لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > المنتدى العام للقصص والروايات
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

المنتدى العام للقصص والروايات القصص والروايات


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25-02-21, 12:22 PM   المشاركة رقم: 46
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2017
العضوية: 327052
المشاركات: 98
الجنس أنثى
معدل التقييم: شتات الكون عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
شتات الكون غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : شتات الكون المنتدى : المنتدى العام للقصص والروايات
افتراضي رد: رواية: أحببتُ حُطاما سَبق أوان الرحيل\ بقلم شتات الكون

 




.
.
بينما هُناك ما بين زوايا ورسميّة المكان الذي يضج بالأطباء والمختصّين والرجال والنساء ذات المكانة العالية في مناصب مرتبطة بالصحّة، كان يجول....أتى هُنا كونه"مهندس جينات"،"مهندسًا وراثيًا" له بحوثاته المتفرّعة الناجحة وبحوثات على قيد الإنشاء فهو تابع لمستشفى عريق بسُمعته في واشنطن...ولديه بطّاقة تمكّنه من الدخول.....سيجلس هُنا ليستفيد......ويفيد النّاس بنشر ما يجول بالداخل فهو تطوّع بنشر ما يحدث مع الصحافة.....ووافقوا....بينما هُناك من سيقوم بالمناقشة وبإلقاء الخطاب باسم المستشفى الذي يعمل بداخله..سمع رنين هاتفه...ونظر للاسم ....وخرج من ضوضاء المكان
: هلا بو سلمان....
بو سلمان بعصبية: وينك انت صار لي ساعة ادق عليك وما ترّد؟
بتّال: حاليًّا انا في المؤتمر الصحي....خير مستجّد شي بعد؟
بو سلمان: الوضع ما يطمّن.....
بتّال ابتعد قليلًا عن النافورة ...وعن مرور وعبور النّاس منها....ليأخذ من اطلالة المكان على الطبيعة زاوية للإنعزال
وضع يده اليُمنى في مخبأ بنطاله: يعني في شي؟
بو سلمان: اللورد قاعد يضغط على ليث...موكّله عدّة تجارب .....خلّص من خمس ....وعلق في السادسة .....يا معوّد ما راح يقدر عليها.....انا وأنت قد جرّبنا نسوّيها...ولا ضبطت....
بتّال مسح على رأسه: عشان كذا اصلًا سوا هالحوسة وترك ليث يخضع له....عشان هالتجربة الزفت.....بس ما نيب فاهم ليش يسوي كذا الحين...؟

بو سلمان بلل شفتيه: عشان ما يعطيه مجال يفكّر في الحقيقة والواقع ولا يخمّن شي......خايف على ولده وايد رغم ليث مصدّق انه مات..
وبقلق: وليث اصلا مو طبيعي ....عقله فاصل ....على التجارب...صاير مينون......ما احسه عاقل مثل أوّل....
بتّال ضحك: هههههههههههههههههههههههه هذا من بركات اللورد...جنن الولد.....
بو سلمان ابتسم بخبث: عشان جذيه لازم نستغل الوضع ونسوي خطّتنا....
بتّال سكت: انت تدخل بيت اللورد؟
بو سلمان: اي......لازم احطها في مكان مخفي ولا بروح وطّي....
بتّال بتحذير: :لا تستعجل.....
بو سلمان: مو مستعيل.....بس اللورد ما صرت اضمنه......شفت خبثه وين وصّل ليث فيه....
بتّال: ههههههههههههههه خايف يخلّيك مجنون مثله؟
بو سلمان: بسكر....انا في المعمل المينون وصل.....الله يعيني عليه....باي..
بتّال ضحك: باي....
ألتفت يمينًا ويسارًا ثم عاد من حيث أتى!
.
.
نظر لصورتها، لا يُخفيه نقصت وزن ليس هيّن...واضح عليها الأمر....نظر لإبتسامتها التي تغتصبها على شفتيها.....شعر بوخز في قلبه...وبدأت عاطفيّته تُنشد أناشيد حُبّه على مهلٍ منه.....مُنذ عودته وهو ليس على ما يُرام....يشعر بالإختناق قلبه غير مطمئن....يخشى عليها من الموت ويخشى على ليث من كل الأشياء السيّئة التي تخطر على عقله وهل هُناك ما هو اسوأ من الموت؟
أجل.....هُناك ما هو اسوأ منه!......تنهّد بضيق.....ترحّم على صاحبه المقرّب سلمان.....بلل شفتيه.....ادخلهم في القوقعة وحينما اراد سحبهم منها مات!
لن ينسى انهياره" سامحوني.....ما قصدت اوهقكم معاي" كان يقرأ من عينه ندم ثخين وثقيل....حاول أن يخفف عنه بالقدر المستطاع وحينما بادرت خطّت حرق المعمل في عقله أوّل من دعم الفكره هو....فقط من أجل أن يُريح ويُسكت ضمير سلمان....ولكن ها هو رحل ليترك العبء على اكتاف ليث.....نهض بصعوبة وبحذر كاد يدخل الخلاء ولكن
سمع صوت أخته: لا عمي.....اموري تمام مع زوجي.....اكيد بيعلنه....طيب ليش معصّب.....انت تدري عن هالشي من قبل.....لالا ما ضيّعت نفسي.......ططط...طططيب لحظة.....اسمعني....

ذهب لناحيتها ونظر لوقفتها المتوترة وهي تنظر للهاتف وتتحدث بصوت غير مفهوم
تحدث : شفيه عمي بو عبد المجيد.
لديهم عم واحد....وهذا العم لديه خمسة ابناء وفتاتين فقط
: أمس يتحمد على سلامتنا واليوم طالع ونازل فيني تسفيل على سالفة ليث.....قلت لك لا تقول له.....
ركان اغمض عينيه: اضطريت اقول له انك مسقطه ونزلنا.....عشان لا يجلس فوق راسي يحن وش صاير....وليش نزلتوا ولا اتصلت علي......هذا تمهيد له...عشان افاتحة بموضوع استقرارنا هنا....
أمل بنرفزة: ما هوب هذا اللي رافع ضغطه.....يقول بيت ابوكم بالرياض مهجور....وتروحون الخبر ليه...
ركان: هدي الحين وبفهمه....انا هالبيت بيتي.....صغير تمام....بس مرتاحين فيه.....ودامك انتي بتعيشين في الخبر...انا مستحيل ارجع الرياض...وبيت ابوي ببيعه بس لين ارتّب وضعي.....
أمل نظرت له: عمّك ما بيسكت...وخايفة يسوي فضايح مع اهل ليث.....
ركان بضيق: لا تحاتين بكلمه......لا تهزّك عصبيّته هو خايف عليك لا اقل ولا اكثر...ومن عمره مو موافق على زواجك بليث بالسر......بس انا اللي وقفت في وجهه وخذ بخاطره علي!
أمل بتنهد مسحت على جبينها: الله يستر بس منه....
ركان طبطب على كتفها: اقول تراني ميّت جوع غداك ما استوى؟
أمل ابتسم له: إلّا استوى بروح احطه.......
ركان ابتسم: لا تتأخرين امس ما تعشيت واليوم ما فطرت....النوم ماكلني أكال....
أمل : ههههههههههههههه والله نفس الوضع....احس تعب الدنيا كلّه طلع علي.....نمت ولا حسّيت بعمري.....والحين ميّته جوع....بروح احط....انتظر خمس دقايق بس...
ركان هز رأسه ثم تنهد وجلس على اقرب اريكة منه!
.
.
لا تدري ماذا تفعل؟ تشعر بتكبّل يديها بالأغلال مضت الثلاث أيّام دون افتضاح امرها....دخلت تحدّث صاحب كل حساب نشر الفيديو وترجّتهُ بحذفه وشرحت وضعها
منهم من تعاطف معها وحذفه واخذوا يحذّرون بقيّة الحسابات من نشره من أجل التستّر عليها ومنهم من لم يرد ولم يُبالي...ولكن ما زال البعض .....يأخذ الفيديو "يركّب" عليه حديث اللّهو وثرثرات عقيمة......يضيفون عليه تأثيرات واغانٍ اخرى......وهذا الأمر مُرعب لذا.....عادت لعزلتها وتعجّب والدها منها لو كان والدها من إحدى مدمنين مواقع التواصل الإجتماعي لوقع المقطع في يده سريًعا او هذه رحمة إلهية من الله انه لم يصله.....ثلاثة ايام تبكي فيها لوحدها لا تدري كيف تحل الأمر وتربطه...اتصلت على وصايف وتلك الأخرى لا تُجيبها بل في الواقع هاتفها مُغلق.....فتح الباب عليها
رآها مستلقية
سمع صوت بكاؤها فاقترب وجلس على طرف السرير وضع يده على كتفها لتشهق وتنظر له: مزون يبه وش فيك علامك؟
مزون ازدردت ريقها: ما فيني شي....
راشد نظر ليدها: يدك تعورّك؟
مزون هزت رأسها" أي"
فقال: قومي نروح المستشفى....
مزون مسحت دموعها سريعًا: لا ماله داعي...تو اخذت مسكّن لو ما نفع بجيك وبخلّيك تودّيني...
راشد: طيب.....جيت بقول لك...شيء
حّك انفه: مضطر اسافر يومين بالكثير لجده عشان الشغل .....ومثل ما انتي عارفة الحين وقت دراسة ماقدر انزلك عند خالتك....
مزون بكت هنا: تكفى لا تروح يبه....أخاف اجلس بروحي في البيت.....
مسح على رأسها وابعد بيديه الدموع : وش تخافين الله يهديك....معك لِيلِي....
مزون شدّت على يده: تكفى لا تروح ولو....حتى لو هي هنا....اخاف.....خل ينتدبون واحد ثاني...تكفى....
راشد بضياع هنا وبحنيّة: والله انها صعبة علي....بس ما اقدر ارفض...ذاك الشهر رفضت هالشهر ما اقدر.....علامك مزون كم مرة صار لي انتداب ما سويتي منّاحة مثل الحين!
مزون: يدي مكسورة...وكل شي فيني متكسر وتبي تروح بعد؟!
ابتسم بخفة: بحاول ارجع قبل الوقت المحدد....
مزون بعينين محمرتين: طيّب متى بتمشي؟
راشد : بكرا......
مزون ازدردت ريقها، ربما انشغاله المكثّف سيكون سببًا في نجاتها، هزّت رأسها: طيب....
راشد نهض قبّل رأسها: ارتاحي...واذا ما خفّت يدك تراني تحت بالصالة.....مانيب طالع اليوم....
مزون سحبت يده وقبلّت باطن كفّه: واذا ما نمت بنزل لك....
راشد بعثر شعرها: طيب...
ثم خرج من الغرفة واغلق الباب، وعادت تأكل في نفسها، سحبت هاتفها وبلا تردد اتصلت عليه
.
.
نظر لوالده.....ويسترق النّظر لخالته...كلاهما ليس على ما يُرام....هو يعي مدى علاقتهما في بعضهما البعض مهما حاولا ألّا يُظهرا ذلك ولكن هو يعي بُعد خالته خاصّة عن والده، وصايف لم تأتي سريعًا بعد زواجهما، رسميّتها المبالغ فيها ليست من باب الإحترام فقط...بل لسّد أبواب اخرى....نهيها عن نعتها بـ"أمي" بدلًا من "خالتي" أمر لا يجلب الشُبهة ولكن طريقتُها في حزم الأمر مُريب....يشعر وكأنّها تبتعد عن والده أميالًا طويلة......هل تكره؟

أم تكره تلك الأيّام التي انطوت عليها لتضعها تحت سقفٍ واحد معه.....هي بكت أختها كثيرًا.....يذكر لقطّات مشوّه في ذاكرة طفولته في ليلة زواج أبيه منها....كانت عيناها تدمعان.....واسترق صوت بكاؤها من خلال الغرفة حتّى وقتها يذكر أتى فهد ليسحبه من أمام الباب.....ينهيه عن فعلته ويبيّن له أنّ ما فعله" عيب".....حكّ جبينه....افراد عائلته جميعهم ليسوا على ما يُرام.....والشكوك تحوم وتُصيب بثلاثيّة سهمها دماغه الصّلب
بو فهد: ام وصايف اليوم لا تحسبيني على الغداء.....تراني معزوم...
ام وصايف بهدوء: ان شاء الله....
نهض ونظر لفهد وريّان: جدكم يعتب عليكم....بقّل زيارتكم ووصلكم له......ترا ما راح يضركم ولا بينقص من مجهودكم شي...لم تطلعون الصبح بوقت مبكّر وتروحون لأمي وابوي.....ثم تسرون على شغلكم بعدها.....
ريّان نظر لفهد وهو يتحدث: حقّك علينا يا بوي.....الوكاد الدنيا لهّتنا....
ريّان نطق سريعًا: قبل ثلاث ايام رحت له...
بو فهد بسخرية: هذا انت قلتها قبل ثلاث ايّام.....
ثم التفت على ام وصايف: وين وصايف؟ ....ليش ما نزلت تفطر....مو المفروض جهزت للمدرسة!
ام وصايف
بلعت ريقها بصعوبة....ابنتها حقًّا ليست على ما يُرام مُنذ ثلاثة ايّام ...تشعر بحُزنها الشديد على توأمها.....هذا الشهر يخبّأ ما بين طيّاته حنينها لتلك المدفونة تحت الترّاب......ها هي قابعة في غرفتها...وصورها مع اختها مبعثرة في كل مكان.....تُبكي أختها من جديد بصوت عالٍ تارة وتارة اخرى تبكيها بصمت......تقسو عليها بطريقة غير مُباشرة...فهي أم.....تفتقد ابنتها....تتألم على موتها...ولكن تصبّر نفسها على فُراقها....عليها ألّا تجزع.....ألّا تستسلم لوسوسة الشيطان
نظرت لزوجها: تعبانه ما راح تروح المدرسة...
لم يطيل الأمر: ما عليها شر ان شاء الله.....عن اذنكم
ريّان هُنا ألتفت سريعًا: وش فيها؟
ام وصايف بتنهد: والله يا ريّان ما دري وش اقول...
خشي من أن يكون الأمر جدّيًا فقال هو الأخر: خالتي....تعبانة مرّا؟
هزت رأسها: نفسيتها تعبانة.....مثل ما تعرفون المرحومة ماتت في مثل هالشهر....وهي من رجعت من بيت جدكم ذاك اليوم...وهي تبكي وتناظر بصورها...
ريّان: ما يجوز اللي تسويه......
فهد نهض: بروح اشوفها....
ام وصايف نهضت: لا وانا خالتك لا تضغط عليها...
فهد: ما بضغط بس بطمّن...
ريّان نهض هو الأخر: بجي معك....
ام وصايف حينما نهض ريّان شعرت بالقليل من الإطمئنان ريّان يمتلك اسلوب للتخفيف اكثر من فهد ذو الطبّاع الحادة والذي من الممكن يزيد الأمر بدلًا من ان يخففه دون شعورٍ منه، نهضت هي الأخرى متوجّها للمطبخ
.
.
صعدا على عتبات الدرّج معًا مسك كف أخيه: اهتمامك زايد...
فهد نظر إليه: تعوّد عليه....
ريّان بنبرة هادئة ولكن بنظرات حادة: بيجي يوم واعرف قلبتك هذي وش سببها!
فهد نفض يده من أخيه وهرب عنه متجهًا لناحية غرفة اخته، طرقها بخفة ولم تُجيبه....
.
.
بينما هي كانت مولّية بظهرها للباب قريبة من النافذة تحاول التحدّث بالهمس....أوجعها.....مُقارنته لها بمناهل اشعلت امور كُثر بداخلها....شوق...وحنين وخوف....وغِيرة ايضًا.... كيف علم أنّ شخصيتهما متغايراتان؟ بل لا يحق له بأن يُقارنها بأختها.....اتصل ليحدثها في هذا الصباح بغضب لم تعهده منه ابدًا!

: وصايف...صايرة تكبرين الموضوع بشكل لا يُطاق ملاحظة؟......ليش مّنتي حاسة فيني؟....ليش تحسسيني أنا اللي جالس اركض وراك....وابي اشتري رضاك وانتي؟.....ولا قد سويتي شي عشان خاطر عيوني.....ولم قلت كلمة عابرة خذتيها عذر عشان تزعلين وتاخذين على خاطرك منّي!
رفع صوته بانفعال: تراك مانتي مجبورة على حبي......وانا
ضرب على صدره بمشاعر عاطفية حساسة: قادر ادوس على قلبي وانساك...
بكت هي الأخرى اختنقت لتردف: اي عاد انت تبيها من الله......مانت قادر تستحملني...ولانت قادر تفهمني...تعاكس شعوري.....وتجي تتهوّر....وانا اكثر وحده بتضرر....

نواف ارتفع صوته ولم يهتم إن كان يتسلل من غرفته أم لا
واقف امام المرآة ولكن ينظر لزواية بعيدة عن انعكاسه وهو مرتدي الثوب السعودي للذهاب للمدرسة: هالمرة وش سويت بعد؟.....جيت اشوفك.....ولا ما هوب من حقي اطفي الشوق اللي فيني؟

مُراهق ومُندفع في كلماته.....وفي تصرّفاته....يضربها على أوتار العاطفة الحساسة ليجعلها تبكي بصوت يتسرّب لمسامعه مرغمة!
نطقت بين شهقاتها: نو...

سمعت باب غرفتها ينفتح ألتفتت بسرعة بوجهها المحمر وهي ممسكة بهاتفها، غصّة في شهقاتها حينما نظرت لفهد الذي تقدّم بخطواته للداخل، ولم تُخفيها نظرات ريّان...ريّان بات يُرهب قلبها .....فهو كاد ان يرى مصيبتها وهي في منزل جدها....وقبل ذلك.....شعرت انّه علم ممّن ذلك الأثر الذي خلّفهُ نواف...والآن نظراته.....اشعرتها وكأنها واضحة ومفهومة بالنسبةِ إليه.....

تداركت الوضع مسحت طرف انفها بكف يدها: نوفة مابجي المدرسة......ارسلي كل شي لي بعدين...
نواف صرخ: اهرررررررررربي مني اهررررررررربي...
ثم اغلق الخط...خشيت من انّ صوته تسرّب لمسامعهما.....فشدّت على اعصابها اكثر.....ونظرت لهما بصمت
ريّان كان يحدّق بها دون ان يُرمش...وفهد كان يحدّق للصور المرمية على السرير والساقطة على الأرض
فهد اقترب منها: وش هالحوسة؟
وصايف ارتبكت ....مسحت دموعها برجفة كفّيها التي لم تُخفى على ريّان.....كانت تدور بنظرها إليه ومن ثم إلى فهد: صور...

ريّان سحب هواء عميق لرئتيه، حالها لا يُعجبه.....يخشى من أنّ هُناك أمر مغاير للأمر الذي يراه....ألتزم الصمت كعادته وأخذ يحلل الوضع بنظراته!
فهد: أنا عارف....

ثم اقترب منها وضع يديه على كتفيها: ما يجوز اللي تسوّينه......هذا قدر ومكتوب...وكلّنا ما شين على هالطريق.......ولازم تحطين ببالك ولا تنسين.....والرّضا بالقدر خيره وشرّه....فاهمة ايش يعني؟
هزّت رأسها ثم همست: اشتقت لها....
فهد رفع رأسها حينما امسك بطرف ذقنها نظر لعينيها العسليتّين: على قدر اشتياقك لها...سوي شي ينفعها وهي في قبرها....تصدقي عنها.....اقري لها سورة الفاتحة...مو تجلسين تحبسين نفسك بالغرفة وتولولين عليها.....تراك كذا تضايقينها يا وصايف.....غير كذا...
تهجّد صوته قليلًا: تضايقين امّك.....لا تحسبين انها ما تتضايق......لا ....اشهد بالله إنها....تتضايق....وتحاول ما تظهر هالشي عشانك....بس انتي بالمقابل....وش تسوّين؟.....تزيدين حزنها ووجعها مو بس على مناهل.....حتى عليك.....خففي من حزنك...اذكري ربك....قولي الحمد لله على كل حال.....
وصايف نظرت لهُ وبدمعة: احس إني فاقدة جزء من روحي.....مو قادرة اتحمّل شعور اني بعيش...بدونها...
أخيرًا خرج عن صمته...وباعد نظرات تفحصّه بقول: كلنا نقول ما نقدر....ولا راح نعيش!.....قلتها قبلك يا وصايف لم ماتت امي....
ثم فتح يديه وبهدوء اردف تحت نظرات فهد المنصدم من حدّت كلامه على صوته ونبرته التي لا تنّم لأي حدّه!

: بس شوفيني وشوفي فهد قدرنا.....ما نسيناها....بس قدرنا نجاوز شي بسيط من ذكرى وفاتها.....
وصايف بشهقة بكاء: يمكن عشان مرّت سنين...كثيرة...
فهد سكت لا يُجيد الحديث أمام ذكرى والدتهُ ازدرد ريقه.....هو حقًّا عاش دونها ولكن بفقد جزء منه....كما هو شعور وصايف الآن.....هي تشعر بفقد روحها ....ولا تظن أنها قادرة على العيش...ولكن ستعيش ...بخسران هذا الجزء!
ريّان: السنين اكيد لها يد بهالشي.....بس هم الدنيا تنسّي...قادرة من انها تخلّيك تتناسين على الأقل وتشغلك......دراستك جزء من التناسي....ذكرك لربك ينسيك كل هم.....أنتي قرري تطلعين من هالحزن....وراح تقدرين تعيشين....
وبنبرة ساخرة وواضحة: دراميّة ما اقدر انسى ذي خُرافة يا وصايف!
ثم اخذ نفس بصوت مسموع: لا تعذبين اختك بدموعك اللي ما تفيدها اصلًا.....ولا توجعين نفسك وتمرضينها......لله ما اعطى ولله ما اخذ ....وإنّ لله وإليه راجعون....هذا حال الدنيا....اليوم حنّا موجودين بكرا ما ندري وش ممكن يصير....ولا ندري من راح نفقده!

فهد ربت على كتفها: اليوم سماح لك....لا تروحين المدرسة...ريحي اعصابك ونفسك......بس ما راح تجلسين بغرفتك انزلي تحت ساعدي خالتي وشغلي نفسك معها...
ريّان اخذ يُجمع الصور بيديه، وسحب الصور المُلقاه على الأرض: من يوم وراح الصور بتكون معي!
وصايف: لا ريّان تكفى خلها معي...
ريّان: بترك لك صورة بس.....ولعقلتي عطيتك اياهم....
لم يترك لها مجالًا لمناقشته.....خرج
وفهد لاحقهُ بنظراته.....ثم عاد ينظر لوصايف: عن اذنك بروح لشغلي.....
ابتسمت له ليؤكد لها: نزلي تحت...
وصايف: طيب...
خرج وبقيت هي تنظر لأرجاء الغرفة.....تفكر بأمور مختلطة ومتضاربة......علاقتها مع نواف لم تعد راكدة بل اشتعلت بالنيران دون سبب....زفرت بضيق ثم جلست على السرير!
.
.
تبع أخيه لغرفته تحدث: ما تحّس أنك قسيت عليها بكلامها؟....خاصة وهي بهالحالة؟
ريّان سحب بقوّة من على السرير البذلة العسكرية....ليرتديها أمام أخيه
: لا...
فهد قابل أخيه ونظر إليه: كل هذا عشاني ما قلت لك.....عن
قاطعه بحده: يرححححححم لي والديك.....اطلع برا ببدّل....وبطلع على شغلي...

لا يريد أن يُناقشه....يضغط عليه ليرى نفسه يُخبره بالحقيقة....ولكن لا يدري كيف نطق: مشتاق لرحيل؟
ضحك ريّان هنا وهو يغلق "أزرار" بذلته:هههههههه.. صاير ثرثار بزيادة.....
فهد بحنق وانفعال: وصصصصصاير تاخذ من طبعي كثير...
ريّان بضيق: هذا انا ماخذت من طبع أحد شي....بس انت تتخيّل.....وودّك تتضارب على هالصبح...
كاد يمشي من أمامه ولكن اعترض طريقة واغلق الباب خلفه، تحدث: ريّان.....عارف انّك مشتاق.....ولا منّك قادر توصلها....وليث يسوي اللي هي تطلبه....وقد كلّمني.....وشرح لي الوضع....وفهمّني ما يبي يضغط عليها....والافضل ما تزعـ..
قاطعه بانفعال....هو يريد ان يصرخ مُنذ ان استيقظ والآن وجد سببًا مناسبًا للصراخ الآن: متصصصصصل عليك يشرّه........ما عاد يبينا نزعجه؟.......ولا شيبي الأخ؟
فهد هذا ما لم يتوقعه، انفعال ريّان مريب لشخصيّته اشار له: ريّان اذكر ربّك....الرّجال يبي مصلحة زوجته.....
ريّان اشار له منفعلًا: خلااااااااص عاد...وصلت لهنا
اشار لأنفه: ابوي.....راميها عليه.....وهو يبي يبعدنا.....حتّى لو هي ما تبي تسمع صوتنا....على الاقل....يحاول ويجرّب يفتح الجوال سبيكر وسمّعها صوت خالتي اللي بتموت حسرة عليها.......حتّى ليث.....ما هوب عاجبني.......وجالس يخنقني وضيّق علي!
ثم اشار لفهد: طبعا الوضع عاجبك لأنك انت معتبرها مثل مناهل...ميته...سواء كلّمتها ولا ما كلمتها...ما عادت تفرق....
فهد صرخ: رررريّان....
ريّان ظهر العرق البارز على رقبته: مااااااااا اظن قلت شي غلط.........مقهور......وزودن على قهري......اللي اشوفه.......انت من جهة....ووصايفوه من جهة....بس اقسم بالله....لو يصّح شي من اللي بعقلي......بقلبها حرب على روسكم!

فهد لم يفهم شيء مما قاله ريّان....شعر وكأنه بدأ يخلط الأمور جميعها بل وكأنه مشحون ومحمّل بالقنابل والآن انفجر حاول أن يُمسك يده ليوقفه ويسأله ولكن الآخر خرج من الغرفة تارك فهد يحوقل ثم خرج الآخر لغرفته....سحب هاتفه .....نظر للوقت من خلالة
ونظر لمكالمة فائتة من رقم بِلا اسم....تأفف ثم خرج ليذهب لعمله هو الآخر!
.
.
خُذلان.....حينما ينمو بكَ شعور ما...وترتفع اغصانهُ لعِنان السّماء....يضجُّ فؤادكَ به...يلوذ بنفسه لتحتضنهُ الأيادي الدافئة ليزداد علوًّا....وارتفاع شاهق.....ونموًّا غير قابل للتوقّف...ولكن حينما تختفي تلك الأيادي ويحتضنه الخُذلان بباطل الحقائق....ينمو على نفسه ليتراكم ويُصبح كُتلة ثقيلة تعبث بصاحبها خاصةً إن كانت متكتّلة على وتينه....تقتله ببطء ثقلها وتنزع روحه.....
لم يُبدي بسعادته....بل شعر أنّ وقت العِتاب قد حان....قبلت بهِ....بعد أن جعلتهُ يتذلّل لهذه الرّغبة ويشّد عليها بنواذجه كُرهًا لهذا الرّفض...ابتسم ...هذا كل ما استطاع اظهاره أمام والدته....إظهار الإبتسامة...وإطفاء روح الحماسة من الإقتران بخُذلانه!.....تعجّبت منه ولكن لم تنشغل به
بل ابتسمت: يا عمري يا خويتي....والله انها بعيوني...هذي بنتي....الحمد لله .....انها وافقت...هذا يوم السّعد والهناء......والله ما راح احصّل احسن منها لوليدي....
الأُخرى تتحدث بفرح وهي تنظر لها: والله ما ألاقي احسن من ذياب.....والف الحمد والشكر اللي رجّع لها عقلها ووافقت عليه...

يُحزنها أن يظهروها بالنّمط هذا وكأنها ساذجة....يُرسلون رسائل رفضها وهي لم ترفضه من الأساس....ها هي قبلت به بعد موجة تفكير اكملت الثلاث أيّام....وافقت وهي ترتجف من مستقبلها مع ذياب...ذلك الرجل الذي اصرّ عليها...وظنّ انها رفضته مرتّين.....تنهدت وهي تنظر لوالدتها...من المفترض ان تستعد للذهاب إلى الجامعة ولكن اليوم لن تذهب....تشعر بالضيقة وعدم رغبتها في رؤية النّاس متزايدة!

ام ذياب: خلاص....الحين جا وقت تدخّل الرجال....اي بإذن الله ....راح اخلي ابوه يكلّم زوجك.....
ام صارم بابتسامة وسعادة لا تسعها: الله يتمم لهم على خير....ما اطوّل عليك يا الغالية فمان الله....
ام ذياب نظرت لأبنها: فمان الكريم
اغلقت الهاتف ثم اردفت لتؤكّد لأبنها الذي سمع منها كلّ شيء: عهود وافقت.....وافقت يا ذياب ريّح بالك وهد اعصابك.....باذن الله بقول لأبوك....وخلاص نروح نخطبها رسمي....
ذياب بهدوء لم تتوقعه: ان شاء الله يمه...
ام ذياب : علامك ما فرحت؟
ذياب ابتسم: اشهد إني فرحان.....وأحس إني بطير من سعادتي...
حضنت وجهه بين كفّيها لتقبّل جبينه بعد ان جذبت رأسه إليها حتّى به قبّل رأسها: الله يتمم عليك فرحتك ...ويجعلني اشوف عيالك...
ذياب قبّل جبينها: آمين ....
ثم بلل شفتيه: انا طالع الشغل يمه....ما اوصيك.....الخدامة هنا تبين شي قولي لها....لا تجلسين تجهدين نفسك في شغل البيت......ولا ما عادني بعرس...
ام ذياب ضربته بخفه على كتفه وهي تضحك: ههههههههههه صدّقتك!......لك حوالي شهر تحن على العرس...وإلّا تبي بنت خالتك...والحين....تقول ما عاد تبي العرس!
ضحك هو الآخر: بنت خالتي والعرس ما هوب أهم منك يا الغالية....
ام ذياب: لا تحاتيني ...وتيسّر على شغلك ربي يفتحها عليك ويسّر امرك...
قبّل رأسها من جديد: الله يسمع منك....مع السلامة
ابتسمت له وهو يعبر أمامها: مع السلامة
.
.




 
 

 

عرض البوم صور شتات الكون   رد مع اقتباس
قديم 25-02-21, 12:31 PM   المشاركة رقم: 47
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2017
العضوية: 327052
المشاركات: 98
الجنس أنثى
معدل التقييم: شتات الكون عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
شتات الكون غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : شتات الكون المنتدى : المنتدى العام للقصص والروايات
افتراضي رد: رواية: أحببتُ حُطاما سَبق أوان الرحيل\ بقلم شتات الكون

 



.
.
ألتفتت على والدتها بقهر: يمه ليش كذا تطلعوني بصورة اني رافضته مرّتين....
ام صارم بعصبية: انسي اللي فات مات....وحنّأ عيال اليوم...الولد نسى رفضك...وهذا هو تقدم لك وانتي وافقتي ...فلا تجلسين تسوّين لي من الحبّة قبة!
زفرت بضيق
لتردف والدتها: بإذن الله ابوك بكلّم جدّك وعمانّك اليوم....
عهود سكتت ثم قالت: خايفة جدّي يرفض؟
ام صارم
أجل تخشى من هذا الأمر، فهي لا تضمن ردّت فعله حينما يُخبره ابنه أنّ عهود خُطِبت من قبل ابن خالتها
تخشى من ان يُنهي الأمر بتعليقها كما علّق دانة على اذيال محمد!

: لا ليش يرفض اصلا....
عهود: حاسّني قلبي.....بسوي سالفة...
ام صارم: لا بسوي ولا شي....روحي اجهزي لجامعتك....
عهود: ما بروح واصلا صارم خذ معه دانة ومشوا.....
ام صارم: ونوافوه...
عهود زمّت شفتيها: ما راح.....اظن لساته في غرفته....
ام صارم ضربت على صدرها: يا ويلي...والله إن رجع ابوه وشافه...لا يصلخ جلده....هو محذره .....لا عاد يعود هالغياب....
عهود: بروح اشوفه...لا تهتمين....
ام صارم: اي يمه روحي....ملّينا من هواش ابوك معه....روحي كلميه كود يعقل....
هزّت رأسها
وبدأت تخطو خطواتها على عتبات الدرج بِخُطى سريعة، ثم عبرت من الرّواق.....لتصبح أمام غرفة نواف....لم تطرقه ولم تستأذن بالدخول بل دلفت من الباب على حين فجأة
وكان هو يجول في الغرفة بحيرة واضحة لمرأة العين، هو اخطأ واوشك على فضح نفسه، ولكن هو يُجزم هذا الخطأ بسيط لا يمكن ان يهدم ما بنّاه معها، هو أحدث مقارنة بينها وبين أختها في وقت تأجج مشاعرها لناحيتها لا ينكر ولكن لا يقصد بذلك اقهارها ....ولا يستطيع نُكران مناهل تمتلك روح شُجاعة ومرحة......وجريئة لن ينسى كلماتها حينما يتشاجر مع وصايف وهما صغيران وتدخل بينهما لتفرّقهما بيديها الصغّيرتين تصرخ بنبرة طفولية " اذا ضربتها....بضربك" وتهم عليه بالضربات والصفعات حتّى احدثت يومًا جُرح على أرنبة انفه ولكن اثرها لم يبقى معه ليترك لهُ ذكرى منها!....هو احّب وصايف حقًا....ولكن مناهل كانت نقيضها الذي يُعجبه......ويتناسب مع تمرّده هذا ما يجول بخاطره.....

تنهّد...وألتفت على اخته بعصبية: اظن لهالغرفة خصوصية......وهالبيت انتهكها ولا عاد يحترمها....
عهود بضيق من حاله: ليش ما رحت المدرسة؟
نواف بملل: انقلعي عهود....اطلعي برا...
عهود كتّفت يديها: ما راح اطلع....والحين تنزل قدّامي تروح المدرسة ولا قسم بالله بتصل على صارم....
نواف دفعها من كتفها : قلللللللللللللت لك اطلعي....
عهود بانفعال: شفيك جنّيت انت؟.....يعني خلاص قررت ...تسحب على أم الدّراسة وتجلس؟.....على كذا كلّم ابوي وصارحة .....يمكن يلاقي لك شغل يناسب مستواك الطايح...يا طايح الحظ!

نواف شدّها من عضدها ولكن هي سحبت يدها منه لتصرخ: لا تممممممد يدك عشان ما اكسرها لك....
نواف: وعشان لا اكسرها انا .....طللللللللللللعي....
فجأة انفتح الباب ودخلت والدتهما: شفففففففيك انت....شفيك على اختك؟....لك وجه تمد يدك عليها.....روح طس على مدرستك.......ترا ابوك ما نسى ....ولساته يتوعّد فيك...وإن شافك اليوم غايب.....ولا ما راح تعيّن خير...خذ كتبك وطس....
عهود نظرت لتغلّباته....
نواف: اصرخووووووووا....وهددوا....ولا كأني ولدددددكم تقل عدو لكم........من زين بيتكم....المدرسة احسن منه بواجد...
ثم اقترب من سريره سحب كتبه: الله يااااااااخذكم كلكم...
عهود بصرخة: ويااااااااااااخذك يا قليل الخاتمة...يا اللي ما تستحي....
لم يُبالي لها....ونهتها والدتها بصوت هادىء: لا تدعين عليه.....ادعلي له بالهداية....
عهود بنرفزة: ما شفتيه كيف يدعي علينا....
ام صارم بضيق: الله لا يواخذه هالبزر.....اشهد هو من زرع الشيب براسي وبراس ابوك.....
عهود مسحت على وجهه : هو الحيوان....يا يماشي دشير ومخربينه....يا براسه موّال يترك الدراسة ........بس الوعد لجا صارم...
ام صار: لا تشيشينه( لا تُغضبيه) عليه.....
عهود: يمه لزوم احد يسنعه .....صدق ما هوب طبيعي....
ام صارم بتنهد: الله يهديه يارب....وعقلّه ويمّن عليه ويتغيّر عن هالحال...
عهود همست وهي تهز برأسها: آمين.
.
.
شعر وكأنه وقع على تيه أخيه بِلا مفتاح لمعرفة خارطته التي تدّله على الوجهة السليمة....ليث حمّلهُ مسؤولية كُبرى....لا يدري كيف قبل بها...ولكن حاله لم يكن مُناسبًا للنقاش وللإقناع.....الأمر الذي سهّل عليه ابعادها عن الأهل شقّته....ولكن يخشى من اخيه الفضولي من الإيقاع به على هفوات استكشافه للأمور....فهو اصبح حذر من ناحيته ولن يخوض معه النّقاش من جديد في امر تصنّته على اخيه ليث.....الآن سيهتم بها وفقط.....قام بشراء" الحاجات الخاصة" ...وكان مُحرج من الدخول للصيدلية .....قرأ رسالة ليث الفجر....وشعر بالاضطراب...هذا الأمر لا يؤجّل فخرج مبكرًا قبل عمله بساعة...لشراؤه....وها هو ....وصل...ارسل لها على الوات ساب" رحيل أنا بدخل الشقة...بحط الأغراض في الصالة"
لم يترجّل من سيّارته....بل بقي يهّز برجله بقوّة......أمور كُثر برأسه.....اخيه في مصيبة يعلم بذلك ولكن ما هية مصيبته تلك التي يجهلها.....تنّهد....لو علم ريّان أو فهد بأمر تواجدها على ارض الوطن....يقسم سيحطمّان وجهه بلكماتهما فهما أولى من المجيء لها لتلبيّة احتياجاتها والاطمئنان عليها بدلًا منه......سحب هواء عمّيق لرئتيه.....نظر لهاتفه ينتظر ردًا.....لم تمر عشر ثوانٍ حتى قرأ" طيب"

...هذا يُعني انها ستبقى في غرفتها ولن تخرج أمام ناظريه....فخرج من سيارته وسحب الكيسة...معه....خطى خطواته بعجل....ليصبح أمام المصعد ويضغط على رقم" 3".....لم تمر إلّا ثوان عدّة حتى به...اصبح في الممر....ليمشي خطوتين ثم يتجّهة لليمين ويُصبح الباب أمام وجهه اخرج المفتاح....فتحه.....استقبلتهُ برودة الشقّة.

برودة جعلت شعره يقشعر....هل قامت بتشغيل مكيّف الصالة والغرفة.....معًا؟....لماذا الغرفة باردة ونحن في أعز الصيف وتحت حُرقة أشعة الشّمس....لم يهتم.....دخل وجعل الباب مفتوح خلفه....مشى عشر خطوات للأمام ليضع على الكنبة الكيس...
ثم عاد من جديد للعشر الخطوات ليصبح أمام الباب وخرج.....لم يسمع صوتها إلّا حينما...وصلت في المطار

يذكر شكلها.....هو لم يكن متعمّدًا في النظر إليها ولكن كان في ذلك اليوم متوترًا يشتم اخيه كيف سيعرفها والآخر يتصل به ليقول" هي راح تجيك بس وقّف في مكان واضح وانا بكلمها"...يذكر وقتها توتره.
رفع رأسه ونظر...لفتاة طويلة ونحيلة ......ترتدي عباءة قصيرة نوعًا ما.....ليست بذلك القصر المُشين ولكن من الواضح لم تكن إلّا على حد طولها واقصر بمقدار سنتيمترات قليلة!....وكانت سوداء وفضفاضة بشكل كبير.....لا يرى منها إلّا سوادًا...لم يكن وجهها مكشوفًا...ولكن كانت رجفة كفيها الصفراوتين التي تجر خلفها الحقيبة واضحة لمرأة عينيه.....تتلفّت يمينًا ويسارًا....ضائعة.....تزدرد ريقها بصعوبة تقترب منه وتسأله
: انت محمد؟
ما إن قالت هكذا حتّى به غضّ بصره عنها وشتم ليث سرًّا حينما اوقعه في هذه الكارثة!
: اي انا ولد عمّك...
ثم مّد يده: عطيني عنك...
ناولته حقيبتها ثم قال: تعالي معي...
مشت خلفه، وهو يحترق.....ويخشى من ان يراه احدًا من الاهل....او تلتقطه اعين فيصل التي يجهل نوعيّة فضوله خاصة على منحدرات ليث....جلبها هُنا.....ولم يسمع صوتها....ولكن فهم....الزّمن خطّ تغيّراته عليها.....كبرت.....وهرمت مع هذه الحياة.
تنهد وركب سيّارته من جديد....سمع الرنين
: شفيك يبه...تراني ما نيب طيّارة.....نعنبو ازعج أمي....اهجججججد...اذكر ربّك...
سمع ضحكته: ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه........ب الله اتصل عليك ما ترد......وخير تسحّب وتطلع من البيت؟

هذا ما يخشاه مسح على جبينه: فويصل انت فاهم طبيعة شغلي ولا مو فاهم؟

فيصل: خلاص لا ترجني بمعلوماتك والله فاهم وادري وقتك ما هوب لك.....بس امس مكلمك....اليوم بنطلع مع عبيد....
محمد بفجعة: وش هالطلعة اللي تجي بذا الوقت؟
فيصل نظر لعبد لله: والله قلنا نطلع نفطر بس شكلك مانت بوجه فطور ملكي....مانت كفو والله....
عبد لله رفع صوته: ولهنا عليك يا دكتووووووووووورنا....
عقد حاجبيه على الصوت العالي: قوله مانيب دكتور.....
فيصل ضحك: هههههههههههههههههههههههه بدينا في موّالكم يعني؟.....خلاص دكتور ولا تجلس تعطينا ألقاب جديدة....
محمد: مطوّل؟
فيصل نظر لعبد لله: مضغوط؟
عبد لله مات ضحكًا هُناك
محمد بمزاج عكر: تعرف الطريق مخيس...والشوارع زحمة......وفجأة يرسلون لي اليوم....
فيصل قاطعه: بس بس....يعني مانت جاي....
محمد : اعذروني ما نيب جاي.....اليوم فُل زحمة....
فيصل اغلق الخط في وجهه سريعًا
فشتمه محمد
والآخر نظر إليه: نحرّك؟
فيصل : اي مشغول الأخ.....
عبد لله: امس تقول .....وافق...
فيصل بهدوء: مادري عنه...واضح المستشفى محتاجينه....
عبد لله بتنهد: الله يعينه....المهم قبل نروح نفطر ...بودّيك مكان....
فيصل ضرب على فخذيه: اللهم طوّلك يا رووووووووووووح...
عبد لله حرّك سيارته وابتسم: ما فيه مفر...ما فيه مفر...
فيصل نظر له:الله يفر راسك....يا ###......انا مابي اشوفه.....اذا لحد الحين مقتنع انا...
قاطعه: لا ما نيب مقتنع اهجد...وخلنا نزوره.....وانا متفّق مع الشباب... على فكرة...طلال طلع من السجن ...كيف لا تسألني...عاد.....والشباب هناك.....

فيصل مسح على رأسه: اي شباب بعد؟
عبد لله : هههههههههههه.....طلال....ونمر....وتميم.....وعادل.. ..
فيصل: فئة المغثّة......
ثم اندفع: بالله انت وش تبي واذا رحت وقابلته من جديد وش تبيني اسوّي له؟
عبد لله: نبي نصلح بينكم....
فيصل بنرفزة عظيمة: ما فيه صلح......الكلب هذا ما سمعته وش قال لي يومني زرته؟
عبد لله وقف أمام الإشارة لم تأخذ إلا دقائق حتى مضى في طريقة: اوك....معليه....يمكن تغيّر....
فيصل بلل شفتيه: والله حتّى لو تغيّر ما عاد اثق فيه هالخوّان...
سكت عبد لله....بينما فهم فيصل مغزى صاحبه
لم يهن عليه أن يفترقوا هكذا لأسباب مجهولة....يريد أن يواجهوا اسبابهم....رغم أن الأسباب غير واضحة حتّى بالنسبة إليه ولا يريد أن يتطرق لها...لأنه يجزم ستكون مؤذيّة...وكالسيف ذو حدّين....سرح....في امره هذا...وفي الأمر الذي جعل محمد يكتشف فضوله على طريق انحراف مشاعره!
لم تتمكّن هذه الأفكار من ذاكرته بشكل جيّد لأنهما وصلا إلى منزل ماهر....
عبد لله اركن سيارته: يلا انزل...
تنهد الآخر وهو يشتمه والآخر يضحك
مسح على وجهه عدّت مرات وتوقف.....كم مرّة جاء إلى هُنا من اجل السهر ليلة إحدى الاختبارات لمراجعة الدروس معًا ...علاقته بماهر ربما كانت اقوى من علاقته مع عبد لله .....علّاقة أخويّة واضحة درسا معًا في مراحل دراستهما...إلى ان وصلا إلى اليوم هذا!....كيف تبدّل حالهما إلى حال يُرثى إليه...تنهد وشعر بعبد الله الذي يربت على كتفه
ايقظه من ذكرياته وعتابه السرّي...ثم توجّها أمام الباب...طرقه...في هذا الصباح.....فهم الجميع مُجتمع من أجل الإفطار مع ماهر .....يذكر ماهر لم يكن بخير.....عينه اليُمنى مغطّاة بشاش طبي حينما زاره....به كسور كثيرة في جسده هل خسر شيء آخر غير عينه؟....تذكر بعضًا من طفولتهما في "الحارة" .....دخلا....
عبد لله قبل أن يجعل فيصل يدخل إلى المجلس
: فيصل...... انا كلّمت ماهر قبلك.....الرجال ندمان...خسر عينه......والحادث اثّر عليه بشكل كبير....كسوره لساتها ما برت.....ونفسيته زفت......كلنا حاولنا نطلّعه من اللي هو فيه عجزنا.....ابوه كلّمنا......واللي استغربت منه انه ما يدري بالخلاف اللي بينكم وهو اللي قال لي جيبوا فيصل ....هو اللي يقدر يطلعه من الكتمة اللي يعيشها....
فيصل بلل شفتيه، لا يدري ماذا يقول....هز رأسه بالرضا ...ثم سحبه الآخر....للمجلس...
وهو يقول: صبااااااااااااااحكم بصل مثل صاحبكم ...
ثم سحب فيصل ليمشي رغمًا عنه خطوتين للأمام
فضحكوا كلًّا منه تميم ونمر وعادل
تميم نهض يسلّم عليه: ارححححححححححححححب بو علي.....عاش من شافك......نعنبو وش هالغيبة....
عادل: شكلك مسااااااااااااافر للمزز ومخبّي علينا....
عبد لله: هههههههههههههههه خابرين صاحبكم ماله بهالأمور....
نمر يصفق كف يده بيد فيصل الذي ضحك بخفة ثم بلل شفتيه: من يوم يومه عذراء المشاعر....
عبد لله: ههههههههههههههههههههههه......لا تفصلون من الصبح......هدوا اللّعب....
بينما طلال كان خجلًا هل يتقدم له ويسلّم أم يسلّم عليه بلسانه فقط....وعينين فيصل كانت تتناوب بينه وبين ماهر الذي يشتت نظره عنه
اخيرًا قال طلال: اخبارك فيصل؟
نظر إليه فيصل ثم تقدم ليغلق عبد لله الباب
: برأيك وش اخباري؟
تميم: ادخل واجلس يا فيصل ....واتركوا القلوب تتصافى؟
فيصل ينظر لماهر...لا يستطيع تحديد مشاعره لناحيته.....لأنها كانت تتأرجح ما بين القهر....والغبنة.....
ماهر: اقدم واقلط يا بو علي....لا ترد ضيّافتي لك....واقبلها.
فيصل نظر له...سكت لفترة والجميع يترقّب حدّة لسان فيصل في اطلاق السهام على طلال وماهر
: مقبولة.....واكرمك الله....
ثم نظر للضيافة التي تحول بينه وبين ماهر: وما عليك زود...بيّضتها!
عبد لله توتر سيسكت ويترك لهما مجالًا للحديث
عادل: هذا العشم فيك يا السبّع....
نمر: من يوم يومك قلبك وسيع ويتسّع....

طلال ابتدأ بقوله: سامحني يا فيصل.....بلحظة وسوسة شيطانية...بعتك ما انكر....بس يشهد الله على ما كنت ابي اضرّك....
فيصل اشار له بسخرية: ما كنت تبي تضرّني وصعدت على ظهري؟
فهم ما يُرمقه إليه
وسكت لم يستطع ان يقول شيئًا
عبد لله نظر لبقيّة اصحابه
ليردف ماهر: طلال وزيد ما فكرّوا يأذونك وسحبون منك مخططاتك....الخطّة كانت خطّتي....

فيصل رفع حاجبه الأيسر وهو ينظر للجرح المخطوط على حاجب ماهر الايسر وعينه اليُمنى المغلقة جزئيًّا بلون الزُرقى قليلًا: ما هو هذا اللي كسرني يا ماهر....رميت العشرة اللي بيني وبينك في الزبايل...عشان ايش؟.....عشان اسم يرتفع...واسم ينزل.....يشهد الله علي لو جاي لي بوجهي وقلت لي ابي مخططك والله لكان عطيك ايّاه بدون ما يرف لي جفن......وقتها ما تدري وش هي معزّتك عندي....

تميم ليخفف من الحدّه: الكل يشهد على معزّتكم لبعض يا ليث...
عبد لله بتدخل سريع: ولولا هالمعزّة ما اجتمعتوا الحين!

فيصل بجدية: ماهر انت مانت بحاجة لمخططاتي.....ولانت بحاجة لعقلي!......انت مانت عاجز تسوي من الفشل ابداع.....ومانت عاجز من أنّك....تترقّى وقتها بعرق جبينك....بس عينك ما كانت تطالع باللي في يدك....ما كنت اصلًا مكتفي....كنت تطالع باللي في يدي وبس...دخّلت نفسك في متاهات ايش؟....التحدّي على حساب مضرّتي...وسحبت معك طلال وزيد.....وبالأخير...ربي ظهر الحق...

طلال: العذر والسموحة يا فيصل.....وقتها عقلي شرد بأحلام وخيالات مبنية على الباطل...اذّيتك ما هوب بس ماهر اللي أذّاك....

فيصل ابتسم بسخرية وفهم هو الآخر يخفف عن صاحبه
فقال عادل: اللي صار بينكم .....يصير حتّى بين الأخو واخوه....

فيصل نظر له: عمري ما كنت اناظر في ماهر غير انه اخوي....وهذا اللي كسرني يا عادل...انه انطعنت من اخوي....من اللي علاقتنا مع بعض فوق الثنعش سنة......سلبني احلامي....وتركني بلا وظيفة اشهر......

ماهر.....في اللّقاء الأوّل....الكبرياء مسيطر على كيانه...أما الآن وبعد حديث عبد لله الأخير....وبعد استيعابة للخسارة التي احدثه له الحادث.....تلاشى هذا الكبرياء ليغرق في وحل الإنكسار والنّدم...خسر عينه اليمين....ظهره تضرر...واحتماليّة عدم قدرته على الإنجاب في المستقبل كبيرة.....الكسور تضّج بآلامها في اللّيل....الضمّير يصرخ ليوقظه من وحل الحسد والغيرة والنّظر إلى منظور طفولتهما...وصداقتهما الجميلة.....رفع كف يده اليمين بصعوبة وبرعشة خفيفة ليضعها على جبينه ويحني رأسه ويبكي!

اجل بكى....أمام اصدقاؤه....يبكي على شناعة تفكيره سابقًا و الذّي أدّى به إلى هذا الحال....بينما ليث ....انكسر هُنا....ماذا حدث لينصهر غروره عن اللّقاء الأوّل في المستشفى؟....ماذا فقد ماهر؟.....ليتك يا ليث لم تساعده في استيعادة عمله لكي لا يرى هذا المشهد، رغم ليث لم يكن السبب في الحادث، ولكن كان سببًا في اظهار الحق.
تميم نهض هُنا: افا يا ماهر...افا تبكي..
ثم جلس بالقرب منه وأخذ يربت على كتفه
ماهر تحدث ما بين حشرجة صوته: مانت مجبور تكمّل طريق الصداقة والأخوّة بس سامحني يا فيصل ....سامحني عشان العشرة الحلوة اللي عشناها مع بعض......انا اعترف غلطت......وخسرت......ويا ليت خسارتي هيّنه....
عادل طبطب على ساقه: قول لا إله إلّا الله....اذكر ربّك...
عبدلله: ماهر شهالحكي...ما خسرت شي ...كل شي ينتعوّض ان شاء الله....
طلال سكت وهو ينظر لفيصل
الذي ازدرد ريقه، بلل شفتيه: الله يسامحك.....بس من اليوم ورايح...طريقي ما هوب على طريقك يا ماهر.....انسى فيصل مثل ما نسيته في ذيك اللّحظة وغدرت فيه....
عبد لله نظر لفيصل لم يتوقّع من فيصل الانسحاب من صداقة ماهر هكذا حتّى بعد ان رآه مكسور.

اكمل: يمكن نلتقي بالجمعات...بحكم الشلّة اعرفها....بس من يوم ورايح بينا حدود.....ولا نمشي سوا بنفس الطريق....
ماهر هز رأسه: لك ما تبي يا بو علي....
فيصل نهض شتت عينيه همس بهدوء: امسح دموعك......وطهور إن شاء الله....ما عليك شر.....كل شيء ينتعوّض....عن اذنكم....
ثم خرج من المنزل
وعبد لله نظر لهم ثم تبع فيصل
: فيصللللللل
فيصل دون أن يلتفت وعينيه محمرتّين وبهِ غصّة: اتركني يا عبد لله.....روح اجلس معهم وخفف عن ماهر...أنا بروح شغلي!
عبد لله
توقّف هنا تنهد ثم عاد للمجلس!
.
.
سحبت الكيس....تتلوّى من ألم بطنها....عادت عليها لتستبيح وجعًا لا يُطاق....لا تنتظم....ولا تنظّم من انفاسها التي تسحب الهواء بصعوبة....استحمّت بماء دافىء على أمل أن يستقّر الألم بعيدًا عنها ولكن لم تفلح في تهدأته....افرغت ما فيه الكيس على السرير.....نظرت للمسكّن....سحبته وابتلعت "حبّه" واحده دون أن تُلحقها بالماء.....ثم عادت لتستلقي....وتشد على بطنها بيديها.....هي خائفة....الوحدة تطوّق جسدها كلّه بظلام وسكون أركان هذه الشقّة....عادت لسجن آخر تحت سقف الوطن....تشتم رائحته تُقسم انّ لهُ رائحة مغايرة لرائحة تلك الأراضي الغربيّة.....نظرت لضوء الشّمس المتسلل لغرفتها.....مُنذ أن وصلت هُنا وحنين الذكريّات يتدفّق أمامها ولا يتوقف...
حتى ليلة زفافها تذكّرتها بالكامل....كانت ضائعة مُنذ ان اصبحت على متن الطائرة وحينما وصلت اصبحت مشتتة.....قلبها لا يقوى على بُعد ابيها
على عدم شم رائحة خالتها والتي تعتبرها والدتها في الواقع....اشتاقت حتّى لجدّها وجدّتها....تريد رؤيتهم.....تريد ان تحتضنهم ولكن هم لا يريدون ذلك.
شدّت على مخدّتها لتضعها امام بطنها وتشّد عليه....بدأت بالتفكير في وضعها الحالي بعد الاغتصاب...أجل هي بدأت تتقبّل تُرهات عقلها....خاصة ردّت فعل ليث.....تُجبرها على التصديق نفاها بعيدًا عنه ليحقن دمها.....يريد ان يبقى بعيدًا ليتماسك....وليتهُ ابقاها لكي تبيّن له مدى صدقها في عدم خيانتها له.....
بللت شفتيها....وسمعت رنين هاتفه....لا احد يتصل غيره....لا تريد ان تُجيبه....فهي مُتعبة وكثيرًا....ولكن الرنين يتسلل إلى اسفل بطنها ليوجعه
نهضت منفعله لتصرخ: يا جعللللللللللللللك بالموت يا ليثثثثثثثثثثثث......
سحبت الهاتف اجابته على سقوط دمعة ألمها التي انسابت: نعمممممممممممم........توّك مسكر وش تبي تدقدق علي وترجني؟

عيناه محاطتّين بالهالات السوداء.....شعره مبعثر قليلًا...وملابسه ليست ثقيلة رغم الجو البارد الذي يطوّقه من كل جانب....خرج للإستراحة فالمعمل بدأ يخنقه ويضيّق عليه الدنيّا....رائحة المحاليل اصبحت متشبّعة في انفه....رغم انه يرتدي كمامًا إلّا انه يشعر بذلك....مضت ربما ثلاث ساعات على اتصاله عليها...ولكن اعاد الاتصال ليتطمّن....فهي ما زالت وحيدة ....وهو ما زال يريد الانتقام من ربما كل شيء
ليسمعها: خايف تموتين وابتلّش فيك.....عشان كذا اتصل ما بين كل ثلاث ساعات....
رحيل ضغطت بيدها على بطنها وبصرخة: تراني مانيب مسكّن ...تتصل علي كل ثلاث ساعات!
ضحك الآخر بعبث: هههههههههههههه.......دام فيك حيل تصارخين يعني انك بخير....
رحيل بللت شفتيها سكتت...واخذت تتنفّس بعمق
قال بهدوء بعد أن طالت في السكوت: تتألمين؟
رحيل: متى ما تألّمت؟
ليث هذه المرّة سكت
فقالت: متى بترجع؟
ليث ابتسم بسخرية: ما اظنك تسألين من باب الشوق....
رحيل عقدت حاجبيها: لا مستعجلة.....ابي الطلااااااااااااااق....
ليث زفر وبتجاهل: المهم اذا مخف الألم....خذي لك حبتين مسكن وانتي شبعانه......لأنه مستحيل....محمد ياخذك للمستشفى
وبتذكر: كيف جرح بطنك؟
رحيل بعصبية: مالك شغل....باي
اغلقت الخط في وجهه ورمت الهاتف بعيدًا عنها ثم نهضت..ٍتستحم بماء دافىء من جديد لكي يهدأ هذا الألم وتنجلي هذه الأعاصير!
.
.
بينما هو عضّ على شفته السفلية، مقهور منها...ومن نفسه...ومن تكبّد الأمور وتفاقمها عليه.....ابا سلمان يضغطه في العمل...وهو رأى من عمله في المعمل مخرجًا لتشتيت ذهنه...هانت لم يتبقى سوى أيام قليلة ليقنعه انه فاشل......
عاد لداخل المعمل ليتحدث: تجربتكم ذي اعلى من مستواي...
بو سلمان وهو يرتشف قهوته واضعًا رجل على رجل ويقرأ في كتابه
: هي من مستواك....بس شد حيلك....
ليث بعصبية "رفس" رجل ابا سلمان ليُزيحها من على رجله اليُسرى: جيب احد يساعدني...
ابا سلمان ابتسم هُنا ووقف: للأسف غصبن عنك بتنفّذها بنفسك...
ليث بحده: واذا فشلت؟
ابا سلمان تنهد: ما اقدر اتخيّل شنو ممكن يصير...
ليث ضحك: ههههههههههههههههههه
ثم صرخ بغضب: يعني بتموتوني؟
وقف أمامه وفرد يديه أمامه: يلّا اخلص علي.....
ابا سلمان : خل الدّراما على جنب....وروح شوف شغلك .....لا تصدّع راسي.....واذا ما قدرت عليها.....يحلها الف حلّال....
ليث سكت واخذ يزفر بصوت مسموع...ثم عاد ليرتدي معطفه....اليوم استطاع ان يحوّل اموال أمل على حسابها...وركان لم يتبقى إلا القليل للتحويل حدّثه واخبره بذلك بنفسه.....هو تأخر في النزول بسبب ضغط ابا سلمان عليه وتوكيله امور المعمل....لا يريد ان يهرب بسرعة يريد ان يعمل على مهله ليسدد ضربته فيما بعد!
.
.
.
اخبرهم بذلك بكل صراحة، يخشى من والده في رفضه....ولكن لم يتوقع ان يكون جوابه
: والنعم في ذياب ...رجال ما عليه كلام....
بو ليث: اشهد ذياب رجّال كفو....تستاهله بنتنا....وهو يستاهلها
بو فهد: الله يوفقكم يارب....
الجد...سكت واخذ ينظر لهم ويقلب وجوههم امام عينيه....بهِ حديث
وأتى موعده: أجل يا بو صارم بصّير عندك فرحتين!
تنهد وفهم مغزى أبيه
فتحدّث ابا ليث: يبه...اظن قضينا من سالفة محمد...
الجد ارتفع صوته بعدم رضا: من متى؟
تدخل سريعًا ابا فهد: يبه الله يخليك....اترك العيال هم اللي يتخيّرون ويختارون.....
الجد بانفعال ضرب بعصاته على الارض: انا عطيتكم خبر...وعطيتهم هم بعد خبر...واظن مضى على هالشي اسبوعين.....خذوا وقتهم ...وزود.....
بو صارم، لن يقبل بالأمر ولن يلين فيه
دانة ليست على ما يُرام اصلًا وهذا الأمر سيحعلها تتخاذل أمام هذه الحياة
وقف: يبه.....اسمحلي انا ما نيب موافق.....حتّى لو دانة جت لك وقالت موافقة...
الجد نظر له بحدّه، : تعصيني وانا ابوك....

الأمر بدأ يأخذ حديث الجديّة وموقف الحدّه
بو فهد: يبه....الموضوع مو موضوع عصيان ولا موضوع عقوق.....يبه دانة ومحمد ما هوب موافقين...كيف تبينا نجبرهم....وهم طولي وطولك....
الجد اشار له: انت لا عاد تتكلّم وتنصح.....وتناقش...
نظر لأبيه بحنق، احرجه امام اخوته الأصغر منه، ابيه لا يحتمل منه شيئًا رغم أنه لم يناقشه بموضوع رحيل ...وفي تصرّفاته وأمره ونهيه....لناحية موضوعها....ازدرد ريقه
لينهض الآخر : يبه....اذكر الله واتركنا نتناقش في الموضوع....
بو فهد: لا اتركه يا علي....هو كبيرنا...وهو اللي يقدر يدبّرها....حنا علينا ناكل هواء ونسكت....اتركه يضيّع العيال وفرّقهم عشان فلان وعلتان.....
اشتدت ملامحه، كيف ابنه الأكبر يُرفع صوته ويتجرّأ بحديثه
اشار له: تطوّل لسانك علي يا عبد الرحمن؟
بو صارم مسح على وجهه: يبه....
ابا فهد لم يتحمل: تبي تزوّجهم ....ليش عشان ترضي بو سعد وتبعد ظنونه....ولا عشان نفسك يبه؟......وش الفضيحة اللي بتجي لو ما زوّجتهم؟....قول لللللللللللللللي؟
بو ليث: بو فهد....
بو ليث خرج عن طوره: تكفى يا علي .....ابي اسمع......رحيل وفهمنا......فضيحة سجنها...اللي خايف تنكشف....تركتك...تجبر ليث يجلس هناك طوال الثمان سنين......بس دانة ومحمد.....وش الفضيحة اللي بتطلع لو ما زوّجناهم؟
بو صارم نظر لأبيه ولتجّهمه ...كان صدره يرتفع وينخفض...اخذت العصا تهتّز قليلًا لتنّم عن رجفته الخفيفة
فقال: عبد الرحمن ....هد نفسك....
الجد: كل هذا مخبّيه بصدرك وشايله علي؟
بو فهد مكسور: عمري ما شلت عليك....انت اللي شلت علي...عشان كسرت الظّهر اللي صارت لي....
فهم كسرت الظهر يُقصد بهِا" رحيل"
رفع عصاته: عمري ما سويت شي إلّا عشان مصلحتكم.....بس بالمقابل انتوا وش تسوون....تسيئون الظّن فيني...وتفكروني اتحكم فيكم....
بو فهد بهجومية: عارف وواعي.....المتحكم فيك بو سعد
صرخ في ابنه: لا عااااااااد لهنا وبس يا عبد الرحمن......
بو ليث: يبه....
رفع صوته ويده: ما حد يتحّكم فيني يا عبد الرحمن......ماحد.....ولا راح اسمح ....لأحد يتكلّم عنكم بالشينة....
بو فهد: ماحنا بفاهمين هالألغاز.....ترميها علينا وتجي لنا بالصيحة والإجبار.....وسوو كذا وافعلوا كذاك...كيف ما تبينا نفهم أنك ...
قاطعه وهو يشير لصار: شرّاب الخمور ولد بو سعد كأنك تعرفه......يطلب يد بنتك دانة على سنة الله ورسوله.....وقلت له البنت مخطوبة لولد عمها...كنّك تبيه تزوّجها إيّاه.......انت تعرف رقم ابوه كلمه......وكنّك ما تبي الفضايح والقيل والقال اللي بيطلعونه عليها بعد ما قلت انا انها مخطوبة ولا عرست للحين......سو اللي تبيه ولا زوّجها محيميد!
ثم ارتفع صوت طرق العصا على الأرض وخرج من المنزل تاركهمم ينظرون لبضعهم البعض، مُندهشين
بو صارم بلعثمة: شقول؟
بو فهد بانفعال: بروح اساله...
بو ليث بغضب: عبد الرحمن بالهون على ابوي ....ما هوب حمل انفعالك.....اذكر ربك واجلس.....
ثم التفت على بو صارم: سلطان....اجلس يا خوي اجلس..
ثم ذهب لناحيته واجلسه رغمًا عنه وهو مذهول!
.
.
لا تريد مواجهته، تخجل منه....وتخجل من نظراته....انعزلت هُنا تريد ان ترتشف قهوتها كالعادة بعيدًا عن الأنظار...تريد أن تختلي بنفسها....لترتاح...وتطمئن .....رفعت "النقاب" عن وجهها...واحتضنت كفّيها ببعضهما البعض لتُسند جبينها عليهما...مصدومة من نفسها على هذه الكذبة....ومشتته من حياتها كلّها
لا أحد هُنا...هذه الزاوية من مخرج الطوارىء شبه مهجورة لا أحد يمر ولا يعبر أمامها....ألتفت لتغيّر وجهتها
لتصطدم بهِ أمامها....ارتبكت وسقط الكوب من يدها.....ازدردت ريقها....وهو يحدّق في وجهها ....ادركت نظراته ثم انزلت "النقاب" على وجهها....وحاولت العبور من أمامه ولكن كان واقفًا ليحيل بينها وبين الباب
تحدثت: رجاءًا رعد ....اتركني اطلع...
رعد ما زال يحدّق بها حتّى انها خافت من نظراته وحدّتها
: تكذبين علي؟
تحدّثت بربكة واضحة: اعتبر هالكذبة رد على مشاعرك...
ثم حاولت العبور...ولكن مسك معصم يدها لتشهق
وتنظر له....
: رعد لو سمحححححت...
رعد بغضب نفض يدها: كان بإمكانك تردين علي بأسلوب ألبق من كذا...
خرجت عن طورها: ردّيت عليك بألطف الأساليب إلّا انّك مصّر تفرض نفسك علي فرض....وش تبيني اسوي لك؟
ثم انفعلت: لو سمحت دكتور رعد....انا بنت من عيلة متحفظة وجدًا مثل ما أنت تعرف وخابر واظن هالشي ما يخفى عليك!......فلو سمحت .....ما ابي مشاكل ووجع......راس ولا ابي احد يخرّب علي سمعتي ويلفت الانظار حولي....ابعد عنّي واتركني ادخل داخل واشوف شغلي....

رعد بلل شفتيه وضع يديه في مخبأ البالطو الطبي" اللابكوت" تقدم لناحيتها لترجع خطوة للوراء، خافت منه ومن نظراته من الواضح عليه الغضب والحنق .....لا يفترض أن يُبدي بردّت فعل كهذه
اشارت له: رعد...ألزم حدّك...ولا تجبرني اصرخ وألّم عليك النّاس....
اردف بقهر: في احد بقلبك؟
.
.
.
كما وعدتها....جلبت لها الكتاب وبدأ تتفحّصه.....وتفرفر ما بين جُنبات اوراقه لتنصدم....بما كُتب بداخله......الأمر اصبح اكبر مما تخيّلتهُ عهود....ارتجف قلبها من نظراتها الخبيثة.....ومن ابتسامتها....وقفت لترمي الكتاب في وجهها
ثم لم تتردد في صفعها على خدها: ايا قليلة الأدب....يا المنحطّه.....يا حقيرة.....
الأخرى تفاجأت من الكف الذي اهدتهُ لها، لم تتخيّل ردّت فعلها في الواقع...نهضت لتشِد بقوّة على ياقة هيلة ...ومن قوّة الشّد مزّقتها
وصفعتها على وجهها: تمدّين ايدينك علي يا ####....
هيلة حاولت التفلّت من يدينها وسحبت شعرها: اي امدها على وحدها منحرفة .....وواطية مثلك يا أماني الـ#####
بدأ الصّراخ، وبدأت الضربّات تزداد.....والشتائم تُقذف من افواههما ببساطة.....تجمّعن الفتيات حولهن لإبعادهن....عن بعضهما البعض....هيلة سقطت على الأرض والأخرى تضربها بقوّة برجليها....حاولت النهوض....وسحبت نفسها من هذا الثور الهائج
ولكن الأخرى انحنت رغم الفتيات التي يمسكن بها
وصلت لمستوى هيلة صفعتها على وجهها إلى ان ادمت شفّتها لتصرخ: حتّى لو حبيتك .....تخسين تمدّين يدك علي....
فهمت الأمر المقزز....الذي تعيشه أماني...ولكن من حولهن لم يفهمن شيء مما قالتهُ .....سحبتها من ياقتها لتهل عليها بالضربات....صرخت احدى الفتيات ليستدعن الأمن الجامعي....مضاربة غريبة ربما أوّل مرة تحدث في الحرم الجامعي وبهذه الصورة الوحشية.....ليتها سمعت حديث عهود ولم تصل إلى هذه المواصيل...بصقت عليها.....والاخرى نهضت
لتدفعها بقوّة على سيّاج الزرع.....ارتطم جسدها بقوّة
وصرخت بشكل مُثير للرّعب مما اوقفت به أماني عن التقدّم لإكمال همجيّتها في الضرب!
.
.
.
.

انتهى




 
 

 

عرض البوم صور شتات الكون   رد مع اقتباس
قديم 02-03-21, 08:31 PM   المشاركة رقم: 48
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2017
العضوية: 327052
المشاركات: 98
الجنس أنثى
معدل التقييم: شتات الكون عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
شتات الكون غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : شتات الكون المنتدى : المنتدى العام للقصص والروايات
افتراضي رد: رواية: أحببتُ حُطاما سَبق أوان الرحيل\ بقلم شتات الكون

 

Part15
.
.
.
.
.
.
.
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
(لا تلهيكم الرواية عن الصلاة، اللهم بلغت اللهم فاشهد)
.
.
.

اختبأ خلف ألف شعورٍ وشعور، اختنق من ضيق صوت تنفسهِ، و من نظرته الثاقبة كنظرة صقرٍ جريح يتأهّب للإنتقام، بينما غضبه يُشعرني وكأنني مُذنبة ملطخّة بدماء ضحيّتي المعفرّه بدماؤها ظُلمًا، أنا لستُ مُجبرة على حُبّه ولستُ مُجبرة على التنازل من أجل حقن عدّة أمور بمهدّأ الكلمات والعبارات،
بل أنا بحاجة ملحّة لشخص يسحب من صدري تُرهات الوجع الذي يختلجهُ خوفًا من تهديدات هذه النّظرات وهذا القُرب الذي ضيّق عليّ طرقات الهروب
لا ذنب لي في حُبّك ولا ذنب لي لِم عايشتهُ وذقته من أعاصير اللُّؤم والحِرص الزائد والملفوظ على أرض الخوف من وقوع كارثة العار، جدّي لو هو قريب الآن سيعلكني ويلفظني صخرًا يتفتت على أرض واقعهُ اللّئيم والذي يهاب من أن يكون مرئيًا يومًا!

أنا لا أدري كيف يُجبل القلب على مشاعرٍ يختلجها الكُره لحقن دمه ولا أعرف كيف يُجبل على حُب قلب آخر بإرادته فأنا مُكتفئة وجدًا بنفسي وقلبي ومُقتنعة بحُب ذاتي!

وفي الواقع يُكفيني ما تجرّعته ألمًا في السنون الطوال ، يكفيني نظرت الحُزن المتسربة من عَين والدتي كوني فتاة اضاعت عمرها في عِناد جدّها وفي دراستها لتأخذ "العنوسة" لقبًا يُلطّخ جسدي بحرقة نيران دموعها التي تُحرقني في الواقع من تفكيرها الذي يستنقصني وكثيرًا!

أنا اعلم جيّدًا الرجل والمرأة لا يفترفان عن بعضهما البعض فهما يكمّلان بعضهما في أمور جُبلت فطرتهما عليها أنا لستُ شاذّة عن القاعدة ولكن مُقتنعة بوحدتي...وبأبي وأمي وأخوتي لا أريد رجلًا يُكمل "نصف دينهُ" معي، لا أريد مسؤولية تُبعدني عن وظيفتي التي أحببتها مُنذ الصّغر ويزداد حبّي لها يومًا عن يوم، لا أرى هذا الوقت المُناسب الآن في تعليق نفسي ما بين احضان رجُل سواءً يراني بعَين حُب ورغبة أو بعَين تقبّل وشهوة!

اعلم إنني "غريبة أطوار" في الأمر هذا، والبعض يرى ارتجاف صوتي في رفضه سببًا للماضي الذي تكتّل عليهم بحزمه و قوّته وجبروت مشاعره التي تُجهدني في إعطاء التعبير، أنا لستُ عالقة على ظهر ليث ومزاعم مشاعر جرداء أخذت تطرق عقولهم بضربي على ظهري، أنا لم احب، ولم أذق الحُب لا زلتُ عذراء في مشاعري وإن أكننت اعجابًا لا يُعني إنني احببت يومًا، لا أريد رجلًا يُهيم بفكرهِ كيف يحّث مشاعر سطوة حّبه جبرًا لخضوعي له، لا أريد وبات الأمر خانقًا ويشعل أجراس الخوف أمامه، هل سيحدث لي ما يخافهُ جدي؟ هل سأتجرّع ألمًا وغصّة لأصبح حديث العائلة الجديد بدلًا من تلك المسكينة رحيل التي رحلت مع أمنيات كثيرة عبثت بهم وبي يومًا؟

أنا لا أملك طاقة كافية لمُجابهة قوّة رجل غاضب يسألني بِلا حق عن قلبي
هل هو معلّق في الهوى أم مسجونًا ينتظر حُرًّا وشهمًا في سحبهِ لحريّة مشاعرهِ
ليت صارم يخرج من بين فقرات الباب أو من ثقب مقبضه لا أريد الخُسران، لا أريد اشتعال النّيران...فأنا لا قدرة لي على اطفاؤها أبدًا!
.
.
تراجعت للوراء مدّت كيفّي يدَيْها أمامه لتحذّره من أنْ يقترب منها خطوة ولكن اقترب يبدو إنّها اشعلت نيران غضبه، ليتنفّس بهذا العمق وينظر لها بعنين ثابتتَين لا تميلان في الإبتعاد عن التحديّق في مُقلت عينيها اللّتان بدأتا بالإهتزاز
همست بصوت ضعيف ينّم عن خوفها منه: رعد....تكفى بعّد....رعد....
وبرجاء: تكفى افهم الزواج قسمة ونصيب....أنا ما أفكّر أصلًا بالزّواج...

ينظر لها بثبات تعود خطوة للوراء وهو يتقدم، لا تريده ولفقّت الأكاذيب لتضيّق عليه الطرقات ليتها كانت صادقة معه ولم تؤذيه في ليلته تلك التي كسرت فيها قلبه وأعجزت عقله عن التّفكير، هو احبّها حقًّا تمنّاها أن تكون"حلاله" ولكن لِم تصّر على كسر قلبه الثخين بالحُب، يقسم لن يرى مثلها قط، فتاة مُحتشمة تُبعد نفسها عن الشُبهات وتصون نفسها بكل الطّرق لم يراها يومًا معقّدة كونها ترفض علاقة الزمالة بين الطرفين
تضع حدود لحديثها مع الرجال فحديثها لا يخرج عن دائرة العمل وعند الإنتهاء تُطوي الحديث بالختام وتبتعد ، تُجبر من حولها في ابداء الإحترام لها، تعلّق قلبه لصفاتها التي اخدشها الآن بحضورة
اردف بصوت رجولي أخافها: يعني فيه؟

هزّت رأسها "لا" وهي تعود خطوة للوراء ليلتصق ظهرها على النافذة ويقترب رعد ليصبح قاب قوسين أو أدنى، ارتفعت حرارة جسدها وبدأ قلبها يضّخ الدّم بتسارع يُجبرها على لفظ الهواء بصعوبة

ازدردت ريقها نطقت: لا تنسى أنا عرضك.....وشرفك يا رعد....اسمي واسمك يلتقي بنفس القبيلة.....يعني أنت ولد عمّي....تكفى....ابعد!

لم يسمع جملتها تلك بل اقترب
ليركّز بعينيه عليها وبنبرة مائلة للهمس والهدوء: ما فيه أمل؟!

هزّت رأسها من جديد"لا"
واخذت تنظر له بتركيز عالٍ تخشى من هجوم مباغت لها يُعمي حياتها من رؤية النور، ولكن رعد اجفى بعيدًا عنها بخطواته ثم تنحّى وولّى بظهره عنها وهو يزفر لهيب حسرته على عدم اظفاره بها، مسح على شعره، ازدرد ريقه عشرات المرّات ليردف
بهمس: طلعي يا دانة طلعي!

رجف جسدها، وشعرت بالإرتخاء يتسلل إلى اقصى رأسها ثم يعود إلى أخمص قدميها، اخذت تبكي وتشهق كالمجنونة حينما شعرت بنجاتها بينما هو كان يستمع لشهاقتها وزفيرها الموجع وصاح عليه ضميرة كان عليه ان يخرج قبل أن يتمكّن منه الغضب، اغمض عينيه، واخذ يشّد بكفّي يديه على وجهه، تذكّر أمر القرابة التي بينهما في الواقع....هل جُّن ليفكّر هكذا..
همس من جنون تفكيره: آسف يا دانة ارعبتك وانتي بالمقابل كسرتي قلبي...!
لا تُبالي بكسر قلبه، تريد الآن طاقة تمكّنها من الخروج، كيف استحوذ هذا الشلل جسدها الآن كيف؟
اكمل: آسف بس تكفين طلعي ....ما ابي اشوفك...

لا يريد أن يلتفت ويراها بضعف حقارة فعلته التي جعلتها ترتجف رعبًا اتكأت على الجدار وهي تحاول تحريك قدميها اللّتان ثقلتا بسبب الخوف، مشت بخُطى ضعيفة اقتربت منه وولّى بعيدًا عنها يتصدد لكي لا يراها ولكي يعطيها مجالًا للخروج، وصلت أمام الباب فتحته، لتخرج وهي تترنّح وتُلصق جانبها الأيسر على الجدار لتتكأ عليه....

نجت، ولكن كاد عقلها يطير وقلبها ينفجر.. روحها ستخرج من مكانها...لم يهدأ جسدها عن الإرتجاف...مشت خطوتين وثلاث وهي شبه منحنية بجسدها للأمام...اليوم تغّيرت بدواخلها مفاهيم بل هي مُجبرة على تغيير هذه المفاهيم....فقط من أجل نجاتها من أجل ألّا يتجرّأ الشر على الخير.....فالإنسان في بعض الحين يُجبر على الإنسلاخ من مبادىء كثيرة هو يؤمن بها ولكن يتخلّى عنها من أجل العَيش وهي ستغيّر مبادؤها بعد أن استحلّها هذا الخوف!

حاولت سحب الهواء لرئتيها ووجدت صعوبة في ذلك...هذه الحالة اللّئيمة اصابتها مرة حينما علمت بوفاة ابنت عمّها مناهل....هذه حالة اضطراب الهلع الشديد الذي يجعلها تتتصبب عرقًا وتشعر بثقل جسدها في التحرّك تسحب ذرّات الهواء وتعجز رئتيها في استقبالهم....بدأت عينيها تترقرقان بالدموع توقفت قليلا
ثم وضعت يدها على قلبها نظرت للمكان حينما انتبهت أنها اصبحت في الممر الذي يؤدي إلى مكاتب أطباء الطوارئ...توقفت كليا عن المشي ...لا تريد لفت الأنظار ولكن شعورها بالاختناق يزداد تريد هواء.

رعد في هذه الاثناء خرج ولكن مشى في الجهة المعاكسة لها...بينما هي لم تتحمّل كمّية الدم المتدفق في رأسها رفعت النقاب وكشفت عن وجهها
العرق بدأ ينساب على خدّيها ليختلط بالدموع....بللت شفتيها خانتها ساقيها وجثلت على الارض لتسحب هواء عميق يأبى الدخول ليتغلغل في الشعب الهوائية.....رفعت رأسها لتحدّق في السقف تطلبه النجدة
الصمّود أمام هذا الإختناق بات مستحيلًا!
.
.
للتو وصل إلى المستشفى، يخشى الفضيحة أمام اخيه فيصل، وأمام جدّه الذي لا يضمن ردّت فعله في معرفة نزول رحيل للوطن بعد ثمان سنوات بِلا ليث، الوضع كاللغز لا يفهم خوف ليث واجبار نفسه في جعل رحيل تأتي هنا في وسط اشتعال النيران دونه،

ولا يفهم فيصل والحقد الذي هو يظنه حقد حول ليث، ويخشى من الأيام أن تجبره على أن تتتوّج حياته بالمسؤولية، هو لا يريد دانة ليس من اجل كيانها المرتسم في جسد دانة!

لا بل من أجل الطريقة التي اتخذها جدهما في ربط الوصال بينهما بشكلٍ ملتوي، وبالأخير هو اكتفى من النساء ، ذاق اصنافا منهن على سُبل ونيّة الترك، يتزوج احداهن يبقى معها ثلاثة شهور أو اربع ثم يطلّقها استنادا للاتفاق الذي يعقده بينه وبينهن، ودامهن راضيات هذا الأمر لا يجعله يقلق من افواه نيران ألسنتهن بل تلك الأخيرة احرقته حينما أتت تُخبره"محمد أنا حامل" ربما كانت تظن هذا الحمل سيكون طريقا لتغيير فكره ولكن محمد كان ثابتا على الاتفاق اجبرها على إجهاض الطفل دون أن يشعر بأي ذنب، وهذه مصيبة....بل كارثة....ولكن كل ما يشعر به الآن الخوف من غضب جدّة لزواجاته سرًّا....

تأفف ....يشعر انه داخل دائرة من الأشواك....رفع رأسه حينما فتح الباب ليدخل الى الممر الذي يؤدي بهِ إلى مكتبه البسيط...نظر للتجمهر...ولصوت الشهقات المتتالية....احدى الزملاء قريب يسمع"اختي خذي نفسك بهدوء"
اقترب قليلا وتوقف ليسأل فضولا: شصاير؟
ألتفت عليه:حالة اختناق مثل ما تشوف..

واشار له لينظر على الجانب المكشوف والمسموح له بالنّظر إليها فالتمام زملاؤه لم يجعله يراها كليّا فأخذ يتلصص بنظره لنصف وجهها المطل أمام التجمهر الذي حدث، ثارت بهِ عواصف كثيرة حينما بانت الملامح الأنثوية واضحة أمام مرأى عينيه، علم انها دانة هي من تشهق....تذرف دموعها، مغمضة لعينيها تحاول لقط انفاسها بصعوبة احدى الأطباء يحاول تهدأتها والآخر يصرخ "جيبوا نقّالة عشان ننقلها للقسم الثاني"

ترك ما في يده ليسقط كل شيء على الأرض اقترب منها ليحيل بينها وبين الأنظار التي التهمت ملامح وجهها المحمر والمخنوق قصرًا،اشتعل صدره من هذه النظرات هذه ابنت عمّه كيف لهم ينظرون لها هكذا يعلم انها محجبة ولكن وهي في هذه الحالة حجابها في الواقع مال قليلا ليكشف عن خصلات امامية من شعرها ابعدهم ليفرّقهم ودّ هُنا لو ألبسها "النّقاب" وغطّى بهِ وجهها فنظراتهم كانت تستفّز غيرته ورجولته

انحنى:دانة...

حينما سمعت صوته وهو يشد على كفّيها فتحت عينها ببطأ شديد حاولت التحدث ولكن لم تستطع سُرق صوتها، وتباطأت نبضات قلبها
محمد صرخ ليجلبوا نقالة: جيييييبوا نقّالة....
واقترب منها وفهمت نيّته من ان يحملها من على الأرض ولكن مدّت يديها للأمام ثم هزّت رأسها
وهي تلفظ بصعوبة: طلعني برا.....

هز رأسه بتعجب....نهض ليدير ظهره عنها ليصرخ: قلت لكم جيبوا نقالة....ما تسمعون؟

كان يريد منهم التحرّك والإبتعاد وكف النّظر عنها
ولكن هي رفعت يدها تحت انظار البقية المتعجبة من حالتها ومن انفعال محمد المُريب، شدّت على طرف بنطاله لتجبره على الإلتفات عليها
نظرت له وهي تكحّ بصعوبة:طلعني تكفى...

وشهقت بشكل مفاجأ، احتار وانقهر من النظرات التي لا تستفّز سوى غيرته على أهله....انحنى عليها وكأنه يريد تخبأتها عن هذه الانظار سحب النقاب الساقط بالقُرب من ركبتيها...

سمع همس احدهم حينما امسكها من عضدها لينهضها: يعرفها؟
حرّك اكتافه الآخر: علمي علمك!

اصبحت واقفة تهتز كالشجرة في وسط صحراء قاحلة بها ريّاح عتيّة نقل ناظريه عليهما واحاط كتفها ليشد عليه وهي تشهق
رمى كلمه ألجمت كل النظرات واخجلتها" هذي خطيبتي" أردفها لأسباب عدة ولكن لا يدري انها زادت من ضيق تنفّس دانة اكثر، تلك الانظار انسحبت واخجل بها افكار كثيرة لا يريد ان يأكلوه ويأكلوها بالظنون اخرجها من باب الطوارئ للهواء الطلق...سحبها جانبًا مبتعد عن ضوضاء البشر
اصبح امامها تشهق....ينظر لها تحاول تهدأت نفسها جبينها يتصبب عرقا
قال بعد ان ادرك الوضع: نوبة هلع؟

هزّت رأسها للتأكيد وهي ترتجف لا يحق له ان يسأل ممّن هذه النوبة ولكن اضطر بل لم يضطر بل رغبته قادته في امساك كفّي يديها ليبعدها عن نظرات الرجال من الجهة اليُمنى اجبرتهُ ليسحبها قليلًا لخلف المبنى وبالقرب من صندوق الكهرباء الخارجي....

سحب يديه من كفّيها حينما اسندت نفسها على الجدار
عادت لتغمض عينيها تسحب هواء مع شهقات عديدة تذرف دموع
أردف: تحتاجين اكسجين؟

هزت رأسها "لا"رغم حاجتها الملحّة له...مسح على وجهه متوترا من احتقان وجهها وارتفاع صدرها...لابد أنّ هناك امر شديد جعلها تتهاوى بذعر شهقاتها تلك...رجع امسك بكفّيها .....وليبث الطمأنينة
:دانة......

ولكي يُشير لها انه لن يتجاوز الحدود وانه يفعل ذلك فقط من أجل المساعدة: بنت عمي ...هدي....انا معك....ما في شي يخوف....اذكري الله.....قولي معي.... حاولي تتنفسين مع هالآية...

شدّت على كفّيه كغريق يتشبّث في قشّة نجاته وهي ما زالت مغمضة لعينيها تحاول النجاة تريد الخروج من زوبعة هذه العاصفة
اخذ يتهجد صوته: قولي...
وهو يسحب يدها اليُمنى ويضعها على صدرها ثم وضع باطن يده على ظاهرها ليشد على ارتخاء كفها الهزيل: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ
حرّكت فمها ببطء شديد مع سحب هواء عميق لرئتيها
اكمل: وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ
اكملت ذلك بذرف دموع اثارت الشكوك في رأس ابن عمها
: الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ
ازدردت ريقها لتخرج من شفتيها كلمات متقطعة
ليكمل: وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ، فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا
هزت رأسها بتعب وهي تشد على كفّه الايسر الممسك بكفها
:فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ، وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ.
كررتها ليقترب قليلا لا يريد ان يراهما احد ويصبحا فضيحة يتداولها الناس خارج وداخل المستشفى، نظر لوجهها ليكتشف امرًا...هي مزعوجة عاقدة لحاجبيها تبكي...وتشهق....بشكل مخيف
: دانة فتحي عيونك....
تأبي ذلك....الضعف يعض على اطراف جسدها....ازدردت ريقها حينما شعرت أنها تشد على يديه حاولت سحب كفّيها ولكن شد على كفّيها ليقول
: قولي لا إله إلا الله.....ما في شي يستاهل تسوّين بعمرك كذا....دانة...اذا ما فتحتي عيونك بدّخلك الطوارىء وراح احط لك اكسجين غصبن عنك!

هزت رأسها"لا" ، وفتحت عينيها له حدّقت في وجهه لتُرمش عدّت مرات
.
.
الظروف....تُجبرك على ما لا تُريده...تُرغمك وتُعفّر خدّك في التّراب الذي تخشى منه....تُعلّقك ما بين أمرٍ واحد ولا تخيّرك ما بين أمور عدّة....تصعد فوق ظهرك لتجعلك تنساب طوعًا لِم تُريد هي ليس كما تُريد أنت....تنغمس في خوفك ليُجبرك قلقك على الخضوع....على الإنقياد وراؤها....تُحاول تركض بعيدًا عنها ولكن تكتشف أنّك مُحاط في غرفة مليئة بالمرايا....أينما توجّهت تنظر لإنعكاس خوفك بشعًا ليحثّك على الإقدام في ما لا تريد....محمد....رجل ليس سيء بطابع خُلقي مُشين.....ولكن لا أريد أن تُجبرني الظروف عليه.....ولكن ها هي تُجبرني لأحدّق في سوادة عينيه التي توارثها من أبيه، شفتيه عالقة ما بين التردد في التحدث وما بين إمساك الحديث،عاقد حاجبيه ليظّن بي فأنا لستُ حمقاء.....ما حدث لي شُبهة لكل ما قد يراني....كان يزفر نفسًا ولكن بعكس زفرات رعد لم تكن غضبًا بل كانت على طريق آخر هو متوتر وخائف...وانا أجادل الظروف....أحاول التلّاعب بها ولكن كانت هي من تتلاعب بي باختناق وزفرات حارقة تخرج من قلبي!.....اخبرني محمد....كيف ألفظ هذا الخوف دون القبول بصفقة جدّي على منحنيات تفكيره التي تؤذيني؟
.
.

شعرت بتوتره وشعرت باضطرابها الذي يأكلها...رعد خلع قلبها من مكانه...لا تريد خُسران هذه الوظيفة لا تريد فعل يؤكّد ظنون جدّها....شهقت بشكل اخف مما قبل....وشد على يدها، لينظر مباشرة لعينيها...تاهت خلايا عقله من التفكير....ما بال حالها هكذا؟
: دانة...
.
.
دانة تبحلق في وجهه....لا يشبه اخيه...تستطيع العيش دون ان تشعر بالخجل من رفضه...تستطيع ان تُداري وتمرّض جرحها بطريقة غير مؤذية....فالعناد ليس حلّا وفي وسط زوبعة مشاعر رعد يعد جنونًا....هل تستسلم للظروف؟.....هل تقبل؟ من أجل ان تحافظ عل سمعتها التي من الممكن تُهدم يومًا بسبب حُب طائش وصادر من شخص لا تريده...هل حقا هي بحاجة لرجل يُلازمها حتى وهي في وظيفتها؟ لا....لا تحتاج...ولكن تخاف من الأيّام تجبرها على ما تقتضيه الاحداث.....محمد ليس سيئًا يا دانة ولكن هو حاد الطبّاع.....وبهِ بعض المساوئ التي تُغفر....ارتخى جسدها على هذه الافكار لتُثني ركبتيها قليلًا إشارةً لخضوعها لهذا الإرتخاء الذي عقب أزمة اختنقاها وتفكيرها الحاد!
.
.
شعر انها تنظر له ولكن عينيها تنظران في الواقع ليش آخر شعر وكأنها تعيش صراع داخلي ما بين البقاء والرحيل وكما رأى فضّلت الرحيل على البقاء حينما اهتّزت واثنت ساقيها قليلًا اقترب وبردت فعل سريعة ومفاجأة وضع يده على خصرها ليشدها للوقوف واسندها على الجدار
اغمضت عينيها وبكت ليرتجف جفنها بهدوء....مقهورة من نفسها....ومن وقوفها أمام رعد بضعف...
ووقوفها الآن أمام محمد وملامسة يديه ليديها....تشعر بالخُزي...و...بالخجل!

همس من نوبة قلقه وتأثيرها عليه: دانة....علامك...تكلمي وش صاير؟
قالت بوجع وهي تبكي: موافقة محمد!

لم يفهم شيء، نظر لها حينما ابتعد وهو يزدرد ريقه،
طاقتها نفذت ، وشهقاتها انخفضت، مالت برأسها عنه وهي تُثني جذعها قليلا للأمام
نطقت بصعوبة: عارفة أنك ما تبيني...ويمكن تشوفني فضلة اخوك ليث اللي رفضني ولا قبل فيني.....بس انا مضطرة إني اوافق عليك!

دارت بهِ الدنيا من حديثها شعر وكأنها تعتصر ذاكرته لتعود بهِ للوراء شد على اكتافها وكأنه يريد ان يمنعها من قول هذا الامر، وكأنه يريد أن تُنجي بحياتها قبل أن تقول أنها وقعت في كارثة الشّرف!

ولكن هي شهقت لتكمل:وانا ما ابيك.....بس كل شيء ضدّي!

وكأنها أكدّت الأمر ليقع على رأسه الجبل الذي يخشاه ليهد كل طاقته ويستفذها منه بدأ عقله يأخذ منحنيات عدة لأسباب تغيير رأيها سريعًا وهي على هذا الحال، الجبال جميعها هدّت وتبعثرت عليه بعد نوبة بكاؤها، توقف عن الحركة لينظر لمصيبته الجديدة هو لم يردف"خطيبتي" إلّا لحقن الألسن ولكن الآن دقّ قلبه خذلانًا للظروف التي اوقعته على حرّ نار لسانه.
هو الآخر سلّط أضواء أعين زملاؤه الذين ربما سينشرون خبر خطبته فيما بينهم ليضج الحديث عمّ حدث في ارجاء المستشقى ليصبحا حقًّا فضيحة لو لم يثبت انه "خطيب" لها....ولكن كيف مالت للموافقة.....ما هي المصيبة التي اجبرتها عليه؟

اقترب منها يريد ان ترفع رأسها
: دانة....
تحدثت وهي تغص في البكاء: تزوجني وصدقني ما راح اتدخّل في حياتك اصلًا...بس مجبورة اوافق!

قاطعها: رفعي راسك...

تخجل.....كيف غيّر رعد من موازين تفكيرها على طرق الخوف؟ كيف؟...هي تخاف...وافقت على محمد من باب القلق والخوف....شعرت وكأن سكاكين كثيرة تُطعن قلبها لتصيب جزء عجزت عن اسكاته....جزء القهر من رفضها وكأنها ليست انثى كاملة غير مصابة لا بجذام ولا بمرض يجبر اعين الرجال في الابتعاد عنها...ولكن لم تتقبل عين رعد....لان الظروف هالكة لتفكيرها....ها هي تتخبّط...لتبكي وهي تحتضن نفسها وتسند جبينها على ركبتَيها
اقترب منها
ليهمس بغير استيعاب: دانة احد متعرّض لك؟

ازداد البكاء، وازدادت الظنون لتهوي بهما على لفظ قهر بات يتخالط مع انفاسهما المتضادة.....فنفسها لا يخرج إلّا حيرةً وغضب ونفسه يخرج تذبذبًا ومحاولةً لمجاهدة تبعثر النّفس ....هي تشعر وكأنها هي من عرضت نفسها عليه وهو يشعر وكأنه مجبر على القبول بموافقتها ولكن شيء بداخله ركد حينما حرّكت رأسها"لا" فظنّ هناك شيء مستجد اجبرها على الانهيار
فقال: جدّي كلّم عمي؟
يكثر الأسالة خشيةً من الظنون التي تلتهمه بصمتها...بكت ولم تجيبه ولم يكثر الحديث لأن الحديث عقيم....مهما كان السبب الذي دعاها بالقبول به....فمن شيمه أن يوافق كما وافقت عليه فهي ليست بأي فتاة ....بل هي عرضه وشرفه وابنت عمّه....اغلق افواه الاسالة التي تصعف بهِ من الدّاخل
فقال: وانا بعد موافق.
.

 
 

 

عرض البوم صور شتات الكون   رد مع اقتباس
قديم 02-03-21, 08:32 PM   المشاركة رقم: 49
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2017
العضوية: 327052
المشاركات: 98
الجنس أنثى
معدل التقييم: شتات الكون عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
شتات الكون غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : شتات الكون المنتدى : المنتدى العام للقصص والروايات
افتراضي رد: رواية: أحببتُ حُطاما سَبق أوان الرحيل\ بقلم شتات الكون

 

.
.
تقف بشموخ العلم ومعرفتها التامة بكيفية الإلقاء وكيفية الطرح لجذب انتباه من هم ينظرون وينصتون لها تُكمل جملتها" شكرا لكم جميعًا" ،يضج المكان بالتصفيق لتبتسم وتميل برأسها لناحية اليسار احترامًا مشت خطوة لتتقدم لمصافحة المدير القائم على رأس هذا المؤتمر، ليأخذ مكانها في الإلقاء ثم نزلت من على العتبة لتنزوي في ذاكرة اللامجهول، اصوات الكاميرات وهي تلتقط صور لأرجاء المكان ارتفعت.
ابتسمت تُجامل الوجوه التي تنظر لها، عاد الغثيان وعادت أوجاع الحُب لتتمكّن منها، جالت بانظارها لتسقط على شاب وسيم يبتسم لها وهو يتابع التسجيل لكلمة المدير، ابتسمت له على مضض ثم نهضت معتذرة من الرجل الذي عن يمينها ليترك لها مجالًا للعبور من امامه، ستذهب للخلاء لن تتمكّن من تهدأت معدتها بالتجاهل هُناك رغبة ملحة في لفظ عُشق يُثلج صدرها ويذيبه على عتبات الهُيام
مشت بخُطى تحاول ان تجعلها منتظمة ليضج صدى صوت طرق حذاؤها "السامري".

خرجت من القاعة وهي تُكمكم بطريقة خجلة فمها عجّلت بخطواتها، ليزداد الطرق مُعلنًا حالتها الطارئة، مشت...لتدخل للممر الآخر من الجهة اليُسرى لتعبر الرّواق والوجهة المطلّة على المسبح الخارجي المعزول عن الأنظار في الواقع والمنعكس من خلال الزجاج.

دلفت الباب سريعًا لتنحي على طرف المغسلة...افرغت بِلا كبح سائل كاد يقتلها قبل قليل، اخذت تكح وتبكي، تشتاق لهُ تريد ان تنعم معه في حياة جميلة وبعيدة عن كل ما يشوب تعكير صفوة حبّهما.

انتثر شعرها للأمام ليخفي وجعًا غائرًا في الفؤاد، مزاجها متغلّب وهرمونات الحمل جعلتها تتذكّر والدتها بشكل مكثّف ودّت"لو" لم تمت و"لو" من الشيطان ولكن سمحت لهُ في احداث الضجيج الذي يأكل من عقلها الشيء الكبير، لا تستطيع أن تغيّر من وجهة تفكيرها بأمها ولا بركان.
.
.
بداخلي بركان انفجر...اشتاق لأمي لصوتها الحاني الذي افناه الموت
لطبطبتها وتسكين أوجاعي، اشتقت لسماع لفظها حينما اعود من القاهرة وتتصل لتطمئن" توحشتك"، انا سأصبح مثلها لألقّب بـ"أم" ولكن اخشى من أخذ مصيرها لأجعل طفلي يتيمًا في وقت هو بحاجة إليّ اشد الاحتياج، لا اريد ان اموت ...اخشى الموت...واخشى من حزن طفلي يومًا فأنا لا ادري ما الذي قد يحدث فيما بعد انا بعيدة عن حياة ركان الآن.

وركان لا يعلم عن تلك الهدية التي تركها في حياتي، لستُ قادرة على تفسير ما يحدث وما قد سيحدث.....ولستُ شجاعة لقول"ركان أنا حامل" انا خائفة.....مسمومة بالقلق اخشى من اخبارة ليأتي طوعًا هنا وافتقده للأبد...انا حقًّا أعيش مصير مجهول....انا ذنب ركان وركان لا ذنب له!، ربما ذنبه حبه لي...وعشقي له اثم عظيم!...يترك ندوبًا على قلبي ...ندوب لا تشفى إلّا بعد الارتماء في حُضنه.....انا بحاجة لحضنه....ليديه الكبيرتين في تغطية مساحة خوفي من كل الأشياء...لا أريد ان اتجرّع هذه اللّوعات ولكنني مجبرة للتكفير عن اثم عُشقي!
.
.
غسلت وجهها مرّة ومرّتين ولم تُبالي للمساحيق التجميلية من ان تُمسح او تشوّه ملامحها المُتعبة...تبللت اطراف شعرها...رفعت رأسها لترفع جذعها تمامًا....أخذت تنظر للكحل الذي خُطّى اسفل جفنها...سحبت الحقيبة لتضعها على المغسلة فتحتها واخذت المناديل لتمسح المساحيق التجميلية وتعيد ترتيبها بكفّيها المرتجفتين...عاد الغثيان....ما بال حالها اليوم؟
لم تستطع ان تكبح هذا الشعور ابعدت الحقيبة وعادت لتنكب على المغسلة وتتجرع ألم تقلّصات عضلات بطنها في محاولة اخراج ما في معدتها من ماء في الأصل!....كحّت مرة ومرتين....اخذ جسدها يرتجف لؤمًا....رفعت رأسها.....اخذت تجّر انفاسًا متتابعة ....ادخلت يديها في الحقيبة لتبحث عن "علك" خالي من السكر...لتعيد بهِ اتزان معدتها ولكن تفاجأت حينما دخل رجل للخلاء!

هو صُعق وهي اندهشت لتلتفت للوراء وتكتشف الطامة....دخلت خلاء الرجاء....عينها اليسرى اخذت ترمش بعدّة مرات حتى سقطت دمعة تنّم عن جهدها المبذول.....خجلت منه سحبت حقيبتها
همست بالفرنسية لظنها انه ليس عربيا وفي الواقع ملامحه تدل على عربيّة اصوله ولكن رهبتها اوقفت عقلها من التفكير(مترجم): آسفة لم أكن اعلم...انه خاص...
شعر برجفتها ونظر لبعثرت الكحل والذي كان له دورا في جعله ينصدم، كانت تقرأ الخطاب برقي وروح مليئة بالثقة ووقوف شامخ بجمالها المُبهر وهنا تبكي لماذا؟
اشار لها (مترجم): لا عليكِ.

وهي تخرج سحبت حقيبتها متنرفزة من الوضع شتمت نفسها بالعربية ليلتفت: هو دا اللي نائصني بآ....

تحدث: القاءك جدا جميل...وواضح المستشفى اللي تشتغلين فيه له سمعته....

جمدت في مكانها ويدها تعلقت على مقبض الباب كيف؟ عربي اذًا!
لم تلتفت ولكن سمعت صوت هدير الماء، كان يُغسل يديه المتسخة بعد أن سُكب العصير عليه وهو يمشي بخطى سريعه ليسجل كلمة المدير الأخيرة اصطدم في"النادل" لينسكب على بدلته واخذ يزيل البقع بيده لانه لم يملك منديلًا وزاد الأمر سوء، اضطر لينحني ويغسل البقعة من امام بطنه ثم سحب نفسه للوراء وسحب منديل معلّق من امامه....نظر لتجمدها
ليمشي ويصبح بجانبها ابتسم بهدوء: معاك بتّال من السعودية .

عاد الغثيان من جديد، وهرعت راكضة لناحية المغاسل ليتعجّب منها، تركت الحقيبة من يدها لتسقط على الأرض وتنحني لتقتلها زفرات اخراج الحنين لركان....افرغت ما في جوفها واخذت تكح وتذرف دموع....حاولت ان تسيطر على جنون معدتها ولكن لم تستطع....تبللت هذه المرة ملابسها بالماء....اغمضت عينها بعدما افرغت هذا الوجع...ارشحت وجهها عدّت مرات ثم استقامة في وقفتها لتلتفت وتسحب حقيبتها...انحرجت من نظرات بتّال وهو يمّد لها منديلا
...مدّت يدها له وسحبت المنديل لتنشّف به قطرات الماء من على وجهها
: عن اذنك.

فقال: انتهى المؤتمر...

هزت رأسها وخرجت ليتبعها، جمالها في الواقع اثار بداخله اشياء كُثر تدفعه للإنجذاب بها، تبعها يريد ان يخلق حديثًا معها بينما هي خرجت تريد العودة للفندق
سمعت صوت من خلفها: تعبانة؟
ثم اصبح عن يسارها نظرت له وبصد اكملت طريقها بصمت
فقال: محتاجة شي؟
توقفت هنا، هي بحاجة كُبرى "لعلك اللّبان" سحبت نفس عميق
ثم قالت بلهجة لم تمارسها بشكل كبير ولكن ستترك اللهجة التي تضج بالحنين لوالدتها لكي لا تتألم بذكرى ركان ايضًا: عاوزة علك...
زمّ شفتيه: للأسف ما عندي...
ثم همّت بالمرور من امامه ولكن قال: اذا تسمحين لي....ننزل تحت تطلعين برا حتى تشمّين...
قاطعته وهي تلتفت وتمشي في الآن نفسه تحدثت: انا حامل!

نظر لها بعقدة حاجبيه وكأنه خسر فرصة....انحرج....وهي عادت تمشي للأمام قطعة عليه سُبل "التطبيق" عليها ...ولكن في الواقع تبعها!
.
.
.
اثار زوبعة في قلوبهم ثم خرج ليترك للغضب مجالًا في الإنخفاض
ربما الماضي يقتل اباهم بسكون الأحداث البسيطة التي تحدث لهم الآن
ابا سعد من المحتمل ما زال يحمّله مسؤولية خرجت سيطرته عنها، وجه ابيه في لفظ الحقيقة كان موجعًا ولكن ما باله يصّر على معالجة الأمور لوحده، لماذا يبعدهم عن طريق ابا سعد ليتصدّى أذاه لوحده؟
لماذا يُجبر قلوبهم على تجرّع لوعة الانقهار والإجبار؟ "دام" الحديث انفتح لن يغلقه...نهض...وتسارعت خطواته لناحية الباب
: لازم اعرف شنو السالفة بالضبط؟
خرج وترك خلفه اخويه اللّذان صرخا خوفًا على ابيهم!
بو صارم: بو فهد وقّف......دام حالك كذا لا تكلّمه.....مانت في حال نقاش وانا خوك.
بو ليث مشى خطوات شاسعة: والله انك بتذبح ابوي...تعال.....بو فهد تعااااااال....

.
.
بينما هو تبع خطوات فضوله وغضبه وقهره من الوضع الذي يعيشه مع والده، الوضع الذي جعله يبتعد عنه خطوات شاسعة...غير مُبصرة للنور....متجهّة للعُتمة التي تُثير الألم في لُب عقله....علاقته متوترة معه بشكلٍ يُثير غبار الماضي بوجع رحيل وبقاء حُطامُها الذي لم يحبّه قط!

دخل وسط صالة منزلهما لينظر لوالدته التي تقبع على الجلسة منحنية قليلًا للأمام تنظر لزوجها الذي يعبث بسبحته وشارد بذهنه يسمعها تقول
: علامك؟.....تكلّم وش اللي مضيّق صدرك؟

تقدم هنا، ضيق صدر أبيه واضح ومرئي أمام الأعين، تنهّد ومشى بخطوات متباطئة واخوته دخلوا من الباب ليتركوه بعد ذلك مفتوحًا نظروا لهم وصدورهم تهوي بخوف اشتعال الحديث بين الأب وابنه
نظر ابا فهد لوالدته التي نظرت لهم بتعجب لدخولهم عليهما بشكل مُريب ومفاجأ
ونظرت لزوجها الذي بات يحدّق في وجه ابنه ابا فهد بتحديق دون أن ينبس بكلمة واحدة!
قال ابنها: حلفتك بالله يبه تقول لنا وتوضّح السالفة اللي احنت ظهرك وصدّعت صدرك بحزن وثقل مسؤوليتنا كلّنا!

الجدّه فتحت عيناها على وسعهما لتتضّح صدمتها التي اختلجت تجاعيد الوقار بقلق وحيرة
همس ابا صارم: عبد الرحمن....لا تضغط عليه....ياخوي...هد من نفسك..بعدين نتفاهم...
بو ليث تقدم لناحية أخيه واخذ يؤكّد حديث سلطان :بو فهد.....تعال.....اجلس واذكر ربك بعدين نتفاهم....

بو فهد اقترب من ابيه مبتعدًا عن أخيه ابا ليث
تقدم ثم انحنى عليه ليقبّل رأسه ويده: يبه انا ما هوب قصدي ارفع صوتي على صوتك ولا هوب قصدي اطلع عن شورك... كلمتك يا يبه تمر على رقبتي ولو بقيت تقصه وتقطعه حلالك....بس يبه اسألك بالله تشوف اللي تسويه صح....أنت مقتنع فيه؟

الجدّه بصوت منفعل: شتقول يا عبد الرحمن..... ارفع علومك!
ثم نظرت لابنيها: شصاير؟

الجد نظر لابنه، نظر لحزن الثمان سنين التي انطوت عليه وحيدًا، نظر للتعب الذي يختلج بؤبؤ عينه، كسره بالصّد والبُعد وقهر نفسه الآن صدّ بوجهه عنه لا يريد أن يستمع لحُزن أول ثمرة زواجهما وحبّهما الذي ولِد بعد العشرة وبعد الإحترام المتبادل....يُكسره ان يرى ابنه في هذا الحال...مُتذبذب يبحث عن رضاه ويخشى عليه من الإنهيارات العاصفة والتي تقبع خلف ثنايا قلبه..هو الآخر متعب..في قلبه حُزن عميق..وأوطان من الأوجاع..لا يريد من وجه ابنه يثقب دائرة ضعفه لينهمل كل شيء أمامهم.

: يبه انا عارف بسالفة بو سعد جعله ما يشوف السعد ولا يطوله....هو يبيك ترجع للديرة صح؟

ابا صارم نظر لوالدته التي قالت بانفعال: لا ماحنا براجعين لهناك ولاحنا مستقرين فيها للأبد......نروح زيارة ونرجع اي....لكن نجلس ولا كأنّ صار شي...لا بالله ما سوّيتها وانا بنت ابوي!

ابا ليث اقترب هنا احتار من الأمر اخيه اخبرهما عن سبب خروجهم من "الديرة" ومجيئهم هنا ، ولكن يخشى من أمر خفي لا يحبذان اخبارهم به، بينما ابا صارم بلل شفتيه ليستعد إلى المصيبة الجديدة، حاول أن يسحب هواء بكميّة كبيرة لتهدأت قلبه المُعتل!

الجد تحدّث بصرامة: ماحنا براجعين يا حسنا....كرامتي اللي انهدرت هناك رجّعتها يوم اني جيت لهنيّا.....بس ليتهم يكفّون شرهم عني....ليتهم....

الجده بخوف: صاير شي؟....وش هالشر اللي طالك منهم؟
ابا صارم اقترب منها مسك كف يدها: ما في شي يمه....اذكري الله....

نظرت لحال ابناؤها الثلاثة وضياع الحديث من فاه زوجها الذي ينظر لابنه عبد الرحمن بتجاعيد جفنيه الحزينتين من ماضٍ لدغة وبثّ السّم في جسده لوقتنا الحاضر هذا
أثقل عليها القلق!

بو فهد شد على كف ابيه: يبه وش صاير؟.....انا وعلي وسلطان كلنا نعرف.....ليش جينا هنا....وكيف الكل صار ضدك على سالفة المخدرات!
نظر أبيه إليه بغضب وحنق......وكاد يتحدّث ولكن قالت
الجدة بانفعال: ما تحفظ السر يا عـ...
قاطعها ابا صارم: يمه....هذا مو سر...هذي حياتنا كلّنا...والمفروض عرفنا عن هالسالفة من وقتها......وحطّينا حد للقيل والقال!

بو ليث نظر لابيه: ليش تخبي علينا....وتحمّل نفسك فوق طاقتها.....ليش؟
بو فهد طأطأ برأسه وهو ينظر لأبيه الذي يجول بانظاره لهم بصمت
فقالت الجده: انسوا السالفة ولا عاد تذكرونها لا قدام حريمكم ولا قدام عيالكم.....انسوها الله لا يعودها من ايّام كّنها كدّرت حالنا وبدّلته من حال....لحال ثاني!
بو فهد بهدوء:يبه وش يبي بو سعد؟

مسح على وجهه وهزّ بيده العصا، ارتجفت كفّيه المتجعدتان بحمل هذا الأمر الذي هرب منهُ ليحفظ ما تبقى من كرامته شيء ولو كان بسيطًا....لم يتحمّل النّظرات والهمز واللّمز....والتنابز الذي ظهر بثقله على ظهره ليُحنيه ويكسره....خرج ليترك وراؤه بصمة لا صحّة لها من الحقيقة والواقع..هرب من المحيط الذي نبذه..هو موجوع..والأحداث التي حدثت لحفيدته اثقلت اعتاقه...فهو رأى شيء يُجدد عليه حزنه ليقسو بطريقة تُخرس فيها أفواه المجانين قبل آخر شخصٍ قد يكون اعقلهم.

ليقول بو ليث: ما راح نسوي شي انت ما تبيه يا يبه بس قول لنا....وش يبي....لا تتركنا ضايعين كذا ونفهمك غلط....صحّح افكارنا عن هالموضوع!

بو صارم ساكت ينتظر نطق ابيه، ولا يوّد التحدّث لكي لا يُثقل عليه فمعالم وجهه التي أخذت تتقلّب ما بين الغضب والإنكسار الواضح على مرتسم حاجبيه المعقودين اخافه!

الجد ضرب بالعصا على الارض ليصدر صداه على مسامعهم ضجيجًا اجبرهم على السكون والسكوت لينظروا إليه باهتمام مبالغ فيه من شدّت خوفهم من الكلمات التي سينطقها، تنهد بضيق وبصوت عالي زفر، تحوّل وجهه إلى الاحمرار ليعقد حاجبيه لينّم عن ضيقه، نظر هنا إليه ابا فهد
: يبه...

الجدّه خافت على زوجها، وألتمست شيء آخر، جالت بنظرها على أبناؤها لتهمس بشفتيها المرتجفتين: عبد العزيز.....هالرخمه وش يبي منك؟....ليش ينطري لي اسمه بعد هالسنين....شسالفته يا بو عيالي....تكلم....لا تجلس تسكت...تخليني اهوجس ...تكلّم....

بو صارم اقترب منه جثل على ركبتيه ليصبح عن يسار والده
تحدث بهدوء وقلبه غير مطمئن:والله ما راح ازيد ضقتك ضيقتين يا يبه....دانة خلاص لمحمد.....ما عادني مضايقك ولا راح اراددك في شي...بس تكفى يبه لا تجلس كذا لا تقهر نفسك...

بو ليث كاد يتكلم ولكن ارتفع صوت الجد: بعد ما خرّب سمعتي وشوّها بين العربان والخلايق......بعد ما لقّبني ببيّاع المخدرات في السوق...وكرّه النّاس فيني ....وجبرهم يبتعدون ولا يساعدوني.....الحين يرجع.....يطلب السماح...ويطلب القرب......عشان نصير نسايب...وننسى اللي فات ....بعد ما هدر كرامتي.....وبعد ما طعن بظهري...يطلبني السمّاح قدّام الجماعة وطلب يد بنيتّي دانة....
الجده بانفعال: اللي تقوله صدق؟.....وش تقول يا بو عبد الرحمن.....هذا جن .....ولا ناويها شر؟
بو ليث التفت عليها: يمه اهدي...اذكري الله....
انفعلت:يخسى ياخذ من بناتي لعياله الرخوم...ما عاد إلّا هي....يروح ياخذ لهم بنات عمهم ولا ما عطوه قليل الخاتممة؟
ابا صارم: يمه هدي اعصابك.....ما راح يصير شي من اللي يبيه....

ارتفع صوت بو فهد هنا: يخسى ياخذها ....ورجعه لهناك ماحنا براجعين....وان كان يطمح لهالشي يروح يبلّط البحر!

الجد بجدية: ولا عادنا بنعود للديرة لا بزيارة ولا باستقرار.....هنا راح نجلس لين اموت.....بو سعد ما يطلب السماح من الله....ولا هي من نيّته اصلا...لا بالله...هو يبي يقهرني وبس .....ويبي يطلّع علي كلام مثل عادته......وجاني من اليد اللي توجعني وهو يطلب السماح....و...يوم طلب بنتك يا بو صارم...
ونظر لابنه: طلبني اياها قدّام الجماعه لم رحت قبل ثلاث شهور هناك عشان اشوف ديرتي اللي ربيت فيها سنين وقلت منها اشوف جماعتي اللي حطيت لهم قدر على راسي وعيني إلّا اني اخطيت بذا الشي!....الوكاد هالبو سعد....كان يبي يصغّرني قدامهم ويطلّعني انا المخطي...طلب السماح قدامهم.....وطلب يد بنتك.....بنفس الوقت.....ما كانت بيدي حيلة غير اني اقول انها مخطوبة لولد عمها وخطبة المسلم على اخيه المسلم ما تجوز.....سكت....وبعدها طلعت.....من المجلس قبل لا يقول يبي وحده ثانية من بناتكم...أنا فاهمة زين...حركته هذي ما هيب إلّا مساومة على كف شره عني..ولكن انا ما اساوم حفيداتي ولا ارضى عليهم من هبّت الرّيح...طلعت من فمي هالكلمة عشان اسد حلقة واحط حد..لكن بشوفة عيونكم..

بو فهد اشتد قهره على افعال ابا سعد الحاقد!
الجده:هذا فصخ عقله؟.... من يوم يومه نذل...غرّته الدنيا بالجاه وبكم الريال اللي صار عنده نسى ايّامه الصعبة ووقفتك معه....الله ينتقم منه...ويسلبه راحته...

بو صارم قبّل رأس والده ليهوّن عليه فوجهه وطريقة تنفسه اخافته في الواقع: زين ما سويت يا يبه....وبو سعد هذا الله حسيبه....حسبي الله ونعم الوكيل فيه....

بو فهد سكت منحرج من ابيه ومن طيش حديثه في بداية الأمر واستفزازه له ليجعله ينفجر بالحقيقة وبلفظ وجعه!

الجد: بوصيكم وهذا انا اقولها لكم.....ان كنت حي ولا ميّت لا عاد تطب رجولكم للديرة...ابد!
ببو فهد: يبه لا تقول كذا ....لك طولة العمر ان شاء الله...
بو ليث بغضب: بو سعد هذا محتاج من يربيه على كبر..
الجده: علي.....والله ان رحت وتهاوشت معه....لـ...
قاطعها الجد: علي ماحنا راعين طلايب....ولا انا ابي اوصلها مواصيل ما تنتهي.....بو سعد ما يقدر يسوي شي.....

بو ليث بصوت مرتقع: وش اللي ما يقدر!.... وهو راح في ذيك السنة يدور في ولدي انه سربوت وخربان......ولا نسيت؟

الجد انفعل واشار له بعصاته:....وقتها صدق ولدك سربوت.....احد يسوي سواته....يكذب علينا كلنا..... هج يسافر عشان يدرس وهو راح يبربس من وراك......لو انه محترم نفسه ما ترك عظم للكلاب وخلاهم يتكلمون.....لو أنه رجّال وقتها ما ترك للعدو فرصة يتشمّت فيني!

سكت، لا يستطيع ان يبرر لأفعال ليث السابقه، فابنه وقتها صدمه...لم يكن ليث متزنًا في افعاله أبدًا...انكب على وجهه لتُثقله الذنوب ...وتُرهق قلوبهم أحاديث النّاس عنه....مسح على وجهه واشاح بنظره عن أبيه!

فتحدث الجد مكملا بصوت مرتفع ووجهه محتنق: ولم صارت سالفة رحيل اختبصت وخفت يوصل له الخبر.....ووقتها لو واصل كان علوم!...بس ربي ستر...واضطريت اترك ليث يجلس هناك معها.....واصلا هذا اللي المفروض اللي يصير.....هي بالاول والاخير زوجته....ما هوب عدل عليه يرجع هنا وزوجته تتحاكم سنوات ببلاد الغرب!
الجده: صادق وشورك في محلّه......يا بو عبد الرحمن....ليث ملزوم في زوجته ومجبور على وقوفه معها في الرخاء والشدّة!

اكمل الجد وهو يلتفت على ابنه سلطان(ابا صارم): ودانه......خايف عليها من القيل والقال في المستشفى .....خايف تغلط غلطة بسيطة وروحون يكبرونها هناك.....
وبغضب اكمل: بو وافي... ولد اخوه..... رعد اليتيم....دكتور....وقد قالي انه يعيل امه وساكن بالخبر واظنه يشتغل بمستشفى الفاهد اللي تشتغل فيه بنتك يا سلطان.....انا ما نيب بحمل الظنون والشكوك.....انا خايف عليكم وعلى عيالكم......بو سعد ما قصّر لمّع صورته بين العربان وخرّب سمعتي....مابي يطول شي من هالخراب لبناتي ....هو يبي يثبت للكل سوء تربيتي و ويبي يجبرني حاليًا ارجع لهناك...ويترك اعيال عمومتكم يدّخلون فيني.....رغم انهم شايلين يدهم عني وعنكم سنين....بعد الفضيحة اللي صارت.....وانا مستحيل ارجع للمكان اللي انطردت فيه سواء كانت الطردة مقصودة أو لا!

وكأن الغضب اخذ مأخذه ليجعله يوضّح امور خفيّة عنهم، اخذ يرسل لهم نواياه ليصمتوا اليه خشيةً من التحدّث واتعاب فؤاده الذي استنزف طاقته كلها،
تحدثت الجده: لا اله الا الله ...الله اكبر عليه هالظالم....حسبي الله ونعم الوكيل....
نظر لابا فهد: بس مانكر اني مقهور على رحيل يا عبد الرحمن.....مانكر اني خايف سالفتها تنتشر بين العربان وتصير الفضيحة فضحتين.....والكل يدخّل لي في سالفتها.....وندخل في سوالف الدّم والعار..

غصّ في الوجع، ها هو ابيه يضربه على وتينه الذي سخن من الأوجاع وتفجّر من القهر، بما يجيب ابيه؟ هل يجيبه بأنه خائف هو الآخر من الفضيحة وتلطيخ اسمه ام يخبره انه خائف عليها ولكن لا يريد إظهار ذلك؟ لأنه مُتعب!
احنى رأسه
لينطق ابا ليث: يبه اترك عنك الكلام وهدي نفسك وقول لا اله الا الله......بإذن الله ما هوب صاير شي....وبالأوّل والأخير حنّا المسؤولين عن عيالنا.....ما هوب هم...

ثم تذكر امر عودة ليث ابنه دون الوفاء بالوعد الذي قطعه مع ابيه، وانخرس من هذه المصيبة والده غير متاح للحديث ولا يريد الآن ان يضغط على اذيال غضبه لتتكاثر حنقًا ووجعًا عليهم!

قال ابا صارم: باذن الله يا يبه بكلم دانة.....وما راح يصير الا اللي...
قاطعه: اياني وياكم انت وعلي تكلمونهم عن الحقيقة وموضوع بو سعد....لا تفتحون عيون عيالكم على ماضي راح وولّى....
الجده بحزم: صادق ابوكم اللي فات مات....لا عاد تنبشون لهم بالماضي وتثيرون الحمية بنفوسهم وتفتحون ابواب ما تنتسكّر.....

بو ليث نظر لاباصارم ثم لاخيه ابا فهد الذي ابتلع صوته على طاري ابنته
: ما راح نقول.....شي....وبندفن السر هنا ولا هوب طالع لهم....باذن الله محمد راح ياخذ دانة......بدون ما نقول لهم الاسباب...

بو فهد نهض على مضض:عن اذنكم.
وتابعه ابيه بعينيه وهو يخرج

الجده: ما كان له لزوم تقوله الحكي اللي يوجع قليبه....
الجد بانفعال: كلمة وانقالت....يا حسنا...ولا بعادها ترجع.....ولا راح يتغير شي....بنته اوجعتني..وبالحيل..هدّت حيلي..ولو يوصل خبرها لهناك.....ما راح نعيّن خير...وخايفن عليها من خبال بو سعد.

ارتفع صوتها بغضب:بنته صانة نفسها ولا كنّك نسيت؟....دافعت عن نفسها....واحفظت شرفها..ما حد يقدر يقول غير تسذا...

وبصوت منفعل لعدم فهم ما يقصده زوجها!: ولو صاير العكس وليدي ليث ما هوب غشيم...كان طلّقها ولا عطاك خبر....بس يشهد عليها انها مظلومة....ووضّح هالشي لكم يا عبد العزيز مير أنت عصّي وقاسي ولا تبي تفهم بذا الشي..واساليبك هذي تثبت لهالبوسعد وربعه الشي اللي خايفن منه!

الجد ضرب بعصاته لسوء فهمها له ولتعبه تحت انظار ابا صارم الذي تمتم بالاستغفار وابا ليث الذي يتصدد بنظره عن ابيه..خرج عن طوره ليقول: لا ما نسيت ولو لا الله ثم ولد عمها ليث كان الحين حنا علك بحلوق الناس.....بس اشهد انه اجودي يوم تمسك فيها ولا طلقها وهي ببلاد الغرب...ووقف معها ليومك ذا.....سكري السيرة الحين....لا عاد نوجع بعضنا!

الجده اسندت يديها على الارض لتنهض بثقل ما سمعته وبثقل الزمن الجاثل على ظهرها: من يوم يومك ترمي كلمتك بوجه هالولد وتتركه يطلع مخنوق....ما قول إلّا الله يجازي من كان السبب في سجنها....جعله ما يسلم منها!

ثم استقامة بوقفتها لتتنهد وتستغفر وتذهب للغرفة الجانبية

ابا صارم: يبه الله يطوّل لي بعمرك هدي من نفسك اترك محمد ودانة....وانسى ليث ورحيل.....اذكر الله....
بو ليث:اخوي سلطان صادق...
الجد نظر لهم ثم تمتم بالاستغفار....واخذ يتنفس بصوت مسموع!
.
.
.
منظره وهو مكسور في الواقع حرّك بداخله شيء من الحنين لأيّامهما في الماضي لم يتخيّل يومًا أن تنتهي صداقتهما الودودة هكذا، ظنّ إنها لن تنتهي للأبد فهما أخوة وهل الأخوّة لها فترة انتهاء ؟

ضاق صدره...حقًا ضاق وشعر بالربكة الطفوليّة التي تختلجه وهو صغير حينما يرى مشهدًا مُهيبًا كدموع أبيه مثلا!، أو دموع والدته ها هي الرّبكة انتابته على طريق انسياب دموع صاحبه، يجزم حتّى لو سامحه لن يستطيع استيعادة صداقتهما كما كانت في السابق فهو قطع السّبل إليها لأنها مستحيلة، سيتركهُ يعيش بعيدًا عنه بدلًا من العودة بشك وريبة تُنقض عليه المعنى في تكوين الصداقة.
هو خسر ويقبل هذه الخسارة ولا يريد ان يُصبح ساذجًا، لم يعد يثق بهِ بعد اليوم حتّى بعد تلك المشاعر التي اهتزّت من تحت تلك السنوات التي انطوت لتجمعهما مع بعضهما البعض، اهتزّت وتصدّع المعنى الرّاكد في قلبه، مسح على وجهه...ثم ألقى نظره على المخططات التي أمامه، مخططات هندسية اضاعت هندسيّة أخوّتهما جعلتها تهتز وتنهدم ربما لسوء البُنية التحتية الهشّة التي لم يلحظها طيلة هذه السنوات، ولكن ما هي الدواعي التي جعلت ماهر وحشًا؟ هل هناك سبب أم لا يوجد بس سوّلت لهُ نفسه في المبادرة في لدغة وعضّة في آن واحد؟

ادار نفسه من على الكرسي ذو العجلات الخماسية، اصبح أمام النافذة مباشرة، شدّ على ساقيه ليضع ثقلة على قدميه ثم سحب نفسه على هذه الأثناء للأمام...تسللت أشعة الشمس من خلال الستارة الرسمية والمُناسبة لمكتبه....شبّك اصابع يديه....احنى رأسه قليلًا.....ماهر بالفعل كسره.....وهُناك أمر آخر....يخشى من أخيه محمد يعود لهُ ليناقشه على السبب الذي دفعه لوضع التسجيل الصوتي في غرفة ليث...ماذا يقول؟

هل أمر الفضول سيقنعه أم سيرفض قبوله؟ ....هو حقًّا فعله من أجل الفضول ومن أجل ان يكتشف امر العلاقة التي بين ليث ورحيل...ليكتشف امور هوت بهِ على ارض اشواكه....كان بالماضي يحترق بركود قوله الصامت" ليث ما يستحق رحيل" وكان يؤمن بها....واكتشافه برهن لهُ ذلك....لن يكذب على نفسه...سُعد كثيرًا حينما اكتشف انه متزوجًا بامرأة أخرى و اصبح سببًا في سجن رحيل....هو لم يكتشف الحقائق تفصيلًا ولكن اكتشف الأمر الرئيسي"رحيل انسجنت بسبب ليث" ...ظن حان موعد فراقهما ولكن الآن.....وقف على رجليه....اخذ يجول ذهابًا وإيّابًا....واذا تطلّقا....لن يحصل شيء مما دار في عقله في الماضي ليجزم في حاضره انه علق في مشاعرٍ ستزول مع الأيّام...ولكن يخشى حقًّا من الأيّام أن تخونه وتطول!

صاحبه عبد لله اعاده على واقع كان يهرب منه ويؤجّل اللّقاء بهِ.....ورؤية محمد لأشياؤه القديمة ...جعلته يواجهة الأمر بصرامة....
مسح على جبينه همس: استغفر الله......فيصل......لا تحط آمال.....رحيل اختك...وبس...اختك يا فيصل!

حينما ليث أردف "ابي رحيل"....شيء بداخله انكسر...أخذت الحيرة تطرقه طرقًا...ودّ لو تحدث واخبره "أنا ابيها" ولكن سكت.....وانطوى خلف لسانه بالصمت حتّى توارت عليه الأحداث ليرى أخيه بـ"بشت" زواجه...ويزّف عليها!....كره ليث وقتها...وكره الظروف....هو الاصغر ما بين اخوته فكان من المستحيل ان يتزوّج في سن صغير كذاك...وقبل أخوّته ايضًا!.....حلف ان يجعل وسم حبّها في قلبه آنذاك....لينضج بعدها...ويتألم بصمت..حاول وكثيرًا من أن يزيح هذا الشعور وكان يزيحه ولكن في فترات يعود إليه بِلا استئذان فغرق في تتبّع اخبار أخيه ليصل إلى حقائق بعثرة حياة ليث بشكل غير منطقي وغير واضح بالنسبة إليه.
.
.
بلل شفتيه لا يريد البقاء اكثر هنا، سمع رنين هاتفه سحبه من على المكتب
نظر للاسم"اصايل يتصل بك" ، عقد حاجبيه مضت ثلاث ساعات مُنذ ذهابها هي واختها هيلة للجامعة، ان اتصلت بسبب اعتذار احدى "الدكاترة" لن يذهب لجلبها فهو مشغول!

ولكن اجاب: هلا اصايل؟

تنظر لأختها بخوف، واخذت تشد بيدها اليسار على رأس اختها وتضغط على الجرح...وهما في الخلاء....دمعت عيناها حينما تأوّهت هيلة....تشكر الله وتحمده انها أتت في الوقت المُناسب...رأتها وشهدت لحظة اغماء هيلة بعد ان ضرب رأسها في السياج.....اوصلوا المسألة الى عمادة السنة التحضيرية كون هيلة سنة اولى في الجامعة...بدؤوا بالإجراءات....وأماني تمت إحاطتها هناك في المكتب مع التشديد بعد أن رؤوا كتب ممنوعة في حقيبتها.....وحينما استيقظت هيلة جعلوها تذهب للخلاء مع اختها لتغسل وجهها ثم تعودا إليهن....لإكمال الإجراءات...هيلة بكت تخشى من فصلها من الجامعة...واختها تصرخ عليها بألا تتحدث لأنها تريد ايقاف نزيف الدم من الجرح الذي أُحدث في خلف رأسها
اتى صوتها محشرج: فيصل....تعال الجامعة ضروري....
هيلة اغمضت عينيها فصرخت: هيلوووه لا تغمضين عيونك ...
فيصل عقد حاجبيها وصرختها تلك أتت بشكل جدّي فخاف
ثم قال:اصايل....شصاير؟
اسندت هيلة رأسها على بطن اختها واخذت تبكي وترتجف
فقالت اصايل: فيصل تكفى تعال....هيلة راسها ينزف...ضربتها بنت...و
قاطعها بذعر: تنزف؟
اصايل نظرت لأختها: ما اقدر اشرح لك شي...بس راسها فيه جرح...وينزف...وهي دايخه....
فيصل صرخ: وش تنتظرين حضرتك وديها عند الإدارة وطلبوا الاسعاف.....
اصايل بذعر: طيب تعال....تكفى....
فيصل شتم بلا سبب ثم قال: طيب...طيب..سكري.
خرج من المكتب وهو يُجري اتصالًا على أخيه محمد...متناسيًا شعوره..وكل شيء!
.
.
اصايل رفعت رأس اختها : خلينا نطلع...نشوف المصيبة حاولي تتحملين هيلة تكفين لا يغمى عليك....
هيلة مسكت المنديل بدل أختها وبصوت خافت تختلجه شهقات البكاء: يوجع اصايل ...يوجع....

مسكت يد اختها وهي تُجاهد دموعها من ألّا تنزل على خدّها: يلا هيلة...
مشت معها وجسدها يرتجف...ما زال الجرح ينزف ولكن بشكل اقل اصايل سحبت منديل جديد من حقيبتها ابعدت يد اختها لتضغط عليه، ألتفتّا لليمين...ودخلتا مكتب الإرشاد الجامعي....وكانت أماني واقفة....امامها كتابين جلبتهما في حقيبتها.....سقطت الأنظار على هيلة واصايل
فقالت اصايل: دكتورة لو سمحتي اطلبوا الاسعاف لاختي راسها ينزف....
هيلة كانت واقفة ترتجف ومتكأة بجسدها على اختها تبحلق في اماني باحتقار
قالت الدكتورة: طلبناها يا اصايل...
ثم نظرت لهيلة: ممكن اسمع اللي صار منك يا هيلة.....
اصايل بتدخل سريع :دكتورة هيلة ما هيب في حال شرح.....
الدكتور انزلت النظارة من على وجهها: لازم اسمع لكلا الطرفين عشاني بحول الأمر للجهات المختصة.....
هيلة تحدثت بالكاد: انتوا شفتوا الكتب اللي عندها....وشفتوا العناوين...الأخت هذي......
وبتوجع: منحطة......وقذرة!
أماني همّت في الاقتراب منها ولكن نهضت الدكتورة وضربت على الطاولة
: اماني!
ثم نظرت لهيلة: راح تتم احالتك لمركز الارشاد الأكاديمي...
اصايل رفعت يدها:دكتورة...

الدكتورة اكملت: اجراءات وقوانين وضوابط الجامعة صارمة وواضحة .....والموضوع كبير.....ويمكن يصير فيه....تدخلات واجراءات أمنية!

هيلة بكت هنا فقالت اصايل: دكتورة هيلة مالها شغل بالكتب...
اماني بكذب واجحاد: هي اللي عطتني اياهم.....وهي حاولت تقرّب مني ....عشان كذا رميتها على سياج الزّرع!

هيلة فتحت عيناها على وسعهما اشارة بسبباتها واصايل اندفعت: تكذب والله....تكذب....
الدكتورة اجرت اتصال وهي تشير لهم: الثنتين راح تتم إحالتهم لوحدة التوجيه والارشاد.....وهالكتب راح تتصادر للجهات المختصة.....

هيلة هنا نظرت بانفاس متسارعة لاصايل، اما اماني كتفت يديها وبدأ التوتر يرتسم على ملامح وجهها كرها لهيلة التي انفعلت لم تظن ولم تتوقع ستكون ردت فعلها قاسية ومندفعة هكذا ظنّت انها قادرة على استعطافها لناحيتها وعلى جذب انتباهها لهذه المواضيع التي ستوقع بها في ذنوب عدّة وعقوبتها لن تكون هيّنة ابدًا.

ارتعش قلبها حينما تذكرت امر وكأنها نسته في السابق امر والدها واخوانها شخصت عيناها إن وصل الأمر لهم لا تدري ما قد سيحصل لها فهي الوحيدة بينهم انثى والبقيّة ذكور إن استطاعت الآن تكذب لتحوّل العقوبة على هيلة ما إن يرتسم الأمر على خط الجديّة ستبان أمور ومصائب كثيرة لن تجعلها ترى النور بسلام بينما اهلها هل سيعرفون رغباتها وانحراف فطرتها على باب الحريّة وتعليقها على اعتاق مفرداتها البريئة مما تظن به؟

أن تميل كل الميل في هوى ذنوبها لا يعني هذا انها تحررت....بل يُعني انها قُيّدت بأغلال الذنوب الكبيرة....فليس من الفطرة ان تميل الأنثى للأنثى ويميل الذكر للذكر....
وإن كان من الفطرة ولا يعد من الذنوب لماذا الله عزوجل عاقب قوم لوط على فعلتهم وجعلهم كعبرة بذكرهِ لهم في القرآن الكريم ليصبح ذكرهم خالدًا على مر العصور؟....هذا يعني أنه ذنب عظيم يُجلب العقوبة الوخيمة على رأس فاعليها......بدليل صارم وقاطع وغير قابل للنقاش....ويحثّنا على الإبتعاد عنه والإنقياد لأمره.
...ولكن اماني حوّلت الأمر إلى معاني الحرية المغلوطة.....لتقنع نفسها ومن هن حولها به وبمعتقداتها الغريبة......الآن خافت من حريّتها وصبّت الذنب على رأس هيلة التي لم تعد قادرة على الإتزان....اجلستها اصايل على الكرسي ونظرت لها الدكتورة بنظرة اهتمام....مرت ست دقائق حتى نقلوا هيلة في سيارة الاسعاف

ارسلت اصايل رسالة سريعة لفيصل لأي المستشفيات سيتم نقل اختها فيه ليذهب هناك ويستقبلهم.
.
.
يحس انه اقترب من وقت معرفة سبب عدم قبولها به مرتين، ولكن سيؤخّر وقته هو يريدها وبهِ شعور خاص لناحيتها ولكن هُناك اسالة تطرق رأسه لسبب يجهله....فنفض هذه الاسألة وهو ينهض ويرتدي ملابسة ليخرج من المنزل.....فتح الباب ليرى في وجهه
صارم وخالته ابتسم
وانحنى ليقبّل رأس خالتها: يا هلا ويا مرحبا....نوّرتي يا خالة ...
تقدمت وهي تطبطب على كتفه: البيت منوّر بوجودكم.....
صارم ابتسم: اخبارك ذياب؟
ذياب هزّ رأسه: بخير...انت اخبارك؟
صارم: الحمد لله.
ام صارم ابتسمت: وين خويتي....ياني ولهانة عليها.....لو لا الظروف اللي نمر فيها لكان جيتها كل يوم....
ذياب: معذورة يا خالة معذورة...
ثم اشار لهم: تفضلوا...تفضلوا....
ثم تقدم ليفتح الباب الذي يوصلهم للصالة....تحدث بصوت عالي: يمه ...خالتي هنا...
كانت والدته في المطبخ سمعت صوته لتخرج وهي تنظر لأختها بسعادة: يا هلا ويا غلا ......ما بقيتي تزوريني؟
اقتربت منها واخذتها بالأحضان وهي تسلّم عليها بحنان: والله نيّتي بهالزيارة صار لها مدة بس تعرفين انشغلت....
صارم اتى هنا واقترب وقبّل رأس خالته: اخبارك يا خالة.....ان شاء الله بخير...ومبروك الحمل...
ابتسمت على مضض وخجلت: الله يبارك فيك....انا بخير ما اسأل إلّا عنك...
صارم: دوم يارب.....وانا بخير...ولهت على شوفتك....وسوالفك...
ام ذياب بعتب: انتوا اللي قاطعيني مرّة وحدة.....وانت بالذات ما تقول عندي خالة إن ما رحت لها اتصل عليها على الاقل...
احرجته وحك ارنبة انفه في الواقع نواف انساهم أمور كُثر حتى الوصل لأهلهم!
: حقك علي......بس من يوم ورايح بتملّين مني...
ضحكت بخفة: ههههههههههههه......لا وين أمل احد يمل من شيخ السّامي...
ام صارم ابتسمت ونظرت لذياب: لا بتملّين يا خويتي وبعد ما نصير نسايب .... الاوضاع بتقرّبنا باذن الله....
ام ذياب نظرت لأبنها الذي احمرّت اذنيه خجلًا: الله كريم...
ثم اشارت لهم: تفضلوا تفضلوا....
صارم: انا عندي شغل .....باذن الله بجيك وبجلس معك قبل لآخذ امي...
ام ذياب: اجل غداكم وعشاكم عندي اليوم ومابي اي اعتراض...
ام صارم : لا وين..
قاطعته: ولا كلمة يا ام صارم.....صار لي شهر ما شفتك....
ذياب: صدق يا خالة....الليلة ما راح يمديك تهربين...
ضحكت بخفة: هههههههههه خلاص بجلس....
ام ذياب نظرت لصارم: وانت تعال....وان قدرت جيب معك دانة وعهود....
صارم ابتسم: ان شاء الله.
ام ذياب اشارت لأختها بالجلوس في الصالة فزوجها في عمله...
صارم تمتلكه حيرة وتغلّف عقله من التحدث وتوضيح الأمر او امساك الأمر ورميه خلف اسواره....اشار لذياب: تعال ابي اكلمك...
هز رأسه وخرجا في"حوش المنزل"
ذياب باهتمام: آمرني....

 
 

 

عرض البوم صور شتات الكون   رد مع اقتباس
قديم 02-03-21, 08:34 PM   المشاركة رقم: 50
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2017
العضوية: 327052
المشاركات: 98
الجنس أنثى
معدل التقييم: شتات الكون عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
شتات الكون غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : شتات الكون المنتدى : المنتدى العام للقصص والروايات
افتراضي رد: رواية: أحببتُ حُطاما سَبق أوان الرحيل\ بقلم شتات الكون

 

صارم : ما يامر عليك عدو.....ذياب....بخاطري اوضّح لك شي....وما ابيك تفهمه غلط...
ذياب اشتد انتباه: خير....وش بقول....
صارم بصوت هادي: حقيقة رفض عهود.....في الواقع ابوي هو اللي رافض وهي ما تدري.
ألتهمت الصدمة....واختلجته الافكار السوداء هنا
: كيف؟
صارم: مو مثل ما تفكر...ابوي رافض عشانها مثل مانت خابر توها تدرس ببدايتها في الجامعة.....غير كذا صغيرة...وكان خايف عليها....ومنحرج
اخذ يكذب هنا لا يستطيع ان يخبره انّ ابيه ينتظر احد ابناء عمومته لخطبتها، لا يريد ان يُثفل ذياب ويحزنه: كيف يقولك....وجاك من الطريق...إللي اصلًا اشوفه غلط....
ذياب...الآن حصحص الحق....ليُزهق الباطل الذي رسمهُ في عقله ولكن ضاق صدره لرفض زوج خالته له....رغم التوضيح والتفسير إلّا انه ضاق
فقال: اتفهم خوفكم عليها....بس ما يمنع اني اتقدم واخطبها وانتظرها لو عشر سنين انا يا صارم شاري نسبكم ......وعهود
بحرج: بحطها بعيوني....كان على الاقل وضّح الصورة عشان حتّى انا افهم وما ارمي نفسي هالرمية الثقيلة اللي اجبرته يوافق!
صارم بانفعال: لالا لا تفكر كذا....ابوي سوا هالشي لمعزّتك الكبيرة عنده خاف....يحرجك...وخايف تاخذ موقف ولا عاد يشوفك بعدها....مثل مانت عارف ابوي يعدّك ولد له يا ذياب...حطها براس عهود عشان لا يصير بينك وبينه موقف وتحط بخاطرك وتشيل عليه!
ذياب سكت لا يعرف بماذا يُجيبه تنهد: صار اللي صار.....والحمد لله غيّر رايه...
ضربه على كفه بخفة: الحمد لله.....
ولكي يغيّر من جوّه : وبنصير نسايب.....يا ذياب!
ذياب ضحك بخفة: ههههههههههه.......لسى ما صرنا....
صارم بمزح: ليكون بطّلت؟
ذياب : هههههههههههههه......لا هالمرة ناشب وبقوّة!
ضحك صارم معه وخرجا من المنزل!
.
تُشبه الجثّة الهامدة....ولكن بروح ذات طاقة مستنفذة....مضت الثلاث ساعات...ببطء شديد...ولكن كفيلة من أن تهدّأ اعاصيرها الهائجة....نامت خلال هذه الساعات القليلة...لتغرق في كوابيس جديدة لم تراها يومًا....فاستيقظت لتبقى مستلقية على ظهرها...تحدّق في السقف....واضعة كفّي يديها على بطنها....تُجزم ما تعيشهُ الآن....سجن من نوع فاخر ....سجن الرّوح عن الأحبّة والتخاذل من الإقدام خطوة واحدة أمامهم سواء تلك الخطوة ستحرقها أم ستشعل لهيب اشواقهم لا يهم ولكن التخاذل....والعتاب الذي تُخبّأة خلف صدرها طويل.....وإن اخرجته ستخرجه....لتكتب بهِ...معلّقة طويلة ثم ستحرقها ليبقى الرّماد ينتظر هبّة ريح تعصف بهِ لتدنوه من الموت!
.
.
لن تلوم والدها على أوّل اللّحظات خاصة بعد أن حُكمت في تلك اللّحظة الذي هوى على الكرسي بجسد خالي من الروح...ولن تلومه على حديثه الذي اتعبها وهي في السجون حينما يأتي لزيارتها لدقائق معدودة....ينظر لها...تنظر له....وليث...وعمّها يُتابعان النّظرات ويستمعان لحديث والدها
.
.
: تمنّت أمّك تجيب بنت لسنوات طويلة....انتظرتك سبع سنين.....كانت تقوّي نفسها في وقت المرض وتتمسّك بهالحياة بس عشان تجيب بنت بعد ما ربّي عطاها ولدين....تمنّتك ودعت ربي ليل نهار ربي يرزقها ببنت تبر فيها وفيني...تملا عليها البيت بحسها.....على قولتها حّس البنت في البيت مو مثل الولد!

تنظر له....دون ان تُرمش تخشى من الرّمش أو السرحان ويختفي!....تصب تركيزها للإستماع إليه لتوجع قلبها وتداويه من رؤية وجهه الذي يبّث في فؤادها الطمأنينة، وإن كان يعاتبها فمجيئهُ هُنا....راحة ....يُغمرها بالأمان الذي نستهُ خلف غُضبان السجون، شوّها السجن ...جعلها صامتة أمامهم فقط تهز رأسها...وتهمس وبالكاد يخرج صوتها ليسمعوه....إلى الآن الآثار التي على جسدها في مناطق لا تُرى تحرقها....فوجهها سليم إلى الآن، لا تخشى من ان يراه والدها دون أن تُثير الغرابة والخوف عليها...شبّكت اطراف كفّيها ببعضهما البعض...لا تنظر لا لليث الذي يجلس على كرسيّة ويهز رجله اليُسرى بتوتر عظيم ويحدّق بها دون صوت، ولا تلتفت لعمّها ومحاولة اسكات اخيه عن لومها وإلقاء العتب على اكتافها المُثقلة...

يُكمل: جيتي وهي راحت......داويتي حزني على فقدها ما نكر يا رحيل....تركتيني اهتم فيك...وأتناساها.....رغم وجع الفقد...كان ياكل قلبي.....وياكل من صحتّي....لكن الحين....كم وكم مرة يا رحيل تمنّيت انتي اللي ميته مو هي!.....تمنّيت موتك يا رحيل وفضّلته على اني ما اشوفك.....وبيدينك...
حرّك كفّي يديها لتصطك أصفاد الحديد ببعضهما البعض: هالحديد.....حتّى لو أنك مو مجرمة.....في ملفّك انكتبت القضيّة وخذت مجراها اللي ما راح نقدر نمحيه على مر السنين!

ازدادت ابتسامتها العريضة التي حيّرت ليث من فهم تبسّمها رغم سم الحديث الذي تسمعه، بينما عمّها همس لأخيه من أن يتوقف عن حديثه
ولكن اكمل وعيناها مترقرقتين بالدموع....حتّى انسابت على خدّيها أمام انظارهما الباهتة
اكمل: قولي لي وين أودي وجهي لمّ الناس يعرفون بنت عبد الرحمن السامي يقاضونها في البلاد الغرب على قضيّة محاولة الشروع في القتل.....وين أودّيه؟

طأطأت برأسها لتواسي بانكسارها هذا انكسار ابيها الذي لا يكّف عن تأذيّة قلبها الباهت المُنتظر حُضن عميق وطبطب مكثفّة تنتشلها من شعورها بالغُربة والخوف والذعر....اخذ جسدها يرتعش أمام عيناهم ....ما زالت صغيرة على أن ترى كل هذا الحُزن الذي شيّب رأس ابيها في غضون سنة....لم توّد أن تراه هكذا ولكن ....هي لم تُخيّر في المعيشة بل جُبرت على كل هذا.....كيف تُرضيه؟ وهي تؤمن ما إن ستنطق بكلمة واحدة حتّى به سيضّج بتكثيف العتاب القاتل والهارس لقلبها المقبوض خوفًا من فقده!
تحدثت وهي تُشيح بنظرها وبهمس لا يصل إلّا بشكل متقطع ترجو هذه الترددات ألّا تشعل الغضب في قلبه لتجعله ينهض ويعود لوطنها ويُبقيها هُنا
: واجهم وقول بنتي ماتت!
ليث نظر إليها مصعوقًا بكهرباء ما يدور في نفسه!
وعمّها نظر لأخيه الذي باغتها بابتسامة عتب: وبعد ثمان السنين نقول رجع الميّت حي؟!
.
.
.
اخذت شفتيها تتحرّكان لتهمس: الميّت رجع يا يبه....رجع....
اغمضت عينيها لا تريد أن تستكمل في ذاكرتها الصلبة بقيّة حديث والدها
هي خجلة لا تريد ان تراه بعد كل الأمنيات التي حطّمتها أمام عينيه كان يرى فيها اشياء كُثر ومتيقن من انّها ستتحقق...كان ينظر لها بأمل من أن تُكمل دراستها....لتصبح لها مكانة عالية في المجتمع.....لو اصبحت على أمنياته السعيدة لكان سيفخر بعلمها وببرّها.....سُعد حينما قبلت بالزوّاج من ابن عمّها وآنذاك لم يلتفت لصغر سنّها ....وعلّق أمنية جديدة على شفق أمنياته من أن...تُنجب له حفيدة ليُسمّيها "رجوى" كما كانت والدتها تتمنّى ان تُرزق بفتاتين أحداهما" رحيل" والأخرى" رجوى" ولكن أتت رحيل لتبقى رجوى معلّقة في آمال ان تُنجبها رحيل ولكن رحيل رحلت عن ذاكرت الأُمنيات لتبقى عاجزة من تحقيقها جميعها....اغمضت عينيها....اجهضت من رحم معاناتها كل أمنيات ابيها التي لم تراه يومًا أنانيًا على مبدأ هذه الأمنيات...ولكن الآن ...تراه قاسيًا وجاحظًا لتضحيتها....ولكن لا تستطيع أن تلومه!

هُناك رادع قوي من جعلها تقف أمام طريق اللّوم والعتاب عليه....نهضت من على السرير.....شعرت بدوران عظيم في رأسها...اخذت تتمشى في الغرفة وهي تدور بعينيها للجدار...للونه الأبيض النّاصع اللّامع...لعقارب الساعة المزعجة بصوتها" تِك، تِك"....تنظر لأشعة الشمس التي اخذت تزحف للوراء لتستعد لغروب جديد ....وأمل على غدٍ أجمل!
هي في السجن ولكن ....سجن راقي في مكانه...و قاسي في معاملته لهذا الكيان.....ألتفتت لتصطدم بنفسها ....لأنعكاسها وشحوب وجهها...وطول شعرها الذي بدأ يزعجها .....رغم انّ ما تأكله قليل وصحتها في تدهور ولكن مستمر في النمو ليلتف حول خاصرتها ببرود!... توارثت هذا النمو وهذه الكثافة من اهل ابيها في الواقع ...لا تنكر ...منابت شعرها من الأمام قلّت ولكن لم تصل لحد الصلّع!.....تأففت....
لا شيء هُنا....ليؤنسها....سحبت الهاتف...

التقنيّة تغيّرت وتطوّرت....وتصعّبت عليها ولكن...هي تحاول أن تلقي بنفسها في الطريق الذي سيأخذها لمنحينات التكيّف مع الحياة الجديدة....نظام الهاتف باللغة الإنجليزية وهذا الأمر جدًا ممتاز بالنسبة لها....فالثمان سنين التي مضت اكسبتها خبرة في اللغة....وهذا امر جيّد ويعد الحسنة الوحيدة التي حصلت في فترة جنونها!
ابتسمت بسخرية.....نظرت لرسالة الـ"الوات ساب" لليث
"خفّيتي؟"
لا شيء هُناك يشعرها بوجودها غيره، لا تستطيع نكران الأمر ولا حتّى تجاهله....ولكن في الواقع تكره...ودّت لو كان امامها لتصب عليه غضبها...وخوفها من فكرة الضيّاع الحتمي بعد خروجها الذي اشعل الفتنة بينهما لتعود هنا في سجن آخر....لم تتوقعّه....
كتبت
" ابي مقص"
ارسلتها ورمت الهاتف...على السرير ، قررت ان تقص شعرها طُولة يستفز روحها التي لفظت الحياة ليس لديها صبر حينما تستحم وتجلس لساعات طويلة تنتظره ليجف....تريد أن تقصّه لترتاح من رطوبته التي تبقى في بعض الحين ليوم أو يومين....جلست على طرف السرير ثم اتكأت على يديها...ليحتضنها شعرها من الخلف ويتكّأ على اكتافها....الهدوء هُنا قاتل والوساوس بدأت تطرق عقلها .....هي جنَت على نفسها بذلك الخروج...ها هي خسرت في وهلة شرفها الذي حافظت عليه لتتجرّع الثمان سنوات كعقوبة تستحقّها!
سمعت الرّنين ....نظرت للهاتف وتأففت ولكن تريد في الواقع محادثته وإحداث ضجيج في قلبه
اجابته: هلا...
لتسمع صوته المُرهق: وش تبين من المقص؟
بللت شفتيها وابتسمت بسخرية: ابي اقّص رقبتي فيه وشرايك؟
سكت، وشعرت بأنفاسه وتنفّسه الذي يستله بعمق وكأنه يريد ان يتزّن ويوازن اعصابه
: رحيل....لا تخليني افصل عليك الحين!
قاطعته سريعًا بنرفزة وهي تنهض من على السرير: بقص شعري....
سكت لثانيتين أو ثلاث
ثم قال: لرجعت قصيه....
سكتت هي الأخرى وهي تدور حول نفسها كالضائعة!
: صدق ازعجنا اخوك.....بالطلبات...

وبنبرة مرتفعة: بس هذا جزاتك...ليش تتركني ارجع لحالي....وعلى فكرة....ابي ارجع لامريكا...السجن هناك ارحم لي من هنا!

ضحك: ههههههههههههههه....

استفزّتها ضحكته انفعلت: ما قلت انا نكتة عشان تضحك.....حضرتك.....هذا الصّدق السجن ببلاد الغُرب ارحم لي من هنا!
ليث: انتي مالك راي....مرة تبين ترجعين السعودية ولم رجعتي الحين تبين ترجعين لأمريكا.....

سكتت، واغمضت عينيها حينما شعرت بتقلّصات تختلج بطنها
سحبت هواء عميق: قلت لك السجن ارحم لي من هالعيشة!

اطرق بسخرية لاذعة: اعتبري نفسك في سجن...بس إنّما إيه...سجن خمس نجوم!

بللت شفتيها لتدخل في صمت عميق...سخرية السجن ستتبعها لتصبح لقب يتلبسها ولا تستطيع خلعه...كل شيء بدأ بالظهور ليذكّرها انّها لُفظت من تراب وطنها إلى ترابٍ لطّخها بعُنف لُزوُجته.....رغم انّها تكرر تريد العودة ولكن تكره باب السخرية عليها من هذا الجانب ....
كما أنّ هواء الوطن يخنقها بذكرياتها هُناك....جلوسها وحيدة هُنا خلع قلبها من مكانه ليجعلها تضطرب في رغبة العودة او الرجوع إليهم فهي مُشتاقة وقلبها محزون على هذا البُعد الذي تترجمه في رغبتها بالهروب منه، مسحت على ارنبة انفها....ألتفتت لتنظر لنفسها من خلال المرآة....
لتسمع
"الله اكبر الله اكبر"
ارتفعت المآذن لإعلان دخول وقت صلاة المغرب....فتحت عينيها على الآخر لتحدّق في الساعة كيف مضى الوقت سريعًا حينما اشتعلت بالذّكريات؟
عادت لتلتفت من جديد وهي تسمع: ما في شي اسمه ابي ارجع امريكا....خلّاص رجلك وطت على تراب السعودية ومستحيل تطلعين منها مرّة ثانية يا رحيل...

كانت ستصطدم بصورتها المنعكسة ولكن انوار الغُرفة التي لا تطفأها لا ليلًا ولا نهارًا ...الآن انطفأت....شهقت خوفًا هُنا...

ليعقد ليث حاجبيه: الوووو....رحيل....تسمعيني؟

يخنقها المكان الباهت بأنواره او المُظلم كليًّا زاد شعورها بالإختناق بعد حبسها في الغرفة في آخر لقاء بينها وبين ليث...اصبحت حقًّا تخاف من الظّلام المُعلن لها مشاهد وذكريات بداية احتباسها في السّجن....لم يكن السجن مُظلمًا بشكل معتم ولكن كانت انواره باهتة.....تتذكّر الأوساخ التي تتجمّع تحت السرير.....آذانها تستمع لصوت صرير الفئران....وتقطير الماء الصّادر من خارج النّافذة الرفيعة ذات الأسلاك السميكة يختلج مسامعها بتركيز عالٍ ومؤذٍ .....لا تنسى شعور تنمّل وتقشعر جسدها حينما تمر عليه اصنافًا من الحشرات....اعتادت على كل هذا...ولكن يخيفها شعور سحبها من الظلام....لتُركن في زاوية ويهلن عليها السجينات بالضرب بِلا وجهة حق....خاصة بعد الإنتهاء من قيام الليل....كان يحدث لها ذلك ببشاعة.....يجردّونها من الحجاب الذي تمزّق من كثرت تعنيفهن وشدّهن عليه....كانت تُخبأه في ملابسها الداخلية العلوية تخشى من ان يرموه في القمامة.....فهي تحتاجه لتغطيّة رأسها من اجل الصلاة......ولكن بعد الحادثة الشنيعة التي جعلتها تتجرّع ضربات وركلات عنيفة انزفت شفتيها وانفها واحدثّت شّق عنيف على صوان اذنها اليسرى رُمي رغمًا عنها لسد أبواب الخِناق في الزنزانة!


هي تخاف من الظلام....ولكنها تتحوّل إلى كُتلة ثقيلة تضرب بها الغضب...والخوف....عقلها الواعي يحدّثها لستِ في السجن يا رحيل ليحدث لكِ ما حدث في الماضي....وعقلها اللاواعي يستنزف قلبها بالخوف....
ما زالت تضع الهاتف على اذنها اليُمنى انفاسها اصبحت تُسمع على مسامع ليث....الذي اخذ يتوتر لعدم ردها وسماعه لصوت تنفّسها
أخذ يكرر اسمها ولكن في الواقع هي لا تسمعه!

خرجت للممر لتراه مُعتم كليًّا ليس بهِ نافذة لتختلجه انوار الشّارع...عبرت منه سريعًا....لتسمع ليث
: رحييييييييييييل علامك تنافخين.....ردي علي؟
رحيل بهمس: ابوي زعلان علي كثير؟

همست بجملتها دون وعيٍ منها بل عقلها اللّاواعي حرّك لسانها للنطق بها....هي تشتاقه....تريده الآن ان يسحبها من ظلامها الدّامس....وصلت "للصالة" لتراها مُظلمة فاستنتجت....اطفاء الكهرباء على الشقّة باكملها!
.
.
خُرس من سؤالها، ولم يتوقعه في الأصل...مُنذ خروجها لم تسأل عن والدها ولا حتّى عن الجميع....ماذا حدث؟...هل أخذت تسأل لأنّ هواء الوطن اشعل فتيل هوى قلبها لهم...أم اخذت تطرق اسالة عدّة في عقلها لخوفها من مواجهة غضبهم؟

همس: رحيل انتي بخير؟
شعرت بأنفاس احدهم تلفح خدّها الأيمن توهمًا منها فالتفتت سريعًا وهي تتنفّس بعمق
ثم انفعلت: ليث انت بالسعودية؟
ظنّت بهِ.....عاد لِيُكمل عقاب الخيانة....وليُكمل تعذيب قلبها ....لم تُكفيه الصفعات التي هوى بها على وجهها ولم تُكفيه أنها كانت مغفلّة لتسقط على عتبات انهيار شرفها.....لم تكفيه ولن تكفيه بسببك يا رحيل...وبسبب اعتراف قلبك بخيانته.....تذكرّت حديثه ....اعظم مشاكلها الشخصية عدم قدرتها على النسيان فهي تتذكّر ما يُهدم كيانها فقط
تذكرت قوله " والله لا اقهرك مثل ما قهرتيني!"....هو لا يعلم أنّها قُهرت للحد الذي ليس لهُ حد في الأصل!
.
.
شعر بها...ليست على ما يُرام: لا....شفيك استخفيتي؟
.
.
سكتت....بقيت في الظلام الذي يزداد شيئًا فشيئًا...تذكرّت ستيفن...ضاق نفسها أكثر لتزداد رغبتها في الخروج من الشقة ...

همست بجنون: أنت تكرهني وتبي تقهرني عارفة هالشي....اكيد جيت بس تبي تكمّل عقابك عشاني خنتك على قولك.....اذا جيت قول....شبصير يعني لو قلت...تراني مو مشتاقة لوجهك اللي يسد النّفس.....بس ابي اعرف!

عقد حاجبيه لينفعل: لو جيت...طلعت في وجهك ولا اهتمّيت....

شعرت بشيء يُلامس باطن قدمها حينما عبرت....فابعدت رجلها....
لتكمل: ريّان!

ما بالها تُخلط الأمور في بعضها البعض...تسأل عن ابيها...تظن بمجيئه للوطن....والآن تذكر ريّان...هل جنّت؟....لم يتبقى لها عقل...هل الأحداث سلبت عقلها ولم تكتفي في سلب شرفها؟

اخذ يتآكل على نفسه....وصرخ: رحيييييييييل.......بلا جنون.....شفيك....تكلّمي....وش صاير عندك....صاير شي؟

اغلقت الخط في وجهه، لتكتشف انها متذبذبة حتمًا ما بين ماضيها وحاضرها الذي سيُعلن قصّة جديدة لم يأن أوانها بعد!
لا تستطيع الصمود....ستجن....اختنقت على حالها الذي يدّل على بداية نوع آخر من الجنون...مشت سريعًا لتتخبّط في الجدران وتصل للغرفة...ستخرج من الشقّة....إلى حين عودة الكهرباء...وضعت يدها على "الكومدينة" لتسحب عباءتها وغطاء رأسها و" نقابها" ارتدتهم على عجل ....ثم شعرت بانقباض قلبها واخذت تضغط عليه...
ثم خرجت من الغرفة لتتخبّط وتصل إلى باب الشقة سحبت المفتاح من مكانه ثم خرجت.
.
.
عضّ على شفتيه وهو يُمنع نفسه من شتمها، ألتفت سريعًا بعدما سماعه لإغلاق باب سيارة أحدهم بالقُرب منه...نظر إلى ابا سلمان وهو يترجّل من السّيارة ومعه شاب لأوّل مرة يراه...بقيَ في مكانه...وهو يُراقب تصرّفات ابا سلمان...وهو يُشير للشاب ويُدخله في الجانب الآخر من المعمل...جانب آخر معزول مصنّف للمبتدئين والجدد...ابتسم بسخريّة يصطادون فريستهم...ليدخلوها في قاع جحيم افكارهم المشؤومة تحت عنوان الإبداع الخبيث...إن نجح في الإختبار سيتمسكّون بهِ بمخالبهم الضّارة....لينغمس وراء المشاكل...ثم يعاقبوه اشدّ العقاب.

ربما القوانين تغيّرت لديهم...ليجعلوها اكثر ألمًا.
اليوم يرى إنه امتلك المصباح السحري لتطوير نفسه وغدًا سيبكي...ليُصبح بعدها ميّتًا لأسباب مجهولة...وينقلون جثمانة في بلده محمّلًا بالأسرار الكثيرة...تنهّد بضيق...وتذكّر سلمان ليردف" الله يرحمك"...هذه الفترة يتذكرّه...ويتذكر خبر وفاته الذي انتشر ليصبح حديث الجرائد في صفحة إثارة الجدل" مُبتعث كويتي تمّ اغتياله...والقاتل مجهول!"...الضجّة لم تحرّك مشاعر أبيه...لم يراه حزينًا عليه قط....حتّى في تلك الفترة الهواجس أخذت تطرق رأسه طرقًا...هل يُعقل لم يكن ابنه الحقيقي...أم تمّت ترجمة عقله واخذوا بسطوتهم الاستحواذ عليه ليُصبح قنديلًا يلسعهم بأطرافهِ دون مشاعر حُزن على فقد ابنه!

رفع رأسه حينما رآه يتجّه إليه ويقترب منه : شسوّيت؟
هزّ رأسه: ما ضبطت....
ضرب على كتفه ليخفف عنه : قدّامك وقت طويل لا تستعيل(لا تستعجل)....
ابتسم بخبث وهو ينظر للطرف الآخر من المعمل: ضحيّة جديدة؟
حكّ ابا سلمان لحيته التي زيّنت ببعض الشعيرات البيضاء: قصدك مستقبل يديد للتيم(الفريق)!
ليث بانفعال: بالله انت ما تحس؟....ما تخاف الله؟.....كيف يطيعك قلبك تسوّي كذا.....كيف تقدر تنام ...وانت سبب في موت ناس ابرياء...والأهم سبب في موت ولدك؟

ابا سلمان اخذ ينظر إليه ولأنفعاله بصمت
اكمل ليث: مستحيل تكون انسان عنده مشاعر ما عند غيره!.....موّتوا ولدك....وانت مصّر تكمّل في هالطريق معاهم...عجب عليك يا بو سلمان وعتب عليك ليوم الدّين.....كم واحد غير ولدك موّتوه؟...كم؟

ابا سلمان رفع يده: ما نجبر احد....ولا نمسك إيدينهم ونقولهم تعالوا معانا....كلّ شي واضح....وما نسوي شي من ورا أحد!

ضحك بسخرية ليث ثم اقترب: مابي احلف......بس اوليفر أليجاه...حاط مليون محامي ومحامي بس عشان يطلعّون له ثغرات قانونية ويسلم على روحه......ولا تضحك على نفسك.....انتوا تجبرون النّاس... ينضمون معاكم....كل شيء قانوني....وكل شي مرتّب له....وعلى مستوى بشكل لا يوصف....كيف الطالب بيحس انكم تخدعونه؟
اشار له ابا سلمان بخبث: بأوّل مصيبة يطيح فيها بيحس.....يا ليث!
ثم اطرق بسخرية: واثق اللورد نفسه اوليفر؟

ليث: ما نيب غبي يا بو سلمان....قد قلت هو يحب يشتغل على المكشوف...ومستحيل تكون انت اوليفر...لأنه مستحيل أب يقتل ولده.....إلّا اذا صرت انت من ضمن الاستثناءات هذا شي ثاني!..غير كذا....تهديده لي بالجرايد....طريقة مبطنة عشان اعرفه....واخاف منه...ومن مركزه العالي في المجتمع!

ضحك بشكل مستفز لقلب ليث: ههههههههههههههههههههههههههه ما جذّب علي يوم قالي أنّك داهية......الحين فهمته عدل ليش متمسّك فيك جذيه.....فعلًا أنت لو بس تطيعه راح تصير ذراعه اليمين .....أنا كبرت وايد.....ويمكن هو يبي يضمن شخص ثقة بذكاء عالي يسّد مكاني بعد ما استقّل وارد الكويت!

داهمه ليث بحقد: بتروح هناك جثّة....وقول ليث ما قالها!
ابتسم ابا سلمان: موافق اروح هناك جثة بس مو قبل اسوّي اللي براسي....
ليث لم يهتم لِم قاله
فاكمل: على العموم لكل شي له مصير ونهاية....ونهايتكم مهما ابعدت راح تطولكم ......

حرّك رأسه ابا سلمان: الشبكة طويلة وعريضة وملخطبة وايد والكل قاعد يحط له نظام حمايّة ....وجدار صعب وايد من انه ينهدم....ودام التيم على يد وحدة....حتى لو انفضح جزء منها ما راح ينهدم شي منها....

ليث: لا توثق بهالجبروت.....
ابا سلمان بسخرية: زين يا ليث...علّمني شنو نهايتك انت؟

سكت، سؤال خبيث...ومبطّن بالدوّاهي العُظمى....مسح على شعره
: نهايتي عندك....انا بسألك عنها...
ثم غمز له: لو نجحت بهالتجربة وش بصير لي؟...ولو خسرت هم وش راح يصير لي؟

ابا سلمان تكتّف: لو خسرت فيها.....بخسرّونك حياتك.....ولو نجحت فيها هم راح يخسرّونك حياتك.....بس بطريقة غيرعن الأولى!

سكت ليث....ونظر لأبا سلمان بشرر
...
: التجربة تحتاج لمعمل وادوات اكبر وعلى مستوى تكنولوجي واسع....ما راح اقدر اسويها بهالشكل...
ابا سلمان: نعرف بهالشي....وعشان جذيه نبيك توفّر لنا مصاريف وايد راح نحتاجتها في اشياء اهم منها.....فاجتهد عليها.....وشد حيلك....
ليث بلل شفتيه، : اختروتوا الشخص الخطأ.....مانيب بذاك الذكاء اللي يخلّيني....اسـ
قاطعه: معطينك وقت يكفّيك اظن....عشان تحاول مرة ومرّتين.....
حّك ارنبة انفه: توماس أديسون...بعد كم محاولة انجحت تجربته؟...تدري؟

ليث سكت
ابا سلمان: بعد تسعة وتسعين تجربة!
فتح عيناه على الآخر: يعني؟
ابا سلمان بلل شفتيه: كلامي واضح.....قدامّك وقت طويل....
ليث ألتمس الخبث من عيناه: تبون تستعبدون وجودي هنا؟
حرّك اكتافه: انا ما قلت جذيه...
ليث بغضب: قلت وخلصت....يا بو سلمان......قلت وخلصت....
ثم خلع من على جسده المعطف ورماه في وجهه: انا ماشي.....اليوم محاولاتي كلّها فشلت...صدّعت و بروح ارتاح!

هز رأسه وهو يشير له ببرود واستفزاز: فمان الله يا عبقري....

مشى ليث...وهو يتنفّس بضيق....يقسم هُناك خطّة يحبكونها من وراؤه من أجل احاطته في المصيدة...عليه ان يعود للوطن قبل قدرتهم على فعل ذلك...وإلّا....سيخسر حياته حقًا...

تحدث ابا سلمان بهمس: لازم اخوّفك...يا ليث لازم!
.
.
.
ثم دخل في المعمل الكبير واغلقهُ على نفسه، زفر بأنفاسه الباردة بهدوء....ثم جال بأنظاره للمعمل....ليبتسم بسُخرية.....أدوات رخيصة...يستعلمونها.....ليؤذوا بِها ربما آلالاف من الأبرياء......وضع وكأنه معمل للتدريب بتصريح قانوني...ولكن ما يتخبّأ خلفه ظلام.....والظلام ألتهمه....لا ينكر....اخذ يسحبه للقاع....إلى ان ذات يوم...رأى العقوبة بخُسران مَن يحب.....حاول أن يُثنيه عن الإنسحاب فمن المستحيل الانسحاب من هذا الوحل دون الموت.....نهاه....صرخ به " راح يموتونك يا سلمان...وانا ما عندي إلّا انت".....تقدم للأمام....ليلتفت على الجهة اليُسرى....نظر للدخان المتصاعد اثر تفاعل كيميائي.....لم يهتم لأنه يثق هذا الدخّان سيتلاشى بعد دقائق!
مشى لينحنى على الكُرسي ويستند عليه....يكره هذا المعمل....ويكره موقعه...ويكره حتّى الدخول فيه...يذكّره بأشياء كثيرة مرتبطه بابنه.....يذكّره حينما اوقفهُ هُنا في الوسط
ليهمس له" مينون أنت تبي تودّي نفسك في داهية؟"....خرج من المعمل بعد أن اخبره انه سيحرقه.....تركه....ولكن اصبح في ذلك الوقت محط للأنظار والخوف لفؤاد "اللورد" فاللورد وكّل رجل غربي كندي الجنسية لمراقبة ابا سلمان الذي لا يعرفه في الواقع.
اخذ يتجسس عليه ويراقب تحرّكاته ...وانتقالاته مع ابنه ومحاولة توفير الحماية له....إلى ان تسرّب الخبر اليه...خبر نيّة سلمان في حرق المعمل...وتكتّم ابا سلمان على ذلك....وقتها جّن اللورد
حتى بهِ اوقعهُ على منصّة العقوبة....
.
.
اغمض عينيه
اخذ يستطرد في ذاكرته موقفه
" زين اذا مو على شاني عشان بنت عمّك....وقّف هالينون عشانها....كلّها شهر وننزل الكويت وتملجون(تملكون) على بعض....ليش تبي تحر قلبي وتجبرني انزلك هناك في تابوت؟"

لم يسمعه آنذاك...اصّر على أن يبقى حرًّا لا أحد يستعبده ويسرق طموحاته، هو لو كان يعلم انّ تلك المجموعة التي ظهرت في الإعلان الجامعي استقطبته هو واصدقاؤه لبدأ خطّة جديدة لإبعاد اللورد عن الجامعة التي يدرس فيها سلمان...لتمكّن من ايقاف ابنه في المشاركة فيها....ولكن وقتها لم يكن يُدرك خطورة ما يفعله ابنه وكان موكّل في انجاز مهام أخرى اشغلته عن حماس ابنه في الإشتراك في مسابقة "الأّذكياء" .....
وقف أمام اللود كالمجرم .....يعاتبه على عدم اخباره بنيّة ابنه لحرق المعمل...لم يُبدي بأي ردت فعل...ابنه حاوطه بالضعف....كان يخشى من أن يعاقبوه...يخشى من أن يقتلوه....ولكن هذا ما حدث...جعله اللّورد يشهد مقتل ابنه وهو جالس في السيارة البعيدة عن الموقع بضع عدّت مترات....كان وقتها يدعو الله ويرجوه ان يستجيب له....
يدعو الله ان يتمكّن ابنه من الهروب وألّا يُصاب.....كان وقتها مقيّدًا...ليس بالرّباط بل...بأشياء اخرى....خاف من الموت هو الآخر....كان اللورد نفسه هو من جلبه لمشاهدة هذا الموقف الذي حطّم بداخله الكثير....تملّكه برعب التهديد على التالي " اخطأت ولو اخطأ ابني ستيفن مثلك لنفّذت فيه العقاب"....عيناه لم تُرمش وقتها ولم تُنزل دمعة واحدة.....كان يصرخ بضجيجه الداخلي...المسدس موجّه إلى رأسه.....وهُناك قناصّون على المباني الشاهقة تنتظر خروجه فقط من أجل حماية او نُصرة ابنه لتقتلهما الأثنان معًا...يعترف هو جبان...لم يجرؤ على فعل شيء....بسبب هول صدمته...وخوفه من الموت!

اعطى اللورد الإشارة الرسمية للإنقضاض على سلمان وصاحبيه....ليستمع للرصاص....شدّ على قبضة يديه وقتها.....وودّ لو يكن نسيًّا منسيّة في لحظتها.....اخذت طفولة ابنه تمر على ذهنه ببطء شديد.....تذّكر قوله في آخر مشهد لهما معًا
" ما اخون وطني يا يبه....ولا ابي اكون سبب في موت أحد"

سمع صوت ركان وقتها وهو يصرخ ويضج بنحيبه مناديًا "سلمممممممممممان"....وقتها اغمي عليه....ليبتسم اللورد ويحرّك عجلات السيارة مبتعدًا عن المعمل!
.
.
ارتجف جسده على هذه الذّكرى .....مسح على وجهه عدّت مرّات...تذكّر ابنت اخيه الشهيد والذي تُوفي تحت اثر طلق الرصاص في "حرب الخليج" او " حرب تحرير الكويت" ....حمل وقتها على اعتاقه اصنافًا من المسؤولية الكبيرة.....زوجة اخيه كانت حامل بابنتها التي ولدتها في تلك الأيام الصعبة ....ولدتها قبل يوم التحرير بخمسة ايّام.....واسمتها بـ "تحرير"....وفي اليوم الذي تحررت فيه الكويت توفّيت ....فقام بتربيّة ابنت اخيه الوحيد ....وحينما كبرت....تعلّق قلب سلمان بها....ليطلب منه "خطبتها" ....ووافق...وهي وافقت...وفهم أنهما يخبئّان مشاعر حُب عنه....ولكن موت سلمان جعلها تنزف هي الأخرى وخشي عليها من الموت في الواقع ....فجعلها تذهب لأخوالها في السعودية ....وبقيت هُناك لمدّة سنتين هو من يذهب إليها بدلًا من ذهابها إلى الكويت....رأى الشحوب يطوّقها.....وفي يوم اخبره خالها ....أنّ هناك عريس...يطلب يدها....فانفلق قلبه.....وتذكّر سلمان.....في الواقع وافق على العريس دون ان يسأل عنه قال لخالها " اذا رجّال مصلي ومسمّي مالنا حق نرفضه......بس الشور الأوّل والأخير لبنت اخوي" ووافقت هي ولا يعلم كيف وافقت ونست سلمان!
ولكن الطامة بعد مرور عدّت اشهر رأى زوجها وكيفية الأقدار في ربط العقوبة لضرب قلبه!
رنّ هاتفه ...سحبه ليُجيب

 
 

 

عرض البوم صور شتات الكون   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
رحيل، وجدان، ضمير، حب، غموض،
facebook




جديد مواضيع قسم المنتدى العام للقصص والروايات
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 10:58 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية