لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > الروايات المغلقة
التسجيل مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الروايات المغلقة الروايات المغلقة


الأرواح تحت الأقنعة بقلمي / الفيورا

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. ما زلت في غمار الكتابة وأتحدى نفسي بها، فبينما كانت "عكس الرحيل" تحديا في جعل نفسي أكتب، كانت "مشكلتي مع

 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (2) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-12-17, 05:49 PM   2 links from elsewhere to this Post. Click to view. المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
كاتب مميز


البيانات
التسجيل: May 2017
العضوية: 325692
المشاركات: 233
الجنس أنثى
معدل التقييم: الفيورا عضو ذو تقييم عاليالفيورا عضو ذو تقييم عاليالفيورا عضو ذو تقييم عاليالفيورا عضو ذو تقييم عاليالفيورا عضو ذو تقييم عاليالفيورا عضو ذو تقييم عاليالفيورا عضو ذو تقييم عاليالفيورا عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 951

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الفيورا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي الأرواح تحت الأقنعة بقلمي / الفيورا

 



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

ما زلت في غمار الكتابة وأتحدى نفسي بها، فبينما كانت "عكس الرحيل" تحديا في جعل نفسي أكتب، كانت "مشكلتي مع كلمة" تحديا في الكتابة عن شخصيات أكثر.
وفي هذه الرواية، أتحدى نفسي في كتابة رواية بشخصيات متعددة وأطول من الذي اعتاده قلمي.

ظروفي للأسف مو زي السابق لما كنت أنشر الروايتين اللي قبل، مشاغلي كثرت ووقت إجازتي بعيد حده. ومطولة على شبكة مو مضمونة. فموعدنا بيصير أربع مرات في الأسبوع بدل كل يوم. أنا عازمة إن شاء الله أكمل معكم المشوار، بس اتمنى تلتمسوا لي العذر إذا تأخرت فيوم :)

أتمنى أن تجدوا بين جنبات بيتي الجديد مكانا مريحا..

*لا تلهكم الرواية عن الصلاة..*

الأولى

=
=
=

مشهد يرتسم أمامها، أخذ كل المساهمين فيه مواضعهم ليبدأوا ببداية ستنتهي بالألم.

أبو كادي، راضي، رجل في منتصف العمر، زوجها منذ يوم.

زوجة راضي الأولى، تلك التي يقف الكل في بيتها.

بنات راضي، مشاهدات صامتات بفجع لما يحدث.

أخو زوجة راضي، الداعم لموقف أخته.

وأخيرا هي، واقفة بعباءتها ونقابها في الزاوية، الدخيلة كما كانت العادة.

-: "أنا تتزوج علي يا راضي؟! أنا؟! بعد كل ذي السنين تكسر روحي بالثانية؟"

خف صوت زوجة راضي من هياج غضبها إلى وجع طاعن: "قولي ليش..؟"

أعطاها راضي نظرة ماثلتها وجعا، لكنه التزم الصمت. رأتها خطوة سيئة، فلربما سيستطيع بناء شيء من الركام إذا أخبرها الحقيقة.

عندها نظرت إليها زوجة راضي بكل الكراهية التي تستطيع نفثها من عيونها: "مالي قعدة فذا البيت وهي موجودة!"

كلماتها هذه ووقع خطواتها المبتعد أخرج راضي من صومعة صمته، لكن قبل أن يلحق بها منعه أخوها.

زفر راضي بغيظ فشل في كتمانه: "وخر عن طريقي يا شاهين.."

لكن ذاك الشاهين لم يتزحزح عن طريقه، بل أعطاه نظرة جمع فيها الاستياء والازدراء والخيبة: "وعدت أبوي ما تضيم منال لما أخذتها، واللحين أخلفت بوعدك.. سواتك ذي كسرت كل طيب خاطر بيننا."

ألجمه رد ذاك، ليقف بصمت مشجون يراقب زوجته تخطو بداية بعدها عنه.

=
=
=

"بعد أربع سنوات"

=
=
=

أبعدت زبدة الفول السوداني عن متناول يد أختها التي كانت منشغلة في الحديث مع أبيها إلى درجة عدم ملاحظة ما كانت ستلتقطه.
تعودت كادي على ملاحظة كل ما سيضر بصحة لمار منذ الصغر حتى أصبحت أفعالها تلك كالغريزة، تفعلها دون وعي.

لم تستطع إلا الابتسام لمنظرها تتعب أبيها بالحديث، بمرآى أبيها يحاول بأقصى طاقاته أن يتبع مسار كلامها. في الواحدة والعشرين، وما زالت لمار تعيش بحماس وزخم طفلة.

كان هذا منهجهم منذ الأزل، هذا التجمع العائلي في بداية الصباح.

ما زال أبوها يتبع عادة أمها في الإصرار على حضور الكل لمائدة الإفطار، حتى بعد أن أضحت طليقته.

كل مرة تراه يحرص على روتين أضفته أمها إلى حياتهم تتساءل كادي، ما الذي جعله يتخلى عنها؟ ما الذي دفعه لإبقاء "تلك" جانبه، بديلا بلا لون في محل أمها؟ تناقض عجيب لا تستطيع إيجاد تفسير له.

"ذكرنا القط جانا ينط.."

دخلت زوجة أبيها بهدوء، تحييهم بتحية أهدأ، لتأخذ مكانها وتبدأ في تحضير شيء لها دون انتظارهم، ولم تفعل وهم لم ينتظروا حضورها مرة؟ ينتهون قبلها ويتركونها لوحدها.

(وشيء في ذلك أرضاها وجعلها تشعر بالضيق في نفس الوقت، لسبب ما).

كانت كادي آخر من سيخرج عندما سمعت صوت زوجة أبيها يستوقفها: "كادي.."

التفتت إليها بصمت، لتراها تمد إليها حقيبتها التي نسيتها على الكرسي الخالي جانبها، لتأخذها منها وتشكرها بجمود.

خرجت و"تلك" تبث فيها أفكارا تحيرها وتناقضات ترهق خاطرها.

حقا، لا تستطيع القول بأن زوجة أبيها إنسانة بغيضة. لا تستطيع قول شيء حيالها إطلاقا، فهي قليلة الكلام، لا تتدخل قط في شؤونهم. كانت أشبه بـ.. الضيف؟ نعم، الضيفة كلمة تصفها بحق.

ربما في ظروف أخرى، ربما لو لم تكبرها بقليل، ربما لو لم تكن بذاك الجمال الصارخ الذي ألهب خاطرها قهرا بكونه قد أغرى أبيها ليبتعد عن أمها، ربما لو لم تتسبب في طلاق أبيها من أمها، ربما لم تكن لتلك الضغينة التي تشعر بها حيالها وجود.

لكن هذا كان واقعها، فلم تزعج نفسها في الخوض في احتمالات أخرى؟

=
=
=

راقبت كبرى بنات صديقتها المقربة وهي تتحرك كفراشة بهية الطلعة أرجاء المجلس الأنيق، تقوم بضيافة ضيوف أمها على أكمل وجه، متجاهلة لتلك الأعين التي راقبتها بمزيج من الإعجاب والحسد.

شكرتها منال بود عندما قدمت لها فنجان قهوتها: "تسلم يديك حبيبتي.."

لتبادلها بابتسامة أكثر ودا قبل أن تناديها ضيفة أخرى.

رأتها منال مثالية للفكرة التي بدأت تدغدغ أفكارها مؤخرا، فربما ستكون هذه الأسيل بلسما لجراح أخيها من زواجه الأول. ربما ستكون عذوبتها ورقتها ما سينتشله من همومه التي يخفيها عن الكل.

حتى مع كثرة الطالبين لقربها رغم طلاقها، ليس لدى منال أدنى شك في موافقة أسيل على أخيها، فبفطنتها لاحظت منال شرودها وتلعثمها الخجول لذكره منذ سنين مراهقتها، وإصغائها للحديث واهتمامها التي حاولت صرفه كمحض تهذيب لسنين أخرى بعدها، وهاهي أسيل الآن في السابعة والعشرين، امرأة ناضجة ومالكة لأحد أكثر صالونات التجميل شعبية في البلد، بينما أخوها في الرابعة والثلاثين ومطمع الكثيرات.

تنهدت، تتذكر معضلتها..

فمن أين ستفتح موضوع خطبة أسيل وشاهين يتجنب الحديث عن أي شيء له علاقة بارتباطه مرة أخرى؟

=
=
=

نغزتها أختها الصغرى صفاء بابتسامة ذات معنى، تستغل لحظة انفرادهما في المطبخ لتغيظها: "أشوف الابتسامة شاقة الوجه، أكيد، ما أخت حبيب القلب من الحضور..!"

ضربتها أسيل بخفة على كتفها، وابتسامة بالغة الحبور لا تستطيع محوها مرتسمة على شفتيها. قد لاحظت نظرات منال المقيمة الراضية لها، وعرفت ما كانت تفكر فيه.

أيقظتها صفاء من غمرة أفكارها بقولها: "مدري وش اللي حادك على حب شاهين وابن عمه عبد الرحمن موجود."

نظرت إليها بامتعاض: "ومين اللي لعب عليك وقال إني سألتك عن رأيك؟"

هزت صفاء كتفيها: "بس من جد، صح إن اثنينهم مزايين ما شاء الله، بس عبد الرحمن يقولون متواضع وعلى نياته. شاهين لكن.. نظرة عيونه لحالها تحسس الواحد إنه ولا شي."

ردت عليها بدون اكتراث، تنطق بلسان حال قلبها الذي لم يجد موطنا إلا تجاه شاهين منذ الصغر: "الناس أذواق يا أختي.."

=
=
=

كعادته جالس في حوش البيت بعد رجوعه مع أبيه من صلاة الفجر، يقلب بين صفحات الجرائد المبوبة بحثا عن وظيفة يستطيع التقدم لها.
لم يعد سالم يقتصر على تخصصه في بحثه منذ فترة، وما زال لإحباطه خالي الوفاض.

جلست جانبه ابنه أخيه الأكبر شادية، تسترعي انتباهه بقولها: "ليه تنكد على نفسك بطاري الوظايف من صباح الله؟ استمتع بالجو الرايق قبل ما يقلب، فيه نسيم يرد الروح ذي الأيام."

تنهد والشجن يرتسم في ملامحه: "تعرفين ليه.."

انطفأ ألق ابتسامتها المشرقة وحلت محلها المواساة، تربت على كتفه: "إن شاء الله بتلقى لك شي قريب وترجع الأمور زي ما كانت وأحسن.."

قدر مداراتها له وابتسم: "الله يسمع منك.." نهض من محله يتمغط لينشط ينفسه، فأمامه يوم من البحث الطويل: "يلا أترخص، سكري على نفسك زين واتصلي علي إذا احتجتوا شي."

اعترضت: "تو الناس! بحط الفطور بعد شوي اقعد!"

ابتسم، كم ذكرته بأمه المرحومة في تصرفاتها: "والله ودي ما أفوت على نفسي أكلك اللي يلحس الواحد صحنه من وراه، بس سيارتي لساتها متعطلة ومالي إلا عوض يوصلني الرياض."

اكفهرت ملامح شادية بسخط: "كلها كم كيلو ويخليها قضية حقوق الإنسان.."

عوض كان الوحيد في قريتهم الصغيرة الذي كان يذهب للرياض بشكل يومي لأجل العمل. إنسان بغيض متمنن لا يعرف كيف انتهى الأمر بمصادقته. جعل من أمر أخذه معه شيئا يتفضل به عليه، يربطه بشروط تعجيزية، وليس كأن سالم لم يوصله مرات لا تحصى في الماضي.

يعرف أن عوض لم يكن ليوصله حتى دون وجود ذلك الهدف الذي يبتغيه، فهو قد خطب شادية منه سابقا ورفضته هي. لم يفته تلميحه وأسئلته، لكن حتى وإن خطبها مرة أخرى، فلن تقبل شادية به.

لم يكن لشخصه بالضبط، بل بسبب شرطها الذي وجده كل من خطبها تعجيزيا، عصيا عن التنفيذ.

ودع شادية وأقفل الباب على وقع دعائها له، وفور خروجه من البيت، وجد ناظره يتجه إلى البيت بجوارهم، يمعن في التأمل فيه كأنه سيستطيع رؤية من يبتغي قلبه رؤيته..

لكمة بالكاد شعر بها على كتفه أيقظته من بحر الذكريات الذي كاد يغرق فيه، ليلتفت ويرى عوض وملامحه الممتعضة: "وكل يوم على ذا الموال؟ لي ساعة أناديك!"

اتكأ بساعده على كتف عوض، مستغلا فرق الطول بينهما لإغاظته: "يقولون العوض ولا الحريمة، بس اللي يشوف وجهك على هالصبح بيختار الحريمة وهو مغمض."

أبعد عوض ساعده عنه بقوة، يرد بغضب مزمجر وهو يركب سيارته ليحذو سالم حذوه: "واللي يشوف صلع راسك ما يحتاج له مراية!"

اختفت ابتسامة سالم تماما: "للمرة الألف بقولك، فيه فرق بين صلع وإني أحلق راسي..!"

حقا، ما ذنبه إذا أحب أن يكون بتلك الهيئة؟

بين تذمر عوض من تأخيره له والطريق، انقضت تلك الساعة التي فصلت بين قريتهم والرياض. استوقفه عوض قبل أن ينزل في محطة وقوفه المعتادة: "عن بنت أخوك.."

قاطعه: "رضيت بشرطها؟"

استنكر: "طبعا لا! ما راح أنذل بين الرجاجيل."

هز كتفا دون اكتراث، فهو رغم عدم قناعته بشرط شادية، إلى أنه لن يجبرها على شيء ولن يكسرها وهو الوحيد الذي بقي لها مع أبيه المسن. وبأية حال، لا يستطيع تخيل عوض زوجا لابنة أخيه: "أجل ما لك نصيب عندنا.."

=
=
=

تنفس الصعداء عندما وضع أولى خطواته على أرض الوطن، كما أصبحت عادته منذ التحاقه بمهنة الطيران. مهما سافر ورأى، فلا شيء أفضل في نظره من العودة إلى المكان الذي ينتمي إليه.

في شروده بأفكاره، لم يلاحظ الوليد الشابة التي كانت تمشي مقابله ولا انشغالها بمكالمتها حتى حدث وتعثرت في خطواتها وسقطت عبوة المشروب الغازي التي كانت تمسكها من يدها، لينسكب محتواها على حذاءه وأسفل بنطال زيه الرسمي.

شهقت الشابة بصدمة، وظهر الارتباك في صوتها عندما اعتذرت.

رفع يدا ليوقف سيل اعتذاراتها دون أن يمعن النظر فيها، فقد لاحظ بطرف عينه مبالغة الشابة في التبرج: "ما عليه، حصل خير."

أكمل سيره بخطى متضايقة بعض الشيء من تسلل المشروب إلى جواربه. أتاه صوت زميل ضاحك في طريقه إلى أقرب دورة مياه: "أما شكلك طالع نكتة وإنت تمشي. ورى ما هاوشت البنت؟ فشلتك بين الناس!"

هز الوليد كتفا بابتسامة عريضة أصبحت جزءا من شخصيته: "وش أستفيد لو هاوشتها على شي ما كانت متقصدته؟"

حرك زميله رأسه بقلة حيلة: "ياخي إنت دوم ريلاكس، تخليني مشتهي أشوفك زعلان."

ضحك: "إذا كذا بطلع طاقات زعلي عليك!"

وبعد انتهائه من إصلاح أزمة حذائه وبنطاله ومن ثم قضاء إجراءته المعتادة، اتجه مباشرة إلى شقته.

تنهد عند دخول شقته الخاوية، فعلى عكس العودة إلى الرياض، لم تشعره العودة إلى شقته سوى بالوحدة والوحشة، فلا يوجد أحد يستقبله بكلمات الترحيب الدافئة.

عندها صدح هاتفه بالرنين، معلنا اتصال شخص كان مصدر عون له طوال السنة الفائتة، خاله من الرضاعة سامر.

ابتسم.

"كأنه كان حاس.."

=
=
=

-: "من جدك بتقبلي دعوتها؟"

ابتعدت لمار بالنظر عن العصير الذي كانت تشربه إلى صديقتها الصدوقة هيفاء، لتنظر إليها باستفسار: "قصدك شذى؟ مدري بس يمكن. البنت تعنت تدورني عشان تعطيني بطاقة دعوتها."

زفرت هيفاء بضيق: "من وين تعرفك أصلا؟ ومن متى نمشى في نفس الحلقات الاجتماعية؟"

افلتت منها ضحكة: "ذكرتيني بترانيم بنت خالتي بخرابيط الحلقات الاجتماعية ذي. عادي يختي وش فيها؟ حلو نتعرف على ناس جدد."

لم تبادلها الضحكة بل ازدادت ملامحها صرامة: "ماني مرتاحة لها، لا شكلها يطمن ولا كلام البنات عنها. إنتي ما تعرفين مصلحتك، يمكن بتلعب عليك وتورطك في شي!"

قطبت لمار حاجبيها بعدم رضا من كلام صديقتها: "ليه شايفتني عاجزة ولا ناقصة عقل؟"

بهتت هيفاء، مدركة لما قالته في غيظها: "ما كان قصدي.."

قاطعتها قبل أن تخلي لها الطاولة: "بروح لحفلة شذى، وهذا آخر كلامي."

فقط لاعتلال صحتها منذ الصغر اعتبرها الناس هشة، شخص يجب حمايته من كل شيء.

ربما لم تهتم للذهاب إلى الحفلة التي تقيمها شذى في بادئ الأمر، لكن بعد كلام هيفاء ستحضر عنادا لها.

=
=
=

عرف عبد الرحمن ما تصبو إليه أمه لحظة سؤالها عن شقته الجديدة. لم تكن أبدا راضية عن انتقاله خارج الملحق الفخم الذي كانوا يعيشون فيه في كنف بيت عمه عبد المحسن. عمه عبد المحسن الذي تكفل به وبأمه بعد وفاة أبيه وهو رضيع، يعامله معاملة الابن، مخصصا هذا الملحق لهما.

لكن أما آن له الخروج من كنف إحسان عمه، أن يقف على قدميه في طريق يصنعه لنفسه؟

تلك كانت فكرة لم تشاركه أمه فيها، بل اعتبرت كل ما حصلا عليه حقا يستحقان أكثر منه.

تساءل ماذا ستكون ردة فعلها إذا عرفت أنه بدأ يخطو خطواته الأولى في تأسيس شركته الخاصة والاستقالة من العمل لدى عمه. ستثور حتما.

أجابها بابتسامة راضية: "الحمد لله، أثثتها بالكامل خلاص. ننتظر حكمك عليها."

تنهدت أمه بضيق: "ما دام إنها من ذوقك فأكيد حلوة.." أكملت والقلق الصادق ينضح من عيونها، قد تزيف أمه الكثير، لكنها أبدا لا تزيف صدق حبها له: "أحاتيك يا ولدي، غصب عني."


قبل جبينها بحب، يحضنها بخفة: "لا تحاتين، أقدر أدبر عمري. خلاص صكيت التسع وعشرين وعجزت."

ارتخت ملامحها بابتسامة: "لو صكيت الستين لسى بشوفك صغير."

=
=
=

أتاها صوت أخيها الكبير جلال متذمرا بعد سماعه للائحة المشتريات التي كلفته أن يحضرها عند عودته من رحلة العمل التي يقضيها في الكويت: "أنا فاضي لك ولخرابيطك اللي ما تنتهي؟"

اعترضت ترانيم: "مو خرابيطي لحالي، سمية معاي."

-: "لا الصغيرة راحت فيها بسبتك، خربتيها! ما ينقص إلا سيف وتكمل."

ضحكت، ففكرة أن ينخرط سيف ذو السنين الاثنا عشر في أي شيء عدا عن الجلسات مع الجد عبد المحسن وألعاب الفيديو خاصته لا يمكن التفكير فيها حتى: "ذاك شايب ما ينخاف عليه."

سمعت صوتا ينادي جلال، ربما مساعد أبيها الذي كان يشرف عليه في غيابه: "سلمي لي على الكل. فادي هنا وشكله ناوي علي شر من تلكعي معاك."

ذكرته: "طلباتي لا تنساها!"

أقفل الخط عليها، لكنها تعرف أن جلال سيحضر لها كل ما طلبت. قد يكون جلال مغرورا ذا طيش يحكمه في انفعاله، لكنه أبدا لا يقصر معهم. ربما كان يدللهم أكثر من أبيها وأمها حتى!

=
=
=

في خضم قراءته لملف مريض، رأى عبد العزيز بطرف عينه تهامس طالبين مقيمين ومحاولة دفع أحدهما للآخر للتحدث معه. انتظرهما عبد العزيز دقيقة قبل أن يزمجر بالسؤال: "خير؟"

جفلا بجزع قبل أن يتشجع أحدهما ومن ثم يلحقه الآخر، يسألانه عن الحالات الأخيرة التي عمل عليها في قسمه.

رأى العجب يرتسم في ملامحهما عندما أجاب عن أسئلتهما بإسهاب، تاركانه بشكر جزيل قبل أن يعود لما كان يفعله.

قد يكون حاد الطبع سريع الغضب، ذا صوت خشن يبث الحذر حتى في هدوئه، لكنه أبدا لن يقصر في تقديم المساعدة للطلاب، فهو يذكر عندما كان في محلهم.

صفر هاتفه معلنا عن رسالة. كانت من أخته تجيب عن سؤال سأله في وقت مبكر من اليوم..

#لا البنت ولا أهلها ردوا خبر.. تبغاني أحاول فيها؟

اكفهرت ملامحه بضيق، يود لو يقول نعم، بأنه لا يريد حتى التفكير في احتمالية رفض تلك التي خطبها، لكنه رد على أخته بـلا.

=
=
=

استيقظ بشهيق جريح، ودقات قلبه تصم أذنيه عن كل صوت عدا تلك الخاصة بكابوسه.

رجاؤه اليائس البائس.. نظرة أبيه المتفطرة خيبة.. ذلك الألم المدمي للروح لسماع أبيه يقول له: "سود الله وجهك.."

كابوس؟ لا، بل ذاكرة تؤرق فكره. تهمة لم يستطع إثبات براءته منها، وربما.. لن يستطيع.

تنهد، متعوذا من الشيطان، يبحث عن الثبات في تمرير أصابع يده الباردة في شعره.

قضى فروضه وتجهز ليوم عمل جديد، ليرى أباه قد بدأ الاجتماع في وقت أبكر مما تم الاتفاق عليه. قال فور دخول شاهين غرفة الاجتماعات في فرع بنوك الجبر الرئيسي، دون أن يزعج نفسه من النظر بعيدا عن أوراقه: "تأخرت.."

ابتسم شاهين بتهكم متحد لكل ما يرمي أبوه عليه، يخطو بخطوات واثقة إلى مقعده. حتى وإن أظهر أبوه فيه زلة رغما عنه بتغيير موعد الاجتماع دون إعلامه، فلن يسمح بإظهار لمحة ارتباك له: "السموحة، حصلت لي ظروف أخرتني."

هتف أحد مسؤولو البنك جانبه بطيب خاطر وشيء من التملق: "عادي يا أستاذ شاهين، معظمنا ما كان له علم بتغيير الموعد وعجلنا له في الصباح!"

لم يفت شاهين تلك النظرة التي ألقاها أبوه لجهته قبل أن يستكمل، يسترعي انتباه الجميع: "وبخصوص المفاوضات مع بنك ويسلي البريطاني.. قررت تأكيدها.."

ذهب نظر أبيه إلى جهة ابن عمه الجالس جانبه، وعرف شاهين ما كان يهم بقوله قبل أن ينطق: "عبد الرحمن، بتترأس المفاوضات مع الوفد الزائر بعد أسابيع."

بدت على ملامح عبدالرحمن الصدمة والاعتراض، فالكل يعرف أن من اقترح هذا المشروع ووضع حجر الأساس فيه كان شاهين. لكنه في النهاية التزم الصمت ورد: "حاضر."

وكنثر الملح على الجرح، التفت له أبوه مؤشرا: "شاهين بيساعدك في التفاصيل.."

إذا هذه لعبة أبيه هذه المرة؟

صدقا، لقد تفوق على نفسه.

=
=
=

لم يفت عبد المحسن ذلك القهر المكبوت في نظرة ابنه، المخفي تحت بريق ابتسامته المعتدة الواثقة، يوافق بأريحية ظاهرة ومضض في الخفاء على الوقوف في الصفوف الثانوية في مشروع أجهد نفسه فيه.

تساءل إذا كان شاهين يظن أن وضعهما هذا يرضيه.

فلا والله، لا يرضيه هذا الوضع أبدا.

شاهين هو ابنه الذي طال انتظاره إليه، أصغر أبنائه، من رحلت عزيزته من الدنيا في سبيل إنجابه.

كان المدلل، كان الحبيب الغالي إلى قلبه. لم يرفض له طلبا قط.

ليأخذه طيش الشباب ورفاق السوء إلى خذلانه بأبشع صورة.

لا يدري كيف ظل يتنفس بعد رؤية شاهين، في التاسعة عشر من عمره، غائب عن الوعي في مستودع قذر، وأثر مزيج مرعب من المخدرات يجري في دمه.

لا يدري كيف ظل قلبه متماسكا أمام هذيان شاهين له في خضم علاجه، بمناجاته بأن لا علم له بما حدث، بأن ليس له ذنب، بأن يصدقه..

مضت خمس عشرة سنة منذ ذلك اليوم، منذ بذله الغالي في سبيل كتمان خزيه، وما زال جرح تلك الليلة السوداء ينزف، ما زالت خيبته تتجدد.

خيبته تلك كانت بقدر شاهين في قلبه، وقدره كان عظيما، عظيما بحق.


انتهى البارت..~

 
 

 

عرض البوم صور الفيورا  

قديم 09-12-17, 06:15 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2014
العضوية: 271387
المشاركات: 11,135
الجنس أنثى
معدل التقييم: bluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 13814

االدولة
البلدJordan
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
bluemay غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الفيورا المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: الأرواح تحت الأقنعة

 
دعوه لزيارة موضوعي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


ياهلا والله

حي الله إلفي منورة برجوعك يا قمر...

بتمنى لك التوفيق و تختميها ع خير وسلامة


لي عودة بتعليق لاحقاً إن شاء الله


تقبلي مروري وخالص ودي

 
 

 

عرض البوم صور bluemay  
قديم 09-12-17, 11:59 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,162
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الفيورا المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: الأرواح تحت الأقنعة بقلمي / الفيورا

 


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حيالله الحامل والمحمول
والف الف مبروك الفيورا مولودتك الجديده
واتمنى لها نجاح أكثر من سابقاتها
لي عوده للتعليق بعد القراءة إن شاء الله

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي  
قديم 10-12-17, 07:06 AM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Feb 2017
العضوية: 323711
المشاركات: 63
الجنس أنثى
معدل التقييم: فـــــرح عضو على طريق الابداعفـــــرح عضو على طريق الابداعفـــــرح عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 205

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فـــــرح غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الفيورا المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: الأرواح تحت الأقنعة بقلمي / الفيورا

 

ياهلا والله بداية موفقه ان شاءالله ونجاح اقوى باذن الله استمري فالجميع معاك ومع ابداعك

 
 

 

عرض البوم صور فـــــرح  
قديم 10-12-17, 09:06 AM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئة مميزة


البيانات
التسجيل: Feb 2017
العضوية: 323512
المشاركات: 74
الجنس أنثى
معدل التقييم: ندا المطر عضو على طريق الابداعندا المطر عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 181

االدولة
البلدSyria
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ندا المطر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الفيورا المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: الأرواح تحت الأقنعة بقلمي / الفيورا

 

حيا الله من جانا
دخلت للتهنئة عندما رأيت اسمك على القصة
اصبح لك محبين وجمهور ينتظر قصصك على احر من الجمر
متابعين معك عزيزتي ...

 
 

 

عرض البوم صور ندا المطر  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأرواح, الأقنعة
facebook



جديد مواضيع قسم الروايات المغلقة
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t205440.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 11-12-17 04:58 PM
Untitled document This thread Refback 09-12-17 07:17 PM


الساعة الآن 12:31 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية