لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-10-17, 04:01 PM   المشاركة رقم: 11
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Aug 2017
العضوية: 326765
المشاركات: 35
الجنس أنثى
معدل التقييم: Kindah عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 53

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
Kindah غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : Kindah المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: غريبة بجوارك

 

بسم الله الرحمن الرحيم
غريبة بجوارك
" كنت إلى جوارك قريبة .. غير أني كنت غريبة "
( الفصل الخامس )


لم تره منذ يومين منذ أكثر من يومين لقد كانت .. في شوق مندفع إليه شوق .. يشتاق باشتياق إليه قد انبعث .. من حلم ماض تحول .. إلى حب من النظرة الأولى إلى عشق بعد لحظات عشق ينمو عدد اللهفات .. إنها شيئا فشيئا تهيم به وربما .. أتى يوم ترى فيه جنونه عين الصواب .. لقد كانت في انتظاره وقد انتظرته طويلا حتى .. تناهى إلى سمعها أنه قادم .. كل شيء جاهز ماعداها .. لقد كانت بحاجة إلى بعض الوقت .. أرسلت الصبية لاشغاله واستعدت .. خرجن بعد أن أعددنها .. غمزن لها .. تمنيات وقبلات .. همسات وتشوف لمعرفة النتائج ليست كحجم خوفها وارتجاف أطرافها .. أتى شبه مخمور كأسه بيده .. ابتسم لابتساماتهن .. استغرب حالهن وقبل أن يبادر بادرن فدفعنه إلى الداخل .. الطريق المرصوف بالقواقع بالأصداف الندية برائحة البحر المنبثقة من الشموع المعلقة في السقف الذي .. تكدس بالنجوم تستمد ضوءها من ضوئها .. فرش رملية وكنوز عند الأطراف مرمية والقمر الذي .. تدلى فوق فاكهة ذهبية وكؤوس فضية فوق مائدة من ثمار البحر الشهية .. مشهد لم يكتمل وأنا له .. أن يفعل واللآلئ التي حالت بينها وبينه .. تود لو أن زمام أمرها كان بيدها .. أن تنفتل من خيطها الذي أحكم نظمها فتتدحرج أرضا .. تجري إليها .. كي تعانقها بشدة .. تمتص بريقها .. شبابها وربما اقتنصت روحها طمعا في الحصول على جسدها .. تلتف حوله .. تعالج كل بقعة مكشوفة منه .. تحنطه .. تتشكل به لتختفي بعدها داخل .. صدفة عملاقة مدفونة وسط أعماق الأعماق ..
يالها من لآلئ جشعة وياله ..
من حسن .. أعجب الجشع وجوده وأكمل الطريق المؤدي إلى غرفة أخرى .. مخترقا اللآلئ إلى الظلمة التي .. أبهجتها أضواء تسبح .. في جدول عج بأسماك صغيرة ملونة يحيط مغطسا .. من القرميد المشع الزاخر بأزهار برية .. صفراء .. بيضاء وزهرية .. العطر الفواح .. عبق الأرواح والتماس الارتياح قد .. تجسد فيمن اتكأت واسترخت الطرف البارز قد تهيأت .. صدرها المكسو بالأصداف .. ذيلها الذهبي الناعس فوق أحد الأطراف .. وحاشية جسدها التي نقشت بالقشور البراقة وامتدت حتى العنق وتجاوزت أرنبة أذنها وارتدت .. نحو الذراع بأكملها واستعدت .. مضت نحو الخنصر وعند الطرف حطت .. خجلها .. سكونها لما رأته والكلمات التي اصطفت أمامه كي ينطق بها ..
إنها ليلة من ألف ليلة وليلة ..
تروى كل ليلة ..
ترويها بلسانها وإن لم ينطق فبلسان حالها ..
حالها الذي يثير بصمته رواية ..
رواية تشتعل إثارة مع كل كلمة ينطق بها ..
ومهما علا صياح الديك ..
ومهما بلغت الشمس عنان السماء ..
فالظل الظليل لسحرها ..
لا ينتهي ..
بل يدوم ..
حتى تكتمل ألف ليلة وليلة ..
ويدوم ..
عضت اللآلئ أناملها كمدا وتنحى الجشع جانبا إكراما لها لمنحه .. فرصة عله يكون أهلا لها .. فما كان منه إلا أن .. اقترب منها سائلا بصيغة تهكم اشمأزت صنيعه بها: من أنتي يا حسناء؟
ــ بصوت عذب كابد حياءه ليخرج كالنغم: أنا حورية البحر التي .. تنتظر بصبر أميرها ..
ــ ولم أنت بانتظاره ..
ــ ناس ذيلها الناعس وانتغشت .. خصلات شعرها الذابل تداعبها مطأطئة بصرها خجلة منه أشد الخجل: أنا بانتظاره كي يحملني بين ذراعيه إلى الشاطئ كي .. يقبلني ويحولني إلى أميرة ..
أرخت هامتها تنظر إليه وبجرأة - لم تجد صداها لم تستطع إيقاف تجدد الران الذي يغشي بصره قلبه جوارحه كلما رآها - مدت أناملها نحو شفاهه تحثها على الإقبال وتغريها .. بأكثر من ذلك: لقد طال انتظاري حبيبي وأنا الآن في خطر .. فلم تعد المياه ترويني كما سترويني أنفاسك .. إقبل حبي وأقبل .. كن حنونا علي ولا تدبر ..
ــ تنظر إليها وإليه .. تلك النظرات التي .. خلعت ستر السماء جعلت .. قلوب العشاق التي اكتظت .. تتساقط نحو الأرض التي ارتجت تتهافت .. لتقبيل شفافها أو التنعم بقربها تلك .. نعم جليلة لا تنجلي لأي كان إلا أن .. نفسه العصية أبت فكان .. أيا كان .. أمسك يدها مستهزئا قائلا: آآآآآآآه .. يا للمسكينة .. إذن أنت بحاجة إلى أمير كي .. يحملك بل .. ويقبلك أيضا لتتحولي إلى أميرة .. قالها وهو يلوح بسبابته مأرجحا رأسه: ولكن .. من هو المغفل هذا الذي .. سيفعل لك ذلك كله؟ سؤال وقح من شخص .. تأثر بكل ما رأى إلا أنه .. وفي كل مرة يتصنع عكس ذلك بمهارة بالغة لا تترك أثر .. لم تجبه فصرخ بها .. معتصرا يدها معتصرا .. جرأتها والأمل الذي يرتجف داخلها: من؟ ــ أنت بخوف يترصده خيبة أمل أخرى ..
ــ آه .. نعم .. صدقتي .. وهل هناك أمير مغفل غيري هنا ومع هذا .. سأساعدك على النهوض وسأحولك .. دون الحاجة إلى تقبيلك .. حملها ثم ألقاها وسط المياه التي هاجت وارتجت .. سكب الخمر فوق رأسها وفاض الجدول .. بالزيت المندلق من المصابيح المعلقة وسط سفن الأضواء الصغيرة التي .. غرقت حال الأسماك التي طفت وسرعان .. ما اشتعلت النيران من حولها .. تلفتت فلم تجد مخرجا إلا أنها .. لاحظته كيف يبدو مستمتعا بالرغم من كل ما يجول في داخله من صراع عظيم .. بين الحق والباطل .. بطل سحرها الذي مرغ بالتراب وتحقق له ما أراد وفي تلك اللحظة بالذات .. فقدت قدرتها على النطق واستمات الصبر الذي كان يبلل ريقها من حين إلى حين وانكب .. هواها على رأسه في سلة المهملات يصحبه .. سيل عارم من الألم والحسرات ..نكست رأسها وتقرفصت في المنتصف .. تلبد الدخان وتطاول الألسنة في البنيان وضحكاته التي نستشف من خلالها إحساسه الشديد بالندم ذلك الإحساس الذي .. كان مختصرا حول بقعة معينة لم يتكبد عناء الرحيل إلى بقعة أخرى تكاثفت الخيبات فوقها واندست .. بين الضلوع تعتصر القلب الذي كان مثغما بالفرح قبل مدة .. هتن الدمع فو ق الأوجان التي .. تناثرت أعلاها ذرات الرماد .. وانحسر صوت كالنغم ولم يعد .. لذلك القلب أي أمنيات .. كان بانتظارها أن تخرج ولكنها .. لم تفعل فهمها الثقيل أقعدها والجو الخانق أحكم خناقه حول رقبتها والسم الذي .. أخذ بعنف يستشري هاهو .. ماثل في سوق الحياة يشتري .. آخر نبضة من نبضاتها .. لم يعد باستطاعته رؤيتها وقد حال الدخان بينها وبينه .. فز من مكانه وأسرع إليها .. بعد أن تآكلت الستائر ووقعت أجزاء كبيرة منها حيث هي وحملها بعيدا.. يتلمس طريقه عبر الدخان .. القلب المدعي تحجرا وغرورا نراه .. قد لان قد رضخ بعد جهد جهيد للواقع المرير الذي صنعه بها - لسعات النيران وذيلها الذهبي الذي احترق والضوء الباهر الذي انخمد فتيله لما ولج - حاول إيقاظها دون فائدة أصابه الجنون بحق هذه المرة .. من المحتمل أن يجلب الأذية لغيره ولكن أن يتسبب في موته .. ذلك لا يعقل .. ارتعدت بواطنه التي جعلت .. تنبش ذكريات الماضي بعنف .. تلك الذكريات القليلة التي جمعت بينهما فاتقدت عيناه بالدمع يهزها صارخا فيها: استيقظي استيقظي .. لم يكن .. حال المنادى عليه بأسوء حال من المنادي فنداءاته ومحاولاته .. لم تزد الوضع إلا سوءا فجسدها العليل .. يزرق وهناك صديد يسيل من أذنيها .. أبعد يده وتراجع إلى الوراء .. تخبط أرضا وهو يجري نحو الباب الذي .. فتح فالغرفة كانت تحترق دون إحساس منه أو شعور فهواجسه التي .. تحولت في لحظة إلى مخاوف جعلته .. يندس تحت جنح اللاوعي عله يفلت مما ألم به .. اندفع الجند والصبية إلى الداخل وتجمهرت الوصيفات عند المدخل .. حملوه وحملوها خارجا .. تركوه وأسرعوا بها إلى المشفى الخاص بالقصر فلم تكن بحال يسر الناظرين .. هناك من ينظر إليه يستسقي منه إجابة على تساؤلات عديدة من أفواه لم تكل حتى كلت .. فبصره الشاخص وفمه الفاغر وهيئته التي لا تبشر بخير .. تنذر بجنون حقيقي هذه المرة ..
أبان .. لقد ضاعت كل فرصك .. هل سمعتني؟ لقد انتهت هذه المرة ..

علم الأبيض فاستشاط غضبا وكاد قلبه النابض باسمها أن .. يقف ردة فعل مغايرة للملكة التي .. فرحت أشد الفرح ونازعت .. حزنها نزعا فاقتلعته من جذوره .. أمر الجند حالا بأن يبحثوا عنه ويعيدوه إلى الدهليز ذاك شرط ألا .. يخرج منه أبدا هذه المرة .. لم يعد يخشى شيئا لا نورهان وقد .. كان يبقيه إكراما لها قبل أن تلج أخرى إلى قلبه لا .. قومها الذين لا يتجاسرون على هز عرشه وقد .. قويت شوكته أو كندة التي .. إن كتبت لها الحياة فمن المؤكد أنه .. آخر شخص تود سماع اسمه أو رؤيته إلا أنه .. لم يكن في أي مكان .. لقد هرب.

يومان كاملان وكندة .. تنازع والأطباء في حيرة من أمرهم .. إنهم النخبة ومع هذا .. فهم عاجزين عن إنقاذها واستخراج السم منها .. أوصلوا للملك الخبر المفجع بأنها .. تحتضر وقد تفنى في أي لحظة كما نقلوا إليه .. استغرابهم شأن مقاومتها للموت وهو .. جاثم فوق أنفاسها ربما أن .. هناك أسبابا أخرى تدعوها إلى البقاء تمدها .. بالقوة لدفع شبح الموت عنها بضع خطوات.

يوم آخر مر مرا على البعض .. هنيئا مريئا على البعض الآخر .. فرح في فرح وشدة في شدة وكلما .. اشتدت الشدة أتى الفرح وكلما .. علت الفرحة كانت الشدة .. أتت الممرضة التي .. كانت تراقبها على عجل تحمل بيدها ورقة كتب على سطحها بخط أحنف متقطع مبتور أحرفا تحاول جاهدة أن .. تتصل لتصل بمضمونها إلى قارئها وبعد عناء وتدقيق .. كانت المفاجأة التي .. أيقظتهم وأشارت إلى سبب كان غائبا عن أذهانهم ..
" أبي "
نعم .. لم كان هذا السبب غائبا عنهم .. إنها بلا شك .. كندة ابنة موسى شيخ العطارين .. من يستطيع نسيان هذا الاسم الذي .. ذاع صيته ولاح حتى .. عارك صداه الصدى الساكن قلب الوديان وأرواح كالألواح وحالا .. أرسلوا إليه من يشرح له حالها دون ذكر اسمها خوفا عليه أن يهلك وهو شيخ كبير .. ليلة أخرى وأنفاس لم تعد أنفاس ودقات هاهي تعرض نفسها مجددا بثمن بخس حتى أتى البشير حاملا الخبر الشافي .. محيلا العرض البالي .. موسعا دركات الأمل .. فطنة موسى وخبرته العريقة حملت العلاج إلى ابنته فلذة كبده كندة وهو لا يعلم .. إنه سم فتاك لأفعى تدعى .. "نافث" تسكن جوف البراكين نادر وجودها أخبرهم .. أن يستعدوا فهذا السم لن يخرج دون عراك .. ناولوها العلاج .. رعاية فائقة وعناية شديدة بأمر من الملك نفسه ويوما بعد يوم .. هاهي كندة تستعيد شيئا فشيئا عافيتها ..
إنها تتحسن وستصبح أفضل بعد عدة أيام.

أسبوع كامل ولا تزال قابعة في غرفتها المظلمة حالها وهي صامتة .. هائمة بأفكارها .. مشاعل تشتعل .. غم وهم كلما .. تذكرت ذلك اليوم والآثار التي كانت ولازالت ..
هناك من يأتي .. للاطمئنان عليها .. للتحدث معها ..
الملك .. الصبية .. الوصيفات ..
تتحدث قليلا .. إجابات مقتضبة إلا أنها .. وفي كل مرة يذكر فيها اسمه .. أبان ..
تصمت ..
تشيح ببصرها بعيدا ..
يغشيها الألم والحزن ..
تتذكر ..
حلما كان ذات يوم سببا لرسم ابتسامتها ..
استحال ..
كابوسا ..
سرقها وهو يبتسم ..

يومان آخران واستحال القصر هو الآخر إلى .. كابوس مريع جثم على قلوب الكل .. لقد استدعى الملك حاشية القصر كلها من حرس وخدم ووصيفات وصبية ما عدا كندة .. ثلاثمئة شخص إلى القاعة الكبرى وأوصد الأبواب .. حمل كل واحد منهم كأسا من الماء واصطف جانبا .. بأمر من الحاجب الذي تكلم في النهاية صادحا بصوته: خمس كؤوس تحمل سما تهد جملا في لحظة .. فمن خشي على نفسه فليتحدث .. من دس السم في كأس كندة صفية الأمير أبان؟ .. ثم حمل كأسه واتخذ مكانه حاله حال الجميع .. الملك في انتظار جواب .. والملكة قد شيعت وصيفاتها بنظرة خاصة .. نظرة رجاء ألا يفضحوا أمرها .. إنها ليست من يحمل الموت بيده مسترخيا فوق عرشه عكسهن .. حاولن التحمل باسم الولاء والبراء .. تحملا انقطع إذ لم ينفع الرجاء واختيار الملك العشوائي .. جعل أحدهم يسقط ميتا ..ببرود تام ودون أن يطرف له جفن أشار بصولجانه إليهن .. تصببن عرقا .. ارتجفن هلعا وشفاههن .. لم تعد بعد قادرة على صد نداء الرحمة الصادر من أرواحهن .. كن على وشك النطق باسمها حينما .. نهضت وتوجهت بقامتها الطويلة إليه .. دنت من أذنه ثم همست إليه:
لم كل هذا الإرهاب لكل .. تلك الضمائر المعذبة وأنت .. تعلم يقينا بأنها .. أنا فإن كنت لا تعلم فها أنا أخبرك .. إنها أنا فتوقف وأرسل خلفي .. من يأتيني بكأس .. مترع بالسم .. أتجرعه أمامك وحدك كي .. يهنأ بالك أخيرا وترتاح .. نهضت لتعود مجددا: فإن كنت تتساءل فقد .. فعلتها لأني .. أمقتك بل .. أمقت بشدة .. ذلك الرمد اللعين الذي فارقك وقد .. كنت تراني حينها .. قالت ذلك ثم غادت .. غادر الجميع بعدها.

استرخت الملكة فوق أريكتها المخملية تستعد نفسيا تنتظر بتوتر شديد .. عقابها الآتي لا محالة .. كانت هكذا حينما .. ورغما عنها بل .. ودون إحساس منها .. تناثر دمعها فوق خدودها التي جفت .. تدمي لمرارتها جروحا لم تجف بعد بل .. هاضت كمدا واهضلت .. أول لقاء .. أول لمسة بل .. أول مرة نظق بها وسحرت به وبها .. لا تزال تبتسم وهي تتذكر .. اسما تذبذب رنينه بقدومها ولن .. يكون له أثر عما قريب .. باختفائها: نور .. أنت نوري .. كان هذا حال نورهان أما الأبيض فبالرغم من علمه المسبق بأمرها فقد .. أغاظه بشدة ما قالت وجرأتها .. أرسل من يخبرها أن تبقى حبيسة غرفتها حتى يأذن لها وآخر .. يأمر كندة أن تأتي لزيارته كي يصفى ذهنه وتسلى روحه .. كان الخبر صاعقا عندما علم أنها هي الأخرى .. قد ضربت بكونه الملك عرض الحائط لتخرج من دون أخذ إذن منه .. اضطرمت نيران غضبه فوق الضرم التي أخمدت للتو .. أمر الجند .. حرس القصر .. فيالق الجيش ألا يتركوا شبرا واحدا .. فصا صغيرا إلا ويبحثوا فيه .. يريدها اليوم أمامه اليوم وإلا .. أرسلوا جميعا إلى حيث الجحيم ..
طال بحثهم واستمر لساعات ..
ــ استأذنه أحدهم: سيدي ومولاي .. أعتقد بأني أعلم أين هم؟
ــ هم .. من تقصد؟
ــ سيدي أبان وصفيته ..

توغلت كندة داخل الغابة المسحورة تبحث عنه .. علمت من إحدى وصيفاتها أن رأسه مهددة بالاقتلاع بسببها فآثرت إنقاذه .. إرجاعه إلى القصر معها وطلب المغفرة عسى أن يغفر له على أن تحمل ذنبه طيلة العمر .. كانت تخطو بحذر تناديه بصوت خافت يعلو تدريجيا حتى إذا ما نادته بصوت مسموع " أباااااان " .. تفاجأت بالطيف العاشق أمامها .. متوهجا بلون الحب قلبا وقالبا .. مصطبغا بألوانه .. منفعلا لذاته وأسبابه .. مد وجهه .. أطرافه .. لقد عادت إليه .. هذا ما آمن به وارتاح له إلا أنها .. ما انفكت حتى ابتعدت سائلة: أبان .. هل رأيت أبان؟
ــ تبدلت سحنته واكفهرت ألوان جسده .. بصوت متشرذم مدقع بالأسى: ألم تعودي إلي!
ــ ساءها حاله أجابته متعاطفة معه: أعتذر .. فقد جئت بحثا عنه ..
ــ وما حاجتك به لشخص دائم الهرب منك .. لا رغبة له مطلقا في البقاء بقربك .. لقد أصابها في الصميم فحقا والحق يقال .. أن بقاؤها بقربه .. لم يجلب لها سوى التعاسة والمزيد منها وأردف قائلا: إن منحتني حبك فأعدك أن أجعل منك أجمل طيف سكن عالم الأطياف .. أعدك .. سنعيش بسعادة معا إلى الأبد ..
ــ لم يطل صمتها: لا أعتقد ذلك .. فهذا القلب المجنون أشد جنونا من جنون أبان نفسه .. إن حجم كرهي له ..لا يوازي حجم حبي له .. إنه يفرض علي أن أتبعه طواعيه .. بمنحه الفرصة تلو الأخرى .. أعلم أنه يجرني نحو الهاوية غير أنه .. لا طاقة لي في ردعه ..
ثارت النيران في ذيله واحمرت إلا أنها .. سرعان ما انطفأت تدريجيا حتى خمدت حينما .. تراجعت إلى الوراء خوفا منه وكادت أن تتعثر .. هز ذيله يمنة وشمالا كالجرو الصغير وهو يبتسم لتطمئن قليلا فلما فعلت .. سألها أن تثق به أن تغمض عينيها شرطه الوحيد لنقلها حيث أبان .. فتحت عينيها .. إنها لا تزال في البقعة ذاتها ما عداه .. الطيف الذي .. لم يترك أثرا لزواله اللهم إلا .. سهما فضيا يشير إلى بقعة أخرى مضيئة .. لما ولجت .. وجدته مستندا مكتفا ذراعيه خلف جذع شجرة أوراقها .. كحال كل الأوراق هناك .. ألوانها في تبدل دائم وأغصانها .. تتمايل بهجة وانشراح .. كان هناك مستندا مبتسما متأملا عرس أحد الأطياف .. مخلوقات غريبة .. مراسيم عجيبة لم يستنكرها بتاتا بل .. أحبها هذا ما دلت عليه هالته ومحياه .. أحس بوجودها فالتفت إليها: كنت بانتظارك .. أمسك يدها وسار بها ..
ــ أبان .. إلى أين؟
ـ توقف مجيبا بتفاؤل: إلى هناك .. لنعقد قرانا جديدا .. لنصنع عرسا جميلا كتلك الأطياف ..
ــ مالذي جرى لك؟
ــ لقد أفقت .. هذا ما جرى لي .. اختبائي هنا لبعض الوقت جعلني أدرك .. بأن الجنون الذي كنت أدعيه لم يكن إلا بسبب الحب الذي كنت أصده .. لقد أحببتك مذ رأيتك واعتقادي .. بأني لا أستحق هذه الكمية الوافرة من الحب .. زاد غضبي فارتفعت حدة جنوني .. ثقي بي .. لن أتركك بعد الآن وأرحل .. لقد قررت البقاء هنا إلى الأبد .. لنعش بسعادة معا إلى الأبد .. أليس هذا ما ترغبين به أيضا .. هزت رأسها وكل ما فيها يدعو إلى الشك والاستغراب .. اكتنف وجنتيها براحة كفيه واستطرد قائلا بفرحة تعلوه: أحبك .. أريد أن أسمعها تصدر من فمك .. أنعمت النظر إليه تفتكر .. تتساءل " أين قرع الطبول كلما اقتربت .. أين حرارة جسدك التي أشعر بها مهما ابتعدت .." لم ينتظرها أن تنطق بها ومد شفاهه لتقبيلها فسألته .. مقطبة حاجبيها: من أنت؟ توقف لبرهة أكمل بعدها .. بدا مستعجلا همه .. إكمال ما أهمه لتدفعه .. بعيدا عنها بعد أن قاومته لبعض الوقت: من أنت؟ أنت لست أبان .. وفي اللحظة التي صدته بها .. اختفى الحضور .. صوت المغنيين .. تمايل الأغصان والضوء البهيج الذي كان يعم المكان .. بدت أطرافه فعاتبته قائلة:
أيها الطيف .. لقد وثقت بك ..
ــ متخاذلا خجلا من فعلته: لقد كنت أحاول الحصول على قلبك ..
ــ بل كنت تحاول سرقة ما ليس لك بحق ..
ــ أتمنحين قلبك لشخص تعلمين علم اليقين .. أنه سيؤذيك ..
ــ لا بأس .. فأنا سأتألم به ومن دونه .. أليس هذا هو الحب ..
ــ نعم بكم من الإحباط عكر ألوانه: إنه الحب .. أصدق كلماتك فهذا .. ما أشعر به وأراه وبحماس مصطنع فضحه .. عدم تبدل حاله: حسنا إذن .. سوف أمنح هذا الشقي فرصة أخرى لعلمي .. بأن سعادتك لن تكون إلا معه ولكن حذار .. إن عدت مرة أخرى للبحث عنه فإني أعدك .. أعدك بأني لن أدعك ترحلين كان قلبك لي .. حينها أم لا .. هدأ قليلا ثم أردف قائلا: سأشتاق لك .. ابتسمت فأكمل فرحا: هذا ما كنت بحاجة إليه كي أرحل .. غمرته ألوان الحب مجددا .. اشتط لهيب ذيله الأحمر .. توهج خليط بدنه فأزهر .. اندفع نحوها فرحا .. سكن جسدها لثوان ثم وخب عاليا نحو السماء منتزعا أحزانها .. غضبها .. حروقا أصابتها .. مخترقا أغصان الشجرة العظيمة التي كانت تظلها .. تحولت ثمارها إلى أجراس جعلت تهتز تعزف بجرسها نداءا إلى العربة التي حطت .. خيول مكسوة بالنجوم تجر مركبة صنعت من الغيوم .. فتح الباب .. تقدم البواب .. حصان بحر يعتمر عمامة سندسية يتوشح مهدورة براقة يمنية طمأنها .. بعد أن أخبرها بأنه مكلف من قبل سيده أن .. يأخذها إلى حيث أبان .. صهلت الخيول وبدلا .. من أن تصعد بها إلى السماء قفزت .. إلى الأسفل نحو النفق المظلم الذي لاح أمامها .. الظلمة حالكة إلا أن النجوم التي .. كانت تتطاير في كل اتجاه كلما .. دكت الخيول الأرض بحوافرها .. أضاءت تلك العتمة .. وزينتها .. كانت تجري تشق طريقها عبر مشاهد حية .. تعكس ماضيها .. الحاضر والمستقبل .. طفولة كندة .. ضحكاتها .. تغريد طائرها .. حلمها الجميل .. لحظات من الماضي تعج بالسعادة .. حاضر يغص بالآلام .. يستنزف البسمات .. يبتلع النسمات .. ينثر الملح فوق الجروح ولا يبالي .. صوتها تنادي .. تصرخ تستنجد .. أبان الذي .. يظهر في أحد المشاهد .. محشورا في زاوية محاطا بقاني فارغة .. تفوح من حاله رائحة الموت بل بدا .. وكأنما قد فارق الحياة .. قاربت الرحلة على الانتهاء .. أخذت الغيوم تنقشع تدرجيا وكذلك .. النجوم التي تناثرت في الهواء فلما .. بلغت الوجهة تفاجأت بنفسها .. جالسة فوق جذع شجرة .. تلفتت حولها لتجده جالسا أمامها .. على مسافة منها فوق صخرة قرب بحيرة تكتنفها .. أشجار الكرز التي يدعو تصرفها الغريب إلى شيء من العجب فهي .. ما أن تزهر حتى تجف أوراقها .. تتساقط .. تتعرى أغصانها .. يولد الزغب .. يبتهج غصنها .. تتكاثف أوراقها ويبتسم الزهر ليتساقط من جديد في دورة لا تنتهي جعلت .. تلك البقعة في حد ذاتها أعجوبة .. ظلت جالسة ترمقه.. لم تتجرأ على الاقتراب منه أنه .. خوفها منه الذي لم يزل .. أن يكون اقترابها .. مدعاة لأذيتها وقد اتضح لها .. المرة تلو الأخرى كم أنه يهوى ذلك وربما يعشقه ولذلك نراها .. وقد التزمت مكانها حتى الوقت الذي استطاعت فيه مواجهة خوفها .. بحذر تقدمت .. انعكست صورتها على سطح الماء .. لم يصدق كونها على قيد الحياة فبعثرها إلا أنها عادت لتزيل شكه قائلة:

كان هذا هو الفصل الخامس ..
لا تحرموني من ردودكم وتشجيعكم ..
دمتم بصحة وسعادة حتى موعدنا القادم ..

 
 

 

عرض البوم صور Kindah   رد مع اقتباس
قديم 05-10-17, 05:41 AM   المشاركة رقم: 12
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Mar 2011
العضوية: 218827
المشاركات: 147
الجنس أنثى
معدل التقييم: الخاشعه عضو على طريق الابداعالخاشعه عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 172

االدولة
البلدFalkland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الخاشعه غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : Kindah المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: غريبة بجوارك

 

ما شاء الله 😍جميل ما تكتبين....لغه فصيحه سلسه وحداث متتابعه تدخلك في دوامه لا تنتهي الا بنهاية البارت
مع العلم اني ما أقرأ القصص اللي فيها خيال ....لكن للامانه الروايه جذابه
كنده العاشقة المعمي على قلبها....وأبان مابين الجنون وادعاء الجنون لاني اتوقعه مجنون رسمي
ابيض ونورهان وافقه شنا طبقه....اتمني يرجعون زي قبل
اتوقع النهايه قريبه... الله اعلم
الله يعطيك العافيه👍

 
 

 

عرض البوم صور الخاشعه   رد مع اقتباس
قديم 05-10-17, 11:28 AM   المشاركة رقم: 13
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Aug 2017
العضوية: 326765
المشاركات: 35
الجنس أنثى
معدل التقييم: Kindah عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 53

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
Kindah غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : Kindah المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: غريبة بجوارك

 

الخاشعة .. مشكورة وايد على هذا الرد الجميل الذي أثلج صدري .. كلماتك شجعتني وايد خلتني أطير لبعض الوقت .. النهاية قريبة والأحداث القادمة أتمنى أن تثير اعجابك كما عهدتها .. تسلمين يالغالية ..

 
 

 

عرض البوم صور Kindah   رد مع اقتباس
قديم 11-10-17, 01:54 PM   المشاركة رقم: 14
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Aug 2017
العضوية: 326765
المشاركات: 35
الجنس أنثى
معدل التقييم: Kindah عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 53

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
Kindah غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : Kindah المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: غريبة بجوارك (تم إضافة الفصل السادس)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

غريبة بجوارك
" كنت إلى جوارك قريبة .. غير أني كنت غريبة "
( الفصل السادس )


سيدي .. هلا عدت معي ..
ــ استدار .. حاول لمسها فابتعدت ولو لم تكن هي ما فعلت فوحدها التي .. ستبتعد عنه اتقاءا لشره: ألا تزالين على قيد الحياة .. يالك من امرأة شقية .. إنك أسوء من قطة ومع هذا .. فالحمد لله .. لقد كان حملا ثقيلا أزحته عن كاهلي وبوقاحة .. عاد إلى ما كان عليه دون أن يعتذر أو يبدي ذرة ندم ..
ـ تعابير وجهه التي طغى عليها الجمود والوجوم .. شحوبه .. رداءة حاله جعلها بشكل من الأشكال تتعاطف معه .. شعرت بأنه يخفي ألمه .. إحساسه بالندم ورغبته بالاعتذار بين هذه الكلمات: عد معي واطلب المغفرة ..
ــ كيف علمتي بهذا المكان؟ ــ لقد كنا معا في المرة السابقة ..
ــ حقا .. ــ نعم ..
ــ اممم .. وأنا الذي كنت أظن بأني أحلم .. قالها وهو يهم ناهضا .. خلع ملابسه فأعرضت عنه نحو الجهة التي بدت .. وكأنها مدرج عرض .. حوريات وجنيات يسلبن القلب منك قبل البصر لم .. يعرضن ولم يصرفن عنه النظر .. عادت فجلست حيث كانت تنتظره ريثما ينتهي لتكمل معه بقية الحديث .. تفاجأت بقدوم أرنب عملاق قرمزي اللون .. عيون ذهبية وقرون فضية .. التقط بفمه الضخم هندامه وهرب قافزا .. نحو مجمع المعجبات .. أحرقنه في لحظة ثم .. ملأن جيبه بكمية هائلة من الخضراوات .. احتارت في أمرها .. إنه على وشك الانتهاء ويهم بالخروج .. لن تستطيع الاقتراب منهن ولكنها .. حتما لن تسمح لهن بالاستمتاع أكثر على حسابها .. هذا ما أقرته ومن أجله تحلت بالشجاعة ..
ــ أسرعت إليه .. أوقفته: لقد سرق هندامك .. ــ من سرقه؟
ــ خشيت ألا يصدقها ومن ذا الذي .. سيصدق أن أرنبا فعل ذلك: أحدهم وهي تحوم بطرفها يمنة وشمالا ..
ــ إنه أنت .. فليس هناك غيرنا .. هيا أخرجيه والا خرجت لك عاريا ..
ــ طلبت منه الانتظار بهلع: لقد كان أرنبا ..
ــ همس مبتسما: لقد فعلها ثانية إذن صرح بعدها قائلا .. متلاعبا مجددا بشكل فظ بأحاسيسها ومشاعرها: وأنا لأرنب فعل ذلك .. أنت كاذبة وهم بالخروج ..
ــ بشدة ألزمته غرزه: لقد كان أرنبا ضخما قرمزي اللون هرب بهندامك إلى هناك .. ألا ترى ما أرى .. تلك المخلوقات العديمة الحياء أحرقنه وبلهجة أشد سخطا أكملت: وسواء صدقتني أم لا .. فالحقيقة أنه لم يعد لديك ما ترتدي .. فخذ عباءتي وكفى ..
ــ مبتهجا لغضبها مصرا على استفاضة المزيد منه: هيه رويدك .. أنت صفيتي وأنا سيدك .. من يعطي الأوامر هنا .. هو أنا لا أنت .. فهلم إلي هيا وألبسيني إياه وإياك ومجادلتي وإلا .. ضربت بكلماتك عرض الحائط وخرجت ففي النهاية أنا .. لست سوى مجنون .. أستطيع فعل ما أشاء دون خوف أو ملامة أليس كذلك؟ .. ظلت واقفة تفتكر في حالها صامتة " إلى متى سأكون مطية جنونك؟ " .. واستطرد قائلا: ألا يهمك أمري .. أترغبين حقا .. أن أخرج عاريا أمام هذه المخلوقات العديمة الحياء .. حسنا إذا .. هم فهمت .. تنهدت طويلا ثم نزلت إلى الماء .. تقدمت قليلا فتراجع قليلا .. تقدمت أكثر ليتراجع أكثر فأكثر بابتسامة علت محياه ببغض ازفرت له أساريرها حتى إذا .. ما بلغت المياه أوج عنقها ولم يعد باستطاعتها التقدم أكثر .. توقف مقتربا منها .. شملته بعباءتها فلما انتهت .. استدارت .. منعها إذ أحاطتها ذراعيه بشدة وألصقتها به .. بش في وجهها الذاهل عابثا كعادته: ما رأيك .. لنمت معا؟ لم ينتظر ردها وسمح للقاع أن .. يستقطب جسده .. جسدها رغما عنها إلى الأسفل حين تخلى .. عن رغبته بالحياة .. كندة التي .. تنظر إليه مذهولة .. تخاطب ابتسامته السخيفة .. تصرفه الأرعن واستجابتها الحمقاء له .. بوابل من اللوم من الندم والحسرات .. نراها تكتم أنفاسها .. تحاول الإفلات من قبضته التي يبدو أنها .. تستمد قوتها من رغبتها المستميتة للبقاء فلما .. استنفدت كامل محاولاتها ولم تعد قادرة بعد .. أطلقت العنان لرئتيها أن تروي ظمأها أن تمتلئ قدر ما شاءت .. طعم الموت الراصد عند بابها باستمرار إلا أن المفاجأة كانت .. أن أنفاسها جعلت تجيء وتذهب بشكل طبيعي .. التفتت سريعا إليه .. محتفظا بابتسامته التي باتت أعرض مبرزة غمز شدقيه .. هز رأسه ثم جعل ينظر حوله وكأنه يدعوها إلى ذلك .. مخلوقات فضولية كرأس الدبوس تمتطي .. أصدافا تحمل أضواء أتت تداعبهم ترحب بالقادم الجديد .. أزواج القناديل التي غمرت الأجواء بألوانها الزاهية .. برقصاتها بصوتها المحبب اللطيف .. أسماك البحيرة التي .. تصطبغ ألوانها بلون شعبة المرجان التي خرجت منها .. سلاحف بلون الماء وتيارات تحمل فقاقيع الهواء وأشعة القاع الساطعة تخترقهم بلطف نحو السماء وأسرار البحيرة التي .. كشفت اللثام عن خباياها دون مخافة أو حياء وكندة التي .. بدت مستمتعة شعرت .. بأن ما يجري حولها هي طريقته المثلى للتعبير عن أسفه وتقديم اعتذار .. أرخت وجنتها على صدره لما .. أحست بالأمان واستسلمت لذراعيه .. لحظات جميلة جمعتهما معا انقضت لما صعد بها إلى الأعلى فالوقت المسموح لهما بالبقاء يوشك على الانقضاء .. إنها ليست مرته الأولى هنا ذلك واضح جدا من تصرفه .. صدم عندما .. اصطدم قحف رأسه بالجليد الذي تكون دون معرفة سابقة منه بل إن الصدمة الحقيقية كانت .. شرك البحيرة المخفي عن العيون .. قاعها الذي فتح يسحب بقوة إعصار كل شيء في طريقه .. ليست تلك عادتها .. لابد من وجود سبب ما .. ربما أنها طريقتها في التنظيف .. مبرر منطقي لاختفاء مخلوقاتها .. إنها تصر إصرارا ويصر إصرارا على الهرب وإنقاذ كندة إلا أن الوضع يزداد سوءا .. سطح الجليد الذي يتضاعف أضعافا كلما حاول تحطيمه .. فم البحيرة الذي يزداد اتساعا كلما قاوم أكثر والمياه التي .. بدأت تغزو أنفاسهم شيئا فشيئا .. إنهم هالكون لا محالة .. هذا ما اعتقده أبان الذي .. حاول أن يندفع لمرة أخيرة بقوة نحو الأعلى بل هي القوة المستمدة من خوفه عليها .. لقد أراها هذا العالم .. ليقدم اعتذارا لها لا لتقديم تعازيه .. وفي اللحظة التي اندفع بها مجددا تحطم الجليد حطمه .. أرنب عملاق قرمزي اللون .. عيون ذهبية وقرون فضية .. قضم إزاره وانطلق بهما خارجا إلى بر الأمان .. قفز عائدا نحوهن .. أكرمنه ثم اختفى .. هدأ قليلا ثم أسرع إليها يتفقدها .. إنها أسوء حالا منه فلا أثر هناك لأي نفس أو حركة .. حاول دفع الماء الذي ابتلعته خارجا .. حاول وحاول حتى استجابت أخيرا لمحاولاته .. جعلت تسعل بشدة حتى إذا ما هدأت .. سقط قربها كالمغمي عليه .. ظلا قرب بعضيهما صامتين لبعض الوقت أما أبان .. فقد أغمض عينيه ليرتاح وأما كندة التي كانت ترتجف .. فقد تقرفصت تستجلب الدفء إليها بضم أطرافها:
اقتربي فأنا أشعر بالبرد ..
يا إلهي ..
في مثل هذه الظروف ..
أليس من عادة الرجل أن يكون سيدها ..
أن يتسيد قلب المرأة ببساطة دون عناء ..
أحمقا .. لبيبا كان أم رجل عصابات ..
إن كان يتمتع بشيء من رجولته ..
فلن يستصغر إذن ..
نزع معطفه .. ضمها إليه أو ربما ..
إشعال ضرمة من النار إن كان يتمتع بشيء من رجولته ..
لقد اعتقد أبان الذي منعه كبرياؤه .. خجله أو ربما خشيته .. أن تظن ظنها أنه يتودد إليها بالاقتراب منها فقال ما قال .. أبان الذي غاب عن ذهنه أن كندة ليست بتلك السذاجة التي يعتقدها ..لن تقدم على عمل يجعله يشعر بأنها بحاجة إليه .. لن ترضى بأن تعامل بأقل مما تستحق .. لن تكون دميته بعد الآن هذا ما عاهدت عليه نفسها قبل أن تلج هذا المكان ..
فالحب ..
يسير عسر .. حلو مر ..
خرافة قد تصبح حقيقة ..
أو أسطورة قد تتناقلها الأجيال ..
إلا أنه يبقى ..
مهينا .. وضيعا عندما ..
أنحني ..
ساجدا ..
أقبل قحف نعليك فقط ..
لتبقى معي ..
وأبقى معك ..
ــ اقتربي فلم تفعل بل وحاولت النهوض .. منعها .. أحكم قبضتيه على معصميها محبطا كل محاولة لها للإفلات منه .. التفتت إليه سريعا .. بغيظ مصطنع: قلت اقتربي فلم العناد؟ حملقت فيه مطولا تستهجن وقاحته وبغض كلماته التي يبدو .. ألا أمد لها لتصد عنه في النهاية .. تلك كانت .. ثوان فقط .. ثوان بينهما كانت كافية بل .. قد تكفلت بذاتها لصنع تغيير .. شعرها المبتل .. جيدها المتلألأ .. قوامها الذي يخلو من عيب ووجهها الغاضب يبدو أجمل من دون ريب .. جعلته والحديث هنا للراشي حسنها والمرتشي هو أنت يا من ترتشي من حسنها دون حد أو حيد .. جعلته ينعم النظر .. شعفته نفسه التواقة أن يقبل عليها دون قيد وأنا لها .. ألا تكون كذلك والفتنة فتنتها تدلو دلوها بين شبيبة وشيب .. قلبه الكسيح ظل عاصيا بينما أدركت جوارحه .. حجم النعمة الملقاة بين يديها .. يكاد سحرها يفتك به .. يكاد ذلك العاصي أن .. يخضع له ولو أنه أطال النظر لغدا عبدا له .. إلا أنه وكعادة المتغطرس دائما .. سل سيفه ناحرا كل رغبة شقية هفت إليها نفسه كلما .. تاقت إليه .. من تراه يا ترى .. سكن مكانها في جوفه .. يعصي لأجله ذلك الحسن وينحر فداءا له كل تلك الرغبات ومع هذا .. فمن خادن الجمر فلن يأمن شظاياه .. لم تزل غاضبة ترتجف حتى شعرت بالدف .. رغبة خفية ملحة لم يستطع سيفه أن يقف في وجهها جعلته يضع جانبا .. كبرياؤه .. خجله .. ظنونه .. لم يزل محكما قبضتيه على معصميها حتى انحنى بجسده راقدا خلفها مرخيا ذراعيه حول خصرها ونحرها .. همس قائلا: لم يخبرني أحد كيف أشعل نارا .. أعتذر .. تلك هي طريقتي الوحيدة لتدفئتك .. شخصت عيناها .. لم تصدق .. إنه يبدو لطيفا .. إنها المرة الأولى التي يكون فيها هكذا .. إنه يعاملها بلطف يخاطبها بلطف لطالما تمنته .. هي لحظة تمنت فيها لو استدارت لترى وجهه .. ربما أنه الفتى من حلمها .. ربما أنه سيقع هذه المرة في غرامها .. هناك من يستمع لها وقد لبى نداءها .. فئران ظريفة يبدو أنها في سباق تجري مسرعة على أقدامها .. تجري باندفاع نحوها .. تكاد تصطدم بها حينما .. وثبت عاليا أعلاها فاستدارت هي لحظة .. دب من بعدها في تلك البقعة بالذات .. صوت خفقات .. خفقاته .. خفقاتها .. لا أحد يعلم .. إنما كانت خفقات .. جعلت الندى فوق البتلات يرتفع عاليا .. ينشطر إلى ذرات .. جعلت أشجار الكرز .. تتوقف ..تميل بأغصانها .. تسترق السمع .. لا يهم ولو كانت بضع كليمات .. لم يستطعن البقاء هناك صامتات فاقتربن يسترقن النظر هن الأخريات .. لقد بدا متوترا ربما .. أنه هو الآخر تمنى لو استدارت .. لو التقى بها مجددا للحظات .. هو حديث لم تنطق به شفاههم .. طبع فوق سطح الماء:
ــ " أيها القلب القاسي .. أيها العاصي .. إلى متى ستظل واجما تقف كالأرعن أمام حسنها الماثل بين يديك دون مقابل ..
ــ أبان لا تنظر إلي هكذا .. إنك تجعل قلبي يرتعش ..
ــ آه يا كندة .. لو أن مكانك في قلبي لم يسكنه ساكن قبلك لتركت ذلك النابض يمضي في حبك دون هوادة .. أعلم بأني الخاسر الوحيد هنا ..
ــ إنما هو أنت من يجعل أشواقي بين كفة تطفو وتميل .. إنك تجعلني في حيرة ..
ــ لا أعلم لم .. أظل حائرا هكذا .. من السهل الوقوع في حبك .. أتراني أخدع نفسي ..
ــ أبان .. أحقا ما أراه جليا في عينيك .. في لغة جسدك التي تخاطبني .. سأنسى ما صنعت .. سأستجيب لك لكني أرجوك .. لا تجعلني أندم " ..
أتى الآتي يخطم جباههم .. عاشقة وشبه عاشق شديد الانفعال .. يجتذبها إليه بجرأة جوارحه التي امتدت .. حيث لم يعتقد ولم تعهد .. يمسك بها كمن يخشى أن تفلت من بين يديه .. تغشيها نظراته التي .. لم تعد حقا لديه .. أدناها منه أكثر فاستجابت إليه .. تمازجت أنفاسهم .. تقاربت أجسادهم .. ارتفعت حدة توترهم .. إنها اللحظة التي بدأت توشك أن تنتهي بردة فعل قد .. تحقق حلمها وتنهي جنونه .. إلا أن المكان سرعان ما ارتج .. سرعان ما هاج وماج فالغابة تحترق .. قذائف نارية تلتهمها دون رحمة تقذف .. من قبل الجنود الذين تربصوا حولها خارجا .. تنفيذا لأمر الملك أن تحرق بمن فيها عن بكرة أبيها .. فاضت مياه البحيرة تطفأ ما استطاعت وتحركت الريح تبعدها قدر الإمكان .. الكل يحاول جاهدا حتى كندة وأبان إلا أن الوضع يزداد سوءا فالقذائف .. لا يبدو أنها ستتوقف حتى تختفي هذه الغابة تماما حتى .. تطمس معها جميع الآثار .. لحظات عصيبة مرت توقف الكل بعدها عن الحركة .. أنين أخذ يعلو من أفواههم .. يعلو شيئا فشيئا .. يدعو المنقذ أن يأتي في الحال .. ثوان حتى نهض من وسط الغابة طائران عملاقان .. زوجان من النعام .. لامست أقدامهم سطح الأرض بينما عانقت رؤوسهم .. كبد السماء .. تلفتوا حولهم .. بدوا غاضبين .. أحاطوا المكان تحتهم بظلال أجنحتهم .. نفشوا أبدانهم .. أطلقوا صيحة على إثرها .. انفجرت كومة هائلة من الريش الملون اللامع غشت المكان .. تحلل الريش سريعا واختفى ذلك العالم الساحر بأهله ما عداهم ..
كندة وأبان ..

مثل الاثنان أمامه مكبلان جنبا إلى جنب مما أثار حفيظة الملك وغيرته .. أخذها جانبا .. أمر ففكت قيودها ثم وبجرأة ضمها ضما إليه: ماذا تفعل؟ سؤال من شقين صنع في صدغه القريب شقين حينما .. صفعه بخاتم الحكم بقوة حملت .. غيظه أعلنت جهرا كرهه فأصابه فأدماه فأوقعه أرضا .. أسرعت إليه كندة التي منعت ودفعت بعيدا .. ثارت ثائرته عندما .. لوى ذراعها مرغما إياها على الإلتصاق به هامسا في أذنها: قاومي أكثر .. وسأؤذيه أكثر فأكثر ولا ألذ لدي من فعل ذلك ثم .. التهم سمعها لما .. ألصق شفاهه البالية بمحيط أذنها قائلا مستجلبا عطفها ملقيا .. عبء نزعه فوق سقف الهوى الذي هد ثم ابتلعته الأرض ابتلاعا: حبيبتي .. قد بلغت من الكبر عتيا وهو شاب .. في مقتبل العمر فهلا .. تكرمت علي وحققت حلم عاشق قد دب الحب بين أضلعه فجأة أرجوك .. انتزعت بما امتلكت من قوة جانبها الذي ابتل مشمئزا براحة نفسه ورذاذ لعابه النتن .. بطرف كمها أزالت .. ما استطاعت مما كان منه وبلسانها الذي .. انبرى متلفظا دون تفكير أو تدبر للعواقب كمن .. تلفظ للتو بصعوبة .. منشفة متسخة كانت قد حشرت في داخله حشرا رغما عنه: بل أنا من ترجوك أن تبتعد .. ما تشعر به لا أشعر به بل .. وأشعر بالقرف بمجرد التفكير به فابتعد أرجوك .. كلمات قد تصنع في قلب متيم خرقا غير أنها .. قد تصنع في قلب رجل مثله اعتاد امتلاك كل شيء .. حربا أشار برأسه إليه فأخرج سيفه رفعه عاليا يريد انتزاع رأسه فأوقفته لما .. ارتمت بين أحضانه تعتذر وتعتذر وتلعن طيشها وتشتم لسانها وتقسم له أنها .. ستفعل ما يريد بل وستكون كما يريد فقط .. أتركه وحاله .. كان قد هدأ بمجرد أن لامسته .. ذلك العجوز عاشق بحق إلا أنه .. ربما كان جاهلا وربما لا .. أن ترغم أحدا أن يحبك أن .. تأخذ منه غصبا دون أن يعطيك طواعيه .. أن تشرب الماء ساخنا على معدة خاوية ومع هذا .. فقد ظل محتفظا بصورة الجبار المتسلط حينما دنا منها مجددا هامسا: أعلم بأنه أنفاسك وأنت أنفاسي .. إن لم تمنحيني ما أريد .. خطفت أنفاسه بدلا من أنفاسك .. سأقبلك الآن فاثبتي وإلا .. جززت عنقه أمامك ولا أبالي .. ستغادرين بعدها إلى غرفتك وتنتظرين أوامري .. أبان الذي كان يصرخ بشدة يحاول الإفلات من قبضتهم خارت قواه عندما .. رآه قد قبلها عندما .. رآه قد هتن فوق وجنتها .. دمعها الذي يعتذر .. قلبه الذي يعتصر وأسامة الذي .. ينظر إليه مبهوتا غير مصدق .. لم يعجبه حال صاحبه فقد كان مستاءا بشدة .. بشدة تكاد تفجر معها أركان المكان مغتاظا يشعر بالألم .. أمسك يده .. سحبه خلفه .. سحبه بقوة خلفه .. غادر قبل أن تغادر بهنيهة مستأذنا الملك أن يبقى تحت رعايته حتى يبت في أمره .. لم يخلع ناظريه عنها .. كندة التي نكست رأسها .. تواسي الحال بدمعها .. بقلة حيلتها .. بضعفها ..
استصغرت في تلك اللحظة ..
كيدها ..
لعنت ..
جمالها ..
تهافت القلوب إليها ..
إنما هو قلب واحد أريده ..
كي أحصل عليه ..
هل علي أن ..
أختفي في بؤبؤ عينيك ..
فلا يراني سواك ..
ولا أرى سواك ..

بعد رحيل كندة .. توجه الملك إلى جناح نورهان التي كانت .. في حال يرثى لها .. قلقة خائفة مستلقية فوق سريرها .. تتقلب يمنة وشمالا تقلب الراقد فوق الجمر كلما تراءى أمامها .. كل ألوان العذاب التي قد تخطر على باله .. كانت تفكر بجدية مخرجا لها وربما كان الهرب .. هو أنجى طريق بالنسبة لها فلا طاقة لها في صده لاسيما وأنها .. قد باتت الآن في نظره لا تساوي جناح بعوضة وقد .. آل قلبه إلى غير محله .. كانت في غمرة من هذا حينما .. ولج الأبيض على حين غفلة منها .. فزت ذعرة من مكانها وكادت أن تقع .. كان واجما عندما اقترب منها مبتسما .. قبل يدها .. اعتذر منها: كنت أعمى .. أبصرت للتو .. أعتذر حبيبتي فقد أغراني شبابها إلا أنه أنت ..أنت ولا أحد سواك من أشعر بالراحة بقربه .. إني متيم بك .. أعشق صوتك وهمساتك .. أعشق رائحة عطرك وبسماتك .. حبيبتي بل نوري .. اغفري زلة شيخ .. تعثر ثم نهض شابا لما رآك ..
ــ سـ سـ سيدي .. ــ سأستحم الآن وسأخرج لأجدك أجمل عروس ..
تركها .. قطعة الثلج تلك التي انماثت بمجرد أن تركها .. كلامه المعسول .. صدق فيه أم كذب .. جعلها بل جعل الهوى المتلجلج داخلها يشرق ساطعا من لاحظيها .. إنها في قمة التوتر .. ترتجف .. أشبه بمن أصابته حمى ..
إنه الثمن الذي تدفعه باهضا ..
أن تكون عاشقا ..


كان هذا هو الفصل السادس ..
لا تحرموني من ردودكم وتشجيعكم ..
دمتم بصحة وسعادة حتى موعدنا القادم ..

 
 

 

عرض البوم صور Kindah   رد مع اقتباس
قديم 18-10-17, 08:40 PM   المشاركة رقم: 15
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Aug 2017
العضوية: 326765
المشاركات: 35
الجنس أنثى
معدل التقييم: Kindah عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 53

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
Kindah غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : Kindah المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: غريبة بجوارك (تم إضافة الفصل السابع)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

غريبة بجوارك
" كنت إلى جوارك قريبة .. غير أني كنت غريبة "
( الفصل السابع )

أمسية ساخنة كان ختامها تلك الليلة التي حضرها القاصي والداني من أصقاع الأرض وأطرافها بدعوة من الملك لحضور .. حفله المقام على شرفه والذي ضم عدة مناسبات .. فهم يوم توليه للحكم .. عيد زواجه ومرور ثمانين عاما على تتويجه .. اكتظت القاعة بالحضور .. بهدايا أقرب إلى عالم الخيال بل إن الأقرب إلى ذلك المسمى من .. رصعت من رأسها حتى أخمص قدميها بالياقوت الأخضر والماس بالجواهر التي اكتنفت .. قوامها بمزيج العسجد والفضة الذي زين جيدها .. بها وقد أتت تمشي على هون حتى انحنت أمام مليكها .. فاجأها لما .. لثم بلطف شفاهها على غير عادته يجهر علانية أمام الملأ أنها .. لا سواها حبيبته ومليكته الأبدية .. ألبسها شوذقا يلفت الأنظار – تلك الأنظار التي تأكل يدها كمدا تود لو أن مكانها مكانها - ثم أجلسها قربه .. أعلن بعدها بدء الفعاليات .. كان الوضع على أحسن ما يرام يبشر بتباشير تفضي على وئام حينما .. نادى المنادي يعلن بصوته قدوم ولي العهد أبان يصحبه أسامة ابن رئيس الوزراء الراحل الذي .. قدم فروض الطاعة والولاء حالا ما أن مثل بين يديه بينما .. ظل الآخر متسمرا في مكانه ينظر إليه كمن .. ينظر إلى جيفة .. مد الأبيض يده .. نورهان التي تتصبب عرقا يلهج لسانها بالدعاء والرجاء .. أن يقبل ذلك الأحمق يده ألا يفسد عليها لحظتها .. صفع أبان جبينه .. أصدر صفير ندم .. مبتسما بسخرية تقدم .. أدنى ذقنه حتى لم يبق بينه وبين أرنبة سبابته سوى خيط رفيع .. رفع بصره إليه .. تلك النظرة التي تنذر بالخطر أيقنتها بصيرة نورهان وجحدها بصر الأبيض بن سلام .. لم يسعفها الوقت فقد فات الأوان .. انقض على يده فاقتضمها .. صك عليها بأسنانه بقوة فكيه .. بلهيب غضبه بالشرر المتطاير من بسمات عينيه .. بالذكريات المؤلمة التي لم ولن تزول .. بالألم الذي لن يزول بزوالها .. انتزعوه انتزاعا .. فمه الملطخ بالدماء ويد الأبيض التي تفسخ جلدها وبانت عظامها جعلت الهمز واللمز يعلو بين الجمع: امممم .. أبي .. ما ألذ طعم دماءك ترى مالسبب؟ أتراك تتناول عسلا كل يوم .. نورهان التي كانت تشرف على علاج زوجها .. قامت إليه فصفعته علمت .. أن صفعتها لن تكون صفعة الواقع تلك التي ترجو أن تعيد إليه رشده بل ربما .. حقنة الجنون التي ستحفز داء هبله من جديد وهذا ما جرى .. أمرتهم أن يخرجوه فأوقفها الأبيض: أيها الملأ أنصتوا .. هذا ولي عهدكم .. هذا نسلي الذي لا أتشرف به وقد أقسمت اليوم .. أن أتبرأ منه .. فأنى له أن يكون أهلا لهذا العرش وقد رأيتم جنونه وشهدتم عليه .. أمرهم أن يخرجوه ثم ضرب الأرض بصولجانه معلنا: أعلن أنا .. الأبيض بن الأشهب بن سلام .. أني سأكون آخر ملوك بن سلام ومن بعدي .. ستكون مليكتي ومن بعدها .. لكم الاختيار .. لا تجادلوني فهو قرار لم أبذل جهدا في اتخاذه فهي .. ذات حنكة ورجاحة عقل وشعبية بين الناس أنحني أمامها .. قد بايعتها فاشهدوا .. إني قد تخليت اللحظة عن هذا المنصب لها .. فقد طعنت في السن وبحاجة إلى الراحة .. خلع خاتم ملكه وألبسه إياها .. نورهان التي كانت ترتجف فكل ما يحدث كان خارج نطاق تفكيرها وكيدها .. سجدت .. قبلت قدميه .. فرفعها إليه وأجلسها مكانه .. صاح فيهم: انحنوا أمام مليكتكم .. تردد قصير انقطع لما .. ضرب بصولجانه ثانية سلمها إياه قبل جبينها ثم .. غادر إلى جناحه لإتمام علاجه.

ألقى الجنود أبان في أحد غرف القصر الجانبية ليدخل أسامة بعد قليل خلفه ويغلق الباب .. لم يطل البقاء خرج تاركا إياه في أحد الزوايا حاملا خنجرا .. مذهولا .. متشتت الذهن .. مبعثر الهندام لا ينفك يردد: لا أستطيع .. لا أستطيع .. خرج أسامة موصدا الباب بقفل سميك .. أعطى مفتاحه لأحد الجند .. غمز له هامسا: الليلة .. نهض أبان مترنحا فواجهته المرآة .. جعل ينظر إلى نفسه آسفا حين تراءت له كندة .. شعر برغبة عارمة لرؤيتها فحاول الخروج إلا أن الباب كما أسلفنا سابقا .. كان موصدا فاضطر للتسلل عبر ممر سري أوصله إلى جناحه سالما .. كانت كندة حينها متقرفصة فوق سريرها قرب الشباك المفتوح والقمر المكتمل .. تحدق في الرداء الذي لا يستر عيبا إهداء من الملك ورجاء خاص منه .. أن ترتديه الليلة لتتزين به بل لأجله .. هذا ما أيقنته دون الحاجة لإثباته .. مدت يدها بتذبذب أسفل وسادتها ثم أغرقت وجهها الباكي طرفها .. لم تبك بل كانت تزفر أنفاسا ساخنة متلاحقة عكست .. يأسها ونفاذ حيلتها .. لحظات نهضت بعدها .. كانت تهم برمي الرداء خارجا حينما .. فاجأها نافذا إلى الداخل مغلقا المدخل بإحكام .. اندفع في وجهها قائلا: هل أنت بخير؟
ــ أبان ..
ــ هل أنت بخير؟ فهزت رأسها مجيبة: ذلك جيد .. بدا قلقا .. ابتعد عنها .. أشار بيده إليها ألا تقترب منه ثم جعل يذرع الغرفة جيئة وذهابا: لا أستطيع .. لا أستطيع ..
ــ أبان .. أبان .. بحدة: أبان ..
ــ توقف .. استدار نحو الحائط وبعد هنيهة .. علا صوت نشيجه ..
ــ أبان لم تبك .. ما بالك؟ ــ إني خائف ..
ــ مم ؟ ولما لم يجب عادت فسألته: مم؟ ــ منه ..
ــ من تقصد .. الأبيض؟
ــ اقتربت منه أكثر .. هزته تناديه .. شخصت عيناه .. لقد كان جسده مشحونا .. كان حائرا .. في قمة توتره مذعورا فقذفها بعيدا .. ارتطمت بالحائط المقابل ثم سقطت أرضا: كندة .. كندة استيقظي فاستيقظت: هل أنت بخير؟
ــ نعم قالتها وهي تحاول الجلوس باعتدال ..
ــ ألم أخبرك ألا تقتربي لم فعلت؟ حاول الابتعاد مجددا فأمسكت معصمه وشدت عليه .. بحسم نطق به صوتها المنهك .. بلطفها الذي شعر به يتجدد: أخبرني .. ممن أنت خائف؟ أخبرني وثق بي .. سأساعدك حتما ..
ــ خشعت ملامحه أخيرا واستكانت حاله فأجابها .. كان بحاجة إلى أذن تسمعه ولهذا السبب أتى فهي الشخص الوحيد الذي يهتم لأمره مؤخرا: أسامة .. ــ لم أفهم ..
ــ سبق وسألتك " هل خفت يوما أمرا أحببته في نفس الوقت؟" من أخافه من أحبه هو أسامة .. نحو معا منذ مدة نعيش رتوش خطة محكمة لاغتيال الأبيض ..
ــ شهقت:أبان .. ماذا تقول؟
ــ لا تحكمي علي سريعا واستمعي لي حتى النهاية .. منذ صغري وأنا لاشيء بالرغم من كل شيء .. أحمل شخصية فارغة تهتز لأدنى التوافه لا تستطيع الوقوف في وجه أي شيء .. مدلل من قبل أمه .. مهمل من أب ليس بأبيه .. كنت وحيدا محبوسا في هذا القصر بلا صاحب ما عدا الجدران التي .. لم تنطق يوما أو صديق ما عدا المرآة التي كانت .. هوسي الوحيد حتى أتى أسامة الذي .. عوضني عن كل ما فقدته .. لقد كان محبا صادقا وحنونا .. لقد تعلقت به نعم .. تعلقت به كثيرا كيف وقد .. أراني مالم يستطع أحد أن يريني إياه .. عالم من المشاعر الدافئة التي كنت بحاجة ماسة إليها .. لقد تشبثت به تشبث المتشبث بالحياة .. كنت لا أشبع حتى يشبع ولا أهنأ بالنوم حتى .. يأتيني ويتحدث إلي .. أمرض إذا مرض وأشعر بأحاسيسه بمجرد الاقتراب منه كنا هكذا حتى .. إذا ما بلغنا مبلغ الشباب .. أخبرني أنه متبنى وأن الأبيض هو من قتل والداه ظلما وجورا .. أنكرت ما قاله حالا ولم أزل أفعل حتى اصطحبني إلى القرية حيث عاش وبشهادة الشهود آمنت وصدقت .. صرح لي علانية بأنه يرغب في قتله حينما تحين الفرصة وحذرني .. إن أنا صددته فسيهجرني بل .. وسيمحو أي أثر لوجودي في حياته إن أنا فعلت .. صمت آملا أن يعود إلى رشده في وقت قريب إلا أن الوضع ازداد سوؤا .. أتاني قبل سنة يخبرني أنه سيرحل إلى بلد بعيدة ويرغب بشدة أخذي معه فلا طاقة له للتخلي عني وقد بت .. جزءا لا يتجزأ منه إلا أن ذلك لن يكون قبل تنفيذ طلبه بل .. لنقل أمره الذي أمرني به .. قتله .. فالوصول إليه صعب للغاية وعن طريقي .. سيكون أسهل بكثير .. أكد وللمرة الأخيرة وبردة فعل غاضبة منه لم أشهدها قط .. تخليه عني إن لم أفعل ما يريد حتى ولو كان ضد رغبتي وحدود قدرتي .. صمت مجددا فمن المحال أن أفقده وقد وجدته .. فرض علي فرضا أن أخضع لخطته .. "إنه قاتل ويستحق القتل" .. هذا ما جعل يكرره على مسمعي في اليوم ألف مرة وأكثر ما شجعني بعدها .. للمضي قدما ومنذ ذلك الحين وأنا أتصرف هكذا .. مجنون بلا سبب وعاقل .. يحبس في داخله كومة هائلة من الجنون .. تبرأ الأبيض الليلة مني واعترف بجنوني ذاك وبت خارج نطاق سيطرته .. الليلة ثم نكس رأسه خجلا: من المفترض أن أقتله فلن يلام ولي العهد الذي فقد عقله على قتل والده .. سينفى ومن ثم سأهرب معه ومع هذا .. فأنا أشعر بأني لست كفؤا لهذه المهمة فأنا .. لا أجرؤ على قتل ذبابة فكيف لي بقتله أخبرته بذلك إلا أنه وكالعادة .. سد أذنيه منكرا رغبتي صراخي في وجهه وصدي له .. واثقا من ردة فعلي وبأني .. سأرضخ في النهاية له .. لقد تغير كثيرا .. لقد بات قاسيا .. إنه يحدثني بلهجة عنيفة ويعاملني بأسلوب رديء .. يوبخني معظم الوقت ويثير غضبي باستمرار حينما يدعي بأني .. لست رجلا كفاية ليقف بجانبه .. لا بأس بذلك ولكن الأسوأ من ذلك كله هو .. تهديدي أنه سيقتله بأي حال من الأحوال إن لم أفعل وليحدث بعدها ما يحدث .. أعلم بأنه يريد أن أكون هو كما .. هو لي أن تتأجج الرغبة في داخلي كما هي داخله ولكن .. كندة .. لا رغبة لي حقا بفعل ذلك .. أريد الهرب معه ليس إلا والابتعاد قدر الإمكان .. عن كل تلك الفوضى التي أعيشها .. أخبريني أرجوك .. ماذا علي أن أفعل .. إن قلبي متعلق به ليس هو .. من لا يستطيع العيش من دوني بل أنا .. أنا من لا يستطيع العيش من دونه .. لم يرفع رأسه خشية أن يرى في عينيها ما يخشاه من خزي واستحقار .. تفاجأ بها عندما اكتنفت وجنتيه براحة كفيها الرطبتين: قلبك متعلق به لا حبا له بل خوفا منه .. أن تفقده وقد كان الوحيد الذي أخرجك من عزلتك وأحس بوجودك .. أفهم ما تشعر به ولكن .. ليس هذا فعل من يحب ..
ــ ماذا؟
ــ إنه يجرك نحو الهاوية .. أهذا فعل من يحب .. افتح عينيك جيدا وانظر حولك .. لقد صنع حبي منك سيدا بينما صنع حبه لك .. خادما لرغباته .. تقاطر دمعها ..
ــ كندة ..
ــ لم .. وأنا التي تحاول باجتهاد .. الوصول إليك فتصبح الطريق وعرة محفوفة بالمخاطر لم .. وأنا التي كابدت .. لم أسألك مالا .. ملكا أو أن تقتل لأجلي .. لم أطلب منك شيئا ومع هذا .. فأنت لا تزال تشعرني بالغربة كلما كنت بجوارك .. لا أدعي الغرور ولكن .. يؤلمني بصدق ما تقول .. أمن الصعب حقا .. الوقوع في حبي ..
ــ كندة ..
ــ قبلني ..
ــ هه ..
ــ قبلني .. وبشدة وضعت حدا أردفت: ولا تخلع ناظريك عني .. حطم كل صورة له وأبدلني مكانها .. امح كل لحظة قضيتها معه ولتكن لحظاتي بحلوها ومرها .. سأقولها وللمرة الأخيرة .. لست أنت من لا يستطيع العيش من دونه بل أنا .. من لا أستطيع العيش من دونك .. أنت .. حلمي .. أبان .. أنت ملكي منذ الأزل .. قبلني واستمع لنبضات قلبك التي حثتك على المجيء فأنت .. لم تأت لتطمئن على حالي تكذب .. بل جئت رغبة في رؤيتي .. أنت حائر بيني وبينه .. أتركه وسأكون لك الصاحب والصديق .. سأعوضك عن وجوده .. لن أتركك وأرحل .. ثق بأني لن أفعل .. أعلم أنك تبادلني ذات الشعور فلا تصده أكثر .. صمتت لهنيهة .. هدأت قليلا واستطردت: وأقبل ..فإما أن تشعر بي .. أو أن أرحل ..
كانت لكلماتها ذلك الوقع الذي جعل دوامة حيرته ترتخي لبعض الوقت .. دنا منها أراد أن يختبر صدق ما قالت .. لامست شفاهه شفاهها .. جعل ينظر إليها مليا دون أن يرمش .. طبع قبلة خفيفة ثم ابتعد قليلا ليقبل بعدها .. مقبلا إياها بشغف ..
لقد صدقت ..
ذلك العاصي الرابض بين جنباته ..
دج صارخا باسمها ..
مج قانعا اسمه الذي ولى هاربا ..
ذلك الصب الجاهل لم يعلم بل علم جاهلا فتجاهل أنه هو الآخر ..
يعشقها بجنون ..
ــ كانت أجواءا حميمية تلك التي بترت جذور الشك لدى كندة وأيقظت يقين أبان ..
تلك التي جمعتهما دون سابق إنذار ..
أشعلت الأماني الراقدة والأمل المنقطع قد رست به عند بر الأمان ..
كانا في غمرة .. منشغلين .. لم يشعرا بالأضواء قد تخافتت من حولهما شيئا فشيئا حتى أظلم المكان .. لا بأسامة الذي ولج دون علمهما .. يستضيء بشمعة ويحمل خنجرا .. صرخ فيه مناديا إياه: ماذا تفعل؟
ــ أسامة .. بارتباك شديد أسامة الذي .. دفعه بقوة جانبا وثبتها جيدا بالجدار .. كان على وشك غرزه أوقفه قائلا باستسلام تام: لا تفعل أرجوك .. فإني أحبها ..
كلمات .. لم تجد صداها عنده بل ربما .. أججت نيران غضبه فها هو الخنجر يمضي في طريقه نحو نحرها دون هوادة .. حاول ثنيه .. تهدئته ولما لم يجد حيلة انقض عليه بجسده .. تعاركا .. هو عراك لن ينتهي بخير جعل كندة تصرخ بالجند تناديهم .. جعل أبان يهرول خلف أسامة الذي ولى هاربا إثر فعلها.

كانت نورهان في ذلك الوقت .. تجلس مستمتعة متربعة فوق عرشها حينما .. طاشت الدماء فجأة أمامها وتفجرت كالعيون الصغيرة .. قطع الكريستال الحادة التي رصع السقف بها واكتظ .. لم يلحظها أحد وقد بدأت ترتجف حتى هوت فوق رؤوسهم كالمطر الغزير .. أظلم المكان ولم يرى بعدها إلا .. وميض السيوف وهي تدق الأعناق وتصلم أصداء الصيحات التي .. ضجت فلا لا منجى لها ولا مسمع وكل المنافذ في وجهها .. قد صدت من قبل سيد أؤلئك الأوباش .. الأبيض من قتل الجميع حتى أصدقاءه في سبيل التخلص من أعدائه .. لقد أثبت بتصرفه هذا .. كم هو سادي .. عديم الإحساس حالك السواد حاله حال أمثاله من يرى .. أن النوم .. فوق فراش من جماجم أزخى وأرخى عنده من .. فراش من القطن الناعم الوفير إن كان ذلك .. سيحقق له في النهاية مآربه وأهدافه .. ألقت نورهان كل أحمالها من لامع وثمين .. خاتم الحكم وصولجانه اللعين وحاولت الهرب عبر ممر سري مع بعض وصيفاتها إلا أنهم تبعوها وسرعان ما داهموها ولأن الدهليز كان مظلما .. لم يتركوا أحدا على قيد الحياة.

لحقت كندة بأبان الذي كان يجرى خلف أسامة يناديه ويصرخ باسمه .. غادر الأخير أسوار القصر .. تبعه أبان ومن خلفهم كانت كندة التي تخلفت عنهم قليلا بسبب الظلمة الحالكة .. خشيت أن تتيه وخصوصا أنها لم تعد تراهم فحبذت الانتظار في غرفتها آملة منه برجاء أن يعود .. في الصباح التالي كانت الأوضاع في القصر لم تزل كما كانت .. مختضة مرتجة .. جرس الإنذار لم يهدأ بعد ونواميس الخطر تدق بلا هوادة وخصوصا .. بعد توافد الوفود تسأل عن الخطب بإلحاح وغضب .. تسللت كهرمان عبر الباب المفتوح إلى حيث كندة .. هالها حال الغرفة المقلوب رأسا على عقب .. الحطام المتناثر في كل مكان والهواء المنبعث من داخل يسم الأبدان .. أبان المرمي خارجا قرب المدخل .. محشورا في زاوية محاطا بقاني فارغة .. تفوح من حاله رائحة الموت بل بدا وكأنه .. قد فارق الحياة وكندة .. مبعثرة فوق سريرها .. منكبة على وجهها بذراع قد تدلت وملابس قد تمزقت وقطع من الدم تلون فراشها .. هزتها فلم تفق إلا أنها .. وبعد أن خرجت مهرولة استيقظت .. اتكأت فوق راحتيها تحاول النهوض إلا أنها لم تستطع لتسقط منهارة .. جعلت تحدق بأجفان ذابلة في الشمس التي تقاوم جاهدة عبر الغيوم كي لا تختفي ابتسامتها .. في البلابل التي تغرد عند شباكها وكأن شيئا لم يكن .. في النسيم الممزوج برائحة المطر يداعب دمعها وآثار دمعها .. طمأنة منه أن الحياة فيها من الجمال ما يدعو للعيش فيها ..
عذرا لك أيتها الأشياء الجميلة ..
فهمي كبير وحزني ..حزن تنوء به الجبال ..
لن تواسيني تلك الدمعة التي هبطت ولن تبعد همي .. ابتسامة كاذبة ..
مضى من الوقت اليسير حينما .. تفاجأت بكوكبة من النساء غشينها على رأسهم نورهان .. نورهان التي استطاعت التسلل عبر ممر سري آخر بعد أن أصيبت إصابة جانبية طفيفة .. ولأن المكان كان مظلما فلم يستدلوا عليها من بينهن ولأنهم احتاروا في عددهن .. أجهزوا عليهن مرة أخرى وانصرفوا فرحين .. مستبشرين بجائزة الملك التي صرحوا بها علانية قرب مسمعها ..
عندما أتتها كهرمان مهرولة وأخبرتها بما رأت .. انتعشت - وفزت من قبرها المدقع برماد الحقد وغبار الكراهية ورذاذ الإنتقام - لذلك الخاطر الذي مر في ذهنها أشرق له ما بين شدقيها ولمع له .. بصيص ناظريها وانتشى لأجله الشر اللعوب داخلها ليستشري جليا على محاياها الذي تلطخ بسواده .. أمرت الجند أن يصحبوها على الفور إلى ساحة المدينة لتحاكم .. أمام الخلق على جريمة اختلقتها .. شاءت أم أبت .. ستصنع بها ما تحسن صنعه رغما عنها .. ستتهما بهتانا وستخلق زورا وستبت في حكمها على عجل فأمور الشعب وشؤون القصر الداخلية .. منوط بها وحدها لا شأن للملك بها .. والفرصة هنا سانحة وقد أتت فوق طبق من ذهب فهو .. في جناحه ولن يخرج منه إلا بعد عدة أيام بعد أن تستتب الأمور داخل القصر وخارجه .. سحبنها بشدة من ذراعيها فصرخت ألما لتصرخ فيهم بعدها .. تدافع عن نفسها: ماذا تفعلن بل ماذا فعلت أنا؟ والآذان يبدو أنها .. قد سدت بران ثقيل غشي قلوبهن قبل أسماعهن .. لم يلتفتن لها ولم .. يلتفت هو الآخر لها بل .. ظل يتجرع السم الذي بين يديه بشراهة متمتما .. بحديث لا يفهمه سواه وربما لا: أباااااان .. أبان .. شفاه تتحرك ببطء .. ونظرات تحدق في العالم الآخر:
أبان استيقظ أرجوك .. أنقذني .. من بحاجة إلى منقذ يا ترى ..
تلك التي تجر وأقدامها تسبح في الهواء ..
أم ذاك الذي .. تلبدت عنده أوصاف الأمل فأصبحت هي واليأس سواء ..
سد فمها .. وانحصر صراخها وعما قليل ..
لن يكون لوجودها معنى ..
ولحلمها بقاء ..

بعد ساعة تقريبا فز أبان يقظا على صوت الصبية والوصيفات اللاتي سكبن دلوا من الماء البارد فوقه .. أخبرنه بما جرى .. لم يستوعب بداية إلا أنه انتفض بعدها ليقوم جاريا .. متخبطا بالجدران .. يقع وينهض .. لقد تذكر .. لقد كان هو .. لقد أتاها البارحة مخمورا غاضبا فأسامة الذي تخلى عنه والإشاعة أن نورهان قد قتلت .. جعلته يفقد صوابه جعلته .. يحملها وزر ما جرى فلولا .. رغبة الأبيض الشديدة بها ما كان قد جرى ما جرى .. في تلك الليلة .. كان أبان قد جن حقيقة .. لقد مزق كل شيء حوله إربا إربا فكانت هي .. من ضمن ما مزق.

كان في طريقه إليها عندما اعترضه أسامة .. توقف بابتسامة: لقد عدت .. أسامة الذي لم يلق بالا لتلك الابتسامة أعرض عنه مستاءا ثم طلب منه أن يترجل حالا فهناك ما يود التحدث معه بشأنه .. اعتذر منه فأمر جلل يستدعيه واعدا إياه أن يعود إليه ما أن ينتهي برجاء أن ينتظره حتى ذلك الحين .. قال ذلك ثم انطلق ليلحق به .. همز جواده في بطنه فصهل ناهضا ملقيا إياه على الأرض .. جثى بجثته فوقه مثبتا جذعه .. ذراعيه بقوة ساقيه .. أدنى خنجره قريبا من أرنبة أنفه ثم جعل يثرثر على غير عادته فقد عرف عنه قلة الكلام:
أرسلتني نورهان لمساعدتك على الهرب .. لقد هربت وتأمل أن تلحق بها .. ستفعل ولكن أسرع مما تظن .. لقد كان اتفاقي مع الأبيض أن أخلصه منك هه .. كيف هذا نعم كيف وهو قاتل أبي .. تلك حقيقة لن أدعيها إلا أن ذلك كان قد تغير كله منذ فترة وجيزة .. لقد كشف الأبيض أمري وبدلا من معاقبتي .. أغراني بالثريا حتى ضمني إلى جانبه فوعوده لي أن يتبناني .. أن أتسيد الحكم من بعده والكنوز التي أهداني إياها جعلني أعفو وأغفر وأنصاع لرغبته .. اعذرني .. ولكنها أحلام إن لم أقتنصها اليوم وقد حانت فلن تكون غدا .. كانت الخطة تسير على خير ما يرام إلا أنك أفلت وكذلك كندة التي .. لن تفلت اليوم .. أتيت البارحة لقتلها فوجودها خطر علي وخصوصا أن ذلك العاشق المتهالك متيم بها .. وخز رقبته بطرف خنجره ثم دنا منه هامسا: ليس بيني وبين حلمي الآن إلا أنت .. لقد حانت نهايتك .. إلى اللقاء صديقي ..لقد كان أبان مستسلما للغاية ما جعل أسامة يتردد قليلا: أمن كلمات أخيرة لديك؟
ــ أجابه: لم أكن أبغي الحياة حتى أتيت فإن .. لم يتبق شيء من أسامة الذي أعرفه فلن .. يتبق لي شيء أنا أيضا ..
ــ صمت لهنيهة متأثرا ثم أردف: وماذا عنها .. ألست تحبها حسب قولك؟
ــ مستهزءا: عن أي حب تتحدث .. ملعونة هي أمي التي أنجبتني .. وملعون أنت الذي رافقتني وملعونة .. تلك الحمقاء التي .. اتخذت مني لسوء حظها فارسا لأحلامها .. تلك التي أعتقد ..أنها لم يتبق منها شيء هي الأخرى .. أسامة .. اصنع ما شئت ولا تعتذر .. فقد عانيت بقدر ما عانيت وربما أكثر ..
الكلمة التي تقال بصدق ..
عجيبة من عجائب الدنيا السبع ..
تطرق بابك فإما أن ..
تفتح لها الباب وترحب بها وإما أن ..
تغلق الباب في وجهها منكرا بجهد جهيد وجودها وإما أن ..
تجعلها تنتظر خارجا ولا يهم كم .. فهي لن تبرح مكانها ..
اختلج الدمع في عينيه فاستدار قائلا: اذهب .. دنا منه فصرخ فيه: اذهب قبل أن يتجمد ذلك القلب ثانية ويقتلك .. هم إلى جواده فاعتلاه وإلى الآخر فأمسكه من رسنه لما ناداه: خذه معك خشية أن ألحق بك وربما تحتاجه .. هز رأسه شاكرا ثم جرى به بعيدا:
ملعون .. بل كلنا ملاعين ما عداك .. قالها ساخرا ثم استلقى على العشب وأغمض عينيه ..

كان هذا هو الفصل السابع ..
لا تحرموني من ردودكم وتشجيعكم ..
دمتم بصحة وسعادة حتى موعدنا القادم ..

 
 

 

عرض البوم صور Kindah   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
بجوارك, غريبة
facebook



جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 04:33 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية