لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > الروايات المغلقة
التسجيل مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الروايات المغلقة الروايات المغلقة


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-05-18, 01:06 PM   المشاركة رقم: 21
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2018
العضوية: 329709
المشاركات: 22
الجنس أنثى
معدل التقييم: قَمرْ عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 24

االدولة
البلدEngland
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
قَمرْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : قَمرْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: كُربةٌ بكماء / بقلمي

 

*



جلست و هي تسرح لابنتها شعرها ، و القلق يملأ فؤادها .. لا تعرف لِم لم تعد تشعر بالأمان معه .. ربما لأنه هو ذاته لا يشعرها بالأمان ...
صرخت هي و ابنتها صرخة واحدة حين سمعتا صوت الرصاص حول المنزل .. أخذت ابنتها و اختبأتا تحت الطاولة في الصالة ، بدأ زجاج النوافذ يتكسر من الرصاص الذي نزل عليهم كوابل من المطر .. بدأت ابنتها تبكي بخوف ، احتضنتها أمها التي لا تقل عنها خوفاً و قالت بصوت مرتجف : لا تخافي حبيبتي لاا تخافي ..
استمر إطلاق الرصاص لدقائق معدودة ، تحركت بعدها العصابة مسرعة بسيارتها ، بعد أن أرسلوا لفواز الجالس مع صديقه راشد : صدقني لو نبي نضر أحد من عائلتك بنضره ، بس هذي تنبيه و مثل ما يقولوا " فركة إذن " ، يا تسحب مقالك يا راح يصير شي ثااني ..
وقف فواز بخوف و هو يقرأ الرسالة ، اتصل على جوال زوجته لكنها لم ترد ، لا زالت متجمدة في مكانها خوفاً من عودة إطلاق الرصاص ، سأله راشد باستغراب : فواز شفيكك ؟؟؟
وضع جواله في جيبه و قال بعجلة : لازم أرووح البيت الحين !!
أخذ مفتاح سيارته و تحرك بسرعة دون أن يترك مجالاً لراشد للكلام ، قاد بسرعة جنونية حتى وصل إلى المنزل ، نزل مسرعاً و أخرج مفتاحه ليفتح الباب ، لاحظ وجود تقعرات صغيرة في الباب ، كأن أحداً قد أطلق النار هنا .. بدأ الشر يتطاير من عينيه ، دخل إلى المنزل بسرعة و أخذ ينادي : جووري ، بابا ،، سمرر وينكمم ؟؟؟؟
نادته جوري بصوتها الطفولي : بااابا ..
تتبع مصدر الصوت حتى عرف مخبأهما ، جلس على ركبتيه و هو يتنفس الصعداء بعدما اطمئن أنهما بخير .. ساعدهما في الخروج من تحت الطاولة ، احتضن صغيرته بلهفة كأنه لم يراها منذ سنوات : قلب أبووك حبيبة قلبي ..
قالت بخوف : بابا أنا و ماما كنا خايفين..
قبل جبينها بحنية : حبيبة قلبي لاا تخافوا أنا معاكم لا تخافوا ..
مسحت سمر دموعها و قالت : ماما جوري روحي غرفتك أبي أكلم بابا بروحنا ..
ركضت جوري إلى غرفتها ، التفتت سمر إلى زوجها و قالت بصوت مبحوح : عندك تفسير للي صار ؟؟ مو شايف شلون تكسر البيت و كان ممكن أنا و بنتك نروح فيها !
تنهد بأسف و أخفض رأسه دون أن يتكلم ، فأكملت : فواز ، أنا ما راح أقدر أعيش معاك بهالخطر هذا ..
وقف فواز على قدميه و نظر في أرجاء المنزل ، قال بأسف : راح آخذكم عند أمي للشرقية ، تقعدون معاها لين تفرج ..
ابتسمت بسخرية ، أكانت تلك النهاية ؟ توقعت أنك ستترك عملك كله بعد أن شاهدتنا تحت الخطر .. لكن لا فائدة .. لا زال عشقك لعملك يعمي قلبك عني و عن ابنتك .. تحركت دون أن ترد عليه .. و بدأت تجهز حقائبها للرحيل ، كأنها كانت تتوقع نهاية كتلك ..


*

السعودية – جدّة



بعد انتظار دام لأكثر من ساعتين ، خرجت إحدى الممرضات من الغرفة ، ثم تبعتها الطبيبة بعلامات حزن على وجهها : البقاء لله ..
شهق الجميع شهقة واحدة ، قال طلال بصوت مرتجف : عزة ؟؟؟
هزت الطبيبة رأسها بالنفي ، و قالت : لا .. الطفلة نزلت من بطن أمها ميتة .. العوض بسلامتكم و سلامة عزة ..
وضع رأسه في الأرض كي لا يلاحظ أحد الدمع الذي اجتمع في عينيه و قال : عزة عرفت ؟
: عزة نامت فوراً بعد الولادة و ما عرفت ، الحين تروح غرفتها و تصحى ..
مسح وجهه بكفيه مصدوماً ، لا يعرف كيف سيخبرها .. هو السبب في موت ابنته .. قتلها بيديه .. اقتربت منه أمه ببكاء و قالت : يمه الله يعوضك ، المهم عزة ما صارلها شي و الباقي يتعوض ، البنت مو مكتوبلها تعيش ..
احتضن أمه بندم ، لأول مرة يبكي أمامها ، حتى حين ماتت أغلى إنسانة في قلبه لم يبكِ أمامها .. بكى في حضنها كطفل صغير و هو يتمتم : أناا السبب يمهه أنااا السبب !
مسحت على ظهره بحنية : لا يمه لا حبيبي هذا قدرها .. قول الحمدلله على كل شي ..
خلال ثوانٍ ، انفتح الباب و خرجت منه الممرضات يجرنّ سرير عزة الراقدة فوقه ، و قد بانت على وجهها علامات التعب و الإرهاق .. فتحت عينيها ببطئ و نظرت إلى طلال .. قالت بإرهاق : طلال ..
اقترب منها و أمسك بيدها : ارتاحي حبيبتي لا تتلكمي ..
وصلوا إلى غرفتها ، أعادوها إلى سريرها ، لاحظت معالم وجه زوجها و أخته و أمه الحزينة ، سألت بخوف : وين بنتنا طلال ؟؟
جلس أمامها متردداً ، خائفاً من رد فعلها ، أمسك يدها و قال : حبيبتي .. " أخذ نفساً عميقاً " .. بنتنا .. ما كتبلها ربنا تعيش ..
سقطت دمعة سريعة حارة على خدها و قالت : شنو ؟ بنتي ؟ ماتت ؟؟
مسك يدها ليهدئها : حبيبتي بكرا ربنا يعوضنا ..
نفضت يدها منه بقوة ، نظرت إليه بحقد و قالت : كل شي صاار بسببك ..
نظر طلال إلى أمه الواقفة دون أي كلام ، مع دخول والده إلى الغرفة .. قالت عزة : طلقني ياا طلال ماابيك ..
عقد أبو طلال حاجبيه و قال : شنوو هالكلام شنوو طلاق ما طلاق ؟؟
بكت عزة ، و قالت : عمي بنتي مااتت بسبب طلااال أنااا ماابيه ..
تنهد والده و قال و هو يقترب منها : يا بنيتي هذا مكتوب ، البنت مو مكتوبلها تعيش .. ما يصير كل شي تقولي طلاق ..
دفنت رأسها في حضنه و قالت : يا عمي طلال عذبني و قهرني مابي أرجع معاه مابي ..
نظر والده إليه بحدة و قال : بس يا بنتي بس .. اسمعي كلام عمك ، طلاق ما عندنا .. طلال زوجك ، ان شاء الله تطلعين من هنا و تروحوا بيتكم ، و تتفاهموا ..
ظلت تبكي كأنها رافضة للعودة معه .. ضغط عليها عمها : على شان خاطري يا عزة ..
هزت رأسها بالموافقة و قلبها غير راضٍ عنه .. طلال ، خرج من الغرفة بعد أن شعر بالاختناق ، هو أيضاً خسر قطعة منه .. خسرها و خسر قلب عزة معها ..

*

يناير – 2005

اختارت أن يكون حفل كتب كتابهما في يوم ماطر ، فالمطر خير .. ستكتب لها أياماً جميلة منذ هذه الساعة ، وقفت إلى جابنها ريم و هي تتأملها بفستانها الوردي الفاتن ، و شعرها " الكيرلي " المنسدل على كتفها .. ابتسمت و قالت : قممر و النبي ..
ردت لها سديم الابتسامة ، قلبها ينبض فرحاً .. سترتدي في إصبعها خاتم الرجل الذي أحبته منذ طفولتها ..
قرأت رسالته الأخيرة التي أرسلها : راح يكون أحلى يوم بحياتِك ، م راح تنسيه وعد ..
ابتسمت حتى بان صف أسنانها .. وقفت لتعدّل شكلها قبل أن يدخل أبيها ، طرق الباب ، ثم دخل فرِحاً و هو يرى ابنته عادت لتحب الحياة مجدداً .. اقترب منها و احتضنها و هو يستنشق رائحة عطرها الجميلة : مبرووك يبه الله يتمملكم بالخير و يسعدكم ..
رفعت رأسها و نظرت إليه بامتنان ، قبّلت يده و كان ودها لو تقول أي كلمة له تعبر فيها عن امتنانها و شكرها لحنيته التي رافقتها منذ صغرها ..

في بيته ، وقف و هو يتأمل شكله بالبدلة الرمادية مع قميصها الأبيض ، وقف ليعدل ربطة عنقه و هو يدندن كلمات أغنية فرحاً بهذا اليوم ..
ذهب إلى باب المنزل يفتحه ، فكانت المفاجأة !




*

السعودية – جدة

دخل إلى الغرفة فوجدها فاتنة أمامه بفستانها الفيروزي الطويل .. شعر بالغيرة عليها من أعين النساء ، دخل و هو يحدق بها بنظرات أخجلتها ، اقترب منها ، وقف إلى خلفها و بدأ ينظر إليها من خلال المرآة .. قال و هو يستنشق عطرها : فديت جمالِك ..
شعرت أنها متخدرة من حرارة أنفاسه التي لفحت عنقها .. تناولت عقداً و حاولت أن تكبله في عنقها لكن ارتباك يديها منعها ..
مدّ يده و تناول منها العقد بعد أن لامست أصابعه أصابعها المرتجفة ، كّبل العقد ، ثم اقترب من عنقها و طبع عليه قبلة خفيفة ..
التفتت له عزة بارتباك و قالت : احنا ما اتفقنا على هالشي يا طلال ..
نظر لها بهيام : و ما اتفقنا إنك تفتنيني بجمالك ..
أخفضت بصرها خجلاً من كلماته .. ابتسم لها و قال و هو خارج : يلا البسي عباتك .. تأخرنا ..


*

( انتهى )

رأيكم في الجزء الختامي ، و في الخماسية الثانية من روايتنا ؟؟
توقعاتكم فديتكم ..

انتظروني الجمعة القادمة ، في جزء جديد ..
ألقاكم بخير .. قَمـرْ!

 
 

 

عرض البوم صور قَمرْ  
قديم 19-05-18, 01:08 PM   المشاركة رقم: 22
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2018
العضوية: 329709
المشاركات: 22
الجنس أنثى
معدل التقييم: قَمرْ عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 24

االدولة
البلدEngland
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
قَمرْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : قَمرْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: كُربةٌ بكماء / بقلمي

 

" كلُّ الذين يكتِمون عواطفهم بإتقان ، ينفجرون كالسّيل إذا باحوا " ./ غادة السّمان .

السلام عليكم و رحمة الله .. أخباركم يا جميلين ؟
أتمنى أن يكون الجميع بخير ..
بإذن الله اليوم سأقوم بوضع الجزء الحادي عشر من روايتنا : كربةٌ بكْماء / قَـمـرْ !
أتمنى أن ينال إعجابكم و رضاكم ..
في البداية أود أن أبارك للجميع بالشهر الفضيل ، كل عام و أنتم بخير أعاده الله علينا و عليكم باليمن و البركات .. و أتمنى أن لا تلهيكم الرواية عن استغلال هذا الشهر الفضيل فيما يرضي الله عز و جل و رسوله الكريم ..


أتمنى لكم قراءة ممتعة ..

لا تُلهيكم الرواية عن أداء الصلاة .


( 11 )





روما – إيطاليا

نظر بدهشة إلى تلك التي كانت تقف أمام بابه ، تفحصته بدقة و هو يرتدي بدلته الأنيقة ، ابتسمت بخبث و هي تدخل إلى منزله دون الاستئذان : شو ما في تفضلي ؟؟
استمر طالب في وقوفه أمام الباب المفتوح و قال : ليش جيتي شتبي ؟
قالت و هي تجلس على الكنبة و تعدل فستانها الأسود الطويل : جيت لفرجيك شي مهم ، لازم تشوفه قبل ما تكتب كتابك ..
تأفف منها ، أغلق الباب و دخل إليها غاضباً : رشا ، احترمي نفسك و قومي بدون مطرود ، أناا مو فاضي لتفاهتك !
اكتفت بالابتسامة دون أن ترد ، فتحت حقيبتها و أخرجت منها شريط فيديو ، ثم توجهت نحو التلفاز في منتصف الصالة و قالت : كيف بدنا نشغل هالشريط ؟
عقد حاجبيه : شريط شنو هذا ؟؟
: تعال شغله و بتشوف ..
اقترب متذمراً و تناول منها الشريط بتوتر ، وضعه في مشغل الفيديو ، ثم أشعله و جلس إلى أقرب كنبة و هو يرمق رشا بنظرات حادة .. وجدها تبتسم إليه و تقول : شوف الفيديو ما تتطلع فيني !!
عندما أدار وجهه إلى التلفاز ، صُعِق مما رأى ، لم يكن يتخيل أن ما حصل بينهما كان بالقذارة تلك ، و الأقذر من ذلك أنها صورت جريمة كتلك و وثقتها لتبقى وصمة عار على جبينه لا تمحى أبداً ، اتسعت عيناه دهشة ، اقترب بسرعة و أغلق الشاشة و هو يشتاط غضباً ، صرخ في وجهها : اييييش هذااا ؟؟؟؟
وقفت و سارت بخطوات واثقة نحوه ، قالت و هي تتحسس ياقة قميصه بهمس : معقول ما عرفت حالك ؟
أمسك ذراعها و شد عليه بكل قوته و قال من بين أسنانه : ليش ساويتي كذا ؟
ردت بألم : عم توجع ايدي تركني !
ألقاها على الكنبة بعنف و صرخ : قوولي ليش ساويتي كذاا ايش تبي منيي ؟؟؟
اعتدلت في جلستها و قالت : ليك طالب ، رح حاكيك بجدية ، مش أنا اللي بتاخد منا اللي بدكياه و بعدين بترميا و كأنه ما صار شي !
بنظرة استفاهم سألها : المعنى ؟؟؟
: المعنى ، مش رح تتزوج سديم اليوم ، انت رح تتزوجني أنا ، و إلا هالشريط الليلة بيكون عند سديم و ما رح اتركك تتهنى يوم واحد ..
وقف عند النافذة و هو يمسح وجهه الذي يتصبب عرقاً بكفيه و يشتت أنظاره إلى الخارج ، يفكّر فيما يمكن أن يفعله الآن .. ورطة لا يدري كيف سيخلص نفسه منها ..
جاءه صوتها من خلفه يقول : أنا طالعة من عندك لعند سديم ، هونيك بده يوصلا مسج إنك مش رح تتزوجا ، و إلا رح خليا تشوف الشريط ، ما بتخيل إنك حابب إنه الكل يشوفوك بهالمنظر ، بالأخص سديم ، و بيّك .
أطبق عينيه بألم و غضب و حيرة ، لم يرد عليها ، تركها تخرج و جلس بانهيارٍ فوق الكنبة حين وصلته رسالة سديم الأخيرة : " ستكون خطيبي الليلة ، سنرقص سوية على أنغام فيروز و هي تقول : هيدا خطيبك قوليله ، صارت صحيحة الخبرية "



*

السعودية – الشرقية

مضت الأشهر طويلة عليهما هنا ، مر وقت طويل منذ آخر مرة رأته فيها ، لا تدري إن كانت قسوته وراء هجره ، و ما هو السبب ؟
انتظرت كثيراً حتى جاءها رده : آلو
بصوت ملؤه العتاب قالت : شلونك يا فواز ؟
أجاب بلهفة : سمر ! هلاا حبيبتي شلونك و شلون جوري بخير انتوا طمنوني عنكم ؟
كانت نبرتها خالية من أي تعابير حين ردت : احنا بخير ، الحمدلله ..
: مرتاحين عند أمي ، ناقصكم شي ؟؟؟
بعد أن أطلقت تنهيدة طويلة أجابت : مرتاحين و مو مرتاحين ، ناقص علينا و مو ناقص ..
قال ممازحاً : و تعا ولا تجي و كزوب علي ؟
اتضح الغضب و الجدية في كلامها : فواز قاعدة أتكلم جد ! من يوم ما جينا هنا ما شفنااك ! جوري راح تنسى إن لها أب و أنا رح أنسى إني متزوجة !!
بخجل : سمر أنا لام أظل بعيد عنكم علشان ما يلحقكم أذى بسببي ، خايف يوصلكم الأذى إذا زرتكم ..
رفعت حاجبها لتسأل باستنكار : و للحين ما تبين معاك متى بتنتهي هالحرب ؟؟
صمت و لم يرد على سؤالها ، فأكملت : فواز انت ما تزورنا عشان خايف ننصاب بأذى ، لكن عارف وش هو الضرر الأكبر ؟؟ إننا ما نشووفك هو الأذى بذااته يا فواز ، إني أقعد وحيدة لا زوج ولا أهل ، إن بنتك تكبر بعيد عنك من دون أي ذنب ارتكبناه بحقك هذا هو الضرر .. قول لي فوا إذا إنت منت حمل مسؤولية البيت و الزواج ، و تحب شغلك أكثر من نفسك ، ليش تزوجت ؟ إذا مو قادر تحب عائلتك ليش تزوجتني ؟
: هالحين هذي اهية النتيجة اللي طلعتي فيها ؟ إني ما أحبكم ؟؟ ايش اللي تبيه مني ؟ أترك شغلي اللي بعت عمري عشانه ؟
: ايه لازم تتركه عشاننا ، بعد اللي صار آخر مرة كان لازم تتأكد إنك لازم تترك شغلك و تشتغل شي ثاني ، إنت ما تعرف تشتغل غير بالمجرمين ؟؟
لم يدقق في كلماتها الأخيرة ، كان ينظر إلى الجوال الذي أنير باتصال من صديقه راشد ، فقال : سمر أكلمك بعدين راشد قاعد يدق علي أكيد وصل ، يلا انتبهي لنفسك و لجوري ، سلام ..
أغلق السماعة دون أن يسمع ردها و تحرك نحو الباب ليقابل راشد ، أما هي فجلست متألمة في مكانها ، لا يتغير هذا الرجل أبداً ، حتى لو رآنا نموت أمام عينيه .. اقتربت منها عمتها و هي تستند إلى عكازتها و تجلس إلى جانبها و تقول : وين شاردة يا بنتي منو كنتِ تكلمين ؟؟
ردت و هي تلعب في أظافرها بتوتر : هذا فواز ..
ابتسمت و قالت : شلونه ؟ ما يبي يزورنا ؟
نظرت لها و ابتسمت بسخرية : يزورنا ؟ أعذريني عمتي بهالكلمة ، لكن فواز ما عنده أدنى إحساس فيني ولا ببنته ، و أنا خلاص طاقتي و صبري انتهوا ..
وقفت و لم تترك مجالاً لها بالرد ، دوماً ما كانت تخلق المبررات و الأعذار لابنها ، و تحاول أن تخمد البراكين المشتعلة في قلب سمر ، لكنها اليوم ملت من الأعذار ، لم تعد بحاجة إلى سماعها ، كل ما تحتاجه الآن هو الراحة التي فقدتها منذ ذلك اليوم الذي خرجت فيه من بيت أهلها مكبّلة بيدي فواز ، مرتدية الأبيض الذي لم يكن يوماً سبباً في سعادتها ..


*


جدّة

دخلت بابتسامة واسعة إلى الغرفة و الجميع ينظر لها بإعجاب ، اقتربت من غادة و قبلتها في خديها و هي تقول : ألف مبروك حبيبتي ، يا رب تتهنوا مع بعض ..
ابتسمت لها غادة بقلق و قالت بشيء من الرسمية : تسلمي ..
اعتدلت عزة في وقوفها عندما شعرت بيدٍ حانية تلمس كتفها ، سلّمت عليها بشوق : شلونك خالتي ؟
: حبيبتي وحشتيني والله وين غاايبة كل هالفترة ؟
اكتفت عزة بالابتسامة دون أن ترد و هي تستذكر قسوة الأيام الماضية عليها .. أما خلفهم ، فكانت غادة تتأمل نفسها في المرآة و تتساءل : هل سأكون سعيدة معك يا عزيز ؟ أم أن لعنة البؤس ترافق كل فتاة تدخل إلى بيتكم ؟
نظرت إلى عزة من خلال المرآة ، تحاول أن تكون سعيدة لكنها ليست كذلك ، الحزن يرتسم في معالم وجهها و كأنه أصبح جزءاً منها أو علامة تُعرَف بها .. كم أذنب بحقك طلال حتى أصبحت عيناكِ بذلك الذبول ؟ شردت قليلاً و هي تستذكر ذلك الحديث الموغل الذي دار بينها و بين عزيز منذ أشهر ..
..
بلوم قالت له : من يوم ملكتنا ما زرتنا إلا اليوم و بعد ما أصريت عليك .. أسألك تتهرب من السؤال و تجرحني بإجاباتك ، أبي أعرف يا عزيز !
عقد حاجبيه بتعجب و سألها : وش اللي تبي تعرفيه ؟
شتتت أنظارها في الغرفة و هي تقول : قول لي ، انت تبيني ولا لاء ؟ و اذا ما تبيني ليش تزوجتني ؟ أبي أعرف أنا في السما ولا في الأرض ! عالبر أو عالبحر ؟
بسخرية رد : وش هالأسئلة اللي مالها داعي ؟ لو ما أبيك ليش أتزوجك ؟؟؟ وين عايشة انتِ ؟ واضح إنك متأثرة مرة بالأفلام !
وقفت غاضبة و قالت : عزيز إذا بتستمر بأسلوب الاستهزاء هذا خلينا ننهي هالنقاش هذا و ننهي معاه كل شي !
وقف بمحاذاتها و سأل : كل شي ؟؟ شنو تقصدين ؟
شبكت أصابعها و قالت بارتباك : كل شي بيننا ، الطلاق يا عزيز .. أنا ما رح أفوت بيتك و أنا مو متأكدة إنك تبيني بكامل إرادتك !
ابتسم و اقترب منها محاولاً تهدئتها ، أبعد خصلة من شعرها عن وجهها و قال بحنية " مصطنعة " : غادة ، لا تفهميني غلط ولا تفهمي تصرفاتي غلط .. أنا كذا طبعي رجل جامد ما أقدر أكون رومانسي ، و ماني متعود ع الزيارات و الزواج و سوالفه ! علشان كذا ما تشوفيني أزوركم ..أنا هذا طبعي و هذا أنا و ما أقدر أتغير ، لكن كوني متأكدة إني أبيكِ مية فالمية و لو ما أبيكِ مستحيل أتزوجك و أظلمك معاي !
تنهدت بشيء من الراحة ، و قالت بعتاب : بس انت لازم تتغير معاي ، أنا زوجتك ، مو خويك علشان تعاملني بهالجفاء هذا و كأني بلا مشاعر !
بابتسامة قال و هو يتحسس خدها : راح أحاول أتغير ، بس اوعديني إنك تتحمليني ..
ردت له الابتسامة براحة ، و قلق في ذات الوقت ، شيئاً ما في نبرة صوته لم يكن يرضيها ، لم يكن قادراً على أن يمنحها الأمان و الثقة الكافيتان لتشعر بالراحة تجاه زواجهما ..

..
انتفضت و خرجت من شرودها مع صوت رهام التي تقول : يلا يا حلو قومي بننزل !
وقفت بتوتر و ارتباك و هي تحمل بيدها اليمنى باقة من الورد و باليد الأخرى تجر فستانها الأبيض ، و قلبها ينبض دعاء لله أن يجعل أيامها بيضاء كفستانها هذا ..


*


روما – إيطاليا

وقفت معها ريم أمام المرآة و هما تضعان آخر اللمسات على طلّتها ، ابتسامتها الصامتة لم تفارق وجهها أبداً .. طرق الباب فطلت رشا ، بابتسامة مزيفة و هي تصفر و تقول : شوووو ، شو هالحلا كله يا آنسة سديم !
ابتسمت لها سديم بحب ، و أشارت لها بالدخول .. جلست رشا على الكرسي و هي تقول بلهجة سعودية ركيكة : اليووم بتهبلي فيه للمسيو طالب ..
ضحكت سديم على محاولاتها الفاشلة دائماً في نطق اللهجة السعودية ، و التي دوماً ما تخلطها باللبنانية بطريقة مضحكة .. لكن ، سرعان ما اختفت ابتسامتها لتقترب من دفترها و تكتب بخط كبير : طاالب للحين ما جاء !!
رفعت الدفتر أمامها بقلق ، حين قرأت رشا وقفت لتقول : اييه أكيد بيكون عالطريق ، ما تخافي مش رح يهرب العريس و يترك هالحلا كله وراه !
اقتربت منها و بدأت تعبث بشعرها و تقول : شعرك بيجنن حياتي ..
ضربتها ريم بخفة على يدها : خلااص بقى سيبيها حتبوظي شكلها !
ابتسمت لهما سديم و هي تنظر لهن بامتنانٍ على وجودهما إلى جانبها في ليلة كتلك ، لكن وجودهما لم يخفف من وطأة غياب أمها التي دوماً كانت تحلم أن تجدها إلى جانبها في الليلة التي سيعقد فيها قرانها على الرجل الذي أحبته منذ طفولتها .. اقتربت سديم نحو المكتب حين سمعت صوتاً لرسالة وصلتها على جوالها .. حين قرأتها ؛ ابتسمت بعدم تصديق ، لترسل بعدها فوراً : طاالب ماهو وقت المزح الحين ، تأخرت مرة وينك ؟؟
دققت كثيراً في جوالها إلى درجة أنها لم تنتبه إلى تلك النظرات السامة التي كانت تراقبها بها رشا ، جاءها الرد سريعاً و جدياً للغاية : سديم ، أنا ما أمزح .. لا تنتظريني !
انهارت فوق الكرسي حين قرأت كلماته و شعرت بجديتها ، ارتجفت أطرافها أما عيناها فبقيتا جاحظتين لا تعرف إن كان عليها أن تصدق أم لا ..
اقتربتا منها و صوت ريم يقول بخوف : سديم ! ايه اللي حصل مالك ؟؟
لم ترد عليها ، كانت تنظر في الأرض دون أي تعابير ، و جوالها في يدها يكاد يسقط من هول صدمتها و عدم قدرتها على السيطرة على أطرافها ، تناولت منها رشا الجوال لتقرأ رسائل طالب ، محاولة أن تخفي ابتسامة النصر التي كادت على وشك الظهور على مُحياها ، لتقول بصدمة مفتعلة : شوو هالحكي !!!!
ريم بخوف : رشاا هو في ايه بالموبايل ؟؟؟
: سمعي طالب شو باعت لسديم ! سديم ما رح أقدر أكون زوجك ، لا تنتظريني !
ارتجفت شفتي ريم و هي تسمع ، و قالت : ده أكيد بيهزّر يا سديم .. قومي وقفي ما تصدقيش الكلام ده ! ده زمانه جاي أكيد و يمكن قاعد تحت و بيستناكي !
لم ترد سديم ، كانت علامات الصدمة على وجهها و عدم التصديق ، و الانهيار في آن معاً ، حين دخل أبيها بعد أن طرق الباب و قال : وش صار مع طالب يا سديم وينه للحين ؟
لم ترد أي منهن على سؤاله ، لاحظ أن الأجواء مشحونة جداً ، و ابنته تجلس كالكسيرة فوق الكرسي ، اقترب منها بخوف و جلس على ركبتيه أمامها : يبه شفيك ؟ وينه طالب ؟
بعد ثوانٍ من الصمت و النظرات بينهما ، قالت رشا : عمو ، طالب قال لسديم إنه مش رح يجي !
رفع عينيه إليها بصدمة و قال و هو يتنقل في نظراته ما بينها و بين ابنته : شلوون يعني ما بيجي ؟؟؟؟
مدّت له جوال سديم ، و قالت : اقرا ..
وقف بصعوبة ، أخذ منها الجوال و بدأ يقرأ كلمات كالسيف كانت غرزت في قلبه ابنته الذي لم يستحق يوماً إلا أن يزهر كالورد ، لكن القدر كتب عليه أن ينزف طيلة حياته ..
ألقى بالجوال أرضاً غاضباً و صرخ صرخة هزت أرجاء المنزل بكامله ، الجميع ارتجف من صوته ، إلا ابنته التي كان يتضح أنها في عالم آخر تماماً .. على جلستها ذاتها دون أي حِراك .. خرج من عندها غاضباً متوعداً .. متجهاً نحوه ..


-

جلس و هو يلف قدماً فوق الأخرى ، و قد فك رباط عنقه و خلع جاكيت البدلة ، يضع سيجارة في فمه ، يطفئها ليشعل الأخرى و يدخنها بنهم .. وقف أمامه أبيه غاضباً : شلوون تسساوي كذاا بالبنية ؟؟؟ لييييش كذاا طييحت وجهي قداام أبوهاا ؟؟ قوول وش غرضك من هالتصرف النذل هذا ؟
ظل بارداً و لم يرد على كلمات أبيه اللاذعة ، كأنه لم يكن يسمعه .. فأردف : و قااعد بكل بروود و وقاحة تدخن كأنك ماا ساويت شي !! إنت من وين جايب هالنذاالة هذي أناا ماا ربيتك كذا !
اقترب من صحن السجائر ، ليطفئ سيجارته ، و تشتعل في داخله نيران لا يمكن اخمادها ، قال ببرود لا يعكس داخله : ماحد له حق يحاسبني ..
وقف و هو يتناول جاكيته و يهم بالخروج ، فوقف في وجهه سعود غاضباً : شلون مالي حق أحااسبك ؟ نسيت إني أبوك ؟؟
صرخ طالب : انت مووووو أبوي !
صُدِم سعود مما سمع ، و بدأت الأسئلة تتلاحم في عقله ، أيقول ذلك لأنه غاضب ؟ أم أنه عرف الحقيقة فعلاً ؟
قال بخفوت : شنو قلت ؟
أطبق طالب عينيه ليحاول أن يتمالك نفسه ، فتح فمه ليرد ، لكن جرس الباب كان أسرع ، كأنه جاء لينقذ سعود من كلام صادم كان سيسمعه الآن .. ذهب بهدوء ليفتح الباب ، كان متوقعاً أن يأتي الآن كبركان ثائر ، ضربه على صدره و قال بغضب : وينه ولدك ؟؟ ويين متخبي ؟؟
دخل مسرعاً دون أن يسمع رده ، فوجد طالب أمامه يقف مستعداً لما سيحدث ، و وقف ليقول : تعال يا عمي ، خذ حق سديم مني ..
اقترب منه بغضب لم يروه به يوماً ، و هو يضغط على أسنانه و العرق يتصبب من جبينه ، شده من ياقة قميصه : شلوون تساوي فيهاا كذااا ؟؟ شلوون ؟؟
لم يترك له مجالاً للرد أو التبرير ، انهال عليه ضرباً باللكمات على وجهه و أنفه حتى أسقطه أرضاً ، لو رأى دماءه تملأ المكان لن يكفيه ذلك ، جلس فوقه و كأن طاقة شباب الأرض أجمعين اجتمعت به ، ظل يلكمه بقوة و غضب و حقد ، حتى لم يعد بالإمكان تمييز معالم وجهه لكثرة الدماء و الكدمات ، و هو كالجثة تحته بلا حراك ، لم يحاول حتى أن يدافع عن نفسه ، كأنه كان ينتظر عقاب كذاك على فعلته .. اقترب منه سعود و هو يمسك ذراعه و يقول : خلاص يا جلال كاافي راح يموت بين ايدينك!
سيطر عليه و استطاع أن يبعده عن ابنه الملقى أرضاً و الدماء تسيل من كل مكان في وجهه ، وقف جلال و لا زال يشعر أنه يريد أن يضربه أكثر ليشفي غليله ، وقف بعيداً و هو يلهث تعباً و يؤشر بسبابته على كليهما : مابي أشوفك ولا أشوف ولدك لا أناا و لا سديم طول حياااتنا .. مااا نبي نشوووفكم ..
بصق في الأرض قبل أن يخرج و هو يلعنهم و يوجه لهم الشتائم و الدعوات التي لا تدل إلى على أب احترق قلبه على ابنته التي لم تر يوماً أبيضاً في حياتها ، كأنما الدنيا تعاقبها بلا ذنب ..

بمساعدة أبيه ، نهض طالب عن الأرض دون توازن ، كاد أن يسقط فأسعفته يد أبيه الذي لا زال يفكر في الكلمة الأخيرة التي قالها ،تحرك بصعوبة و خرج مسرعاً قبل أن يرى أبوه دمعه الذي اختلط بدمائه ، دون أن يرد على تساؤلات أبيه الكثيرة .. اتجه في سيارته نحو بيت تلك التي قضت على أجمل قلب عرفه في حياته ..

*يُتبَع ...

 
 

 

عرض البوم صور قَمرْ  
قديم 19-05-18, 01:09 PM   المشاركة رقم: 23
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2018
العضوية: 329709
المشاركات: 22
الجنس أنثى
معدل التقييم: قَمرْ عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 24

االدولة
البلدEngland
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
قَمرْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : قَمرْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: كُربةٌ بكماء / بقلمي

 

*

كم من الصعب جداً على العاشق ، شرقياً كان أم غربياً ، أن يعلم أن حبيبته اليوم ستصبح ملكاً لغيره ، رغم أنه لم يعايش معها حالة حب كما تمنى ، رغم أنه لم يسمع صوتها يوماً ، إلا أنها سيطرت عليه و على كافة حواسه .. كأن الدنيا تغلق أبوابها في وجهه اليوم ، كأنها تقول له لا مكان لك عندي ... منذ طفولته كان يحلم أن يجرب شعور العشق حقاً ، ذاك الذي كان يراه في الأفلام ، العشق الجنوني ، كان يتمنى أن يعيش معها حباً يحارب فيه الدنيا ، كما حارب مجنون ليلى ، لكن القدر و الدنيا كلها كانت تقف ضده ، كان يخاف العشق لكثرة ما سمع عن ذله و تعبه .. لكنه سقط فيه دون أن يشعر ، و دون إرادته ، وجد نفسه غارقاً في امرأة تفاصيلها أعقد من أن يفهمها ، تفاصيل وجهها ، ضحكتها و حزنها و بؤسها و صمتها ، جسدها الهزيل الذي تخرج منه قوة تضاهي قوة الجبال .. دون أن يشعر وقع أسيراً لها ، أسيراً لامرأة لا تعرف أنه أسيرها ، فلا هي قتلته ، و لم تعتقه يوماً ، تركته حائراً بين قضبان عشقها ، لا يجد أي جواب لأسئلته ..
تقدم من الباب و هو يترنح و ينظر إلى ساعته مستغرباً من زيارة أحدهم في هذا الوقت المتأخر ، وصل بصعوبة إلى الباب ، فوجد ريم أمامه تقف بفستانها الخمري ، تنظر إلى حاله الرثة بشفقة و تقول : هل يمكنني الدخول ؟؟
أفسح لها المجال و قال بكلمات مختلة : اووه ريم ! تبدين رائعة ..
دخلت و هي تنظر إلى الصالة التي تملؤها الفوضوية ، و زجاجة خمر فارغة على الطاولة ، و الأخرى في يده ، جلست و قالت : يبدو أنك مررت بيوم صعب !
تبعها إلى الصالة و جلس أرضاً ، شرب الكثير من الخمر قبل أن يرد : كان صعباً جداً ، سديم تزوجت ..
التزمت الصمت و هي تنظر إليه بعتاب ، كيف يشرب الخمر بتلك الشراهة ، و ما علاقة الخمر بالحزن في معتقداتهم ؟ عم الصمت بينهما ، هو يشرب بلا رحمة ، و هي تفكر فيه و تستذكر ذلك اليوم الأول الذي داست فيه بيته ، كان بحالة تشبه حالته تلك ، ثملاً لا يعرف ماذا يفعل ، لكنه لم يكن حزيناً ، كان سعيداً جداً ، حين ترقى في رتبته في الجامعة ، خرج ليحتفل بنجاحه في إحدى الملاهي ، ليجدها هناك تسهر مع صديقاتها ، انتهى الاحتفال ذلك برغبة قضاها كما كان يفعل مع أي فتاة يصادفها في مكان كذلك ، و مصيبة حلت على رأس ريم لا تعرف الآن كيف تتخلص منها ..
قالت بهدوء : سديم ، لم تتزوج .. طالب لم يأتِ .. تركها اليوم ..
نظر إليها بعينين ذابلتين ، كأنه لم يستوعب ما سمع منها ، بدأ يضحك بهستيرية و يتفوه بكلمات بالإيطالية لم تفهمها ريم .. نظرت إليه مطولاً لتحاول أن تفهم سبب ضحكه ، سألته كثيراً : ما الذي يضحكك سيمون ؟؟؟
لم يجبها ، ظل يكرر ذات الكلمات بالألمانية و صوت ضحكاته يتعالى ، ليعديها أخيراً بداء الضحك الهستيري ، فجلست إلى جانبه و أخذت تضحك معه دون أن تعرف السبب !


*

السعودية – الرياض

ودّعه عند باب المنزل بعد أن اتفقا على اللقاء غداً ، تركه راشد ، و توجه هو نحو بيته ، إلا أن ثلاثة رجال ملثمين اقتربوا منه و غطوا أنفه بمنديل عليه مادة منومة ، حاول أن يتفلت منهم لكنها ثوانٍ كانت كفيلة بأن تفقده وعيه ، و يرتخي جسده بين أيديهم ليحملوه إلى السيارة المظللة بسرعة ، و يتحركوا دون أن يُشعروا بهم أحداً ..


خلال ساعتين من الزمن ، في مكان معتم يتوسط سقفه نور أبيض خفيف ، بدأ يفتح عينيه بانزعاج و يشعر ببعض الصداع في مؤخرة رأسه ، شعر بعدم قدرته على الحركة ، عدم اتضاح الرؤية لديه في أول دقيقة منعه من رؤية الحبال التي تربطه فوق الكرسي ، بعد دقائق ، حاول أن يصرخ و لكن هناك أيضاً ما وضع على فمه ليمنعه من الكلام ،
كان يجلس أمامه رجل متلثم و مغطى بالكامل ، لم يستطع أن يعرف من ملامح وجهه شيئاً ، قال بصوت مخيف : يعني يا فواز انت اجبرتنا نتصرف معاك بهالطريقة ..
لم يكن أمامه سوى لغة العيون ، التي سألهم بها : من أنتم ؟ و ماذا تريدون ؟ و لماذا جئتم بي إلى هنا ؟
ضحك بصوت عالٍ و مريب ، ثم قال : انا جبتك هنا عشان أربيك ، هذا ثالث تنبيه لك ، في الأول طلبنا منك تسحب المقال بأدبك و احترامك ما رضيت ، هاجمنا بيتك و ما فهمت ، واضح إن جلدك يحكك ، و ما راح تنعدل إلا لين أربيك بايدي !
حاول أن يحرك الكرسي ليعلن عن غضبه ، بدأت حرب النظرات الحاقدة بينهما ، حتى غمز فواز بعينه لذلك الرجل كأنه يقول له أنه لن يثنيه عما يفعل إلا الموت ..
صرخ على رجاله : توصوا فييه ، ما أبي ينسى هاليوم بحياته ..



*


روما – إيطاليا

استند إلى الباب بعد أن قرع الجرس ، كان مرهقاً من كل شيء مر به اليوم إلا من الضربات التي تلقاها مؤخراً من عمه جلال ، فتحت له الباب لتفاجئ بمنظره .. قميصه الأبيض ملوث بالدم ، و وجهه يقول أنه مر بألف حادث قبل أن يصل إليها .. اقتربت منه لتمسك بذراعه و تقول : طاالب ! شو صاير من عمل فيك هيك ؟
لم يكن قادراً على الرد ، و بالأحرى ، لم يشعر برغبة في فتح أي حديث معها .. دخل بهدوء و حركات بطيئة ، استلقى على الكنبة بارهاق و أغمض عينيه و هو يفكر في كابوس اليوم ، متى سينتهي ؟ ترى ما هي حالتك الآن يا سديم ؟ أتغفري لي ركام الخيبات تلك التي خلفتها في قلبك ؟ لكنني سأكره نفسي تلك المرة إن عفوتِ ، أنا لا أستحق غفرانكِ ، ولا أستحق حتى دمعة تنزف من قلبك الطاهر ، لو تعلمي يا سديم أنني لا أستحق ، لو تثني صفحتي في كتابك إلى الأبد ،أو حتى تمزقيها و تحرقيها ، لأتحول إلى مجرد فتات من الرماد ، يكنّس و يلقى في سلة المهملات .. لو تدوسي علي كما تدوسي على أي حشرة مؤذية ترينها .. فأنا و بكل ضعفي و هواني أعترف ، لا أستحق إلا أن أُسحَق تحت قدميك ، و كم يكون مشرّفاً لي ، أن تسحقيني أنتِ ، أنتِ وحدك من بين نساء الأرض جميعاً ، بكعب حذاءك ..

جاءت من المطبخ و هي تحمل صحناً فيه ماء بارد و منديلاً ، و كيساً من الثلج بيدها الأخرى .. جلست أمامه على الطاولة ، عصرت المنديل بيدها و وضعته عند فمه ، دون أن يفتح عينيه أمسك بيدها و أزاحها جانباً رافضاً مساعدتها ، كأنه يتمنى أن تدوم تلك الكدمات على وجهه عمراً ، علها تمحو ما اقترف من ذنوب بحق محبوبته .. علها تكفر عنه سيئاته ..
رشا : أكيد هيدا أبوها لسديم عمل فيك هيك !
لم يرد عليها و لم يؤكد كلامها ، فأردفت : العمى شو هالهمجية ، شو في تار بيناتكن ليعمل فيك هيك ؟؟ شو هيدا يا عمي شو الجواز بالغصب ؟؟ يعني يا بتتزوج بنته يا بيموتك عالخالص ؟
تأفف من كثرة كلامها المسيء الذي لم يجد له داعٍ أبداً ، قال بهدوء ، و بصوت مبحوح : رشا أتوقع اللي تبيه صار ، ماله داعي هالكلام ، تكلمي عنهم باحترام .. و الأحسن تسكتي لأني مو قاادر أسمع أي كلام ..
ابتسمت بخفوت و قالت و هي تتحسس خده : طيب حياتي قوم خود شاور و ارتاح بغرفتي .. لازم تنام انت تعبت اليوم ..
دون أن ينظر إليها ، و دون أن يرد عليها ، توجه بحركات غير متوازنة نحو الحمام ، كم كان يومه مرهقاً ، يشعر أنه جُلِد كثيراً اليوم ، كل قطعة في جسده تؤلمه .. قلبه يكاد يخرج من بين ضلوعه كثر ما نبض اليوم .. عقله منشغل بسديم ، يود لو يذهب إليها الآن ليطمئن على حالها ، ترى ماذا تفعلين الآن ؟ و ما هي حالتك ؟
خلع جميع ملابسه و ألقاها أرضاً ، أخذ ينظر إليها بندم ، تلك الملابس كانت ما سأرتدي في يوم فرحي ، إلا أنها اليوم لا تذكرني إلا بعزاء أقيم في قلبي ، لا تذكرني إلا بالخنجر الذي غرسته في ظهر سديم ليخترق قلبها و كامل جسدها .. جلس تحت الماء البارد دون أن يشعر ببرودته ، بدأت الدموع تنهمر من عينيه بصمت قاتل ، كم يصعب عليك أن تكون أبكماً في عز حاجتك للصراخ و البكاء .. كم هو صعب يا سديم ..



-

دخل إلى غرفتها و قد بانت على شكله علامات التعب ، كان يبدو أنه عائد للتو من مناوشة كبيرة ، لكن ذلك لم يجعل سديم تتحرك من مكانها أبداً ، كانت تجلس ضامة ركبتيها إلى ذقنها فوق سريرها ، بفستانها ذاته ، تنظر في الأفق ، الدموع متجمعة في محاجرها لكنها تأبى النزول .. تظل في مكانها حتى تجف ، ثم يأتِ بدلاً منها ، شلالاً آخر من الدموع ، يطرق باب عينيها مجدداً ، فتأبى أن تفتح له ..
اقترب منها والدها بإرهاق و قال و هو يعلم أن كلامه لن يغير شيئاً : يبه ، قومي غيري فستانك و نامي ..
رفعت نظرها إليه دون أن ترفع رأسها عن ركبتيها ، كأنها تستهجن طلباً كذلك .. كأنها تقول أرجوكم ، اتركوني أعيش الحزن كما يجب ، اتركوني أقوم بأداء الواجب تجاه قلبي ، لأحزن و لأبكي .. تلك خيبة يا أبي ، لا يمكن تجاوزها كما تتخيل .. أتعرف ما معنى أن تُترك الفتاة في ليلة عقد قرانها ؟ أتعلم ما معنى أن ينتهي يومي هذا دون أن أرقص و أغني و أفرح ؟ دون أن أمسك بيده لأقول أمام العالم كله هذا زوجي و حبيبي ؟ أتعلم ما معنى أن ينتهي يومي دون أن أضع في خنصري الأيمن خاتماً نُقِش عليه اسمينا و تاريخ يومنا هذا ؟
لِم اخترت يومنا هذا بالتحديد يا طالب ؟ لِم لم تتراجع مِن قبل ؟ لماذا أردت أن تذيقني أقسى أنواع الإهانة و الكَسْر ، ماذا فعلت أنا حتى أُعاقب هكذا ؟
كانت عينيها تحكيان كلمات أقسى من كل الأفعال ، كلاماً لا يمكن لأي كان أن يفهمه .. دفنت رأسها بين ركبتيها ، استنشقت نفساً طويلاً ، جعلت أبيها يعلم أنها لن تستجيب لطلبه الآن ، فاكتفى بتقبيل رأسها بألم ، و خرج من غرفتها مخذولاً ..



*

حتى في صورنا لا توجد لنا ذكرى جميلة يا طلال ، حرمتني حتى من ابتسامة مزيفة في صورة يوم كهذا ، كأنك أردت أن توثق هذا اليوم كأتعس يوم في حياتك ..لا أدري ما الذي يرغمني على البقاء معك ، رغم أنك لم تصر علي في البقاء ، و رغم أنك لم تحاول حتى أن تجد حلاً لمشاكلنا العالقة .. حتى حين فرضت عليك أن ينام كل منا بانفصال عن الآخر لم تمانعني ، بتّ متأكدة أن تغيرك معي في المستشفى ما كان إلا شعوراً مؤقتاً بالندم و تأنيب الضمير تجاهي ..
تنهدت تنهيدة طويلة أخرجت كل ما بداخلها ، أغلقت ألبوم صورها ، و خرجت إلى الصالة إذ لا زالت تسمع صوت التلفاز من الخارج ، فقالت بينها و بين نفسها بهمس : معقول للحين ما نام ؟
حين وقفت عند باب الصالة وجدته يغط في سبات عميق ، و قد نسي التلفاز مفتوحاً ، ينام بعمق و هو يضع يداً فوق رأسه و الأخرى على بطنه .. ابتسمت و هي تراه بتلك الوضعية ، كم يبدو الإنسان بريئاً أثناء النوم ، كأن كل الصفات التي ألصقت به رغماً عنه من قذارة الدنيا ، تغفو أيضاً و تختبئ في حجورها أثناء النوم ، فلا يظهر عليه إلا الطيبة و البراءة و الجمال ، ربما هذا سر ازدياد جمالكَ يا وجعي و أنت نائم ، ربما هو ما يجعلني أعشق تأملك في نومك .. اقتربت منه بخطوات هادئة كي لا توقظه ، أغلقت التلفاز ، ثم تقدمت من الغطاء المطوي إلى جانب قدميه ، فتحته و اقتربت منه لتغطأه ، لكنه كان يضع شيئاً ما تحت يده النائمة فوق بطنه ، يخفيه بعناية ، و ربما يحتضنه .. بهدوء لمست يده لتبعدها عن ذلك الشيء ، أخذته لتلقي نظرة إليه ، كم أنت مؤلم يا طلال ، أنا في الداخل أتأملك ، و أنت هنا تتأمل ريتالك .. دققت النظر في شكله و أخذت تقارن ما بين الصورتين ، كان الفرح مترجماً في عينيه ، و شفتيه ، في كل أجزاء جسده الملتصق بجسدها كأنه يود أن يمتزجا معاً ليصبحا جسداً واحداً .. بسرعة وضعت الصورة فوق الطاولة ، و لتوترها تحرك جهاز التحكم من مكانه ليصدر ضجيجاً بسيطاً للغاية لكنه كان كفيلاً بإيقاظ طلال من نومه الخفيف .. نظر إليها و قال بصوت ناعس فيه النوم : عزة ! للحين ما نمتي ؟
بارتباك ردت : نمت ، بس قمت اشرب فـ لقيتك مو متغطي و غطيتك ..
نظر في ملامح وجهها الجامدة ، تفقد الصورة التي كانت في حضنه لم يجدها ، كانت فوق الطاولة ملقاة بإهمال ، عرف أنها رأتها ، و أنها تكتم في عينيها تلك الغيرة الفاضحة .. التفت بجسدها لتذهب ، لكنه فاجأها بقبضة يده تشتد على ذراعها و يقول بهمس : عزة ..
التفتت بنصف جسدها إليه و نظراتها ملؤها العتاب و اللوم ، مدت يدها الثانية لتفك قيد يدها الأولى ، دون كلام .. و تحركت من أمامه نحو الغرفة محاولة أن تخفي ما في قلبها من نيران ..


*


قَبل ساعات الفجرِ الأولى ، حين صمتت الشوارع كلها ، و دخلت في سبات عميق ، وقفت سيارة على بعد كيلومترات قليلة عن مركز الأمن ، فتحت بابها الخلفي و ألقت به إلى الأرض ، فاقداً وعيه ، لم يره أحد .. لكن خطأهم تلك المرة كان فادحاً ..
جاءه الاتصال في قصره و هو يجلس و يشرب كوباً من القهوة السادة ، ليقول : ممتاز .. أنا راح أسافر مع عيلتي هاليومين ، بنهدي الشغل هالفترة ..

،

حين رأى في طريقه نحو العمل جثة ملقاة على الأرض لم يعرف لمن هي ، توقفت سيارته بسرعة و نزل منها ، ليفاجئ بفواز منهكاً من الضرب ، في جميع أجزاء جسده ، ملقى على الأرض كالجسد بلا روح ، بصعوبة اقترب منه و حاول أن يحمله إلى السيارة و هو يقول : فوواز رد علي ! انت صااحي ؟؟؟
لم يأتِه أي رد منه ، وضعه في المقعد الخلفي للسيارة و توجه نحو أقرب مستشفى ...


*


روما – إيطاليا

استيقظ بإنزعاج من صوت المنبه ، أطفأه لينظر إلى حوله بتشتت و يتأفف من الصداع في رأسه ، وجدها أمامه تنام بنصف جسدها فوق السرير و النصف الثاني على الأرض ، بلا غطاء .. صُدِم من وجودها ، فهو لا يذكر أي شيء كان في البارحة ، أزاح غطاءه عنه و توجه نحو الحمام ليغسل وجهه ، و يحضر ماءًا ساخناً ليستحم ، من عندها .. استيقظت ريم على صوت المياه ، فركت عينيها بنعس ، ثم تحركت نحو الحمام و هي تدفئ نفسها بيديها و تقول بلهجة مرتجفة : صباح الخير ..
لم يرد فوراً ، كان يتمضمض الماء بعد أن نظف أسنانه ، و لا زال الصداع يأكل رأسه .. بعد أن انتهى من المضمضة ، نشف فمه و قال : صباح الخير ..
نظرت إليه مطولاً ، و هو يحاول أن يتجاهل نظراتها .. عادت إلى السرير لتختبئ تحت الغطاء ، تفكر في حالته في الأمس ، و تحاول أن تربطها بحالته اليوم ، لو كان يذكر ما أخبرته لكان حاله مختلف تماماً ..
خرج من الحمام و هو يلف المنشفة حول رقبته و ينشف شعره ، نظر إليها و قال : لم أتيتِ إلى هنا ؟
ابتسمت بسخرية : أتيت لأواسيك ، ألم تر كيف كانت حالتك البارحة ؟
اكتفى بالصمت و هو يعرف مقصدها من الكلام ، قال و هو يعطيها ظهره ببرود ممتزج بالقلق : هل حصل شيء ما بيننا ؟
صمتت و هي تفكر ، ألتلك الدرجة بات قربي يخيفك ! كم لدي الفضول لأعرف ما هو الذي وجدته في سديم و لم تجده فيني ؟ كيف استحقت هي بتلك البساطة ما لم أستحقه أنا ؟ دون أن تقدم لك أي شيء ، إنها بخلت عليك حتى بنظراتها ، و في الأمس كانت تتجهز لتصبح امرأة لرجل غيرك ، أنا التي لم أكن يوماً إلا لك ، لكنك لم تنظر إلي أبداً .. كم أشعر بالرخص كلما فكرت في تلك الليلة التي قضيتها معك ، أشعر أنني كنت مجرد أداة قضيت بها شهوتك ، ثم شعرت بالندم كثيراً في اليوم التالي .. لكنكم لا تفهمون ذلك ، فلستم تقدسون الأجساد كما نقدسها نحن ، علاقة كتلك تشبه الطعام و الشراب لديكم ، لا يهم نوعه ، طالما أنه يسد حاجتكم .. التفت سيمون إليها لينظر نظرة بمعنى : أجيبي !
رفعت الغطاء عن جسدها و نهضت عن السرير ، اقتربت من حذاءها و ارتدته ، أخذت سترة سوداء معلقة في الغرفة و قالت : سأستعير سترتك مؤقتاً ..
ينظر إليها بنصف عين و يسألها : إلى أين ؟
ردت و هي تضع السترة فوق كتفها و تعدل شعرها بيدها : سأعود لبيتي ، شكراً على استضافتك ..

*يُتبَع ...

 
 

 

عرض البوم صور قَمرْ  
قديم 22-05-18, 03:41 AM   المشاركة رقم: 24
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2018
العضوية: 329709
المشاركات: 22
الجنس أنثى
معدل التقييم: قَمرْ عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 24

االدولة
البلدEngland
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
قَمرْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : قَمرْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: كُربةٌ بكماء / بقلمي

 

صباح الخير ، تقبل الله طاعاتكم ، أعتذر عن تأخري في نشر التكملة لكن المنتدى منعني من إضافة أكثر من 10 ردود ، و بعدهاا انشغلت شوي ..

أترككم مع التكملة للجزء 11 ..

*

كم من الصعب جداً على العاشق ، شرقياً كان أم غربياً ، أن يعلم أن حبيبته اليوم ستصبح ملكاً لغيره ، رغم أنه لم يعايش معها حالة حب كما تمنى ، رغم أنه لم يسمع صوتها يوماً ، إلا أنها سيطرت عليه و على كافة حواسه .. كأن الدنيا تغلق أبوابها في وجهه اليوم ، كأنها تقول له لا مكان لك عندي ... منذ طفولته كان يحلم أن يجرب شعور العشق حقاً ، ذاك الذي كان يراه في الأفلام ، العشق الجنوني ، كان يتمنى أن يعيش معها حباً يحارب فيه الدنيا ، كما حارب مجنون ليلى ، لكن القدر و الدنيا كلها كانت تقف ضده ، كان يخاف العشق لكثرة ما سمع عن ذله و تعبه .. لكنه سقط فيه دون أن يشعر ، و دون إرادته ، وجد نفسه غارقاً في امرأة تفاصيلها أعقد من أن يفهمها ، تفاصيل وجهها ، ضحكتها و حزنها و بؤسها و صمتها ، جسدها الهزيل الذي تخرج منه قوة تضاهي قوة الجبال .. دون أن يشعر وقع أسيراً لها ، أسيراً لامرأة لا تعرف أنه أسيرها ، فلا هي قتلته ، و لم تعتقه يوماً ، تركته حائراً بين قضبان عشقها ، لا يجد أي جواب لأسئلته ..
تقدم من الباب و هو يترنح و ينظر إلى ساعته مستغرباً من زيارة أحدهم في هذا الوقت المتأخر ، وصل بصعوبة إلى الباب ، فوجد ريم أمامه تقف بفستانها الخمري ، تنظر إلى حاله الرثة بشفقة و تقول : هل يمكنني الدخول ؟؟
أفسح لها المجال و قال بكلمات مختلة : اووه ريم ! تبدين رائعة ..
دخلت و هي تنظر إلى الصالة التي تملؤها الفوضوية ، و زجاجة خمر فارغة على الطاولة ، و الأخرى في يده ، جلست و قالت : يبدو أنك مررت بيوم صعب !
تبعها إلى الصالة و جلس أرضاً ، شرب الكثير من الخمر قبل أن يرد : كان صعباً جداً ، سديم تزوجت ..
التزمت الصمت و هي تنظر إليه بعتاب ، كيف يشرب الخمر بتلك الشراهة ، و ما علاقة الخمر بالحزن في معتقداتهم ؟ عم الصمت بينهما ، هو يشرب بلا رحمة ، و هي تفكر فيه و تستذكر ذلك اليوم الأول الذي داست فيه بيته ، كان بحالة تشبه حالته تلك ، ثملاً لا يعرف ماذا يفعل ، لكنه لم يكن حزيناً ، كان سعيداً جداً ، حين ترقى في رتبته في الجامعة ، خرج ليحتفل بنجاحه في إحدى الملاهي ، ليجدها هناك تسهر مع صديقاتها ، انتهى الاحتفال ذلك برغبة قضاها كما كان يفعل مع أي فتاة يصادفها في مكان كذلك ، و مصيبة حلت على رأس ريم لا تعرف الآن كيف تتخلص منها ..
قالت بهدوء : سديم ، لم تتزوج .. طالب لم يأتِ .. تركها اليوم ..
نظر إليها بعينين ذابلتين ، كأنه لم يستوعب ما سمع منها ، بدأ يضحك بهستيرية و يتفوه بكلمات بالإيطالية لم تفهمها ريم .. نظرت إليه مطولاً لتحاول أن تفهم سبب ضحكه ، سألته كثيراً : ما الذي يضحكك سيمون ؟؟؟
لم يجبها ، ظل يكرر ذات الكلمات بالألمانية و صوت ضحكاته يتعالى ، ليعديها أخيراً بداء الضحك الهستيري ، فجلست إلى جانبه و أخذت تضحك معه دون أن تعرف السبب !


*

السعودية – الرياض

ودّعه عند باب المنزل بعد أن اتفقا على اللقاء غداً ، تركه راشد ، و توجه هو نحو بيته ، إلا أن ثلاثة رجال ملثمين اقتربوا منه و غطوا أنفه بمنديل عليه مادة منومة ، حاول أن يتفلت منهم لكنها ثوانٍ كانت كفيلة بأن تفقده وعيه ، و يرتخي جسده بين أيديهم ليحملوه إلى السيارة المظللة بسرعة ، و يتحركوا دون أن يُشعروا بهم أحداً ..


خلال ساعتين من الزمن ، في مكان معتم يتوسط سقفه نور أبيض خفيف ، بدأ يفتح عينيه بانزعاج و يشعر ببعض الصداع في مؤخرة رأسه ، شعر بعدم قدرته على الحركة ، عدم اتضاح الرؤية لديه في أول دقيقة منعه من رؤية الحبال التي تربطه فوق الكرسي ، بعد دقائق ، حاول أن يصرخ و لكن هناك أيضاً ما وضع على فمه ليمنعه من الكلام ،
كان يجلس أمامه رجل متلثم و مغطى بالكامل ، لم يستطع أن يعرف من ملامح وجهه شيئاً ، قال بصوت مخيف : يعني يا فواز انت اجبرتنا نتصرف معاك بهالطريقة ..
لم يكن أمامه سوى لغة العيون ، التي سألهم بها : من أنتم ؟ و ماذا تريدون ؟ و لماذا جئتم بي إلى هنا ؟
ضحك بصوت عالٍ و مريب ، ثم قال : انا جبتك هنا عشان أربيك ، هذا ثالث تنبيه لك ، في الأول طلبنا منك تسحب المقال بأدبك و احترامك ما رضيت ، هاجمنا بيتك و ما فهمت ، واضح إن جلدك يحكك ، و ما راح تنعدل إلا لين أربيك بايدي !
حاول أن يحرك الكرسي ليعلن عن غضبه ، بدأت حرب النظرات الحاقدة بينهما ، حتى غمز فواز بعينه لذلك الرجل كأنه يقول له أنه لن يثنيه عما يفعل إلا الموت ..
صرخ على رجاله : توصوا فييه ، ما أبي ينسى هاليوم بحياته ..



*


روما – إيطاليا

استند إلى الباب بعد أن قرع الجرس ، كان مرهقاً من كل شيء مر به اليوم إلا من الضربات التي تلقاها مؤخراً من عمه جلال ، فتحت له الباب لتفاجئ بمنظره .. قميصه الأبيض ملوث بالدم ، و وجهه يقول أنه مر بألف حادث قبل أن يصل إليها .. اقتربت منه لتمسك بذراعه و تقول : طاالب ! شو صاير من عمل فيك هيك ؟
لم يكن قادراً على الرد ، و بالأحرى ، لم يشعر برغبة في فتح أي حديث معها .. دخل بهدوء و حركات بطيئة ، استلقى على الكنبة بارهاق و أغمض عينيه و هو يفكر في كابوس اليوم ، متى سينتهي ؟ ترى ما هي حالتك الآن يا سديم ؟ أتغفري لي ركام الخيبات تلك التي خلفتها في قلبك ؟ لكنني سأكره نفسي تلك المرة إن عفوتِ ، أنا لا أستحق غفرانكِ ، ولا أستحق حتى دمعة تنزف من قلبك الطاهر ، لو تعلمي يا سديم أنني لا أستحق ، لو تثني صفحتي في كتابك إلى الأبد ،أو حتى تمزقيها و تحرقيها ، لأتحول إلى مجرد فتات من الرماد ، يكنّس و يلقى في سلة المهملات .. لو تدوسي علي كما تدوسي على أي حشرة مؤذية ترينها .. فأنا و بكل ضعفي و هواني أعترف ، لا أستحق إلا أن أُسحَق تحت قدميك ، و كم يكون مشرّفاً لي ، أن تسحقيني أنتِ ، أنتِ وحدك من بين نساء الأرض جميعاً ، بكعب حذاءك ..

جاءت من المطبخ و هي تحمل صحناً فيه ماء بارد و منديلاً ، و كيساً من الثلج بيدها الأخرى .. جلست أمامه على الطاولة ، عصرت المنديل بيدها و وضعته عند فمه ، دون أن يفتح عينيه أمسك بيدها و أزاحها جانباً رافضاً مساعدتها ، كأنه يتمنى أن تدوم تلك الكدمات على وجهه عمراً ، علها تمحو ما اقترف من ذنوب بحق محبوبته .. علها تكفر عنه سيئاته ..
رشا : أكيد هيدا أبوها لسديم عمل فيك هيك !
لم يرد عليها و لم يؤكد كلامها ، فأردفت : العمى شو هالهمجية ، شو في تار بيناتكن ليعمل فيك هيك ؟؟ شو هيدا يا عمي شو الجواز بالغصب ؟؟ يعني يا بتتزوج بنته يا بيموتك عالخالص ؟
تأفف من كثرة كلامها المسيء الذي لم يجد له داعٍ أبداً ، قال بهدوء ، و بصوت مبحوح : رشا أتوقع اللي تبيه صار ، ماله داعي هالكلام ، تكلمي عنهم باحترام .. و الأحسن تسكتي لأني مو قاادر أسمع أي كلام ..
ابتسمت بخفوت و قالت و هي تتحسس خده : طيب حياتي قوم خود شاور و ارتاح بغرفتي .. لازم تنام انت تعبت اليوم ..
دون أن ينظر إليها ، و دون أن يرد عليها ، توجه بحركات غير متوازنة نحو الحمام ، كم كان يومه مرهقاً ، يشعر أنه جُلِد كثيراً اليوم ، كل قطعة في جسده تؤلمه .. قلبه يكاد يخرج من بين ضلوعه كثر ما نبض اليوم .. عقله منشغل بسديم ، يود لو يذهب إليها الآن ليطمئن على حالها ، ترى ماذا تفعلين الآن ؟ و ما هي حالتك ؟
خلع جميع ملابسه و ألقاها أرضاً ، أخذ ينظر إليها بندم ، تلك الملابس كانت ما سأرتدي في يوم فرحي ، إلا أنها اليوم لا تذكرني إلا بعزاء أقيم في قلبي ، لا تذكرني إلا بالخنجر الذي غرسته في ظهر سديم ليخترق قلبها و كامل جسدها .. جلس تحت الماء البارد دون أن يشعر ببرودته ، بدأت الدموع تنهمر من عينيه بصمت قاتل ، كم يصعب عليك أن تكون أبكماً في عز حاجتك للصراخ و البكاء .. كم هو صعب يا سديم ..



-

دخل إلى غرفتها و قد بانت على شكله علامات التعب ، كان يبدو أنه عائد للتو من مناوشة كبيرة ، لكن ذلك لم يجعل سديم تتحرك من مكانها أبداً ، كانت تجلس ضامة ركبتيها إلى ذقنها فوق سريرها ، بفستانها ذاته ، تنظر في الأفق ، الدموع متجمعة في محاجرها لكنها تأبى النزول .. تظل في مكانها حتى تجف ، ثم يأتِ بدلاً منها ، شلالاً آخر من الدموع ، يطرق باب عينيها مجدداً ، فتأبى أن تفتح له ..
اقترب منها والدها بإرهاق و قال و هو يعلم أن كلامه لن يغير شيئاً : يبه ، قومي غيري فستانك و نامي ..
رفعت نظرها إليه دون أن ترفع رأسها عن ركبتيها ، كأنها تستهجن طلباً كذلك .. كأنها تقول أرجوكم ، اتركوني أعيش الحزن كما يجب ، اتركوني أقوم بأداء الواجب تجاه قلبي ، لأحزن و لأبكي .. تلك خيبة يا أبي ، لا يمكن تجاوزها كما تتخيل .. أتعرف ما معنى أن تُترك الفتاة في ليلة عقد قرانها ؟ أتعلم ما معنى أن ينتهي يومي هذا دون أن أرقص و أغني و أفرح ؟ دون أن أمسك بيده لأقول أمام العالم كله هذا زوجي و حبيبي ؟ أتعلم ما معنى أن ينتهي يومي دون أن أضع في خنصري الأيمن خاتماً نُقِش عليه اسمينا و تاريخ يومنا هذا ؟
لِم اخترت يومنا هذا بالتحديد يا طالب ؟ لِم لم تتراجع مِن قبل ؟ لماذا أردت أن تذيقني أقسى أنواع الإهانة و الكَسْر ، ماذا فعلت أنا حتى أُعاقب هكذا ؟
كانت عينيها تحكيان كلمات أقسى من كل الأفعال ، كلاماً لا يمكن لأي كان أن يفهمه .. دفنت رأسها بين ركبتيها ، استنشقت نفساً طويلاً ، جعلت أبيها يعلم أنها لن تستجيب لطلبه الآن ، فاكتفى بتقبيل رأسها بألم ، و خرج من غرفتها مخذولاً ..



*

حتى في صورنا لا توجد لنا ذكرى جميلة يا طلال ، حرمتني حتى من ابتسامة مزيفة في صورة يوم كهذا ، كأنك أردت أن توثق هذا اليوم كأتعس يوم في حياتك ..لا أدري ما الذي يرغمني على البقاء معك ، رغم أنك لم تصر علي في البقاء ، و رغم أنك لم تحاول حتى أن تجد حلاً لمشاكلنا العالقة .. حتى حين فرضت عليك أن ينام كل منا بانفصال عن الآخر لم تمانعني ، بتّ متأكدة أن تغيرك معي في المستشفى ما كان إلا شعوراً مؤقتاً بالندم و تأنيب الضمير تجاهي ..
تنهدت تنهيدة طويلة أخرجت كل ما بداخلها ، أغلقت ألبوم صورها ، و خرجت إلى الصالة إذ لا زالت تسمع صوت التلفاز من الخارج ، فقالت بينها و بين نفسها بهمس : معقول للحين ما نام ؟
حين وقفت عند باب الصالة وجدته يغط في سبات عميق ، و قد نسي التلفاز مفتوحاً ، ينام بعمق و هو يضع يداً فوق رأسه و الأخرى على بطنه .. ابتسمت و هي تراه بتلك الوضعية ، كم يبدو الإنسان بريئاً أثناء النوم ، كأن كل الصفات التي ألصقت به رغماً عنه من قذارة الدنيا ، تغفو أيضاً و تختبئ في حجورها أثناء النوم ، فلا يظهر عليه إلا الطيبة و البراءة و الجمال ، ربما هذا سر ازدياد جمالكَ يا وجعي و أنت نائم ، ربما هو ما يجعلني أعشق تأملك في نومك .. اقتربت منه بخطوات هادئة كي لا توقظه ، أغلقت التلفاز ، ثم تقدمت من الغطاء المطوي إلى جانب قدميه ، فتحته و اقتربت منه لتغطأه ، لكنه كان يضع شيئاً ما تحت يده النائمة فوق بطنه ، يخفيه بعناية ، و ربما يحتضنه .. بهدوء لمست يده لتبعدها عن ذلك الشيء ، أخذته لتلقي نظرة إليه ، كم أنت مؤلم يا طلال ، أنا في الداخل أتأملك ، و أنت هنا تتأمل ريتالك .. دققت النظر في شكله و أخذت تقارن ما بين الصورتين ، كان الفرح مترجماً في عينيه ، و شفتيه ، في كل أجزاء جسده الملتصق بجسدها كأنه يود أن يمتزجا معاً ليصبحا جسداً واحداً .. بسرعة وضعت الصورة فوق الطاولة ، و لتوترها تحرك جهاز التحكم من مكانه ليصدر ضجيجاً بسيطاً للغاية لكنه كان كفيلاً بإيقاظ طلال من نومه الخفيف .. نظر إليها و قال بصوت ناعس فيه النوم : عزة ! للحين ما نمتي ؟
بارتباك ردت : نمت ، بس قمت اشرب فـ لقيتك مو متغطي و غطيتك ..
نظر في ملامح وجهها الجامدة ، تفقد الصورة التي كانت في حضنه لم يجدها ، كانت فوق الطاولة ملقاة بإهمال ، عرف أنها رأتها ، و أنها تكتم في عينيها تلك الغيرة الفاضحة .. التفت بجسدها لتذهب ، لكنه فاجأها بقبضة يده تشتد على ذراعها و يقول بهمس : عزة ..
التفتت بنصف جسدها إليه و نظراتها ملؤها العتاب و اللوم ، مدت يدها الثانية لتفك قيد يدها الأولى ، دون كلام .. و تحركت من أمامه نحو الغرفة محاولة أن تخفي ما في قلبها من نيران ..


*


قَبل ساعات الفجرِ الأولى ، حين صمتت الشوارع كلها ، و دخلت في سبات عميق ، وقفت سيارة على بعد كيلومترات قليلة عن مركز الأمن ، فتحت بابها الخلفي و ألقت به إلى الأرض ، فاقداً وعيه ، لم يره أحد .. لكن خطأهم تلك المرة كان فادحاً ..
جاءه الاتصال في قصره و هو يجلس و يشرب كوباً من القهوة السادة ، ليقول : ممتاز .. أنا راح أسافر مع عيلتي هاليومين ، بنهدي الشغل هالفترة ..

،

حين رأى في طريقه نحو العمل جثة ملقاة على الأرض لم يعرف لمن هي ، توقفت سيارته بسرعة و نزل منها ، ليفاجئ بفواز منهكاً من الضرب ، في جميع أجزاء جسده ، ملقى على الأرض كالجسد بلا روح ، بصعوبة اقترب منه و حاول أن يحمله إلى السيارة و هو يقول : فوواز رد علي ! انت صااحي ؟؟؟
لم يأتِه أي رد منه ، وضعه في المقعد الخلفي للسيارة و توجه نحو أقرب مستشفى ...


*


روما – إيطاليا

استيقظ بإنزعاج من صوت المنبه ، أطفأه لينظر إلى حوله بتشتت و يتأفف من الصداع في رأسه ، وجدها أمامه تنام بنصف جسدها فوق السرير و النصف الثاني على الأرض ، بلا غطاء .. صُدِم من وجودها ، فهو لا يذكر أي شيء كان في البارحة ، أزاح غطاءه عنه و توجه نحو الحمام ليغسل وجهه ، و يحضر ماءًا ساخناً ليستحم ، من عندها .. استيقظت ريم على صوت المياه ، فركت عينيها بنعس ، ثم تحركت نحو الحمام و هي تدفئ نفسها بيديها و تقول بلهجة مرتجفة : صباح الخير ..
لم يرد فوراً ، كان يتمضمض الماء بعد أن نظف أسنانه ، و لا زال الصداع يأكل رأسه .. بعد أن انتهى من المضمضة ، نشف فمه و قال : صباح الخير ..
نظرت إليه مطولاً ، و هو يحاول أن يتجاهل نظراتها .. عادت إلى السرير لتختبئ تحت الغطاء ، تفكر في حالته في الأمس ، و تحاول أن تربطها بحالته اليوم ، لو كان يذكر ما أخبرته لكان حاله مختلف تماماً ..
خرج من الحمام و هو يلف المنشفة حول رقبته و ينشف شعره ، نظر إليها و قال : لم أتيتِ إلى هنا ؟
ابتسمت بسخرية : أتيت لأواسيك ، ألم تر كيف كانت حالتك البارحة ؟
اكتفى بالصمت و هو يعرف مقصدها من الكلام ، قال و هو يعطيها ظهره ببرود ممتزج بالقلق : هل حصل شيء ما بيننا ؟
صمتت و هي تفكر ، ألتلك الدرجة بات قربي يخيفك ! كم لدي الفضول لأعرف ما هو الذي وجدته في سديم و لم تجده فيني ؟ كيف استحقت هي بتلك البساطة ما لم أستحقه أنا ؟ دون أن تقدم لك أي شيء ، إنها بخلت عليك حتى بنظراتها ، و في الأمس كانت تتجهز لتصبح امرأة لرجل غيرك ، أنا التي لم أكن يوماً إلا لك ، لكنك لم تنظر إلي أبداً .. كم أشعر بالرخص كلما فكرت في تلك الليلة التي قضيتها معك ، أشعر أنني كنت مجرد أداة قضيت بها شهوتك ، ثم شعرت بالندم كثيراً في اليوم التالي .. لكنكم لا تفهمون ذلك ، فلستم تقدسون الأجساد كما نقدسها نحن ، علاقة كتلك تشبه الطعام و الشراب لديكم ، لا يهم نوعه ، طالما أنه يسد حاجتكم .. التفت سيمون إليها لينظر نظرة بمعنى : أجيبي !
رفعت الغطاء عن جسدها و نهضت عن السرير ، اقتربت من حذاءها و ارتدته ، أخذت سترة سوداء معلقة في الغرفة و قالت : سأستعير سترتك مؤقتاً ..
ينظر إليها بنصف عين و يسألها : إلى أين ؟
ردت و هي تضع السترة فوق كتفها و تعدل شعرها بيدها : سأعود لبيتي ، شكراً على استضافتك ..

*يُتبَع ...


 
 

 

عرض البوم صور قَمرْ  
قديم 22-05-18, 03:43 AM   المشاركة رقم: 25
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2018
العضوية: 329709
المشاركات: 22
الجنس أنثى
معدل التقييم: قَمرْ عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 24

االدولة
البلدEngland
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
قَمرْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : قَمرْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: كُربةٌ بكماء / بقلمي

 

*


فتح عينيه ببطئ و هو يشعر أن الألم يسري في كامل جسده ، تنقل في أنظاره في هذا المكان ، أخذ وقتاً حتى استوعب و استذكر ما حصل معه ، هو الآن في المستشفى ، يده اليسرى ملفوفة بالشاش ، و شعر بوجود لاصقات الجروح على وجهه و جبينه ، نادى بصوت خافت على راشد الذي كان يقف أمام النافذة يراقب المارة بشرود تام .. حين سمع صوته التفت إليه بسرعة و اقترب منه : فواز ، شلون صرت الحين ؟
بذات الخفوت : الحمدلله .. ( بابتسامة خافتة ) ، للحين عايش ..
تنهد راشد و هو ينظر إليه بلوم و عتاب ، جلس أمامه و هو يقول : فواز ، ما يصير تستهين باللي صارلك ! هالمرة اخطفوك ، المرة الجاي بيذبحوك !
فواز : شتبيني أسوي يعني ؟
راشد : سوّ اللي يبونه ، اسحب هالمقال اللي بيجيب آخرتك ياخي !
فتح عينيه بدهشة من كلامه : انت يا راشد تقول هالكلام ؟؟ انت عارف كل شي و لازم تكون أكثر واحد فاهمني !
راشد : أنا فاهمك ، لكن حياتك و حياة عائلتك تعرضت أكثر من مرة للخطر ، ياخي اشتغل باسم ثاني غير اسمك ، حياتك بعد مهمة مو لازم تستهين فيها !
صمت فواز و هو يفكر في كلام راشد ، فيه شيء من المنطقية ، لكنه ما اعتاد يوماً التخفي خلف أسماء وهمية ، و ما اعتاد أن يعود من منتصف الطريق ، إما أن يمشي حتى آخره ، و إما أن لا يسلكه منذ البداية .
ابتسم راشد و قال : تدري ؟ خالد قال إنه يبيك ترجع للشغل .. يبينا نشتغل كلنا مع بعض ...
فواز : ما هو فواز وِلد سلطان اللي يشتغل تحت إمرة هذا الولد ! انت تبيني أشتغل عند هذا اللي ما يعرف شي في الدنيا !
راشد بابتسامة واسعة : لا تظلمه ، صحيح اهوة أصغر منا في السن لكن ما شاء الله عنه ، رجال عارف شنو شغله و يشتغل بذمة و ضمير ، و ما شاء الله عقله متفتح و ذكي ، و يقدر يلاقي الخيوط لأعقد القضايا .. بعدين هذا الولد تربيتك أنت ، منت واثق باللي دربتهم ؟
تنهّد فواز ، و راح يفكر بصمت في عرض راشد و خالد ..


*


خرجت من غرفتها و هي تربط الروب فوق قميص نومها القصير ، مدت رأسها لتبحث عنه في المطبخ لكنها لم تجده ، نادت عليه و لم يرد .. توقعت أنه قد خرج .. لكنها وجدته مُستلقٍ في الصالة على الكنبة ، يضع سيجارة في فمه و غارق في أفكاره ..اقتربت منه و جلست على الطاولة أمامه ، قالت بعتب : عم ناديك ليش مش عم ترد ؟
أخرج السيجارة من فمه ، نفث دخانها و قال دون أن ينظر لها : شتبي ؟
مدّت يدها لوجهه و أخذت تتحسس احدى الكدمات تحت عينه : بعدك موجوع ؟
أمسك بيدها و أنزلها عن وجهه بقوة و عنف ، قام و أطفأ سيجارته ، ثم توجه إلى الداخل مع صوتها تقول : لوين بدك تروح ؟؟
بصوت جهوري غاضب : جهــنّـــم ..
دخلت خلفه ، وقفت تراقبه و هو يرتدي ملابسه الملطخة بدمائه بسرعة و يبدو التوتر على حركاته .. توجه إلى الباب و هو يضع مفتاح سيارته و جواله في جيبه ، أوقفه صوتها و هي تقول : ما تنسى اليوم ..
أدار وجهه نحوها ، غمزها و قال بمعالم غضب على وجهه : أنسى شنو ؟
اقتربت منه بحركات متمايلة و قالت بدلع و هي تلتصق به : اليوم ، بدنا نتزوج ..
ابتسم بخبث ، اقترب منها أكثر ، أمال رأسه و هو يحدّق بشفتيها ، حتى ظنت أنه سيقبلها ، اقتربت منه ببطئ ، و قبل أن تتلامس شفتيهما قال بهمس : زواج ما راح نتزوج ، و سوي اللي تبيه ..
ابتعد و هو ينظر إليها ترمقه بنظرات حاقدة ، تدفق الدماء إلى وجهها جعله يبدو شديد الحمرة على وشك الانفجار .. خرج من البيت و أغلق الباب خلفه بغضب ..
ضربت قدميها بالأرض بحرقة و قالت : عم تتحداني ياا طالب ؟؟ بسيطة ...


*

نزلت من غرفتها و هي ترتدي ثيابها و حجابها ، لم يتوقع أبيها أن يراها تخرج بتلك السرعة من الأزمة التي مرت بها .. نزلت و هي تصطنع ابتسامة على وجهها ، قبلت خده و كتبت في دفترها : أنا رايحة الجامعة يبه ..
اتضحت لها علامات التعجب و الاندهاش على وجه أبيها .. الذي قال : يبه ، انتِ ما نمتي كويس ، خليكِ اليوم ارتاحي ..
اختفت ابتسامتها ، ليحل مكانها العبوس ، تنهدت بألم .. ثم كتبت : يبه ، اذا حبست نفسي هنا بموت ..
جلال : بسم الله عليك يا بعد أبوك .. خلاص يبه سوي اللي يريحك ، و اذا أزعجك أي شي دقي علي ..
قبلت جبينه و ودعته ، ابتسمت ساخرة حين قرأت رسالة سيمون الأخيرة .. يا لسخرية أقدارنا يا سيمون !


*


: منير ، وش سبب هالسفرة المفاجأة الحين ؟
أجابها و هو يدقق النظر في الأوراق ما بين يديه : مو وقته هالكلام ، بعدين أفهمك ..
قالت بقلق : انت وش مخبي عني ؟ ليش أحسك دايماً خايف و عندك أسرار أنا ماعرفها ..
أنقذته من تلك الورطة ابنته الصغيرة ، التي دخلت بفرح لتقول بلهجة طفولية : يببه ، صدق بنساافر روماا ؟
حملها بابتسامة و وضعها في حضنه : ايه حبيبتي صدق ، راح آخذكم رحلة على كل إيطاليا ..
بلهجة آمرة قالت أمها " نجوى " : روان روحي لغرفتك ، ما يصير تدخلي علينا من دون استئذان ..
وقف منير و هو يمسك بيد ابنته ، و ينظر بعتاب إلى زوجته ليقول : هذي بنت صغيرة يا بنت الناس .. " التفت إلى ابنته " : حبيبتي روحي العبي مع أختك ولا تخربوا شي ..
خرجت روان من الغرفة ، ليقف منير أمام زوجته و يقول بغضب : انتِ وش فيكِ ؟
تكتفت و هي تقول : وش فيني يعني ! بعلم بنتي الأدب !
بسخرية رد عليها : بتعلمينها الأدب ؟ أقول بلا كثرة حكي .. انزلي حضريلنا الغداء ..
بعناد أصرت على وقوفها مكانها : مو قبل ما أفهم ليش دائماً تتهرب من أسئلتي !!
بدأ الغضب يسيطر على تفاصيل وجهه : نجوى انزلي حضريلنا الغداء ولا تعصبيني أكثر .. انتِ عارفة لا عصبت وش ممكن أساوي !

*


*مقتطفات من البارت القادم :

: حبيب قلبي انتَ يا الله شو اشتقتلك !

: هذي اهية اللي نبيها من زماان !

: يا ليتك مسويتها بس ، كان افتكيت منك ..

: خلاص ماله داعي الكلام أو النقاش ، كل شي صار مكشوف و أنا مابي أسمع أي كلام منك ..



( انتهى )


لا تقولوا لي قصيير ! 24 صفحة .. ان شاء الله البارت القادم راح يكون أطول أكيد ، هذا كتبته على عَجلة بصراحة لأن طول الأسبوع كنت مشغولة ، أتمنى يكون أعجبكم .. :]] "$

أحبتي نلتقي الجمعة القادمة ، الجمعة الأولى في رمضان كل عام و أنتم بألف خير جميعاً و عسى أن يعيده الله علينا و على كافة المسلمين في كافة أنحاء العالم بالخير و السلام و الأمان ..
ما تحرموني من تواجدكم اللطيف و لا تنسوني من صالح دعائكم .. أحبكم ..

قَمـرْ !


 
 

 

عرض البوم صور قَمرْ  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
بقلمي, بكماء, كُربةٌ
facebook



جديد مواضيع قسم الروايات المغلقة
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 12:27 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية