4- الاوزة العرجاء
اعاقت ازمة محلية بسيطة الاعمال اليومية المعتادة التي لم تكن طبيعية تماماً حتى في افضل الأوقات . فالخادمة لم تحضر صباح ذلك اليوم. وماريز كانت مصابة باحدى نوبات الصداع النصفي , مما جعلها تترك فطورها وتأخذ المسكنات الخاصة بتلك الاوجاع وتنحسب الى غرفتها. كما اعلنت نورين انها منشغلة في استقبال بعض الاشخاص . وقد اوضحت طبيعة عملها لهيلين قائلة:ريحانة
" نسيت ان اخبرك . ان هناك باخرة سياحية ستصل الى الجزيرة اليوم . فسلمندر تقع على خط احدى شركات الملاحة البحرية الضخمة, وعائلة سندانا تهتم بالرحلات الداخلية . والعام المقبل ستهتم بزبائن الرحلات الجماعية الكبيرة . وللمعلومات فان وظيفتي هي استقبال المجموعات التي تود مشاهدة جزيرتنا والتأكد من ان جميع المبالغ التي ستنفق هنا سوف تذهب الى جيوب ابناء العائلة"
فكرت هيلين قليلاً بهذه العائلة الغنية التي يبدو لها حصة في كل مشروع تجاري يقام على الجزيرة . فهم يمتلكون النادي الذي يديره كيت مانتون, وهم اصحاب المتجر الاوروبي الرئيسي وكذلك الفندق الراقي الوحيد الذي تفخر بها جزيرة سلمندر . اضافة الى ذلك فهم يمتلكون جزءاً كبيراً من المقاطعة المؤجرة الى شركة انتاج السكر , وتوقفت هيلين قليلاً عن التفكير وقالت لنورين :
" يبدو انها وظيفة تثير الاهتمام"
القت نورين نظرة اخيرة على نفسها في المرآة وقالت " انها وظيفة تكاد تقتلني من الضجر احياناً. ولكنني لا اريد تركها حتى اعرف بالضبط النتيجة التي سأتوصل اليها مع راي سندانا . وعندها تختلف الأمور بشكل كلي , لأنني لن اخشى بعد ذلك كيفية الحصول على المال والمصدر الذي سيأتي منه"

ودهشت هيلين لمسحة المرارة في صوت نورين وسألتها :
" وهل ستتزوجين راي؟"
" بمجرد ان يطلبني للزواج"
صمتت هيلين لفترة ما ثم عادت الى السؤال :
" وهل تحبينه ؟"
عاد الى نورين هدوء اعصابها وبرودتها واجابت :
" الرد يتوقف على ماتعنيه بكلمة حب. لنقل ان الظروف شاءت بأن يكون لديه ما اريده واصبوا اليه, وان يكون لديّ مايريده ويبتغيه . وعليه فمن المؤكد ان العلاقة بيننا ستكون مرضية وحسنة"
وابتسمت نورين ثم حملت حقيبتها وودعت هيلين قائلة" آسفة يا عزيزتي لتركك وحدك تعالجين امورك بمفردك"
وعندما ذهبت نورين ظلت هيلين واقفة بدون حراك تنظر الى الحديقة التي تعمها الفوضى , وتحلل التفكير المادي وغير المنطقي لنورين بالنسبة الى موضوع بالغ الأهمية كالزواج, مع ان الموقف لم يكن مستغرباً من ابنة زوجة ابيها. هزت هيلين برأسها أسفاً على نورين التي تعتقد ان مال الرجل هو الدافع الوحيد للفتاة المقبلة على الزواج. ومع انها ليست الا في التاسعة عشرة من عمرها ونورين لا تصغرها الا بسنة واحدة فقد شعرت انها تسبقها بكثير من السنين والنضوج والجدية.ريحانة
وقررت هيلين اعداد فنجان من الشاي لماريز فوضعت الابريق على النار وانتظرت غليان الماء. وخلال تلك الفترة الوجيزة اخذت تحلل فيللا اوريليا وماليكها. فقد شعرت منذ البداية تقريبا بأن الأوضاع في ذلك المنزل ليست جيدة كما يجب . فالاعمال وقلة الترتيب ليست وحدها سبب الوضع الشاذ القائم . فهناك كثير من الأمور توحي بوجود نوع من الفقر والحرمان. بعض الستائر في الجانب الخلفي ممزقة , والحائط الشمالي بحاجة الى صيانة , ووجه ماريز يمتعض كلما استلمت فاتورة صغيرة او كبيرة , وليس هناك اي خادم للاعتناء بالحديقة.*
صفر الابريق فقطع عليها تفكيرها واسترسالها . اعدت الشاي ووضعت الى جانب الفنجان صحناً عليه ثلاث قطع صغيرة من الحلوى وتوجهت الى غرفة ماريز. وتذكرت هيلين بأسى ان والدها خلف وراءه ممتلكات كثيرة كما انه لم تكن هناك في رسائله لها اي دلائل على وجود مشاكل مادية او مالية . ولكن اين لها ان تعرف؟ فقد تولت امر نفسها خلال السنوات الثلاث الماضية, اي منذ الانتهاء من دراستها لرقص الباليه, وبالتالي فانها لم تعر اي اهتمام لهذه المسألة . وكانت راضية بأن والدها بدا مسروراً جداً مع الارملة الشابة التي تزوجها قبل ست سنوات , ومع ذلك فانه لا يبدو على ماريز ونورين اي ضيق . مادي من حيث الملابس ومستحضرات التجميل. وقبل ان تدق على باب ماريز لتعطيها الشاي ومن ثم تتصل بمنزل فالمونت لتسأل عن جولييت , لاحظت هيلين ان عليها التحدث جدياً مع ماريز, وفي اقرب وقت ممكن, حول امكانية حصولها على وظيفة ما في سلمندر, فمدخراتها تكفيها في الوقت الحاضر الا انها لن تدوم الى مالا نهاية .ريحانة
تبين لهيلين لدى اجراء المكالمة الهاتفية ان جولييت استعادت عافيتها تماما. وقالت ألي ان جولييت ووالدها يتناولان طعام الغداء مع المفوض العام وولديه. اذاً فقد وجدت جولييت اشخاصاً اقرب الى عمرها من هيلين. وعلى الرغم من ان هذا الامر طبيعي ومتوقع فقد استغربت هيلين الغصة التي شعرت بها.
وللترويح عن نفسها رأت ان تقوم ببعض الاعمال المنزلية وخاصة فيما يتعلق بتنظيف المطبخ وترتيبه . وفي اليوم التالي قالت لها ماريز عندما شاهدت النتائج وابدت اعجابها .
" اتحبين الاعمال البيتية الى هذا الحد ؟ لنترك التنظيف للخادمة عندما تعود الى عملها , فالطقس حار جداً بالنسبة اليك "
ابتسمت نورين ابتسامة ساحرة وقالت "الخادمة لن تعود الى عملها قبل ان يشفى زوجها من مرضه"
هزت ماريز رأسها وكأنها تتراجع عما قالته ثم اضافت:
" ومع ذلك فان مجرد مراقبتك وانت تعملين يشعرني بالتعب والارهاق. ان حيويتك ونشاطك مذهلان"

نعم كانت هيلين مفعمة بالنشاط. فالطقس الحار لم يزعجها البتة. واكثر فأكثر اخذت تشعر بأن الكسل يضيق عليها انفاسها , وان عليها القيام بعمل ما. فهي لن تمضي حياتها خاملة وبدون اي عمل وانتاج كما هي الحال مع زوجة ابيها.منتديات ليلاس
وعلى الرغم من اعتراضات ماريز , بدأت هيلين بقطع الاشواك والنباتات البرية التي تكاد تغرق الحديقة وتخفي معالمها.
ظهرت نورين على شرفة المنزل ونادت على هيلين قائلة:
" لك مكالمة هاتفية . وهي بالمناسبة من صديقتك الصغيرة"
جولييت ! شعرت هيلين فجأة بموجة من السعادة والسرور وهرعت الى الداخل وقد نسيت استياءها وانزعاجها. الا ان الابتسامة تجمدت على شفتيها عندما سمعت الصوت الخائف والحزين يقول"اوه يا هيلين كم انا سعيدة بأنك في المنزل. لقد تهت ولا اعرف كيف اعود. هل بامكانك ..."
" تهت ؟ ماذا حدث يا جولييت ؟ هل انت بخير؟"
" نعم ولكني ظللت الطريق الى البيت , ووالدي..."
" اين انت ؟ وماذا حدث لك بالضبط؟"
" انا هنا وقد نسيت الموعد الذي يمر به الاوتوبيس. اني خائفة يا هيلين لأن والدي يغضب كثيراً ان لم يجدني في البيت عندما..."
قاطعتها هيلين بلهجة صارمة لتحد من مخاوفها:
" اين انت بالضبط؟ يجب ان اعرف بالتحديد مكان وجودك"
"اندانو, منطقة انتاج السكر"
" اندانو! ولكنها تقع على الجانب الآخر من الجزيرة ! المهم ..."
" لقد نسيت ان الاوتوبيس يأتي من هنا ولكنه يعود من طريق آخر, ولا اظن ان بامكاني السير هذه المسافة الطويلة"
فهمت هيلين تماماً المشكلة التي وقعت فيها جولييت . فلسبب ما اتت الطفلة الصغيرة الى اندانو , التي تبعد عن منزل والدها حوالي خمسة وعشرين كليو متراً, ثم نسيت مواعيد الاوتوبيس ومسارها الصحيح . واقرب موعد للعودة بطريق جولييت لن يكون قبل الثامنة مساء . واذا تأخرت حتى ذلك الحين فان جستن فالمونت سيجن قلقاً على ابنته.*
" هيلين ارجوك, كيف سأعود الى البيت قبل وصول والدي؟"
ثم اضافت قائلة بصوت اقرب الى الهمس منه الى الحديث العادي:
" هل هناك اي طريقة لمساعدتي ؟ انه سيغضب كثيراً وربما انزل بي عقاباً صارماً"
" لا ادري كيف.. مهلا يا حبيبتي لحظة لأفكر بطريقة ما"
وتساءلت هيلين بمرارة وحزن عن افضل وسيلة لحل هذه المشكلة . ترى هل بالامكان الحصول على سيارة اجرة في هذا الوقت ! ام ان ... وقطعت عليها نورين تفكيرها لتسألها عما يزعجها ويجعلها عابسة وحزينة, فقالت لها هيلين ان جولييت موجودة في اندانو ولاتعرف كيف تعود. ضحكت نورين بسخرية وقالت :
" ماذا تقولين ؟ الا يجيد الوالد الحنون اعادتها الى البيت , ام ان سيارته ليست كبيرة وفخمة بما يكفي!"
" لقد حاولت ان تلعب كالكبار الذين يعرفون طريقهم بمفردهم وهي الآن تكاد تموت خوفاً وهلعاً. بالله عليك يا نورين ألا تعرفين سائق سيارة اجرة في اندانو يمكننا الاتصال به والطلب منه احضارها؟"
" انت لست بحاجة الى سيارة اجرة او الى الاتصال بأحد"
قالت نورين جملتها هذه بحنان وهي تضع مفاتيح سيارتها امام هيلين التي قبلتها بامتنان ومحبة قبل ان تقول لجولييت بلهفة :
"سنأتي اليك حالاً. فأين ستكونين بالضبط؟"
"سأقف على الجسر . لا, انه قريب من منطقة معامل السكر واذا صدف ان مرّ والدي من هنا ..."
توقفت جولييت لحظة ثم تابعت حديثها :
" سأكون قرب الشاطئ, وبالتحديد حيث توجد الزوارق والقوارب. ارجوك اسرعي يا هيلين"
وبعد ان وعدتها بذلك واوصتها بألا تذهب بعيداً, نظرت هيلين الى نورين وقالت لها :
" هيا بنا , فهي طفلة صغيرة ومن المؤكد انها خائفة حقاً"

" آسفة يا حبيبتي , فعملية الانقاذ هي مهمتك بمفردك , وقتي لا يسمح لي. راي سيتصل بي حوالي الثامنة لنذهب الى حفلة عشاء في الهواء الطلق. واذا ذهبت معك فقد لا اعود قبل الثامنة. ثم, انت تعرفين قيادة السيارات, أليس كذلك؟"
" نعم, قليلاً, ولكن تعلمت قيادة سيارة ليزا الصغيرة في العام الماضي, اما سيارتكم الكبيرة قيادتها قد تكون صعبة ومختلفة"
" اذا تعلمت على قيادة احدى السيارات فلن تصعب عليك سيارة اخرى"
ثم ضحكت نورين وقالت لها بمرح وتشجيع:
"لا تقلقي, فليس في جزيرتنا مواقف معينة للسيارات او اشارات ضوئية او تقاطع طريق خطر. اتكلي على الله , وحاولي الانتباه قدر الامكان الى المشاة"
صعدت هيلين الى السيارة بعدما اعطتها نورين بعض التعليمات والتوجيهات. وبصعوبة تمكنت هيلين من اخراج السيارة الكبيرة عبر البوابة الخارجية لتنطلق بها ببطء وحذر بالغين . وكانت كلما قطعت منعطفاً قاسياً او مفترق طريق مزعجاً تتنهد مرتاحة ومسرورة وكأنها انهت خطوة رئيسية في مهمة خطرة.
واخيراً, وبعد جهد وعناء, وصلت هيلين الى المكان المتفق عليه فأوقفت السيارة وبدأت تجول بنظرها في تلك المنطقة النائية بحثاً عن جولييت . وماهي الا لحظات حتى قفزت الطفلة الصغيرة من احد جانبي الطريق والقت بنفسها بين ذراعي هيلين باكية وقائلة بلهفة:
" شكراً على حضورك يا هيلين. لقد ظننت انك لن تأتي ابداً. كم الساعة الآن؟"
" انها...."
وتطلعت هيلين لا شعورياً الى معصمها لتتذكر فجأة انها نسيت ساعتها في البيت.
" انها تقارب السادسة والنصف على ما اعتقد"
ذعرت جولييت وقالت بخوف" سيصل ابي قبلي الى البيت . انا متأكدة من ذلك . وألي سوف..."
اوقفتها هيلين عن الحديث واخذتها الى السيارة قائلة لها بصرامة وتأنيب" لقد ارتكبت غلطة كبيرة لابتعادك هذه المسافة الطويلة عن المنزل , خاصة ان والدك منعك من التجول بعيداً اذا كنت بمفردك"
شعرت الطفلة الصغيرة بالخجل وقالت بلهجة الاعتذار" اعرف ذلك . الا انه لم يكن لدي ما افعله اليوم. وابي لا يسمح لي بالسباحة وحدي. وقد ضجرت من اللعب بمفردي فأقنعت نفسي بركوب الاوتوبيس والبقاء فيه لحين عودته الى المحطة القريبة من البيت "
تأثرت هيلين لما تواجهه صديقتها الصغيرة. فهي تشعر بالوحدة والسأم , ووالدها يغيب عنها مضطراً معظم النهار. فمن المؤكد انها تصبح متململة وحزينة في الوقت نفسه.ريحانة
" يقول ابي انه سيكون مسروراً عندما اعود الى المدرسة . الا ان ذلك لن يتم قبل اسبوعين من الآن , ولا اعرف كيف سأشعر خلال هذه الفترة"
لم يصدر عن هيلين اي رد فعل على ماقالته جولييت اذ انها كانت تتخيل انواع القصاص الذي قد يمارسها فالمونت على ابنته الصغيرة اذا علم بما قامت به. ومع انها مقتنعة تماماً بأنه يحب جولييت الى درجة كبيرة, فهي شبه متأكدة من انه قد يضربها اذا قرر ان ذلك هو القصاص الصحيح. مسكينة جولييت! لقد عانت كثيراً لتنجح في المجيء الى ابيها وهي ترى الآن بعد بضعة ايام فقط ان الامور ليست على الاطلاق كما تخيلتها وارادتها.
فجأة سمعت صوتاً قوياً وتحولت السيارة قسراً الى جانب الطريق. يا لتعاستهما, لقد ثقب احد الاطارات. نزلت هيلين وجولييت من السيارة وفتحتا الصندوق لجلب الاطارات. نزلت هيلين وجولييت من السيارة وفتحتا الصندوق لجلب الاطار الاضافي والعدة الخاصة بتركيبة.
شعرت هيلين بالتعاسة لأنها لا تعرف شيئاً عن ابدال اطار بآخر وكذلك لأن اي تأخير اضافي سيزيد من مشكلة جولييت. مضت عشر دقائق قبل ان تتمكن من نزع غطاء الاطار ووضع الرافعة في مكانها الصحيح . وبعد ربع ساعة من ذلك تمكنت من سحب الاطار المثقوب . وعندما تساءلت جولييت للمرة الخامسة عن الوقت , صرخت بها هيلين باستياء" بالله عليك يا جولييت, الا ترين انني اعمل قدر استطاعتي واكثر"
اعتذرت منها الصبية الصغيرة . وقالت لها بتأثر ان ثيابها بدأت تتسخ , وتمنت لو كان بامكانها مد يد المساعدة . ولم تكمل جملتها واخذت تحدق بالسيارة الضخمة القادمة نحوهما.

استدرات هيلين لتعرف سبب الصمت المفاجئ فشاهدت جستن فالمونت يوقف سيارته على بعد بضعة امتار ويمشي باتجاهما.
" مساء الخير يا أبي . انظر , لقد تعطلت معنا السيارة"
اجابها والدها بايجاز ثم اشار الى هيلين بالابتعاد وبدأ بتركيب الاطار الاضافي. وخلال دقائق قليلة انتهى جستن من عمله وازاح جولييت بعصبية ليضع الاطار الثقوب في صندوق السيارة. وفي هذه الاثناء دخلت جولييت السيارة القديمة قائلة لوالدها:
" لقد تجولت مع هيلين بالسيارة, واستمتعت كثيراً طوال الوقت"
لم يصدر عن جستن اي تعليق كما انه لم يبد على وجهه اي انفعال. واكتفى باقفال الباب الذي صعدت منه ابنته وقفل راجعاً بدون التفوه بأي كلمة . وتساءلت هيلين بصمت غاضب عن اسباب رد فعلها المتأثر من تصرفات فالمونت. فمن الواضح تماماً انه لا يستلطفها ولا يهتم بها اطلاقا. اذن فلاداعي للاهتمام او الانفعال.منتديات ليلاس
انطلقت هيلين بالسيارة القديمة باتجاه منزل فالمونت . وطوال الوقت حافظ جستن على مسافة عادية وراءها. وعندما وصلت السيارتان الى باحة المنزل ونزل الرجل وابنته منهما , تطلع جستن نحو جولييت وقال لها بحدة " جولييت , اشكري هيلين لأنها اخذتك للتنزه"
اطاعت الفتاة الصغيرة والدها الذي صرفها باتجاه ألي , بعد توجيهها كلمة شكر لطيفة لهيلين. ولما ابتعدت جولييت بما فيه الكفاية , اقترب جستن من الآنسة الموجودة داخل السيارة القديمة وقال لها " يا آنسة سلفاين انا اقدر لك اهتمامك بجولييت وتكريسك وقت فراغك لتسليتها . ولكني افضل بأن تكون لديك اللياقة الكافية لا بلاغى أنا بالذات عندما تقررين أبعادها عن البيت معظم ساعات النهار "
صعقت هيلين لهذا الهجوم القاسى , وللتجنى على تصرفاتها وكانت على وشك الرد عليه باللهجة نفسها عندما تذكرت نظرات التوسل التى وجهتها جولييت قبل دخولها الى البيت. فاكتفت بالقول : " انك تصور الوضع وكأنني اختطفت جولييت ".
" اعتقد ان مدبرة منزلي وصلت الى هذا الاستناج عندما وصلت أنا الى البيت " .
" اصابة أحدالاطارات كانت أمراً غير متوقغ " .
" هذا صحيح , ولكن كان بامكانك ابلاغنا بطريقة ما عن وجهتكما " .
"لم تكن لدي النية ابداً للتأخر هكذا " .
" بالمناسبة , الى اين ذهبتما ؟ " .
سألها جستن بعصبية , فأجابته ببرودة وغموض " هنا وهناك . فأنا لا اعرف بعد جميع مناطق الجزيرة من حيث الاسم والموقع " .
"وكذلك جولييت. وهذا سبب آخر لاضافة قليل من المنطق والتعقل في المرة القادمة"
"بعد كل الذى حدث لا اعتقد انه ستكون هناك مرة قادمة يا سيد فالمونت . الا انه يؤسفني انك اصبت بالقلق . والآن يجب أن اعود فكيف استدير بالسيارة ؟ " .
" لا امكانية للاستدارة هنا , بل عليك الرجوع الى الوراء كما أنت " .
الرجوع كارثة بالنسبة الى هيلين . ارتبكت , ضغطت على مفتاح المساحة عوضاً عن مفتاح النور , ورفعت المرآة بدلا من ان تخفضها . وفي تلك اللحظة تمنت من صميم قلبها لو انها لم تلتق جولييت او والدها الذى يتعذر التفاهم معه .
فتح جستن باب السيارة من جهة هيلين وأمرها بالتنحي قليلاً عن مقود السيارة . كانت تلك الخطوة خاتمة الاذلال المشين , وقد أضاف اليها جستن جملة قاسية بعد اخراجه السيارة ونزوله منها : " في اعتقادي انك بحاجة الى بضعة دروس في قيادة السيارات يا آنسة سلفاين . تصبحين على خير " .
شعرت هيلين لدى عودتها الى المنزل بأنه شبه مهجور . فالصالة مظلمة , والصمت مطبق , والحركة معدومة . وعادت الهموم تتراكم فى رأسها , واخذت تمشى فى تلك القاعة من دون ان تضيئها .
لقد كانت فترة وجيزة تلك التي شعرت فيها بلذة الحصول على سيارة والتنقل بها لاكتشاف جميع مناطق الجزيرة . وبالطبع , فان جستن فالمونت هو السبب الرئيسي فى حملها على عدم اخذ السيارة مرة اخرى , مع انها كانت تنوى استخدامها عدة مرات لاستكشاف الجزيرة . وللمرة الاولى منذ وصولها الى تلك الجزيرة في المحيط الهندي لم يحدث اي فرق لصالحها . فالتعاسة هي نفسها اينما ذهب الانسان وكيفما توجه .