا ضياء، أوصل الهاتف بالشاحن بعدما انطفأ بسبب الوقت الطويل الذي قضيته في الدردشة مع ريان الذي ختم كلامه بأجمل خبر سمعته اليوم، سأحصل على أفضل رواية رعب أخيرا

أخرج من غرفتي لأبدأ في السير متأملة أرجاء المنزل الواسع، لم أكن أبالغ عندما وصفته بقصر مصاص الدماء، إنه ينطق بالكآبة، لو كنت مالكته لأمرت بتجديده حالا، رغم إعجابي الأولي به إلا أنه لا يصلح للعيش بسلام

مر شهرين على تواجدي هنا ومازلت أنتظر عودة أبي، غير أني أصبحت غاضبة منه خاصة بعدما أخبرني ريان بموضوع سفره، إذ كان سيسافر لما لم يعدني للمنزل من البداية؟ حتى لو أراد مني الاستمتاع في الريف كان عليه على الأقل إحضار بقية الأسرة وشراء منزل هنا

أرى أنستازيا تقترب مني وملامحها الحادة لا تفارق وجهها، إنها الوحيدة رفقة ريان اللذان يسليانني هنا، تقف أمامي لتقول بعجلة معطية إياي بعض الملاءات:

ــ ضياء، خذي هذه للغرفة الثالثة يمينا بالطابق العلوي، السيدة طلبت مني القيام ببعض الأعمال قبل عودتها وأنا متأخرة

تكمل كلامها لتغادر بنفس عجلة مجيئها تاركة إياي أنظر للفراغ بريبة، الطابق العلوي؟ أذكر كلام السيدة سارا حول كون صعودي إلى هناك ممنوعا كونه خاصا بسيد المنزل، نعم فهذا المنزل يحتوي على أربعة أشخاص غيري .. السيدة سارا، أنستازيا الخادمة، سيد المنزل الذي لا أعرف اسمه ومساعده أمزيان ابن السيدة سارا .. لم يسبق وأن التقيت بالسيد لكني رأيت مساعده، صاحب الجسد الضخم والهيئة المخيفة، أذكر أني اصطدمت به في وسط سرحاني أثناء سيري وقد رمى علي نظرة حادة لا أستطيع نسيانها

أصعد السلم اتجاه الطابق العلوي والفضول يتملكني، ما سبب منعي من الاقتراب منه؟ هل ساكنه مصاص دماء حقا؟ رغم أن الفكرة سخيفة لكن الأمر مريب فهو لا ينزل منه أبدا، عندما سألت أنستازيا عنه قالت أنه أسوء شخص قد أقابله في حياتي وبعدها لم تضف شيئا آخر

أجد الغرفة المنشودة، أدخلها، أضع الملاءات ثم أعود مولية أدراجي، أكاد أنزل السلم متجاهلة فضولي حول استكشاف الطابق وكلام أنستازيا عن سوء صاحبه يتمثل أمامي، لكن يوقفني ذاك الإطار الضخم الذي يتوسط الجدار، يحمل صورة لخمسة أشخاص كلهم في العشرينات من عمرهم .. شاب أسود الشعر والعينين تحيط به هالة هادئة في الجانب الأيمن يضع يده بيد فتاة شقراء، وشاب أشقر الشعر أخضر العينين في الجانب الأيسر يتأبط فتاة خمرية البشرة، ويتوسطهم شاب ذو شعر أسود وعينين ذات مزيج فاتن من اللون الرمادي والأزرق .. السعادة تملأ ابتسامات الجميع خاصة الشاب المتواجد في الوسط والذي يبدو وكأنه أكثرهم نشاطا ومودة

أنقل نظراتي بين الشاب الأشقر والهادئ، الأشقر .. هيئته تذهلني، إنه مطابق لأخي فارس، هل هو ذاته؟ لا أظن فأخي لم تكن له علاقة سرية بفتاة، لابد من أنه أحد أشباهه الأربعين .. أما الهادئ فيبدو وجهه مألوفا للغاية، أضع يدي على قلبي فور شعوري بانقباضه ليزورني وجع رأس خفيف وأنا أحاول تذكر هويته، أين رأيته أين رأيته؟؟

تمر علي ذكرى مفاجأة لدموع تُغرِق عيون أمي وكل من ندى وملاك بينما فارس الذي أخذ يكسر أثاث منزل مجهول، يحتد ألم رأسي متزامنا مع ذكرى ملاك وهي تقول "نامي ضياء ولا تنتظري فراشد لن يعود، لقد قتله أحد الحثالة"

راشد؟ نعم لقد تذكرت، إنه أخي الذي قُتِلَ، والذي طالما كنت أحبه، كيف لي أن أنساه؟ أشد على قبضتي بشدة لأقول بكره يغزو كلماتي:

ــ راشد أخي المغدور، أهلك الله قاتلك وجعله يتلوى بين لهب جهنم وبئس المصير

أستدير ناوية الابتعاد عن هذه الصورة التي جعلت دم جسمي يغلي من الغضب، أشعر بألم فظيع برأسي، أنوي السير لكن ذاك الشخص الذي ظهر فجأة أمامي جعلني أتوقف بصدمة، شاب هزيل شاحب البشرة أسود الشعر ويرتدي نظارات غريبة، منذ متى وهو هنا؟ لم أشعر به، هل هو سيد المنزل؟

أنوي الابتعاد عن أمامه متذكرة كلام أنستازيا، لا تنقصني مشاكل أخرى، قواي أنهكت بعدما زارتني ذكرى موت راشد البغيضة والتي لا أعلم لما لم أتذكرها إلا الآن، أسير في محاولة لتجاوزه لكني أشعر بيد تشد خماري الذي أرتديه، هذا جن هذا الرجل؟ أصيح طالبة منه تركي لكنه يتجرأ بمد يده الأخرى ووضعها على عنقي والضغط محاولا خنقي بينما يقول بفحيح:

ــ هو السبب، هو من اختار الموت، أنا لم أقتله، هو من يستحق الاحتراق لا أنا، أنتم لا تعرفون شيئا، لا تعرفون شيئا، هو السبب في قتلي لها

أحاول التقاط بعض الهواء وسط كلماته السريعة الفوضوية، أشعر بالدوار، أحس فجأة باندفاع أحدهم وفكي من يدي هذا المجنون، إنه أمزيان الضخم.

ألتقط أنفاسي بينما جسدي يرتجف، كدت أموت، أحمل جسدي لأجره بسرعة بعيدا في وسط محاولات أمزيان لتهدئة المجنون الذي أخذ يضرب الأرض وهو يقول ويعيد بسخط:

ــ بئسا لك راشد، أنت السبب، أنت السبب


ــ هل أنت بخير؟ دعيني أساعدك

تقولها السيدة سارا بجزع لتمسكني مساعدة إياي في السير بعدما رأت المشهد المخيف من الطابق الأرضي، ننزل السلم لتأخذني لغرفتي، تسألني عن حالي لكني لا أجيبها، بل لا أستوعب ما تقوله أساسا، كل ما يظهر أمامي هو عيني ذاك الرجل التي استطعت رؤيتهما من خلال نظاراته بوضوح، عينين امتزج لونهما بين الأزرق والرمادي، مزيج جميل غلفه خليط مخيف بائس من الحنق، الحقد والشجن


*


أنا فارس، أسير بحذر وتمثيل متقن لتنكري على شكل خادم بسيط، أرى الأعضاء مجتمعين في القاعة الرئيسية يستمتعون بالحفلة بينما قلة منهم يتوزعون على أنحاء الحديقتين الخلفية والأمامية، أما بقية أرجاء المنزل فيتوزع فيها الخدم، يمر من أمامي رجل ذو هندام أنيق ليلج القاعة ويلتفت له الجميع محيين إياه باحترام، إنه رئيس العصابة، ستيفن الوغد

أشد على قبضتي ونظراتي تنطق بحقد قديم تأبى ناره الانطفاء، أتجاهله لأكمل سيري نحو وجهتي .. مكتب الرئيس .. أتعدى الخدم الآخرين دون لفة الانتباه لأصل لعتبة الطابق الثالث .. المكان الذي لا يسمع بالتواجد فيه غير الرئيس وأتباعه ..

أخرج هاتفي لأضغط على السماعات الإلكترونية التي بأذني وأعاود الاتصال بريان ليجيب بحنق:

ــ هل عدت مجددا؟ كيف لك أن تنهي الاتصال فجأة بعد أخذ غايتك؟ على الأقل قل كلمة شكر واحدة

ــ كف عن الكلام واخترق نظام الحماية هذا أيضا، لقد أرسلت لك خرائط توزيعها لذا أسرع الوقت ينفذ

ــ حسنا حسنا، فقط أخبرني ما الذي تفعله بالضبط؟ هذه الخرائط تبدو تابعة لمنزل أحد المجرمين فقد رأيت مثلها في الانترنت المظلم لكنها أكثر تعقيدا، لا تقل أنك ورطت نفسك مجددا في أمور العصابات؟ جدي سيجن لو علم بهذا

يا إلهي صبرني على هذا الثرثار، جديا ألا يستطيع العمل دون التفوه بكل هذا؟ تمر دقائق حتى يردف:

ــ لقد أنهيت، لن تعمل أجهزة الإنذار طيلة ربع ساعة القادمة لذا أسرع، ولا تنسى المبلغ المالي الذي وعدتـ...

أنهي المكالمة دون سماع باقي الحديث لأسرع الخطى نحو المكتب، يجب أن أنهي عملي في أقل من ربع ساعة، أجد الباب المنشود لأفتحه والجًا المكان على وجه سرعة، مجموعة من أرفف الكتب تتواجد على جانبي الغرفة ومكتب يتوسط المكان وخلفه جدار زجاجي يطل على معالم دولة البيضاء وأضوائها البرتقالية

أستعمل مصباح خاص يكشف البصمات بوضوح لأسلطه على الكتب باحثا عن آخر ما قد استخدم لأفتشه، من المحتمل أن تُخبأ بعض الأشياء الهامة هنا، يصدق حدسي فهابي أجد مجموعة من الوثائق، أخرجها لأصورها وأعيدها لمكانه منتقلا للمكتب، سطحه فارغ وأدراجه مغلقة، أخرج عودا حديد لأفتح القفل وأكمل عملي مصورا كل ما يبدو لي أنه يحمل قدرا من الأهمية، لا أملك الوقت لتصفح كل هذا لكنها تبدو كغنائم تباع بالملايين لو عرضتها على موند كبضاعة

تنتهي عشر دقائق لينتهي عملي أيضا، أعدل ثيابي لأسير خارجا لكن يوقفني صوت خطواتي الغريب، أجثو أرضا لأضرب على الأرضية، هناك فراغ تحتها، يغرقني الاستنكار، فراغ؟ لا أذكر أني صممت شيئا كهذا

أمسح بيدي عليها مجددا متحسسا أي زر قد يساعدني على فتحها، أجده لأضغط عليه ويظهر لي جهاز إلكتروني خاص بكتابة الرقم السري، أعاود الاتصال بريان لأهمس بعجلة:

ــ ريان ألم يكن هناك جهاز حماية في أرضية المكتب؟

ــ بلا، رغم أنه لم يكن موجودا على الخريطة إلا أني اخترقته للاحتياط

ــ أسرع وقل الرقم السري

ــ حسنا حسنا إنه تاريخ ميلاد أمي، يا للمصادفة يبدو أن صاحب المكتب يملك شخصا مميزا بعمرهـ...

أقاطع ثرثرته مجددا منهيا الاتصال لأكتب الأرقام، ينجح الأمر، ترتفع قطعة من الأرضية مظهرة ما يوجد أسفلها .. مجموعة من المجلدات الرثة .. أحملها باستغراب، ما يوجد داخلها ولما هي مخبأة هكذا؟ أرى محتواها بسرعة لأجد مجموعة من الصور لأناس متشابهين يبدون من عائلة واحدة، كما أن المثير للانتباه أن أسماء النساء كلها تقتصر على أسماء الورود والأزهار وحسب

يقاطعني صوت إنذار، أنظر ناحية ساعتي بصدمة، لم تمر ربع ساعة بعد، أعيد المجلدات لمكانها وأغلق الأرضية لأخرج بسرعة من المكتب ثم الطابق بأكمله، أنزل السلم لأجد جميع الخدم يركضون وهم يصيحون:

ــ لقد هربت السجينة، ابحثوا عن فتاة شقراء تملئ الندوب جسدها

سجينة؟ أهذا سبب إطلاق الإنذار؟ أزفر ببعض الراحة لأكمل سيري ناويا تغيير ملابسي والمغادرة فقد انتهت المهمة على كل حال، أدخل الحمامات، ألقي نظرة على وجهي المنعكس على المرآة .. أنا أزداد وسامة كالعادة، حفظني الله ورعاني .. أبتسم بغرور لأخرج كيس ملابسي من مخبأه ثم أتوجه نحو المرحاض للتغيير لكن أتوقف مكاني فور شعوري بفوهة مسدس موضوعة على مؤخرة رأسي وصوت من خلفي يملؤه الغضب:

ــ ما الذي تحمله يا هذا؟ حمام الخدم ليس هنا

تتسع ابتسامتي دون رد، لقد أُكتُشِف أمري من طرف العميل النبيل ماكس، دون أي تمهيد أستدير لأضرب يده ملقيا المسدس بعيدا، يخرج مسدسا آخر ليصوب نحوي لكني أتفادى الطلقة، حملي للكيس وقدرات ماكس التي لا يستهان بها تنبئاني بخسارتي في النزال لذا يجب الفرار

بحركة مراوغة أدخل إحدى المراحيض لأصعد على حافة الكرسي وأقفز من النافذة المفتوحة متفاديا طلقات الرصاص وهابي أجد نفسي في الحديقة الخلفية، أستكمل ركضي نحو سيارتي، لابد من أن ماكس سيلحقني الآن



*

تم الفصل الثالث والحمد لله
نلتقي بإذن الله في الفصل القادم




 
 

 

عرض البوم صور مخمل الرجاء   رد مع اقتباس
قديم 16-05-22, 08:31 PM   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2019
العضوية: 333794
المشاركات: 25
الجنس أنثى
معدل التقييم: مخمل الرجاء عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 74

االدولة
البلدAlgeria
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
مخمل الرجاء غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : مخمل الرجاء المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: رواية دفء وجمود

 

قراءة مفيدة وممتعة للجميع
لا تنسوا التعليق والمشاركة مع الأصدقاء
دمتم في أمان الله وحفظه

 
 

 

عرض البوم صور مخمل الرجاء   رد مع اقتباس
قديم 30-05-22, 07:18 PM   المشاركة رقم: 9
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2019
العضوية: 333794
المشاركات: 25
الجنس أنثى
معدل التقييم: مخمل الرجاء عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 74

االدولة
البلدAlgeria
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
مخمل الرجاء غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : مخمل الرجاء المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
Icon Mod 44 الفصل الرابع

 

الفصل الرابع
ـــــــ


أنا ماكس، أحرك مقود السيارة في مجاراة لسرعة ذاك المتنكر الفار
رؤية خادم في حمام الضيوف ليس شيئا عجيبا في منزل الرئيس المليء بغريبي الأطوار، لكن إخراجه للكيس المخبئ بدا مريبا، هل كان هناك خادم يملك وجها كهذا؟ هذا ما سألت نفسي به قبل أن أصوب المسدس نحو رأسه، رغم ترددي المستمر لهذا المكان إلا أني لا أذكر، وضعه مشكوك فيه، لو كان خادما جديدا فلا بد من أنه سيظهر لي بطاقة تعريفه مباشرة .. فقد اعتاد رئيس الخدم على إخبارهم بإخراجها فور الشك في أمرهم من طرف أعضاء العصابة .. لكن الرجل فر مباشرة بعد القيام بحركات بهلوانية لا يستطيع خادم عادي القيام بها
تبعته مباشرة وعقلي يلفق مئات السيناريوهات، المنزل كان مليئا بضجة الذين يبحثون عن الفتاة الهاربة، لكن في وسط هذا انطلق صوت رئيس الخدم يصيح بكونه لمح شخصا غريبا متنكرا على هيئة خادم قد خرج من طابق الرئيس للتو
جاسوس؟ كيف استطاع التسلل وتعدي جميع أنظمة الحماية التي أعيت أقوى المنظمات؟ كل الذين حاولوا فعلها كانت الحديقة أقصى ما تصله أقدامهم، ربما كان هناك خائن من طاقم الخدم، لكن رئيسهم قال أنه شخص غريب أي لم يسبق وأن رآه، إذا أهو عضو من الأعضاء؟ كل المتواجدين أعرفهم ولم يكن بينهم أحدهم بنفس الهيئة، شعر أشقر وعينين واسعتين عسليتين كحيلة الأحداق .. ملامحه كانت طبيعية لا يبدو عليها أثر التنكر، إنها تعود لأبناء دولة النيزك .. لنفترض أنه استطاع الدخول بطريقة أو بأخرى، كيف استطاع تجاوز نظام الحماية الأقوى في طابق الرئيس وفي وقت قياسي؟ متأكد من كونه تسلل مباشرة بعد خروج الرئيس من المكان وانضمامه للحفلة، إذا فقد استغرق الأمر أقل من عشرين دقيقة، من المحال أن يخترقه بمفرده
تستمر المطاردة قائمة وصولا للطريق السريع، سأفكر في الأمر لاحقا أما الآن فعلي القضاء عليه، يميل سيارته لجانب الجسر المطل على النهر، لما لا يبقى في المنتصف؟ ذاك الموقع سيصعّب عليه مراوغة بقية السيارات
تبدأ سرعته في التباطؤ لتتقلص المسافة بين سيارتينا، أستمر على نفس سرعتي رغم شكي في حركته المريبة، أجهز مسدسي فور اقترابي منه، المسافة أصبحت مناسبة لإطلاق النار على العجلات وبعدها استهداف رأسه منهيا هذا الإزعاج
فجأة يُفتَح الباب الأمامي لسيارته لتتوقف العجلات عن الحركة ويقفز الرجل بتهور منها إلى النهر، تتسع حدقتا عيني بذهول من حركته الانتحارية المجنونة، وفي لحظة تشتت انتباه تصطدم سيارتي بسيارته وتبدأ في الانقلاب ثم الانفجار


*

مر يوم آخر وها بالحياة تستمر
أنا ضياء، أحمل الأطباق متجهة ناحية القبو لأضعها هناك بعدما طلبت من السيدة سارا إيكالي بمهمة واحدة على الأقل وسط انشغالهم اليومي، لا أحب الأعمال المنزلية فطالما تهربت منها في بيتنا، لكني في هذا المكان أعتبر نفسي غريبة كفاية لأنزعج من بقائي ساكنة وعدم القيام بأي جهد، أتنهد بتعب، متى سيتوفر الرجال الآليين في الأسواق ليتولوا هذه المهام بينما نجلس واضعين قدما على قدم براحة؟
أضع الأطباق الثقيلة أرضا وآخذ في المشي بحذر نحو أزرار الكهرباء لتشغيل إنارة المكان، أخبرتني السيدة أن أكون حذرة وأن لا أطفئ أضواء المنزل عن طريق الخطأ، قالت أن صاحب المنزل يعاني من رهاب الظلام، ذاك الوحش يعاني من الرهاب؟ ظننت أنه يعاني من مرض نفسي لكن لم أتوقع أنه هذا المرض
ــ الوحوش تحب الظلام في الغالب
أقولها بغيض محدثة نفسي بينما يدي تتحسس عنقي متذكرة محاولة خنقه لي، ذاك المجنون كيف يجرؤ على فعل هذا؟ لقد كنت أسير بسلام عائدة للطابق السفلي وفجأة هاجمني دون أي سبب، شافاه الله وعافانا من ما ابتلاه به
أشعل الإنارة وفجأة أشعر فجأة بوقوع جسم صغير على أرنبة أنفي، أنظر له بقلة استوعاب ليبادلني نظرات من نوع آخر، لمعة غريبة تنعكس من عينيه الصغيرتين تشابه لمعة عاشق واقع في الحب، أجزاء من الثانية تمر حتى أستوعب حقيقته، صرصور؟ تتسع حدقتا عينيّ بجزع لأطلق صيحة عالية متراجعة للوراء ويدي تحاول إبعاده عن جسدي بعدما أخذ يركض حولي خوفا من هجماتي المفاجئة
في وسط هيجاني أتعثر بمجموعة صناديق جاعلة جسمي يتراجع للخلف ليضرب ظهري الجدار، أشعر للتو بمجموعة من الأجسام الصغيرة قد أٌنزِلَت فور ضرب ظهري لها، كم هذا مؤلم، أثناء سقوطي على الأرض تتضاءل الإنارة فجأة، أنا لم أضرب أزرار الإنارة صحيح؟
أرفع نظراتي سريعا نحوها ليصدق إحساسي، أقف سريعا لأرفعها في محاولة لإعادتها لحالها السابقة، لقد كانت مرتفعة كلها أليس كذلك؟ أنهي إصلاح خطئي لأتراجع بقلق، أعود لترتيب الأطباق داخل الدولاب القديم محاولة تجاهل التفكير في الأمر، لقد كانت مجرد ثوان من انقطاع الكهرباء لذا لا أظن أن المدة كافية لجعل ذاك الوحش يخاف
أنهي عملي لأنوي الخروج لكن تقاطعني أنستازيا التي اندفعت للداخل بجزع بان فور وقوع نظراتها على أزرار الكهرباء
ــ إذا عبثتِ بالأزرار كما ظننت، أيتها المجنونة، طيلة الخمس وعشرون سنة التي عشتها لم أرى جالبة كوارث مثلك
تصيح بقولها لترفع من مستوى بعض الأزرار وتخفض من مستوى البعض، وتردف بسرعة ممسكة بيدي:
ــ تعالي معي لنخرج من هنا قبل مجيء أمزيان، السيد انهار فور انقطاع الكهرباء وحضرتك لم تعيديها كما يجب بل بالغتِ في نسبة النور وهو يعني من حساسية من الضوء الشديد، لقد زدتِ الطين بلة
ــ أمزيان؟ أليس ابن السيدة سارا والمساعد الأيمن للسيد؟ ما دخله في كل هذا؟ لقد كان حادثا لا غير لم أقصد فعله
أسأل باستغراب دون تحركي خطوة واحدة لترمقني أنستازيا بانفعال:
ــ أنت لا تعرفي الوجه الحقيقي لذاك العملاق المجنون، أي شيء قد يؤذي السيد يقوم بسحقه دون مبالاة وأنت الآن على الأرجح ضمن الحيز الأحمر بسبب فعلتك هذه وإغضابك للسيد بالأمس أيضا
ــ إغضابي له؟ جديا هو من ضربني
أصيح بانفعال لتتجاهلني وتسحبني خارج القبو لكن يمنعنا من التقدم ذاك الجسم الضخم الذي أوقفنا ونظراته تتسلط علي كحمم نارية

.
.
.

أنا ضياء، الرجل الضخم يشدني من رسغي جارا إياي خلفه مقابل محاولاتي الفاشلة في الإفلات منه، نبرته الغليظة تبدو مرعبة وهو يتوعدني بالموت، العمة سارا أنجدا ما الذي يحدث؟ أستدير خلفي محاولة طلب المساعدة لكن لا أحد موجود، كلا المرأتين مشغولتين بالعناية بالسيد لتتركانني بمفردي مع هذا الوحش الذي ينوي معاقبتي على خطأ غير مقصود
يخرجني للحديقة، الفوضى تأخذ نفسها إلى الملحق، وها به يفتح الباب ليرميني على الأرض الإسمنتية الخشنة مرددا بقسوة:
ــ تتعفني وانتظري موتك هنا أيتها الوضيعة، فليشفى سيدي فقط ولن تفلتي مني حينها
أتأوه بألم دون الإصغاء له لكن صدى إغلاق الباب وجلجلة المفاتيح المرعبة جعلتني أرفع نظري بذهول
ــ أوه لا
أصيح بها تلقائيا والجزع يغرقني، أقوم واقفة لأهرع نحو الباب محاولة فتحه لكنه موصد، لقد حبسني، أضرب عليه في عدم استيعاب وأصرخ:
ــ هيه أنت افتح الباب، دعنا نتفاهم، أنا لم أقصد فعل ذلك، الجميع يخطئ، كل هذا بسبب الصرصور، هو الذي جعلني أسقط
أردف بعدما لففت المكان بنظرات عشوائية:
ــ هيا تعال أيها الرجل وأخرجني، أنت لن تتركني في هذا المكان المظلم بمفردي
لا أستطيع البقاء هنا، توجد الكثير من الأشياء المتكدسة فوق بعضها قد تسقط على جسدي الوهن في أي لحظة، حتى الفئران من الممكن أنها تقيم ديوانية هنا ، من يدري ربما الصرصور أيضا يصب لهم الشاي الآن
في لحظة يختفي خوفي ليتولد غضب ليحتل مكان جزعي:
ــ حسنا أيها الأبله، جرب تركي هنا لوقت أطول ولن أدع الأمر يمر ببساطة، عندما يعود أبي من السفر سأحرص على أن يلقنك درسا لن تنساه، أنا ابنته المحبوبة ولن يسمح بإيذائكم لي بهذه الطريقة
رغم صراخي إلا أني لم أتلقى جوابا غير الصمت، أشد قبضتي لأضرب على الباب مرة أخيرة لأجثو بتعب محاولة تمالك أعصابي وسط صداع رأسي الذي بدأ، أريد رؤية أبي الآن، هو لن يسمح لهذا لضخم الوغد بالإفلات


*


أنا ملاك، أتفحص الطابق الأرضي الذي قضيت فيه الليلة الماضية طبقا لأوامر جوزيف الذي لم يعد حتى هذه اللحظة رغم أن الشمس أصبحت تتوسط السماء الآن، لم تكن ليلة جيدة البتة بسبب البرد الذي جمدني لكنني أحمد الله على راحتي من التعذيب اليومي ولأن حياتي لم تنتهي على يد الجن والعفاريت
لكني مازلت في حالة مزية، الندوب على جسمي لا تكف عن الإحراق وثيابي في حالة يرثى لها، بحثت عن شيء أستطيع تغطية بدني به لكن لا جدوى، هذا المكان قديم جدا .. أثاثه مهترئ وزواياه متآكلة .. لا شيء يفي بالغرض، لكن وفقا لمساحته الواسعة وأثاثه الذي ينطق بالأصالة فهذا بيت عائلة لها القدر الفائض من المال، أتساءل ما الذي جعله يحترق بهذا الشكل المريع
الآن، هذا ليس الوقت المناسب للفضول، علي التفكير في طريقة للهرب والوصول إلى الشرطة للإبلاغ عن خطفي من قبل العصابة، رغم أن جوزيف أمرني بالبقاء وانتظاره لكن لا يوجد ما يدل على صدق ادعائه بكونه يريد مساعدتي وحسب، من يعلم؟ ربما هذه خدعة أخرى من العصابة أو هو طرف ثالث ينوي استغلالي في مصالحه الخاصة
لكن رغم رغبتي في الفرار إلا أن جهلي للمكان يجعلني في حالة ضياع، أعلي البقاء وانتظار المجهول أم المجازفة والسير في البلاد التي لا أعرف شيئا عنها انطلاقا من هذا المكان الخالي؟
في وسط تفكيري تقودني أقدامي لممر جانبي لمحته أسفل السلالم، أسير فيه، تفاصيله كباقي ما وجدته في الأجزاء الأخرى من القصر، الرماد يرحب بي لا غير، لكنه سرعان ما يتلاشى جزئيا ليتضح البساط المخملي والجدران الضخمة النظيفة، يبدو أن هذا الجزء الناجي الوحيد من لهيب النار، يظهر رواق طويل ذو جدران رخامية تعلق عليها مجموعة كبيرة من الصور لأشخاص يحملون نفس اسم العائلة .. ستيفن .. هذا ما توضحه أسماءهم المنقوشة أسفل صورة كل شخص منهم .. جميع المتواجدين أصحاب شعر أشقر وعيون حادة ملونة، إضافة لكون أسماء النساء هنا مقتبسة من الأزهار والورود، ظننت أن أبي الميت هو الوحيد الذي تبنى هذه القاعدة حينما سماني وأخواتي، نعم .. اسم شهرتي هو ملاك أما اسمي الرسمي هو سوسن، وردة البرية ..
أتوقف فجأة عند إحدى الوجوه والدهشة تغمرني، ما الذي تفعله صورتي هنا؟ هذا ما يتبادر لذهني فور رؤيتي لوجه المرأة العشرينية، إنها طبق الأصل عني، أخفض بصري ناحية نقش اسمها .. بلوميريا ستيفن .. لم أظن يوما أن إحدى شبيهاتي الأربعين ستكون بهذه المطابقة، تجذبني صورة أخرى ذات إطار مميز عن البقية تتوسط الجدار، مكتوب أسفله أنه رئيس العائلة، رجل أشقر ذو عينين تحملان مزيجا فاتنا بين الأزرق والرمادي، مزيجا سبق ورأيته في مكان ما، أحاول تذكره، نعم، صديق فارس وابن عمه الذي كثيرا ما كان يزور بيتنا في طفولتي، أكان اسمه ذؤيب؟
لكن حقا ما الذي يعنيه هذا؟ أسماء النساء، امرأة تشبهني تمام الشبه ورجل يأخذ من شكل ذؤيب الكثير، حتى فارس، ريان، كاميليا وأوركيد، يحملون الكثير من صفات المتواجدين على الصور هنا، أهذه صدفة أم ماذا؟
ــ من أنت وما الذي تفعلينه هنا؟
صوت شاب يأتي من الخلف يقاطع ذهولي، أستدير نحوه بارتياب، إنه ليس جوزيف بل رجل غريب، أشد على قبضتي متراجعة للخلف بخطوات واسعة وعقلي المشوش ينقب عن ردة فعل مناسبة، لكن الرجل سرعان ما قاطعني بنزع وشاحه وتغطيتي به ليصيح بغضب:
ــ لما أنت في وضع كهذا؟ لا تخبريني أن هذا من فعل أولئك الرجال القذرين، الأوغاد إنهم يملئون المكان هذه الأيام

.
.
.

أنا ملاك، وأنا حاليا في سيارة الشاب الغريب الذي سيأخذني لقسم الشرطة للإبلاغ عن ما حدث معي، هو يظن أنها مجرد حالة اعتداء بسيطة، لم يترك لي فرصة للشرح بل أمرني بتتبعه وعدم البقاء بمفردي في ذاك القصر خاصة بعد معرفته لعدم امتلاكي لأي هاتف أو وسيلة اتصال
أشد على الوشاح بامتنان لهذه الفرصة التي منحني الله إياها، الحمد لله دائما وأبدا، من كان يتوقع أن الإنقاذ سيأتي بهذه السهولة
ــ أعتذر على عدم توفر ملابس أخرى غير هذا الوشاح، أعلم أنها الحرارة لكن اصبري ريثما نصل سيعطونك ثياب جديدة
ــ جزاك الله خيرا
المرآة الأمامية تظهر لي مقدار الصدمة المتجلي في نظراته
ــ هل أنت مسلمة؟
ــ نعم
أكتفي بهذه الكلمة وهابي ألمح الغضب يزداد وضوحا عليه وهو يشتم "المعتدين" الأوغاد
ــ وما الذي أحضرك لهذا المكان؟ أين عائلتك؟ أنت في البيضاء، الدولة التي لا تملك قانونا ولا دستورا أخلاقيا، الناس هنا لا يخافون الله في أنفسهم ولا في غيرهم، كان عليك أن تكوني أكثر حذرا وأن لا تبتعدي عن عائلتك
ــ إنهم ليسوا هنا، إحدى العصابات خطفتني من بلدي الأم وسافرت بي إلى هذا البلد، لا ملجئ لي بعد الله إلا الشرطة
ــ عصابة خاطفة؟ هذا البلد استطاع القضاء على كل العصابات المتواجدة به غير عصابة الأوركيد والتي لا أظنها تملك الوقت لتضييعه في خطف مواطنة عادية من بلد آخ ، مؤخرا اغتالوا أحد المغنين المشهورين في القارة، أعمالهم على الأناس المهمين لا غير
ــ "الوسيم أزرق العينين"، اسم أحد الأوغاد الذين استضافوني في المكان الذي جُلِبتُ له
أجيبه ليظهر ملامح صدمة أشد وهو يستدير نحوي بصراخ:
ــ أشهر مغتصب نساء تبحث عنه العدالة؟ إنه أشهر أعضاء منظمة الأوركيد، أتقولين الحقيقة أم تدعين هذا
لا أجيبه، أرفع كف يدي المنقوش عليها شكل وردة ليعود للجلوس باعتدال والتركيز على الطريق هامسا بجزع:
ــ يا إلهي، لما بين الجميع تورطت مع هذه العصابة؟
لابد من أنه نادم على مساعدتي، يحق له هذا، هذه العصابة ليست ممن يريد أحد أن يتورط معها
أضم يدي من جديد متأملة نقش الوردة، رؤيته تجعلني أغرق في مشاعر القرف والتقزز، يذكرني بتلك الليالي السوداء التي أُنتُهك فيها شرفي من طرف رجال المنظمة والذي كان آخرهم هذا الذي ذكرت اسمه قبل لحظات، رسم لي هذه الوردة وقال أنها تذكار لكي لا أنسى استضافتهم الكريمة لي، ذكراهم تجلب لي الرغبة في التقيؤ
ــ لقد وصلنا، هذا هو مركز الشرطة
يقولها بعدما أوقف سيارته، لقد وصلنا، أترجل من السيارة متجاهلة الذكريات القذرة، كل ما يفصلني عن الأمان مجرد خطوات، أشكره على المساعدة لأتقدم لكن يقاطعني صوته المليء بالأسف:
ــ أعتذر على عدم قدرتي على المساعدة أكثر، أريد المجيء معك والتأكد من سلامتك لكن...
ــ لا بأس فقد ساعدتني كفاية، أتمنى أن لا تنزعج من أخذي، لوشاحك لولا حاجتي له لأعدته، سأتركه هنا لذا عد لأخذه
أقاطعه لأكمل سيري نحو المركز بسرعة شاكرة له من أعماق قلبي مشاعره الصادقة، لديه شهامة أجبرته الظروف على التربية عليها، يحق له الخوف على نفسه وعائلته
دقائق تمر ينتشلني فيها طيف السكينة، فور رؤيتي لشرطي الاستقبال قلت له قصتي .. "أنا مواطنة من دولة الحسناء، خُطِفت من طرف عصابة الأوركيد، أنظر للنقش على كفي، لكنني استطعت الهرب والآن أريد منكم إعادتي لعائلتي، عائلة غريب، هذا اسمها" .. هذا ما قلته له وبعدها أخذني لرئيسه مباشرة، والأخير طمأنني، وعدني بإعادتي للمنزل بسلام، ثم تركني في مكتبه الخاص وذهب من أجل الاتصال بسفارة دولة الحسناء حسب قوله
أتكئ على ظهر الكنبة مطلقة زفيرا طويلا، لم يبقى الكثير حتى أصل لبر الأمان لكن ما سبب الشك الذي لا يزال يدب في قلبي، أرمي طرف نظري نحو الباب، أصوات خطوات العاملين تقل تدريجيا، أنظر نحو المكتب فور سماع رنين الهاتف الثابت والذي انقطع بعدما لم يجد أي إجابة، لماذا المفتش غادر المكتب رغم مقدرته على الاتصال من هذا الهاتف؟ هذا غريب
أنهض من مكاني لأخرج من الكتب وآخذ في السير بحثا عن الحمام من أجل غسل وجهي والتخلص من الأفكار السلبية، أمر من جانب إحدى الغرف، بابها شبه مغلق، آخذ نظرة خاطفة وسرعان ما أتوقف عند لمح رئيس الشرطة محدثا أحدا على الهاتف، لابد من أنها السفارة، أنوي استكمال سيري لكن يوقفني كلامه الذي يتلفظ بها بكل احترام
ــ نعم سيدي الرئيس، لقد جاءتنا أسيرتكم الهاربة ، شقراء مجروحة الجسد تقول أنها من عائلة غريب، سوف أعيدها لكم بسرعة سيد ستيفن
أتراجع للخلف بصدمة، ستيفن؟ أرجل السفارة يدعى ستيفن؟ لو كان رجل السفارة حقا فما الذي يقصده بـ"أسيرتكم الهاربة" و "أعيدها لكم"
ــ الولاء للأوركيد
أعض على شفتي وأهز رأسي بعدم تصديق فور سماع جملته الأخيرة، إنه يحدث رئيس العصابة، كيف يجرؤ على خيانة مبادئ عمله كشرطي؟
ــ ما الذي تفعلينه؟
صوت من خلفي، أستدير برعب لأجد شرطي آخر، أجيبه بسرعة زاعمة الهدوء:
ــ أردت الذهاب للحمام لكني لم أجده
ــ سوف آخذك له، اتبعيني
أتبعه، أدخل الحمام وأبدأ في غسل يدي، أنظر نحو الباب بسرعة لأجد الشرطي لا يزال يقف عنده منتظرا خروجي، أسمعه يقول متحدثا من الهاتف "نعم سيدي إنها في الحمام، سأحرص على إعادتها لمكتبك"، أطيل غسلي محاولة اغتنام الفرصة والتفكير في الحل، لازلت تحت تأثير الصدمة، بعدما كانت الشرطة فرصتي الوحيدة للنجاة هابي أجدها ضدي، علي الهرب من هنا أيضا لكن كيف وإلى أين؟
أغلق الحنفية لأدخل المرحاض، ألمح النافذة المفتوحة، أفتح الحنفية بتمويه وأغلق كرسي المرحاض لأصعد فوق غطائه مطلة منها، تماما كما تظهره الأفلام هناك صندوق قمامة كبير في وسط شارع ضيق، علي القفز والهرب لكن المسافة عالية بعض الشيء، على الأرجح سأنكسر لو قفزت
ــ هل أنتي بخير؟
يتبادر إلى مسامعي صوت الشرطي لأجيبه رامقة الباب بقلق:
ــ نعم بخير، أظنني أعاني من الإسهال فقط
أسمع همهمته لأعود لمراقبة الشارع الخارجي، لا يهم، علي الهرب مهما كان الثمن، لن أعود لذاك المكان القذر مجددا
أرفع جسمي لأقفز، أقع على أكياس القمامة الممتلئة، أنزل من الصندوق بصعوبة بسبب ألم يدي، أظنها التويت، أخرج من الشارع الضيق من الجهة الأخرى المعاكسة لمبنى الشرطة، آخذ في الهرولة وسط الناس، هناك الكثير منهم إضافة للحفلات والأجواء المبهجة، يبدو أن هناك مهرجان، أزيد من سرعة هرولتي بسبب نظرات الناس المستنكرة لهيئتي
ــ هيه آنستي هل أنت بخير؟
شرطي آخر يستفسر عن حالتي، يبدو شخصا طيبا مخلصا لوظيفته، أكاد انطق طالبة منه المساعدة وأخذي لمركز شرطة آخر، لكن سرعان ما صدر صوت من هاتفه المستطيل:
ــ نداء لجميع رجال الشرطة، يرجى القبض على معتقلة هاربة شقراء ذات ندوب على جسدها وثيابها ممزقة


*


الموت، هو ليس رؤية الفقيد مودعا روحه، إنما حقيقته تكمن في العيش مع آثاره التي لن يملأها أحد غيره
أنا متعب، وحالي كاسمي تماما، متعب من العيش، الهواء الذي أتنفسه يخنقني أكثر لا غير
قبل أشهر قليلة أنزلت ألبومي الجديد المشترك مع رفيقي "آلن" بمناسبة مرور 15 سنة على تعارفنا، منذ التقينا في الروضة تشابكت أرواحنا ولم نفترق بعدها، لو كان هناك من يستحق لقب نصفي الآخر فسيكون هو وبدون أي تردد، حتى عندما يحصل أحدنا على هدية ما يرفض استلامها دون مشاركة الآخر له
لكن ما حدث بعد صدور ألبومنا الجديد، وُجِد آلن مسلوخ العنق في قلب منزله وقد رُسِمت بجواره وردة أوركيد، لقد تم اغتياله من طرف العصابة الأكثر شرا في العالم، لكن لماذا؟ الجميع عرف أن هذا بسبب إحدى أغاني ألبومنا التي ذكرنا فيها قصة ابنة الوزير التي قتلتها العصابة قبل زفافها انتقاما من والدها، لقد أغضبهم الأمر، لم يكن علينا إصدار الأغنية والعبث معهم، لم يكن علي اقتراح الفكرة أساسا، أنا السبب، أنا من يجب أن يسلخ وليس آلن
ردة فعلي بعد سماع خبر موت رفيقي لم تكن جيدة، انهرت لدرجة رغبتي في إنهاء حياتي لكن رجاء الجمهور استطاع تهدئتي، قالوا أن آلن لن يسعد لو حدث وانتحرت بسببه، الشرطة ستنتقم من قاتله، الجميع يفقدون أحبابا لهم في هذه الدنيا لذا علي الصبر، أحتاج لبعض الوقت حتى أتأقلم فقط
أتأقلم؟ أبتسم بسخرية يغلب عليها الوجع، ها قد مرت الأسابيع والأشهر ولازلت على حالي، هل علي الصبر لوقت أطول؟ أشهر أو أعوام أخرى؟ أم الحياة أكملها ستمضي وهذا الفقد يستمر في ذبحني، لا تمزحوا معي، التحمل لم يخلق لي فدعوه لأصحابه، كل ما أنا متيقن به أن آلن رحل لذا علي الرحيل معه، هذا هو الحل الوحيد للهرب من تأنيب الضمير هذا
حاليا أقود السيارة وسط الشارع الفارغ، أنا في القرية، أتيت لها وفقا لطلب رئيس أعمالي من أجل الراحة من ضجيج المدينة، أحرك المقود لأنحني عن المسار ناويا الاصطدام بإحدى الشجرات التي تملئ المكان، أترك المقود وأنظر لزرقة السماء الصافية، سيكون من الرائع لو كانت حياتنا صافية كصفائها، أنظر للشجرة، ثوان حتى نصطدم، سوف أموت وأعاقب نفسي على موتك آلن
فجأة تظهر امرأة متشحة بالسواد راكضة أمامي دون الانتباه لسيارتي، أعيد إمساك المقود وأضغط على الفرامل بقوة محاولا إيقاف السيارة لكني أفشل وأصطدم بجسد الفتاة
تتصلب أطرافي من هول الصدمة وتتوقف الأنفاس عن الولوج لرئتي، لقد قتلت شخصا آخر


ـــــــ
تم الفصل الرابع والحمد لله
نلتقي بإذن الله في الفصل القادم

 
 

 

عرض البوم صور مخمل الرجاء   رد مع اقتباس
قديم 30-06-22, 04:40 PM   المشاركة رقم: 10
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2019
العضوية: 333794
المشاركات: 25
الجنس أنثى
معدل التقييم: مخمل الرجاء عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 74

االدولة
البلدAlgeria
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
مخمل الرجاء غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : مخمل الرجاء المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: رواية دفء وجمود

 



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أيها القراء الأعزاء
سأكمل الرواية في هذا الموضوع .. هي نفس الرواية لكني غيرت العنوان وصححت الأخطاء اللغوية في الفصول فقط
تم الحذف من الادارة يمنع وضع روابط خارجه من المنتدى الا بعد موافقة الادارة
وجزاكم الله خيرا

 
 

 

عرض البوم صور مخمل الرجاء   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
رواية دفء وجمود
facebook




جديد مواضيع قسم قصص من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t208562.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 06-03-23 10:33 AM


الساعة الآن 01:16 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية