لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء
التسجيل مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

قصص من وحي قلم الاعضاء قصص من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28-01-22, 09:44 PM   المشاركة رقم: 1676
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,163
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*

بالرغم من أن الباب الموجود خلفها انفتح منذ وقت

كإجراء روتيني لخروج ركاب الدرجة الأولى أولاً إلا

أنها لم تغادر مكانها حتى كانت تسمع أصوات باقي


الركاب يغادرون من الباب المخصص لهم وكان نظرها

مركزاً على الحقيبة الورقية الكبيرة بقربها والتي

وضعت الفستان فيها سابقاً

وتساءلت إن كانت عائلة كعائلته ستهتم لأمر الاحتفاظ به

أو التفكير في الأموال التي دُفعت ثمناً له إن هي تركته

هنا أو في أي مكان وغادرت ؟

لكنها لا ترغب في هذا فعلاً فهو بات يعني لها أكثر من

ذلك بكثير ، وضعت باقة الأزهار معه تحاول دسها في

الكيس دون أن تتلفها ووضعته بجانب كيس الهدايا

ونظرت لحقيبتها الصغيرة وفتحتها وأخرجت قطعة الثياب

الوحيدة التي جلبتها معها لأنه كان عليها أن لا تأخذ

معها إلا أوراقها وجواز سفرها حسب أوامره .



أخرجت الحجاب الناعم بألوانه الهادئة الجميلة ولفته حول

شعرها ورأسها بإحكام وحركة بطيئة وكأنها تتلذذ بفعل

ذلك .. وهي كذلك بالفعل وما كان يمسكها عنه سوى

عيشهم في تلك البلاد وكل ما قد يواجهها وعائلتها

وعملها من صعوبات وتنمر إن هي لبسته ، تعلم بأنها

ليست حجة تتحجج بها لكنها أرادت دائماً العودة لبلادها

من أجل هذا في المقام الأول فهنا فقط يمكنها ممارسة

دينها دون أي ممانعة من أحد أو نظرات إزدراء .


وقفت بعدها ورفعت حقائبها ونظرت نحو المضيفة التي

كانت تقف عند الباب وخجلت من الابتسامة التي كانت

تهديها إياها بالرغم من أنها واقفة هنا منذ وقت تنتظرها

بالتأكيد لأنه يفترض بأنها أول من غادر من هنا وليس

آخرهم ولم تستطع كما يبدو تذكيرها بأن الطائرة توقفت

منذ وقت وبأنه لا أحد غيرها هنا .



توجهت نحوها واعتذرت منها مبتسمة وهي تغادر الطائرة

نحو الطابق الثاني من المطار بخطوات لم تتوقع أن تكون

بطيئة مترددة هكذا ! استخدمت المصعد الذي وجدت

مضيفة أخرى في انتظارها لتفتحه لها ببطاقتها الخاصة

وعلمت حينها بأنها تركت اثنتان في انتظارها وليس

واحدة .


وما أن انفتح الباب أمامها ووجدت نفسها في صالة

المسافرين ووقفت مكانها تنظر حولها بابتسامة واسعة

وكأن جميع الموجودين هناك كانوا في انتظارها !

وشعرت بقلبها يرتجف حماساً وسعادة بذاك المشهد، كانت

تحاول أن ترى وتسمع الجميع فهي لا تصدق بأن جميع

الموجودين حولها يتحدثون لغتها ولهجتها الأصلية التي

حرص والداها على تنميتها فيهما ومنذ الصغر ، لا تصدق

بأن جميع هذه الوجوه تنتمي لها دماؤهم واحدة والأرض

من تحت أقدامهم هي موطنهم جميعاً .. موطنها وبلادها

وغذاء روحها الذي لطالما شعرت بالحرمان منه وتمنت

عيش هذه اللحظة وتذوق لذتها .



كانت تبتسم في وجه كل من وقعت عينها عليه لايعنيها ما

سيفهم من سلوكها هذا وبماذا سيترجمه وكل ما يهمها أن

يوصل قلبها رسالته لهم وبأنها تحبهم جميعاً بعيوبهم

ومميزاتهم لأنها تنتمي لهم وتجرعت مرارة العيش في عالم

يفتقر لوجودهم بل ويحاربهم ويكرههم ، وبالرغم من كل ما

عانته عائلة والدها من إبادة جماعية على ترابه الذي

تشبعت به دماؤهم إلا أنها لا تلقي باللوم عليهم ولا تشعر

بالغضب لذلك بل بالفخر لأنهم قدموا أرواحهم وعائلاتهم من

أجل هذا الوطن .. من أجل وحدته وحريته وكرامته

وارتفاع رايته عالياً .


كانت تسير بينهم بحركة بطيئة بينما لازالت نظراتها تبحث

عن وجوههم جميعاً كما ابتسامتها الجميلة التي بدأت تأخذ

مفعول السحر على الأغلب وهم يبادلونها بمثيلة لها .



" إن انتهيتِ من توزيع الهدايا المجانية علينا المغادرة "


اختفت ابتسامتها تلك ونظرت نحو صاحب الكلمات الساخرة

الذي أصبح يقف بجانبها ولم تشعر به وكان لايزال بلباس

الطيران وأغضبتها التسلية التي رأتها في عينيه وشعرت

فقط بأنه يسخر منها فقالت متضايقة وإن بصوت منخفض

لأن الجميع بات ينظر نحوهم لوجود قائد الرحلة هنا

" أنت لم تعرف معنى أن تعيش خارج وطنك "


تبدلت ملامحه للجمود فجأة وقبل أن ترتسم ابتسامة جانبية

على طرف شفتيه وتمتم متجهماً

" وأنتِ لم تعرفي بعد تفكير الرجال المختلف هنا لذلك لا
أريد ضرب أحدهم لأنه يحاول إيصال رقم هاتفه لك "


حدقت فيه بذهول لتفكيره في تلك النتيجة وارتخت أصابعها

ما أن أمسكت يده بالحقيبتين الورقيتين الكبيرتين وحملها

عنها وسارت منصاعة ما أن لامست يده ظهرها يسير بها

نحو باب المطار الرئيسي مباشرة ، وسَرت قشعريرة قوية

على طول عمودها الفقري ما أن أدار رأسه بحركة شامخة

تشبهه وهمس قرب أذنها

" أنتِ أجمل بالحجاب "


شعرت بوجنتيها تشتعلان وقلبها قفز لحلقها ليس بسبب

كلماته تلك فقط لأنها تضعه عن اقتناع تام وليس لنيل رضا

أي أحد ولا هو نفسه بل بسبب يده التي ما أن تحركا وسط

جموع المسافرين رفعها لكتفها وأحاطت ذراعه بهما ممّا

جعل النظرات الفضولية تتحرك معهما ، ولم تستطع التنفس

بشكل طبيعي حتى أصبحا خارج المطار وحيث أضواء

الأعمدة القوية المنتشرة في كل مكان وحررها منه ورحمها

حينها بسبب السيارة التي وقفت أمامهما مباشرة وقد انفتح

بابها سريعاً ونزل منها شاب بزي سائقي المطار واقترب

منه ومد له مفتاحها قائلاً بابتسامة

" حمداً لله على السلامة سيدي "


شكره مبتسماً وهو يأخذه منه بينما تولى فتح الأبواب

لهما ، وما أن انطلقت السيارة مغادرة المطار للطريق

السريع المتسع بدأت بمسابقة الريح لقوة محركها ومهارة

سائقها ، ولأنه وكما عرفت عنه ويظهر واضحاً على

شخصيته صمته يفوق حديثه بمراحل كبيرة عمّ السيارة

سكون وهدوء مع فخامتها حتى كانت تشعر بها وكأنها

تطير مع الريح دون محرك ودون أن تلامس الأرض ولأن

كلماته الأخيرة لازالت تطرق قلبها وتخشى من زوال

مفعولها بسبب أي حديث آخر قد يزعجها غرقت في

الكرسي الجلدي وعادت لرحلة النوم التي يبدو لم

تنهيها بعد .


*
*
*

كان العشاء هادئاً كما يمكن تسميته وإن كانت في عالم أبعد

ما يكون عن ذلك لأن الضجيج في رأسها لم يتوقف أبداً

كما التفكير المتواصل في كل ما قال وسمعت منه وإن لم

يخبرها مفصلاً بما دار بينهما إلا أنها فهمت بأنه كان

غاضباً لانتقالها إلى هنا كما يرفضه ويعلم بأن هذا ما

سيقف عائقاً بينه وبين مخططه لإخراجها من البلاد ونفيها

بعيداً عنه ، وهذا ما يبدوا كانت ساندرين تتوقعه لذلك فعلت

كل هذا وأرسلتها إلى هنا ودون أن يعلم أحد ولا والديها ولا

حتى هي نفسها كي لا تعترض أو تمانع وبذلك تنتقل الحرب

بين مطر شاهين وبينه لأخرى بينه وبين ساندرين

وأصبحت هي كالكرة بينهم جميعاً كل واحد منهم يريد

تصويبها للمرمى الذي يريد أن يحقق به هدفه ولا أحد منهم

جميعاً فكر بها كمخلوق بشري له مشاعر وأحاسيس

وليس قطعة من حجر لا قلب له يشعر ويتألم مثلهم .


بعد العشاء الذي أجبرت نفسها مكرهة على تناول القليل

منه رغم روعة مذاقه والذي لم تشارك في الحديث القصير

الذي دار فيه بين فاليريوا ووالده ليس فقط لأنها لا تعرف

أصحاب الأسماء التي تحدثا عنها بل ولأنها لا تملك أدنى

رغبة في قول أي شيء ، وكان حينها عليهم الانتقال لغرفة

الموسيقى وشرب الشاي فيها وهو أحد طقوس سيد المكان

العديدة والتي لازال يتمسك بها وبقوة وعليها الانصياع

ليس لأنها مجبرة على ذلك فقط بل ولأنه صاحب المكان

الوحيد الذي يأويها حالياً كشخص آخر غير ماريه هارون

التي كانت بحاجة دائمة لنصائح وإرشادات وتوجيه الجميع

وسمعت هنا وللمرة الأولى في حياتها كلمة

( القرار لك وحدك )

وإن كان الحزن والتعاسة في قلبها أفسدا معناها لديها

ولأنها تعيشها كشخصية غير حقيقتها وإن استثنينا بأنه

رأي الابن فقط ولا تعلم حتى الآن إن كان لوالده رأي

مشابه أو بأنه نسخة جديدة عنهم .


كانت الموسيقى هادئة وجميلة أخذتها لعالم بعيد جداً عمّا

هي فيه وسافرت معها بعيداً لماضيها ولكل العقبات التي

مرت بها وعايشتها وحيدة وحتى الأمل الوحيد الذي عاشت

تنتظر تحققه والذي تيقنت بعد وصولها هنا بأنه ميت ومنذ

وقت طويل يسخر من تعلقها به ، وأخذتها دوامة أفكارها

الحزينة من واقعها درجة أنها لم تشعر بوقوف فاليريوا

والجالس قرب والده واستئذانه مغادراً لأن عليه النوم

والمغادرة صباحاً لنورثود ، ولم يجذبها لواقعها ذاك سوى

توقف صوت الموسيقى فجأة فرفعت نظرها للواقف قرب

الآلة الكلاسيكية التي كانت تنبعث منها وكان غاستوني

الذي قال بجدية ينظر لعينيها

" لا يبدو لي أنك سعيدة بتواجدك هنا ماري "


" لا مطلقاً "


قالتها سريعاً وهي تقف على طولها مندهشة من ملاحظته

أو بالأحرى خائفة من اكتشاف كذبتها وكابوسها الأول حالياً

والذي ستحتاج لوقت طويل لتتخلص منه وتعتاد كما يبدو .


ابتلعت ريقها بصعوبة تنتظر تعليق الذي قال أخيراً ولم

تتخلى ملامحه عن الجدية

" كنتِ صامتة طوال وقت العشاء كما أن كوب الشاي
أمامك أصبح بارداً ولم تشربي منه شيئاً ولم تشاركينا
الحديث بسبب شرودك الحزين طوال الوقت "



نظرت لا شعورياً لكوبها الذي لم ترفعه من مكانه كما قال

ونسيت أمره تماماً في رحلتها التعيسة تلك مع ماضيها ،

وما أن نظرت له مجدداً قالت بأدب وهدوء وإن كان قلبها

يكاد يُحطم أضلعها بسبب ضرباته المجنونة

" السبب ليس تواجدي هنا كن متأكداً عمي "


نظر لعينيها بصمت لبرهة شعرت بها سنوات طويلة بسبب

توترها تشد يديها ببعضهما بقوة لتخفي كل ذلك فيهما

ورحمها أخيراً وقد تحركت شفتاه الحازمة وقال

" ما السبب إذاً فأنا لا أريد رؤية حفيدة شقيقي
حزينة هكذا "


ترددت قليلاً بل وضاعت فيما يمكنها قوله والتبرير به

وهربت بنظراتها منه ما أن استطاع عقلها تصور الحقيقية

بما يمكنها التصريح به وقالت بحزن

" لقد مررت بأوقات صعبة سابقاً وأحتاج لبعض الوقت
لأكون بخير "



" حفيد اليونانيين ذاك تعنين ؟ "


ارتفع نظرها له سريعاً وما أن قال تلك الكلمات وبنبرة

متضايقة هذه المرة وقالت مباشرة

" لا .. أنا ... "


وبدأت تتلعثم وخشيت بأن يشك في أقوالها بسبب ذلك

خاصة وأنه يبدو صاحب ذكاء حاذ فقالت سريعاً موضحة

" أقصد قبل قدومي للندن "


لكن محاولتها تلك بآت بالفشل كما يبدو أو أنه لم يهتم لها

وهو يعود لذات كلامه السابق قائلاً بضيق

" ذاك المغرور المدلل لازلت مستاءً من فكرة أن يكون

وصياً عليك وبموافقة والدك سابقاً ولم أقتنع أبداً بكل

الأمور التي كنتِ تخبريني عنها وتخصه "



عادت للهرب من نظراته القوية الحازمة تنظر ليديها التي

احمرت مفاصلها من شدة ما كانت تفرغ كل ما تشعر به

وتكبته بها وعاد لها حديث ابنه الأخير عن خطاباتها

الماضية وما تحمله وتخفيه أيضاً وها هو أحدهما بات

يصدقها والآخر أصبح يكذبها ! رفعت نظرها له ما أن طال

صمته ينتظر تعليقها ورطبت شفتيها قبل أن تقول بحزن

حقيقي لا تمثيل فيه نطقت به عيناها قبل كلماتها

" أنا أريد أن أنسى فقط عمي .. أن أنسى كل شيء أصبح
من الماضي الآن "



وكان لكلماتها تلك مفعول السحر فعلياً حيث كان رد فعله

المبدئي أن أوما برأسه موافقاً بحركة خفيفة وتحرك من

مكانه أخيراً ناحية باب الغرفة المفتوح قائلاً

" علينا أن ننسى الماضي إذاً فأنا أيضاً أريد ذلك كما لن
أسمح له بأن يتكرر "



تبدل الحزن في عينيها لتشوش وهي تراقبه يبتعد ورأس

عصاه يضرب الأرض بحركة قوية من يده وآخر ما قال

وهو يجتاز الباب مغادراً

" عمتِ مساءً "



فتنفست الصعداء وسمح بذلك لأنفاسها أن تتحرر من

صدرها بدفعة قوية وتحركت من مكانها أيضاً مغادرة

باتجاه السلالم ولغرفتها مباشرة وكأنها ستحميها بجدرانها

من جميع الموجودين في ذاك المكان .


*
*
*

وصل باب غرفتها المغلق ووقف أمامه وتنهد بقلة حيلة قبل

أن يطرقه قائلاً

" زيزفون العشاء سيبرد لا تأخذي الدواء دون طعام "


والنتيجة كانت ذاتها الصمت التام فهي ومنذ وصولهما

دخلت الغرفة ولم تغادرها أبداً وهذه المرة الثانية التي

يطرق الباب ويخبرها عن العشاء الذي وصل منذ وقت ،

امتدت يده ببطء نحو مقبضه وتوقفت فور وصولها له

وقبض أصابعه قبل أن يبعدها وغادر من هناك معلناً

استسلامه ونزل السلم القصير الذي كان يفصل الغرف عن

بهو الشقة الواسع ونظره على طاولة الطعام والأطباق

الموزعة فوقها وشعر بأن رغبته في تناوله تبخرت أيضاً .

جلس عند أول أريكة وصل لها وأخرج هاتفه وأوصله

بالإنترنت ، استرخى على ظهرها المريح وكأنه سيستلقي

عليها ورفع قدمه على طرفها بينما أدار يده الحرة خلف

رأسه وبدأ يحاول إيجاد حل بمساعدة الشبكة العنكبوتية لما

لا خبرة مطلقاً له فيه ولا حل أمامه غيره فلا يمكنه الخروج

للأسواق الآن ويعلم جيداً رأيها إن طلب منها مرافقته

لذلك عليه إيجاد حل للأمر بنفسه .


دخل أحد المواقع الإلكترونية الخاصة ببيع الملابس النسائية

وتواصل مع البائعة وشرح لها طلبه كي لا يقضي الوقت

في البحث بين المنتجات المعروضة وإن كانوا يملكون

برنامجاً لتحديد طلباتك لكن الأمر أيضاً كان أصعب مما

يتوقع ، كانت الأمور تسير على ما يرام حتى توقف عند

سؤالها عن القياسات ووقف أمام جدار سميك جعله يشعر

بالإحباط فكيف سيعلم عن قياسها ؟

وانتهى الأمر بأن اقترحت عليه بأن تريه صوراً لعارضات

تخصهم وهو يحدد الوزن والجسد الأقرب لها ووجد أنه

الحل الأنسب .


اتسعت عيناه مصدوماً ما أن أرسلت له ثلاث صور لنساء

لا يغطي أجسادهن إلا الملابس الداخلية وهمس من بين

أسانانه بحنق

" ليس غريباً عنكم بالتأكيد "


اختار من اعتقد بأن لها الجسد الأقرب فهي ليست زوجته

أو عشيقة له كما تظن تلك البائعة بالتأكيد لكن لا حل

أمامه ، أنزل الصورة وكتب لها عليها

( هذه هي )


وصله ردها سريعاً

( اتفقنا .. سيكون طلبك لديك خلال ساعة واحدة )


تجمد أصبعه كما حواسه جميعها فجأة وحين شعر بحركة ما

خلفه واستدارت عيناه قبل رأسه مع التي خرجت من خلفه

وسقطت مقلتاه دون شعور منه على شاشة هاتفه مجدداً

والصورة والمحادثة التي كانت فيها وبحركة غبية لا

شعورية قلبه على فخذه وهو يستوي جالساً رغم علمه بأن

الحقيقة الواضحة لا تنفيها الأمنيات ولا حتى التوقعات .


كان ينظر لها بفضول وترقب بل وشعور كريه كرهه هو

نفسه بأن لا تكون لمحت أو رأت ذلك لكنها وكالمعتاد

نسفت جميع أمنياته بل وخانت حتى توقعاته بأن لا تعلق

على الأمر كعادتها حين جلست ونظرت للفراغ

متمتمه ببرود

" أهكذا يخدعونك بسلب الأموال منك ؟ "


وكانت تلك فرصته لتبرير موقفه وهو أفضل بالنسبة له من

صمتها واختزال تلك الفكرة الكارثية عنه أو أن يبرر هو

لنفسه دون تعليق منها ورغم ذلك خرج صوته متضايقاً

حين قال

" أما كان كافياً ما علمته عن وقاص حتى اللحظة ؟ "


نظرت له وقالت بابتسامة ساخرة متملقة

" عنيت بأن أمثالهم يبيعونك الثياب الغير مرغوبة لديهم

لأنك لا ترى البضاعة كاملة "


كان رد فعله المبدئي نظرة مصدومة دامت لجزء من الثانية

فقط قبل أن يرتفع رأسه عالياً مع ارتفاع ضحكته التي لم

يستطع التحكم بها ويعترف بأنه يضحك على غبائه

وتسرعه ، قال ما أن انتهى من ضحكه وقد عاد ونظر لها

" أنتِ لا يمكن التغلب عليك مطلقاً "


تبدلت نظرتها للجمود وكتفت ذراعيها لصدرها وقالت ببرود

" بل أنت من يتصرف كالأغلب .. إنها عيوب حمقاء
في البشرية "


كان يعلم بأنها تقصد التسرع في الحكم والخوف المتسرع

من ردود أفعال من يهمنا أمرهم درجة أن لا نفكر بشكل

سوي ونحكم على أفكارهم من منطق مشاعرنا نحوهم

لذلك قال بهدوء

" إنها طبيعة البشر فعلاً ولا يمكن وصفها بالغباء "


وأتاه الدليل الفعلي لذلك حين نظرت لعينيه تحديداً

قائلة ببرود

" وتحكيم المشاعر الإنسانية يجعل من الشخص
عدواً لعقله "



كان يعلم بأنها تقصده بل ونقاشهما في المطعم اليوم تحديداً

لذلك أكمل نظريتها سريعاً وقد قال ببرود مماثل

" أو سيكون بلا قلب "

كان يحاربها في أرضها ومن ذات منظورها لذلك لم يتوقع

منها الرحمة أبداً ، وكانت كذلك بالفعل وقد أهدته ابتسامة

ساخرة كرصاصة توجهها نحوه في كل موقف مشابه وقالت

" من الغريب أن يقول هذا من وصل لمركز مدعي عام
وفي هذا السن "


لم يستغرب هذا منها بالطبع كما اعتاده وألفته نفسه لذلك

عاد وهاجمها بالسلاح نفسه قائلاً بجمود

" لم أتخلى عن إنسانيتي يوماً كما لم أفشل أبداً "


أبعدت نظرها عنه وكأنها تختلي بمشاعرها ونظرت ناحية

الواجهة الزجاجية بعيداً وأنوار ناطحات السحاب العالية

وقالت بعد صمت لحظة وبجمود بينما بدت وكأنها

تخاطب نفسها

" وإن كنت ناجحاً فهذا لا ينفي بأنك ضعيف أمام مشاعرك
ولهذا ترفض القضايا المتعلقة بالأقربين لك "



ولاذت بالصمت للحظة أخرى شعر فيها بالمعنى الفعلي

لتأثير كلماتها تلك عليه قبل أن تتابع بنبرة جوفاء لا تعبير

فيها بينما لازالت نظراتها شاردة هناك

" أمثالك يواجهون صدمات عنيفة من المقربين لهم نهاية
الأمر أو حين يتمردون على سلوكهم المعتاد ولن
يُقدر لك أحد ذلك "



ابتسم بحزن وهو ينظر لما يظهر له من ملامحها فقد كانت

وكأنها معه في كل ما حدث له مؤخراً وصدمته الفعلية بعدم

تقبل عائلته لسلوكه الجديد حين قرر التمرد على طباعه

القديمة ! ورغم ذلك قال وكأنه يتلذذ بمناقشاتهما

ومهما كانت

" وما علاقة هذا بالمشاعر الإنسانية ؟ "


ابتسمت بسخرية وتمتمت ونظرها لازال هناك

" ستموت تباعاً "


قال سريعاً ونظر لم يفارقها

" لن يحدث ذلك أبداً "


استدار رأسها نحوه حينها ونظرت له بعينين مشوشة بشكل

واضح وكأنها حوصرت وسط فكرة لبرهة من الزمن لكنها

سرعان ما عادت لطبيعتها وقالت بجمود

" ستعيش غريباً وتموت وحيداً إذاً "



انقبضت أصابعه لا شعورياً ولا يعلم لما شعر بألم خفي

حينها وكأنه استشعر بأنها كانت تتحدث عن نفسها وآلمه

مجرد التفكير في الأمر وإن كان مجرد ظنون وخيالات في

عقله وقال بكل ما يستطيع لجعل صوته يبدو طبيعياً وهادئاً

" نحن بحاجة لمن حولنا يا زيزفون عليك تغيير أفكارك
لأنها خاطئة ، ومشاعرك نحو شقيقك أكبر مثال "



" لا ليست كذلك "


قالتها بكلمات مندفعة قوية وأنفاسها بدأت تعبر عن غضبها

المكبوت حتى الآن كما يبدو لكن ذلك لم يوقفه بل قال

وبإصرار ينظر بقوة لعينيها

" ماذا إن واجهك يوماً برأي مخالف لاعتقادك ووصفك
بأنك بلا قلب ولا مشاعر ؟ "


اتسعت عيناها وكأنها لم تتدارك صدمتها لتتحكم في

مشاعرها كالمعتاد ، ولم يترك لها فرصة التقوقع على

نفسها مجدداً وقد تابع من فوره وبنبرة جادة

" هل ستعترفين بذلك حينها ؟ "


وكما توقع فقد اشتعلت الزرقة الجميلة في عينيها لتتحول

لشهب غامقة بينما خرجت الكلمات منها مندفعة

بحزم رافض

" لن يحدث ذلك لأنه يعلم جيداً عن حجم المعاناة التي
طالتنا جميعنا وهو أيضاً ولأعوام "



كان يعلم بأنه يسير في أرض ملغمة ويخاطر مجدداً وبأن

موقف المطعم صباحاً يتكرر وبطريقة أسوأ لكنه لن يتراجع

وعليها أن تواجه عيوبها وإن رفضها عقلها فليس لديها

مكان تهرب إليه منه الآن فأعاد مجدداً وبكلمات قوية

وإصرار عنيد ينظر لعينيها

" وإن حدث ذلك يا زيزفون ؟ "



وخانت جميع توقعاته حين صرخت بانفعال غاضب

" إن فعلها فهو ليس شقيقي ولا أعرفه ولن أعترف به "



لا ينكر بأنه شعر بخيبة أمل حطمت قلبه حينها وبأنها خانت

توقعاته بكلماتها الأخيرة فهل يتغلب الحقد في قلبها حتى

على حبها لشقيقها ! هل وصلت لهذه المرحلة بالفعل ؟

وتذكر فجأة كلمات جده سابقاً عن أنها امرأة ميتة خاوية

وجسد بلا روح تغذيه أحقاده فقط ومن دونها لا يستمر

ويموت وازداد شعوره بالألم فخرجت الكلمات دون استئذان

منه بينما بدت نبرته تعيسة مخذولة

" أنتِ لا تقسين على نفسك فقط بهذا "


طال صمته بعدها كما نظراتها التي لم تفارق عينيه وتمنى

أن تسلل منها لعقلها وعلم ما كانت تفكر فيه حينها ، ولأول

مرة في حياته يشعر بالعجز عن فهم امرأة ! بل هي أول

امرأة يعجز عن فهمها المطلق بالمعنى الأصح فهي عبارة

عن لغز يسير على الأرض يصعب عليه التكهن بأي رد

فعل لها أو فهم أي معنى تخفيه خلف تصرفاتها وكلماتها

وتسائل هل هي بالفعل كما قال جده تستغله للوصول

لأهدافها لذلك باتت ردود أفعالها وتصرفاتها تتناقض معه ؟

لكن لما ستفعل هذا وهي ليست من ذاك النوع من

الشخصيات المريضة بحب الذات !

عاد به عقله لنقطة البداية تلقائياً حين وصل به لطريق

مسدود وقال بابتسامة دمجت السخرية والمرارة معاً

ونبرة عميقة

" مؤكد لم تعرفي يوماً شعور الرفض وقسوته "


لم يتوقع أبداً أن يقول هذا ويعترف لنفسه بذلك فيبدو أن

اليأس والإحباط يوصلان الإنسان لمرحلة ألامبالاة وعدم

توقع النتائج وتجنبها !

لكنه لم يندم أيضاً لأن كبته المستمر يؤذيه أيضاً وبطريقة

أكثر قسوة ، وتبدلت مشاعره سريعاً للترقب الفضولي حول

رد فعلها وتعليقها حتى تغلبت على كل ذلك وفاجأته ككل

مرة حين قالت ببرود بينما كانت تنظر لعينيه بمكر أنثوي

"هل الأمر ممتع في رأيك ؟مؤكد كانت لك تجارب مماثلة "



لم يستطع كتم الضحكة الصغيرة التي افلتت منه وإن كان

أخفض رأسه حينها يغرس أصابع يده في خصلات مقدمة

شعره فلازال يتمنى أن يتوقع وإن لمرة واحدة هجومها

المميت أو رد فعلها وها هي عادت واتخذت وضعية التلذذ

بمحاصرة خصمها في زاوية ضيقة ولن يسمح لها مطلقاً

بهزيمته هذه المرة ، دفع أصابعه للخلف خلال خصلات

شعره الناعمة وصولاً لقفا عنقه وهو يرفع رأسه بينما

ارتسمت ابتسامة ماكرة على شفتيه وقال

" نعم لكني لم أشعر بالتسلية يوماً وأنا أرفض إحداهن ،
تمنيت فقط أن كان من الممكن توجيه المشاعر
للمنحى السليم "



وكان هجومه مباشراً بل وقوياً ضدها وهو يعكسه عليها

ويضعها في مكانه بحيث أنها تتمنى لو كان بإمكانها نسيان

أحقادها وتوجيه مشاعرها بشكل صحيح لتحبه ، وتوقع أن

تتهرب من ذلك بمهاجمته وذاك ما فعلته بالفعل وهي تهديه

ابتسامة مشابهة لابتسامته تلك قائلة

" أتعني بأنك تمنيت أن أحببت المدعوة إلينا بدلاً
من زوجتك تلك ؟ "


كانت الضربة أقسى مما كان يتوقع جعلت ملامحه تتخذ

وضع الرفض سريعاً ودون شعور منه مما جعل ابتسامة

النصر ترتسم بوضوح على شفتيها وذاك ما جعل كلماته

تخرج مستاءة حينها وهو يقول

" نحن نضع الأمثلة عن كلينا "


كلماته تلك جعلت ملامحها أيضاً تتخذ وضعية أخرى وهي

الجمود التام بادئ الأمر وهذا كان معاكس لتوقعه بأن

تستمتع بانتصارها عليه بل وخرجت كلماتها متضايقة

وبشدة حين قالت

" بل رأيك يعبر عن نفسك فقط "



اتخذ هو وضع المنتصر حينها وهو ما ظهر على ملامحه

وابتسامته ونصب ساقه الأيمن على ركبته وأمسك قدمه

بيده اليسرى وقال بمكر ينظر لعينيها

" ظننت بأن الأمثلة توافق جميع الحالات المشابهة "


وكان ذاك ما جعلها تقف على طولها تشد قبضتيها بجانب

جسدها بقوة وإن كانت ترسم على وجهها قناع قوي من

الجمود وهو المتوقع منها بالنسبة له ، ولأنه السبب فيه

كان عليه توقع أي عقاب من طرفها لأنه يتهمها وعلانية

بأنها تحارب مشاعرها وتحاول إخفائها بقتلها ، وكان له

ما توقع بالفعل وقد قالت وبكلمات باردة كالجليد

" أرى بأن موت شقيقك رفع الكثير من القيود عنك ! أم
نسيت بأنني في فترة حداد كما تقول ؟ "



جعلته كلماتها تلك يصمت تماماً وإن كانت الابتسامة

المرتسمة على شفتيه وهو يراقبها وقد تحركت خطواتها

على الفور مجتازة المكان الذي يجلس فيه لم تنم عن

هزيمة ولا الشعور بالضيق وذاك ما جعله يرفض انتهاء

الحرب بالطريقة الاعتيادية لتكون الضربة الأخيرة لها لذلك

همس وهو يدير نصف وجهه نحوها ما أن كانت في خط

مستقيم يفصلهما في سيرها

" جبانة "


وكما توقع توقفت خطواتها فجأة ونظرت نحوه نظرة كفيلة

بقتله بسبب حدتها بالرغم من أن كلماتها خرجت جامدة

جمود الصخر حين قالت

" لحسن حظك أني لست في مزاج سيء لكنت أنت من
سيدفع ثمن هذه الكلمة "



ارتفع حاجباه مبتسماً وأمال رأسه نحوها متمتماً

" وبماذا ؟ "


ابتسمت بسخرية متمتمه أيضاً

" بالندم المميت بسبب تأنيب الضمير صباحاً "



قالت ما لديها وتابعت طريقها دون أن تهتم بما فعلته

بضحيتها بينما لم تستطع عيناه المفتوحتان على اتساعهما

إبداء أي رد فعل آخر سوى من مقلتاه اللتان مالتا قليلاً حين

سمع صوت الكرسي يتحرك من خلفه عند طاولة الطعام أما

باقي جسده كما حواسه كانت ما تزال في شللها المؤقت وقد

تذكر فجأة قبلتها تلك وجُرأتها لفعلها دون تردد فهل كانت

تعني أنها ... ؟

هل يدفعها العناد والإنتقام منه لفعلها ... !!



وبينما كان يسمع صوت ملعقتها المنتظم خلفه لأكلها بشكل

هادئ تماماً كان قلبه كما عقله يصرخان بصخب مرعب

وكأن كل واحد منهما سينفجر قبل الآخر ، ولم يشعر

بالارتخاء في عضلاته إلا حين سمع صوت خطواتها تصعد

عتبات السلالم بعد وقت قصير ، حينها فقط تحررت أطرافه

كما أنفاسه المتشنجة ووقف على طوله ونظر نحو طاولة

الطعام ثم للمكان الذي اختفت منه واشتدت شفتاه مع تغضن

جبينه بحنق ، سرق نظره شاشة هاتفه التي أضاءت فجأة

لأنه كان يضعه على الوضع الصامت وكان الرقم يخص ذاك

المتجر الإلكتروني فتأفف غضباً من نفسه ورفعه وأجاب

من فوره قائلاً

" ليس الليلة أرسلوهم في الغد "


وأنهى المكالمة من فوره ورمى هاتفه مكانه هامساً من

بين أسنانه

" يالها من هزيمة نكراء "


تحرك بعدها باتجاه السلالم وصعد أيضاً ووجهته الباب

المجاور لغرفتها ووجد نفسه ودون شعور منه يسير

بخطوات سريعة وكأنه يفر من الباب الذي يفصلها عنه !!



لكن مخاوف عقله الباطن تحققت بالفعل وتوقفت خطواته

حين فُتح فجأة وبشق الأنفس تمكن من التغلب على

تشنجات ملامحه كي لا تُظهر ما يحدث داخله وكي لا يظهر

بمظهر الجبان الخائف من تهديدها ذاك بالرغم من أن شعر

جسده بأكمله وقف حينها بينما كانت هي فوق هدوئها ألا

مبالي زاده صوتها البارد حين قالت

" هل ستغادر صباحاً ؟ "

همس دون شعور منه

" لا "


قالت من فورها وبجمود

" ذلك أفضل "


وضربت الباب بقوة في وجهه ما أن أنهت كلماتها تلك فشد

على أسنانه وتحرك بخطوات غاضبة نحو الغرفة الأخرى

ودخلها وضرب بابها أيضاً ووقف يداه في وسطه ونظر

حوله يبحث عن باب الحمام لأنه يدخلها للمرة الأولى ، وما

أن تحركت خطواته نحوه توقف فجأة ونظر لباب الغرفة

وتغيرت وجهته نحوه وأغلقه بإدارة مقبضه الذي يعمل

كمفتاح أيضاً وعاد نحو السرير وهو ينزع قميصه بحركة

غاضبة يتهرب من التفكير في سبب ذلك وبأنه لا يثق في

جنونها كما لا يثق في نفسه التي لن تصمد أماما بالتأكيد ،

رمى القميص بحركة غاضبة من يده وتوجه نحو

الحمام متمتماً

" تباً للنساء "


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 28-01-22, 09:46 PM   المشاركة رقم: 1677
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,163
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*


" كنانة "


اخترق صوته الرجولي الهادئ السواد الذي كان يغلف

عقلها قبل حواسها وهو ما جعلها تفتح عينيها ببطء قبل أن

تجلس بحركة واحدة ونظرت لنافذتها مندهشة حين اكتشفت

بأن السيارة تقف أمام منزل مرتفع تحيطه الأضواء وكأنها

نجوم ملتصقة بجدرانه الجيرية الجميلة وعلمت حينها بأن

رحلتهما وصلت لنهايتها !


وما أن سمعت بابه يُفتح فتحت بابها أيضاً ووقفت خارج

السيارة وارتفع نظرها لا شعورياً للبناء الذي أصبح أكثر

وضوحاً الآن وحدقت فيه بإعجاب ، سبق وأن رأت منازل

ومباني كثيرة رائعة ونادرة بحكم عيشها في تلك البلاد

لكنها لم تكن تتخيل أن ترى مثيلاً لها هنا بالرغم من علمها

المسبق عن ثروة عائلتهم كمالكي لسلسلة مصانع أغذية

وأسواق تجارية موزعة في البلاد بأكملها ، هذا غير

الاستثمارات الأخرى حتى كانوا من رواد الصناعة في البلاد

، هي لم ترى العاصمة حوران من الداخل فهل الحميراء هنا

مدينة كبرى مثلها ؟ لم يترك لها نومها المرضي فرصة

لمعرفة ذلك حين دخلتها سيارته لكانت تمتعت بالنظر لها

على الأقل وإن كان الوقت ليلاً .


سارت خطواتها خلفه ما أن توجه ناحية عتبات الباب

المرتفعة وفي صمت تام يشبه المكان حولهما لتأخر الوقت

الذي قارب منتصف الليل وكانت تظن بأن الصمت في

الداخل سيكون مشابهاً لخارجه حتى تجاوزا باب المنزل

وتفاجأت برؤية الواقفة هناك في انتظارهما أو في انتظار

ابنها بمعنى أدق ومؤكد تعلم سلفاً بوقت وصوله لأن

الابتسامة المحبة الصادقة التي كانت توجهها نحوه وفور

دخوله تبدلت فجأة للدهشة وما أن دخلت هي ورأتها تلاها

الاستغراب وهي تنقل نظرها بينهما فشعرت بتوتر غريب

ينتابها فجأة فهي كانت تفكر فعلياً في لحظة لقائها بها ،

وبالرغم من أنها من اختارتها لابنها وموافقة على وجودها

هنا إلا أنها كانت تفكر دائماً وتحتار في نوع هذه المرأة

التي قررت وأملت أوامرها عليه ودون نقاش ؟ فهي لا

تذكرها حين التقت بها سابقاً ورأتها فقد رأت الكثيرات في

تلك الأمسية من نساء مجتمع وحقوقيات ومقيمين هناك

ولم تستطع أبداً تذكر ملامحها وأيقنت الآن بأنها لم تراها

حينها ، ومؤكد لم تراها فهذا الوجه لا يُنسى أبداً .


كانت ضربات قلبها تتعالى تدريجياً بينما كانت نظرات

جوزاء تزداد حدة وهي تستقر أخيراً على عيني ابنها

والذي أدار عينيه عالياً بحركة بطيئة قبل أن ينظر لها

متمتماً ببرود

" قولي حمداً لله على السلامة على الأقل أمي "


وكما توقع بادرت بالهجوم وكأنه ضغط زر التشغيل

المتوقف مؤقتاً عن العمل وقالت بحدة

" لما لم تخبرني يا غيهم ؟ "


كان حاجباها معقودان بشدة كما نظراتها المشتعلة وذاك

ما جعل الواقفة خلفه تنكمش على نفسها وإن لم تتحرك

أطرافها وتمنت أن فرت هاربة من الباب وراءها كطفلة

خرقاء ولا تفهم لما ينتابها هذا النوع من الشعور حيالها !!

هل أفكارها السابقة عنها هي السبب ؟! أمّا الواقف أمامها

فوضعه كان مختلف تماماً ولم تكن تعلم بأن صمته حينها

مجرد نوع من التجاهل الرجولي الفطري لحديث النساء

وليس ضعفاً منه بينما لم تنتظر جوزاء أكثر من ذلك وقد

قالت بضيق ولازالت تنظر لعينيه

" أهكذا يتم استقبال عروس ؟ وفي هذا الوقت ؟! "


عبارتها تلك جعلت عينا كنانة تتسع بشكل فعلي تحدق فيها

بذهول ولحسن حظها أنها كانت لا تراها فهي لم تتوقع أبداً

أن يكون هذا هو السبب وراء غضبها منه !!

أتغضب وتعترض من أجلها هي ؟!

ظنت بأنها مستاءة فقط لأنها لم تكن تعلم ولم يأخذ رأيها

في الأمر أولاً !

انحرف نظرها نحو زوجها هذه المرة والذي دس يديه في

جيبي بنطلونه وقال بتملق ونظره لم يفارق العينان السوداء

المحدقتان فيه بحنق

" وكيف سيكون هذا الاستقبال وأنتِ تعلنين الحداد ! "


وكان ذاك ما زاد وضع مزاجها سوءاً وقالت بحدة

" غيهم .. إن كنت لا تحترم ميتهم وميتنا فأنا لا "


تنهد بضيق وقال مستسلماً نهاية الأمر وإن كانت

نبرته مستاءة

" كان الأمر مستعجلاً وطارئاً أمي فلما نصنع مشكلة من
لا شيء ؟ "


وتابع من فوره ومن قبل أن تعاود مهاجمته مجدداً

" ثم أنتِ لم يكن في نيتك إقامة حفل ولا صغير فما سيتغير
إن أبلغتك أم لم أفعل ؟ "


اتسعت عيناها فجأة وقالت بذهول غاضب

" تعاقبني يا غيهم ؟ "


أجفل مندهشاً وقال مستنكراً

" أمي بالله عليك ما هذه الأفكار ! "


لم تكن نظرتها تنم عن اقتناعها بل وعن اكتفائها بذلك

وكانت هذه المرة الأولى التي تستقبله فيها بهذا الطبع

الناري الحاد ويكره فعلياً أن يتشاجر معها أو يغضبها وإن

بكلمة من دون قصد لذلك سبقها قائلاً ببعض الهدوء

" أيمكننا ترك مناقشة هذا للغد أمي فجميعنا متعبون "


زمت شفتيها بحنق منه لكنها استسلمت نهاية الأمر

وإن لم يكن استسلاما تاماً فقد تمتمت ترمقه ببرود

" بالتأكيد يمكنك ذلك لكن كنانة لا "


لم يُنبئها هدوء نظراته برد فعله واستقباله للأمر ورغم ذلك

تابعت سريعاً وبحزم

" لن تدخل منزلها وغرفتكما قادمة من الطائرة .. هذا أمر
لا نقاش فيه "


كانت تعلم بأنه متعب بسبب الرحلة والقيادة لكنها أيضاً

تتفهم وضع الفتاة مثل ابنها تماماً وثمة واجبات نحوها

عليهم الالتزام بها ولن تسمح لاندفاعه الذكوري كرجل

بحرمانها من كل ذلك لذلك كانت نظراتها له تنضح إصراراً

وعناداً فكلاهما يعرف الآخر جيداً وإن كان غيهم يختلف

كثيراً عن أبان لكنها تعلم بأنه لا يختلف عنه حين يضع

عناده في المرتبة الأولى وما يحدث الآن أكبر مثال على

ذلك فهو رفض الانتظار لأنه اتخذ قراره ولا نقاش فيه

وتجاهل حداد العائلتين وما يمرون به ، لكنه خان جميع

توقعاتها حين اجتازها بخطوات كسولة ولازالت يداه سجينتا

جيوب بنطلون بذلته متمتماً ببرود

" لا بأس .. تصبحين على خير "


وغادر ناحية السلالم ونظراتها الحانقة تتبعه ولن تستغرب

استسلامه فهو وصل لمراده في جميع الأحوال كما لن

تستغرب أن يتنازل وإن قليلاً من أجلها فذاك كان طبعه دائماً

، قالت تنظر له وهو يصعد السلالم

" لا تنم ثمة ما علينا التحدث فيه "


كان جوابه المبدئي الصمت حتى كان عند آخر العتبات

المكشوفة لهما وقال حينها وهو يختفي عنها

" لا تتأخري إذاً أو ستجدينني نائم "


وغادر وتركها تنظر لمكانه الخالي منه وهو حال كنانة

أيضاً وإن كانت نظراتها مختلفة تماماً فهي لم تتوقع اللقاء

بين الأم وابنها المفضل هكذا !

لم ترسم صوراً ولا في أبعد أحلامها بأنه غيهم ذاته الذي

تعرفه هو ما ستراه هنا !!

وأتاها جواب كل ذلك ما أن نظرت ناحية التي قالت بضيق

تنظر لعينيها

" عليك أن تعتادي هذا هنا لأن تربية الأبناء الذكور تشبه
ترويض الثيران "


لم تستطع إمساك ضحكة صغيرة تغلبت عليها حاولت بكل ما

تستطيع كبتها كي لا تفهمها بشكل خاطئ لكنها فاجأتها

بضحكة مماثلة تلاها ابتسامة واسعة محبة وهي تتوجه

نحوها وقالت تفرد ذراعيها لها

" والآن مرحباً بعروس إبني وابنتي الجديدة "


شع وجهها بابتسامة واسعة تغلبت على دهشتها بالأمر

وتحركت نحوها ونامت في حضنها منصاعة وأغمضت

عينيها تستشعر ذاك الدفء الذي غمرها ولم تتوقعه

وذراعاها تضمها لها بقوة وحارت في تكوين شخصية هذه

المرأة كما ابنها من قبلها وتسألت هل ستضعها في خانة

مناصريها هنا أم العكس ؟!

فهي لم تتوقع سوى بأنها ستلعب دور شرطي المرور في

حياتها معه !

وتساءلت مجدداً هل ستلقي بأوامرها ويستسلم هو دائماً

هكذا أم أن ما حدث هنا قبل قليل هو العكس !!

وآمنت في النهاية بأمر واحد وهو أنه عليها فقط ترك كل

ذلك لأوانه وكما قالت ساندرين سابقاً عليها ترك حقائب

قلبها وعقلها موضبة وجاهزة لرحلة العودة في أي وقت

كي لا تتحطم وتنهار حال حدوث ذلك في وقت قريب .


أخرجها من أفكارها تلك يدا جوزاء التي أبعدتها عنها

وأمسكت بذراعها وقالت مبتسمة

" مؤكد أنتِ متعبة الآن وعليك أن ترتاحي وسأعد لك
الطعام بنفسي "

شعرت بالخجل من نفسها ومن أفكارها حتى كرهت

مشاعرها تلك وقالت بابتسامة ممتنة

" لا أبداً عمتي لا تتعبي نفسك أنا لا أشعر بالجوع "


أبعدت يديها عنها وقالت وذات الابتسامة تزين شفتيها

" إذاً سآخذك لغرفة الضيوف فلن تدخلي منزلك قبل أن

تشتري جهازك كاملاً وكل ما تحتاجين ويتمناه قلبك ونقيم

لك حفلاً صغيراً هنا "


فاجأتها بكل ذلك حتى ظهر على ملامحها دون شعور منها

وعادت وتذكرت غضبها السابق بسبب إهمالهم لمهرها وما

قد تحتاجه وقالت متلعثمة

" لكن ...أنا .. "


قاطعتها سريعاً وبنبرة جادة

" هذا واجبنا نحوك يا كنانة ولولا عناد زوجك لما كانت
الأمور هكذا "


وقالت آخر كلماتها بضيق فلازالت مستاءة من تصرفه

وعناده الذي جعله يتخذ قرارات فردية هكذا ، بينما كان

رأي وتفكير الواقفة أمامها مختلفاً وقد خيم الحزن على

ملامحها ما أن تذكرت ما حدث في مقر نورثود كما حديثه

عن سبب إلغاء حفل الزفاف وقالت

" أنا أتفهم موقفه الآن كما أن الأمور تشابكت مؤخراً
وأصبح الأمر اضطراريا "


ابتسمت المقابلة لها وقالت بنظرة شاردة وإن لم تبتعد

عن عينيها

" تمنيت وانتظرت كأي أم اليوم الذي أحتفل فيه بزواجهما
معاً وتدخل عروساهما هذا المنزل بفساتين الزفاف .. "


وتبدلت نبرتها لضيق فجأة متابعة

" لكن كل واحد منهما أسوأ من الآخر حين يتعلق
الأمر بالعناد "


ابتسمت كنانة رغماً عنها وقالت

" ألمهم أنهما بخير ، أطال الله في عمرك لتري كل ما
يتمناه قلبك "


جعلت كلماتها تلك وجهها يشرق بابتسامة صادقة مجدداً

وأمسكت يدها بكلتا يديها وقالت وعيناها ترمقها بمودة

" ما أروعك من امرأة .. لم يخطئ قلبي حين اختارك "


وسحبتها معها وتحركت من هناك قائلة

" هيّا تعالي لأوصلك لغرفتك لتنامي وترتاحي "


وتوجهت بها نحو السلالم ذاته الذي صعد منه ابنها قبل

قليل لكن رحلتهما انتهت عند الطابق الأول وحيث كانت

الغرفة المقصودة هي الأقرب من تلك الناحية ووقفت بها

عند بابها ونظرت لها وقالت وكأنها تذكرت أمراً ما فجأة

" هل حقائبك في السيارة ؟ "


لاذت بالصمت للحظة مترددة وقبل أن تقول بهدوء حزين

" أنا لم احضر معي شيئاً "


ظهر الاستياء وبشكل واضح على ملامح جوزاء وقالت

" هذا كان خطؤنا.. أنا لم أكن أعلم بأنه سيجلبك معه لما
كنت تركته يفعلها "


قالت مبررة سريعاً

" لا هو لم يكن خطؤك ولا خطأ غيهم بل أنا "


وتوقفت كلماتها فجأة توبخ نفسها ولسانها فما ستقول لها

إن هي سألتها عن السبب وهو طلب منها أن لا تخبر أحداً ؟

بل وهل يمكنها قول حقيقة تصرفها الغبي المتهور ؟

كانت تحدق فيها بصمت بينما كانت نظرات جوزاء تؤكد

شكوكها فقالت مبررة تحاول إنقاذ الموقف

" لا أعلم كيف أشرح الأمر لكننا اضطررنا للسفر فجأة "


تنهدت حينها وقالت

" أنا لم أفهم شيئاً لكن لا يهم .. ألمهم الآن كيف ستنامين
بهذه الثياب؟ "


نظرت لثيابها في حركة لا إرادية قبل أن تنظر لها مجدداً

وقالت مبتسمة

" سأتدبر الأمر لا تقلقي فبسبب عملي كمضيفة لفترة لابأس
بها كنت معتادة على النوم بثياب عملي وجالسة في
الطائرة أيضاً "

ضحكت وقالت

" عليك استرجاع تلك الذكريات الليلة إذاً "


بادلتها الضحك بينما قالت جوزاء

" ولا يمكنك أيضاً التواصل مع الخادمات في هذا الوقت
لأنهن يغادرن المنزل لسكنهن الخاص هنا بعد العشاء فإن
احتجت شيئاً المنزل منزلك يا كنانة يمكنك التنقل وفعل كل
ما تريدين فأبان يقيم في منزله في الأعلى كما أنه ليس
هنا الليلة "



ابتسمت بامتنان حقيقي وقالت

" شكراً لك عمتي وأعتذر على كل ما أسببه من مشكلات "


قالت باسمة

" نحن من عليه الاعتذار يا كنانة أنتِ ابنة هذا المنزل الآن
وإحدى سيداته "


اضطرب قلبها بشدة وقالت

" أتمنى أن أستحق هذا الشرف "


ابتسمت لها بحب وارتفعت يدها لطرف وجهها تمسح

عليه وقالت

" بل وأكثر من ذلك ونظرتي لا تخيب أبداً .. بارك الله في
من رباك "


غمرت الدموع عينيها وأمسكت يدها وقبلتها احتراما لها

واعتذاراً حقيقياً بسبب أفكارها السابقة عنها والتي باتت

تراها وتفهمها الآن بشكل مختلف بل وجعلتها تغير كل

أفكارها تلك من اللقاء الأول فقط .


طبطبت يد جوزاء الحرة على يدها مبتسمة وقالت

" سيرى ذاك العنيد حسابه مني فلن يحدث ما يخطط له قبل إنتهاء رحلة والده ومجيئه "


وأتبعت كلماتها بضحكة صغيرة بينما كان رد فعل كنانة أن

أخفضت نظرها مبتسمة بحياء وحارت مجدداً في نوع

شخصية هذه المرأة سليلة عائلة الشاهين الشهيرة وابنة

الجنوب والحالك تحديداً !! .


وكانت نظرات جوزاء لها تحمل كل معاني الحب والسعادة

فهي انتظرت ومنذ ولدتهما اليوم الذي تزوجهما فيه وترى

أبنائهم وحمدت الله أن كانت زوجة كل واحد منهما كما

تريد وتتمنى ، لامست كتفها بيدها فرفعت رأسها ونظرت

لعينيها فقالت مبتسمة

" تصبحين على خير إذاً وأراك غداً صباحاً "


همست مبتسمة تنظر لها وهي تبتعد في الإتجاه الآخر

" وأنتِ بخير "


وما أن اختفت عن نظرها دخلت الغرفة وعيناها تتجول فيها

بينما يدها تغلق الباب خلفها فبينما كان المنزل شبه مظلم

وقت وصولهما وصعودها إلى هنا الوضع في هذه الغرفة

كان مختلفاً لأنها مضاءة تماماً وشعرت بالدهشة وهي تنظر

لغرفة النوم التي دمجت لون النحاس مع الخشب الأسود

بينما تميز الزجاج المتداخل مع ديكورها باللون العسلي

وحارت إن كانت هذه غرفة الضيوف فكيف تكون الغرف


الرئيسية هنا !!


توجهت نحو السرير الواسع تفتح أزرار سترتها ونزعتها

ووضعتها فوقه وأتبعتها بحجابها لتبقى بالبنطلون والبلوزة

الداخلية المصنوعة من الكتان والتي كانت بلا أكمام

وتوجهت نحو الحمام فعليها أن تتحمل عناء النوم

هكذا الليلة .


*
*
*

نزل عتبات السلالم الشبه مظلم وتوقف عند منتصفها ما أن

ظهرت له التي كما توقع كانت موجودة هناك تراقب الباب

منتظرة واشتدت أصابعه على سياج السلالم وهو يتذكر

مكالمته اليوم وكلماته ، كان يعتقد بأنه فقد القدرة على

النطق بسبب صدمته بما قال وسمع منه لكنه اكتشف سريعاً

بأن الأمر مختلف عن ذلك فلم يستطع توبيخه ولا الصراخ

به رافضاً لما فعل ووجد نفسه يوافقه في كل ما قرر فعله !!

يعلم جيداً ما ستكون تبعات هذا الأمر وعواقب فعلته تلك

لكنه أيضاً تركه يفعل ما أراد واختار بنفسه ومهما كانت

النتائج المترتبة عليه فسيكون اختياره وقراره ولن يساهم

مجدداً في تدمير أي واحد من أبنائه ومهما كانت درجة

اقتناعه بحديث والده .



نزل باقي العتبات وتوجه نحوها حيث كانت قرب الباب الذي

لا تتوقف عن الذهاب له والنظر من خلاله وكأنها لا

تستطيع سماع صوت سيارته من المكان الذي كانت

تجلس فيه !


ما أن وقف خلفها وشعرت به حتى استدارت نحوه بحركة

سريعة مجفلة ولامست يدها صدرها وتنهدت بارتياح قائلة

" هذا أنت يا سلطان ! لقد أفزعتني "


التوت شفتاه بابتسامة ساخرة وقال

" وكيف يكون هذا ؟ تقفين في الظلام هنا ويفزعك ظهور
أحدهم من خلفك ! "


أمسكت يدها بوسطها وقالت بضيق

" إن كان علينا تصديق ما يقول وقاص فثمة قاتل هنا .. ألا تخشى أن يقتلني أيضاً ؟ "


ارتفع رأسه وعلت ضحكته الرجولية في المكان المظلم ..

ضحكة لم يعرفها منذ وصله خبر وفاة ابنه نجيب ولم يتخيل

أن تجد طريقاً لها في أضلعه في وقت قريب وكأنها انتظرت

الفرصة المواتية فقط ، وذاك ما جعل الواقفة أمامه تمسك

خصرها بكلتا يديها هذه المرة وقالت بضيق أشد

" هل قلت ما يضحك أو أمراً ليس حقيقياً ؟ "


نظر لها وقال يمسك ضحكته

" لا يبدو لي أنك تخافين من قاتل ما متجول هنا "


زحف القلق لملامحها فجأة وقالت حانقة

" وماذا أفعل مع قلبي فوقاص لم يرجع حتى الآن كما أنه
يُغلق هاتفه ! "



أومأ برأسه وقال بهدوء

" هو بخير اطمئني "



حدقت فيه باستغراب وقالت

" هل رأيته أم تحدث معك ؟ "



عاد للإيماء برأسه وقال

" اتصل بي وقال بأنه لن يرجع الليلة لأن لديه أمراً
مهماً يفعله "


رمشت بعينيها قليلاً وكأنها تحاول ترجمة ما قال وتجاوزت

كل ذلك نهاية الأمر قائلة

" وماذا عن الفتاة ؟ "


اتسعت عيناه بدهشة وقال

" أي فتاة ! "


حدقت فيه باستغراب بادئ الأمر وقالت بنفاذ صبر

" زيزفون بالطبع فهي مسجونة في جناحها ولم تتناول
شيئاً كما أنه قام بتغيير رمز الباب ولم يخبرني عنه "


تنهد بعمق وحرك رأسه دليل الفهم فهو اعتقد للحظة بأن

الجميع هنا بات يعلم بما حدث وقال

" لا تقلقي بشأنها أيضاً "


حدقت فيه ببلاهة لبرهة وقبل أن تقول بضيق

" كيف لا أقلق وهي بلا طعام ولا شراب ليوم كامل ! هل
نتركها تموت أمامنا ؟ "


حرك يده أمام وجهه قائلاً بضيق مماثل وصوت منخفض

" رقية أخفضي صوتك وإنسي أمر الفتاة كغيرك هنا هل
عليك أن تكوني المسئولة عن الجميع "

حدقت فيه مصدومة وقالت

" ماذا تقصد بهذا ؟ "


وتابعت من فورها وبضيق

" هل بات الشعور الإنساني تدخلاً في شؤون الجميع ! "


تأفف وهمس منهياً سيل كلماتها الذي يعلم بأنه لن يتوقف

" وقاص أخذها معه يا رقية "


" ماذا !! "


همست بها مصدومة تحدق في عينيه بعينين متسعة

وصاحت ما أن أفاقت من صدمتها


" أخذها كيف وإلى أين ؟! "


رفع يده مجدداً وهمس بغضب من بين أسنانه

" أخفضي صوتك يا رقية "


وتابع من فوره بضيق وبصوت خفيض

" لقد أخذها من هنا ومنذ الصباح فلا توقعينا في المشكلات
مع والدي بسبب إنسانيتك التي تتحدثين عنها "



حدقت فيه بذهول لم يفارقها بعد وقالت مندهشة

" وهل سيخفى الأمر عنه ؟ "


وضع سبابته على شفتيه وقال بضيق

" سيحدث إن التزمت الصمت وأخفضتِ صوتك "


لكنه كان كمن ينفخ في الريح لأن عقل المرأة في رأسها لم

يستوعب بعد ما حدث لتفكر في الصمت عنه فقالت بضيق

" فقد ابنك عقله بالتأكيد ولن يرحمه جده إن علم بهذا "


ضرب يديه ببعضهما قائلاً بيأس منها

" لا حول ولا قوة إلا بالله "


وما أن كانت ستتحدث أسكتها بسبابته قبل كلماته قائلاً

بتهديد

" هش ولا كلمة ولن يعلم أحد بهذا وحين يعلم والدي لكل
حادث حديث حينها "


لاذت بالصمت وإن لم يظهر الاقتناع في عينيها فتابع من

فوره وبنبرة جادة

" لن ينتبه هذه الفترة على الأقل وحتى نجد للأمر حلاً "


ولم يدم الصمت لوقت أطول لدى التي قالت بضيق وبصوت

منخفض هذه المرة

" لا حل سوى إجبار ابنك على إعادتها وأنت تعلم جيداً ما
سيحدث حين يعلم والدك يا سلطان "


قال بضيق مماثل

" لهذا لا أريده أن يعلم الآن ولذلك عليك التوقف عن
السؤال والبحث عنها فلا أحد غيرك يتفقدها هناك
ويفكر فيها "


ضمت يديه لبعضهما متمتمه بأسى حزين

" ليرحمنا الله برحمته "


تنهد بحزن ينظر لعينيها الحزينة والتي لمعت الدموع فيها

بوضوح ويتفهم مشاعرها ناحية من ربته وأحبته كابنها

كما يعذر قلقها وخوفها عليه لأنه من شهد غضب والده

ناحية مسألة حفيدته تلك لكن الأمر خرج عن سيطرته ولا

نفع من الحديث والجدال فيه ، التفت ذراعه حول كتفيها

وسار بها من هناك قائلاً
" أُتركي الأمر لي وسأحاول التحدث معه لاحقاً وفهم ما
ينوي فعله أمّا الآن هيا للنوم حالاً أنا أنتظرك منذ ساعة "


نظرت له سائران نحو السلالم وقالت باستغراب

" ألن تنام مع أسماء ؟ "


تنهد وقال ببرود

" لا مزاج لديا لسماع ما أسمعه كل ليلة "


وغابا خلف عتبات السلام الضخم ولم ينتبه أيًّا منهما

للعينان التي كانت تراقب كل شيء من خلف الظلام وقد

خرجت صاحبتها من مخبأها فور ابتعادهما وسارت نحو

السلالم الذي اختفيا فيه وصعدت عتباته بخطوات حذرة

وحماس متقد حتى أصبحت في الأعلى وتأكدت من سيرهما

ناحية جناح رقية وركضت حينها في الاتجاه الآخر مسرعة

وبخطوات خفيفة غير مسموعة ذات الوقت حتى وصلت

مبتغاها لاهثة الأنفاس وطرقت الباب بحذر طرقات متواصلة

وحين يئست من أن تسمعها التي يفصلها عنها باب آخر

لاتساع جناحها عاودت الطرق بصوت أعلى هذه المرة

تراقب المكان حولها ويدها على الباب حتى انفتح أخيراً

وظهرت أمامها صاحبة الملامح الشاحبة والعينان المتورمة

حتى اللحظة تربط حزام قميصها الحريري المفتوح حول

جسدها لتستره به ، عقدت حاجبيها باستغراب ما أن رأتها

وهمست حانقة

" ما الذي تفعلينه هنا ؟ "


بادلتها الواقفة أمامها الهمس سريعاً

" ثمة أمر مهم عليّا إخبارك به سيدتي "



قالت بضيق


" ألا ينتظر حتى الصباح ؟ "


قالت بكلمات سريعة هامسة


"السيد سلطان سينام في جناح السيدة رقية فوجدت
الفرصة مناسبة "


اتسعت عيناها وقالت

" وكيف علمتِ بهذا ! "


قالت تلك من فورها

" رأيتهما وسمعته يخبرها بأنه لا يريد سماعك ككل ليلة "



شدت على أسنانها بغضب منها قبلهما وسحبتها نحو الداخل

من ثيابها قائلة

" أدخلي هيّا "



وما أن أصبحتا في الداخل نظرت لها وقالت

" ما هذا الذي لا ينتظر حتى الصباح ؟ "


قالت الخادمة من فورها

" تلك القاتلة أخرجها السيد وقاص من هنا "


وكما توقعت اتسعت عينا أسماء حتى كانت تجزم بأنها

ستتمزق من شدة صدمتها وتحررت كلمات عقلها المشوش

حتى اللحظة هامسة بعدم استيعاب

" أخرجها من أين ! "



قالت من فورها

" من القصر "


" ماذا !! "


صرخت بها في وجهها بل وتابعت صراخها الغاضب

" كيف يحدث هذا ؟! "


قالت بذات همسها الحذر وكأن الواقفة أمامها ليست

تصيح غاضبة

" لقد سمعت السيد سلطان بأذني يخبر السيدة رقية "

وبدأت تسرد لها ما وصلها من كلامهما وفهمته وختمت كل

ذلك بالمسألة الأهم في الأمر قائلة

" قال بأنه عليهما إخفاء الأمر عن الجميع كي لا يعلم
السيد ضرار "


تعالت أنفاسها الغاضبة ولازالت تحدق في العينان البنية

المستديرة يرتب عقلها كل ما سمعته منها مع آخر عبارة

قالتها وقالت ترمي بيدها نحو الباب الفتوح

" غادري هيّا ولا أريد أن يعلم أحد "


نظرت لها بصمت لبرهة عيناها ترتسم فيها خيبة أمل

واضحة وذاك ما جعلها تقول بضيق

" ستنالين ثمن هذا وليس وقته الآن غادري هيّا "


استدارت تلك مغادرة من فورها ومغلقة الباب خلفها وعينا

أسماء تراقبها وهمست من بين أسنانها وهي تتوجه

نحو غرفتها

" كآلة الصِرافة تتنفس مالاً "


وما أن دخلت الغرفة ضربت بابها خلفها بقوة

وهامسة بغضب

" هكذا إذاً يا سلطان ، هذا ما تنوي فعله أنت وابنك وتلك
الأفعى رقية للتفريط في دم إبني "


*
*
*

قفزت واقفة ما أن سمعت الصوت الذي كانت تنتظره منذ

وقت وهو الطرقات المتقطعة على باب المنزل فمنذ مغادرته

ليلة البارحة لم يرجع وتجنبت الاتصال به لأنه راسلها

صباحاً كي لا تذهب لمقابلة مارية وهذا يعني بأنه بخير

واتصالها لن يكون إلا تصرفاً أحمق وسخيف ، وبالرغم من

ذلك ساورها القلق فهي لم تنسى طريقة خروجه البارحة

وتوتره والكلمات التي قالها إن لها أو لمحدثه في الهاتف .

غادرت غرفتها وتوجهت ناحية الباب بخطوات سريعة وإن

كانت طرقاته منخفضة نوعاً ما ومتفرقة فهل يتصور أن

تسمعه إن كانت نائمة !! فتحت الباب ولازالت تمسكه

بيدها ونظرت له وهو يجتازه تتفحص عيناها ملامحه

العابسة المتجهمة وقد همس ودون أن ينظر لها

" السلام عليكم "


لم يبدر منها أي تعليق ولا أي رد على سلامه لأن عقلها

كان منشغلاً بأمر آخر قد سيطر على جميع حواسها وأغلقت

الباب بحركة واحدة سريعة وتبعته حيث كان متوجهاً نحو

غرفته وقالت تسير خلفه

" هل كل شيء على ما يرام "


" أجل "


كان ذاك فقط ما قاله وهو يخرج هاتفه الذي علا رنينه فجأة

ووضعه على أذنه وقد وقف أمام باب غرفته متمتماً

" مرحباً يا مطر "


تحركت جميع مجساتها حينها ووقفت مكانها وهو يفتح باب

العرفة وقد دخل قائلا بانفعال واضح فيبدو أن المكالمة

كانت ومنذ بدايتها هجومية

" وما كنت تتوقع مني فعله ؟ كان عليّا إخباره بذلك
ليتوقف عن التفكير بتهور وجنون "


لم تستطع منع نفسها من الوقوف عند الباب والاستماع لما

يقول خاصة وقد ذكر اسم مطر ويبدو كانا يتحدثان عن ابنه

مصحوبا بعبارة تهور وجنون !! راقبته بفضول وهو

يوليها ظهره وقد قال بجمود يمسك خصره بيده من تحت

سترة بذلته المفتوحة

" سيخمن بأني من أخبرك بمحاولة سفره "


رمشت بعينيها باستغراب بينما كان هو صامتاً يستمع له

وقبل أن يتبدل الجمود في كلماته للغضب فجأة قائلاً

" هل أتركه يلقي بنفسه للتهلكة وأقف أتفرج فقط لأن الحل
الوحيد لدي حينها تصرف أحمق ؟ بل وكنت سأخبره
بالحقيقة إن لزم الأمر وكانت الخيار الوحيد لإنقاذه
من التهور "


شدت شفتها وقد فهمت حينها بأنه نعت تصرفه ذاك بالحمق

لهذا ثار غاضباً فأي تصرف هذا وما الذي فعله تيم !!

راقبته بفضول وهو يستمع له وقد مسح على وجهه وكأنه

يمسك نفسه عن الانفجار مجدداً أو تذكر أمراً ما وقال بعد

لحظات وبكلمات حانقة

" وهذه مصيبة أخرى أنا لست الملام فيها يا مطر لأن ابنة
الحارثة من فعلتها "


اتسعت عيناها عند سماع اسمها وتذكرت حين قابلتها في

حفل عائلة السلطان فأي مصيبة هذه التي فعلتها
هي أيضاً ؟!

تركت الأجوبة عن أسئلتها للذي قال بضيق يحرك يده



" نعم صدّق هذا فتلك الفتاة من فعلها ووضعتنا جميعنا
أمام الأمر الواقع وحتى والدها ، فعليك أن تضيف لعمرها
ضعفيه لتتوقع تصرفاتها "


تغضن جبينها باستغراب وازدادت التعقيدات لديها بدلاً من

أن تنكشف الحقائق وإن جزئياًّ بينما لازالت تحدق في الذي

قال بحدة يرمي يده جانبا

" لا شيء بيدي ولا بيدك نفعله فالأمر أصبح في يد مارية
وحدها الآن ولا يمكننا ولا التواصل معها هاتفيا ولا رؤيتها
والتحدث معها مستقبلاً وفي أي مكانٍ كان "

ارتفعت يدها لشفتيها واتسعت عيناها بذهول وبدأت ضربات

قلبها ترتفع تصاعدياً وما أن تابع بصوت غاضب

" وما لا تعلمه أيضا بأنه تهجم على منزل الحارثة وهدد
ابنته وكاد يقتلها ليعلم أين أخذتها "



لم تستطع إمساك شهقتها المصدومة لكنها وبأعجوبة كتمت

صوتها لتكون صامتة بينما ضلت فاغرة الفاه تنظر لقفاه

وقد صاح بضيق وانفعال

" توقف عن إلقاء اللوم عليّا يا مطر فأنا مثلك تماماً لم
أتوقع رد فعله ذاك وظننت بأنه سينسى أمرها نهائياً بعدما
توصل له من أفكار نحوها ، والله وحده يعلم ما سيفعل
أيضاً للوصول لها ؟ وما أخشاه فعلياً أن يؤذيها لأنه يبدو
فقد عقله وبشكل نهائي "


لاذ بالصمت قليلاً يستمع له وإن كان صمته مجرد انفجار

داخلي خفي يظهر جلياً على تنفسه من حركة كتفيه

العريضان ، وسرعان ما طفا للسطح مجدداً وهو يشير

بسبابته للفراغ أمامه وكأنه يقف أمامه الآن صارخاً

" لك أوجه هذا السؤال يا مطر فأنت من كنت تقول دائماً
بأنه ابنك وبأنك من رباه أمّا أنا فوالده قانوناً فقط "



انقبضت أصابعها لا شعورياً وشعرت بألم ضغطها عليها في

قلبها وكأنها تعصره بها ورقّت عيناها بحزن وهي تنظر له

من خلف سحابة دموع رقيقة برقت في عينيها ودون شعور

منها وقد عاد للقول بانفعال

" أجل تربيتك وإن لم تغرس فيه هذا لكنك لم تحاول يوماً
تغييره فتربى وكبر على العناد والتمرد حتى على أوامرك
أنت زعيمه ووالده "



وقال آخر كلمة يشد على حروفها بسخرية ومرارة واضحة

لم تخفى في صوته بينما تابع سريعاً وكأنه يرفض منحه

فرصة للرد على ما قال وقد لوّح بسبابته جانباً

" لقد انتهى دوري عند هذا الحد فمارية هي ماري
الإيطالية الآن والاقتراب منها سيكون فيه هلاكها وهلاك تيم
معها ، أمّا هو فلم أكن والده يوماً لينصت لما أقول وما
أستطيع فعله من أجله فعلته والباقي متروك لرجاحة
عقله .. "


وتبدلت لهجته للحنق الغاضب وهو يضرب بطرف أصابعه

على صدغه متابعاً

" هذا إن بقي منه شيء لأنه فقده تماماً كما يبدو "


وكانت لحظات صمت قليلة استمع فيها لمحدثه قبل أن

يقول بضيق

" أنا لا حل أمامي سوى الانتظار افعل أنت ما تريده وما
تراه مناسباً لكني خارج الموضوع بأكمله من الآن
فصاعداً ... وداعاً "



وأنهى الاتصال عند آخر كلمة قالها ورمى الهاتف من يده

على السرير أمامه واستدار حينها نحو الباب والواقفة

مكانها حتى الآن والتي يبدو من ملامحه ونظراته بأنه كان

يعلم بوجودها ولم يتفاجأ به فأخفت توترها كما الدموع

الحبيسة في عينيها حتى اللحظة وهي تنظر ليدها التي

دستها في جيب سترة بيجامتها واقتربت منه خطوتين وهي

تخرج المفاتيح التي أصدرت صوتاً واضحاً في صمت

المكان ومدتها له بينما لم يفارقها نظرها وكانت مفاتيحه

التي تركها لديها ليلة البارحة فنظر لهم بين أصابعها دون

أن يحرك يده لأخذها ، وما أن رفع نظره لها كانت تنظر له

هذه المرة نظرة حاولت جاهدة أن تكون طبيعية وكأنها لم

تسمع شيئاً مما قال فلا زالت تضع لنفسها حداً وإن مجبرة

فعليها أن لا تتعدى حدودها هنا فيبقى زواجها منه مجرد

ورقة تنتهي بكلمة من أحدهما وهو مجرد رجل غريب

عنها وكذلك ابنه ومها كانت علاقتها بهما ، وإن رغبت

فعلياً في تقديم المساعدة يجب أن لا يكون تدخلاً يفسد

الأمور بدلاً من إصلاحها وهو ما عليها أن لا تنساه أبداً ،

عادت نظراته للمفاتيح في يدها ما أن قال بشيء من الهدوء

" أُتركيه لديك تحسباً لأي طارئ حتى أُخرج لك
نسخة عنه "


وما أن عاد ونظر لعينيها وجدها تنظر بتركيز بل وبتفحص

وتمعن لذقنه وكأنها تبحث عن شيء ما فيه ! وهو ما جعل

حاجباه يرتفعان باستغراب بل وكاد يرفع يده ويمرر

أصابعه عليه ليتأكد من أنه ليست ثمة شيء ما عالق به أو

يتحرك فوقه ! لكن ما تحرك حينها هو لسانها هي وقد

اتسعت ابتسامتها وهي تقول

" يبدو أنه ليس بالضرورة أن تكون اللحية زرقاء "


فعقد حاجبيه ينظر لها باستغراب بادئ الأمر وقبل أن تتحرر

من شفتيه ضحكة قصيرة لم يستطع التحكم بها فهي تقصد

تلك القصة بالتأكيد وصاحب اللحية الزرقاء واختباره

لزوجته ، لم تفارق الابتسامة شفتيها وهي تنظر لملامحه

التي اختفى التجهم والعبوس منها حينها وهذا ما كانت

تصبوا إليه وقالت وهي تعيد يدها لجيبها والمفاتيح فيها

" ما يميزنا نحن البشر أنه يمكننا الابتسام ورغم كل ما
نمر ونشعر به "



لكن ما فعلته كلماتها تلك حينها أن جعلت الابتسامة تختفي

من وجهه تدريجياً وابتعد نظره عنها وقد ارتسمت واحدة

أخرى ساخرة على شفتيه وقال

" لكنه لا يفعل شيئاً يفيدنا "


حركت رأسها ترفض أفكاره تلك بالرغم من أنه لا يراها

وقالت بابتسامة حزينة

" يكفي أن يعطينا دفعة نحو المستقبل لنفكر فيه بإيجابية "


وتابعت من فورها لازالت تنظر لعينيه المحدقة في الفراغ

بوجوم كئيب

" لا يجب أن ينظر المرء لمشاكله بسوداوية مطلقة لأن
ذاك يجعل كل شيء في عالمنا سيئاً وحتى في طريقة
تخلصنا من مشاكلنا تلك فتكون العواقب وخيمة والحلول
تصبح مجرد تعقيدات جديدة "



رفع نظره لها حينها فابتسمت وكل ما كانت تريده هو تغيير

مزاجه بالرغم من أنها تعلم ممّا فهمته بأنهم يمرون

بمشاكل كبيرة واتسعت ابتسامتها وقالت ببشاشة وثقة تامة

" لذلك علينا أن ندمج السواد بالبياض دائماً وما أن نعتاد
ذلك ستتغير نظرتنا للأمور ونتخلص من سجن ماضينا
وعبء حاضرنا بل ونتخلص من نوبات القلق من
مستقبلنا أيضاً "



لاذ بالصمت لبرهة ينظر لعينيها فقط حتى كانت ستعتذر

مغادرة لأنه يريد إنهاء الحديث في الأمر لكنه خان توقعاتها

حين قال وكأنه يبحث عن شيء ما في عينيها

" مؤكد لك باع طويل في هذا لتتعلمي معنى التحكم فيه "


جاهدت باستماته كي لا يظهر الحزن في عينيها فهي بالفعل

عاشت ما لم يعرفه أحد وترفض أن يعلم به أحد أيضاً وقد

استطاعت تجاوز الألم الذي يسببه التفكير فيه وإن كانت

مسألة والدتها العائق الوحيد أمامها حتى الآن وليس لأنها

تضعف أمام ألم ذكرياتها السيئة معها بل ما قد يؤول إليه

الحال في مستقبل مختلف يخصهما ، حركت كتفيها وقالت

مبتسمة

" ليس ثمة حياة تخلوا من الأزمات .. المثالية في
الجنة فقط "



ارتسمت السخرية على شفتيه وقال

" إذاً تعلمين جيداً بأن التفكير في الأمر أكثر سهولة
من تنفيذه "


قابلت ابتسامته تلك بواحدة مناقضة لها تماماً وقالت

بثقة تامة

" لكنه ينجح والشعور حينها سيكون رائعاً "


كان الأمر تجربة شخصية بالنسبة لها وتعلم نتائجه جيداً ،

لكن ابتسامتها الواثقة تلك خبت تدريجياً وهي ترى تجهم

ملامحه حين أبعد نظره عنها متمتماً ببرود

" ثمة أمور لا بياض فيها .. هي سوداء فقط "

لمعت عيناها بحزن ما أن تذكرت زوجته السابقة وكل ما مر

به من رحيله لمرضها ثم نكران ابنه له وبالرغم من ذلك

كان صوتها باسماً حين قالت

" ليس بالضرورة أن يكون البياض متعلقاً بتلك الأمور
فثمة أشياء كثيرة من حولنا تدعوا للتفاؤل "



وما أن ارتفع نظره لها مجدداً رفعت كتفيها وقالت تمسك

ضحكتها

" وأهمها أنه يمكنك قول ما تريد وبالطريقة التي تريد لمن
هو رئيس بلادك .. هذا شرف لا يناله أي شخص "

واتبعت كلماتها التي جعلته يبتسم فعلياً بضحكة صغيرة

فحرك رأسه قائلاً بما مزج تلك الابتسامة مع نبرة متأسية

" ما لا تعلمينه بأنه يسمح بهذا في تلك المسألة فقط "


لم تستطع منع نظرة الحزن التي سيطرت على عينيها

نهاية الأمر وقالت تنظر لعينيه

" أفكارك عنه خاطئة إذاً وهذه إحدى النقاط البيضاء
المضيئة "


وختمت عبارتها تلك بابتسامة متفائلة تؤكد كلماتها فهذا

دليل قاطع بأنه يراه ويعده والده وليس العكس كما يظن ،

وهو ما رأته في عينيه التي أكدت لها بأنه كان يحاول

تفسير كلماتها تلك وأكيدة من أنه سيصل للنتيجة ذاتها

فمطر شاهين لا يرى غيره والداً له مهما فعل هو من أجله

ومهما أنكر ذاك الابن أبوته ، تنهدت باسمة وقالت

وخطواتها تعود نحو الوراء ودون أن تدير ظهرها له

" مؤكد تحتاج للنوم والراحة الآن .. أعتذر على
إزعاجي لك "


واستدارت نحو الباب من فورها ونظراته تتبعها في صمت

حتى كانت ستجتازه وتوقفت فجأة واستدارت نحوه مجدداً

وأخرجت يدها من جيبها والمفاتيح لازالت فيها ورفعتها

بجانب وجهها وقالت مبتسمة تحركها ورنينها المعدني

يُسمع في المكان بوضوح

" لكنك لم تخبرني أيُّها هو المفتاح المُحرم ؟ "


خرجت منه ضحكة أخرى لم يستطع التحكم بها أيضاً وها

قد عادت لتذكيره بتلك الرواية وما فعله ذاك الرجل ، قال

وابتسامة ساخرة مزجت المكر فيها تزين شفتيه وهو ينظر

لعينيها الباسمة

" انتبهي فقط أن تنتهي نهاية زوجته تلك "


ارتفع حاجباها وهي تدّعي المفاجأة بينما لم تفارق

الابتسامة المرحة شفتيها وقالت وهي ترميهم وتلتقطهم

في حركة واحدة سريعة

" يبدوا أنك تجهل نهايتها الحقيقية فهي حملت البياض
أيضاً لها "


وأمسكت يدها بمقبض الباب وقالت وهي تغلقه باسمة

" تصبح على خير "


واختفت هكذا كما ظهرت كالعادة وكأنها خيال في حياته لا

حقيقة له ! وهو وضعه الغريب معها ظهرت في حياته فجأة

ومؤكد ستختفي كما ظهرت وككل شيء عرفه في حياته .


نزع سترته ورماها على الكرسي قربه وتوجه ناحية باب

الحمام يفتح أزرار أكمام قميصه متمتماً بكلماتها وابتسامة

طفيفة ارتسمت على شفتيه

" ثمة أشياء كثيرة من حولنا تدعوا للتفاؤل وقد تكون
تخصها هي تحديداً "


ودخل الحمام مغلقاً بابه خلفه وتلك الفكرة لا تتركه فبالفعل

هو نفي من الهازان سابقاً وقتلوا عائلته بأكملها لكن ذلك

جعله يلتقي بالمرأة التي تزوجها وأحبها واكتشف بأنه ثمة

حياة مثالية رائعة معها ، وصحيح بأنه خسرها وللأبد بل

وحُرم منها أيضاً وهي على قيد الحياة لكنها وهبته الابن

الذي ما كانت لتعطيه امرأة أخرى فرصة الحصول عليه

حينها ، وصحيح بأنه ينكره بل ويكرهه وبشدة لكنه موجود

وعلى قيد الحياة ولم يخسره أيضاً ووحده من سيعطيه

فرصة حمل حفيده بين يديه .

*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 28-01-22, 09:49 PM   المشاركة رقم: 1678
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,163
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*

بعد حمام سريع وفي وقت قياسي خرج لغرفته يرتدي

بنطلون رياضي قصير ومريح بينما كان لا يزال عاري

الصدر يضع منشفة صغيرة على عنقه تستقبل قطرات

الماء المتساقطة من خصلات شعره البني الناعم وكان

متجهاً نحو الخزانة حين انفتح باب غرفته ودون طرق

لعلمه المسبق بالتأكيد بوصولها وذاك ما جعلها تدخل

مباشرة وما جعله يتوقف وينظر ناحيتها ، وبالرغم من أنه

ابنها واعتادت رؤية هذا حين كانت تدخل دون إعلامه

ويكون خارجاً من الحمام لكنها لم تترك فرصة معاقبته

ومحاصرته في الزاوية فقالت متملقة

" ألم تكن تعلم بقدومي ؟ أم أنك كنت تتوقع شخصاً آخر ؟ "


نظر نحو الخزانة التي فتح بابها متمتماً ببرود

" وهل تركتِ مجالاً للتوقعات ؟ "


في موقف آخر كانت لتضحك أو لتخجل من جرأتها أو

وقاحته لكنها وكما توقع تماماً قالت بضيق تمسك

وسطها بيدها

" لأنه التصرف الصحيح أم كنت تريدها أن تنام معك هنا
وهي لم تجلب معها ولا ثياباً لتلبسها ؟ أم تريد أن تدخلها
لغرفتكما وكأنها سبية وليست عروساً "


سحب قميصاً داخلياً ولبسه بحركة سريعة قائلاً بجمود

" وأنا لم أعترض كما لم أمانع "


ونظر نحوها وتابع من فوره ومن قبل أن تفكر في متابعة

هجومها قائلاً باستياء

" فقط لينتهي النقاش في الأمر أمي فما سمعته في الأسفل
يكفي ويزيد "


تنهدت تحرك رأسها بيأس منه وقالت

" وأنا لست هنا للتحدث عن هذا بل فيما هو أهم "


غضن جبينه وقال بتوجس

" هل حدث شيء ما ؟ "
أومأت برأسها متنهدة وقالت

" أجل فاليوم كانت محاكمة خالك مطر "


رمى المنشفة من يده على السرير قائلاً بضيق

" آمنت بالله يالحماقات النساء ! أثمة من ترفع قضية
للطلاق من مطر شاهين الذي تمنت العشائر لأعوام
مناسبته !! "



واجهته بضيق أشد قائلة

" هذا الأمر بينهما يا غيهم لا أنا ولا أنت يحق لنا مناقشته
ولا التحدث فيه "



تأفف مستغفراً الله بضيق وقال ملوحاً بيده

" ولما سنتحدث في الأمر إذاً وفي هذا الوقت ؟ "


تنهدت بضيق وقالت

" عائلة غيلوان "



حدق فيها باستغراب وقد تغير مزاجه فجأة وهمس

" ما بهم ! "


قالت مباشرة

" علموا بأن غسق تكون ابنة عمي دجى وبالتالي انتفى
خيار موته "



اتسعت عيناه بدهشة وقال

" ماذا !! لكن كيف حدث ذلك ؟! "


عبست ملامحها وقالت ببؤس

" لو أنك كنت داخل البلاد أو متفرغاً لكنت قرأت كل هذا
في صفحات الإنترنت فالأمر تحول لأشبه بفضيحة "



حرك رأسه بعدم استيعاب وكأنها تتحدث بلغة لا يفهمها

وأعاد سؤاله مجدداً وبنبرة جادة

" كيف حدث ذلك يا أمي ؟ "



قالت بكآبة

" أوراق القضية وصلت لهم بطريقة لازلت أجهلها حتى
الآن ، هذا فقط ما فهمته من أبان "



غضن جبينه بتفكير وقال

" وأين هو ليعلم ! "

قالت مباشرة

" كان هناك ولم يغادر حوران منذ حدث ذلك الأمر وهذا ما
أريد أن تفعله أنت أيضاً في الغد ، أريدكما بجانب خالك
وعمي وعائلته "



فرد يديه وقال بضيق

" وما الذي سنفعله بوجودنا هناك فالكارثة وقعت وعناد
وتعصب قبائل الجنوب لا يفتته الصخر ونحن لا ننتمي لهم
في جميع الأحوال "



قالت بنفاذ بصبر

" وإن كنتم لا تنتمون لقبائل الجنوب ولا كلمة لكم فيهم
لكنه خالك وعمي وابنته ومن واجبنا الوقوف بجانبهم ..
كما أني سأغادر معك في الغد "



أبعد نظره عنها للفراغ وأمسك خصره بيديه متمتماً بعبوس

" ما هذه المصيبة "


وكان ذاك ما زاد وضعها سوءاً فهي تجلس على الجمر منذ

علمت ولولا وصول طائرته الليلة لكانت طلبت ذلك من أبان

وإن عاد هنا من أجلها ، ولن تستغرب تجهم ملامحه

وشروده الآن فكل واحد منهم له أن يتخيل المستقبل وما

سيحمل معه فعائلة المجرمين تلك لا ينقصهم المال ليغروهم

به ولا الجاه والكلمة بين قبائل الجنوب ليسلموها لهم في

المقابل ، حركت رأسها متمتمه بحزن

" إنها كارثة لا أعلم كيف سيجد مطر حلاً لها "


رفع حينها نظره لها وقال بحاجبين معقودين بشدة

" ولما يجده مطر وهي تريد الانفصال عنه ولجأت
للقانون لفعلها ؟ "



تبدلت ملامحها للضيق فجأة وقالت بحزم

" غيهم ليس جميع الأمور علينا التدخل فيها فلا أسمع هذا
منك هناك أمام أحد ، والله وحده يعلم شقيقك عمِل
بتوصياتي أم كعادته يسمع فقط "


حرك يده جانباً وهو يقول بضيق

" وأنا كل ما سأفعله إيصالك إلى هناك فما النفع الذي
سأقدمه لهم فحتى الصحف والتلفاز لم نظهر فيهم ولا لمرة
واحدة معه وكأننا لسنا أبناء شقيقته الوحيدة "

اتسعت عيناها مصدومة مما سمعته منه ومن أفكاره قبل كل

ذلك وقالت بحدة

"وقل بأنه لم يسلمكم مراكز في البلاد أيضاً يا ابن والدتك "



قال سريعاً وبضيق

" أنا لم أقصد هذا ولم نحتاج ذلك يوماً "



لكنها لم تسمع أو لم تهتم لكل ما قال وقد تابعت هجومها

الغاضب نحوه

" حتى قاسم والذي هو زوج ابنته وعمي صقر لم يفعل
ذلك لهما ويساعدانه في تسيير أمور البلاد من دون أي
صفة رسمية لأني أعرف شقيقي جيداً لن يقول أحد بأنه
سلّم البلاد لرجال عائلته "


قال برفض محتج

" أمي لا تفسري الأمور كما يحلو لعقلك "


والنتيجة كانت ذاتها وتلقى المزيد من صراخها الغاضب

وسبابتها تشير له

" ثم لا تنسى بأن رتبة الطيار هذه بمساعدته وبأنك قدت
الطائرة كطيار مساعد بأمر منه لكنت حتى اللحظة تتدرب
وتجمع ساعات الطيران "


ضرب كفيه ببعضهما صارخاً بنفاذ صبر

" أستغفر الله العظيم "


صرخت فيه بالمثل مباشرة

" أجل عليك أن تستغفر وكثيراً أيضاً فما قلت له معنى واحد
وهو ما فهمته "


أشار بيده جانباً وقال مبرراً بضيق

" قلت بأن الإعلام لم يقدمنا للشعب كعائلة له لنستطيع فعل
أي شيء وثمة فرق كبير بينهما ، ثم نحن لسنا بحاجة لا
لمراكز ولا لمال "



توقفت لبرهة تتلقف أنفاسها الغاضبة وكأنها تحاول تهدئتها

وقبل أن تعود وتقول بكلمات حازمة

" أنا أريد أن نكون معهم وبجانبهم لا يهمني من يرانا ومن
يعرفنا ، وقبيلة غيلوان لن يؤثر فيهم معرفتكم كما أهل
الجنوب أيضاً فالمصيبة حلها فقط عند الله ومن ثم خالك
مطر هي حقيقة لا نقاش فيها "



عاد ناحية خزانته المفتوحة وأخرج منها قميص وبنطلون

جينز وأغلق بابها بقوة وتحرك نحو الحمام فأوقفته ممسكة

بذراعه وقالت مستغربة

" إلى أين ؟ "


نظر لها وقال

" سأذهب من الآن وأنتِ يمكنك اللحاق مع والدي "


قالت معترضة

" وما نفع ذهابك في هذا الوقت ؟ كما أنك متعب وعليك أن
تنام وترتاح "

وتابعت من فورها وقبل أن يعارضها

" ثم والدك مسافر هو وعمك ولن يرجعا قبل نهاية
الأسبوع "



لاذ بالصمت للحظة وكأنه يستوعب ما قالت وغضن

جبينه قائلاً

" وهل سنترك المنزل جميعنا ؟ "


أبعدت يدها عنه وقالت

" كنت أفكر طوال اليوم في هذا بسبب دراسة بثينة ويمامة
لكن وجود كنانة الآن جلب الحل لكل ذلك أم أنك لا تراها
امرأة يمكن الاعتماد عليها "



وقالت آخر كلماتها ترمقه بتشكيك رافض فقال ببرود متعمد

" بالتأكيد لكنهن يبقين نساء "


جمعت يداها عند وسطها وقالت ببرود أشد

" وكأننا لم نكن نبيت فيه من قبل من دونكم ؟ ثم وما
وضيفة الحرس الذين ندفع لهم الأموال ؟ "



تنهد مستسلماً كالعادة وقال بجمود

" حسناً لكن ليس قبل الظهيرة لأنه عليّا زيارة مقر
السفارة البريطانية صباحاً "


تنهدت باستسلام أيضاً متمتمه

" حسناً أمري لله "


وغادرت من فورها ناحية الباب الذي دخلت منه قائلة

" تصبح على خير "


واغلقته خلفها بهدوء ونظراته تتبعها قبل أن ينظر لهاتفه

على طاولة السرير وتمتم باستياء وهو يرفعه بحركة

غاضبة

" أي خير هذا يا ابنة شاهين الحالك ؟ "

*
*
*

حضنت ركبتيها واتكأت بطرف جبينها على زجاج النافذة

تراقب عيناها الظلام في الخارج بشرود حزين وها قد

تحررت أخيراً من سَجن نفسها في سريرها مدعية النوم لأن

والدتها فتحت باب غرفتها لأكثر من مرة وحتى وقت صلاة

العشاء لتدركها وهي تصلي ولهذا تهربت مدعية النوم الذي

لم يقرب جفناها ولم تعرفه أبداً بالرغم من شعور الخدر

الذي لازال يلازم أطرافها بل وحواسها حتى اللحظة ، وأي

نوم هذا الذي ستراه عيناها فكل ما حدث لازال يغلي في

قلبها كالسعير فهي عرفت شتى أنواع التهم ونظرات

التشكيك سابقاً لكنها لم تختبر هذه التي تكون في شرفها

وإن بينها وبين نفسها ، بل ومؤكد سيكون هذا ما فكر فيه

هو وعمته ، وبالرغم من أنها مكرهة على الزواج به وأنه

لم يوجه أي إتهام لفظي نحوها إلا أن صمته كان قاسياً

وأشعرها بالنتيجة ذاتها .


رفعت سبابتها ورسمت بها على بخار أنفاسها المتجمعة

على زجاج النافذة وابتسمت بحزن ولمعت عيناها ببريق

الدموع وهي تنظر للحرفين المتداخلين وتذكرت سريعاً ابنة

خالتها وصديقة طفولتها المقربة ( غسق ) وأخذها الحنين

لتلك الذكريات البعيدة وبالرغم من الحروب والدمار حينها

حملت معها منها ذكريات جميلة ورائعة تتذكر خروجهما

معاً في المناسبات العائلية ولقاءاتهما في المدرسة ..

أحاديثهما وضحكاتهما والتعليقات المتفرقة من الجميع

حولهما .. استيائها الدائم من مديح النساء لها وتجاهلها

هي وضحكها حين غضبت غسق لأنها من تم خطبتها قبلها

لأول مرة وهي بعمر السادسة عشر ، وأثقلت الحيرة قلبها

فكل واحدة منها كانت بطالع سيء ومستقبل كئيب !!

قلب مكسور ومشاعر ممزقة ، الفارق الوحيد أن لتلك الآن

ابنة في مثل طولها أمّا هي فقد حصدت خيبات الأمل فقط

دون نتائج ملموسة .


رفعت يدها لوجهها وفي حركة سريعة مسحت عيناها ما أن

انفتح باب الغرفة ببطء وظهر لها وجه والدتها التي

ابتسمت لها وإن كانت ابتسامة متوترة استغربتها !!

لقد تهربت طوال الساعات الماضية من مواجهتها

وتعترف بأنها لم تكن تتوقع أن تبقى مستيقظة لبعد
منتصف الليل وتقرر زيارتها !


استدارت في جلوسها نحوها وأنزلت قدماها للأرض بينما

اقتربت منها قائلة

" هل أعد لك شيئاً تأكلينه يا جليلة ؟ "


حاولت جاهدة رسم ابتسامة على شفتيها وإن كانت باهتة

متعبة تشبهها وهي تقول

" شكراً لك أمي لا أشعر بالجوع "


ورفعت نظرها معها وقد وقفت أمامها وقالت مستنكرة

" لكنك وصلتِ إلى هنا بعد العصر ولم تتناولِ شيئاً "


كانت تعلم بأنها لن تكون العبارة الأخيرة لذلك أنهت كل

ذلك قائلة برجاء

" لو كنت جائعة لنزلت للمطبخ وأكلت لوحدي أمي
أقسم لك "

أومأت لها في صمت بينما بقيت واقفة مكانها وكما توقعت

كان ثمة المزيد لديها ولن تفوت الفرصة بالتأكيد فقد قالت

تنظر لعيناها التي هربت بنظرها منها للأرض

" حسناً ألن تخبريني ما الذي حدث بينك وبين زوجك
جعلك تتركي منزلك ؟ "



كانت أصابعها تشد على طرف السرير تحتهما بقوة بينما

رفعت نظرها لها مجدداً وقالت باستياء

" لم يحدث شيء أمي أتكرهون أن أزوركم ؟! "


اتسعت عيناها وقالت مندفعة

" لا بالتأكيد لكنك ... "


قاطعتها سريعاً بينما مزاجها بدأ يتبدل للضيق تدريجياً

" لكنني لازلت عروس وهو لم يكن من جلبني أعلم هذا ،
لكن قائد أخبرك بنفسه بأنه موافق وكان منشغلاً فقط "



كان الارتباك الغير معتاد يزداد في ملامح وكلمات التي

قالت مجدداً

" أجل يا جليلة لكن ... "


فقاطعتها مجدداً لأنها وصلت أقصى درجات الاحتمال

بسبب التعب الجسدي والنفسي وقالت باستياء ومرارة

تشير لنفسها

" أمي الرحمة أرجوك أنا لا أريد التحدث مع أحد اليوم
ولا قول أي شيء لأنني متعبة و... "



وتوقفت كلماتها فجأة بسبب صوت باب الغرفة القوي والذي

اصطدم بالجدار بسبب ضربة من قدم الذي ركله بقوة وهو

يفتحه صارخاً

" بل لديك ما تقولين وستنطقين الآن "


صاحت والدتها من فورها تنظر له

" وثاب غادر من هنا أنا من سيتحدث معها "


بينما وقفت هي على طولها ودون شعور منها وها قد

علمت الآن سبب كلمات والدتها المتوترة بل ولما زارتها

في هذا الوقت فيبدو بأنه هو من كان يشتعل ناراً ويرسلها

في كل مرة أو هي من تنهاه وتختار المجيء بدلاً عنه
وهو الأرجح .

صرخ سريعاً ينظر بعينين مشتعلة لوالدته بينما تشير

سبابته نحو الواقفة خلفها

" ألم تسمعي بأذنك ما تقول ؟ بل وتطردك علانية "


أشعلتها كلماته حينها بل واتهامه الباطل مما جعلها

تصرخ محتجة

" أنا لم أخطئ في حقها فهي والدتي أيضاً ولن أرضى لها
ما أكرهه لنفسي وما لديّا قلته ولا شيء يُضاف عليه "



كان هجومه فعلياً حينها وهو يتوجه نحوها صارخاً

" وتتجرئين عليّا أيضاً يا جليلة ؟ تظنين أن جلب ذاك
المحامي الفاشل لك سيجعلك تقنعينا بهذا ؟ أم تظنينا أطفالاً
نصدق ما تقولينه "



التصقت بالسرير خلفها وهي ترجع للوراء لأن والدتها

كانت الحائل بينهما وقد صرخت وهي تمسكه من ذراعيه

" توقف يا وثاب حلفتك بالله "


وبالرغم من توقفه إلا أن نظراته المشتعلة لم تترك عينا

التي مد يده نحوها يقاوم دفع يدا والدته له صارخاً

" ستتكلمين الآن بل وستركبين سيارتي وتعودي لمنزلك
قبل طلوع النهار "


وكان ذاك ما جعل دموع القهر تملأ عينيها وإن لم تسمح

لها بالتمرد على رموشها وهي تشعر بالمهانة فلم يهتم ولا

لمعرفة السبب وكأنها بهيمة تُساق لمصيرها مرغمة ، فكان

ذاك ما جعلها تصرخ فيه بالمثل وبعناد قاتل

" لن أغادر من هنا إلا جثة ميتة فافعلها أولاً واقتلني "


انتفض جسده بقوة حينها وهو ينظر لوالدته بينما كانت

أوردة نحره ووجهه تكاد تتفجر بالدماء وصرخ

" أسمعتِ أمي ما تقول ؟ هل أتاك دليل كلامي الآن وبأنها
وصلت إلى هنا ولا نية لها في العودة "

كان حال الواقفة بينهما حينها الأسوأ بينهم ويداها ترتجف

كما ساقاها .. وجهها شاحب وشفتاها جافة وحمدت الله أنّ

والدهما غرفته في الأسفل وبسبب الأدوية التي يتناولها لن

يشعر بكل هذا ، لكن لا يمكنها أن تأمن شر ابنها وأنه لن

يخرج من هنا دون مراده وهو الذي أقسم لها قبل

صعودهما بأنها لن تبات معهم الليلة وستكون قبل طلوع

الشمس في حوران وإن سحبها من شعرها لذلك طلبت منه

أن تتحدث هي معها أولاً وبعد نوم والدهما لكنه وكعادته


لا يعرف شيء اسمه صبر وتروي ، ولأنها تعرف طباع

ابنتها أيضاً وعنادها طلبت ذلك وأصرت عليه ، صرخت

في محاولة أخيرة خائرة القوة وهي تحاول إمساكه عنها

" انتظر لنفهم منها أولاً يا وثاب "


وما أن أنهت كلماتها تلك تركته واستدارت نحو الواقفة

خلفها والتي كالمتوقع منها تماماً لن ترضخ بسهولة ولن

يجعلها تهديده تتراجع وهي المصرة على عدم قول أسبابها

ذات الوقت فقد صرخت من فورها وقبل أن توجه لها أي

سؤال تنفض يديها بغضب

" لا شيء لديّا لأقوله كم مرة سأقول هذا أمي ؟ ولا شيء
لديّا هناك أخسره لأركض إليه "

وكانت عبارتها تلك بل وآخرها تحديداً ما جعله يدفع والدته

جانباً بقوة لم تستطع مقاومتها كما مقاومة السقوط أرضاً

وهجم على التي أخفت وجهها خلف ذراعها في حركة

دفاعية لا شعورية صارخاً

" ماذا تقصدين بهذا يا نكرة "


وبدأت يده بضرب جسدها ووجهها بينما كان يمسك ذراعها

بالأخرى بقوة لم يهتم لصراخها ولا بكائها ولا محاولات


والدته التي كانت تحاول إبعاده والصراخ في كل مرة

" توقف يا وثاب "

لأن الغضب أعماه عن رؤية وسماع أي شيء ولا نحيب

شقيقته الباكية تحت قدميه بعد أن إنهار جسدها المتعب

نهاية الأمر ولا دموع والدته ورجاءاها التي كان يدفعها

في كل مرة بعيداً كقطعة قماش بالية ، ولم ترحم يده ولا

قدمه من كان يفترض أن يكون لها السند والظهر الذي تلجأ

إليه كلما ظلمتها الحياة لا أن يكون كلاهما عليها ، ولم

تنتظر هي منه ذلك فبالرغم من أن صراخها المتألم كان

يخرج رغماً عنها إلا أنها لم تتحدث بغير صرخاتها تلك ولم

تستجديه الرحمة أو تترجاه أو توافقه على ما يريده تنتظر

فقط أن تلفظ أنفاسها الأخيرة تحت ركلات قدمه فالموت

أشرف في نظرها بكثير من كل ذلك .


تبدلت صرخاتها لأنين متقطع حين توقف عنها كل ذاك

الأذى فجأة ليس رحمة منه ولا شفقة ولا إعياء بل لأنه ثمة

من سحبه من ظهر قميصه بقوة ولكمه بقبضته في وجهه

لكمة جعلته يرتمي على الكرسي الخشبي وتدحرج معه على

الأرض صارخاً بألم قبل أن يدفعه بقوة متألماً وحينها فقط

علم عن هوية الفاعل والذي لم يترك له مجالاً ليراه قبل ذلك

وهو يوجهه قبضته نحو وجهه بسرعة البرق وكان قائد

الذي وقف ينظر له بغضب مشتعل لازال يُحرق أنفاسه

اللاهثة ونظراته كما قبضته التي لم ترتخي بعد تدل على

أنه لازال يحمل له المزيد ، وذاك ما حدث فعلاً وهو يركض

نحوه متجاهلاً صراخ والدته الراجي ونداء شقيقته الباكية

باسمه وهو يهوي بجسده على الجسد الذي إنهال عليه

ضرباً لم يستطع مقاومته بينما لم تتوقف شفتاه عن سبه

وشتمه يفرغ فيه غضبه المشتعل منذ سمع صراخ شقيقته

المحببة لديه فكيف وهو يراه أمامه يضربها ودون رحمة

كالبهيمة فذاك المشهد الذي لم يفارقه حتى اللحظة ما جعله

يلكمه ويلكمه دون توقف ودون أن يترك له أي فرصة

للدفاع عن نفسه ولا إبعاده عنه .


" توقف يا قائد "


كان هذه المرة صوت رجولي صارخ جعله يتوقف وينصاع

سريعاً وهو يستوي واقفاً وينظر ناحيته واقفاً عند الباب

وهو من يفترض بأنه نائم ولا يمكن لصوت شجارهم أن

يوقظه لكن الأمر تعدى الشجار بالألسن ويبدو أن العجوز

الواقف مستنداً على عكازه لا يستسلم بشكل فعلي لتلك

الأدوية كما يظنون ، كما كانت نظراته الغاضبة الحادة أكبر

دليل على ذلك وهو ما جعل نظرات قائد تتمسك بعدائيتها

فهو لم ينسى بعد اليوم الذي طرده فيه وثاب وشقيقه وسام

من هنا يُذكرهما بأنهما ليسا فردين من هذه العائلة بينما

وقف والده صامتاً لم تؤثر به ولا دموع زوجته وهي تترجى

ابنيها أن لا يرحلا ، كما أنه من وافق ابنه على إجبارها

على الزواج لذلك هو عازم الآن وبعد ما رأته عيناه هنا أن

لا يخضع مجدداً ولا لكبريائه وكرامته لذلك توجه من فوره

نحو التي لازالت تجلس على الأرض تنظر لكل ما يجري

بعينين دامعة ذاهلة مفجوعة وخائفة ذات الوقت ورفعها من

ساعدها حتى وقفت يلف أصابعه الطويلة حول معصمها

بقوة وقال بصوت قوي ينقل نظره بين والدها الواقف مكانه

ينظر له ووثاب الذي وقف يرتب قميصه بحركة غاضبة

وينظر له بعينين مشتعلة

" ستخرج شقيقتي معي من هنا إن بالغصب أو بالقانون
ولن أسمح لأي رجل على وجه الأرض أن تمتد يده عليها
وكائناً من يكون ومهما كانت أسبابه "



كانت نظرات والدها له جامدة جمود الصخر ولا يمكن فهم

ما يجول في عقله حينها بمجرد النظر لها وهو ما جعل

أصابعه تشتد على رسغها أكثر فقد شعر بارتجاف يدها

الواضح والجميع يعلم ما يكون هذا الرجل جيداً وإن شابَ

شعر رأسه وانحنى ظهره قليلاً وفقد قوة شبابه وصحته إلا

أنه كان ولازال صاحب الكلمة العليا في ذاك المنزل لأنه كان

من أشد أنواع الآباء حزماً خاصة في تربيته لبناته والتي

فقدت توازنها قليلاً عند الابن الذكر الوحيد ولعدة أعوام

حتى كانت النتيجة رجل بطباع والده الحادة ممزوجة مع

السلوك العدواني السيء بسبب تدليل والديه المفرط له

وذاك ما ظهر جلياً حين صرخ ذاك الابن بقوة وسبابته

تشير نحوهما بينما نظره موجه لوالده

" أرأيت ما يحدث يا أبي ؟ هي تركت منزل زوجها وهو
من جلبها منه دون أن يخبر... "


" أصمت يا وثاااب "



كانت صرخة والده كفيلة بإخراسه تماماً بينما لم يكلف

نفسه عناء النظر ناحيته لأن نظراته الغائمة لم تترك عينا

قائد وضرب بعكازه الأرض ما أن قال بحدة

" لن تخرج بها من هنا يا ابن نصران "


كانت عبارته تلك بمثابة الموت بالنسبة لجليلة وأشد من

ذلك على قائد بل ووالدتهما التي أمسكت فمها باكية وهي

تقف بينهم جميعاً ، الوحيد الذي انبعثت النشوة في أوردته

كان وثاب الذي نفخ صدره يبتسم لوالده بامتنان وفخر

ابتسامة تلاشت كالضباب تحت أشعة الشمس الحارقة ما أن

نظر نحوه وصرخ بحركة خفيفة من عكازه

" بل أنت من تغادر منزلي فوراً "


لم يكن وحده من تحول لتمثال حجري بعينين متسعة حينها

بل كان للجميع النصيب منها .. قائد الذي كان هذا التصرف

أبعد من مخيلته مروراً بوجه جليلة الباكي المصدوم

وصولاً لوالدتها التي شهقت بصمت تضرب صدرها بيدها

بينما صاح وثاب ما أن اجتاز صدمته قبل الجميع لأنه

المعني الأول بذاك الأمر

" أنا !!؟ "


كان وكأنه يتوقع خلاف ذلك بل وواثق من أنه أخطأ في

مقصده حتى قال صارخاً في وجهه

" أجل أنت ولا أريد رؤيتك هنا مجدداً "


أنتفض جسده بقوة من هول صدمته لأنه لم يعرف منه هذا

السلوك سابقاً فإمّا أن يقف في صفه أو أن يصمت فقال

بانفعال واضح بينما سبابته تشير نحو قائد

" أنا من تطرده بينما هو من .... "


قاطعه صارخاً وموجهاً رأس عكازه نحو الباب

" غادر من هنا يا وثااااب "


وكانت له الكلمة العليا بذلك وهو من يعرفه جيداً وذاك ما

جعله يستسلم وإن كرهت نفسه فهو لم يفعلها وطرده سابقاً

فكان وقع الإهانة عليه أكبر من تصوره هو نفسه فتحركت

خطواته الغاضبة الواسعة نحو الباب المفتوح على اتساعه

وغادر منه متجاهلاً صراخ والدته التي تحركت خلفه

قائلة بجزع

" وثاب انتظر "

وتوقفت خطواتها عند زوجها الذي أمسكت بيده من فوق

إنحناء خشب عكازه وقالت برجاء باكي

" أقسمت عليك بالله يا يونس أين سيذهب في هذا الوقت ؟
دعنا نتفا.... "


وتوقفت كلماتها حين نفض يده عنها صارخاً

" أصمتي أو ألحقتك به "


قبضت أصابعها بعيداً عنه بينما صرخ هو يحرك عكازه

بقوة في الاتجاه الذي غادر منه ابنها قبل قليل ونظراته

الغاضبة لم تفارقها


" أنا لم أنجبه وأربيه لتمتد يده على شقيقاته بل ليكون
لهن السند بعدي "


وانتفض جسدها بسبب ضربه للباب بطرف العكاز بقوة

وراقبته نظراتها الجزعة وهو يغادره صارخاً

" ظننته رجل يُعتمد عليه لكني لم أعرف كيف أربي رجلاً "



وابتعد مع ابتعاد صوت اصطدام رأس عكازه بالأرض

فضربت يديها ببعضهما تتمتم باكية

" لا حول ولا قوة إلا بالله "


ولحقت به مباشرة فهو وإن تغلب على ألم عموده الفقري

وهو يصعد إلى هنا فلن يكون نزول السلالم بالأمر السهل

عليه بالتأكيد فكان خيارها الأول هو اللحاق به وتركت

بعدها صمتاً موحشاً سرعان ما تخلله صوت نحيب التي

هوى جسدها جالسة على السرير خلفها وأخفت عيناها

وبكائها في كفيها منحنية الرأس قبل أن تستسلم لحضن

الذي جلس بجوارها وشدها إليه يشعر بكل عبرة تخرج من

جوفها سكين يذبحه وحمد الله أنه استمع لرأي عقله حين

توقع أن يحدث هذا معها وأن لا يتركها وثاب وشأنها فلازم

المنزل يراقبه من طرف الشارع جالساً في سيارته منذ

اتصل بوالدته وقت العشاء وسألها عنها وعمّا ينوي وثاب

فعله وقرأ من أجوبتها المتضاربة وكلماتها المتوترة أموراً

تخفيها عنه ، وبما أن سيارة ابنها ذاك لم تغادر المنزل علم

بأنه ينتظر الفرصة فقط .


حضنها بقوة وكأنه سيدخلها وسط أضلعه وقال بحزن

" لن يفعلها مجدداً يا جليلة أقسم لك وإن أخذته
بنفسي للسجن "



لم يستطع قول غير ذلك وأي كلام هذا الذي يمكنه قوله

فالقسوة حينما تكون من الشقيق أو الأب لا يضاهيها شيء

في الوجود لأنهم ثوابت في حياة المرأة عكس الزوج والابن

، وكم حمد الله أنّ موقف والدها كان مخالفاً لتوقعاته ولا

يمكنه نكران ذلك فلطالما وقف معه ضد شقيقاته الإناث ،

وها قد فهم اليوم السبب فهو كان يريده الظهر القوي

الحامي لهن لكنه اختار الطريقة الخاطئة للأسف ومنذ

البداية فأن تجعل للشقيق القوامه على شقيقته لا يعني



أن تعلمه كيف يقسو عليها بل أن يحتويها ويحترمها لتحبه

وبالتالي ستفعل كل شيء لأجله ولا تخالف كلمته أبداً وهذا

ما علمته إياه الحياة حين وجد نفسه بين أم وأب منفصلان

عن بعضهما وعائلتان كل واحدة منهما ليست

عائلته الخاصة .



تركها تبكي في حضنه مكتفياً بالمسح على شعرها حتى

بدأت عبراتها تختفي تدريجياً وبكاؤها يخف وحين ابتعدت

عنه انتظرها حتى عاودت لف شعرها الذي تناثر أغلبه من

المشبك البلاستيكي المثبت فيه بعد الذي حدث بينما كانت

تنظر للأرض شهقاتها لازالت تكتسح أضلعها كل حين ، وما

أن أنزلت يديها لحجرها وقد استقر نظرها عليهما نظر

لنصف وجهها المقابل له والذي كان متورماً من شدة البكاء

وكدمة حمراء تحت عينها يعلم بأنها ستتحول للّون الأزرق

فيما بعد والله وحده يعلم ما الذي تشعر به أيضاً في جسدها

من أضرار بسبب ضربه المبرح لها ، شد قبضتيه بقوة

وكأنه يمنعهما من تحطيم خشب السرير تحته للتنفيس عن

غضبه الذي يشعر بأنه لم يخمد بعد وقال بكل ما استطاع

من هدوء

" جليلة عليك إخباري بما حدث لأكون بجانبك وحتى إن
وقف والدك ضدك مستقبلاً "



وكان جوابها الصمت لازالت تنظر ليديها التي بدأت تشدهما

ببعضهما بقوة وقد تقاطرت دموعها عليهما في تمرد جديد

على عيناها التي لم تعد تملك القوة أساساً لترغمها على

عدم فعلها وكان ذاك ما مزق قلبه وبشدة ويعلم بأنها

تصمت لأنها لا تجد المنصف في كل مرة فقال بجدية

نطقت بها عيناه قبل لسانه

" أنا لن أخذلك أبداً يا شقيقتي وما حدث في السابق لن
يتكرر ولن يجبرك أحد على ما لا تريدين أقسم لك "


كان ينتظر أي كلمة تصدر عنها ومهما كانت حتى يئس

تماماً فلا شيء غير الدموع التي ترفض التوقف وهي

تمسحها تكراراً ورغم كل ذلك كان سيحاول مجدداً ودون

يأس لكن الكلمات توقفت على رأس لسانه حين فاجأته

شفتاها التي تحركت ببطء وخرج همسها مبحوحاً خافتاً

بينما لم ترفع نظرها نحوه

" كنت متعبة اليوميين الماضيين وأجهل السبب لأنها
أعراض غريبة حدثت فجأة ولم أعرفها سابقاً لذلك جلب
طبيبة للمنزل ... "



وتوقفت فجأة وبدأت تشد يديها بقوة مجدداً ولازالت تنظر

لها فقال ينظر لها بفضول وترقب

" وماذا حدث ؟! "


لاذت بالصمت لبعض الوقت حتى ظن بأنها لن تتحدث ولم

يكن يتصور أنه بسبب ثقلها عليها حتى خرجت كلماتها

أخيراً مختلطة بعبرتها المكتومة

" كشفت عليا سريعاً ثم أعطتني جهاز اختبار حمل ... "



وتوقفت كلماتها مع وقوفه ينظر لها مصدوماً لمجرد

سماعه اسم ذاك الجهاز ومؤكد توقع التالي ما سيكون

ورغم ذلك نظرت له فوقها وقد قالت ببكاء ظهر واضحاً

في صوتها والدموع تتقاطر من رموشها الكثيفة تباعاً

" لقد أخبرته وعمته بأني حامل وأرتهم نتيجة الاختبار "




كانت عيناه متسعة بطريقة لم تعرفها سابقاً وأنفاسه تخرج

كالإعصار وكأنه قنبلة موقوتة توشك على الانفجار وتدمير

كل شيء لكنه وفجأة اختفى ذاك الوميض الأسود في عينيه

وتبدلت نظرته لتفكير عميق وكأن فكرة ما اجتاحت عقلة

فجأة وهو ما يفعله بديهياً الشخص الذي لا يتوقف عقله عن

العمل وقت الغضب وهمس ينظر لعينيها

" لكن ... كيف يا جليلة "


هربت بنظراتها منه وعادت تنظر ليديها المقبوضتين معاً

بقوة من بين الدموع المتكدسة في عينيها ولم تكن أيضاً

بالغباء الذي يجعلها لا تفهم معنى سؤاله ذاك ومن الطبيعي

أن لا يقوله بشكل مباشر خاصة مع صدمته بالأمر وشعرت

بثقل العالم بأسره يجثو على قلبها حتى كادت تفقد أنفاسها

وهي تقول بكلمات باكية متأنية

" أجل كل واحد منّا ينام في غرفة حتى الآن "



ووقفت على طولها ما أن تحرك بخطوات مسرعة غاضبة

نحو باب الغرفة ولحقت به رغم ألمها وأدركته قبل أن

يخرج وأمسكت بذراعه قائلة

" أين ستذهب ؟ "



وما أن أدار رأسه نحوها قال بحاجبين معقودين

ونظرات غاضبة

" لحوران بالتأكيد "

اشتدت أصابعها على ذراعه وقالت مندفعة وبكلمات راجية

" لا يا قائد أرجوك "


حرك يده في محاولة للفرار من قبضتيها وقال بحدة

" أتركيني يا جليلة فالنار المشتعلة داخلي لن تنطفئ
إلا بذهابي "



لكنها لم تتركه بل أمسكت ذراعه بكلتا يديها وقالت مجدداً

" لا ليس هكذا يا قائد رجاءً "


استدار نحوها بكامل جسده وقال بضيق

" ولما يا جليلة ! بل وبأي طريقة أخرى ؟ "


ولاذ بالصمت لبرهة وقبل أن يقول ونظرة تفكير ترتسم

على ملامحه

" ماذا فعل لك ؟ "


فاجأها سؤاله وإن كان يفترض بأن تتوقعه فحركت رأسها

سريعاً وقالت

" لم يفعل شيئاً "


تبدلت نظراته للاستغراب وقال

" وماذا قال ؟ "


هربت بنظراتها منه وتعلم جيداً ما توقعه وكان سبب غضبه

ذاك وقالت بصوت خفيض مرتخي

" حتى وقت وصولك لم يقل شيئاً "


نظر لها بعدم استيعاب وقال دون شعور

" لا شيء أبداً !! "


رفعت نظرها له وقالت بصوت ذابل يشبه ذبول وحزن

ملامحها تنظر لعينيه

" لا شيء لأني سجنت نفسي في حمام الغرفة ولم أراه
إلا وقت أخبرني بقدومك "



حرك رأسه في حيرة وضياع ولم يعلق فأبعدت نظرها عنه

مجدداً نحو الأرض وقالت بحزن "

أنا لا أنتظر رأيه وما سيقول "


وكان ذاك ما جعل حاجباه الأسودان ينعقدان بشدة

وقال بحزم

" وكيف هذا يا جليلة ! عليه قبل أي أحد أن يتأكد وبالدليل
القاطع عدم صحة ذلك "



رفعت رأسها ونظرت لعينيه وقد بدأت عيناها تمتلئ

بالدموع وهمست بحزن وبحة واضحة

" هل احتجت أنت لدليل يا قائد ؟ "


شعر بكلماتها نصل سكين اخترق قلبه حتى شعر بالخدر

في أطرافه وسمع صوته وكأنه ليس له حين قال

" أنا شقيقك وأثق بك "



ابتلعت غصتها مع ريقها الجاف ودمعت عيناها وقد

قالت بأسى

" لكنك رجل ولن تختلف عنه في هذا لذلك عليه أن يكون
مثلك أو لا أريده ولن أخرج من هنا وإن قتلوني "

ضمها لصدره في حركة واحدة تغلبت فيها يداه على كل

شيء فيه ينظر للفراغ أمامه بشرود حزين قبل أن يبعدها

عنه ممسكاً بذراعيها وقال بنبرة جادة ينظر لعينيها الدامعة

" أخبريني إذاً ما تنوين فعله وأنا معك في كل ما ستقررين
وما تريدين "


ابتسمت شفتاها وإن كانت ابتسامة ذابلة تشبه ملامحها

الحزينة المتعبة والتي سرعان ما اختفت أيضاً وحين قالت

بجمود ولازالت تنظر لعينيه

" لقد تركت حقيبة ثيابي لديه فإما أن تلحق بي ويحررني
منه بمحض إرادته أو أن يأتي بنفسه لسماعي لأنه
يصدقني فقط "




حرك رأسه والدهشة أول ما ارتسم على ملامح وجهه وإن

تخللتها ابتسامة واضحة وقال

" وأي رجل هذا الذي يمكنه تجاوز اختبار كهذا ؟! "


أشاحت بوجهها جانباً واشتدت قبضتاها بجانب جسدها

وقالت ببرود

" إن كان رجلاً سيجتازه فأنا لن أجلس عند قدميه أبكي
وأترجاه أن يصدق ما أقول "



تنهد في صمت وقبل أن يقول

" عليك أولاً أن ... "



لكنها قاطعته قبل أن ينهي ما تعرفه وتتوقعه جيداً ونظرت

له قائلة

" سأزور الطبيبة النسائية غداً ولن أجلب فقط ورقة اختبار
تثبت كذب تلك الطبيبة بل وورقة تثبت بأني لازلت عذراء
ولم يقربني رجل أبداً لكنه لن يراها إلا إن جاء إلى هنا ومن
دون حقيبة ثيابي "


عاد لاحتضانها مجدداً وقبّل رأسها وقال

" وأنا معك وبجانبك في كلا الحالتين "



وعاد وأبعدها عنه وقال برقة ينظر لعينيها

" نامي الآن وارتاحي ولا تفكري في شيء مما حدث
وسيحدث حسناً ؟ "


أومأت برأسها تبتسم له بامتنان وحزن وهمست

بعينين دامعة

" شكراً لك يا شقيقي "


ارتفعت يداه لرأسها وأمسكه وقبّل جبينها قبل أن ينظر

لعينيها قائلاً

" لقد أحسنتِ صنيعاً بما فعلته يا جليلة ولم تخب ظنوني بك
، وإن كان بالفعل يستحق كلمة رجل سيفكر ويقرر كرجل "



وتابع من فوره ويده تمسح على طرف وجهها

" سأزورك في الغد ... تصبحين على خير "



وقال آخر كلماته وهو يستدير مغادراً وقد ودعته نظراتها

الحزينة الدامعة وتمنت أن كان كل شقيق في الوجود يشبهه

بل وأن كان هو شقيقها من والديها وليس وثاب ،

استغفرت الله بكلمات حزينة هامسة وعادت نحو سريرها

تجر خطواتها بصعوبة بسبب الرضوض في ساقها وفخذها

الأيمن لأنه كان أكثر مكان تلقى ركلاته القوية بينما غادر

هو مغلقاً الباب خلفه بهدوء وما أن وصل السلالم المؤدي

للطابق الأرضي وجد والدته أمام وجهه فتوقف لوقوفها وقد

قالت سريعاً تنظر لعينيه بترقب وفضول

" هل أخبرتك بما حدث يا قائد ؟ "



تنهد نفساً عميقاً وحرك رأسه قائلاً

" أجل ولا تتعبي نفسك وتتعبيها معك بسؤالها يا أمي
فهي لن تقول "


تغضن جبينها باستغراب وقبل أن تقول بضيق

" وما هو هذا الذي لن تقوله ؟! لا تكون الأمور

هكذا يا قائد "



تنهد بضيق مماثل وقال بكلمات جادة ويده تشير نحو المكان

الذي جاء منه

" أنا في صفها وهي على حق فاتركوها تقرر فقط دون
أي تدخل "


اتسعت عيناها وارتفعت يدها لصدرها وقالت بجزع

" هل ستتطلق منه ؟ "



حرك رأسه في يأس منها فتفكيرهم منحصر فقط في طلاقها

منه ودون التفكير حتى في السبب ! قال بذات كلماته

الجادة الحازمة

" بل سترجع له معززة مكرمة أو أن يطلقها بنفسه فلا
تعيدوها له مُهانة يا أمي رجاءً "



حركت رأسها بأسى وضربت يديها ببعضهما متمتمه بحزن

" يا رب رحماك "



تنهد بضيق فهو يعرف والدته جيداً فهي لم تستطع العيش

مع والده وعائلته لأنهم ذئاب وهي لا حول لها ولا قوة

تصمت أكثر مما تتحدث وتزوجته وهي في سن صغير

وحين تزوجت بزوجها الحالي استطاعت أن تعاشره

وتتحمل طباعه بسبب طبعها المسالم ذاك ويعلم بأنه لا

كلمة لها معه ومع ابنه ورغم ذلك نظر لعينيها ورفع سبابته

وهو يقول بحزم

" أمي لن يجبرها أحد على العودة له دون أن يأتي بنفسه ،
وإن فكر والدها في فعلها فقسماً سآخذها من هنا ولن يجدها
أحد بعد اليوم "



وما أن أنهى كلماته تلك اجتازها نازلاً السلالم وقد قال

" تصبحين على خير "


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 28-01-22, 09:51 PM   المشاركة رقم: 1679
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,163
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*


زمت شفتيها واشتدت أصابعها على الهاتف في يدها بينما

كان صوت شقيقتها المرتفع الغاضب لم يكتفي من تحطيمها

صارخه بغضب

" قسماً لم ترى عيناي من هي أشد غباء منك يا جمانة ،
بغبائك وسذاجتك كادت تلك المرأة أن تورطك في مصيبة
عظيمة وتخرج هي منها وكأن شيء لم يحدث لأنها استغلت
غبائك وضعفك .. "



كانت تصرخ وتعيد بكل ما جاد به لسانها وهي تستمع دون

نقاش كالعادة ليس لأنها تراها محقة أو لا تملك ما تقول بل

لأنها كانت دائماً الفتاة التي تفتقر للذكاء وحسن التصرف

في نظر عائلتها جميعهم وكانت شقيقتها التؤام هي المثال

الذي تُعاقب به دائماً بتذكيرها بأنها أفضل منها في كل

شيء وهما اللتان ولدتا في ذات اليوم والوقت حتى تشبع

عقلها بتلك الأفكار ، أغمضت عينيها وتنهدت بعمق ما أن

قالت التي يبدو لم تكتفي بعد من توبيخها

" أتعلمين ما كان سيكون مصيرك ؟ "



نفضت يدها الحرة وقالت بضيق

" يكفي يا جيهان لقد تشبعت "


وكان ذاك ما جعلها تعود للصراخ الغاضب مجدداً قائلة

" لا ليس يكفي ولا جَلد ظهرك يا مغفلة ، أكنتِ تتوقعين ما
كان سيحدث الآن لو لم يخرج لكما ذاك الرجل من العدم ؟ "




ارتجف جسدها بأكمله من مجرد تذكر ذلك وقالت بتوتر

" لا تذكرني به فأنا أصبحت أراه يخرج لي من كل مكان "



وصلها صوتها المتضايق سريعاً

" لا لن يخرج مجدداً وليس هو بهذا الغباء كما سيبلغها
هي بأنكما رأيتماه "



اتسعت عيناها وهمست مصدومة

" يبلغها !! "


قالت تلك بتذمر

" يا الله ما أغباك يا جمانة "


عادت لشد شفتيها بحنق مكبوت كعادتها بينما عادت

شقيقتها تلك للصراخ فيها متابعة

" أتتصورين مثلاً أنه موجود هناك دون علمها ؟
بل واختفى لأنها ساعدته على ذلك "



تبدلت ملامحها للاستغراب فجأة وهمست

" لكن كيف ؟! "


وصلها صوتها الجاد سريعاً

" لا يهم ذلك ولا ينفعنا في شيء لكنه لن يدخل دون
علمها بالتأكيد "


اشتدت قبضتها بغضب وقالت مندفعة

" إذاً سأخبر الجميع بما رأيته ليكتشفوا أمرها "



صاحت فيها محذرة

" إياك وفعلها أو فعل أي شيء من دون إعلامي "



تنهدت بضيق بينما لم تترك لها وقتاً لتعترض وقد قالت

مباشرة وبتهديد

" لن نتحرك قبل أن نعلم من يكون وكيف يصل لها ، لا
تصرفات حمقاء مجدداً جمانة افهمي ما أقول ؟ "


كورت شفتيها وتمتمت ببرود

" لا أفهم "


" ماذا تقولين !! "



لم تستغرب صوتها المصدوم حين قالت عبارتها تلك فهي لم

تكن تسمع منها سابقاً سوى حسنا ونعم وكما تريدين لكنها

تعلمت أموراً كثيرة وإن لم تستطع تطبيقها جميعها حتى

الآن لذلك شجعت نفسها ولأول مرة ونجح الأمر حين

سمعت صوتها وكأنها لا تعرفه وهي تنفجر فيها بحدة

" قلت لا أفهم ولا أريد أن أفهم وهذه المرة الأخيرة التي
أتحدث معك فيها عن شيء "

ولم تجد الوقت للتنفس وتهنئة نفسها على شجاعتها

الغير معهودة حتى وجدت نفسها عرضة للهجوم مجدداً

من التي قالت بغضب حتى كانت تشعر بصوتها يضرب

طبلة أذنها

" لا تمارسي دروس بناء الشخصية التي تقرئين الأكاذيب
عنها ضدي يا جمانة فأنا أعرفك جيداً كما أعلم عن نوع
عدوك وستنتهي لخارج قصر تلك العائلة إن استمريتِ في
التصرف بغباء "



كانت عيناها متسعة بينما عجزت عن تحريك لسانها وكأنه

تيبس تماماً ووحدها أنفاسها القوية ما كان يخرج من

شفتيها فلم تستطع استيعاب ما سمعت للتو وكأنها ليست

هي من نصحها بتلك الدروس والدورات فهل أصبحت مجرد

أكاذيب حين استخدمتها ضدها ؟ أطبقت شفتيها واستجمعت

أنفاسها لتنتظم قليلاً ثم همست ببرود وهي تبعد الهاتف

عن أذنها

" وداعاً "



وأغلقت الخط وهي تسمع صراخها الغاضب يبتعد ولم تهتم

لسماع ما كانت تقول لأنها تعرفه وحفظته لأعوام طويلة ،

أغلقت هاتفها ما أن عاودت الاتصال بها ورمته بعيداً عنها

واستندت بمرفقيها على ركبتيها وأمسكت رأسها بيديها

منحنية الظهر تغرس أصابعها بين خصلات شعرها وشدته

بقوة واكتسى الألم عينيها وكلمات شقيقتها تلك تتكرر في

رأسها دون توقف ولا خضوع لها حتى بدأت بضربه بهما

بقوة صارخة

" يكفي .. يكفي .. يكفييي "



رفعت رأسها لاهثة الأنفاس تنظر بعينين واجمتين لباب

الغرفة المفتوح والذي تسرب منه صوت طرق واضح على

باب الجناح فوقفت ترفع شعرها عن وجهها وغادرت

الغرفة قبل أن تتوقف خطواتها بسبب الوساوس التي

انتابتها فجأة وهذا بات حالها تخاف من ظل الأشجار

على النافذة .



ما أن تكرر الطرق بإلحاح أجبرت قدماها على التحرك حتى

وصلت له وفتحته ببطء وأصابع متشنجة حتى كان كشق

بسيط نظرت من خلاله وحين اكتشفت هوية الطارق فتحت

الباب رغم استغرابها لزيارتها الآن ! ابتعدت للخلف خطوة

ما أن دخلت أسماء وأغلقت الباب خلفها وذاك ما جعلها

تزداد توجساً وحيرة فمؤكد لديها سبب ما جعلها تأتي

وتتصرف هكذا ! وهو ما تبين لها بالفعل ما أن نظرت

لعينيها وقالت

" ثمة أمر مهم علينا التحدث فيه "



تذكرت كل ما قالته شقيقتها وإن كان بطريقة قاسية لكنها

حقيقة عليها الاعتراف بها لذلك قالت سريعاً وببرود

" لن أصعد لذاك الجناح مجدداً ولا في وضح النهار "


قابلت أسماء كلماتها تلك بالسخرية متمتمه

" كل هذا بسبب الخوف ؟ "

قالت مندفعة وبضيق

" لا .. "


وتابعت من فورها وبجمود تنظر لعينيها

" وإن كان الحديث عن الخوف فقد كنا شريكتان فيه "


تقبلت أسماء إهانتها بالصمت وإن مكرهة ولن تستطيع

بالطبع نكران ذلك وتعلم بأنها خرقاء وكانت أكثر جبناً منها

أيضاً لكنها سبيلها الوحيد فهي انتظرت خروج السيد ضرار

فجراً لتخبره ثم تراجعت لأنه ليس ثمة وقت يفصلها عن

معرفة الأمر والآن وصلت لباب جناحه وتراجعت حين

فكرت بأنه قد يخبر سلطان بأنها من أخبره وهنا ستنتهي

هي للنهاية التي تريدها لتلك القاتلة فوجدت بأنه لا حل

أمامها سوى جمانة لتصل لهدفها دون أن تقحم نفسها في

مشكلات مع زوجها أو حتى مع والده ، ازداد عزمها على

ما هي هنا من أجله وقالت بجدية

" أنا لست هنا لأجل ذلك لأنها لم تعد موجودة فيه أساساً "



حدقت فيها بعينين ذاهلة وهمست

" ماذا !! "


لم تعلق ولم تخبرها بشيء لتتركها قليلاً تتقلب فوق الجمر

المتقد ، وهو ما حدث فعلاً وقد خرجت كلماتها نهاية الأمر

متناثرة مبتورة هامسة

" كيف .. لكن .. أين ذهبت ! "


وحركت رأسها كالبلهاء التي تحاول تفسير شيء ما وعادت

وقالت باستغراب

" هل أعادوها للمستشفى ؟ "

تحركت شفتا أسماء حينها وما أن علمت بأن ضحيتها باتت

جاهزة لتلقي الخبر الأهم وقالت بكلمات متأنية واضحة

" بل أخرجها زوجك من هنا وللأبد يا ساذجة "


وكان رد فعلها أن صرخت فيها بعنف وعينان متسعة

" ماذااا !! "


ابتسمت بانتصار لبلوغها مرادها فهي تعرف تهور المرأة

حين يتعلق الأمر بزوجها فكيف بواحدة كالواقفة أمامها الآن

لم تراها حكّمت عقلها يوماً وفكّرت قبل أن تتصرف فألقت

لها بسلاحها الأخير قائلة بجدية

" هذا ما قاله سلطان بلسانه ونقلته الخادمة لي وتأكدت
منه بنفسي فلم يصعد لها أحد فترة الصباح "



بدأت الدموع تنزل دون توقف من العينين المشبعتين باللون

الأسود الثقيل للتخلص من مشكلة حجمهما الصغير بينما

استغلت الواقفة أمامها الوضع الشبه هادئ حتى الآن بسبب

الصدمة لتصل لغايتها الأساسية وقالت

" هم يخفون كل هذا عن عمي لأنه إن علم فسينتهي شيء
اسمه وقاص هنا وسترجع تلك القاتلة المجنونة لمكانها
الأساسي وهو الصحيح أو السجن "



وتابعت من فورها ما أن لاحظت بأنها تنصت لها بتفكير

وقالت تعيد مجدداً

" وصول الخبر لضرار السلطان هو ما سيبعدها عن
هنا وللأبد "



قالت التي انتهت من دراسة الفكرة أخيراً وبعبرة واضحة

" ووقاص أيضاً وأنا سأرجع لمنزل والدي بالطبع "



لا تنكر بأنها فاجأتها بل وأظهرت غبائها فما كان عليها

أن تقول بأن وقاص سينتهي وجوده أيضاً ، تباً لها لقد

استهانت بصغر عقلها كثيراً وعليها إصلاح الأمر سريعاً ،

قالت مباشرة وبنبرة جادة واثقة لتقنعها

" لا بالتأكيد فأنتِ زوجته "


سالت الدموع مجدداً في خطان أسودان عبر وجنتها

وقالت بحسرة

" زوجته التي خسرته منذ أن خالفت أمره ولن يأخذني
معه ما لم أستعيده لي أولاً "



تنهدت المقابلة لها بضيق ولم تكن على استعداد لسماع

نواحها وشكواها لذلك قد انتهى ما لديها وقالت مغادرة

" أنا أخبرتك وأنتِ لك الخيار "


" ولما لم تخبريه أنتِ ؟ "


توقفت فجأة وتركت يدها مقبض الباب تنظر للفراغ أمامها

مندهشة فهي لم تتوقع هذا السؤال منها ..! عقلها الصدئ

يمكنه العمل إذاً ؟! استدارت نحوها ونظرت لعينيها تحاول

استغلال كل جزء من الثانية لترتيب ما ستقوله ووجدت

حجتها سريعاً قائلة

" لأنه لن يصدقني وسيظن بأني أفعل ذلك انتقاما لموت
إبني لكن أنتِ لا ، حتى أنه يحسب لعلاقته بوالدك
ألف حساب "



وحين لم تعلق واكتفت بالنظر لها بصمت تَجدد أملها بأن

تفعل ما تخطط له لذلك أضافت ترسم نظرة حزن في عينيها

قبل كلماتها

" إبني مات وانتهى لكن زوجك ما يزال على قيد الحياة
وخسارة الأحياء أشد قسوة لأنك ستريه مع غيرك دائماً "

وما أن أنهت كلماتها تلك غادرت مغلقة الباب خلفها وتركت


التي أنزلت بها صاعقة مدمرة بما قالت وذكّرتها بكل ما

علمته منها دفعة واحدة بل وحددت لها ما سيحدث معها

مستقبلاً وذاك ما جعل أنفاسها تتعالى بقوة حتى كانت

أضلعها ستنفجر بها وخرجت صرختها العالية نهاية الأمر

وكأنها تُخرج الزلزال المدوي داخلها فيها وعادت بخطوات

راكضة نحو غرفتها ورفعت هاتفها الذي بالكاد كانت تراه

من خلف دموعها المنهمرة دون توقف ، وتوقفت لوقت

تنظر له بين يديها المرتجفتان وتذكرت كل ما قالته لها قبل

قليل وبأنها قررت أن لا تستشيرها ولا تسألها أو تحكي لها

عن شيء مطلقاً بل وستفعل ما يخبرها به عقلها ومهما

كانت النتائج .

*
*
*

مرت الدقائق الواحدة تلو الأخرى وهي على حالتها ذاتها

عيناها مفتوحتان وتحدق في ديكور سقف الغرفة حتى

حفظت تفاصيله كاملة وبائت جميع محاولاتها للنوم بالفشل

، وكيف ستنام بعد كل ساعات النوم الطويلة تلك ؟ وها هي

تدفع ثمن كل ذلك ودخلت في حرب ضروس مع عقلها

لتجنبه التفكير فيما حدث وفيما سيحدث لأن ذلك يرهقها

نفسياً وجسدياً أيضاً وعليها ترك المستقبل للمستقبل يكشف

نفسه بنفسه .


رمت اللحاف عن جسدها وجلست تجمع شعرها بجانب

كتفها ووقفت وغادرت السرير وبدأت في الدوران

بعشوائية في الغرفة الواسعة الشبه مظلمة وكأنها تشغل

عقلها بفعل أي شيء ، توجهت ناحية الستائر الثقيلة

المنسدلة وأبعدت طرفها بيدها وشغلت نفسها للحظات

بالنظر للحديقة التي بالرغم من انتشار الأنوار فيها إلا أنها

متأكدة من أنه ثمة تفاصيل كثيرة رائعة فيها يخفيها الظلام

الذي لا قمر فيه .


تركت القماش الثقيل الفاخر يعود لمكانه وعادت نحو

سريرها ورفعت هاتفها ونظرت للإشارة التي لا وجود لها

فيه لأن شريحة هاتفها لن تعمل هنا بالطبع وخيّم الحزن

على ملامحها ما أن تذكرت والدتها فلا يمكنها ولا الاتصال

بها الآن فقط لتسمع صوتها وصوت والدها وإن كانت

ستكون كطفلة في العاشرة أخذوها بعيداً عن والديها لكنها

شعرت بالفعل بالحنين والاشتياق لهم ومن الآن فالشعور

فقط بأنه ثمة آلاف الأميال تفصلها عنهم يزيدها سوءاً ،

استغفرت الله وهي تضع هاتفها مكانه وأخذتها خطواتها

ناحية باب الغرفة وبتردد أمسكت مقبضه وأدارته ببطء

وكأن كل من في المنزل سيسمعون صوت طقطقته الخفيفة

التي بالكاد تُسمع بالرغم من السكون التام .


كانت أضواء الجدران الخافتة تضيء الممر القصير وتعكس

أنوارها زخارفه الذهبية الجميلة وكان البابان المجاوران

لغرفتها مغلقان ولا تعلم إن كانت غرف شاغرة أم لا ؟

وكان يفصلها عن بعضها أقواس كبيرة تحمل ذات النقوش

والزخارف يتوسط كل واحدة منها ثريا ضخمة تلمع قطع

الكريستال المتدلية منها كالنجوم وإن كانت غير مضاءة ،

وبالنظر لنهاية الممر علمت بأنه لا ينتهي هناك بل يبدو

أنه يفتح على الجانبين كما تشعر بنسيم هادئ لامس

بشرتها الدافئة جعلها ترتاب عن مصدره ! وذاك ما دفعها

لترك مكانها وباب غرفتها مفتوحاً وتقدمت خطواتها ببطء

نحو ذاك الجانب من الممر والذي لم تأتيان منه بينما كانت

نظراتها مصوبة نحو الأمام وكأن عقلها أفقدَها أهمية

جميع التفاصيل حولها وبات هدفه هو اكتشاف المكان

المكشوف هنا .


وكان شكّها في محله وقد وقفت بعد اجتيازها للقوس الثالث

وأعمدته الضخمة تنظر مستغربة ناحية الشرفة الواسعة

المطلة نحو الخارج بزاوية نصف دائرية وعلمت فوراً

بأنها تحتل أحد زوايا المنزل وهذا ما رأته بوضوح وقت

نزولها من السيارة والنظر له فقد كان بزوايا نصف دائرية

عبارة عن شرفات يحيط كل واحدة منها سياج ذهبي براق

وجميل ، لكن ما جعلها تقف مستغربة ليس وجود هذه

الشرفة بل جسد الفتاة الجالسة على الأرض تحضن ركبتيها

مقابلة للسياج توليها ظهرها واستغربت وجودها هنا في

هذا الوقت !


شخص واحد كان يمكنها تكهن من قد يكون هذا وذاك ما

جعلها تقترب من الشرفة أكثر وتوقفت خطواتها ما أن

شعرت الجالسة هناك بها ووقفت على طولها واستدارت

نحوها والتقت عيناهما مباشرة لتعلق نظرات كنانة في

الأحداق الرمادية الواسعة المحدقة فيها باستغراب مماثل

مما جعلها تُهمل النظر لباقي ملامحها للحظات لأنها كانت

كالسحر تماماً ! فهي للمرة الأولى ترى عينان بهذا اللون

تكون جميلة هكذا !

أم أن السر في بريق الدموع الذي جعلها تتحول لسطح لامع

من الفضة الطبيعية جعلها مختلفة عمّن رأتهم من قبل ؟!

وبدأت تخميناتها تأخذ منحى آخر فهذه ليس لها عينان

كغيهم ولا كوالدته ولا ملامحها ولون بشرتها أيضاً !

وبالرغم من ذلك قالت وهي ترسم ابتسامة ودود

على شفتيها

" أنتِ بالتأكيد بثينة .. أنا كنانة زوجة غيهم "


وكان ذاك ما جعل العينان الرماديتان تتسعان بذهول بادئ

الأمر ولازالت تحدق في عينيها قبل أن تنتقل نظراتها تلك

ببطء على جسدها ثم صعوداً لعينها مجدداً وهو ما جعل

كنانة تأخذ وضعية الاستغراب أكثر والذي تبدل للصدمة

ما أن تحركت بخطوات راكضة حتى اجتازتها مسرعة

ونظراتها المصدومة تتبعها بسبب سلوكها الغريب ذاك !


وما أن اختفت عن نظرها سمعت صوت باب قربها يُغلق

بقوة فعلمت بأنها دخلت أحد الغرف المجاورة لغرفتها بينما

وقفت هي في مكانها للحظات تحاول تفسير وفهم كل هذا

حتى انتهى بها الأمر أن تنهدت في حيرة وتحركت من هناك

أيضاً وعادت أدراجها فعليها فقط أن تلتزم غرفتها فهي من

تعدت على عزلتها هنا .


*
*
*

جلست مكانها المعتاد تحضن حقيبتها اليدوية والابتسامة

الواسعة تزين وجهها وقد انطلقت على الفور الحافلة

المخصصة بالمنضمة التي كرست نفسها للعمل فيها ومنذ

كانت في الرابعة عشر من عمرها وها هي الرحلة التي

انتظرتها منذ عامين قد حان وقتها وتحقق حلمها أخيراً

وستزور أدغال كايلي المكان الذي انتظرت وبشغف


الذهاب إليه .


نظرت للجالسة بجانبها وقالت مبتسمة

" لو كان الأمر بيدي لنمت في المطار منذ البارحة "


وانطلقت ضحكتهما مرتفعة بينما زينت وجه سائق الحافلة

العجوز ابتسامة رقيقة وهو ينظر لهما من خلال مرآته

الأمامية الواسعة فإن تغيبت هذه الفتاة عن الركوب يوماً

يفتقد صوت ضحكاتها في المكان الشبه ساكن قبل ركوبها .

ما أن وصلت حافلتهم ساحة مطار ﻟﻮﺗﻦ كانت ثمة ثلاثة

أخريات في انتظارهم وقد امتلأت أيضاً بأفراد المنظمة من

الفئات والتخصصات المختلفة ونزل الجميع حينها ودخلوا

مبنى المطار في مجموعات وقد اختلطت الأحاديث بين

الأصدقاء مع الضحكات ولكل واحد منهم تصور ومخطط

معين لرحلتهم تلك والتي ستأخذ يومين كاملين .


نظرت للسائرة بجانبها فور وصولهم لصالة المسافرين

المزدحمة وقالت ضاحكة

" لم أكن أتوقع أن يوافق والدي وهو الذي يظن سابقاً
بأننا سنعود اليوم "



ضحكت أيضاً وقالت

" هذا يعني أننا سننزل لمطار كاليه ونعود بعد خمس
دقائق "



تشاركتا الضحك قبل أن تقول المرافقة لها وابتسامة جانبية

ترتسم على شفتيها

" والدك تفكيره غريب للغاية ! ما في الأمر إن ذهبتِ في
رحلة تنظمها المنظمة ! نحن نذهب في رحلات مع أصدقائنا
ولا يعترض أحد "


اختفت ابتسامتها وتركتها وسارت نحو البقية قائلة بحدة

" كم مرة سأعيد بأنه تفكير رائع من والدي وأحبه كما
هو ومقتنعة تماماً "



لحقت بها بخطوات سريعة وقالت ضاحكة

" حسناً لما الصراخ "


وما أن أصبحت تسير بجانبها رمقتها بطرف عينيها وقالت

تمسك ضحكتها

" أجل نسيت بأنه أمامك الكثير من الأشهر لتبلغي الخامسة
والعشرين وتستقلين "



وقفت ساندرين وأبعدت الحقيبة عن كتفها وضربتها بها

وهي تتجنبها ضاحكة بينما قالت بضيق

" حمقاء ولن تفسدي مزاجي أبداً بما تفعلينه "


ضحكت وقالت

" بالتأكيد لن يفعلها أحد اليوم ولا صديقتك المحببة إيلا "

تجعدت ملامحها ونظرت للجانب الآخر حيث الواقفة مع

رفيقتاها تضع قبعة غريبة الشكل تشبه فكرة الأدغال التي

ينوون زيارتها والتي رغم بشاعتها لم تفسد جمالها

الإنجليزي الواضح ، قالت تمسك ضحكتها

" أنظري إنها تشبه الدجاجة "


وضحكتا بصوت مرتفع لم تستطع أيّا منهما التحكم به مما

جعل البقية ينظرون نحوهما لكن لم تلتقط نظراتها سوى

صاحبة العينان الخضراء العشبية التي كانت تنظر لها

بحنق وحقد وكأنها علمت بأنها سبب ضحكاتهما تلك بينما

قابلتها ساندرين بالتجاهل التام وهي ترفع أنفها في وجهها

وسحبت صديقتها معها وهما تتوجهان ناحية المشرف الذي

اجتمع حوله عدد منهم قبل أن يتوجه الجميع ناحية صالة

الانتظار حين تم الإعلان عن رحلتهم .


قالت مبتسمة تخاطب الواقفة خلفها وهي تقدم جواز سفرها

وتذكرتها للموظفة الجالسة خلف عازل زجاجي أمامهم

" ستكون الرحلة الأجمل على الإطلاق "



قالت التي كانت تنظر ناحية الإطلالة الزجاجية المطلة على

مهبط الطائرات وحيث الطائرة المتوقفة الأقرب لمكانهم

" أجل فقد توقعنا سابقاً أن الرحلة ستكون بالقطار عبر
بحر المانش ويبدو أنهم يستأجرون طائرة غالية الثمن !! "


نظرت ساندرين حيث الطائرة التي لم يكن يظهر لها سوى

مقدمتها تقريباً وقالت ساخرة

" ومن قال بأنها طائرتك يا معدومة ؟ من هذا الذي سيدفع
ثمن الكرسي الذي ستجلسين عليه ؟ "



حدقت في الورقة بين يديها باستغراب قائلة

" لأنه ... "


لكنها قاطعتها وهما تبتعدان تنظر لما بين يديها

" ما هو رقم كرسيك ؟ "


وتابعت من فورها تنقل نظرها بين ورقتيهما

" لسنا بجوار بعضينا ! كيف يكون هذا ؟! "


رفعت نظرها لها وقالت باستغراب

" لا أعلم ! "


تنهدت بضيق وقالت متذمرة

" يا إلهي من هذا الذي سأقضي ساعات الرحلة بجواره ؟ "


وتأففت من فورها متابعة

" أنتِ لا تشاهدين الأفلام ولا تستمعين للموسيقى وهذا
يروق لي "



ضحكت كاتي وقالت مباشرة

" يروق لك أم يناسبك لأنك ستنامين فور انطلاق الطائرة "


ضحكتا معاً واستمر ضحكهما ومزاحهما برفقة بقية

المقربين منهما حتى اجتازتا باب المسافرين وحاجز

التفتيش وما أن ساروا نحو الممر المخصص لها قالت

السائرة بجانبها باندهاش تشير بسبابتها نحو الطرف البعيد

للواجهة الزجاجية

" أرأيتِ ساندي إنها طائرتنا ! "



تمتمت باستغراب وهي تنظر لتلك الجهة

" كيف يكون هذا ! "



قالت كاتي سريعاً

" لو أنك انتبهت لاسم الشركة على التذكرة لعلمتِ بالأمر ،
لقد كنت سأخبرك بهذا "


وتابعت تقلب ورقة رقم كرسيها في الطائرة باستغراب

" الغريب في الأمر أن المنظمة تتكفل بكامل تكاليف الرحلة

فمن المنطقي والمعتاد أن تختار واحدة مصنوعة من

الخردة ! "


كانت لا تتوقف عن الحديث والتساؤل بينما كانت هي تحاول

النظر للشعار المرسوم عليها والأهم تذُكر أين رأته سابقاً !

لكنها اختفت عنها بمجرد اجتيازهم الباب الضخم المفتوح

وأصبحوا حينها في الممر الاصطناعي المعلق الموصول

بين مبنى المطار والطائرة واختفى عنهم كل شيء ونزعها

من كل ذلك صراخ الشاب الذي صاح مرحاً وبضحكة

مرتفعة

" من يصل أولاً لباب الطائرة "


وركضوا ضاحكين من فورهم وبصراخ متحمس على


ضحكات المشرفين الذين تركوهم خلفهم بسبب تصرفهم

الطفولي الذي كان يعبر عن سعادتهم بالرحلة المنتظرة منذ

وقت طويل ، وكانت الاجواء وقت دخولهم لا تقل عنها

صخباً وضحكاً حتى بدأ كل واحد يأخذ مكانه المخصص له

واستطاع الجميع التأقلم مع رفيقه المعلوم سلفاً عدا التي

كانت تقترب من كرسيها بملامح عابسة وهي تنظر لقمة

الرأس والشعر الأسود المصفف بعناية شديدة وتوصلت

لأول معلومة سيئة بأنه شاب وليس فتاة .


لكن الأسوأ كان في انتظارها فما أن وقفت أمام الكرسي

الطويل الظهر وارتفع رأس من كان منشغلاً مع هاتفه يغلقه

لقرب إقلاع الطائرة حتى شهقت بصوت قوي اختلط مع

صرخة مذعورة وكأنها رأت شبحاً أمامها مما جعل تلك

الابتسامة الشابة المحاطة بلحية ذات قصة شبابية أنيقة

تزداد اتساعا وتحركت شفتاه قائلاً

" كنت أتسأل من رفيقي هنا .. ياله من حظ موفق "


كان من الطبيعي أن يتوقع استسلامها للأمر الواقع لكن

ليس مع واحدة مثلها وهو ما يعلمه جيداً فأول ما فعلته

وصوت المضيفة يقترب منها وهي تساعد الجميع على

جلوس في أمكنتهم لتبدأ رحلتهم أن صاحت بقوة


" انتظروا أريد أن أنزل "

*
*
*

كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل وهو لم يغادر مكانه

مختبئ خلف أقرب الأشجار لمنزله من الناحية الغربية

والمعاكسة للتي اختفى منها ذاك المتسلل سابقاً ولن يفارقه

حتى يخرج مجدداً فلا يمكنه النوم ولا الراحة ما لم يعلم من

يكون وماذا يريد ! هل هو من عمّال مزرعة أويس أم

مزارع أبناء غيلوان أو رجالهم أم شخص آخر غير

ثلاثتهم ؟ وكل خيار يجعله يشتعل ويصر أكثر على التحمل

والانتظار وإن طلعت شمس النهار عليه وهو واقف هنا .


كانت الدقائق تمضي وهو يقنع نفسه بالصمود والاستمرار

حين توقفت جميع حواسه عدا حاسة السمع وتركز نظره

على الناحية التي سمع منها صوت خطوات تقترب ، وعلى

الرغم من صوت حفيف الأشجار بسبب النسائم الخفيفة

و صراصير الليل إلا أنه سمعها بوضوح لا يعلم لشدة

تركيزه أم لأن عقله الباطن لا يعمل سوى لذلك ؟! ولا يهم

بالنسبة له فما يهمه الآن وبات نظره منحصراً ناحيته فقط

هو الجهة التي باتت الخطوات تتباطأ وهي تقترب منها

وكانت الجهة الشرقية من سور منزله وذاتها التي اختفى

منها ذاك الصوت سابقاً .


كانت ضربات قلبه ترتفع لا شعورياً ليس بسبب التوتر ولا

الخوف بل كل ما تمَلكه حينها هو شعور حارق بالغضب

وتمنى فقط أن يمسك بعنقه بين يديه وهذا ما يصبوا إليه

بالفعل وإن لم يكن شخصية عدائية سريعة الغضب سابقاً

أو ممن لا يتحكمون في انفعالاتهم لكنه تعب من الصراع

النفسي الذي يعيشه وعليه أن ينهيه وسريعاً أيضاً وأن يُعلّم

هذا النكرة درساً في احترام حرمات الغير ومهما كانت

أسبابه .

توقفت أنفاسه كما حواسه جميعها وسباق ضربات قلبه

الصاخبة تلك ما أن ظهر له طيف الرجل باللباس الغامق

بعيداً يتسلل بخطوات بطيئة وجسده ملتصق بجدار سور

المنزل بينما نظراته تراقب المكان بأكمله وذاك ما أوضحته

حركة رأسه الغير مستقرة فلم يستطع الانتظار أكثر من ذلك

لأن غضبه الفعلي منه أفقده السيطرة على أطرافه لينتظر

ويعلم ما ينوي فعله والوصول له فانطلقت ساقاه راكضاً

نحوه وكما توقع ما أن خطت قدماه أول خطواتها حتى أطلق

ذاك الدخيل العنان لساقيه أيضاً وانطلق بسرعة الريح في

الاتجاه الذي جاء منه وهذا ما لم يكن يمان يتوقعه وأن

يكون بهذه اللياقة والخفة وهو ما جعله يُخرج كامل طاقته

أيضاً وهو يخترق جذوع الأشجار العالية راكضاً خلفه

لمسافة واتجاه هو نفسه لم يعد يعرفهما ، وحين شعر

باليأس بدأ يتسلل لنفسه من فكرة اللحاق به كانت اللحظة

التي تعثرت فيها تلك الأقدام المحلقة مع الريح والفرصة

السانحة له وفي ثواني معدودة ليقلص المسافة بينهما قبل

أن يقفز ذاك الجسد ويستعيد توازنه سريعاً .


وما أن أدرك يمان بأنه سيمدد المسافة بينهما مجدداً لأنه

بدأ يفقد طاقته تدريجياً عكس الذي كان وكأنه يركض للتو

لم يجد أمامه سوى حل واحد وفي النقطة الأقرب التي

وصل فيها إليه ترك لقدميه فرصة التحليق في الهواء عالياً

لبضع خطوات وقفز نحو الذي يبدو لم يجهز نفسه لهذه

الحركة وما جعل خطواته تتوتر مجدداً بسبب ملامسة يد

يمان لجسده وكانت تلك فرصته المواتية وهو يمسك بأحد

ساقيه لحظة اصطدام جسده بالأرض وهو ما جعل ذاك

الجسد يهوي نحو الأرض أيضاً ويتدحرج وجسد يمان معه

تباعاً لأنه رفض ترك ذاك الساق النحيل والفرصة التي لن

تتكرر مجدداً ، وبالرغم من ألمه الجسدي حينها إلا أنه

زحف فوقه وأمسكت يداه بكتفيه بقوة وكان يضع لثاماً على

وجهه ومع شدة الظلام لم يكن ليستطيع تبينه جيداً وإن

نزعه عنه لذلك انتقلت يداه لعنقه وشده منه بقوة صارخاً

بالرغم من تقطع أنفاسه اللاهثة

" من أنت .. ولما تتسلل لمنزلي ؟ "


ويبدو أن ذاك المجهول كان يستسلم له طواعية لتنظيم

أنفاسه وتعب جسده أيضاً لأنه وبكل سهولة ركله بركبته

ليقذف جسده بعيداً عنه فقد كان يمتلك لياقة بدنية لم يكن

يتصورها وهو ما جعله يتمسك بكل ما أوتي من قوة بياقته

التي لازالت أصابع يمناه متعلقة بها مما أعاق حركته وهو

ما أعطى الفرصة ليمان ليعود وينبطح فوق معدته وإن

بالعرض هذه المرة وبدأ الغبار يتصاعد بسبب حركة

أقدامهما العشوائية وقد قرر كلاهما الدخول في عراك حين

فقد أحدهما الأمل في الفرار والآخر الأمل في إبقائه تحت

قبضته فكانت المعركة بين من يريد إنهاك خصمه ليتحرر

منه وبين من يريد إنهاكه ليحكم قبضته عليه ويعلم عن

هويته وسبب تواجده الدائم قرب منزله .



تأوه يمان بقوة حين اصطدم ظهره بالأرض بينما أصبح

خصمه يجلس فوقه تمسك يده بياقته بقوة يثبته على

الأرض منهك القوى لأنه لم يعرف حياته العراك بجميع

أنواعه بحكم شخصيته المسالمة ، وبالرغم من بنيته

الجسدية بسبب عمله الدائم في زراعة الأرض وفلاحتها إلا

أنه كان يتفوق عليه كثيراً وذاك ما اعترف به بل واستسلم

له ، لكن الأسوأ لم يكن هناك بل في يده الأخرى التي

رفعها عالياً يحمل فيها سكيناً كان يخبئه في مكان ما من

جسده واتسعت عينا يمان بصدمة ليس بسبب ذاك السلاح

الموجه نحوه من علو بل بسبب الصوت الذي كان لفتى

يبدو لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره حين اخترق صوت

أنفاسهما القوية قائلاً

" عليك أن تموت إن كان غرضك الكشف عن هويتي "


كان لم يغادر صدمته بعد بأن من كان يصارعه قبل قليل

كرجل لرجل بل وأكثر قوة منه مجرد فتى !! وعادت

التساؤلات لعقله عن سبب اقترابه من منزله ومراقبته

وهو بهذا السن !


نقل نظره بين نصل السكين اللامع تحت ضوء النجوم

الخافت ووجهه المخفي عنه حتى اللحظة وقال بصوت

منخفض لازال لهاث أنفاسه واضحاً فيه

" هو سؤال واحد فقط أريد جوابه منك .. هل شعيب غيلوان
من كلفك بهذا ؟ "


كان جوابه المبدئي صادماً وهو يشخر ضاحكاً قبل أن يقول

" ذاك الإمعة فليمسك بنا أولاً ليفعلها ويأمرني بما يريد "


همس ولازال ينظر له باستغراب

" لكنك وسط أراضيه !! "


خرج صوته الساخر الواثق سريعاً

" نعم لكن النجوم فوق رأسي أقرب له مني "


كان يحدق فيه فوقه بذهول لم يستطع تجاوزه بسهولة فلما

يتحدث بكل هذه الثقة وهو في هذا السن وعن شعيب

غيلوان تحديداً !!

رجال يهابونه ويخافون شروره ! هو ليس من أعوانه إذاً

ولا من عمّال أويس فمن يكون؟ وما الذي يفعله هنا وهو

يكره شعيب هكذا ؟! قال مغادراً صمته القصير

" أنتَ لا تنوي قتلي فلما تفعل هذا ؟ "


لم يستغرب صمته اللحظي ويبدو أنه فاجأه بالأمر وهذا ما

بات متأكداً منه بأنه ليس بقاتل ولن يفعلها لَما ترك هذه

الفرصة سابقاً ، قال أخيراً وبنبرة قوية ويده تشد على

ياقته أكثر

" لأنك من جلب هذا لنفسه "


أغضبته كلماته تلك فهو تركه يسخر منه بما يكفي لذلك

قال وبغضب

" بل أنت من اعتدى على منزلي "


وانتقل الغضب له سريعاً وقد صرخ بالمثل

" لا أسمح لك بقول هذا فأنا لم أدخله ولم أكن أريد فعلها "


وتابع من فوره ودون أن يترك له مجالاً ليقول أي

كلمة أخرى

" ولا وقت لديا للتحدث معك أكثر من هذا وسأتركك
لأنك ... "


وتوقفت كلماته فجأة مختنقاً بصوت شهقته المكتومة مما

جعل عينا يمان تتسع على أقصاها وهو يرى جسده النحيل

يهوي فوقه ويسقط على صدره وظهر له خيال الجسد

الواقف خلفه يمسك في يديه الحجر الذي ضربه به

على رأسه .


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 28-01-22, 09:56 PM   المشاركة رقم: 1680
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,163
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 





*
*
*

غادرت غرفة تبديل الملابس بعد أن ارتدت بنطلوناً كحلياً

جميلاً من قماش ثقيل وفاخر له جيبان مقوسان عند خصره

العريض وبلوزة من الشيفون الثقيل لها ياقة مستديرة

متسعة من الأعلى وصيقة عند الخصر لتعود وتتسع في

الأسفل بقصة مثلثة الشكل تغطي وركيها وكانت بيضاء

بلون الثلج وقد رفعت شعرها بطريقة أنيقة تدلت منه

الخصلات البنية كنافورة صغيرة .


كانت تنظر لما أخرجته في يدها وهي حقيبة الحُلي التي لم

تفتحها حتى الآن ولم تعرف ما فيها ولا تنكر بأنه ينتابها

فضول غريب حيالها لا تعلم مصدره وأسبابه ! وصلت

لطاولة التزيين ووضعتها عليها وفتحتها وأخرجت أولاً

العلبة المخملية مستطيلة الشكل الموضوعة في الأعلى وما

أن فتحتها حتى شعرت بضربات قلبها ترتفع حتى كانت

تشعر بها تؤلم أضلعها وهي تنظر للصليب الموجود فيها

وكان بحجم سبابتها تقريباً مصنوع من الذهب الخالص

تزينه بأكمله فصوص من الألماس اللامعة ببريق أخاذ ،

امتدت أصابعها له ورفعته واكتشفت حينها بأنه لم يكن

مجرد صليب عادي بل قرط أذن مكون من قطعة واحدة فقط

تدلى معه سلسال ذهبي رقيق ينتهي بحبة ألماس تأخذ شكل

دمعة صغيرة .


نظرت ناحية الباب الذي طرقه أحدهم من الخارج قبل أن

يستدير مقبضه ببطء وانفتح كاشفاً عن وجه إيريكا الباسم

والتي قالت سريعاً

" صباح الخير آنستي .. أعتذر لإزعاجي لك كان عليا التأكد
إن كنتِ نائمة أم لا "


أهدتها ابتسامة مماثلة ترفض إبداء انزعاجها من

تصرفها وقالت

" لا داعي للاعتذار أنا أستيقظ باكراً دائماً "


دخلت حينها الخادمة قائلة وابتسامة أكثر اتساعا

تزين شفتيها

" كان عليك استغلال هذه الأوقات للراحة قبل العودة
لدراستك ... أتنوين الخروج ؟ "



لم تشاركها المزاج الباسم حينما همست

" لا "


ويبدو أنها فهمت تغير مزاجها حينها بشكل خاطئ فقد

قالت محرجة

" أعتذر لكثرة ثرثرتي .. لم يكن في نيتي التدخل "


حركت رأسها سريعاً وقالت بابتسامة ذابلة

" لا بأس أنا لست منزعجة "


بدا الامتنان واضحاً في ابتسامتها وقالت

" هل أجلب لك طعام الفطور هنا أم تريدين تناوله في
الأسفل أم في الحديقة ؟ "



حدقت فيها بتفكير لبرهة وقبل أن تقول متغلبة على ترددها

" هل غادر عمي ؟ "



قالت من فورها باسمة

" أجل وهو لن يرجع قبل وقت الظهيرة فاليوم هو موعده
المعتاد مع طبيب الأسنان "



حدقت فيها باستغراب ولم تستطع منع نفسها عن قول

" أيزوره أسبوعياً !! "


ضحكت الخادمة من فورها وقالت

" أجل فهو ليس مجرد طبيب فقط بل صديق له "


خرجت منها ضحكة صغيرة رقيقة تشبهها وقالت

" أجل فهمت "



وتبعها نظرها وهي تجتازها ناحية باب الشرفة الذي

فتحته قائلة

" السيد فاليريو سيغادر بعد قليل أيضاً "



وما أن فتحت المجال أمام النسائم الربيعية المنعشة للدخول

توجهت نحو السرير تزيل أغطيته بحركة سريعة

متقنة متابعة

" سيتغيب لعدة أيام كالعادة ولن يكون هنا قبل نهاية الشهر
القادم تقريباً "



وحين لم يبدر عن الواقفة مكانها أي تعليق وقفت على

طولها وقالت تحمل القماش الناعم الفاخر بين يديها بينما

كانت ابتسامة مرتبكة تزين شفتيها

" لم يكن غرضي التنصت لقد سمعت ذلك مصادفة "


وتابعت من فورها محرجة

" لا أريد أن يكون لديك صورة سيئة عني فأنا أحبهما
كعائلة لي كما أنّ أوليفيا لا تتحدث كثيراً بل وتصمت
لساعات دون أن يزعجها ذلك وهذا يشعرني بالملل ل
أني لا أشبهها أبداً "



وختمت كلماتها بعبوس مما جعل شفتا ماريه تبتسم

مرغمة وقالت

" أكنتما تعملان هنا من قبل ؟ "



قالت تلك من فورها وبابتسامة واسعة وكأنها تعود لذكريات

محببة لديها

" أجل فقد كان مالك هذا المنزل الكبير رجل إنجليزي ثري

وكان يُفضل المكوث فيه عن المدن وكان له ابنتان وابن

شاب وآخر هو ابن زوجته الثانية التي تزوجها بعد وفاة

زوجته الأولى وكانوا يزورونه في أوقات متفرقة لذلك كان

السكون هو المسيطر هنا أغلب الأوقات فيما عدا الأيام التي

كانوا يجتمعون فيها مع أطفالهم هنا و... "



قاطعت نفسها فجأة حين وقع نظرها وللمرة الأولى على

الصندوق في يديها وقالت مندهشة

" أوه يا إلهي إنه قرط السيدة أنيتا أم أخطأت ؟ "



نقلت نظرها منها له رجوعاً إليها وقالت باستغراب

" ومن تكون السيدة أنيتا ؟! "


تركت ما في يديها حينها وتوجهت نحوها قائلة

" إنها والدة السيد فاليريو "


وتابعت من فورها وهي تقف أمامها وتنظر له بفضول

" هو من أهداك إياه ؟ "



نظرت له بين يديها وقالت في حيرة

" وصل مع الأغراض التي أرسلها بالأمس !! "



" يا إلهي لقد أحسن صنيعاً "



رفعت نظرها بحركة سريعة نحو التي قالت ذلك تضم يديها

لبعضهما وعيناها تزهوان بسعادة لا مثيل لها بينما قابلت

ماريه كل ذلك بضربات قلب متوترة وعلامات كثيرة من

الحيرة ترتسم على ملامحها البريئة وقالت باستغراب

" هل تعرفينها !! "


قالت سريعاً تنقل نظرها لعينيها

" أجل لقد التقيت بها مراراً فالسيد ماكويد والمالك السابق

لهذا المكان كان والسيد غستوني صديقان وكان حين يزور

إنجلترا يزوره هنا وبحكم صداقتهما تلك باعه إياه بل

وتركنا نعمل هنا بتوصية منه "



وعادت ونظرت له مجدداً وقالت بابتسامة حزينة وقد عادت

تضم يديها معاً

" في جميع الزيارات التي رأيتها فيها كانت تقتنيه ولم
تكن تنزعه أبداً ، اختياره لك معناه أن لك مكانة كبيرة في
هذه العائلة وعليك أن تضعيه مثلها "


لم تكن تعلم ما نوع الرصاصة التي أصابتها بها حينها ولا

الصدمة التي كادت تسحق ملامحها وتحولها لصفحة واحدة

لأنها مدت يدها له وأخرجته من علبته قائلة

" سيحب السيد فاليريو هذا كثيراً "


جعلها تصرفها ذاك تتراجع خطوة للوراء دون شعور منها

وفي تصرف غريزي وقالت متلعثمة

" لكن ... قد يزعج هذا السيد غستوني ، أنا لا يمكنني
فعلها "



وعضت باطن شفتها موبخه نفسها فمن شدة صدمتها

وارتباكها نست أن تقول عمي ، ويبدو أن ذاك لم يكن

موضع اهتمام التي قالت مصرة تنظر لعينيها



" لا يمكن هذا فانتِ فرد من العائلة ، وإن لم يكن الأمر
كذلك ما كان ليعطيك السيد فاليريو إياه "



وتابعت من فورها وهي تقترب منها باسمة

" سيحميك دائماً وسيَسعد السيدان برؤيته مجدداً
بالتأكيد "



عادت للابتعاد عنها مما جعلها تتوقف أيضاً وتنظر لها

مستغربة لكن لا خيار آخر أمامها ولا مخرج لها من هذه

الورطة فوقفت عاجزة عن فعل أي شيء تنظر لماساته

تلمع بين أصابعها ، هي تؤمن بنبيهم تُصدقه وتحبه أيضاً

لأن هذا ما يوصي به دينها وأحد ركائزه الأساسية لكن ذلك

لا يبيح لها تطبيق شرائعهم وتشعر بأنها في مأزق حقيقي

فهي على ديانتهم كماري ومن المفترض أن تسعد بهذا

وإن كرهت نفسها تقديساً له ، رفعت مقلتيها المتوترتين

نحوها ولم تجد خيار آخر أمامها غير النطق وإن لم تدرس

وتجهز عبارات مناسبة فقالت بصوت شبه هامس

" لا أستطيع ... فأنا ... "


وكالمتوقع في وضعها وحالتها تلك طارت الكلمات التي لا

وجود لها أساساً لكن عقلها استطاع فعلها في الوقت

المناسب وقالت أخيراً

" أنا أحترم ذكرى الأموات كثيراً ولا أحب ارتداء أشيائهم "


كان عذراً يشبه أفكار الأطفال لكنها لم تكن تملك غيره

حينها فحتى طردها لها الآن لن يكون أمراً طبيعيا وإن كانت

مجرد خادمة ومؤكد مع واحدة كثيرة التحدث مثلها ستخبر

العديدين بموقفها ورد فعلها هذا وقد يكون فاليريو أولهم

هذا إن لم يكن والده ، وأتاها دليل ذلك حين قالت بنظرات

حزينة وخيبة أمل

" ما الذي سيظنه السيد فاليريو وأنتِ تهملين ذكرى
والدته هكذا "


" أنا أهملها !! "



همست بها مصدومة ويدها تلامس صدرها ولم تترك لها

مجالاً لتقول أي شيء بل وأعجزتها عن الحديث فعلياً وقد

اقتربت منها بل ومن جانبها الأيسر تحديداً قائلة

" لا أعلم لما ترفضين ارتداء شيء جميل ومقدس مثله ! "


فاستسلمت لها متنهدة بيأس وقلة حيلة وهي تلبسها إياه

وشفتاها تردد بهمس تراتيل أو صلوات لم تفهمها

وأعجزتها عن فعل أي شيء وتيبس جسدها بأكمله من

مجرد الفكرة وهي ليست ديانتها وخشيت إن أبعدت يديها

وأوقفتها أن تشك بأمرها خاصة مع قدسية هذا الشيء

لديهم وها هي تورطت مع الخادمة الثرثارة التي كانت أيضاً


وكغيرها قد تغلبت عليها نهاية الأمر .



كان في نيتها التخلص من إزعاجها ونزعه بعد خروجها

ومن ثم إعادته لفاليريو في أقرب وقت تراه فيه ومؤكد

سيتفهم أعذارها أكثر من هذه المرأة اللحوحة الفضولية

والتي نظرت لها ما أن ابتعدت عنها قائلة بسعادة

" يا إلهي كم هو جميل وكم أنتِ رائعة به "


ارتفعت يدها لا شعورياً ولامسته بأصابع مرتعشة وشعرت

وكأنه جمرة متقدة متعلقة بها ليس لأنها تهينه أو تقلل من

قيمته بالنسبة لهم لكنه أمر مخالف لدينها ولم تتخيل يوماً

أن تتجرأ على فعلها لولا الضرورة ودمعت عيناها دون

شعور منها وهي تتصور نفسها تنساق مستقبلاً خلف أمور

أخرى ترفضها من أجل لعب هذا الدور الذي وجدت نفسها

مجبرة عليه ومنذ دخلت هذه البلاد فالتفت أصابعها حوله

وفي نيتها نزعه وبحركة واحدة ودون اهتمام لرأيها وما

ستقول لكنها توقفت مكانها كما اتسعت عيناها تنظر لعيني

الواقفة أمامها والتي لم تكن بحال أفضل منها والأصوات

الرجولية المرتفعة والمتداخلة تصلها من الخارج متسللة

من باب الشرفة المفتوح فقالت وعيناها الذاهلة لم تفارق

عيني المقابلة لها

" هل هو شجار بين الحراس ؟! "


حركت تلك رأسها بحركة خفيفة وقالت في حيرة

ونظرات وجِله

" لا هذا لا يحدث في العادة ! ثمة دخيل بالتأ... "


" مارياااا "


تيبس جسدها كما أطرافها وما كان يرتجف حينها هو قلبها

فقط وانقطعت أنفاسها مع امتلاء عيناها المحدقتان بعيني

الواقفة أمامها بالدموع ما أن وصلها الصوت الرجولي

الصارخ بغضب مجدداً

" مارياااااا "


كانت تكابد وبكل قوة السقوط مغشياً عليها لأنه لم يعد

بإمكانها التحكم في نفسها بينما قالت الواقفة أمامها

بهمس مصدوم

" من تكون ماريه هذه !! "


وكان صوتها ذاك بمثابة زر التشغيل لساقيها قبل حواسها

فتركتها وركضت نحو باب الشرفة ودون سؤال ولا استئذان

من عقلها وبالرغم من أنّ صوته كان غاضباً وهو يصرخ

باسمها لأنها لم تكن تنتظر أو تتوقع منه خلاف ذلك وهي

تقف عند سياج الشرفة وتنظر له في الأسفل ، فكل ما

توقعت أن تراه في تلك العينان الغاضبة حينها هو شوارع

وطرقات بلدة حجور التي سكنت قلبها وللأبد ويصعب

عليها انتزاعها ..

منازلها وحواريها والطفلة ذات الجديلتين بملمس الحرير

ولون العسل والفتى شديد الصمت والبرود ذو النظرات

المختلفة عن جميع أقرانه .. الأقدام الصغيرة الحافية

تركض فوق التراب الناعم وصوت ضحكاتها الرقيقة

وتعليقاته الساخرة المتفرقة .



لكنها لم تجد كل ذلك وهي تنظر للوجه الذي ارتفع فور

خروجها .. لا في تقاسيمه شديدة الوسامة ولا عيناه

الواسعة الحادة فلم يكن غضباً ذاك الموجود فيهما !!

لقد عرِفَته سابقاً في أقسى درجات الغضب وحينما يتعلق

الأمر بأقرب المقربين لقلبه وهي والدته لكنها لم ترى

هذا في عينيه ما أرجف أوصالها قبل قلبها وتذكرت

كل ما تناسته للحظات وأنفاسها تخونها تدريجياً .

( ابتعدي عني ماريا لا أريد أن أراك أمامي .. ابتعدي
قبل أن أقتلك )



( اذهبي لمن خنتِ زوجك لأجله )




( سمعت عنه الكثير سابقاً ومن قبل أن ألتقي به في منزل
الأميرال ولم أتوقع أبداً أن يكون عكس ما يُقال عنه ! )




( كيف لرجل الرصاصة الواحدة أن يكون ممن يفقدون
التحكم في انفعالاتهم هكذا ! )



( تيم إبني ولن أسمح لشيء ولا لأحد بأذيته أو أن يكون
سبباً فيها ولا أنتِ ماريه هارون )



( هو أهم لديا من كل شيء حتى الوطن ، ومن أجل سلامته
كنت لأرجعه للبلاد الآن وأبعده عن الخطر لولا تلك
المنظمة والرقاقة التي يزرعونها بداخله فاختفائه الآن
سيكون تهوراً وحماقة ستكون ثمنها حياته وسيموت أمامنا
ولن يستطيع أحد فعل شيء له )




( سأقتلك وأقتل نفسي ما أن أستوعب حقيقة هذا
ماريا قسماً )



( إلى أين فنحن لم نصفي حسابنا بعد )




( هذا ما قاله وبأن مكانك خارج البلاد .. )




( هذا ما قاله وبأن مكانك خارج البلاد .. )



امتلأت عيناها بالدموع وتقطعت أنفاسها أكثر فقد أنساها

غباؤها واندفاع مشاعرها كل ما حدث وبأنها فقدت ثقته

وخسرته وللأبد وبالتالي خسرت أمانها الوحيد وحلم

طفولتها وصباها وبأنهم أخرجوا الوحش الموجود في داخله

والذي لطالما حذرها منه ولم ولن ينسى ما فعلت بالتأكيد

وأنّ عقابها منه لم ينتهي بعد .



ارتجفت أصابعها الممسكة بسياج الشرفة ما أن انحرف

نظرها قليلاً عن عينيه التي أسرتها كلياً وهي ترى القاذف

اليدوي الذي كان يحمله في يده ويوجهه نحو باب المنزل

والواقفين أمامه عند أعلى عتباته وشعرت بارتجاف يديها

ينتقل لأطرافها وصولاً لقلبها فهل يفكر فعلياً في ضرب

المكان به وتحويله لركام !

فلم تتخيل أبداً أن يصل تهديده وتهوره كما قال فاليريو

سابقاً لهذا الحد فهل هو على استعداد لأن يحمل إثمهم

جميعاً في عنقه قبل القضاء الذي سيقف أمامه فقط ليعاقبها

وينتقم منها ؟



كانت تعلم بأن الأمور ستنزلق للأسوأ خاصة مع عناد

الواقف تحتها مباشرة والذي صرخ بغضب

" غادر من هنا يا تيم فماري لن تغادر معك مجبرة وإن
أحرقت المكان بأكمله "


لكن نظراته لم تتركها لازالت مصوبة لعينيها عالياً نظرة

لازالت تجهلها وتخيفها وبشدة لأنها لم تستطع فهمها ولا

قراءتها متجاهلاً كل ما يقول وكأنه يضع الأمر بين يديها

فأصبحت أمام خياران وحيدان لا ثالث لهما فإما أن تغادر

معه وتوقف كل هذا أو أن ترفض وتترك له خيار فعل ما

يريد ويهدد به .



تعالت أنفاسها حتى كانت تعبر لرئتيها بصعوبة فهي تعلم

بأن الأمر الآن مختلف عن سابقاتها حين كان يأخذها من

منزل عمها الحارثة مُرغِماً الجميع على قراره وهي أولهم

لأنه الآن لا يريد أخذها بصفتها زوجته بل لأن عقابها لم

ينتهي بعد وعليها أن تغادر حيث المكان الذي اختاره كمنفى

لها ولازالت تجهله لتعود لمأساتها السابقة فماريه هارون

هي ذاتها لن تتغير في نظرهم جميعاً الفتاة الخانعة

المستسلمة التي يقرر الجميع عنها لأنها لا تجيد اختيار

مصيرها ولا تعرف ما هو في صالحها ولأنه الآن عليها أن

تتعلم درساً مفاده الخطأ معناه العقاب طويل الأمد .



قاومت ارتجاف أوصالها وهي تشد أصابعها على السياج

النحاسي بقوة وامتلأت عيناها بدموع الحسرة والألم وهي

تودع عيناه كما ودعت كل شيء فيه ويخصهما سابقاً وللأبد

لأنه لم يكن لها يوماً ولن يكون أمر تجاهلته متعمده سابقاً

وها هي حصدت نتائجها الآن ، وفي لحظة هي نفسها لا

تعرفها في نفسها تغلبت فيها على عقلها وقلبها وكل شيء

يمت لجسدها بصلة وحتى لسانها المتيبس الرافض وهي

تحركه مرغماً حين صرخت ونظراتها الدامعة لم

تترك عيناه

" لا أريد الخروج من هنا .. هذا هو مكاني وهم عائلتي "


لم تعرف حياتها الشعور الذي انتابها حينها وقلبها يكاد

يحطم كل ما حوله من شدة ضرباته حتى كانت لا تسمع

شيء غيره في أذنيها وهي تقول ما هي ليست مقتنعة به

أساساً وما تعلم بأنه يقرأه كعناد منها وفرار بفعلتها

المشينة تلك كما تعلم جيداً ما ستكون مغبته عليها قبل

الجميع لكنها تحمي نفسها منه بل وتحميه منها أيضاً

فكلاهما بات وجوده في عالم الآخر يعني الهلاك

الحتمي له .


انسابت أول دمعة فوق طرف وجنتها لتتلاشى بين خصلات

غرتها المتطايرة قربها تنظر فقط وبحزن وحسرة لعينيه ..

لأحلامها المنسية وأمنياتها الميتة ولآخر شيء يربطها

بالحياة والسعادة ها هي تفقده وللأبد تنتظر رد فعله التالي

والذي لا يمكن لأحد توقعه ولا هي نفسها وهي تزيد غضبه

اشتعالا بما فعلت ، لكن ما فعله حينها فاق فعلياً جميع

توقعاتها وهو يدس يده الحرة خلف خصر سترته الخاصة

بالمنظمة وأخرج من حزامها مسدسه الشخصي ورفعه

عالياً نحوها .


*
*
*

جلس من نومه بحركة واحدة منزلاً قدماه على الأرض

وكأنه ينتزع نفسه منه انتزاعا وحضن رأسه بيديه منحني

الظهر يتكئ بمرفقيه على ركبتيه وتخللت أصابعه خصلات

شعره الأسود الناعم متثائب ولازالت عيناه مغمضتان وكأنه

لم يفارق نومه بعد ، وما أن رفع رأسه واستوى في جلوسه

رفع ساعته الموضوعة على الطاولة بجانب السرير ونظر

للوقت فيها وكما توقع لقد فاته وقت الفجر وأشرقت

الشمس منذ وقت لأنه معتاد في قصرهم على صوت الأذان

المرتفع والذي إعتاد على الاستيقاظ عليه منذ كان طفلاً

لذلك ينسى أن يضبط منبه هاتفه كلما نام خارجه ونادراً

ما كان يفعلها وينام في الخارج .



وقف مستغفراً الله وتوجه نحو الحمام توضأ وصلى أولاً ثم

رفع هاتفه وفتحه ووضعه مكانه وتوجه ناحية الخزانة وقد

بدأت الرسائل الصوتية تُفتح تباعاً وقد ملأ أولاً المكان

الصوت الرجولي المتزن


( وقاص لقد زرت السيد رايمر وتحدثت معه كما اتفقنا لكن
لا جديد فيما قال يمكنك الإستفادة منه ، لقد قمت بتدوين كل
شيء لتطلع عليه بنفسك )





وتلاه صوت رجولي آخر بدا أقل جدية واتزاناً

( وقاص لقد قررت أنا و آنسون المغادرة اليوم
ل ﺳﺎﻟﺰﺑﻮﺭﻱ وسنكون في لندن وقت الظهيرة ، وتوقف
عن إغلاق هاتفك فهذه ليست طباعك )



توقفت أصابعه التي كانت تغلق أزرار القميص الأسود ونظر

نحو هاتفه ما أن خرج منه صوت زوجة والده

الهادئ الحزين

( وقاص لا أعرفك صاحب قرارات متهورة لكني أثق في
ثقة والدك بك فاعتني بنفسك وبزيزفون جيداً بني )


إبتسم بحب وهو ينهي إغلاق باقي الأزرار صعوداً ونظره

على ما يفعل قبل أن تموت تلك الابتسامة بسبب الصوت

الأنثوي الجديد والذي كان لجمانة والتي خرجت كلماتها

حادة مرتفعة

( وقاص لما تغلق هاتفتك ؟ أنا أعلم بأنك أخذتها من هنا
وغادرت وبشكل نهائي وكأنها هي زوجتك وليس أنا )




وقالت آخر كلماتها بنبرة باكية قبل أن يختفي صوتها بسبب

انتهاء الرسالة فأزال السترة من علّاقتها الخاصة بحركة

غاضبة من يده متأففاً فها هو خبر مغادرتها بدأ يتسرب

وخلال ساعات قليلة فقط ، لبسها وهو يتوجه نحو هاتفه

وكان يظن بأنها المكالمة الأخيرة لكنه فوجئ بصوتها مجدداً

يخرج منه وهو منحني فوقه ويده ممدودة نحوه وبما جعله

يتحجر مكانه مصدوماً




( وقاص إن كنت تريد معرفة هوية القاتل الحقيقي لشقيقك
علينا أن نتقابل اليوم )


*
*
*

خرج لردهة الجناح يحمل في يده كوب قهوة ترتفع منه

الأبخرة في سحابة متعرجة وما أن وصل للأريكة المقابلة

للتلفاز جلس وهو يضعه على الطاولة أمامه ورفع جهاز

التحكم وقام بتشغيله ونظره عليه ، وما أن رفع الكوب

لطرف شفتيه تجمدت يده بل وجميع أطرافه ينظر بذهول

للخبر الذي كان يُذاع مع صورة أبان الواقف أعلى منصة

الادعاء في القاعة ذاتها التي طُرد منها نهاراً !



شعر بجفاف مريع في حلقه وبرودة قاسية تتسلل من

أطرافه بينما انتقلت حدقتاه تلقائياً لشريط الأخبار أسفل

الشاشة وحيث كانت عيناه تتسع بذهول مع كل كلمة يقرؤها

وخارت قواه حتى بات يشعر بأن الكوب الخزفي في يده

أثقل من العالم بأسره فأنزله للطاولة بينما لم يفارق نظره

الكلمات التي لازال يقرؤها بالتتابع ووضعه عليها هامساً

بعدم تصديق

" يا إلهي "


كان الخبر لازال يتصدر القنوات جميعها وبقوة بالرغم من

تأخر الوقت فلم يفصلهم عنه سوى ساعات معدودة ولأنه

لم يجد وقتاً اليوم ولا مزاجاً لتصفح الأخبار عبر الإنترنت لم

يعلم عنه إلا الآن .



مسحت يده على فكه تتخلل أصابعه لحيته الخفيفة وهمس

من بين أسنانه

" تباً لهم .. ألهذا ترك البلاد ورجاله معه ! "




صوت رنين هاتفه هو ما انتشله من كل ذلك وسرق نظره

نحوه وغضن جبينه ينظر باستغراب للاسم على شاشته

وشعر بالتوجس فلما يحدثه في هذا الوقت وما يريد !!



رفعه من أمامه بحركة بطيئة وكأنه يخشى انفجاره بين يديه

وفتح الخط ووضعه على أذنه ولم يتحدث بينما وصله

الصوت المرتخي العميق سريعاً

" مرحباً يا قائد "



عادت نظراته لشاشة التلفاز ما أن احتلتها صورة ثابتة

لمطر وبالكاد استطاع أن يقول وبأحرف متشنجة فعقله

لازال مشوشاً حتى اللحظة

" مرحباً عمير "



قال سريعاً

" أخفض صوت التلفاز قربك لا يمكنني سماعك جيداً "



رفع جهاز التحكم وأغلقه نهائياً بينما وصله صوته مباشرة

" أتصل بجليلة وهاتفها مغلق ؟ "



لم يستطع التحدث بادئ الأمر فهو بات يعلم بما حدث ومن

البديهي أن يحاول عقله التفسير أولاً فجليلة يبدو تنتظر

حقيبتها لا اتصاله !


ومن البديهي أيضاً أن يرسلها أو يأتي بنفسه فلما يتصل بها

وما يريد ؟!

وهل تغلق هي هاتفها لتخمينها باتصاله أم أنها

تفعلها دائماً ؟

ارتفع نظره لا شعورياً ناحية الساعة المعلقة على الجدار

وقال بهدوء

" قد تكون نائمة .. "


" أنت في العمران الآن ؟ "


فاجأه سؤاله وكان بمثابة لغز جديد بالنسبة له وقال دون

أن يترك لعقله فترة تفكير أكبر

" نعم لكني لست في منزل والدتي "



كان تعليق عمير الصمت وكأنه يحاول قول شيء ويعجز

عن صياغة عبارة مناسبة له مما جعله يقول ما كان يرفض

فعلياً قوله والسؤال عنه

" لا يبدو لي أن الأمور تسير على ما يرام بينكما ..
أثمة مشكلة ما ؟ "



كان ينتظر تعليقه بفضول وتوجس بينما يضع نُصب عينيه

كلماتها الأخيرة والاختبار الذي تضعه فيه بل وطلبها منه

عدم التدخل لكنه لن يُظهر له بأنه علم بما حدث كان يريد

فقط أن يعلم مدى تكتمه عن الأمر أيضاً .



لم يكتشف بأنه كان يحبس أنفاسه من شدة الترقب إلا حين

تحررت ما أن وصله صوته المنخفض العميق

" لا .. لا شيء مهم "



ورغم ذلك تغضن جبينه وتبدلت نظرة الفضول والترقب في

عينيه للحيرة فهو لم ينكر بأنه ثمة شيء ما بينهما لكنه

أيضاً لم يبدي رد فعل تناسب شدة الموقف الذي مرا به

اليوم !!



كان من المفترض أن لا يتدخل أكثر لكن صمته الآن سيؤدي

للنتيجة ذاتها لذلك قال ما كان سيقوله لو أنه لم يكن يعلم

"لا أعرف عروساً تترك منزلها لأمر صغير وغير مهم!! "




حدث حينها ما انتظره منذ البداية وتوقعه وهو الضيق

الحقيقي في صوته وقد قال


" ليس ثمة أمر صغير وكبير في الحياة نحن البشر من
نحدد حجم هذا بتصرفاتنا وأفكارنا .. إنها مسألة بين
العقل والقلب "




ارتفع حاجباه في حركة لا إرادية ولم يعلق مجبِراً نفسه

على ذلك فهو يبدو بأنه يراها مشكلة صغيرة وجليلة هي

من تعطيها أكبر من حجمها !!

لا يعلم أيغضب لاستنقاصه لغضبها أم يسعد لتصغيره لحجم

المشكلة التي تُعد كارثة فعلية !

فهل هو مستاء لمغادرتها ؟!

كان عقله يقوده لنتيجة واحدة أراد فقط التأكد منها ليتمكن

من تحليل موقفه ورد فعله على الأمر لذلك قال بتوجس لم

يستطع إخفائه في صوته

" لا يبدو لي أنك تريد التحدث عن الأمر لذلك
سأسألها هي "



" لا .. لا تفعل "



كانت كلماته سريعة بل وآمرة وإن كان صوته لازال يحتفظ

بنبرته المرتخية العميقة وكأنه يقاوم التعب والنوم ، واتخذ

قائد وضع الصمت حينها ليس ليفكر ويحلل ردة فعله فقط

بل وينتظر تتمة كلامه التي باتت متوقعة وقد قال أخيراً

" اترك الأمر بيننا يا قائد لا أريد أن يتدخل أي أحد "


أومأ برأسه تزين طرف شفتيه ابتسامة مائلة وقال

" حسناً كما تريد "



" وداعاً "



كان ذاك فقط ما سمعه منه قبل أن ينهي المكالمة فأبعد

الهاتف عن أذنه ونظر له ولم يستطع إمساك ضحكة صغيرة

أُفلتت منه وقال

" مستاء منها وتريد أن تتفاهم معها هي فقط !!
يتعسر فهمكم فعلاً يا رجال مطر شاهين "




وحرك رأسه مبتسماً ووضع الهاتف على الطاولة وأعاد

تشغيل التلفاز بينما من كان يحدثه قبل قليل لم يفارق هاتفه

يده مثله وهو يحاول مجدداً للرقم الذي كانت نتيجة الاتصال

به ذاتها فرماه على الكرسي بجانبه بحركة غاضبة

واشتدت أصابعه على المقود بينما عادت ذات العبارات

والمشاهد للتكرر في رأسه الذي يكاد ينفجر بها وكأنه

يسمع صراخها وكلماتها الآن الآن




( كااااذبة ... سأقتلك يا كاذبة)



( " هذا لا يكذب " )



( لا بل أريد الذهاب معك )


( تحدثت وعمير عن الأمر لكنه منشغل ولا يستطيع
المغادرة الآن )

ضربت يده المقود بغضب وأداره عند المنعطف الجبلي الذي

وصل له واتسعت عيناه وهو يرى الضوء القوي أمامه

والذي كان مصدره الشاحنة التي ظهرت فجأة من خلف

المنحدر ، وفي حركة سريعة لا إرادية حاول إدارة السيارة

بعيداً عنها لكن ذلك لم يمنع الصدام الذي تجاوز إدراك

كليهما وصوت اصطدام الحديد القوي وحده ما سُمع حينها

في المكان الشبه منقطع .

*
*
*

شدت يديها ببعضهما ونظرها لم يفارقهما بالرغم من

سماعها لصوت الخطوات التي كانت تقترب منها تُسمع

بوضوح فوق أغصان الأشجار المتكسرة فهي باتت تعلم

صاحبها وتعرفه وتميزها من بين جميع الأقدام الأخرى

وأينما كانت .


توقفت تلك الخطوات ما أن وصل صاحبها للمكان الذي

كانت تجلس فيه والجهة الخلفية لمنزلهم تحديداً وحيث

الكرسي الحجري ينظر لملامحها التي تكاد تخفيها خصلات

شعرها المتطايرة أمام وجهها دون أن تهتم لها وكأنها

فقدت صلتها بما حولها أو الرغبة في فعل أي شيء وإن

كان يسبب الإزعاج لها !

حين أخبره خاله صقر بأنه سيجدها هنا لم يصدق حتى دخل

سور المنزل وأخبره أحد الحرس بأنهم لم يقتربوا من هذه

الجهة لأنها تجلس فيها فصدّق كلمات خاله حينها وبأنها

تشبه والدتها في هذا فهو ليس نوع من العناد ولا الدلال

وإجبار الغير على ما تريدان بل نوع آخر من العزلة وقت

الحزن ومهما كانت حالة الطقس في الخارج وقتها .


تحركت خطواته مجدداً وجلس عند الطرف الآخر للكرسي

واتكأ بمرفقيه على ركبتيه ينظر ليديه التي كان يشبك

أصابعها معاً وكانت الدقائق التالية بمثابة الساعات لديه

حتى قال أخيراً وبنبرة عميقة جوفاء ولم يرفع رأسه

ولا نظره

" حينما تم أسري وإدخالي للهازان ... "


وتوقفت كلماته فجأة بالرغم من أن الجالسة بقربه رفعت

رأسها ونظرت له حينها لكنه لم يتابع حديثه ذاك بل نظر

لها أيضاً وإن لم يستوي في جلوسه أو يبعد مرفقيه عن

ركبتيه وتبدلت نبرته للضيق وهو يقول

" أنا لن أسمح بفعل ما يريده أولئك الحمقى وإن فررت بك
لخارج البلاد ولن يعلم ولا والدك عن مكانك كما أني لا أهتم
لتوثيق قانوني لزواجي بك فهو شرعي تماماً "



ساد الصمت من ناحيتها للحظات وقبل أن تهمس بخفوت

تنقل نظراتها المستفهمة بين عينيه

" كنت تقول عندما كنت في الهازان ؟ "



حدق في عينيها للحظات ولا ينكر بأنه لم يتوقع أن تعود

لكلماته السابقة بل وأن تتجاهل كل ما قال بعدها ! كما لا

يعلم كيف قال هو ذلك لأنه لم يفكر يوماّ في قولها لأحد ولا

والدها ولا حتى تيم أقرب الأشخاص له حين كان

مهاجراً هناك !!

أبعد نظره عنها للأرض مجدداً وقال بجمود

" لا طائل من الحديث عن ذلك فثمة ما هو أهم منه الآن "


وكان ذاك ما زاد الأمر سوءاً بدلاً من معالجته وقد وصله

صوتها الحانق سريعاً

" أن أرحل معك دون علم والدي وأترك والدتي وجدي
يواجهان هذه المصيبة وحدهما هو الأهم ؟ "



نظر لها واستوى في جلوسه وقال بجدية

" والدتك ستكون معنا وعمي دجى لا يمكنهم إثبات أنه
لازال على قيد الحياة لأنه ميت تماماً قانونياً ويعيش بهوية
أخرى لن يجدوا أي ثغرة فيها وإن فتشوا العالم بأكمله "



اتسعت عيناها وكأنها ترى شخصاً آخر أمامها لا تعرفه

وقالت مستنكرة

" ووالدي ؟! أنا لا يمكنني .... "



قاطعها بضيق يرمي بحقيقة أفكاره عنها في وجهها

" أنتِ يمكنك فعل كل شيء من أجل البقية لكن من أجل
نفسك لا "



ولم يترك لها أي مجال لتهاجمه أو تدافع عن نفسها أمام

هجومه وهو يتابع بضيق أشد


" إن قرر والدك إخراجك من دونه لن تمانعي
أليس كذلك ؟ "



كانت الدموع قد بدأت تتجمع في عينيها لكنها لم تكن تعبر

عن الحزن ولا الألم بل الغضب والذي ظهر واضحاً في

صوتها حين قالت بانفعال

" لا ولن أسمح بأن يعيش كل واحد منا في بلاد مجدداً ولن
أبتعد عن كليهما "


أبعد نظره عنها للفراغ أمامه بينما التصقت نظراتها هي

بنصف وجهه المقابل لها هذه المرة وقد انعكس النور

القوي فوقهما وظلال الأشجار على ملامحه وأنفه المستقيم

وخصلات شعره القصيرة التي تدلت فوق جبينه بسبب

نسمات الهواء المتحركة لتحوله لما يشبه لوحة فنية رائعة

وشعرت بالألم بسبب كلماتها التي كانت متأكدة من أنها

آلمته ويكتمها في داخله كعادته الدائمة فقالت بأسى حزين

" أريد أن أكون معك لكن ليس بعيداً عنهما "


نظر لها بحركة سريعة حينها وقال بضيق

" إذاً لن تكوني معي بل مع أولئك الرجال "


شعرت بقلبها انقبض بشدة حتى كانت تشعر بالألم القوي

فيه بينما تابع هو من فوره وبنبرة حادة قوية

" وهذا ما أرضى بالموت على السماح به فليقتلوني أولاً
إن لم يجدوا حلاً غيره "


كانت تنظر لعينيه في صمت استصعب عليها مغادرته سريعاً

بسبب الأفكار التي اجتاحتها حينها وهمست بتوجس

وكلمات متأنية

" ماذا حدث ؟! "


كانت ضربات قلبها تتعالى وبشكل جنوني فهي تعلم بأنه لن

يقول أو يقترح تلك الأفكار المجنونة عبثاً ! كما أنها لم

تشاهد بقية الأحداث في التلفاز واعتصمت عن كل ما له

صلة بالأمر بل وقضت أغلب الوقت مع جدها تنام في

حضنه فقط دون أن تتحدث عن أي شيء كي لا يكون


وحيداً وكي لا تؤلمه أكثر بالتحدث عن الأمر .


كانت وكأنها تعيش ساعات وجودها في تلك القاعة مجدداً

وهي تنتظر أن يرحمها ويقول ما قد يجعلها تندم على

سؤالها عنه أيضاً حتى رحمتها شفتاه أخيراً وما أن أبعد

نظره عنها وقال يشد قبضتيه بقوة وكأنه يفرغ ما به فيهما

" طلب السيد عقبة أن يتركوا قاعة المحكمة ويجتمعوا في
منزله وقد أقام مأدبة عشاء من أجلهم "



حدقت في جانب وجهه باستغراب وهمست سريعاً

" وأنت لم تذهب معهم ؟! "



شدّ على أسنانه وفكيه بقوة وإن قال بشيء من البرود

" لن أحتمل الوجود بينهم هناك ، عمي صقر ووالدك
يفيان بالغرض "


اكتسى الحزن ملامحها وعيناها الجميلة وفهمت الآن بأن

السيد عقبة استغل الموقف ليجمعهم لديه في محاولة لإيجاد

حل للمسألة ، جاهدت نفسها بصعوبة وهي تقنعها لتقول

" وهل انتهى اجتماعهم ؟ "


همس بجمود بينما عاد لطريقة جلوسه السابق ولازال

يتجنب النظر لها

" ليس بعد "


تنفست بما يشبه الارتياح وهي تبعد نظرها عنه فهو حررها

من كابوس معرفة ما حدث وهي التي كانت تتوقعه سيئاً فقد

تأخر الوقت ولم تكن تتوقع بأن اجتماعهم ذاك لم ينتهي

بعد ! عادت ونظرت له وقالت بتردد ونبرة حزينة

" وماذا سيحدث الآن ؟ "


حرك رأسه بشرود وقال

" لا أعلم لكنهم سيحاولون إيجاد حل يرضي أولئك الرجال
للتّنازل وإن قليلاً عن شروط العقد "


" ليس جميعها تقصد ! "


همست بتلك الكلمات مصدومة فاستدار رأسه ونظر لها

وقال وابتسامة ساخرة تزين شفتيه

" لن نطمح بذلك فلا يبدو أنهم ينوون فعلها "


عادت ضربات قلبها للتوتر حتى ظهر ذلك جلياً على أنفاسها

ولمعت الدموع في عينيها وقالت بصعوبة

" هذا يعني إما أن يتنازلوا عنّا أو عن عنق جدي ؟! "



هرب بنظراته مجدداً محدقاً بالأرض تحت قدميه فرؤيتها

بهذا الحال كفيل لوحده بقتله لكنه ورغم ذلك قال الحقيقة

التي لا يجدي تضليلها ولا إخفاؤها بينما كان صوته شديد

التجهم والجمود

" هذا في حال قرروا ذلك "


ارتفعت يدها لصدرها واغرورقت عيناها فعلياً بالدموع وإن

لم تفارق رموشها الكثيفة تنظر من خلالها للذي قال وقد

أشاح بوجهه للجانب الآخر

" من الجيد أنّ ابن جوزاء حاصرهم بالقانون لما خرجوا
من تلك القاعة بدون وثيقة موقعة جديدة "



اتسعت عيناها اللامعة بذهول وهمست

" أيفعلها والدي !! "



استوى في جلوسه مجدداً ونظر لها وقال بجدية

ينظر لعينيها

" والدك رجل عادل يا تيما وقد حاصروه بكبار رجال
الجنوب الذين كان يجلس بينهم سابقاً كزعيم لهم يُنفذون
أوامره وأحكامه ومهما كرهت أنفسهم لأنهم يثقون بعدله
ونزاهته "



حركت رأسها بعدم استيعاب ولا تصديق وانسابت أول دمعة

من طرف عينها نزولاً لوجنتها وهو ما جعله يشتعل أكثر

من الداخل وأبعد نظره عنها بحركة غاضبة تشبه كلماته

حين قال

" هو رئيس للبلاد الآن وبإمكانه قتلهم دون أن يحاسبه
أحد لكنه لا يفعلها بالرغم من كل ما فعله به شعبها "


لم تستطع منع عينيها من التحديق فيه باستغراب وقالت

" الشعب لا علاقة ولا علم له بما حدث "



نظر لها مجدداً وقال بضيق يشير بيده أمامه

" والخونة الذين باعوه لدول الغرب منهم أيضاً "


أبعدت نظرها عنه تبعد خصلات غرتها بيديها للخلف

تتخللها أصابعها ببطء تنظر للظلام بعيداً بحزن وألم وعادت

الدموع للتكدس في عينيها وهمست بضياع

" إذاً هو أساء الأمور بدلاً من تحسينها "



قال مباشرة

" لا .. بل هو أشغل العامة بقضية المعاهدة وسبب سفر
والدك ورجاله عن أمر الوثيقة وقضية الثأر "




أبعدت يديها وتحررت الخصلات الحريرية منها مجدداً

ونظرت له وقالت بضيق وعينان دامعة

" وهذا كانت نتائجه مشكلات أعظم أقلها اتهامه بأنه وراء
عملية اغتيال جدي شراع لأن بموته سقطت تلك الاتفاقية ،
هذا غير الاتهامات التي وجهت له بأنه يحاول تأجيج وضع
البلاد وبأنه نقض اتفاقية سرية بإخراجها للعلن
وغيره الكثير "



تنقلت نظراته في ملامحها وكأنه ينسخ صوراً لها وقال

بجدية وكلمات واثقة ما أن استقرت على عينيها ومقلتيها

الزرقاء اللامعة

" والدك لا يهمه كل ذلك فهو لم يسعى يوماً لحكم البلاد ولا
الثناء على أفعاله أو تمجيده هو فكر في عائلته فقط .. أنتم
أهم لديه من كل ذلك "



حركت رأسها بقوة وقالت بنبرة متأسية

" لا هو لم يكن يوماً ليتنازل عن مبادئه ووطنيته
ولا من أجلنا "



وأشارت لنفسها متابعة بحرقة وألم وعيناها تلمع مجدداً

بالدموع الحبيسة بين رموشها الطويلة

" وضع مصلحة الوطن قبلنا حينها وحُرمنا جميعنا من
بعضنا ولم نجني من ذلك سوى القلوب المحطمة "

وأبعدت نظرها عنه بل وأشاحت بوجهها للجانب الآخر تكتم

عبرة ترفض البقاء أكثر حبيسة أضلعها فقال بنظرات حزينة

لم تفارق خصلات شعرها الطويل والحائلة بينهما

" لم أتصور يوماً أن تتغير نظرتك له يا تيما !! "



جعلتها كلماته تلك تدير رأسها نحوه بحركة سريعة تغير

معها مسار ذاك الحرير الأسود من ظهرها لكتفها وصدرها

وقالت بكلمات قوية مندفعة معاكسة تماماً للدموع السجينة

في زجاج عينيها

" نظرتي له لم ولن تتغير أبداً ، صحيح بأنه لم يطلقها وكان
يظن بأن سفرهم لن يتعدى الأربعة أعوام لكن هذا لا ينفي
بأنه اختار الوطن حينها "


اشتدت أصابعه وتحولت لقبضة متكورة في حركة لا إرادية

وكأنه يفرغ كل ما يكبته فيها وقال بحزم ينظر

بتركيز لعينيها

" وإن لم يفعل ماذا كان سيحدث ؟ ألكِ أن تتصوري هذا ؟ "


وأشار بيده بعيداً وهو يتابع مباشرة وبلهجة اكثر

حزماً وجدية

" كانت ستشتعل حرباً لا نهاية لها بين صنوان والحالك
وكان رجاله سيُقتلون أمام عينيه وتحت قصف طائرات من
يسمون أنفسهم دعاة السلام وسيخسر البلاد وجيشه
ويخسركم أيضاً "



لم تجعلها كلماته الواقعية تلك تهدأ أو تغير مفهومها

ونظرتها للأمر بل صاحت بحرقة وقد ضربت بظهر كفها

على فخذها

" لكن البلاد استنزفته لآخر قطرة دماء فيه وتشتت عائلته
ولم يعرف معنى السعادة .. أهذا يكون جزاؤه ؟! "



امتدت يده نحو يدها تلك وشدت أصابعه عليها بقوة فهو

يفهم ما تمر وتشعر به بل ويشعر بأضعافه المضاعفة وقلبه

يتمزق ولا حل أمامه ولا خيار في يديه ، ورغم ذلك استمر

في دور القوي الذي أراد فقط أن يمدها بالقوه وقال بكلمات

جادة ويده لازالت تضغط على أصابعها الباردة الناعمة

" هو مختلف عنّا يا تيما لأنه لا يفكر بمثل تفكيرك ولا مثل
تفكير أي أحد منا ولا يمكنه التخلي عن مبادئه ولآخر يوم
في حياته .. هذا هو رجل الوطن ورجل الحروب "



وترك يدها ما أن رفعتهما كلاهما لوجهها مجدداً تبعد بهما

خصلات غرتها المتطايرة بنعومة مع الريح وكأنها تعطي

النسائم الربيعية مساحة أوسع من بشرتها الناعمة بينما

خرجت كلماتها مختلطة بعبرة حبيسة لازالت تقاومها حتى

اللحظة بينما كان صوتها حانقاً وبشدة

" تباً لهم .. ما الذي سيجنونه من كل هذا ! أشقائهم ماتوا
منذ زمن لما لا ينظرون لما فعله والدي من أجلهم ؟ "


عاد لإبعاد نظره عنها وهمس بكلمات شاردة تشبه

نظراته تلك

" هدفهم جدك .. هم لم ولن يروا والدك عدواً لهم "


أبعدت يديها ونظرت له وقالت بجدية

" أنت لم ترى نظراتهم له يا قاسم .. أنا لا أصدق بأن
هدفهم هو جدي وسلالته فقط "



اتسعت عيناه في حيرة ونظر لها بل ولعينيها بتفكير لبرهة

وكأنه يحاول تفسير ما تقول وقال ما أن عجز عن فعل ذلك

" مستحيل ..! قد يكون لأنهم يظنون بأنه يخفي أمر
وجوده حياً "


حركت رأسها بعجز عن تصديق ذلك وهي تتذكر ما حدث

في تلك القاعة بعد دخولهم وهمست بأسى حزين

" أجزم بأنهم لن يكتفوا وإن سلمنا لهم ثلاثتنا "


همس دون شعور منه

" ولماذا !! "


نظرت للفراغ أمامها بشرود وضياع وقالت بكلمات متأنية

" لا أعلم لكن عيناه ونظراته المخيفة كانت وكأنها تقول
بأنه يريد فقط الوصول لغاية ما بكل ما يفعله "



زادته كلماتها تلك حيرة وضياعاً حتى أعجزته عن النطق ،

يعلم بأنها حادة الذكاء سليلة عائلة الشاهين لكن يصعب

عليه استيعاب أن يكون ذلك صحيحاً فلا شيء آخر قد

يطمحون له !

قال ولازال ينظر بتركيز لنصف وجهها المقابل له

" لا أعتقد هذا فإن كان لا يريد المال ولا المنصب ولا الجاه
فهو لن يسعى لأمر آخر بالتأكيد "


حضنت نفسها بيديها وكأنها تحميها من مجرد التفكير في

الأمر فعينا ونظرات شعيب لا تفارقها أبداً وكأنها تراه

أمامها في كل مكان ، ارتسمت التعاسة على ملامحها وقالت

بشرود حزين

" أخشى فقط أن يكون الثمن أشد قسوة من أخذنا
ثلاثتنا معاً "


أبعد نظره عنها للسماء السوداء عالياً وتخللت أصابعه

شعره يشده للوراء قبل أن تنتقل من قفا عنقه لفكيه وقال

ونظره لم يفارق النجوم المتناثرة فيها بينما كانت كلماته

جوفاء كئيبة

" سنرى ما سيخرج عنه اجتماعهم في منزل السيد عقبة
ثم لكل حادث حديث "


نظرت له ولازال ينظر عالياً بعينين حزينة شاردة وتعلم ما

يشعر به الآن فأصعب ما في الوجود أن يعجز الرجل عن

مساعدة من يحبهم ، ملأت الدموع عينيها ونظرت ليديها

اللتان عادت لشدهما بقوة في حجرها واختلط صوتها بنبرة

بكاء واضحة لم يعد يمكنها كتمه أكثر من ذلك ما أن قالت

" قلبي يحترق عليهم جميعهم .. والدي ووالدتي وجدي ،
أشعر به يتمزق دون توقف "


وكان ذاك هو الخيط الرفيع بينها وبين صمودها الذي

تمسكت به لساعات وأمام الجميع .. جدها والكاسر وحتى

الجالس بجوارها الآن بل وحتى نفسها وانهارت باكية نهاية

الأمر ما جعله يقف سريعاً ويجلس ملتصقاً بها وشدها

لحضنه وأحاطتها ذراعيه يحضنها بقوة ومسحت يده على

شعرها وقال يحاول الصمود رغم ضعفه المميت أمام

دموعها وبكائها

" لنا قدر محدد يا تيما الله رسمه لنا لا يمكننا السير على
غيره ولا تغييره إلا بالدعاء "


تمسكت أصابعها بطرف سترته وقالت باكية تدفن

ملامحها فيها

" لا يمكنني تصور أن يموت جدي ونصبح أنا ووالدتي
لديهم .. لا يمكنني فعلها فمجرد التفكير فيها يقودني
للجنون ، سيكون والدي ميتاً بالتأكيد ليحدث ذلك "



واختلطت آخر كلمات قالتها بعبراتها المتلاحقة فشدها

لحضنه أكثر يشعر بكل كلمة قالتها سكين يذبح قلبه

وروحه ، اشتد سواد نظراته الغاضبة والمحدقة في الفراغ

أمامه وقال من بين أسنانه

" ليس والدك فقط بل وأنا أيضاً لأني لن أسمح بهذا
ومهما حدث "



ازداد بكاؤها حدة وقالت

" لو أن الوقت يعود للوراء لما سمحت لتلك المحاكمة
أن تحدث وبأي طريقة كانت وإن قتلت نفسي "



مسحت يده على شعرها وقبّل رأسها وكأنه يحمد الله أنَّ تلك

الأمنية لا يمكن تحقيقها الآن والتي نتيجتها أن يفقدها هي

وللأبد ، اتكأ بذقنه على رأسها يحضنها أكثر وقال بحزن

" لا شيء في الحياة يمكن تغييره هو قدرنا ولا مهرب
لنا منه "


شعر بكلماتها سكين يخترق صدره حيث تدفن وجهها

وملامحها ما أن قالت باكية وبحسرة وألم

" كم أتمنى أن يعود كل شيء كما كان بعد أن توضحت
الأمور الخفية وينسيا كل ما حدث سابقاً "



عاد ودفن شفتيه في نعومة شعرها وقبّله مجدداً وكأنه

يشجع نفسه على قول الحقيقة التي لا مهرب منها وما

يرفضه قلبه ويوافقه عقله الذي كانت له الغلبة نهاية الأمر

وقال بكلمات متأنية حزينة ونظرات شاردة واجمة

" الرجل يا تيما حين يُطعن في كبريائه وكرامته يضع كل
شيء تحت حذائه ويدعسه به ويمضي .. وحتى قلبه
ومشاعره "



جعلتها كلماته تلك تبتعد عن حضنه بحركة سريعة وقالت

بكلمات غاضبة باكية تنظر لعينيه

" ولما أنتم هكذا ! "


ابتسم رغماً عنه بسبب تفكيرها وكلماتها الطفولية تلك

وأمسك وجهها بيديه يمسح إبهاماه الدموع عن وجنتيها

وقال بكلمات هادئة ينظر لعينيها

" لأنه شيء في تكويننا ولا نختلف فيه البتة "



أبعدت نظرها عنه وتبعه وجهها مما جعله يبعد يديه عنها

وحدقت في الفراغ أمامها بعينين حزينة دامعة فتنهد
بعمق وقال

" تيما ... "


وتوقفت كلماته لأنه وكالعادة سرقها منه ما هو أهم من

وجوده ومن كلماته وارتفع نظره معها وهي تقف على

طولها ما أن سمعت صوت السيارة التي دخلت من بوابة

المنزل متوجهة نحو الداخل فهمست بخفوت تنظر

لتلك الجهة

" هذا أبي "

وتركته وسارت راكضة حول المنزل لتدركه فهي لم تنم ولم

تستطع فعلها تنتظره وقد ادعت النوم لينام الكاسر لأنه

قرر أن لا ينام قبلها .


حين وصلت لباب المنزل كانت سيارته فقط الموجودة هناك

فركضت نحو الداخل مسرعة وكما توقعت كان يصعد

السلالم حينها سترته في يده وخطواته البطيئة كانت تصف

حالة التعب والإرهاق التي وصل لها فلحقت به وقالت وهي

تصعد أول العتبات

" أبي "

وتوقفت خطواتها بسبب توقفه ونظرت لوجهه بل ولعينيه

تحديداً ما أن استدار رأسه نحوها وشعرت بقلبها يتمزق

حين لم يبدر منه أي كلمة وكأنه يرفض قول أي شيء

ولأي شخصٍ كان ! ولأنها تتفهم شدة الموقف قررت أن لا

تسأله عمّا حدث وما نتج عنه اجتماعهم ذاك وإن كانت

تحترق لمعرفة ذلك لكنها هنا من أجل أمر آخر .


اشتدت قبضة أصابعها على السياج الخشبي للسلالم في

حركة لا إرادية بسبب توترها .. لا بل ترددها الذي كان يكاد

يفقدها النطق وقالت نهاية الأمر متغلبة على كل ذلك بينما

كانت كلماتها حزينة تشبه نظراتها لعينيه

" لقد أخذها خالي رعد من المستشفى ولا نعلم حتى
الآن أين هما "


تجنبت ذكر كلمة والدتي ولا تعرف لما ! وكانت ضربات

قلبها ترتفع بشكل جنوني لشدة ترقبها وتمنت في لحظة


يأس أن خالف جميع مخاوفها بل وكلمات قاسم التي لازالت

تنخر في رأسها وتعذب قلبها ، واكتشفت حينها بأنها مجرد

أمنيات ميتة تُضاف لدفتر ذكرياتها الأليمة ورأت كلماته

تلك أمامها وبكل حرف فيها وكأنها تسمعها منه الآن وهي

تراه يدير ظهره لها دون أن يعلق بشيء بل ولم تتغير

ملامحه البتة وكأنه لم يسمعها !

فنزلت دموعها دون شعور منها وهي تودعه كوداعها لكل

شيء كان يربطها بالحياة وعادت كلمات قاسم لمهاجمتها

ودون رحمة وهي تسمع صوت خطواته مبتعداً



( الرجل يا تيما حين يُطعن في كبريائه وكرامته يضع كل
شيء .. تحت حذائه ويدعسه به ويمضي .. وحتى قلبه
ومشاعره )



حركت رأسها بقوة ورفض وصعدت العتبات راكضة خلفه

ما أن اختفى تماماً عن نظرها فهي تعرف والدها جيداً يحبها

كما لم يحبَ رجل امرأة من قبل ، لكن كل ذلك تلاشى ما أن

صفعها الواقع بمرارة حقيقته وتوقفت خطواتها مع انتفاض

جسدها بسبب صوت باب الغرفة الذي ضربه خلفه بقوة

ليرسل لها رسالة واضحة مفادها بأن باب قاعة المحكمة

ذاك سيكون أمامها كلما قررت فتح باب آخر بينهما .


فودعته عيناها الدامعة كما ودعت جميع أحلام طفولتها

ونزلت عتبات السلالم بخطوات بطيئة وجسدها ملتصق

بالجدار تسحب قدماها فوقها بصعوبة بينما عيناها الحزينة

التعسة والتي يحفها جفنين حمراوين بشدة كانتا تحدقان في

الفراغ بحزن وكأنها فقدت صلتها بالعالم وكل شيء من

حولها حتى أنها لم تنظر ناحية الباب ولا للداخل منه والذي

كان صقر وقد وقف ينظر لها باستغراب وهي تجتازه
وكأنها لا تراه متوجهة ناحية ممر غرفتها .


" ماذا حدث ؟ "


توقفت خطواتها فجأة وحين وصلها صوت قاسم الذي دخل

أيضاً ووجه ذاك السؤال لصقر دون أن ينتبه لوجودها

هناك ، وكان ذاك ما أعاد حواسها للحياة وللشعور بما

حولها مجدداً ، وما أن استدارت نحوهما كان صقر ينظر له

قبل أن ينظر لها ثم يعود وينظر له مجدداً في رسالة صامتة

لم يكن لذكائها الفطري أن يتجاوزها بسهولة وهو ما جعلها

تعود أدراجها حتى وقفت أمامهما وقالت ببحة وترقب

" ماذا طلبوا في المقابل ؟ "


نقل صقر نظره بينها وبين قاسم باستغراب والذي تنهد بقلة

حيلة رافعاً يديه وكأنه يقول له

( لا جدوى من تغيير أفكارها )

ولا يعلم بأنه لم يكن يتساءل عن هذا بل كيف خمّنت أن

يكون هذا ما حدث !!



تهرب من النظر لها وقال وهو يجتازها

" لا شيء مهم .. أنا متعب وأريد أن أنام "



لكن ذلك لم يُقنعها ولم يعطيه الفرصة أيضاً للتخلص منها

لأن ذراعه كانت في قبضتها سريعاً وأدارته ناحيتها وقالت

بإصرار تنظر لعينيه

" بل ثمة ما حدث وعليك إخباري به "



نقل نظره من عينيها الحزينة المجدة والمتورمة بشدة

والتي كانت السبب الرئيسي لصمته رأفة بحالها ليستقر

على عيني قاسم الذي خان توقعاته حينها وهو يومئ له

برأسه متنهداً بقلة حيلة ليفهم بأنه عليه التحدث وقول ما

حدث وبأن إخفائه عنها لا جدوى منه فهي ستعلمه إن منه

أو من غيره وإن اليوم أو في الغد ولن يزيد إخفائه عنها

وضعها إلا سوءاً ، فكان دوره حينها للتنهد بقلة حيلة

وبؤس وقال بعد حرب طويلة مع نفسه وبكلمات جوفاء

متجهمة كتجهم ملامحه

" لقد وضعوا شرطاً للتنازل عن سلالته فقط "



جعلت كلماته تلك عينا تيما تتجمدان بتوجس وجعلت

الواقف خلفها يتقدم بضع خطوات حتى أصبح يقف بجانبها

ومقابلاً له فكما توقع تماماً لن يفكروا في التنازل عن عنق

قاتل أشقائهم أبداً ، ولم يكن يعلم بأنهم يحملون المزيد حتى

تحرك رأس صقر في عجز وملامحه لا تعبر سوى عن

الذهول وعدم التصديق الذي لم يغادره بعد مما جعل مشاعر

كليهما تهوي للقاع ، وكان قاسم الأشجع على التحدث

والنطق حينها كعادة الرجال وقد قال بكلمات هامسة

متوجسة

" وما يكون هذا الشرط ؟ "


كان رد فعل صقر المبدئي ابتسامة ساخرة وفرد كفه أمامها

تحديداً وقال وكأنه يستهزىء بالأمر وإن كانت نظرته لا

تقول ذلك البتة

" طالب بأن يزوج شقيقتاه التوأم بي وبجدك "


لم يستغرب حينها النظرة التي رآها في عينيهما والتي كانت

تعبر عن عدم التصديق وكأنها نُسخت ووزعت عليهما وإن

كان في موقف غير هذا الذي هم فيه لضحك حتى خارت

قواه ، ولأن الأمر لم ينتهي بعد ولم يتجاوزاه أيضاً تابع

بضيق وقد بدأ يعد بأصابعه ابتداء بإصبعه الصغرى

" زواج لا طلاق فيه ولا تشاركها زوجة أخرى معه
لا سابقة ولا لاحقة ، وزواج تام وبدليل طبي "



كانت عينا تيما لازالت تعيش الصدمة التي لم تغادرها بعد

وقد حولتها لتمثال حجري بينما نقل قاسم نظراته الذاهلة

بينهما وكأنه يتأكد من أن ما سمعه حقيقي وفهمه بشكل

سليم تماماً وقبل أن يغادر صمته مجدداً وقال بضيق وقد

استقر نظره على عيني صقر

" هذا ليس تنازلاً بل تعجيز ! فخروج خالي دجى معناه
موته بسبب الشرط الآخر بينما عدم الموافقة عليه معناه
إلغاء عملية التفاوض معهم برمتها "



كان رد فعل صقر الغير متوقع ابتسامة ساخرة وكأنه يخفي

المزيد وما هو أشد قسوة من ذلك ! وذاك ما حدث فعلياً

حين قال بسخرية

" هذا يكون تفكيري وتفكيرك يا قاسم وليس شعيب
غيلوان "


تحركت يد تيما حينها ولامست صدرها في شهقة صامتة

بينما اتسعت عينا قاسم وقد همس بتوجس وريبة

" وما يكون إذاً ؟! "


ضرب صقر كفيه ببعضهما وكأنه ينوي قتلهما بكل ما يفعله

بينما هي ليست سوى فاجعة لم تغادره بعد ليستوعبها أيضاً

وقال أخيراً وقد علا صوته في المكان الساكن المظلم ويده

تشير عالياً

" اشترط في تلك الحال أن يكون الزوج بدلاً عنه هو مطر"



المخرج : ~

بقلم / Maraam Al-Maraam

من غسق إلى مطر

تلومونني... و تلومون انهياري
و كأنكم قد تناسيتم أن ما حدث كان نتيجة لجرحي و انكساري!!!
كم قد شكوت ألمي فلم ألقَ سوى صمت أو أسوأ الأعذار...
انظروا جيداً فأمامكم عاشقة متيمة في محراب العشق كانت تتبتل ليل نهار...
و ما كنت على موعد مع الحب و إنما اقتحم قلبي كعاصفة بل كإعصار...
و كم رسمت أحلاماً و زينتها بأجمل الورود و الأزهار...
فاستيقظت على واقعٍ قاسٍ فاق العلقم بطعم المرار...
و كلما ذكرت اسمه في عزلة... فاضت عيناي شوقاً بدمع مدرار...
و ما نهرت القلب أن كفاك عشقاً إلا و أجابني: و هل تكتفي الصحاري من الأمطار؟!!
أجل -يا من تستنكرون فعلتي- ها أنا ذا أقف في وجه زعيمكم المغوار...
يا غيث قلبي كم أموت لحضنك شوقاً لكنه بات مليئاً بأشواك كالصبار...
قد نحيت قلبي و أسلمت رايتي لحكم عقلي بعزم و إصرار...
ما فادني القلب سوى بخذلان موجع فلأتبع حكم العقل الصارم البتار...
و حتى -يا صفي الروح- لو كان في الفراق موتي... لكنه الآن قد بات قراري...

نهاية الفصل

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(الجزء, المشاعر, المطر, الثاني)،للكاتبة, الرااااائعة/, جنون
facebook



جديد مواضيع قسم قصص من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t204626.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 27-06-17 09:03 PM


الساعة الآن 10:04 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية