لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء
التسجيل مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

قصص من وحي قلم الاعضاء قصص من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25-11-17, 12:45 AM   المشاركة رقم: 591
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,162
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 

خرجت من الحمام وتوجهت جهة التي كانت تمسك بالهاتف

وأخذت السماعة منها وأعادتها مكانها قائلة

" أمي ما الذي تريدين فعله ؟ "

وقفت تلك من فورها ونظرت لها قائلة بضيق

" ما كان علينا فعله منذ الفجر طبعا وهو مغادرة هذا المكان والبلاد "

أمسكت بيدها وقالت برجاء

" أمي لم يكن هذا اتفاقنا قبل أن نصل هنا ، اتركينا نبقى ليومين

فقط أمي أرجوك لا يمكنني المغا.... "

سحبت يدها منها بقوة قائلة بغضب

" بل لن نبقى هنا ليوم آخر ولن تغادري هذا الفندق أبدا ولن

تقابلي ابن شراع ذاك مجددا ، أقسم لولا رجال ابن شاهين الذين

أرسلهم لنا واحتراما له ما أتيت ، يعجبك جدا العرض الذي قدمته

أمامهم وأنتي ترتمي في حضن ذاك الرجل ؟ قسما لولا الحياء من

الناس الذين استقبلونا في منزلهم لكنت سحبتك من شعرك وخرجت

بك من هناك ، لم أكن أعلم أن ما يحدث في المسلسلات المكسيكية

سأراه واقعا أمامي يوما ما ! ومن بطلة المشهد ... ؟ ابنتي !!

لو كان شقيقك معنا لكان قطع عنقك وعنقي ، ألا يكفي أنه لم

يكن مقتنعا وما أجبره إلا طلب ابن شاهين حظورك دون نقاش "

ملأت الدموع سريعا عيني الواقفة أمامها وحركت يديها بعشوائية

قائلة بأسى

" لما تلقي باللوم عليا فيما تغلبت عليا مشاعري فيه ؟

أنتي وشقيقي والجميع يعلم من رماح وما كان يعني له ولي قبله

وأكثر منه فما كان سهلا عليا أن أراه أمامي في تلك الحالة وبعد

كل هذه الأعوام وأنا من علمت ذاك اليوم فقط بأنه فعل ما فعل من

أجل صديقه ولم يتزوجها فعلا "

وسرعان ما تدحرجت دموعها تباعا وضمت قبضتها لصدرها

قائلة ببكاء

" اشعري بموقفي أمي ، أعلم بأني أخطأت وتجاوزت حدود ديني

وتربيتي لكن حاولي أن تكوني مكاني أقسم أني ما أن رأيته أمامي

على ذاك الكرسي لم أعد أعلم ما فعلت وفيما كنت سأفكر أساسا ،

اتركينا نبقى ليوم واحد فقط أمي أرجوك وأراه وأتحدث معه

مجددا وفي وجودك "

نظرت لها نظرة فهمت فورا ما سيكون الجواب معها وقد

صدقت ظنونها سريعا حين قالت بغضب

" لو كان يعنيه أمرك ما تركك تغادرين منزل شقيقته ولكان

هو من سعى خلفك اليوم ليتحدث معك يا ناقصة العقل والدين "

وتابعت مغادرة من هناك ولم يؤثر بها تلك الدموع

ولا البكاء المؤلم

" وسنغادر من هنا فورا ... كلمة قلتها ولن تناقشيني فيها "

تبعتها بنظراتها الدامعة حتى دخلت الغرفة وضربت الباب خلفها

فجلست ورفعت سماعة الهاتف وطلبت الرقم الذي حفظته

عن ظهر قلب ما أن نظرت له البارحة ونظرها على باب تلك

الغرفة المغلقة فحتى هاتفها حجرت عليه والدتها عندها ، حمدت

الله أن أجابت من في الطرف الآخر سريعا فهمست ما أن

سمعت صوتها

" جليلة أريد أن أتحدث مع غسق سريعا أرجوك "


*
*
*
فتحت العلبة المخملية ذات اللون الأحمر القاتم وأخرجت منها

الخاتم المرصع بالألماس أولا وألبسته لها في أصبعها الرقيق

وقالت مبتسمة

" جيد على قياسك تماما يا يمامة "

وتابعت وهي تلف ذاك السلسال المماثل له في بريقه وجماله

حول عنقها لتتدلى ماساته الثلاث على صدرها

" نعلم أن عاداتكم لا تسمح بأن يلبس الرجل خطيبته هذا

ولا نحن مقتنعون بذلك لذلك أخذت مكان ابني وأتمنى أن

تعجبك يا يمامة "

وراقبت عيناها بحنان التي قالت مبتسمة تتلمس ذاك السلسال

بأصابعها ونظرها عليه

" إنه جميل حقا شكرا لك عمتي "

ابتسمت وأخرجت السوار وألبستها إياه أيضا قائلة

" هذا أقل بكثير من قدرك بنيتي وسنقوم بواجبك يوم زفافكما

فاعذروا أنتم تقصيرنا فما تسمى هذه بخطبة أبدا "

وتابعت وقد أشارت لكل العلب والأكياس المرتبة في الزاوية

" تلك الأشياء من أجلك أيضا وبعض الهدايا لعائلتك "

كانت تود شكرها تود أن تحضنها بقوة وتبكي في ذاك الحضن

ليس من أجل كل هذا فقط بل ومن أجل تحرير شقيقها يمان من

سجنه هنا ودمار مستقبله من أجلها لكن الجالسة معهما

ومن لم يكن يعجبها شيئا مما يحدث أمامها قطعت عليها

أمنياتها تلك وبترت أحلامها البريئة كالعادة حين قالت ببرود

" ألست تري معي يا سيدة جوزاء أن يمامة صغيرة جدا على

الزواج وأن والدها لا ينصفها بإجبارها ؟ "

نظرت لها تلك الأحداق الرمادية الواسعة بصدمة وسرعان

ما أسدلت جفنيها عليهما ما أن بادلتها تلك بنظرة غاضبة

وقالت جوزاء وقد مسحت على يدها بين كفيها

" يمامة هلا تركتنا وحدنا قليلا "

وقفت من فورها وغادرت من عندهما حزنها الصامت يرافق

خطواتها الكسيرة وجل ما تخشاه وفكرت فيه وقتها بأن تلك

المرأة ستقتنع بحديث زوجة والدها ولن يتحقق حلم شقيقها أبدا

وسيموت ذاك الأمل الذي بات يشع من عينيه والذي لم تراه

فيهما سابقا ، ولم تكن لتعلم أو لتتخيل أن ما حدث وراء الباب

الذي أغلقته خلفها مختلف تماما وقد نظرت جوزاء للجالسة

أمامها وقالت

" بحسب حديث زوجي فوالدها وشقيقها قالا بأنها موافقة تماما

فما المشكلة في زواجهما ؟ "

قالت تلك من فورها وبامتعاض

" يمامه صغيرة ولن تستطيع تحمل مسئولية منزل وزوج ،

هذه أمور لا يعرفها الرجال "

قالت جوزاء ومباشرة أيضا

" الخدم في منزلنا ضعف عدد ساكنيه أي أنها لن تتحمل

مسئولية شيء أكثر من أن تستحم وتغير ملابسها "

زمت تلك شفتيها بحنق وقالت

" هذا شق فقط من حديثي "

قالت جوزاء من فورها

" الشق الآخر اتفق فيه أبان مع شقيقها وكوني مطمئنة

فلن يدخل ابننا بها قبل أن تكون مستعدة لذلك وبموافقتها

ورضا تام منها أيضا وهذا ما أتحمل أنا مسئوليته "

قالت التي شعرت بأنها حاصرتها فعلا

" إذا لا حاجة لأن يتزوجا قبل ذلك الوقت الذي تقولين عنه

ولتبقى مجرد خطبة "

تنفست جوزاء بعمق متمتمة بالتعوذ من الشيطان فهي لم تحب

هذه المرأة أبدا ما أن رأتها ولا تستبعد أن جميع ما قالته ابنتها

بثينة عن الفتاة هي السبب فيه وجل ما تخشاه أن تجعل زوجها

يغير رأيه في زواجها ، لكنها لن تخسر حربها أبدا وستخرجها

من هنا وإن دفعت من مالها لوالد الفتاة ليوافق ، رفعت ذقنها

وقالت بثقة

" وأنا اصر على زواجهما كي لا تفوتنا لغيره ولا مانع من الأمر

بما أن رجلا العائلة موافقان "

غزى الضيق بوضوح ملامح الجالسة أمامها والتي قالت فورا

" لا أصدق أن شقيقة الزعيم مطر شاهين تفعلها وتخترق

القوانين لتزوج ابنها من طفلة ! "

وقفت جوزاء ورفعت حقيبتها وقالت
" لتكوني مطمئنة فقط فقد تحدثت مع شقيقي في هذا ومطر بلسانه

قال بأن القوانين الوضيعة بالكامل ستتغير ومن ضمنها تحديد

سن زواج الفتيات وها نحن نراه ينفذ ذلك منذ أيام وقد بدأ

بقوانين الميراث والطلاق والمعاملات التجارية والقادم

سيكون أكثر حتى تلغى جميع تلك القوانين ، ويمامة بما أنها

موافقة ولم تصرح لي برفضها فلن تكون إلا لإبني فلن نجد

أفضل من فتاة هي شقيقة يمان ... رحم الله من أنجبته وربته "

نظرت بعدها جهة باب المنزل متجاهلة تلك النظرات الغاضبة

وقالت

" الخادمة التي جاءت برفقتي في الخارج وستبقى هنا حتى

تغادر مع يمامة لمنزلها لتقوم بكل ما تحتاجه وتحتاجونه

فخطيبها من طلب إرسالها لها "

وكان ذاك الأمر الوحيد الذي نطق به وبعبوسه الذي قابلها به

وقت مجيئها إلى هنا بسبب شجارهما صباحا ولم تعارض الأمر

وأحضرت الخادمة معها لأنها موقنة من أن أبان يعلم عن حياة

تلك الفتاة ما تجهله هي ولا تستبعد أبدا أن تكون خادمة لدى

هذه المرأة ، ما أن أنهت عبارتها تلك غادرت جهة باب المنزل

ودون حتى أن تكلف نفسها بتوديعها ولا أن تتبعها تلك للباب ،

فقط نظراتها الكارهة من رافقتها حتى خرجت وقد همست بحقد

" لن تستمر هذه الخطبة ولا على جثماني "

انفتح باب الغرفة على اليسار وخرج منها اللذان ركضا فورا

جهة كل تلك الأشياء المغلفة وقد تحررا من سجنهما أخيرا

وانفتح باب غرفة يمامة وخرجت منه ما أن سمعت صراخهما

الحماسي وضحكاتهما فصرخت فيهم الواقفة هناك بغضب

" لغرفتكما فورا ... وأنتي يا يمامة خلفهما ولا تخرجي حتى يناما "

تحركت التي لا حيلة لها في كل هذا ناحية التوأمان الواقفان

منتصف الصالة وأمسكت بأيديهما وتحركت بهما جهة الغرفة

التي خرجا منها على أصواتهما الطفولية المتذمرة رفضا لأن

لا يريا كل تلك الأشياء ، وما أن اغلق الباب خلفهم نظرت

لتلك الخادمة قصيرة القامة نحيلة الجسد التي أصبحت تقف

عند الباب بعد أن غادرت سيارة من جلبتها معها وأشارت لها

على الأشياء المكومة هناك قائلة بأمر

" أجلبي هذه واتبعيني "

امتثلت تلك لأوامرها فورا وحملت ما استطاعت حمله منهم

وتبعتها تسير خلفها بصعوبة حتى خرجتا من الباب الخلفي

للمنزل وتوجهت جهة باب حديدي فتحته وقالت تشير لها على

الغرفة المليئة بالتبن وعلف الدجاج

" ارميها هنا واذهبي لجلب الباقي ، أريدها جميعها هنا مفهوم "

دخلت بهم فورا ووضعتهم هناك وخرجت تنظر لها بخوف

وقد قالت

" أين أغراضك أنتي ؟ "

ارتجفت الخادمة بخوف وقالت

" حقيبة ثيابي لازالت أمام باب المنزل سيدتي "

" وهاتفك ؟ "

دست يدها في صدرها فورا وأخرجته ومدته لها قائلة

" ها هو سيدتي "

أخذته منها فورا لتضمن أنها لن تكون جاسوسة لسيدتها تلك

وتحركت جهة باب المنزل مجددا وتلك تتبعها قائلة

" ما أن تنهي عملك ستتوجهين للمطبخ فورا لتنظيفه وستقيمين

في غرفة يمامة لا مكان لك غيره ثم كلاكما من ذات المستوى "

تبعتها تلك بقلة حيلة تترحم على سيدتها التي لم تعمل عند

واحدة تشبهها سابقا وجل ما تتمناه أن يتزوجا سريعا ولا يطول

بقائها في ذاك المنزل ومع هذه المرأة .


*
*
*


وضع رماح جهاز التحكم الخاص بالتلفاز عند جانبه الآخر من

السرير فتنهد الجالسان قربه بيأس من أن يرضخ لطلب أي منهما

والكاسر يريد متابعة مباراة فريقه الانجليزي المفضل أما الجالسة

تتكئ على صدره ويريح هو ذراعه على كتفيها فقد يئست أيضا
من أن تقنعه لتشاهد مسلسلها وكان عليهما تحمل الاستماع

للمزيد من القنوات الإخبارية نزولا عند رغبة صاحب الغرفة

والذي قالها لهما وبكل برود

( كل واحد منكما يملك غرفة وتلفازا كحجم هذا فليذهب ويتابع

ما يريد )

لكن رفضهما لتركه وحيدا جعلهما يتنازلا عن رغبتهما

وإن مكرهين . ضمها الكاسر بذراعه وقبل رأسها المتكئ

على صدره حين لعبت أناملها بأصابعه وقد ضغطت عليها

لا شعوريا وملأت دموعها مقلتيها الزرقاء الواسعة وعضت

طرف شفتها ما أن ظهرت صورة والدها في الشاشة المسطحة
الواسعة المعلقة على الجدار يحيطونه رجاله وحرسه من كل

جانب ويسير بجانبه عمه صقر وفي الجانب الآخر كان

من نغص نومها البارحة وجعلها تفر لمنزل والدتها صباحا

ولأجل غير مسمى ليست تعلم هربا منه أم من نفسها وها هي

تكتشف الآن بأنها اشتاقت له أسرع مما كانت تتصور رغم ألم

اقترابها منه ، حاولت تشتيت نظراتها عنه لجميع من في تلك

الشاشة عداه لكنها كانت تعود وتنظر لتلك الملامح الرجولية

الوسيمة لا شعوريا وذاك المشهد يتكرر دون توقف ودون أن

يرحمها الجالس هناك بأن يغير القناة فحاولت التركيز مثلهما

فقط على صوت المحلل السياسي وصاحب المداخلة الهاتفية

وصورة والدها وذاك يقول بصوت جهوري مرتفع

( من الذي من مصلحته أن يختفي هذا الرجل سوى من

لا يريدون للبلاد أن تنهض بنفسها مجددا وأن تقام دولة

القانون والعدالة ، منذ اغتيال الزعيم شراع ونحن نعيش

كابوس عودة البلاد لما كانت عليه في الماضي حتى رأت

الأعين هذا الرجل البطل وقدماه تدوسان أرض الوطن مجددا ...

هل ستلد لنا البلاد مطر شاهين في كل مرة ؟ لا قطعا فلن

تنجبه أي امرأة وجميع النساء اثبتن عجزهن عن ذلك

ونحن نرى نماذج تخجل منها الحرائر وهم يرسلون البلاد

للهاوية بأيديهم ، متى عرفت البلاد جهازا لمكافحة الفساد

قد طال حتى كبار رجال الدولة ورجال الأعمال إلا الآن !

متى رأينا الكبار من رجال الجيش يحاكمون عسكريا

ويحاسبون إلا هنا ! الزعيم شراع كبلته سابقا الأحزاب

والبرلمانات واتخاذ أسلوب الاستفتاء على القوانين ورضخ

خوفا من الفتنة وحروب القبائل أما اليوم فمن سيرعب

هذا الرجل أو يقيده ؟ لا أحد ولا شيء إنه يضرب بيد من

حديد كل من يقف في وجه ، بالأمس كنا سنفقد حدود البلاد

وسندخل لمتاهة لن نخرج منها أبدا واليوم نراها مؤمنة أكثر

من الداخل بفضل عقل هذا الرجل الذي لم يغفل شيئا ، بالأمس

كاد المتمردون أن يقتحموا معسكر فزقين ومخازن الدخائر

والأسلحة الثقيلة والمطار العسكري التابع لها وتدخل البلاد

في حرب ودماء لن تتوقف قبل أعوام طويلة وما أن أشار فقط

بسبابته في وجوه قبائل تلك المنطقة مهددا سلموها له طوعا

وطردوا تلك الشراذم ، هل ترون صمت ابن شاهين عما يحدث

في بعض مدن صنوان خوفا منهم ؟ لا ورب الكعبة فهي القوة

في أوجها وهو من يفكر في السلم وحقن الدماء قبل كل شيء

ويوم سيقرر ضربهم بالحديد والنار لن يمسكه أحد ولا شيء ،

فمن من مصلحته أن يموت هذا الرجل غير المارقين عن

القانون أمثالهم ، أم سنلبس التهمة وبكل جهل للمتطرفين

الذين لم يعد لهم وجود منذ أعوام !

هل بتنا نفكر فقط وبكل جهل من سيحكم البلاد ومن الأحق

من غيره وعدنا لصنوان والهازان والحالك والأقاليم المتناحرة

من أجل شيء لن يحصل عليه ثلاثتنا إن بقينا على هذا الحال

وهذه الأفكار ؟ نرى اليوم البعض يحرضون غيرهم متحججين

بأن مطر شاهين يسعى لحكم البلاد وأن الحالك ستنهب كل شيء

أي كلام جاهلين هذا ! ... "

قطع الكاسر انسجامهم ذاك بأن مرر أصابع يده في شعره قائلا

بضحكة

" لما لا تغير هذه القناة ؟ نخشى أن تغتر علينا إحداهن بوالدها

إن استمعت لأكثر من ذلك "

ضحك رماح وقالت التي نظرت لصورته بفخر وحزن

" لن أحتاج لسماع ما يقال لأعلم من يكون مطر شاهين فأنا أكثر

من علم ما قدمه لأعوام لهذه البلاد يربط ليله بنهاره ويقدمها

على نفسه دون أن يطلب مقابلا أو ينتظره من أحد "

ساد الصمت التام من طرفهما فنظرت لهما قبل أن تنتبه أيضا

للواقفة عند باب الغرفة والتي دخلت وحملت جهاز التحكم

وأغلقت التلفاز قائلة

" للخارج كليكما فعليه أن ينام الآن ويرتاح "

وقف الكاسر من فوره وسحب الجالسة بجانبه معه من يدها قائلا

" بسرعة قبل أن تأمرنا بالنوم أيضا "

تبعته ضاحكة وقالت وهما يخرجان

" شرط أن نلعب شوط شطرنج آخر "

ابتسم رماح يراقبهما حتى اختفيا ونظر للتي كانت تبعد هاتفه

والأدوية عن السرير وقال مبتسما

" سبحان من جملها قلبا وقالبا ! ابنتك سيحار والدها لمن

سيعطيها من كثرة ما سيتهافت عليه خاطبيها "

غطت جسده باللحاف قائلة ببرود

" ابنتي صغيرة على كل هذا فلتنهي دراستها وتكبر أولا فهي

ستدخل الثانوية العام القادم فأي زواج هذا الذي تتحدث عنه ؟ "

قال بذات ابتسامته يراقب ملامحها الجميلة العابسة

" إن كنت مستاءة من أحدهم أو من أجله فلا تنفسي عن ذلك

بي فأنا لست صغيرا لتجبريني على النوم وأعيدي لي جهاز

التحكم فورا "

استوت واقفة ونظرت له وقالت بضيق

" الطبيب أوصى كثيرا على أن تنام جيدا لأنه الوقت الوحيد

الذي لن يكون مجهدا لعضلاتك يا رماح وأنت نمت متأخرا البارحة

واستيقظت باكرا فأين العشرة ساعات التي أوصى بها الطبيب

راحة لك ؟ أي ثمان ساعات في الليل وساعتين في النهار

أحببت ذلك أم لا "

تنهد مستسلما واستلقى يدفع جسده مستندا بمرفقيه فقبلت

جبينه وقالت مغادرة

" اطلبني فورا إن احتجت شيئا اتفقنا ؟ "

" غسق "

أوقفتها نبرته صوته الهادئة المترددة قبل ندائه باسمها

والتفتت له فورا فقال يتجنب النظر لعينيها

" هل سافرت جهينة ووالدتها ؟ "

شعرت بقلبها تمزق ألما على حاله وحال تلك الفتاة فأغمضت
عينيها لبرهة متنهدة بعمق ثم فتحتهما وقالت ناظرة له

" لا أعلم يا رماح ونزولا عند رغبتك لم أراها أو أستفسر عنهما "

أومأ برأسه موافقا دون أن يعلق بشيء وكانت ستتحدث رغم

أنها تعلم بأنها عبثا تحاول لولا أوقفها رنين هاتفها فأخرجته من

حقيبتها ونظرت للرقم باستغراب قبل أن تجيب قائلة

" نعم من معي ؟ "

أتاها الصوت الأنثوي الباكي فورا

" غسق أنا جهينة والدتي تريد أن نسافر رغم رفضي وإصراري

عليها وأنا لا أريد الابتعاد عن رماح ، غسق ساعديني

في هذا أرجوك "

نظرت للذي كان يحدق بالسقف ولا يعلم عما يدور بينهما

ولا مع من تتحدث ثم غادرت فورا جهة الباب وخرجت

منه هامسة

" حسنا يا جهينة كل شيء سيكون على ما يرام توقفي أنتي

عن البكاء ولا تسمحي لها بأن تأخذك وتغادر حتى أصل أنا

أولا وإن ربطتها بعارضة السرير اتفقنا ؟ "

سمعت تلك الضحكة الأنثوية المكتومة وسط ذاك البكاء المنخفض

وهمست من فورها

" حسنا ... أنتظرك فلا تتأخري أرجوك "

أنهت المكالمة معها وواصلت سيرها جهة باب المنزل بخطوات

سريعة فبما أنها فعلتها واتصلت بها بنفسها كما اشترط فلن

تتركها تغادر بها أبدا خصوصا بعدما رأت تلك النظرة الحزينة

في عيني شقيقها منذ قليل .

" أمي "

وقفت مكانها ممسكة بمقبض الباب ونظرت للتي أصبحت

واقفة خلفها مباشرة تنظر لها بحزن والدموع قد وجدت سريعا

مكانا لها في تلك الأحداق الواسعة حين همست ببحة بكاء

" استمعي لي أمي أرجوك "

كان قلب الأم داخلها أضعف من أن تقاوم ذاك الصوت الرقيق

الباكي مناديا لها بتلك الكلمة وتلك الدموع في عينيها لكنها

أخطأت ولا تريدها أن تستهين بالأخطاء أبدا بما أن المدعو

والدها أرسلها اليوم مجددا وكأن شيئا لم يكن ، أدارت المقبض

وفتحت الباب وقالت مغادرة

" عليا الخروج سريعا وسنتحدث لاحقا "

لكن تلك اليد لم تسمح لها بالخروج وقد أمسكت يدها

وقالت برجاء

" أمي عليك أن تستمعي لي أولا ولن تغادري من هنا حتى

أعلم بأنك لست غاضبة مني "

تنهدت بضيق قائلة " تيما أنتي متى ستتصرفين .... "

قاطعتها برجاء باكي لازالت تمسك يدها بقوة

" أقسم لم أكن أقصد أن أفزعك أو أزعجك قسما أني

ظننت أنه جدي هو القادم من فرنسا ومن سيسمح له والدي

بأن يقيم معنا في المنزل لذلك ذهبت دون أن أخبر أحدا "

شعرت بانقباض غريب في قلبها .. لا ليس غريبا فها هو الشعور

بتلك المرأة يزداد قربا ولا تفهم لما هي حمقاء هكذا لماذا ؟

كانت ترفض أن تسألها عن أي أمر يخص أي امرأة دخلت حياته

وهو هناك وليست تعرف كيف خرج صوتها حين قالت

" ومن تكون هذه التي أ.... من يكون هذا الشخص يا تيما ؟ "

رطبت شفتيها بلسانها وهمست وقد أسدلت جفنيها على تلك

الأحداق الزرقاء المغمورة بالدموع

" ابن عمة والدي واسمه ... قاسم "

" من !! "

تلك الصرخة المستنكرة من الواقفة أمامها جعلتها ترفع نظرها

لها فورا وقد فتحت فمها مصدومة ما أن صرخت بغضب

" هل تذكر ذاك الرجل الآن أن يأتي ؟ أين كان كل تلك الأعوام ؟ "

نظرت لها باستغراب من غضبها ذاك منه وهمست

" كان مع من كانوا في لندن و..... "

سحبت يدها منها وصرخت فورا

" سحقا لوالدك ولرجاله بأكملهم .. متى سيتعلمون أن ما يفعلونه

يدمر غيرهم نهائيا ؟ متى سيشعر أولئك المتحجرين ؟ هل تذكر

ذاك الشاب الآن أن له وطن وعائلة ؟ ماذا عن والدته التي

ماتت تناجي شوقها إليه ليست تعلم حتى إن كان ضمن الأحياء

أم الأموات "

فتحت فمها عدة مرات وأغلقته والدموع تملأ عينيها مجددا

ولم تعرف ما الذي آلمها تحديدا في كل ما قالت ؟ دعائها على

والدها وجدها وذاك الشاب معهما أم أن فردا آخر من عائلتها

بل وليس أي شخص ها هو ينال وسام كره والدتها الشديد له ،

مسحت عينيها سريعا قبل أن تفضحها دموعها وهمست تنظر

لها بحزن

" هو كان محتجزا في الهازان لقد كان مسجونا هناك ولم يخر.... "

قاطعتها وقد تحركت من هناك قائلة بضيق

" حجة أسخف من أن يقنع بها شخصا توارى تحت التراب "

راقبتها بحزن والدموع تملأ حدقتيها مجددا ولازال صوتها الحانق

يصلها بوضوح رغم خروجها

" لعل والدك أشبع غروره الآن وهو يصنع نسخا عنه في كل مكان "


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 25-11-17, 12:47 AM   المشاركة رقم: 592
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,162
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 


" زهور يمكنك الجلوس مكانك "

تجاهلت ذاك الصوت الرجولي العميق مجددا وبقيت واقفة حيث

هي بعناد ترفض أن تتحرك من مكانها ، لم تتمنى الموت حياتها

كما تمنته اليوم وشعرت بأنها والجدار المقابل لها سواء فبأي حق

يعاملها هكذا كطفلة في مدرسته ثم وما أن ينهي سخريته وطلبه

منها يطلب منها الجلوس ؟ لن تتحرك من مكانها مهما كرر ذلك

كل حين وستتحمل ألم ساقيها مهما طالت المحاضرة وبعد خروجه

من هنا فليفعل بها ما هو أسوء من هذا إن رآها مجددا .

قرر أن ينهي المحاضرة أخيرا بعد قرابة الثلاث ساعات قضتها

واقفة حتى تخدرت قدماها اللتان لم تحركهما من مكانهما أبدا

وكأنه يتعمد أن يوقفها أكبر وقت ممكن أو أن يكسر عنادها

لتتعب وتقرر الجلوس ، وما أن بدأ بجمع أوراقه يتحدث عما

عليهم البحث عنه قبل محاضرتهم القادمة تحركت جهة حقيبتها

ومذكراتها وحملتهم وغادرت القاعة من قبل أن يخرج هو ليست

تهتم برأيه ولا ما سيكون عقابه القادم لأنه لن يطبقه عليها ،

غادرت الجامعة وركبت سيارتها وغادرت من هناك فورا وفي

ذات الطريق الذي جاءت منه حتى وصلت منزلهم ونزلت ضاربة

بابها بقوة ودخلت من فورها متوجهة حيث والدتها التي كانت

في المطبخ مع الخادمة والتي نظرت لها ما أن دخلت وقد نزعت

قفاز الفرن من يدها قائلة

" ما بك عابسة هكذا ؟ ثم أليس أمامك محاضرة أخرى حتى

الرابعة عصرا ! "

تنفست بقوة وغضب وقالت

" لن أذهب لتلك الجامعة مجددا "

نظرت لها والدتها بصدمة قبل أن تقول بضيق

" ما هذا الجنون يا زهور ؟ من التي أصرت على الدراسة في

كلية التجارة غيرك لتغيري رأيك الآن والفصل الدراسي

يكاد ينتهي ! "

نفضت يدها والحقيبة فيها قائلة بحنق

" لم أعد أريدها ولن أذهب هناك مجددا ولن أقابل ذاك الرجل "

" ما بها ابنتي غاضبة ؟ "

التفتت فورا للواقف خلفها ببذلته الرسمية الرمادية الأنيقة

يمسك حقيبته في يده وقد عاد للتو من عمله .. من رباها

منذ كانت طفلة وعاملها كابنته وليس ابنة لزوجته وهو من لم

يرزق بالأبناء من زوجته السابقة فطلبت الطلاق منه ، قالت باستياء

" أبي أريد تغيير دراستي أنت قلت أني أدرس ما أريد أليس كذلك ؟ "

اقترب منها وحوط كتفيها بذراعه وقال سائرا بها في الاتجاه الآخر

" ما هذا الذي يجعل زهرتي الجميلة تترك التخصص الذي تحبه

وقد عاندتني ووالدتها لتدرسه ؟ "

عبست ملامحها الرقيقة وعلمت ما سيكون رأيه من المقدمة التي

أتحفها بها وكأنه يذكرها بأنه وقف في صفها حين اختارت ما تريد

دراسته ، جلس وأجلسها قربه فرفعت شعرها القصير خلف أذنيها

وقالت ناظرة لعينيه برجاء

" إن أخبرتك بكل شيء أتعدني بأن تنصفني ؟ "

مسح بإبهامه تحت جفنها الواسع وقال مبتسما

" أعدك فهيا أخبريني ما سبب هذا القرار المفاجئ ؟ "

نظرت للتي وقفت أمامهما يداها وسط جسدها تنظر لها بحنق قبل

أن تنظر ليديها في حجرها وتنهدت بحزن وبدأت تسرد ما حدث

معها منذ البداية حتى اليوم وما أن انتهت نظرت للذي كان يستمع

لها بانتباه وقد قال مبتسما

" أنتي إذا السبب وراء مغادرة ماريه وإغلاق منزل عمها وجميع

أعماله واختفائه حيث لا أحد يعلم مكانه حتى الآن ؟ "

ابتسمت ببرآءة ورفعت كتفيها قائلة

" كنت أريد فقط أن تخرج ماريه من هنا والباقي كان

خارج مخططي "

ضحك وقال

" جيدا فعلت يا زهور "

" عبد الرحمن !! "

تحدثت الواقفة أمامهما بضيق تنظر له تحديدا فابتسم وعاد

بنظره للجالسة بجانبه وقال

" لكن قرار ترك الجامعة ليس صائبا يا زهور وأنا لن أوافق

عليه أبدا "


قالت بتذمر يائس

" أبييي "

شد شحمة أذنها وحركها برفق مبتسما وقال

" هل لي أن أفهم يا مشاكسة كيف تكون من فعلت كل ذلك

جبانة هكذا وتهرب من مواجهة استاذها "

لمست أذنها لا شعوريا ما أن أبعد يده وقالت بأسى

" بعد أن أخبرتك بكل ما فعله اليوم تقول هذا ؟ "

وقف وقال ناظرا لها

" أجل فأثبتي لذاك الشاب أنك أقوى من أن يهزمك ؟ أنتي

التي لم تعجزك مادة سابقا وكانت والدتك تلقبكما أنتي وماريه

بفأرتا الكتب تهزمي أمام مادة ليست سوى مادة قانون لا تمت

لتخصصك الأساسي بأي صلة ! "

كانت ستتحدث والسخط باد على ملامحها فسبقها قائلا

" اعتبري الأمر تحد وأثبتي له أنك أقوى من أن يهزمك فلن

يستطيع أن يخسرك المادة وأنتي متفوقة وأعدك أن أتدخل

إن لزم الأمر ذلك نهاية العام "

عبست ملامحها الحزينة وتمتمت بأسى

" لكني خسرت كرامتي أمام الجميع "

قال بذات ابتسامته المحبة

" بل حين رفضت العودة للمدرج أثبتي للجميع أن كرامتك

فوق كل شيء وأولهم استاذك ذاك "

زاد عبوس ملامحها حتى كادت أن تبكي وقالت

" لكن الأسوء أني خرجت من المحاضرة فور أن انتهت

وقبل أن يخرج هو لأني كنت عازمة على أن لا أرجع أبدا

لتلك الجامعة "

ضحك ووضع يده على رأسها ولعبت أصابعه بشعرها القصير

الناعم وقال

" لا أريدك أن تخسري أمام نفسك قبله يا زهور ولست

أصدق أن المشاكسة الشجاعة دائما تهرب من هذا ! "

أنهى كلماته تلك وغادر ووالدتها تتبعه تراقبهما نظراتها

العابسة اليائسة بعد أن فقدت الأمل في أن يقف في صفها ،

رفعت وسادة الأريكة وضربة بها وجهها متمتمة بقهر

" سحقا لي ولماريه ولزوجها ومحاميه الأخرق ذاك "


*
*
*
وصلت بهو الفندق ولازالت تضع النظارات الشمسية الكبيرة

على عينيها وبحثت بنظرها في الأرجاء حتى وقع على الواقفة

بعيدا تنظر أيضا لما حولها بحثا عنها ويبدو التوتر واضحا جدا

عليها فاقتربت منها سريعا وسحبتها من يدها حتى كانتا خلف

العمود الرخامي الضخم المذهب ورفعت نظارتها فوق حجابها

وقالت هامسة

" أين والدتك الآن ؟ ألن تشك بشيء ؟ "

حركت رأسها بالنفي فورا وقالت

" ما تزال في الأعلى ولن تشك أبدا فهي لا تعلم أني أملك رقم

هاتفك ولا هاتف جليلة وكل ما تعلمه أني هنا لطلب سيارة تقلنا

للمطار فهي قررت أن نسافر بالطائرة هذه المرة وكل ذلك كي

لا نبقى هنا لوقت أطول "

وسرعان ما ملأت الدموع عينيها وأمسكت بيدها قائلة برجاء

" لا أريد المغادرة قبل أن أراه يا غسق ، بل لا أريد أن أبتعد عنه

أبدا ، والدتي لا يمكنها فهم هذا وإن أخذتني من هنا فلن

أرجع مجددا "

شدت على يدها بيدها الأخرى وقالت ناظرة لعينيها

" جهينة عليك أن تعلمي أولا أن رماح قد يعيش مقعدا للأبد

بل وقد تزداد حالته لأسوء من هذا "

حركت رأسها وهمست والدموع تتقاطر من عينيها

" ليس يعنيني كل ذلك يا غسق أريد فقط أن نكون معا فلن

يعلم أي منكم ما يعنيه لي وهو الرجل الذي أحببته منذ أعوام

طويلة فكيف سيكون طعم حياتي وهو بعيد عني ؟ لقد جربت

ذلك سابقا وما أقساه "


رفعت يدها لوجهها تمسح دموعها من وجنتيها تكابد أيضا

الدموع التي ملأت تلك الأحداق السوداء الواسعة فهي قاست

ذلك مثلها تماما وتعلم ما معنى ذاك الشعور لكنها لا تمتلك صفة

الغفران التي امتلكتها هي وإن وجدت التبريرات مثلها ، ليست تعلم

لأن جرحها أعمق وأقسى أم أن حبها لذاك الرجل هو ما كان أشد

وأعظم من أن تغفر له !

أمسكتها من يدها وسحبتها جهة المصاعد قائلة

" هيا اصعدي وسألحق بك بعد قليل وعليك أن تتفاجئي برؤيتي

أيضا لا تنسي ذلك "

وراقبتها وهي تغادر بعينان اكتسحتها الدموع مجددا فهي ستسعى

كل جهدها لتسعد هذه الفتاة وشقيقها قبلها مهما فعلت ومهما
كان الثمن بما أن شرط رماح تحقق أخيرا


*
*
*

تلك الطرقات الخفيفة على باب جناحهما كانت ما كسر ذاك

الصمت القاتل سوى من الدموع الصامتة للتي كانت تجمع

أغراضهما في الحقيبة الصغيرة التي أحضرتاها معهما البارحة .

تبادلتا نظرة صامتة قبل أن تهمس والدتها متوجهة للباب

" لابد وأن السيارة جاهزة وأرسلوا أحدهم ليعلمنا عنها "

وقفت التي تركتها خلفها على طولها تمسح بقايا دموعها هامسة

بدعاء خافت أن تكون شقيقته تلك أعند من والدتها رغم شكها

في ذلك فلم يكسر يوما عنادها أحد ولا والدهم رحمه الله ولا

إبنها البكر وأقرب الناس لها ... وحده ابن شاهين من فعلها

الآن فهي كما الجميع لن تستطيع قول كلمة

" لا " لهذا الرجل .

فتحت والدتها باب الجناح وكم أملت بأن أملا جديدا قد يكون

فتح معه وهي تنظر للواقفة أمامه بل ولأجمل من رأت عيناها

قد لبست السواد كاملا والتي نقلت نظرها بينهما قائلة بابتسامة

رائعة تشبهها تماما

" أعتذر إن أزعجتكما "

نقلت نظرها لوالدتها حين التفتت لها برأسها فتبادلت معها تلك

النظرة المصدومة كما سبق واتفقتا رغم أنها استشفت الكثير

من الشك في نظرتها تلك قبل أن تعود بنظرها للواقفة أمامها

وقالت وقد تنحت جانبا

" أبدا بنيتي أمثالك لا يزعجون أبدا ... تفضلي "

وما أن خطت قدماها للداخل حتى تابعت التي أغلقت الباب

ونظراتها التحذيرية مسلطة على تلك العينان الدامعة

" كنا نجهز أنفسنا للمغادرة فطائرتنا بعد ساعتين لكن الوقت

أمامنا لنتوادع بالتأكيد "

عبست تلك الملامح الحزينة الباكية ما أن وقفت غسق بينهما

تخفيها عنها فأومأت لها برأسها مبتسمة ومشجعة فهي إن كانت

تعرف والدتها فليست تعلم عنادها هي وحصولها دائما على

ما تريد ، التفتت سريعا للتي أصبحت خلفها وقالت مبتسمة

" إن فاتت هذه الطائرة فثمة العشرات غيرها بالتأكيد ولا مشكلة

أبدا في ذلك فهل نجلس ونتحدث قليلا يا خالة "

أشارت لها بيدها فورا على الصالون الأنيق قائلة

" بالتأكيد تفضلي "

فتحركت هناك من فورها لحظة ما نظرت تلك لابنتها قائلة

" اجمعي باقي الأغراض من الغرفة يا جهينة "

نظرت لها فورا وباستياء ولم تستطع قول شيء بسبب نظرة

التهديد في عينيها فلم تكن تتوقع أبدا أن تبعدها عن حديثهما !

وكان عليها أن لا تستغرب ذلك فهي بالتأكيد ستفكر بأنها قد تؤثر

على حديثها سلبا لذلك ما كان أمامها سوى أن تنصاع لأوامرها .

وما أن اغلق باب الغرفة خلفها حتى جلست والدتها ونظرت

للتي قالت بهدوء

" يبدوا أنك غادرت منزلي مستاءة ليلة أمس ولن تغادري البلاد

وفي خاطرك ما يكدرك منا أبدا "

نظرت فورا ليديها في حجرها وشعرت بالخجل من نفسها فحتى

إن كانت أكبر منها وفي مقام والدتها فهي تبقى ابنة الرئيس

السابق للبلاد ومن كانت زوجة لذاك الرجل العظيم ووالدة

ابنته بل ومالكة هذه المدينة وكل ما فيها تتنازل لتعتذر منها

هي وتراعي خاطرها وتفكر أساسا إن خرجت من منزلها مستاءة

أم لا !! قالت ونظرها لازال على يديها ولتختصر على كليهما

المقدمات

" جهينة هي ابنتي الأنثى الوحيدة ولست أكره لها ما تحب أبدا ،

كنت أتفهم دائما أسباب رفضها الزواج حتى الآن وكل ذاك الحزن

الذي رافقها لأعوام حتى أنها اعتزلت الناس لفترات طويلة ولن


أحب لابنتي إلا ما يسعدها فلا أريد لها أن تتخذ قرارا تندم عليه

لسنين طويلة وأن تنجرف خلف عواطفها فتعيش نصف امرأة

لباقي عمرها "

شدت الجالسة أمامها قبضتيها لا شعوريا وشعرت بالألم لحجم

الإهانة التي وجهتها لشقيقها وإن كانت لم تقل ذلك بشكل مباشر ،

لكنها تغاضت عن كل ذلك وقالت بذات هدوءها

" لن يرضى أحد بذلك لابنتك يا خالة وأولهم رماح وما كنت

لأكون هنا لو كنت أعلم بأن ذاك سيكون مصيرها معه "

لاذت المقابلة لها بالصمت دون أن تعلق ولا أن ترفع نظرها

بها فتنهدت بعمق وعلمت أن مهمتها لن تكون سهلة أبدا ،

قالت تراقب ملامحها وجفناها الواسعان المسدلان وقد اكتحلا

بسواد فاحم

" لو كان لك ابن أو شقيق في حالته لما تمنيت له إلا الأفضل ،

واتباع عواطفنا لا يعني دائما أننا سنؤذي أنفسنا "

رفعت نظرها بها حينها وقالت بجمود

" لديا ابن مصاب بسمات التوحد ولن أفكر يوما في أن أظلم

امرأة لتكون خادمة له وإن كانت مجنونة بحبه "

أغمضت عينيها وتنفست بعمق تذكر نفسها بأنها في سن والدتها

وأن تحترمها مهما قالت وتقدر طريقة تفكيرها في مصلحة ابنتها

قبل أن تفتحهما وتنظر لها قائلة

" وضع رماح مختلف تماما يمكنه ممارسة حياة طبيعية

جدا ثم هو .... "

سكتت قليلا قبل أن تقرر قول ما كانت ترفض قوله نزولا عند

رغبة شقيقها

" هو قد يسير مجددا وإن بشكل جزئي وهذا ما أكده الأطباء

لكنه من يرفض العملية "

لاحظت نظرة عدم اقتناع في عينيها فتقدمت في جلستها حتى طرف

الأريكة ومدت يديها وأمسكت بيدها وقالت برجاء

" رماح يحتاج لمساعدتنا جميعا وجهينة أولنا فهل يرضيك

أن يبقى هكذا وبيدك الحل ؟ "

أبعدت نظرها عنها وقالت

" تعلمين بأن شقيقك من يرفضها فلنذهب في حال سبيلنا

أفضل لنا فظروفنا لن تسمح ولا بالبقاء هنا ليومين آخرين "

ابتسمت وقد شعرت ببصيص أمل وإن كان ضئيلا وقالت من

فورها وقد تركت يدها

" أي ظروف هذه التي ستمنع بقائكم في بلادكم ؟ من يفضل

أن يتغرب عن وطنه ومجتمعه وأهله ؟ "

تنهدت الجالسة أمامها بحزن وقالت تنظر لأصابعها

" ابني البكر يعمل هناك وهو من يعول أسرته وعائلتنا ،

هو مطارد في قضية ثأر قديمة فقد أصاب زميلة برصاصة

بالخطأ حين كان مع جيش ابن راكان في الماضي ، عائلة

المقتول أعفوا عنه لكن شقيقه من والده طالب بإخراجنا من

المدينة وقال بأنه لن يبحث عنه لكن إن رآه أمامه فسيقتله

لذلك غادرنا البلاد بأكملها لنحافظ على حياته وهو يرفض

العودة والحديث عن الأمر خاصة أنه لم يحضى بأي فرصة

للتعليم ولا شهادة لديه ويعتمد على عمله اليدوي هناك

لدفع إيجار المنزل وإعالتنا جميعنا ويرفض أن تعمل أي

واحدة منا عملا تهان فيه وأي أعمال هذه المشرفة التي

سنحضى بها ! فحتى جهينة أوقفت دراستها منذ أعوام بسبب

تكاليف رسوم المدارس لأننا لسنا من البلاد "

شعرت بالحزن على قصتها وما عانت هذه العائلة فالإبن الأكبر

مطرود وحياته مهددة بالخطر والآخر مريض هذا غير تردي حالهم

ماديا ومعنويا بالتأكيد ، قالت من فورها

" السكن والوظيفة جميعها مشاكل يمكن حلها وبسهولة فالمنازل

هنا تقدم مجانا أو بأسعار رمزية للأسر المحتاجة حتى يتحسن

وضعها وتنتقل لأماكن أخرى وتكون ملكا لها ، كما يمكن إيجاد

وظيفة لكل واحد منكم وسأتكفل شخصيا بابنك المريض فثمة

مراكز هنا لمن هم في مثل حالته ، أنا لن أطالبك بأن تذهب ابنتك

لشقيقي ولا أن تفرض نفسها عليه أريد فقط أن نمنحهما فرصة ...
فرصة أخيرة ليقررا مصيرهما فإما أن يقتنع رماح أو أن تغير

ابنتك رأيها فيه ولن تظلم أبدا أقسم لك يا خالة وكرامتها من

كرامتي لن تهان ولن تجرح يوما "

لاذت بالصمت للحظة واحترمت هي ذلك وتركتها مع أفكارها

لتقرر وجل ما تتمناه أن تنجح في مهمتها فإقناع هذه المرأة

ومهما كان صعبا هو أيسر من إقناع شقيقها رماح ، قالت

التي نظرت لها مجددا

" ابني لن يقبل أبدا أعرفه عزيز نفس بل وسيغضب مني ومنها

إن نحن فقط تحدثنا معه في الأمر ولا تفكري بأنك قد تقنعيه

بالتحدث معه فالنتيجة ستكون ذاتها وسيغضب من جهينة

تحديدا فحتى قدومنا إلى هنا كان رغما عنه ولولا إرسال الزعيم

ابن شاهين رجاله وأوامره الصارمة لندخل البلاد معهم

ما وافق أبدا "

نظرت لها بصدمة قبل أن تهمس

" مطر من فعل ذلك ؟ "

أومأت برأسها بنعم وقالت

" أوامره وحدها التي ما كان ليستطيع رفضها أبدا ... بل من

كان ليتخيل أن يطرق رجاله باب منزلنا يوما ؟ "

أشاحت بوجهها جانبا وتنهدت بضيق .. هل على ذاك الرجل

أن يخرج لها في كل شيء ؟ جليلة ... مؤكد هي من لجأت له

في هذا لكن كيف وصلت له ؟ آه أجل وقت قدومة لاجتماعهم

لا تفسير آخر للأمر ، نظرت لها مجددا وقالت

" اتركيني أحاول التحدث معه وإن عبر الهاتف ، بل وسأسافر

وأراه شخصيا إن كان ذلك سيقنعه "

حركت رأسها بالنفي متنهدت بحزن وقالت

" لن يجدي ذاك نفعا صدقيني فحتى حين اقترحت عليه أن نخبر

رجال ابن شاهين يوصلوا له طلبنا بحل قضية الثأر لأننا كنا خارج

البلاد وقت حرر الهازان وتولى جميع تلك القضايا المشابهة رفض

ذلك فورا وقال بالحرف الواحد

( لسنا بحاجة لأن نتسول عطف من هم مسئولون عنا أمام الله

قبل الناس )

فلا تتوقعي أبدا أن يوافق "

وقفت على طولها تشد قبضتاها بقوة ونظرت فورا جهة التي

كانت تنظر لهما من شق الباب المفتوح قليلا .. نظرة باكية

حزينة مكسورة فظهرت صورة شقيقها أمام عينها فورا ونظرته

الحزينة الشاردة تلك حين علم أنها قد تكون غادرت البلاد ، أغمضت

عينيها وتنفست بعمق هامسة بخفوت

" من أجلهما يا غسق ... من أجلهما "

أدخلت يدها في جيبها وأخرجت هاتفها وتحركت حتى باب الشرفة
وفتحته ووقفت خارجا تتكئ بظهرها على الجدار ونظرها على

الحديقة المقابلة لتلك الفنادق والأطفال يتراكضون حول النافورة

التي تلاعبهم برذاذ قطرات الماء المتناثرة منها وكأنها تستمتع

بأصوات ضحكاتهم الصغيرة المتداخلة .

ضربت بطرف حذائها على الأرض بتوتر تستمع لصوت رنين

الهاتف في الطرف الآخر ، تكره أن تتحدث معه مجددا بعد مكالمته

تلك واتهامه لها وتكره أكثر أن تطلب ذلك منه لكن لا مفر لها من

هذا فالثمن سيكون سفر تلك الفتاة وللأبد وعيش شقيقها وحيدا

رافضا حتى المحاولة للمشي مجددا ، كتمت تنفسها الذي سحبته

قويا وبدأت تخرجه ببطء فور أن فتح الخط وسمعت تلك النبرة

العميقة المبحوحة

" أجل يا غسق "

زمت شفتيها بضيق تسمع بوضوح صوت الريح لتحركه في

سيارة ما أي أنه لن يكون لوحده فيها بالتأكيد ، هذا الرجل لن

يتوقف عن التبجح بأنها ما تزال زوجته وتعلم بأنه لا يفعلها

إلا لمضايقتها ، حررت شفتيها وقالت

" تبدوا مشغولا لكن ثمة أمر مهم علينا التحدث فيه "

وصلها صوته القلق فورا

" ما بها تيما ؟ هل هي بخير ؟ "

قالت من فورها

" هي بخير الموضوع يخص رماح وجهينة ولا يقبل التأجيل أبدا "

سمعته يحدث أحدهم قائلا

" توقف هنا يا قاسم "

تنهدت بضيق ما أن سمعت ذاك الاسم ونظرت جانبا وهي تسمع

ذاك الصوت الرجولي القريب

" ماذا حدث ؟ ما بها ابنتك ؟ "

سمعت صوت باب السيارة وهو يفتح وصوت مطر قائلا

" لا شيء "

ساد الصمت من ناحيته قليلا ومن صوت الأمواج الواضحة

علمت أنه عند الخط الساحلي لبحر بينبان جهة غرب الحالك

ليسلكوا طريقهم لغرب الهازان كما سبق وقالت ابنته فشعرت

بتلك الغصة المؤلمة في قلبها والدموع تملأ عينيها السوداء

الواسعة محدقة بالسماء ولم تستطع مع انكتام أنفاسها أن

تقول شيئا .


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 25-11-17, 12:50 AM   المشاركة رقم: 593
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,162
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 


ابتعد عن السيارة مقتربا أكثر من جهة السياج الحديدي الذي

يفصل تلك الطريق عن الصخور الضخمة والتي تستقبل تلك

الأمواج الغاضبة وقال عاقدا حاجبيه

" غسق أتسمعينني ؟ غسق أجيبي "

كان يسمع أنفاسها القوية المتقطعة ... يسمع نشيجها المكتوم

الذي تحاول إخفائه عنه ويعلم بأنها تسمعه جيدا ولا تجيب ،

وما أن نظر حوله وربط الأحداث فهم عقله فورا السبب فها هي

تختار اليوم ماضيهما لتحاربه به ولكن هذه المرة الأمر أقسى

وأشد وجعا ، مرر أصابع يده الأخرى مخللا إياها في خصلات

شعره المتدرج على قفا عنقه ينظر لذاك البحر الأزرق وقال للتي

يعلم بأن صوته يصلها

" غسق أنا لم أنسى الوعود التي قطعتها لك سابقا أتفهمين هذا ؟

لم أنساها أبدا "

سكت قليلا وتنفس بعمق قبل أن يتابع وصوته يزداد عمقا

وارتفاعا وكأنه يأتي مع تلك الأمواج

" لم يعطنا الزمن أي فرص يا غسق فلنعطها نحن لأنفسنا ...

غسق لا تكوني جبانة مجددا وأجيبي "

أبعد الهاتف ونظر له ما أن أغلقت الخط وشتم هامسا ومرر

أصابعه في شعره الكثيف يقف مواجها لتلك الرياح وتلك الأمواج

وأغمض عينيه بقوة وقد عادت به الذكريات لتلك الأعوام

" هل ثمة من تودع زوجها المسافر بعبوسها هكذا ؟ "

رمت له السترة السوداء الفاخرة التي كانت تمسكها له

قائلة بضيق

" لأنك مخادع وضحكت عليا ككل مرة "

لبس السترة وأغلق أزرارها وتوجه ناحيتها ، وقف أمامها

وأبعد شعرها عن طرف خدها وقبله هامسا

" كان الأمر مستعجلا وأنتي تعلمين ذلك جيدا "

وعاد لتقبيله ثانية وثالثة وأصابعه تتخلل نعومة شعرها

الكثيف فابتعدت عنه مبعدة يده وتمتمت بعبوس

" محتال وجميعكم الرجال هكذا "

ثم عدت بأصابعها ونظرها عليهم قائلة بضيق

" وعدتني برحلة لبينبان وللبحر هناك ، بأن تأخذني في الغد

لأتعرف على تلك الطفلة من خماصة وبزيارة خالة والدتك

وبأن تقضي هذا الأسبوع معنا هنا ولن تغادر أبدا ولا للحدود ،

كلها أمور كان يفترض أن تفعلها وطارت جميعها أدراج الرياح

ولم تبقى حتى أنت "

توجه نحوها مجددا أمسك وجهها وقبل شفتيها بقوة وهمس

من بين أسنانه

" لو فقط تتعلم هذه الشفتين أن تبقى رقيقة دائما قبلل أن آكلها "

فتح عينيه ونظر لعرض ذاك البحر مبتسما بسخرية أقرب منها

للمرارة وسيل تلك الذكريات يهاجمه مجددا

قالت ونظرها معلق به

" اصعد لها وطيب خاطرها بكلمتين قبل ذهابك يا مطر ولا تضع

كل اعتمادك على طبعها المسامح وكن عادلا "

قبل رأسها وقال

" سأراضيها وأفعل ما تريد ما أن أرجع فكلامي معها الآن لن

يزيد الأمر إلا سوءا "

كانت تلك الوعود التي لم يرجع ليحققها بل ليقتل كل تلك البراءة

معها وبكل قسوة بينما استقبلته هي وكأن غضبها ذاك لم يكن

موجودا ، أخرجه صوت الرسالة التي وصلت لهاتفه من كل

ما كان فيه فنظر لها وفتحها وكانت منها وقد أرسلت

( شقيق جهينة لديه قضية ثأر قديمة تحيل بين رجوعهم للبلاد

فأنصفه بما أنصفت به غيره منذ أربعة عشرة عاما وأخبره

أن يرجع ويسكن العمران وأنا سأتكفل بالباقي فهو لن يستجيب

إلا لأوامرك أنت )

حاول الاتصال بها مرارا ولم تجب فأرسل لها ( لن أفعلها إن

لم تجيبي)

أتاه ردها فورا

( أعلم بأنك ستفعلها وإن لم اجب .. من أجل رماح ومن أجل

عدلك معهم وليس من أجلي)

شد أصابعه على الهاتف بقوة شاتما بهمس ونظره على

أحرف رسالتها

" حمقاء لن تتغير أفكارك أبدا "

وبعد مكالمة أخرى أجراها مع من سيهتمون بأمر ذاك الرجل

ركب السيارة لتنطلق سياراتهم مجددا والصمت القاتل يعم تلك

الأجواء سوى من أنفاسه القوية ناظرا جهة النافذة يضرب

على ذقنه بطرف الهاتف في يده والتي كان يتكئ بمرفقها على

طرف النافذة ولم ينطق بأي كلمة ناقلا ذاك الجو المشحون

لمن كان يجلس بجانبه حتى غيرت السيارة مسارها فجأة

حين أدار المقود بقوة فدخلت بهم مسرعة بصرير مرتفع

لعجلاتها طريقا فرعيا يدخل لإحدى مدن الساحل مما جعل

السيارات خلفهم تتباطأ سرعتها ليدركوا نقطة الدوران والعودة ،

نظر للذي كان يجلس بجانبه ويسير مسرعا دون توقف

وقال بحدة

" قاسم ما بك ؟ "

همس ذاك من بين أسنانه وقد أدار المقود مجددا

" أذكر أن هذا الطريق يوصل لقلب البلاد وهي مدينة العمران "

وتابع سرعته الجنونية دون توقف فأمسك مطر بذراعه وصرخ

فيه فورا

" قاسم أخبرتك أنها بخير فارجع حالا "

نظر له فورا نظرة قوية تبادلاها لوقت قبل أن يشد على ذراعه

قائلا بحزم ومبددا أي شك في عبارته تلك

" هي وابنتها بخير وما كنت أنا لأسلك طريقا غيره إن كان

بإحداهما مكروه "

تنفس بقوة وسرعة السيارة تتباطأ تدريجيا وقد أحاطت بهم

سيارات حرسه ورجاله بعدما أدركوهم وقال بضيق قد أخرجه

عن السيطرة ناظرا لعينيه

" أما كنت تستطيع قولها من البداية ؟ "

قال مطر بنبرة تشبه نبرته بل وأكثر حدة بعدما أشار بوجهه

للطريق أمامهم

" ما كنت لأسلك غيرها إن كان بإحداهما سوء ، لن يشعر أحد

بابنتي وزوجتي أكثر مني يا قاسم "

نظر حينها ذاك جهة نافذته يتنفس بقوة وغضب بينما انتقلت

نظرات مطر للذي طرق على نافذته فأنزل الزجاج فورا وقال

الواقف في الخارج

" ماذا حدث ؟ هل من مشكلة ؟ "

قال مطر وقد ضغط الزر لإغلاق النافذة مجددا

" لا شيء سنرجع لطريقنا فورا "

تحركت حينها السيارات عائدين لمسارهم السابق مسابقين

الريح بجوار تلك الأمواج المعانقة للصخور وزاد ذاك الصمت

المشحون حدة والذي تمسك يده بالمقود بينما الأخرى يتكئ

بمرفقها على طرف نافذته ممررا سبابته والوسطى أسفل

ذقنه لا يتوقف عن توبيخ نفسه على فقده لزمام الأمور فجأة

ما أن سمع اسم تلك الفتاة ولا يفهم ما تفعله في عقله تلك

الطفلة التي بات يتوقع دائما بأن مشاكلها لن تنتهي ولن

تتوقف عن إقحام نفسها في تهورها المجنون من أجل

غيرها ، شد أصابعه على المقود بقوة هامسا لنفسه

( توقف عن هذا يا قاسم .... توقف (

" مرحبا تيما "

نظر بسرعة جهته قبل أن يهرب بنظره بعيدا ومحركا رأسه

بيأس من نفسه ولم يجد مفرا من الاستماع لتلك المكالمة

التي تصله بوضوح

" مرحبا أبي "
"
أين والدتك ؟ هل هي في المنزل ؟ "

خرج صوتها الرقيق الحزين من ذاك الهاتف

" أجل وصلت منذ قليل ودخلت غرفتها وقالت بأنها لا تريد

رؤية أحد ، حتى أني لم أتحدث معها حتى الآن ولازالت غاضبة

مني ... لم أكن أتوقع أن غضبها أشد وأطول من غضبك أنت ! "

نظر جهة نافذته وقال بابتسامة ساخرة

" هذا لأنها تحبك أكثر مني "

خرج صوتها فورا

" لست أصدق بأن أحدكما قد يحبني أكثر من الآخر ؟ "

تنفس بعمق قبل أن ينظر للطريق أمامه مجددا وقال بجدية

" بل ثمة من عليه أن يحبك أكثر من كلينا ليستحق أن تعيشي

معه للأبد يا تيما فأنتي لست لنا نحن بل له "

ساد الصمت من طرف التي كان واضحا أنها صدمت من كلامه

بينما أمسك الجالس بجانبه المقود بكلتا يديه وكأنه يخشى أن

تنزلق السيارة منه ، عاد مطر للحديث معها مجددا قائلا

" والدتك لا تعرف الغضب أبدا يا تيما وإن أظهرت ذلك فحاولي

التحدث معها مجددا "

" بالتأكيد لن أيأس أبدا حتى ترضى عني ... كن بخير من اجلنا

أبي أرجوك "

أنهى المكالمة معها مودعا لها ليعود ذاك الصمت القاتل مسيطرا

على أجواء تلك السيارة الفاخرة المسرعة ، صمت وإن استحمله

أحدهما وقد انشغل بتقليب هاتفه إلا أنه كان شديدا على الذي لم

يعد يستطيع الرضوخ له أكثر فقال ونظره على الطريق أمامه

" من هذا الذي تنوي تزويج ابنتك له يا مطر ؟ "

ساد الصمت من طرف الجالس بجانبه للحظات قبل أن يقول

وهو يدس هاتفه في جيبه

" ممن يستحقها طبعا "

سأل مباشرة ولازال يتجنب النظر ناحيته

" ألا شخص محدد حتى الآن ؟ "

أخرج هاتفا آخر ورفعه لأذنه قائلا

" لا "

ودخل في مكالمة مع رئيس الوزراء كان يعلم الجالس بجانبه

أنها قد تكون أطول من طريقهما ذاك بل ولن تكون الأخيرة بما

أنه قرر فتح ذاك الهاتف


*
*
*


قفزت واقفة من فراشها ومن وسط نومها ما أن تخللته تلك الطرقات

بحجر على جدار غرفتهم المطل على الشارع فهذا معناه أمر واحد

فقط ! نظرت لأخوتها النيام ثم تحركت جهة باب الغرفة الخشبي

القديم وسحبت وشاحها من العلاقة خلفه ولفته على رأسها وكتفيها

ولبست حذائها المنزلي البلاستيكي الخفيف وخرجت بخطوات خافتة

لوسطه المفتوح على السماء السوداء الساكنة وسارت بخطوات

سريعة خفيفة كي لا يسمعها والدها ويشعر بأن باب المنزل فتح في

هذا الوقت وحينها هي من ستنام معها في الشارع ، فتحت الباب

الحديدي ببطء شديد لم يزد إلا من معاناة الواقفة في الخارج والتي

ما أن فتحته لها حتى ارتمت في حضنها باكية فمسحت على شعرها

الأشقر هامسة

" يكفي بكاء يا مايرين سيشعر والدي بوجودك ويبكيني أنا معك

من الضرب "

أمسكت تلك فمها تحاول سجن العبرات التي ترفض التوقف

فسحبتها معها جهة الباب الأقرب لباب المنزل حيث تلك الغرفة

الصغيرة الضيقة المليئة بالعلب والأغراض والتي يستخدمونها

للمؤونة وأغراضهم الزائدة ، سحبت الفراش القديم الموجود في

الأعلى ككل ليلة زارتها فيها مطرودة من ذاك المنزل للشارع

ليعيدوها له فجرا وكأن شيئا لم يكن فتقضي ليلتها تلك حيث أكياس

القمامة والقطط والحشرات بجانب جدار منزلهم كعقاب على ذنب لم

تعرف يوما ما يكون .

وضعت لها الفراش على الأرض وأمسكتها من ذراعيها قائلة

" هيا استلقي سأ.... "

وابتعدت عنها بسرعة حين صرخت بألم وبكاء فأمسكت فمها

بصدمة وخرجت راكضة وجلبت معها كشاف الكهرباء الصغير

فالغرفة لا إنارة فيها وهو سبيلهم الوحيد للرؤية فيها ليلا بشكل

جيد ، ما أن دخلت وجدتها جالسة تمسك مرفقيها حاضنة نفسها

وتبكي دون توقف فتوجهت نحوها وجلست بجانبها الأيمن وشهقت

بصدمة تمسك فمها وسرعان ما سالت تلك الدموع من عينيها وهي

تنظر لذراع الجالسة أمامها وهمست ببكاء صامت

" قطع الله يده ، من هذا الذي أحرقك هكذا يا مايرين ؟ "

لم تجبها تلك ولازالت تبكي دون توقف دموعها تتساقط في حجرها

وجسدها يهتز لا شعوريا للأمام والخلف فوق ارتجافه من شدة

الألم ، وقفت وغادرت الغرفة مجددا وجلبت معها حقيبتها الخاصة

بعملها كممرضة في مستشفى تلك البلدة وجلست حيث كانت سابقا

ومدت يديها لذراعها ومزقت عنها كم بجامتها الكتانية البسيطة

القديمة حيث بات شبه مشقوق بالكامل بسبب ذاك الحرق المخيف

في ذراعها وبدأت بمعالجته لها تكاد لا ترى شيئا بسبب كل

تلك الدموع التي تذرفها عينها على حال صديقة طفولتها تلك ..

من تعجز مثلها عن إيجاد حل لمعاناتها التي ازدادت في الآونة

الأخيرة فهل يريدون قتلها للتخلص منها ! أي إجرام هذا الذي

يطبقونه عليها ؟ لفت ذراعها جيدا بالشاش الطبي أنينها المتألم

تشعر به يفتت قلبها لكنها لا تملك لها حلا كما تعجز دائما عن

إيجاده لمشاكلها وكل ما استطاعت فعله هو إدخالها خلسة لتنام

هنا كلما طردها شقيقها وزوجته من المنزل كالمجرمين يخرجونها

ليلا والناس نيام ليدخلوها فجرا قبل أن يشهدوا على جريمتهم تلك

وكل ذنبها أنه لا أحد لها غير ذاك الشقيق وذاك المنزل الذي

يريدون طردها منه ، أخرجت حقنة مسكن وحقنتها بها .. هذه

ستخفف آلامها ليوم كامل على الأقل أفضل من أن تقضي كل

هذه الساعات تئن ألما ويشعر والدها بوجودها وحينها لن تسلم

هي من عقابه القاسي وهو من يكره ذكر عائلة غيلوان بأجمعها

وشقيقها ذاك بشكل خاص فشجاراته معه لا تنتهي بسبب وبدونه

فذاك سليط لسان ووالدها حاد طباع قاسي ولا يجتمعا إلا وشجار

عنيف بينهما فحقد والدها على تلك العائلة جذوره متأصلة من

عهد جده ووالده .

مسحت على شعرها الأشقر بحنان تنظر لملامحها الباكية بحزن ...

الملامح المناقضة تماما لتلك القبائل بأكملها وكأنها لا تنحدر منها ..

القبائل التي سكنت أقصى جنوب البلاد بل أقصى مدن الحالك حيث

تميزت بسواد الشعر والعينين بما فاق جميع قبائلهم ومدنهم تلك

فكانت كالحالة الشاذة بينهم بشعرها الأشقر الغجري المموج والذي

لامست أطرافه نهاية خاصرتها وعيناها الغريبتان بلون الزمرد

الأخضر الفاتح فكانت كالخصلة الشقراء في الشعر الحالك السواد

بين سكان بلدتهم وقبائلهم تلك حتى أن الأغلبية كانوا ينادونها بابنة

الإيرلندية نسبة لأصل والدتها الصحفية التي تزوجت بأحد أبناء تلك

البلدة وعاشت وماتت فيها من عشرة أعوام .

همست بحزن تنظر لتلك الدمعة التي تسللت من تلك الأحداق لتستقر

على ذاك الفراش البالي

" مايرين عليك أن تقتنعي بأن وضعك يحتاج لحل سريع مهما

كان جنونيا "

همست بصوت مرتجف باكي

" مثل ماذا مثلا يا فجر ؟ ما الحل لدى من يعطيها شقيقها مهلة

ثلاثة أشهر لتغادر المنزل ولا أحد ولا مكان لها غيره ؟ "

همست الجالسة فوقها بحقد

" سحقا له أيفكر في نفسه ويهرب ويتخلص منك أنتي ؟

أي إجرام هذا ! "

عادت للبكاء بعبرات مخنوقة قائلة

" لأني العقبة الوحيدة كما يرى هو وزوجته ويعلم بأنه لن يتخلص

مني أبدا إلا بموتي "


قالت من فورها

" اتركيني أبحث عن طريقة للتحدث مع ابن عمتك المدعو أويس

إنه مختلف عنهم يا مايرين وبشهادة الجميع "

ضمت نفسها وهمست ببكاء خافت

" أويس .. !! أويس يكرهني أكثر من عائلة غيلوان جميعهم

بعدما حدث لوالده في الماضي ؟ "



لوحت بيدها قائلة بضيق

" وما ذنبك أنتي فيما حدث يا مايرين فسواء أنكر والده أم اعترف

بما اتهم به فأنتي ضحية أكثر منهم جميعا وتبقي شقيقته "


أغمضت عينيها وهمست ببكاء

" والضحية هي المدانة دائما فلا حل لهذا يا فجر لا حل أبدا "

شدت قبضتيها بغضب فلا حل كما قالت ... أجل لا يوجد أي حل

ففاتنة شقراء مثل هذه يفترض بأنها متزوجة من أعوام ولم تبلغ

العشرين من عمرها ولازالت عزباء هكذا لكن من هذا الذي يفكر

في مناسبة عائلة غيلوان ؟ إنهم أجبن من أن يفعلوها وأعمامها

يكونون شعيب وعيسى ونوح أبناء صفية غيلوان ... العائلة

التي لازالت ترفع راية الحداد من أعوام طويلة فحتى الأفراح

محظورة عندهم بالإجماع ولا يشم في منزلهم رائحة عطر ولا

طيب ولا يحتفلون حتى بالأعياد منذ قتل أشقائهم الثلاثة على

حدود صنوان من أعوام طويلة مضت ورغم نبذهم لها ولشقيقيها

ووالدتها بعد أن انضم شقيقها هازار لجيش ابن شاهين قبل توحيد

البلاد إلا أنها تعامل كالوباء من قبل الجميع ليس فقط بسبب أعمامها

وجدتها تلك بل وبسبب ولادتها بعد وفاة من يكون والدها بأكثر من

عشر سنوات !! حقيقة لا عقل يصدقها أبدا فالواقع أنها ليست منه

بل من زوج شقيقته وابن عمهم والد أويس ومن أنكر كل ما نسبته

والدتها له لكن أين المهرب من أبناء غيلوان إن أشهروا إصبع

الاتهام في وجه أي منهم فأجبروه على أن يتزوجها بعد ولادة ابنتها

والعقاب الأشد كان موته بعد ولادتها بعام في ظروف غامضة يعلمها

الجميع ولا أحد يستطيع التحدث عنها فحولوا هذه الفتاة المسكينة

لحكاية مأساوية خاصة وأنها سجلت بسم والد شقيقها أو زوج

والدتها لتكون شقيقة لكليهما ( هازار وجسار ) بما أن والدتها

أرضعت جسار طفلا فهي تزوجت والده وعمره أشهر فقط ليرحلوا

جميعهم تاركين إياها في حكاية سوداء شائكة تناقلتها الألسن

لأعوام وأعوام وهي قانونيا ابنة يحيى غيلوان والذي توفي قبل

ولادتها بأكثر من عشرة أعوام وجينيا ابنة ابن عمهم وزوج

شقيقتهم ( جبريل حجاج ) الذي لم تسجل باسمه رغم تزويج

والدتها به بعدما حملت بها منه وأنجبتها وكأنهم يحكمون عليها

بالعقاب على فعلة والدها لباقي عمرها والذي أنكرها أساسا

حتى مات .


قالت بجدية ناظرة لعينيها الشبه مغمضتان ورموشها المبللة بالدموع

" إذا لا حل غير الذي اقترحته عليك يا مايرين إنه منفذك الوحيد "

همست ببكاء تحرك رأسها نفيا

" ليس حلا أبدا يا فجر إنه جنون لن أجني منه سوى أن يضاف

فصل آخر مخزي لحكايتي "

مسحت على شعرها مجددا هامسة بثقة

" بلى هو الحل المناسب أتركينا فقط نجد شخصا لن يتخلص

من ذاك المأزق بأن يرميك فيه لوحدك واتركي الأمر لي "

وقفت بعدها وجلبت لها لحافا غطت به جسدها المنكمش وهمست

قبل خروجها

" نامي الآن وسأوقضك قبل أذان الفجر بقليل وسأجلب لك اليوم

مرهم حروق من المستشفى ، ثقي بي يا مايرين فكرتي هي حلك

الوحيد الذي تحتاجينه "

وغادرت وتركتها مع دموعها وحزنها الذي لا يداويه شيء وقد

خبأت عيناها في كف يدها هامسة ببكاء موجع

" هازار هو فقط ما أحتاجه ... أين أنت يا شقيقي فقد تعبت ..

اقسم أني تعبت حقا "

*

*

‏*‏

كتف ذراعيه لصدره واتكئ للخلف حيث ذاك السياج الحديدي

لجسر ووترلو وأحد الجسور الرابطة بين ضفتي نهر التايمز

وقال مبتسما ومحدثا المقابل له

" أراك هذه الأونة صرت عاطفيا بشكل مقزز يا رجل "

نظر له بضيق وأشاح بوجهه جانبا ولم يعلق ، معه حق يقول

ذلك فهو لن يشعر بما يمر به لأنه لم يجربه وهو من شدة غبائه

يتحدث مع من لا يتفهمون موقفه ولا يفهمونه .

نظر له مجددا حين قال

" أربعة عشرة عاما مضت يا رجل لما الآن فقط تشعر بأن

أوضاعها ليست جيده ؟ لم تفكر بها هكذا وهي ابنة الخامسة

عشرة لتنشغل بأمرها وهي في العشرين ! أنت تستسلم لوساوس

الشيطان كثيرا يا هازار "

ابتعد بنظره عنه وتنهد بعمق ، من قال أنه لم يفكر بها ؟ هو لم

ينساها يوما لكنه لم يشعر بالقلق نحوها سابقا كما الآن وليس

يعلم لما ! لو كان باستطاعته جلبها معه لما تركها هناك أبدا فهو

يخشى عليها حتى من شقيقهما ( جسار ) الذي ورغم معاملة

والدتهما في الماضي له وكأنه ابنها لم يشعرها يوما بأنها والدته

ولا بأنها تعدل بينهم كل ذاك العدل بل كان يشعرها دائما بأنها

زوجة الأب المقصرة معه في كل شيء وبالتأكيد هو يلومه الآن

على نبذ عائلتهم له ، كيف له أن يطمئن على وضع شقيقته ولا

أحد لها غير شقيقهم ذاك وهو من يعلم جيدا المشاكل التي تتآكل

عائلة غيلوان من الداخل ؟ لا يمكنه طلب ذلك من الزعيم مطر

وهو من سبق ورفض ذلك فهو يعلم جيدا أي قضية تلك التي

لازالت معلقة بينه وبين تلك العائلة فاقترابه منها لن يزيد

وضعها إلا سوءا وهم من يكرهون ذاك النسل من حيث وجد .

نظر للذي صفر له بهمس من بين شفتيه والذي ما أن نظر

له حتى غمز له مشيرا للذي كان يقف بقربهما يتكئ بمرفقيه

على السياج مشبكا أصابعه الطويلة القوية ينظر لمياه النهر

أسفل ذاك الجسر ، عاد بنظره للواقف أمامه وهمس مبتسما

" أخبرتك أن لا تجبره على مرافقتنا ، لما ترفض أن تقتنع بأنه

لا ينسجم مع أمثالنا أبدا ؟ "

رفع رواح رأسه للأعلى وقال مبتسما وبصوت مرتفع ومتعمدا

ليسمع من لم يفته ولا همسهما قائلا يكتم ضحكته

" متزوج يا رجل ما ستتوقع منه ؟ لديا شقيق متأزم مثله

وأعلم عن أحوال هذه الفئة جيدا "

نظر هازار مبتسما ورافعا كتفيه للذي نظر ناحيتهما قبل أن يرجع

بنظره للأسفل وكأن الحديث لم يكن عنه ولا يعنيه فضحك هازار

ناظرا للواقف أمامه وقال

" يعرف جيدا من أين تؤكل الكتف "

أشار له رواح بإبهامه مبتسما ثم بسبابته على عينه بمعنى

سأريك بنفسي قبل أن يتراجع للخلف خطوتين وفرقع بإصبعي

يديه كليهما وهو يرفعهما بجانب وجهه قائلا يمسك ضحكته

" كان يا ما كان .... كان يا هزار ثمة طفلة صغيرة بجدائل

حريرية وعينان بلون الذهب تسكن قرية تسمى حجور .... "

تراجع خطوتين أخريين للخلف ضاحكا حين التفت له الواقف

هناك برأسه فقط ولازال مستندا بالسياج وتابع بضحكة

" لو تراها كيف أصبحت الآن تنسى شقيقتك و...... "

صرخ ضاحكا وركض مبتعدا ما أن انطلق الواقف هناك نحوه

والذي استطاع ادراكه وبسهولة ممسكا لذراعيه خلف ظهره

وقد سحبه نحو سياج الجسر وهو يصرخ ضاحكا

" هازار افزع لي يا رجل لا تقف هكذا يا احماااااق "

ضحك الواقف هناك مكتفا ذراعيه لصدره وقال بصوت مرتفع ليصله

" إن لم يشعر بك ابن خالك فلن يفعلها أحد ... ثم أنت تستحق ما

سيأتيك منه "

وتابع ضحكه متجاهلا صرخات الاستنجاد المختلطة بتلك الضحكات

الرجولية وصاحب ذاك الجسد الطويل القوي يدفعه جهة السياج

بسهولة وكأن طوله ليس يكاد يوازيه حتى أحنى له جسده عليه

نصفه منحن نحو الأسفل لا يمسكه عن السقوط في تلك المياه

العميقة سوى أن يبعد يديه عنه فصرخ ضاحكا

" لن أتحدث عنها مجددا أقسم بذلك "

لكن ذلك لم يجعله يتراجع عن إمالته للأسفل ببطء حتى صرخ

" آآآآسف .... آسف يا ابن كنعان فلا تفجع عمتك في ابنها

وترمل خطيبتي التي لم تعترف بي حتى الآن "

حينها تركه وقد سحبه معه للخلف فنظر للواقف هناك يراقبهما

ضاحكا وقال بضيق يرتب سترته الجلدية الأنيقة

" سترى حسابك مني يا ابن غيلوان ... تراني أمامك سأفقد

حياتي وتقف تتفرج "

رفع الواقف هناك يديه مبتسما بأن لا علاقة له بكل هذا فالتفت

رواح للواقف خلفه والذي كان ينظر له ببرود يمسك خصره

بيديه ففرقع أصابعه مجددا وقال بضحكة وهو يتراجع للخلف مجددا

" واسمها مار..... "

وقفز ضاحكا يرفع يديه باستسلام ما أن توجه نحوه مجددا

ولم يوقفه سوى رنين هاتفه في جيبه فأخرجه فورا ونظر لشاشته

عاقدا حاحبيه قبل أن يبتعد عنهما يتبث السماعة في أذنه هامسا بجدية

" مرحبا يا زعيم "

ليصله ذاك الصوت الجاد أيضا

" مرحبا تيم ما الأخبار لديك ؟ "

عاد للإتكاء على السياج بمرفقيه وقال

" لا جديد حتى الآن "

وصله صوت مطر الحازم فورا

" هذا لأنك لم تتحرك حتى الآن يا تيم ، لأول مرة تتقاعس عن

مهمة وكلت لك يا رجل ، ما ستحصل عليه سيكون ذا أهمية كبيرة

لنا فتحرك سريعا "

شد فكيه بقوة ضاغطا على أسنانه وهمس بضيق وقد أشاح

بنظره جانبا

" تلك الفتاة مختلة عقليا ؟ لن أخبرك بما تفكر في فعله "

" ماذا مثلا ؟ "

كان سؤاله حازما وقويا وكأنه يستهين بالأمر من قبل أن يذكره

فتنفس بقوة نافخا ذاك الهواء من شفتيه وقال بأحرف مشدودة

" وهل أعلم أنا ما هذا الذي ينفع حجة لرفض تلك المهمة بأكملها ؟ "

" لا شيء أبدا "

كان جوابه مباشرا وقد تابع بذات جديته

" لا أحد سيدخل ذاك القصر والعالم غيرك يا تيم والفرصة مواتية

بشكل لم أتوقعه يوما فلست تعلم ما معنى أن يطلب ذاك الرجل

مقابلتك من بين جميع الشبان الذين سبق وخرجت ابنته برفقتهم "

همس بضيق من بين أسنانه

" تلك المجنونة قررت أن تعلن خبر خطبتنا فور تقديمي لمحيطهم

التافه ذاك ، حتى أنها لم تأخذ رأيي بل قالتها بكل ثقة وكأني من

ينتظر أن تتكرم وتوافق ، لقد طردتها البارحة من شقتي وأغلقت

هاتفي وانتهى أمرها للأبد "

وصله ذاك الصوت الغاضب سريعا

" تيم هل جننت ؟ كان يمكنك إصلاح الأمر بطرق أخرى ؟ أتعجز

حقا عن مسايرة فتاة وأنت من لم تقهرك المهام القاتلة يوما ؟ "

استوى في وقوفه وهمس ببرود

" سبق وقلت علاقتي بماريه خط أحمر ولم تنسى ذلك بالتأكيد "

وصله صوته الحانق فورا

" تلك الفتاة زوجتك يا تيم لا شيء ولا أحد سيفرقكما ما لم يكن

قرارا منك أنت وستتفهم ما تفعله يوما بالتأكيد ، نحن نحاول

هنا جاهدين إيقاف تلك الأيادي المتربصة بالبلاد لكن الرأس هناك

لديكم وبتر الأذرع ليس حلا أبدا "

قال فورا وبأحرف مشدودة
" وتدمير علاقتي بمارية ليس حلا أيضا "

ساد الصمت للحظات قبل أن يصله ذاك الصوت الحازم

" لم أعرفك ممن تتحكم بهم القرارات العاطفية يا تيم ! لو كان

شخصا آخر غيرك لما استغربت ذلك "

التفت ينظر لحركة السيارات قرب الممشى وقال بجمود

" أنا لا أتخذ قرارت عاطفية لكني قطعت عهدا ... عهدا لمن لن

اخلف وعودي لها مهما كان الثمن وقد أخذت مني وعدا أن لا

أترك تلك الفتاة وأن لا اتخلى عنها ..... وأن لا تبكي يوما بسببي "

قال بجدية

" تيم المهمة في عهدتك أيضا ومصير بلادك التي فعلت كل ما

فعلته من أجلها ..... كن عند كلمتك وثقتي بك يا ابن كنعان "

استل السماعة من أذنه ما أن انقطع الاتصال معه شاتما بهمس

" سحقا لتيم "

وغادر من هناك بخطوات واسعة يديه في جيبي سترته متجاهلا

نداء من تركهما خلفه .


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 25-11-17, 12:52 AM   المشاركة رقم: 594
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,162
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 


تقلبت في سريرها بشكل بات يزعجها كثيرا وليست تعلم متى

سيقرر المدعوا نوم أن يزورها ؟ بلى هي تعلم بأنها لن تنام أبدا

والموجودة في الغرفة المجاورة لازالت غاضبة منها ، شعرت

بحرارة الدموع تلسع عينيها وهي تتذكر خروجها الوحيد من

غرفتها وقت العشاء الذي تناولته في صمت لم تتحدث مع أحد

ولا حتى شقيقها رماح ولاحظت أنهم جميعا تجنبوا الحديث

معها وكأنهم يعلمون أنها حين تكون بهذا المزاج السيء لا

تحب التحدث بأي شيء ومع أي أحد حتى وقفت وغادرت

طاولة الطعام وعادت لسجن نفسها في غرفتها مجددا ، كان

رأي الكاسر وعمتها وحتى رماح أن لا تتحدث معها حتى الغد ،

هم يعرفونها أكثر منها ومؤكد يعلمون أن مزاجها لن يتحسن الليلة

أبدا لكن كيف لقلبها الصغير أن يحتمل كل هذا ؟ كيف لها أن تنام

وهي غاضبة منها ؟ مسحت دموعها وتسللت من تحت الأغطية

وغادرت السرير والغرفة حافية القدمين تاركة الباب مفتوحا خلفها

وما أن نظرت للنور المتسلل من تحت باب الغرفة الملاصقة

لغرفتها تشجعت لفعل ما هي عازمة عليه فيبدوا أنها أيضا لم تنم

حتى الآن .

تحركت بخطوات بطيئة ووقفت أمام الباب لوقت يدها مرفوعة

له لا هي طرقته ولا عادت لغرفتها تصارع تضارب مشاعرها

فاتكأت بجبينها عليه وأراحت يدها على خشبه البارد تصارع

نفسها للدخول وتحمل ما قد تلقاه منها ومهما كان أو ترجع

لغرفتها وتنسى الأمر .. لكنها لا تستطيع المغادرة ولا الأخذ

بنصيحتهم والنوم أيضا وهي غاضبة منها ، ابتعدت عنه

وطرقته طرقتين خفيفتين متتاليتين فليكن ما يكون فأن تفشل

خير من أن لا تحاول أبدا .

" ادخلي يا تيما "

تنفست بعمق مغمضة عينيها وهامسة بخفوت

" جيد صوتها أفضل بقليل "

ثم أدارت مقبض الباب ببطء وفتحه ليقع نظرها فورا على

الجالسة فوق سريرها الواسع تلف ذراعيها حول ركبتيها

المغطاة بلحاف مفرشه الفرنسي الحريري الأسود والمطرز

بخيوط ذهبية يشبه جمالها ورقتها ونعومة ذاك الشعر الحرير

المخفي خلف ساقيها المغطاة به ، نظرت لعينيها وامتلأت

عيناها بالدموع فورا وقالت ببحة بكاء

" أمي اقسم إن لم تصفحي عني الآن أني لن أترك باب غرفتك ،

وإن أغلقته في وجهي فسأنام أمام عتبته حتى الصباح "

مدت لها الجالسة هناك يدها مبتسمة بحزن وهي تهمس

" تعالي صغيرتي "

فركضت نحوها فورا وارتمت في حضنها تبكي بصمت تشعر

بذراعيها اللتان تحيطان بجسدها بقوة وبقبضتيها تشتدان

على قماش قميص نومها القطني مما جعلها تتمسك بحضنها أكثر

ليست تعلم أي منهما تحتاج تلك اللحظة لحضن الأخرى وأي

مشاعر تلك التي تسجنها هذه الصامته في داخلها ! ابتعدت

عنها ونظرت لها بحزن واعتصر الألم قلبها وهي ترى تلك الدموع

التي كانت تملأ مقلتيها السوداء الواسعة الفاتنة وقد رفعت باطن

كفها لها فورا ومسحتها ما أن عانقت رموشها الكثيفة وكأنها

ترفض أن تحررها وأن تشهد وجنتيها على وجودها لتسرع

دموعها أيضا للتمرد على حصونها مجددا ... ليست تعلم ما حدث

في تلك المكالمات بينهما لكنها تيقنت الآن أن الأمور تتعقد تباعا

وأن ما يخفيه قلب هذه الأنثى أقسى من الواقع بكثير ، تدحرجت

دموعها الصغيرة معانقة وجنتيها الزهريتان وما أن أبعدت شفتيها

لتتحدث أسكتتها تلك الأصابع الرقيقة قبل أن تنتقل لطرف وجهها

وقد همست بحزن والدموع تملأ تلك الأحداق مجددا

" أنتي لم تجربي أن يتعلق قلبك برجل وأن تهبيه كل شيء يا تيما

ويخذلك ... لم تعرفي معنى أن تكون الخيانه مقابلا للحب "

شعرت بتلك الكلمة سكين طعن قلبها بعنف جعل دموعها تنحدر

على خديها بالتتابع ... خيانة !! هل خانها ذاك الرجل حقا ! لكن

كيف وهي من لم تراه برفقة امرأة يوما ؟ بل كيف لرجل بكامل

قواه العقلية أن يبحث عن شيء لدى أي امرأة وهذه تكون ملكه !

همست بضياع وحزن تنظر لعينيها " أمي هو كا..... "

أسكتت تلك الأنامل شفتيها مجددا قبل أن تنزل يدها وتمسك يديها

قائلة بجدية

" لن نتحدث في أمره مجددا يا تيما ومهما كان حسنا ؟

لا تغضبيني منك بنيتي "

نامت في حضنها مجددا تسكب دموعها وعبراتها فيه تستنشق

رائحتها الجميلة وتحضى بذاك الحنان الذي افتقدته لأعوام طويلة ،

ليست تعلم حتى متى عليها أن تصمت ومتى سيقرر كليهما بأن

الوقت قد حان لحديثها وأنه من حقها أن يكون لها رأي في

كل هذا ؟ لا تجد لنفسها عزاء سوى أنهما ليسا منفصلين أي

أنها ستبقى تردد دائما وإن بينها وبين نفسها .. ثمة أمل .. ثمة أمل .

ما أن خف بكائها أبعدتها عنها وقالت ترتب لها خصلات غرتها

ونظرها على عينيها الدامعة

" هيا للنوم صغيرتي الوقت متأخر ولن يتركك الكاسر تنامين

صباحا أعرفه جيدا "

ابتسمت بحزن وأومأت برأسها موافقة قبل أن تهمس ببحة

" وأنتي ستنامين أيضا أمي ؟ "

دست لها خصلات شعرها خلف أذنيها قائلة

" أقسم أني سأنام الآن فهيا لسريرك بسرعة

" قبلت جبينها هامسة

" تصبحين على خير أمي "

وغادرت السرير وما أن وصلت للباب أوقفها ذاك الصوت

الرقيق الهادئ

" تيما "

التفتت لها تمسك مقبض الباب المغلق في يدها وقد قالت فورا

" عديني أن ما تحدثنا فيه لن يعلم به أحد أبدا ... أنا أثق في

وعودك "

زمت شفتيها بحزن تمسك الدموع التي عادت لمعانقة رموشها

الكثيفة مجددا قبل أن تهمس مجبرة

" أعدك أمي "

ثم أدارت ذاك المقبض وخرجت مغلقة الباب خلفها وغادرت

جهة غرفتها راكضة وارتمت على سريرها تواصل بكائها

الصامت الطويل حتى أنهكها تماما فغادرت السرير وأطفئت

الأنوار وعادت للتسلل تحت أغطيته تحاول أن تنام .. فقط تنام .

جلست مفزوعة بسبب صوت رنين تلك الرسالة المرتفع مع

سكون الليل وصمت المكان ولأنه كان بجوار رأسها فقد اعتادت

على أن يكون هكذا قرب وسادتها منذ كانت في لندن فوالدها كان

يتأخر ليلا أغلب الأحيان ولم تكن تستطيع النوم حتى تسمع صوته


وتعلم بأنه بخير وقد التصقت بها هذه العادة حتى الآن ، أبعدت

اللحاف عن رأسها والذي لم ينزل عنه رغم جلوسها وبدأت بإبعاد

شعرها عن وجهها قبل أن ترفعه وتفتح تلك الرسالة التي كانت

من رقم مجهول ، نظرت لكلماتها القليلة مرارا وكأنها تقرأ العربية

لأول في حياتها ( لازلت مستيقظة ؟ )
وضعت يدها على جبينها تعض طرف شفتها ما أن نزلت بنظرها

للكلمة الوحيدة أسفل الشاشة ( قاسم )

رمت الهاتف من يدها وزحفت بعيدا عنه قليلا ولا شعوريا وكأنها

تخشى أن يلحق بها أو أن يخرج لها ذاك الرجل منه ، نظرت له

وكأنه مخلوق فضائي سيلتهمها في أي وقت ، ولم يطل الوقت

كثيرا حتى سمعت رنين رسالة أخرى لتتعالى معها ضربات قلبها

حد الجنون فما يريده منها يسألها إن كانت مستيقظة في هذا

الوقت المتأخر جدا من الليل ! بل كيف عرف رقم هاتفها ؟ ألا يعلم

هذا الرجل بأنه سبب هروبها من منزل والدها بأكمله ليسكنها الآن

الرعب برسائله ! مررت لسانها على شفتيها قبل أن تمد جسدها

ويدها وترفع الهاتف مجددا وتفتح تلك الرسالة والتي كان فيها

( هل تعلمي ما أخبرني به والدك ونحن في طريقنا لتيمور ؟ )

شدت أصابعها على الهاتف لا شعوريا تزم شفتيها المرتجفة

والدموع تملأ عينيها تشعر بكابوس تلك الليلة يلاحقها مجددا

ولن تستبعد أن لا يغفر لها والدها أبدا إن علم بما فعلت فكيف

بوالدتها ؟ هم سيقضون الليلة هناك شرق الهازان كما أخبرها

عمها صقر فما الذي يجعله يراسلها وهم هناك وفي هذا الوقت

إن لم يكن ما قاله له خطيرا ، أرسلت له فورا

" ماذا قال ؟ "

لم تعرف معنى انتظار الموت البطيء كما عرفته تلك اللحظة

وهي تشعر بالرعب مما ستحمله تلك الرسالة التي لم تتأخر

أبدا لتضربها سريعا كالموت وأصابعها المرتجفة تفتحها ،

انفتحت عيناها على اتساعها وفغرت فمها مشدوهة ما أن قرأت

تلك الأحرف ( هلا أخبرتني ما الذي يبقيك مستيقظة حتى

هذا الوقت ؟ )

رمت الهاتف على السرير بقوة وأمسكت الوسادة وبدأت بضربه

بها متمتمة بغضب

" أحمق وتافه ووقح أيضا يا كتلة الثلج والغرور ... يا متعجرف "

وما أن أفرغت غضبها به رمته على الطاولة بجانب السرير

واندست تحت الأغطية تغمض عينيها بقوة فعليها أن تنام ورغما

عنها ، لم يمض وقت طويل قبل أن يرتفع رنين رسالة أخرى

وصلت هاتفها فقررت أن لا تفتحها أبدا لكن قرارها ذاك لم يدم

طويلا واستسلمت لفضولها سريعا وهي تجلس مجددا وترفعه

وتفتحها فكانت كلمة واحدة تلك التي أرسلها ( جبانة )

لكنها كانت كافية لإشعالها كعود كبريت رمي على كومة قش

فأرسلت ودون تراجع ولا تفكير ( وأنت كاذب )

أرسل لها مجددا ( جبانة)

شدت على أسنانها بغضب حتى آلمتها وسرعان ما أرسلت له

( وما الذي تفعله أنت مستيقظ حتى الآن ؟ )

انتظرت لبعض الوقت بترقب قبل أن تبتسم بانتصار فها قد أعطاها

الفرصة لتنال منه لكن تلك الابتسامة ماتت في مهدها ما أن رن

هاتفها برسالة أخرى ففتحتها سريعا وفغرت فاها الصغير

بصدمة ما أن قرأتها ( أفكر في امرأة ما ، فكوني أنتي

شجاعة وأجيبي )

غرست أسنانها في شفتها بغضب ... من هذه التي يفكر فيها

وتؤرق نومه ؟ مؤكد فتاة تركها هناك في لندن ويشده الحنين

لها الآن ، شعرت ليس بقلبها فقط بل وبأوردتها جميعها تشتعل

وهي تفكر فقط أن تلك المرأة موجودة وإن لم تكن تعرف هويتها ،

أرسلت له تضرب الأحرف بإصبعها ضربا

( وأنا أنتظر اتصال زعيم المافيا فالوقت الآن نهارا لديهم كما تعلم (

ورمت بعدها الهاتف بعدما أغلقته نهائيا وعادت لتندس تحت

الأغطية مجددا ولم تترك شتيمة عربيه ولا انجليزية لم تشتمه بها .


*
*
*


نظرت من نافذة المطبخ الواسعة والمطلة على الجزء الجانبي

من فناء المنزل وما أن سمعت هدير تلك السيارة وصوت توقفها

قفزت من فوق الكرسي الذي كانت تجلس على مسنده مقابلة لتلك

النافذة وقالت مبتسمة بحماس

" رائع وصلت القطعة الذهبية وعلى الوقت تماما "

وأخذت قطعة خيار من الطاولة التي كانت تجلس عليها والدتها

وتقوم بتقطيعه والتي قالت بصوت مرتفع ليصل للتي خرجت للتو

" ساندي اتركيها تتناول طعامها أولا ... لقد أصبحت الخامسة

عصرا الآن "

لكن ذاك النداء لم يجد صداه عند التي خرجت من باب المنزل

راكضة تلبس سترتها الجلدية السوداء القصيرة وقد وصلت

للخارج في وقت قياسي لتمسك بيد التي كانت ستجتاز بوابة

سياج فناء منزلهم للتو تمسك مذكراتها وحقيبتها وقد سحبتها

معها جهة الخارج مجددا قائلة

" إلى أين سيدة كنعان ؟ أنتظرك من أكثر من ثلاث ساعات "

وتابعت وهي تحضن سقف اللامبرغيني الذهبية قائلة بضحكة

" نمت البارحة وأنا أحلم بأني أحلق بها وتفكرين حقا في أن

أتركك اليوم قبل أن اجربها "

أخفضت الواقفة خلفها كتفيها متمتمة بعبوس

" الآن ساندي ! "

أمسكت يدها مجددا وسحبتها جهة باب السائق وأخذت منها

مذكراتها وحقيبتها وقالت

" أجل ومن دون تأجيل ولا دقيقة أخرى ... بسرعة وافتحي

سقفها هيا "

تنهدت باستسلام أمام اصرارها وعنادها رغم أنها متعبة حقا

فهي خرجت للجامعة من وقت الفجر ولم تنهي محاضراتها إلا

الآن ولم تتناول شيئا أيضا بل ولم تنم جيدا البارحة ... وهل ترك

لها ذاك الرجل عقلا تنام به ! جاء ليسلبه منها ويرحل به معه ،

لكنها لا تستطيع رفض طلبها وهي من تعلم ما يعني لها هذا

النوع من السيارات وأنها تحلم بركوب واحدة منها منذ كانت

طفلة بل ومهووسة بالسباقات والسرعة ، ركبتها وأغلقت بابها

خلفها وضغطت الزر يسارها لينفتح السقف الذهبي ببطء كاشفا

عن التفاصيل الداخلية لتلك السيارة الفاخرة ومقاعدها الجلدية

البيضاء وعن الجالسة خلف المقود فصفرت الواقفة في الخارج

بحماس ورمت الحقيبة والمذكرات في الكرسي الخلفي ثم رفعت

قدمها وسندتها بطرف الباب المغلق وارتفع جسدها مع صرختها

الحماسية الضاحكة وقفزت جالسة داخلها ترفع شعرها الطويل

الذي تناثر على وجهها ورفعت قبضتيها للأعلى قائلة بصوت

مرتفع وابتسامة واسعة

" انطلقي الآن يا قطعة الذهب بالثلاثة ألآف حصان جميعها "

ضحكت الجالسة بجوارها وانطلقت بها بالفعل وقد اختارت فورا

طريقا خارجيا واسعا غير مزدحم وهو الطريق المؤدي لجامعتها

في كامبريدج حيث تحفه المساحات الخضراء الشاسعة وحركة

السيارة فيه كانت أسهل ، فوقفت الجالسة بجانبها من فورها

في مواجهة الريح القوية وفكت الوشاح الطويل الخفيف نيلي

اللون عن عنقها ورفعته مع رفعها ليديها ليطير خلفها بحرية

تصرخ بحماس عبرت فيه عن مشاعرها الحقيقية لتلك الأجواء

التي لطالما حلمت بها وتمنت أن تعيشها فلم تكن لسيارتها تلك

مهما كانت جديدة أن تسرع هكذا لكانت فقدتها وللأبد ، انحنت

قليلا شعرها الأسود الطويل تتلاعب به الريح بقوة تضرب

خصلاته وجهها كالإبر وشغلت ستيريوا السيارة ورفعت الصوت

لأعلى درجة لتصدح تلك الأغنية الانجليزية الصاخبة في الأجواء

وعادت للوقوف تردد كلماتها صارخة تضحك تارة وتصرخ

بحماس تارة أخرى ولا تنطق سوى بعبارة

" أسرعي أكثر مارياااا "

وكانت سرعتها تزداد تدريجيا لكنها لم تكن تستطيع استخدام

قوة المحرك بأكملها كما ترغب تلك المجنونة فهي تخشى أن

تفقد التحكم في هذه السيارة الرياضية القوية لتكون حياتهما

الثمن خاصة وهي ترى ما لا تراه تلك الواقفة تصرخ وتغني

وهي السيارة البورش الرياضية السوداء التي كانت تلحق بهما

مسرعة مما جعلها تخفف السرعة قليلا ما أن أصبحت تلك السيارة

بجوار سيارتهما وفي وقت قياسي خمنت معه فورا أن سائقها

سيكون بارعا بالتأكيد ، نظرت جهة الواقفة بجانبها ما أن جلست

والتي صرخت بسبب صوت الريح قائلة بضيق تحرك يدها بغضب

جهة السيارة بجوارهما

" من أين خرج لنا هذا المغفل ؟ "

فنقلت نظرها منها جهة تلك السيارة التي انكشف سقفها أيضا

كاشفا عن الجالسان فيها وقد أشار لها الجالس خلف المقود

وصاحب الشعر الأسود بإبهامه مبتسما قبل أن ينطلق مجتازا

لهما فلم تستطع التحكم في سرعتها بسبب براعته تلك فأوقفت

سيارتها بقوة وصرير عجلاتها يصدح مرتفعا حين قطع عليها

الطريق بتلك البورش السوداء بالعرض تقريبا .

وما أن استوتا جالستين للخلف بعد ارتداد جسديهما القوي صرخت

الجالسة بجانبها بضيق

" انتصر عليك الهازاني الأحمق "

نظرت لها باستغراب ... لا ليس لها بل للذان نزلا من تلك

السيارة وأحدهما يتقدم نحو سيارتهما والذي ما أن وصل لباب

الجالسة بجانبها فتحه وأمسك بذراعها وسحبها بقوة مجبرا لها

على النزول رغم مقاومتها وسيل الشتائم العربي والانجليزي الذي

كانت ترميه به إلا أنه سحبها جهة تلك البورش السوداء وكأنه

لا يسمعها وأركبها تلك السيارة مغلقا الباب خلفها وركض للجهة

الأخرى وركب أيضا ورغم أنها فتحت الباب لتنزل إلا أنه منعها

مغلقا إياه قبل أن ينطلق بها من هناك مسرعا .

بينما نزلت هي من سيارتها بعدما أفاقت من صدمة ما حدث

أمامها وركضت جهة الذي تركه ذاك الشاب خلفه واقفا في

الطريق ينظر حيث اختفت تلك السيارة مسرعة يمسك خصره

بيديه فاردا ساقيه ويبدوا الاستياء واضحا في وقفته تلك ، وقفت

خلفه مباشرة ووكزته من كتفه فالتفت لها فورا فنظرت لعينيه

وقالت تشير بيدها حيث نهاية الطريق

" Where to take ‎‏"

) أين أخذها(

فتحت فمها بصدمة حين قال بعربية طلقة رافعا يديه

" لا أعلم حقا "

عربي !! عيناه الخضراء وشعره المائل للشقرة وملامحه ... !

كل هذا لم يجعلها تشك بهويته لحظة ! أشار بإبهامه للخلف

وقال مبتسما

" حسنا عليك أن لا تقلقي عليها فهو لن يؤذيها بالتأكيد فهي

قريبته بطريقة لم أفهمها يوما "

وضعت ظهر كفها على جبينها وهمست بضياع ناظرة هناك

" مجنون ذاك الشاب بالتأكيد ! "

ضحك الواقف أمامها وبسط كفيه قائلا بابتسامة

" وهل ثمة جنون أكبر من أن يترك صديقه في الطريق ويغادر ؟ "

تراجعت للوراء خطوتين تنظر له بصدمة قبل أن تهمس بإحراج

تبعد خصلات غرتها عن عينيها

" أ .... أنا ... أنا "

نظرت للخلف حيث سيارتها قبل أن ترجع بنظرها له قائلة بتردد

" أنا آسفة ... لا يمكنني أن أقلك بسيار ... أعني ... "

ابتسم وأحنى رأسه رافعا كفه بجانب وجهه قائلا يمسك ضحكته

" أفهم موقفك ... ثم أنا لست على استعداد لألقى مصير رواح اليوم "

نظرت له باستغراب ولم تفهم ما كان يعني وقد استدار موليا

ظهره لها وأخرج هاتفه من جيبه يتحدث مع أحدهم ليأتي لأخذه

من هناك فتوجهت حينها ناحية سيارتها وركبتها وحاولت أولا

أن تتصل بساندرين لكنها لم تجب فرمت الهاتف على الكرسي

بجانبها وتمتمت بضيق تتراجع بالسيارة للخلف

" ما الذي سأقوله لوالدتها إن سألتني عنها ؟ اختطفها قريبها

الذي لا أعلم ما يقرب لها ! "


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 25-11-17, 12:54 AM   المشاركة رقم: 595
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,162
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 


حاولت تخليص يدها منه ودون جدوى بل حتى أن ضرباتها له

بقبضتها الأخرى لم تفلح في شيء ولم تؤثر فيه أبدا سوى بأن

قال ضاحكا يتحكم في مقود السيارة بيد واحدة وببراعة

" إن تسببت لنا بحادث فستكونين الخاسرة أيضا لأنك

ستموتين معي "


توقفت عن لكم كتفه بقبضتها وجلست مكانها قائلة بضيق

" لا طبعا فأنا لا أريد ولا شرف الموت معك في وقت واحد "

ضحك وأوقف السيارة أخيرا بعدما ضمن بأنها أرهقت من كثرة

مقاومتها له وفكرت جديا أن تهدأ فترك يدها وقد سارعت بأن

كتفت ذراعيها لصدرها تنظر أمامها بجمود فأغلق سقف السيارة

ودار بجسده نحوها ومد ذراعه على ظهر كرسيها ونظر لنصف

وجهها المقابل له وقال

" هل يمكننا التحدث الآن دون انفعال وشجار أطفال ؟ "

نظرت له وقالت بسخرية

" هه شجار أطفال ! ما تعرفه أنت عن شجارات الأطفال يا ابن

الهازان ؟ أنت لا تعرف في طفولتك سوى السخرية مني "

قال مبتسما بمكر ونظره على عينيها

" بل أذكر منها أني قبلتك ذات مرة وأنك لم تمانعي "

نظرت له بحقد تغطي صدمتها لذكره لذاك الموقف بعد كل تلك

الأعوام وهو من لم يذكره سابقا وقالت بحدة

" تلك فعلتك أنت وليس أنا فلم تكن طفلا بل مراهق عديم الأخلاق "

ضحك رافعا رأسه للأعلى ثم نظر لها وغمز بعينه قائلا

" كان طيش طفولة وجيد أنها كانت من نصيبك أنتي فلم أعرف

بعدها ذلك أبدا "

نظرت له بشك وهمست

" كاذب "

قرب وجهه منها وهمس أيضا

" أقسم بذلك "

ابتعدت عنه وقالت بضيق

" خدني للمنزل حالا لا أريد لا ركوب سيارتك ولا التحدث معك "

استوى في جلسته ممسكا المقود وقال ناظر للطريق الممتد أمامه "

حسنا لكن علينا عقد اتفاق ما أولا فأنا أوقفت الإعلان منذ وقت

وسألغيه نهائيا لكن بشرط "

نظرت لنصف وجهه المقابل لها .. لعينه السوداء وحاجبه الطويل ،

أنفه الأرستقراطي المستقيم ولحيته الخفيفة المنسقة وشفتيه

المتساويتان ، أحمق لو أنه يكون كشقيقه وقاص سيصبح وسيما

جدا لكنه مقزز مقرف زير نساء وهذا ما ينفرها منه ومنذ طفولتها ،

نظر لها وقال بابتسامة مائلة

" أفهم من صمتك أن أعيد الإعلان ؟ فهو بالفعل نال إعجاب

الألآف ومن يوم واحد فقط عرض فيه "

زمت شفتيها بضيق ثم قالت

" وما هو شرطك ؟ "

وتابعت من بين أسنانها ترفع سبابتها في وجهه

" غير شرطك السابق المضحك طبعا "


ابتسم وقال

" حسنا ذاك سنؤجله قليلا "

وأمسك خصلة من شعرها الطويل الناعم المنسدل على كتفها

المقابل له وتابع متجاهلا نظرتها الغاضبة

" ترجعي ساندرين السابقة بدلا من هذه المتحولة المقززة ...

اتفقنا ؟ "

استلت شعرها من أصابعه ونظرت له لبرهة قبل أن تقول

" موافقة "

فهي أساسا كانت ستعيد شكلها كما كان سابقا بسبب إعلانه

ذاك ولا مانع من أن تتخلص منهما كليهما معا ، جوابها

المباشر ذاك جعله يصفر فورا قبل أن يقول

" خدعتني في هذه يا محتالة لكن لا بأس "

وشغل السيارة فورا وانطلق من جديد بسرعة كانت هذه

المرة أضعاف سرعته السابقة درجة أنها هي مدمنة ذلك

أغمضت عينيها بشدة بسبب خوفها تشد قبضتيها حتى آلمت

أظافرها راحتي يديها فالشمس توارت في الأفق وهذا المجنون

يبدوا أنه يقود بقوة المحرك كاملة ، وما أن شعرت بالسيارة

أصبحت تدور بهما حول نفسها بقوة صرخت متمسكة بأقرب

شيء لها تشعر بقلبها سيخرج من مكانه والذي ما أن استقرت

السيارة بهما اكتشفت بأنه لم يكن سوى ذراعه فابتعدت عنه

فورا ولكمته بقوة شاتمة بهمس قبل أن تفتح باب السيارة وتنزل

لأنها كانت قد أصبحت أمام باب منزلها ولم تنتبه لأنها لم تكن

ترى أساسا بسبب هذا المجنون وقيادته الشبيهة به ، ما أن

وصلت باب المنزل الخارجي صفر مناديا باسمها فالتفتت له

ورغم نظرتها الغاضبة أرسل لها قبلة في الهواء وقال

" موعدنا ثوب الزفاف ساندي ولن يكون بعيدا أقسم لك "

أخرجت له لسانها فورا وقالت قبل أن تدخل

" سيكون كفني اللون الأبيض الوحيد الذي سألبسه إن كان

لا زواج لي من غيرك "


أنهت عبارتها تلك ودخلت تسمع صوت ضحكته وصرير عجلات

سيارته مما جعل غضبها يشتد درجة الاشتعال فاجتازت فناء المنزل

تضرب بخطواتها الأرض متمتمة بغضب

" سيرى زير النساء ذاك ، أقسم أن يندم "

وقفت مكانها ما أن وصلت لباب المنزل ونظرت باستغراب للتي

كانت تجلس على إحدى عتباته الخشبية تمسك حقيبتها ومذكراتها

وقد وقفت ما إن وصلت لها وقالت بضيق

" تأخرت كثيرا ساندي ؟ لم يكن ينقصني سوى أن أجلس هنا

لساعتين وكأني لست متعبة فعلا "

أمسكت الواقفة أمامها وسطها بيديها وقالت بضيق مماثل

" وما يبقيك جالسة هنا سيدة ماريه ؟ كنت دخلت المنزل ما أن

وصلت هنا ، ثم من كان السبب غيرك تركت ذاك الدبور يهزم

قيادتك الفاشلة بسهولة لكنا كلينا في المنزل منذ وقت "


حركت رأسها متأففة منها وصعدت العتبات دون أن تعلق ودخلت

المنزل فالآن فقط يمكنها الدخول فلن تواجه سؤال زوجة عمها

الذي لن تجد له جوابا ( أين ساندي ألم تخرجا معا ؟)


*
*
*

بدأت بتكويم الثياب فوقه ما أن ارتفع رنينه مع صوت تلك

الطرقات على باب الغرفة تهمس له بخوف

" اصمت ... اصمت "

وكأنه يسمعها فعلا فكل ما كانت تخشاه أن تكون زوجة والدها

خلف الباب وتكتشف وجوده لديها فهو لم يتوقف اليوم تقريبا

عن الرنين وليست تعلم كيف تتصرف مع هذا الجهاز كي لا يرن

مجددا ، بعدما دسته تحت كل تلك الثياب والأغطية وأغلقت عليه

الخزانة توجهت للباب وما أن فتحته حتى ابتسمت بحزن وارتمت

في حضن الواقف أمامها قائلة ببكاء

" يمان أين أنت منذ الأمس ؟ لقد قلقت عليك كثيرا "

ونسيت بالفعل أن تلك المرأة ما كانت لتطرق الباب قبل أن تدخل

لها ولا والدها أيضا فلا أحد غير شقيقها هذا يفعلها ، مسح

على شعرها قائلا بحنان

" أخبرت والدي بأني لن أبات البارحة في المنزل وظننت

بأنه أخبركم "


ابتعدت عنه تمسح دموعها ثم أمسكته من يده وسحبته للداخل

وأغلقت الباب وهمست ناظرة لعينيه

" هل حقا أخبرت والدي أين كنت ؟ "

حرك رأسه نفيا وقال بصوت منخفض

" هو يعلم بأني سأعود اليوم لكنه لا يعلم أين كنت "

همست من فورها

" أين كنت إذا ؟ "

فتح باب الغرفة ونظر للخارج قبل أن يغلقه مجددا ونظر لها قائلا

بهمس مماثل

" كنت في الجنوب لقد حصلت على عمل هناك واستأجرت

منزلا صغيرا "

امتلأت عيناها بالدموع فورا وهمست ببحة بكاء

" الجنوب !! هل ستبتعد عني كل تلك المسافة يا يمان ؟ لكن لماذا ...؟

ألا مكان غيره يكون قريبا من هنا ؟ "

أمسك وجهها بيديه وقال ماسحا بإبهاميهما الدموع من رموشها "

المدن هناك زراعية جميعها ومن هم بمثل شهادتي مرغوبون جدا

فيها ، ثم أنا لن أخرج من هنا قبل خروجك يا يمامة وسيكون لديك

هاتفا هناك بالتأكيد وسأتحدث معك دائما ، ثم أنا لن أعيش في

الجنوب للأبد كلها فترة مهما طالت ثم سأعود ... لا أريد رؤية

دموعك مجددا يمامة اتفقنا ؟ "

أومأت برأسها ورفعت أناملها تمسح دموعها فانتبه حينها للخاتم

في اصبعها فأمسك يدها ونظر له باستغراب قائلا

" هذا خاتم زواج يا يمامة أليس كذلك ؟ هل كانت والدة أبان هنا ؟ "

نظرت للأسفل ولحركة يديها وهي تدير الخاتم في أصبعها قائلة

" بلى والبستني هذا الخاتم وسلسالا أيضا وسوار لكني خفت أن يضيعا

مني فخبأتهما وتركت هذا الخاتم فقط "

" هذا فقط ما أحضرت لك ؟ "

رفعت نظرها له فورا تنظر له باستغراب من الضيق في نبرة صوته

ونظرته العابسة وقد تابع من قبل أن تجيب

" هل هذا فقط ما تستطيع عليه عائلة أيوب الشعاب أم يسخرون

من حالنا فقط ؟ "

قالت من فورها

" لا هي أحضرت معها الكثير من الثياب والهدايا لكم جميعا "

وتابعت هي تريه الخاتم مجددا " كما أن والدي قال بأن هذا ماس

وطلب مني أن أحافظ عليه لذلك خبأتهم في خزانتي كي لا يضيعا

مني كما أنها تركت خادمة هنا تقوم بكل شيء نريده "

نظر لها مستغربا وقال

" وأين الثياب وأنتي بملابسك القديمة ؟ "

تلعثمت قليلا قبل أن تهمس بتردد

" أخذتهم خالتي ووضعتهم في مخزن الأعلاف "

نظر لها بصدمة سرعان ما تحولت للغضب وكان سيتحرك جهة

الباب لولا أوقفته ممسكة بذراعه وقالت برجاء

" لا يا يمان أرجوك لا تتشاجر معها بسببي "

نظر لها وقال بضيق

" بل سأخبر والدي وسترى ما سيفعل إن علم بأنها فعلت ذلك "

تمسكت بذراعه أكثر قائلة برجاء تحدق في عينيه بعينان دامعة

" لا تتسبب بمشكلة بينهما فيضربها وتترك المنزل وابنيها وقد

يغضب منك أنت بدلا عنها ... أرجوك يا يمان أنا لست أهتم بما جلبته

إن بقي أو أخذته خالتي فأنا لن أنتفع به وأنا لا أخرج من المنزل "

قالت ما قالته كاذبة فقط لتطفئ غضب شقيقها وهي من باتت

تزور تلك الغرفة وشقيقيها كلما سنحت لهم الفرصة لتلبس تلك

الثياب والأحذية والحلي وليلعبا هما بذاك القطار الكهربائي الكبير

لتتحول تلك الغرفة العفنة الخانقة لغرفة الأحلام بالنسبة لثلاثتهم

وباتت زيارتها أهم لديهم من أي مكان في العالم ، أما الواقف

أمامها فما كان أمامه سوى أن يرضخ أمام تلك العينان الرمادية

الدامعة فلا شيء يضعفه في الحياة غيرهما .

نظرا كليهما جهة الخزانة حين خرج صوت ذاك الرنين الخفيف

من داخلها فهمست الواقفة أمامه

" لم يتوقف عن الرنين طوال فترة الصباح وخفت أن تشعر خالتي

أو والدي بوجوده عندي "

توجه جهة الخزانة من فوره قائلا

" لا بأس سأضعه على الوضع الصامت حين أخرج مجددا "

فتح بابها الحديدي وأخرجه من تحت كومة الثياب تلك ونظر لشاشته

وكان قد انتهى الاتصال للتو ، رفع نظره بالواقفة هناك وقال مبتسما

ما أن عاد بنظره له

" وكنت أجبت على اتصاله وأخبرته أني لم أكن موجودا في

المنزل فهو خطيبك الآن "

فلم يسمع حينها سوى صوت باب الغرفة يفتح ويغلق بقوة فرفع

نظره ولم يجدها وقد اختفت في لمح البصر فضحك كثيرا وتوجه

جهة نافذة الغرفة واتصل بصاحب ذاك الرقم والذي قال ما أن

فتح الخط

" أين أنت يا رجل منذ ساعتين أتصل بك ولا تجيب ؟ "

قال ونظره للخارج حيث التي تسحب كيس الأعلاف الكبير مع

امرأة خمن فورا أنها ستكون تلك الخادمة التي تحدثت عنها

" كنت في أباجير ولم أستطع العودة في ذات اليوم بسبب طول

الطريق وهاتفي بقي هنا "

وصله صوته فورا

" يمان لما لا تتوقف عن هذا الجنون وسيكون لديك الوظيفة

والسكن هنا وبعيدا عن منزل والدك كما تريد "


تنهد متمتما ببرود

" أبان لن نتحدث عن هذا في كل مرة "

كان سيعارض لكنه سبقه قائلا

" ثم أغلب الأمور كانت بمساعدتك ، ألست من طلب من صديقك

المحامي ذاك أن يساعدني وهو وفر لي السكن وذهب معي بنفسه

لشركة العاج الحديثة وتحدث مع مدير الفرع لديهم "


وصله صوته فورا

" هل هذه تسميها مساعدة يا يمان ؟ أنا لا أريد لك حياة الذل

والشقاء يا صديقي فتلك المدن لا يستطيع العيش فيها إلا

أهلها صدقني "


قال بإصرار

" بل عليا أن أثبت نفسي وأبني مستقبلي بساعداي .. لن أشعر

بلذة ذلك إلا إن كان من صنع يداي "

وصله صوت تنفسه القوي وقد قال بيأس من عناده

" حسنا والدراسة يا يمان ؟ أين حلم طفولتك يا شقيقي ؟ "

نظر للأسفل وقال بحزن

" ذاك دفنته مع والدتي ... ثم قد أحققه يوما لكن بمجهودي

وبمالي وليس بمنحة من والدك يا أبان "


تأفف قائلا

" ما أعند رأسك يا رجل "


وتابع من فوره

" لا تنس إذا أن لا تتسبب بقطع رأسك ورأس أويس معك

بإخبار أي أحد هناك بأني صديقك وبأن شقيقتك زوجة لابن

شقيقة مطر شاهين "

قال ضاحكا

" لا تقلق فأنا لم أجن لأفعلها "


وصله صوته سريعا

" ماذا عن إيجار المنزل ؟ "

قال من فوره

" دفعت لهم أربعة أشهر مقدما وسيبقى فارغا حتى أنتقل

له فلا يمكنني الخروج من هنا قبل أن تخرج شقيقتي فقد وعدتها

بهذا مرارا ، وباقي المال اشتريت به سيارة متواضعة تركتها هناك

فلا يمكنها السير مسافة بعيدة كهذه وستفيدني في مدن

الجنوب كثيرا "

وصله صوت تنهده قائلا

" ليس أمامي ما أقوله لك سوى حظا موفقا يا شقيقي

ولا تنسى أن تلجأ لي كلما احتجت شيئا رغم أني أعلم بأني

أتحدث مع الجدار ، ولا تضيع أشهر إيجار المنزل عبثا

والوظيفة أيضا وأنت جالس هنا "

قال ضاحكا

" يدي على كتفك خد شقيقتي من هنا ولن تراني بعدها "

ضحك كثيرا وقال

" سأعطيك رقم والدتي إذا ولن يحدث إلا ما تريد هي طبعا

وليس أنت "


ضحك وقال

" لا تعطني إياه إذا ، أخبرني ما قصة أويس ذاك ؟ "

قال من فوره

" اسكت يا رجل قصته أطول من الطريق التي قطعتها ذهابا

وإيابا وأكثر تعقيدا من أفكارك الفاشلة تلك "


ابتسم قائلا

" نلتقي بعد الظهر إذا ؟ "


وصله صوته الباسم فورا

" نلتقي ... وداعا الآن "


*
*
*
ليست تعلم ما الذي أوصلها لحالة الشعور بالرغبة في البكاء

دون توقف ذاك الوقت ! السيارة الفاخرة الواسعة ذات الدفع

الرباعي التي ركبوها من بلدتهم حتى العاصمة حوران أم الحديقة

الرائعة المنسقة التي دخلوها للتو أو ذاك المسبح الذي تلألأت

مياهه الزرقاء بلون السماء الصافية فوقه أم المنزل بطابقيه

المرتفعين أمامهم ؟ .... هل هذا هو عمير اليوم ؟

بل أهذا يكون عمير الأمس !

منذ أكثر من أسبوع وبعد أن سلم بنفسه ورقة طلاقها لوالدتها

لم يروه بعدها ولم يزرهم إلا اليوم وهو يطلب منهم جمع أغراضهم

الخفيفة وثيابهم فقط للانتقال لمنزله ورغم إصرار عمته الشديد

إلا أنه كان أعند منها وقد رفض أن يعيشوا في ذاك المنزل القديم

الضيق المفتوح ولديهم طفلان لن يستطيعا تحمل برد الشتاء

وشمس الصيف بل وكان رافضا بالكلية أن تعيش عمته في

ذاك المنزل بعد اليوم فرضخت له نهاية الأمر ووجدوا أنفسم

فجأة في تلك السيارة الجديدة المسرعة التي سلكت بهم الطريق

المنحدر نزولا نحو عاصمة البلاد في رحلة عبروا فيها طريق جبل

احليل الوعرة بكل سهولة ... حتى أنه لم يتضايق من حديث طفليها

الذي لم يتوقف أبدا طوال الطريق عكس والدهما الذي كان ينتهي

الأمر بشجار طويل بينهمنا ما أن ينطق عبارته الغاضبة الدائمة

( أسكتي المذياعان اللذان أنجبتهما )

فيكون جوابها الغاضب والفوري

( لم أكن لأنجبهما لو لم أتزوجك )

وعلى هذا المنوال كانت تمضي الطريق حتى كرهت الخروج معه

نهائيا وزيارة والدتها في تلك البلدة فالرحلة لم تكن كهذه يوما

حتى أنها لم تشعر أبدا بطولها وقد اختلطت فيها تلك الضحكات

الطفولية الصغيرة بالصوت الرجولي الفخم وضحكاته القصيرة

العميقة وبتعليقات والدتها الضاحكة كل حين وكلما نهتهما عن

إزعاجه قال من فوره مبتسما

( اتركيهما عمتي هما لا يزعجانني أبدا )

بينما اكتفت هي بالصمت تحاول تجنب النظر لكل تلك الجهة

الموجود فيها لأنها كانت تجلس خلف كرسي والدتها التي ركبت

بجانبه ، كان لها أن تتوقع كل ذلك من شخصية رجل كعمير ..

الشاب الذي عرفته سابقا صبورا على تصرفاتها المراهقة من

أعوام لكن ما لم تكن تتوقعه بأن منزله أجمل وأفخم من سيارته

الفاخرة تلك بكثير وبأنه في أحد أرقى أحياء العاصمة !

شعرت بأنها أصبحت لوحدها في المكان فتحركت فورا مجتازة

ذاك المسبح الدائري وتوجهت حيث تسمع ضحكات طفليها

وما أن اجتازت ذاك الباب الزجاجي وجدت نفسها في العالم

الحقيقي للرقي والفخامة ولم تعد تعلم أين تنظر تحديدا ؟

للرده المقوسة المفتوحة على بعضها أم الستائر الفاخرة التي

كانت تزينها ؟ السلالم الأنيق الذي لا تعلم أيوجد في منتصف

المكان أم في طرفه من العالم الغريب المخفي خلفه ! أم كل ذاك

الأثاث الفاخر .. الثريا المتدلية كالنجوم من السماء ... التحف

الخزفية أم اللوحات الجدارية المحفورة فيه ليكون ذاك الجدار

الأبيض الناصع بمثابة إطار آخر لها !!


ما كان يشعرها بالمرض حقا ليس كل ذلك فقط بل والواقف

على بعد خطوات منها موليا ظهره لها ورغم وقوف والدتها

بجانبها إلا أنه تحدث معها وهو على حالته تلك قائلا

" المنزل منزلكم عمتي ... هذا الطابق لكم وتوجد فيه غرف

نوم في الممر الغربي خلف السلالم ، لا أريدكم أن تتصرفوا فيه

إلا كمنزل لكم بالفعل وأي شيء تحتاجونه أخبريني فقط "


راقبت قفاه بحسرة بينما قالت الواقفة بجانبها بحب

" زادك الله من فضله بني لكن ما كان لكل هذا من داع فمنز..... "


قاطعها من فوره وقد اكتفى فقط بإمالة رأسه قليلا حيث الجهة التي

تكون هي فيها من خلفه قائلا بضيق

" عمتي لا تغضبيني منك ، إن نسيت أنتي يوما بأني ابن شقيقك

فأنا لم أنسى أبدا ما فعلته في الماضي من أجلي ولن يطيب لي

عيش في هذا المكان وأنتي تسكنين هناك "


تمتمت والدتها بالدعاء له هامسة بينما استلمت هي مهمة ذرف

الدمعة اليتيمة التي تغلبت عليها بعد كل ذاك الصمود وهي تراقبه

وقد تحرك من مكانه متوجها لذاك السلم وصعد منه بخطوات سريعة

واسعة ، أجل هذا هو عمير الماضي هو ذاته عمير الحاظر لم

تغيره السنين رغم أنه أصبح في الثامنة والثلاثين الآن لكن ذلك لم

يزده سوى نضجا وخبرة ... حتى ملامحه ازدادت حدة وجاذبية

رغم أنه لم يفقد روحه المرحة تلك فهو لازال أغرب رجل عرفته ...

مرحا وقت المزح وشديدا وقت الجد بل ولازال يمنح من حوله

ومن يحبهم كل شيء يملكه وإن كان سيترك نفسه من دون شيء .


انتبهت من شرودها في مكان اختفائه في الأعلى لوالدتها التي

كانت تتحدث معها فقالت محرجة


" آسفة أمي لم أسمعك .... ماذا كنت تقولين ؟ "


ضمت يديها في وسطها قائلة ببرود

" لا يهم ما كنت أقوله بل ما سأقوله الآن وهو أن ما نفقده

يا بثينة علينا أن لا نبحث عنه حين نكون نحن من أضعناه يوما "

نظرت لها بصدمة وقالت

" أمي ما مناسبة هذا الحديث الآن ؟ "

رفعت حفيدتها ذات الثلاثة أعوام والتي كانت تتثاءب دون توقف

وقالت مغادرة بها

" معناه أنه ثمة رجال لا يلتفتون لما تركوه خلفهم أبدا فكيف إن

كانوا هم من تركوهم وكيف إن كان ذاك الرجل عمير "


وابتعدت خلف السلالم حيث الغرف التي تحدثت عنها تاركة

الواقفة هناك تراقبها بنظرات حانقة قبل أن ينتقل نظرها

لأعلى تلك السلالم مجددا هامسة

" لكنه كان يحبني .... أجل يحبني وكان مستعدا لفعل أي شيء

من أجل أن أكون له "


*
*
*


جلست على الكرسي وخلعت حذائها ومددت ساقيها فوق الطاولة

أمامها واتكأت برأسها للخلف مسترخية لترتاح عظامها فكم تعشق

هذه الأوقات التي تغتنمها لتسترخي قليلا فعشرة أيام مرت وهي

تعمل هنا كالنحلة النشيطة أحبت ذلك أم كرهته وترجع للمنزل

مساء منهكة بالكاد تتناول الطعام الذي تشتريه وقت مغادرتها

وتنام كالجثة الهامدة حتى وقت مغادرتهما فجرا ، لم تعرف

حياتها عذابا كهذا ولن تستطيع نكران أنها جلبته لنفسها بنفسها

ولن تلوم أحدا عليه ، لا تصدق أنها هي غيسانة تعمل بل ولنهار

كامل وتأكل وجبة ونصف تقريبا وتدفع ثمنهما من راتبها الذي

باتت تحسب ألف حساب قبل أن تبذر منه أي شيء وتبقى جائعة

لباقي الشهر ! لم تعرف يوما معنى التقشف في أي شيء وأولها

المال ، لم تفكر يوما فيما ستنفق وما ستترك ومعنى أن النقود قد

تنفذ منها دون أن تجد غيرها ، لامت كثيرا شقيقها وعمها

لتركهما لها هنا تحت رحمة هذا الرجل ولامته أكثر منهما على

معاملتها كموظفة بدون وظيفة هنا ليس كخطيبة ولا كشقيقة

لصديقه ولا حتى كمساعدة كما نصت تلك الأوراق ، كم مرة

فكرت في الهرب منه لمكان لن يجدها فيه أحد لكنها ولأول مرة

تفكر في عقبات قرار تفر به من واقعها فبعد أن أوقعت نفسها

في كل هذا بسبب تهورها المرة الماضية باتت تحسب ألف حساب

لأي قرار قد تقرره فهروبها منه معناه حياة بلا مأوى ولا مأكل

ولا وظيفة فمن أين ستوفر كل هذا فالأعمال التي لا تحتاج

لشهادة لا يكفي راتبها طعامها فكيف بسكن ومواصلات ؟

حتى إن عملت بدوامين فلن ينجح الأمر وستجد نفسها في

الشارع بعد أول شهر وستترحم حتى على وضعها هذا .

" جيسي "

تنهدت بضيق ما أن وصلها صوته الرجولي العميق ، ألا يتركها

ترتاح قليلا أبدا ؟ سكرتيرته أمامه ما يريد منها هي ؟ ليست تفهم

لما لا يتعب هذان الشخصان من العمل المتواصل ! ظنت أنه

بنهاية شراء معمل الطباعة ذاك ستنتهي كل تلك الأعمال

الشاقة لكنها لا تراها إلا تزداد سوءا وهي من باتت تتنقل

معه بين الشركة للمعمل لمصنع الورق والأدوات المكتبية .

وقفت بعدما لبست حذائها وتوجهت نحو مكتبه فمد لها بإحدى

الأوراق وقال ونظره على الملف تحته

" اتصلي بالسيد أنريكوا لايتون وأملي عليه هذه القائمة ، رقمه

في دليل الهاتف هناك "

أختذت الورقة منه تمط شفتيها بامتعاظ وأخذت الهاتف وابتعدت

عنهما وجلست مكانها السابق واتصلت بذاك الرجل فعلى الأقل

هذه المرة ليس عليها النزول لأحد طوابق الشركة ، لكن فرحتها

تلك لم تدم طويلا فما أن انتهت من تلك المكالمة حتى وصلها

صوت الجالس هناك

" جيسي ابحثي لي عن آرمان فليس موجودا في قسم المحاسبة "

وقفت متأففة بصوت مسموع ودون أن تهتم لذلك وغادرت من

هناك بخطوات غاضبة لتبحث عن ذاك الرجل الزئبق مجددا !

ليست تعلم لما لا يبقى في مكانه ولما لا يطرده ذاك المدير

الفاشل بسبب تسكعه في أقسام الشركة طوال الوقت ؟ ألا يعلم

أن البحث عن ذاك المعتوه معناه أن تزور جميع الطوابق

والأقسام إن لم تجده سريعا ؟ دخلت مصعد الإدارة وضغطت

فورا زر قسم الاستقبال ، عليها أن تجد طريقة لتتصل بشقيقها

مطر سريعا فهذا الوضع لن تستطيع استحماله أكثر .. لكن هل

ستوافق شرطه للذهاب لبلاده إن أرادت الفكاك من هذا الرجل ؟

حسنا هي لم يعد لديها شيء هنا تبقى من أجله فحتى شقتها

وسيارتها وراتبها الشهري بل وحتى صديقتها الوحيدة قد فقدتهم

وللأبد ، تأففت من نفسها ومن أفكارها فهل ستتنازل فعلا للعيش

في تلك البلاد التي لم تحبها يوم وأيضا عرب .. عرب .. عرب

يحيطون بها من كل جانب هذا غير مدللتهم غسق التي سيخنقوها

بذكر فضائلها ومحاسنها ليوصلوها لمرحلة الموت البطيء وهذا

طبعا إن لم يكن جوابه ورد فعله كعمه حين اتصلت به .

انفتح باب المصعد قاطعا عليها كل تلك الأفكار فخرجت منه

وتوجهت فورا ناحية موظفة معينة خلف تلك الطاولة المقوسة

ووقفت أمامها قائلة بهمس

" باربرا إن وجدت لي آرمان الآن سأجعله يخرج معك الليلة

وبطلب منه هو بنفسه "

انفتحت عينا تلك الفتاة بصدمة وقالت مندفعة

" حقا ؟ "

قالت من فورها مبتسمة

" اقسم بذلك "

تحركت تلك من مكانها فورا قائلة

" أعطني بعض الوقت فقط "

ضحكت بمرح وتوجهت جهة إحدى الإرائك وارتمت جالسة

عليها تنتظر التي تعلم بأنها ستجلب لها مكانه وإن كان تحت

الأرض فذاك الوسيم زير النساء يجتذبهن كالنحل للعسل

وخاصة تلك المغفلة فهي على استعداد لدفع حياتها ثمنا

لأن ينظر لها فقط ولم تخجل أبدا من كشف ذلك أمامها

سابقا ، لم يمضي الكثير من الوقت قبل أن تجدها واقفة

فوقها وقد قالت بلهاث

" إنه في مكتب السيد برايان في قسم التسويق "

وقفت من فورها مغادرة وشاكرة لها بابتسامة فأوقفتها قائلة

" جيسي لا تنسي ما اتفقنا عليه "

قالت مغادرة

" لا لن أنسى وفكري من الآن فيما سترتدينه الليلة "

وغادرت وتركتها مع ابتسامتها الحالمة وصعدت بالمصعد

للطابق الثالث وتوجهت فورا لذاك القسم ووقفت أمام مكتب

رئيسه وقالت بضيق تمسك خصرها بيدها ومحدثة الجالس

على طرف طاولة مكتبه

" أنت ألا تستقر في مكان أبدا ؟ ولما تشتري هاتفا محمولا

إن كنت لن تأخذه معك أينما ستذهب ؟ "

نزل من الطاولة الجالس عليها بقفزة صغيرة وقال متوجها

نحوها يرسم على وجهه ابتسامته الجذابة التي يخطف بها

قلوب النساء بسهولة

" حسنا فقط لا تغضب منا مساعدة المدير "

تبعته بنظراتها الحانقة حتى خرج وسارت أمامه حين أشار

لها بيده باحترام وقالت بذات ضيقها

" لست أعلم لما لم يطردك مديرك حتى الآن وهو كلما طلبك لا يجدك "

دخلت المصعد وهو خلفها وقال مبتسما وقد ضغط زر طابق الإدارة

" لأن السيد كروس يعلم جيدا أي موظف كفؤ أكون فأعمالي

انجزها في أسرع وأقصر وقت والموظفين في القسم يقومون

بالباقي فسيكون مسموحا لي بالتنقل حيث أشاء مالم أهمل عملي

وبحكم أني مدير ذاك القسم فخروجي منه مسموح وفي أي

وقت طبعا "

رفعت حاجبها بمكر قائلة

" هذه المرة لست اجزم بذلك فيبدوا الأمر سيئا جدا "

ابتسمت بانتصار حين رأت نظرته المصدومة المتوجسة وقالت

تلقي بطعمها

" لكن لا تقلق لديا فكرة لامتصاص غضبه ما أن تدخل له "


قال من فوره

" وهي ؟ "

قالت تمسك ضحكتها بشق الأنفس

" الموظفة باربرا في قسم الاستقبال تخرجه ليلا بحجج سخيفة

كمرض والدتها وبأنها لا تعرف أحدا وأنت تعرفه كيف يعامل

موظفيه وكريما مع الجميع وهو متضايق حقا من ذلك خاصة

أنه لديه عشاء عمل مهم فإن أخبرته بأنك ستخرج معها الليلة

وفعلتها حقا فستكون أسديت له معروفا كبيرا سينسى معه

ما يغضبه فورا "

نظر لها بتفكير لبرهة قبل أن يقول بشك

" تعتقدين ذلك ؟ "

حركت رأسها إيجابا فقال

" وكيف سأخبره "

قالت مبتسمة

" اترك هذا لي فسندخل نتحدث عن موعدكما الليلة عمدا

أمامه ، فقط لا يشعر أيا منهما بشيء "


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(الجزء, المشاعر, المطر, الثاني)،للكاتبة, الرااااائعة/, جنون
facebook



جديد مواضيع قسم قصص من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t204626.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 27-06-17 09:03 PM


الساعة الآن 08:14 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية