شكرته بتهذيب ثم قالت لجولييت محاولة حبس دموعها :
"الى اللقاء يا جولييت. ارجو ان تتكمني من جمع اكبر كمية من الاصداف الرائعة "
وصلت هيلين الى البيت لتجد ماريز و نورين تتناولان فطورهما, فانضمت اليهما لعل ذلك يساعدها على التخفيف من آثار ذلك اللقاء المزعج مع فالمونت. الا ان امتعاضها من تصرفاته ولهجته ظل مهيمناً على الجزء الاكبر من تفكيرها. كان و اضحاً تماماً ان الرجل مصمم على انهاء العلاقة الودية البريئة التي قامت بينها و بين ابنته اثناء تلك الرحلة الطويلة.
اقترب الاسبوع الاول من نهايته ولم يتم اي لقاء آخر بين صديقتي الرحلة الجوية, كما اسمتهما ماريز .وتحسرت هيلين على ذلك, لأن الترفيه البسيط الذي يوفره الشاطئ نظيف وصحبة فتاة صغيرة لطيفه هو افضل بمئات المرات من ذلك النوع من الترفيه الذي يشرف كيت مانتون على تقديمه في النادي الليلي .
واثناء جلوسهن الى مائدة الافطار صباح الاحد, تطلعت ماريز الى هيلين و سألتها :
"هل امضيت وقتاً ممتعاً ليلة امس ؟"
لم تود هيلين جرح مشاعر ماريز, فاطلقت كذبة بيضاء عندما ردت عليها بالايجاب شاكرة لها دعوتها والاهتمام بها. ولكن زوجة الأب لم تكتف بذلك, بل مضت الى القول :
"تصورت ان الشاب تريفور هيرلي مأخوذ بك امس, هل دعاك الى الخروج معه ؟"
هزت هيلين برأسها, وتذكرت ان تريفور الذي لم يتجاوز التاسعة عشر من عمره و لم يتحدث في الليلة السابقة الا عن وجهات نظره المتطرفة بالنسبة لاعادة التنظيم في سياسة انتاج السكر .
" انا متأكدة من انه سيدعوك قريباً. ولكن عليك تشجعيه قليلا "
لم تقل هيلين شيئاً, لأنها لم تكن لديها ادنى رغبة في تشجيع اي رجل او شاب على دعوتها او مغازلتها. وكيف يمكنها ذلك وكفين لا يزال ألماً موجعاً في قلبها !
"بالمناسبة ماذا حدث مع ذلك الصبي الذي كنت تكتبين لنا عنه ؟ كيف ... لا ,كفين . هل انهارت علاقتكما ؟"
"لم تكن هناك علاقة قوية لتنهار "
"سوف تتجاوزين المشكلة هنا بدون صعاب. فعلى اي حال كان الشاب غريب الاطوار الى حد ما. هذا على الاقل ما فهمناه من رسائلك "
ثم ابتسمت و تابعت قائلة :
"بضعة اسابيع من اللهو و المرح هنا وتقعين في حب ا حد الرجال الوسيمين الاغنياء. اليس كذلك يا نورين ؟"
كانت ابنتها صامتة طوال الوقت, تستمع بمرح الى الحديث عن الرجال. وعندما و جهت اليها والدتها ذلك السؤال, ارتسمت على وجهها ابتسامة ساخرة وقالت :
"الحب؟ اوه يا امي ,الم تكتشفي بعد ان ما يسمى بالحب ليس الا حديث خرافة "
ثم حولت نظرها الى هيلين قائلة :
"صدقي او لا تصدقي! فان مشاعر الحب والافكار الرومنطقية لا تزال تدغدغ قلب امي بين الحين و الآخر ,حتى هذا السن "
اجابتها و الدتها بلهجة عادية و كأنها لم تتأثر او تتضايق :
"ولماذا هذه المرارة يا حبيبتي؟ صدف انك كنت سيئة الحظ في علاقتك الغرامية الاولى, كما حدث مع هيلين. الا ان هناك الآن راي سندانا, وهو يجن بك "
تنهدت نورين ثم تحولت فجأة الى هيلين قائلة :
"لماذا لا تغيرين تسريحة شعرك ؟ اعتقد انه لو كان اقصر لجعلك اكثر جاذبية... واقل جدية. الا توافقين معي على ذلك يا امي؟"
امضت ماريز وابنتها الدقائق العشرين التالية في ثرثرة فارغة حول التسرحيات التي يفضلها الرجال, وماذا ستفعل كل منهما طول اليوم, واين و مع من سيمضيان السهرة! اما هيلين فقد ابلغتها بانها ستقوم بنزهة في الحقول والبساتين, بعيدا عن الضجيج ...

رن جرس الهاتف فقامت نورين للرد عليه. ثم عادت بعد لحظات وقالت لهيلين بجدية بالغة :
"المكالمة لك ايتها العزيزة. انها من رجل "
"لي انا ؟ ولكن ..."
انها لا تعرف احداً ليتصل بها هاتفياً. ولم يمر على وجودها في سلمندر وقت كاف ليصبح لديها اصدقاء.
تدخلت ماريز مشجعة وقالت مبتسمة :
"اراهن بأن هذا الرجل هو تريفور. الم اقل لك انه سيدعوك للخروج معه؟ اسرعي يا عزيزتي, لا تدعي العاشق ينتظر طويلا "
اسرعت هيلين الى القاعة و رفعت السماعة لتعرف عن نفسها.
"هيلين سيلفاين "
"مرحبا آنسة سيلفاين . فالمونت هنا "
ولكن لماذا يتصل بها جستن فالمونت؟
"يجب ان اعتذر اولاً على ازعاجك صباح هذا اليوم. و لكن لدي طلب عاجل بالنيابة عن ابنتي "
"جولييت... هل هي بخير؟ "
"انها تعاني من ضربة شمس والافراط في اكل الفواكة الطازجة. انا الوم نفسي لأنني لم انتبه لهذه الاحتمالات ....."
"وكيف هيا الآن ؟"
"لقد احضرت لها الطبيب واعطاها دواء خاصاً لمثل هذه الحالات, وهي الآن على ما يرام. انها فتاة صغيرة متعبة ويجب ان ترتاح في سريرها مدة يوم او يومين ...وتتمنى من صميم قلبها ان تتمكني من زيارتها "
"مسكينة جولييت ! بالطبع سآتي لزيارتها. متى تريدني ان احضر ؟اليوم؟"
"اذا كان ذلك ممكناً. اما اذا كانت هناك ارتباطات او ترتيبات اخرى, فلا داعي للعجلة. هل يناسبك يوم غد اكثر ؟"
"لا ,لا. وقتي لي, اتصرف به كما اشاء. قل لي يا سيد فالمونت, متى بدأ مرضها ؟"
"ليلة الخميس "
عضت هيلين على شفتيها قائلة :
"ليتني عرفت قبل الآن, لكنت ... لكنت ربما ساعدتها بشيء او بآخر "
"كانت تحاول الاتصال بك امس, فلم تفلح. وحاولت انا نيابة عنها, ولكن احداً لم يجيب "
"كنت خارج المنزل معظم يوم الامس"
"اذن. هل يمكنني ان اعد جولييت بأنك ستأتين حوالي الرابعة بعد الظهر ؟"
"نعم. لن أتأخر. هل من شيء يمكنني احضاره لها ؟"
وشعرت فجأة بتفاهة هذا السؤال وسطحيته. فماذا يمكنها ان تحضر لها في يوم العطلة هذا, ولم يكن والدها قد احضره سابقاً!
"شكراً, ولكن مجرد حضورك سيفرحها كثيراً . سوف ارسل طوم لاحضارك في الرابعة الا عشر دقائق هل اتفقنا ؟"
اجابته بكلمة نعم. وقبل ان تفكر بشيء آخر تقوله سمعته يقول لها وداعاً ... ويقفل الخط .

نهاية الفصل الثاني

موفقة وبإنتظار التكملة

3_اولى خفقات القلب
بعد ان زالت دهشتها من الاتصال غير المتوقع من فالمونت, اخذت هيلين تعد نفسها للزيارة. وعندما اقترب موعد وصول السائق, بدأت دقات قلبها تتسارع وعادت اليها الحيرة بالنسبة الى الهدية الرمزية التي تنوي تقديمها للصديقة جوليييت.
وفجأة تذكرت العلبة الموسيقية التى تحتوي على راقصة باليه صغيرة ترقص على انغام لحن مشهور .بمجرد فتح الغطاء. انها رخيصة الثمن, ومستعملة, ولكنها ذات قيمة معنوية وعاطفية. فهي الشيء الوحيد الذي اعطاها اياه كفين. وتذكرت كلماته عندما قال لها ضاحكاً :
"ولماذا لا نهدر اموالنا مرة ؟ انت تريدينها ... وانا سأشتريها لك. انها تمثل حالنا يا حبيبتي ... راقصة باليه وبيانو .تقبليها مني ... ستجلب لك الحظ "
اقفلت الغطاء بعصبية, فاختفت الراقصة الصغيرة وصمتت الموسيقى. فمن الجون التعلق بذكريات عاطفية لا تعود عليها الا بالحزن و الالم. الأفضل ان تتخلى عنها وان تنسى, وكذلك تأمل في تسعد هذه اللعبة صديقتها الصغيرة ولو للحظة عابرة .
وفيما كانت هيلين تغادر غرفتها, دخلت نورين وقالت لها مبتسمة :
"انه فستان حريري رائع و يناسبك كثيراً. ولكن لماذا لا تستغيلن المناسبة لتسريح شعرك الجميل بطريقه جذابة؟ "
"ولماذا افعل ذلك وانا في طريقي لزيارة جولييت ؟"
هزت نورين كتفيها ثم قالت لها بلهجة حرجه وشبه ساخرة :
"انها مناسبة مثيرة للاهتمام. فعلى الأقل انت تبدأين بأفضلية لم تحصل عليها اي منا "
ظلت هيلين حائرة لا تعرف مغزى هذه الملاحظات, فما كان من نورين الا ان قالت ضاحكة :
"بالله عليك, كفي عن تمثيل دور البلهاء. فكأنك لم تعرفي انني اتحدث عن اكثر الرجال جاذبية في هذه الجزيرة نصف الميتة .حسنا يا صغيرتي. فليكن ما تريدين. انك ذاهبة فقط لرؤية جولييت التي يبدو انها متعلقة بك الى حد ما, و انت تحملين لها هدية صغيرة. انها حقاً خطوة ذكية وتغطية رائعة "
اصيبت هيلين بدهشة حقيقية عندما لاحظت اخيراً الهدف الذي ترمي اليه نورين من تلك الوخزات المتلاحقة. ولأن حيرتها كانت اقوى واشد من انزعجها, اكتفت بالتساؤل :
"وهل تعنين السيد فالمونت, و الد جولييت؟ احقا تعتقدين ان ...؟"
توقفت هيلين لحظة ثم تابعت حديثها بمرح مماثل وابتسامة تحمل الكثير من المعاني :
"ولكني لا اكاد اعرف الرجل !َ"
"ها قد سنحت لك الفرصة الآن. وحظاً سعيداً لك ... فأنك ستحتاجينه "
احمرت و جنتا هيلين لانها شعرت بشيء من الضيق و الانزعاج بسبب تلك الجملة الاخيرة وقد تذكرت اللقاء الوحيد الذي تم مع جستن فالمونت ثم قالت :
"احتاجه ؟ لا يا عزيزتي, فأنا لا احتاج الى الحظ السعيد في هذا المجال ... و لا اريده. فشكرا لك "
تمددت نورين على السرير وقالت لهيلين بعد ان لاحظت احمرار خديها :
"لا داعي لهذا الاحتجاج العصبي. ما اعنيه هو انه لماذا لا تحاولين ؟ فكلنا حاولنا وفي حال الفشل يمكنك دائماً الاعتماد على وجود تريفور هيرلي "
حدقت بها هيلين بدون التفوه بشيء, وكأنها فقدت القدرة على الكلام. هل هذا هو كل ما يفكرن به ! ملاحقة الازواج المحتملين او تحليل فرص كل منهن في سعيها وراء الزوج المطلوب ! وفجأة قالت لها بلهجة باردة :

" انا لست مهتمة بجستن فالمونت على الاطلاق. والمرات النادرة التي التقتيه فيها قبل الآن لا تشجعي ابداً على تغير نظرتي السلبية اليه "
" هذه هي المشكلة يا عزيزتي. انه جاف جداً مع النساء و يحاول ابعادهن عنه. واذا احبته فتاة و لم تفلح في كسب مودته او حبه فانه قادر على تدميرها. لقد كنا جميعا نعتقد في العام الماضي بأن لوسي سندانا اوقعته في شباكها. كانت متأكدة من ذلك لدرجة اننا بدأنا نعد العدة لحضور حفلة زفافهما. وفجأة, اصيبت بشبه انهيار عصبي وغادرت الجزيرة لتقيم مع اختها, وعاد حستن الى برجه العاجي "
ازداد شعور هيلين بالضيق والانقباض, فحاولت الهاء نفسها بالبحث عن حقيبتها و منديلها ...وبالقاء نظرة اخيرة على المرآة. وعرضت عليها نورين استعمال عطرها الذي تفتخر به, فرفضته هيلين قائلة :
"لا, شكرا. فقد استخدمت عطري المعتاد "
هزت نورين كتفيها مرة اخرى, و توجهت نحو النافذة وهي تقول:
"لا داعي لهذا التصرف الجاف والرافض. فاصطياد الازواج هو المقبلات الوحيدة في هذه الجزيرة, كما ستكتشفين بنفسك اذا قررت البقاء هنا. ولكن بالطبع اذا كنت تفضلين حياة عادية وخالية من الاثارة والتشويق, فهذا شأنك. ها قد وصلت السيارة "
ثم استدارت نحو هيلين و قالت لها بلهجة ساخرة :
"انها الحدث الرئيسي لهذا العام. تحبين الابنة ثم الوالد. اسرعي يا عزيزتي, فالرجل المدمر جستن فالمونت ينتظرك .... شخصيا "
فتح لها جستن باب السيارة بعد ان رحب بها بكلمات تقليدية ,واخذ منها حقيبتها المصنوعة من القش ليضعها على المقعد الخلفي. وبمجرد جلوسها قربه, بدات اصداء الكلمات التي قذفتها نورين قبل لحظات تتردد في رأسها وتقلقها. هل من الضروري او من الصواب فعلاً اهداء الصندوق الموسيقى الصغير لجولييت ؟ وماذا سيكون تفكيره عندما تهدي ابنته شيئاً ما وهي لا تكاد تعرفها ! أليس من الافضل مثلاً ان تتناسى الحقيبة في السيارة, او ان... آه منك يا نورين ومن ملاحظاتك المثيرة للشكوك. فالذي بدا كشعور عفوي من العاطفة الحقيقية تجاه طفلة صغيرة, حولته الآن تلك الملاحظات الى امر مختلف تماماً. ولكن, ماذا لو كانت نورين صائبة في تحليلها ؟
وفجأة انعطفت السيارة بشكل حاد نحو طريق فرعي, فمالت هيلين رغما عنها نحو اليسار وارتطمت بجستن. الا انها سرعان ما امسكت بحافة الواجهة الجلدية وعادت الى الوضع السابق .فسمعت جستن يتمتم :
"عذراً, انني انسى دائما ان الانسان الذي يجلس الى جانبي معرض لمثل هذا الحادث, اذ ليست لديه ميزة التمسك بالمقود !"
تجاهلت اعتذاره تماماً, وظلت صامتة لبعض الوقت تحدق في الاشجار الموجودة على الجانب الايمن للطريق, وهي تختفي الواحدة تلو الاخرى. وبعد لحظات طويلة شعرت هيلين بأن عليها واجب التفوه بشيء ما, فلم تجد سوى كلمات قليلة تسأل بها عن جولييت. فأجابها جستن :
"افضل, على ما اعتقد. ولكني اخشى ان تكون قد بدات تضجر من قلة النشاط والحركة ...وربما من وجودها معي "
وعاد القلق يساور ذهن هيلين بالنسبة لهدية جولييت. وقبل ان تصل الى اي قرار نهائي بذلك الخصوص, شعرت بوقوف السيارة فرفعت رأسها لتلقي النظرة الاولى على منزل جولييت, الفيللا ميلوزا.
"انها فيللا جميلة جدا وطرازها يختلف الى حد كبير عن غيرها "
"شكراً يا هيلين. لقد بناها رجل فرنسي قبل حوالي ربع قرن عندما كانت جزيرة سلمندر مستعمرة فرنسية. تفضلي بالدخول, فجولييت بانتظارنا "
دخلت هيلين قاعة كبيرة تحمل جدرانها الاربعة عدداً كبيراً من اللوحات الزيتية الرائعة لفنانين مشهورين. وفيما كانت تتأمل تلك اللوحات, سمعت جستن يسألها :
"ما رأيك الآن بكأس من الشراب البارد ؟ام انك تفضلينة في الحديقة مع جولييت ؟"
ترددت هيلين قليلاً, فسارع فالمونت الى توجيه السؤال التاني :
"هل تحبين شرابك مع الثلج ام بدونه؟ "
"مع الثلج, لا بل مع الكثير من الثلج, شكراً "