لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-01-17, 07:03 PM   المشاركة رقم: 141
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Aug 2014
العضوية: 273510
المشاركات: 1,332
الجنس أنثى
معدل التقييم: طُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 2492

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طُعُوْن غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ام حمدة المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة

 
دعوه لزيارة موضوعي

الفصل الثلاثون .......

نسير بدروبنا وتختلف اتجاهاتنا، نتحرك ومهما تعددت اختياراتنا فهي من أحكام القدر، فقد سطرت كل تفاصيل أيامنا في سجل محفوظ خطت فيه متى ولادتنا وكيف ستدور بنا دنيانا ومتى هو موتنا وكل ما يحدث معنا هي من صنع الأقدار .
ومهما ابتعدنا ونأينا بأنفسنا فمصيرنا العودة، فإلى متى الهرب؟؟.. وإلى متى سنحاول أن نتغاضى عن الماضي فهو جزء لا يتجزأ من حياتنا.
صحيح أننا طوينا صفحته إلى أنه مايزال مخلدا بالذاكرة .
هل للقدر يد بما يحدث معنا بكل المصائب أم أن اختياراتنا هي من تحدد لنا حياتنا إما أن تكون فاشلة وإما أن تكون ناجحة؟؟.
فأجيب وأقول أن الله سطر حياة الانسان بكل تفاصيله المملة إلى أنه ترك له حرية الاختيار ليرى ما يفعله بنفسه " لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" إذا الانسان هو من يحدد مصيره باختياراته .
*************************
أيا حب لم يكتب لك البلوج.
ووأد كان هو المصير.
أَكُتِبَ علي أن المحبة ليست من نصيبي؟؟
يا زرقة أثلجتي صدري.
ويا أرض مهدتي طريقي.
ويا قمر أنرت عقلي.
فليما يا قلب لم تهنأ باختيارك؟؟
أراك ولا أراك وقلب تقطعت فيه السبل.
أحببتك ومازلت بين الجُنوبِ تتربع عرشي.
أقسم بأنني حاولت النسيان!!.
وأقسمت أنت أنني لن أقدر على النسيان!!.
أوا يرضيك عذابي يامن احتللتني كما العدو الغاشم؟؟
ترفق بقناعي فليس لدي ما يعينني على حروبك سواه .
وما عدت سوى لتزيد أوجاعي.
أوتحبني الآن وقد وقع السيف العزل!!.
حائرة ضائعة أنا، وما بعدي سوى هروب من رغباتي.
فابتعد يا من تملك فؤدي، ولو كان حبك صادقا لاخترت هنائي ببعدك.
********************************
القلوب تراقصت شجنا، والشفاه تغنت طربا، وكلن يغني على ليلاه.
يرتدي ملابسه بتأني واختار أفضل الغتر( الحمدانية) ووضعها برفق على رأسه ليغطي بياضه، وسواد توسد غترته ليثبتها ويعطي لمظهره الرجولة والوقار، وابتسامة متألقة تزين ثغره، ولحن عذب يدندن به لسانه، ولم يتبقى سوى شيء أخير.... تلقف زجاجة العطر وبخ منها ليفوح منها أطيب الروائح وأغلاها فهذا ما تحبه هي، وهمس لصورته المنعكسة بصوت عالي:
- طال غيابج يا الغالية والشوق بداخلي زاد لج، المحبة دوم مخصوصة لج وبين الحنايا تربعت بالقلوب.
وتنهد ثم تابع:
- آخ يا خديجة... تعالي وجوفي شوصار فيني بابعادج لعلج تترفقين بحالي، ما عدت أطيق العيش بلاج.
وطالع صورته بتأني ومسح لحيته البيضاء واستطرد:
- آه يا بو سالم ما انت بعارف إن هي سامحتك وترجع لك أو إنها راح تختار تبعد عنك وتحرمك من جوفتها؟؟.
أغمض عينيه وفرد كفيه على الطاولة والهم قد أحنى ظهره... لقد كسره وبيديه.
رفع رأسه وطالع هيأته التي اختلفت ملامحها، فللتو كان يغدوا شابا مقبلا على عروسته والآن كهلا كأنه ينتظر كفنه.
- وشسويت بحالك وبحال أهلك يا حسن؟؟.. وشسويت بحبيبتك يا حسن؟؟.. وتبي منها ألحين إنها تسامحك على يلي سويته؟؟
سكت ينتظر إيجابة من يتطلع إليه ولم يقابله سوى الصمت كأنه يهديه الجواب، لينتفض متراجعا للخلف وهو يرفض هذا القول.
- خديجة مستحيل تتركني!!.. هي تحبني وراح تجوف لما ترجع.
وخرج وقد أقنع نفسه بما يريد وصلب عوده وسار بخطى واثقة بانتظار زوجته وحبيبة قلبه ليحتويها بين أضلاعه وهذه المرة لن يتركها أبدا.

********************************
خطت للداخل بقلب راجف ودم منسكب وذكرياتها تعود وتطفح معيدة إياها لذلك اليوم المشؤوم الذي أفسد حياتها.
وقفت تستطلع المكان الذي خرجت منه مذلولة مكسورة ومعاهدة نفسها على أنها لن تخنع مرة أخرى لأي رجل وأنها ستعيش لنفسها فقط وتحقق أمنياتها.
لم ترد أن تعود لهذا المنزل أبدا، لكن من أجل من تلقفتها بيد حنونة وصدر رحب ستدوس على كرامتها وجرحها لتكون معها وبجانبها كما فعلت معها من قبل.
تحركت عيناها بكل ركن، وبكل زاوية لها ذكرياتها الجميلة، وغامت مقلتيها ببحور هوجاء تشدوا حبا لم يكن لها أبدا، وأمان قد سلب منها تجبرا، ومنزل لفظها لتكون مشردة بلا ملاذ.
ووقف هو ليس ببعيد عنها يطالع خلجاتها وفيروزها الباهت، هو يعلم ويعرف بأنها تتذكر كل ما حصل وما فعله بها، وكم تمنى لو يعيد به الزمن للخلف كي يمنع جنونه والتحكم به، ولكن هل تفيد كلمة لو؟؟.
والتقت الأعين بعتاب الأحبة بخضرة قد طاقت لصفارها:
- كسرتني... وأنا قد شددت بك عودي .
- أجبرت وماكان لي باليد حيلة .
- أوجعتني.... وقد غرزت خنجرك بخافقي.
- أدميت روحي به قبل أن أصيبك به.
- قهرتني.... وأنا وجدت بك قلبي وروحي
- نادم أنا وأقسم على ندمي!!..
- ومالي سوى بفرصة أخيرة لأثبت لك ندمي.
ترقرقت عيناها بدموع الألم، وحقيقة ندمه تصرخ بها عسليتيه، وهو لم يدخر جهدا بسبيل اخبارها، لكن شيء ما يقف بينهما، شيء لا تعرف ما هو يقف حاجز بين عودتهما!!..
أشاحت بعينيها بعيدا فمشى مسرعا ناحيتها يبغي احتوائها وضمها لصدره بكل قوته كي يدخلها للداخل ويخبرها بأنها ستكون آمنه هناك بين أضلاعه، وقريبه من قلبه.
اقترب يبغي لمسها والهمس لها بكلمات الحب التي يطوق لسكبها لها حتى أتاها صوت من خلفها جعلها تلتفت إليه بصدمة وتهتف بذهول:
- أمون....
توقفت الأخرى تناظرها بعيون غشيتها ظلال القهر والتعب والألم، ووجه شابه الحزن والخذلان، ودموع تحاكي بؤس تلك الصغيرة وما سكبته الدنيا على كتفيها من أوجاع، ونشيج حاولت كتمه بين كفين صغيران فأبى إلى العلوا ليعلن ما في الصدور، وهمست بقلب موجوع:
- تعبت يا ماما عنود وما عاد فيني حيل أتحمل أكثر.
وذرفت دمعات سخية على وجنتين قد حفرت أخاديد دليل وديانها الجارية، وتابعت بصوت قد اعتلاه القهر والحرمان من حضن عائله تحتويه:
- ما عدت أطيق دنيا ما تبيني، مقهورة وحاسة إني أموت وهم ولا همهم.
وهتفت لها بدمعات قد شاركتها بؤسها وألمها، فمن سيشعر بما تعنيه سوى من حاك نفس المصير .
- ليش تقولين جذا يا قلب أمج؟؟.. الدنيا بخير حتى لو قفلت البيبان بويهنا.
فصرخت آمنه بصدر قد اجتث ما بدخله بكل قوة ودون أي رحمة بصغر سن كان المفترض أن يهنأ بسعادة بكنف عائلة محبة ترعاها وتهديها كل الحب والدفئ والحنان:
- لا... لا.. الدنيا ما هي بخير.... ما هي بخير...
وأشاحت بيدها وأكملت بشفاه ارتجفت من برودة نخرت جسدها:
- الدنيا مب حلوه، أنا ما عدت أبيها، ما أطيقها، ودي أموت وأرتاح.
تنفست بسرعة ومسحت شلالاتها لتعود وتحتل مكانها أخريات واستطردت:
- تعرفين يلي كان مصبرني على هذي العيشة؟؟.. انت وميود، ولا أنا كان من زمان كان قلت لهذي الدنيا باي باي، بس علشانج أنا صبرت.
اقتربت منها عنود ومدت ذراعها نحوها لتحتوي عذابها، لتطبطب أوجاعها، ولكن كيف السبيل لتخمده والجروح تتعمق وتنغرس لتثبت جذور عملاقة تأبى التزحزح؟؟.. فتراجعت آمنة للخلف وهتفت:
- لا.. لاتلمسيني، أنا نجسة، أنا مب مثلج، أنا مثلهم هم، أنا ما أستاهل إنج تحبيني.
فصرخت بها عنود بجزع:
- أمون انت شوتقولين؟؟.. انت هدي وريحي وكل شي يتصلح بإذن الله.
وهدرت صارخة كأنها تريد بزق مابداخلها كي ترتاح:
- لا... انت ماتفهمين!!.. دمهم بدمي.
وأشارت لذراعها وتابعت وهي تشير لنفسها:
- يعني أنا مثلهم، كلهم آذوج.. أبوي، أمي واختي، كلهم أوجعوج، وأنا... وأنا.....
وسكتت وبكت الجفون لتنهمر لآلئها، وارتجف جسدها الصغير وهمست لها بعيون قد أظلمت الحياة بداخلها:
- أنا.. أنا خايفة أوجعج مثلهم!!.
وصرخت بها عنود وهي تسحبها لصدرها مخفية إياها:
- أبدا ماراح تسويها، انت بنتي يلي ماجبتها، وبنتي مستحيل تخوني.
تشبثت آمنه بها بقوة وصوت نحيبها يرن صداه بين جدران آل الكتبي والجميع وقف يشاهد المنظر المحزن والمؤلم للروح، وهناك وقف يطالعها وقلبه يتفتت حزنا وكمدا على تلك الصغيرة التي احتلت فؤاده وتربعت عرشه.
أراد الاقتراب، أراد أن يحتضنها ويخفيها عن هذا العالم الموحش الذي لم يرحم حالها الكسيرة، وكم طاقت نفسه لقتل من كان السبب بذرف لؤلؤها الغالي، وتذكر اتصالها الغريب بوقت ليس بوقته، فهي منذ أن قابلت شقيقتها حتى انقطعت اتصالاتها به، شعر بالهجر والحرمان، أحس بأن هناك شيء قد فقد مع غياب رنين هاتفها، ولكن بذلك اليوم وعندما كانت الشمس توشك على البزوغ من مخبئها وهو يوشك على العودة للنوم بعد أن أد صلاة الفجر حتى رن هاتفه بنغمة خاصة قد خصها من أجلها ولم ينتظر طويلا فاللهفة لسماع صوتها الطفولي جعله يكره الاطالة بالرد عليها والتساؤل لما الاتصال بهذا الوقت الغير مناسب، ووصله الجواب بجملة جعلته يتيبس بمكانه.
- مخنوقة يا منصور وحاسة إني بموت، تعال الله يخليك ماعدت أقدر، والله ماعاد فيني حيل أتحمل أكثر من جذا.
وتساءل بعد أن عادت شرايينه تضخ دماؤه بقوة كأن سدا قد فتح مجراه ليصل بأنحاء جسده موصلا له الحرارة ليفز منتفخ الأوداج وقلبه يقصف برعود الشهامة والعشق لمن احتل خافقه:
- انت وين؟؟
وأخبرته باسم المشفى وانطلق ناحية من هفى لها قلبه ووجدها هناك بركن منزوي بظلمة الغرفة الموحشة بسكون سكانها تئن ببكاء حار يقطع نياط قلب قُدَ من صخر.
اقترب من الصوت الخافت وهناك لاحظ ملامحها المختفية خلف أمطارها المتساقطة ليجزع من هيأتها ويسألها على الفور:
- شو صار فيج؟؟.. حد آذاج؟؟.. حد سوالج شي؟؟.. قولي؟؟.. تكلمي؟؟.
ولم تجبه سوى بجملة واحدة:
- طلعني من هنا ولا بموت.
وأخذها بسرعة ممسكا بيدها الممدودة وخرج بها من المشفى آخذا بها لمنزلهم، فهو لم يفكر بما عليه فعله، فحالتها لا تنتظر أن يجلس ويفكر بأين يأخذها ونسي شقيقتها التي ربتها وهناك استلمت الجدة أمرها وأخذتها لأحد الغرف وعندما استفسر بما فيها:
- يدوه.. شو لازم نسوي ألحين؟؟.. وهي شوفيها؟؟.
- مب عارفة يا وليدي!!.. وهي ما قالت لي ما غير بس تبجي قطعت قلبي وما قدرت أسكتها، بس العنود اليوم بتي وبتجوف شو سالفتها.
فسارع للقول:
- وليش ما نتصل فيها ألحين علشان تحضر بسرعة؟؟.
- العنود عندها موعد بالدختر، وراحت هي وحمدان ويابت اليهال عندنا.
- بس يا يدوه....
رفعت كفها منهية الأمر.
- مافينا نروع الحرمة باختها، خلي البنت ترتاح شوي وتهدي من البجي، وبعدين العنود بتعرف كيف تتصرف معاها.
وهاهو الآن يكتشف سر سقوطها المرير.
اقتربت منهما الجدة والحسرة على تلك الفتاتين تعتمل ملامحها، فأي شقاء تعيشانه تلك الصغيرتين، وقالت عندما اقتربت منهما ويدها تهدهد كلتاهما التي طفقت دموعهما تبكي أيامهما العصيبة.
- هدوا يا بناتي واستغفروا ربكم، الصياح مايفيد غير يمرض القلب، هدوا وقولوا لا حول ولاقوة إلا بالله وتوكلوا على ربكم وهو يحل كل المشاكل.
ابتعدتا عن بعضهما وماتزال مياه عينيهما تتدفق دون أن تتوقف وابتدأت عنود بالحديث وهي تمسح دموع من اتخذتها ابنه لم تلدها:
- هدي حبيبتي وما راح يصير إلا كل الخير، ويلي براسج انسيه وارميه بحر.
ونشجت آمنه ببكائها وفتحت فمها تبغي الكلام إلا أن حروفها قد خذلتها وهزت رأسها ترفض ما يقال لها فعادت عنود تحثها وهي تشد على كتفيها الوهنتين:
- أنا ما ربيتج على إنج تستسلمين بسرعة، قلتلج كل ما انقفل باب الله يفتح لنا باب ثاني، بس لازم نصبر ونتحمل وندعي الله إنه يفرج همنا ويخفف عنا البلاء ويصبرنا على مصيبتنا، صح ولا؟؟
أغمضت آمنة عينيها بقوة تعتصرهما وهمست بعدها بصوت متشحرج:
- بس يلي صار مب شوي والله مب شوي.
قبضت كتفيها بشده وتجلدت وعقدت حاجبيها لتقول بثبات:
- ولو.. شوما صار ربج يفرجها، ولا انت مب مؤمنة بربج؟؟.
لتسارع نافية سؤالها:
- أكيد أنا مؤمنة، بس...
- عيل التفكير يلي براسج هذا شوأقول عنه؟؟.
سكتت وأخفضت رأسها هربا.. ألما، فلقد يئست ولم يهديها تفكيرها سوى ذلك الحل لترتاح.
رفعت عنود رأسها وبثتها ابتسامة حنونة ومسحت على رأسها بحب وعدلت شيلتها لتخفي تاج رأسها وقالت:
- يا حبيبتي، لو كل شخص استوت عنده مصيبة وانتحر جان الدنيا كلها فضت ونار جهنم انترست بالناس، وأظن إنج تعرفين مصير كل من ينتحر؟؟.
هزت رأسها بخجل والذنب الآن يتآكلها من رغبتها بما تريد فعله، فقد أرادت أن تودع عنود قبل أن تهدي نفسها الراحة الأبديه التي تنشدها روحها وجسدها.
ربتت عنود على وجنتيها ثم سألتها:
- ألحين بعد ماهديتي قوليلي شويلي صار؟؟.. وأصلا كيف جيتي لهنا؟؟... بس أول شي تعالي وخلينا نيلس ونتكلم زين، وانت بعد يايدوه تعالي وارتاحي الوقفة علشانج ماهي بزينة.
وسحبت العنود الجدة وآمنة وأجلستهما وجلس الجميع أيضا راغبين بالمعرفة لما هذا الانهيار لتلك الطفلة الصغيرة التي لم تتجاوز ريعان مراهقتها.
أهدتها عنود كأسا من الماء ثم أعادت سؤالها:
- ألحين قولي شو صار؟؟.. وإذا ماتبين حد يسمعج خلينا نروح مكان ثاني.
هزت آمنة رأسها بالرفض وأجابتها بعد أن أخذت أنفاسا عميقة وناظرت احمرار كفيها وهي تفركهما بشدة.
- يعني بعد كل يلي جرى مش عيزاني أعيط؟؟
- وش يلي صار يا آمنة؟؟.. أظن إنا تكلمنا بهذا الموضوع وانتهينا منه، شو يلي تغير؟؟
ضحكت آمنة بتهكم وقالت:
- يعني بابا يطلع مش أبوك وأخد حئك وحق أخوك وهو السبب في موت أخوك......
قاطعتها العنود قائلة:
- الموت علينا حق واحنا ما نقدر نأخر أو نقدم في موتنا، كل شي بيد رب العالمين، وأخوي هذا كان يومه.
وأكملت الأخرى وعيناها تعانقان كفيها:
- ماما تعبانة في المستشفى بعد ماعرفت إن بابا طلع متجوز ومخلف كمان، وإنه غشها ومكتبش البيت باسمها، وكمان......
سكتت وتحركت عيناها باتجاه ذلك الرجل الكبير بالعمر الذي ينظر إليها بنظرة غامضة غريبة، كأنه اتهام أو كره أو شيء آخر لم تستشفي ما هو، لكن بالطبع هو الكره!!.. فشقيقتها سبب دمار عائلته، حثتها العنود للمواصلة:
- كملي يا آمنة.
- ماما تخنئت مع ابتسام وآلوا كلام مينألش، علشان كدا أنا مستحملتش وأومت اتصلت بـ.....
وهمست اسمه بخفوت:
- منصور.
واستطردت:
- احنا بئينا بالشارع معدش في بيت، وبابا طلأ ماما وألها متتصلش، وتنساه خالص.
وقهقهت بألم وعيناها تعود لتنسكب آهاتها على كفين قد عانق الشقاء بسن مبكر.
- وأنا محدش سألني ولا كأني موجودة بوسطيهم، لا بابا بصلي ولا ماما بصطلي كأني مش موجودة خالص، بس هم وخلاص والكل آعد بيدور لنفسه ونسيوني.
التفتت آمنة إلى عنود وتابعت بشفاه مرتجفة:
- أنا تعبت إني أكون مش موجودة، أصلا وجودي كان خطأ، مش عرفه أنا ليه اتولد بالدنيا ده!!.
قاطعتها الجدة صائحة:
- استغفري ربج يابنتي ولا تقولي مثل هذا الكلام، كل شي وله حكمته واحنا مانعرف شو هي، ولا لوين راح تاخذنا مشاغل الحياة، يلي علينا نتوكل على ربنا ونستغفر ونطلب منه العون، أما انج تعترضين فهذا شي كبير يا بنتي، استغفري وتوبي لربج هو أدرى بالحال، واشكيله همج هو حلال المشاكل، وأمج وأبوج الله يهديهم ويصلحهم.
وهتفت بحرقة قلب وبعيون قد اشتعل احمرارهما من كثرة ما انسكب منها.
- ماما عايزة ترجع مصر وأنا مش عيزة أروح معاها، مش عيزة يحصلي يلي حصل لابتسام، أنا مش عيزة... مش عيزة.
وانخرطت ببكاء حار أبكى القلوب المتحجرة وجلس هو يطالع انهيارها بقلة حيلة، وقلبه يبكي على بكائها، وياليته يستطيع فعل ما يخفف عنها أوجاعها!!..
طالع الوجوه من حوله وهم يناظرونها دون أن يسكنوا جراحها، وكم اعتصره الغضب لجلوسهم هكذا دون أن يبدوا أي فعل لتهدئتها.
- يا آمنة يا حبيبتي الصياح ماراح يفيد بشي، وانت ماراح تروحي لمصر.
رفعت إليها عينان متوسلتان راجيتان، وحركت شفتيها دون أن تخرج حرفا واحدا فهمتها عنود.
- أنا أوعدج يا آمنة ماراح أخليج ترجعين لمصر، وانت راح تعيشين معاي وأنا أتكفل بكل مصاريفج.
لتنهرها الجدة:
- واحنا وين رحنا يابنتي يا العنود؟؟.. احنا قادرين ببنتنا آمنة ومب عيزانين عنها.
فأجابتها عنود بشموخ وعزة نفس ولدت عليها:
- مشكورة يا يومة وماقصرتي، كفيتي ووفيتي معاي، بس آمنة تحت مسؤوليتي أنا، وإن شاء الله الله يقدرني إني أصون أمانته.
وبركن ليس ببعيد عنها جلس فقط يراقبها بقلب طروب، وعشق لعلع صوته حتى أوشك أن يسمعه الجميع من شده صراخه به، وهمس بداخله بكل الحب الذي يعتليه:
- كم أنت حنونه يا غاليتي.
الحنان فيك والعشق ينبض بداخلك.
أمٌ أنت وبالفطرة ولدتي.
يامن ملكت الفؤاد إني أتوسلك الحب!!.
أشفقي لمن طاق صدره للتمرغ بين ثنايا الأضلاع.
يانبع الحنان... اعطفي لصغير لم يرى الحب ولم يذقه سوى على صدرك.
ضميني واحتويني يامن ملكت كل مشاعر الحب، فبدونك أنا ضائع.
ناظريني وستجدين طفلا يبحث عن حضن أمه لتهديه نعمة الحياة.
تنشرين محبتك على هذا وذاك وتناسيتي وجودي.
أحتاجك.. أنا أشتاقك.. أنا أريدك.. أنا أحبك بل أعشقك يامن ملكتني.
لما البعد؟؟.. ولما الجفاء؟؟.. أقتلت حبك وانتهى من داخلك؟؟.
ألا تسمعين صراخه؟؟... ألا تسمعين أوجاعه وأنهاره المنسكبة؟؟.
لا تبخلي علي بحب أراه يشع من خضرتيك
أجيدي إلي من عطفك وحبك فبه أقتات زاد يومي.

أشاح بناظريه عنها بعيدا وقلبه يصرخ به الرحمه لحال وصلت به للتدهور، لكن ليس بيده شي، لقد حاول وحاول وهي تصده وترفض وجوده.
تحدثت برقة وبحنانها المعهود موجه حديثها لآمنة:
- قومي يا آمنة غسلي ويهج وخلينا نعدل بشكلج شوي ورانا حفلة ومايصير الضيوف يجوفونج جذا، ووكلي أمرج لرب العالمين مثل ما قالت يدوه.
- بسـ......
- لاتبسبسين، وانتهينا من هذا الموضوع.
ليتغلغل صوتها مريحا خافقه الباكي فيهمس له ويقول:
- اصبر ياصديقي فالقلوب ستتحد، عليك بالصبر فهو مفتاح الفرج، وتوكل على الله فهو مقرب القلوب، وهادي الصدور.
وشاهدها وهي تغادر ليحلق خافقه خلفها، فكيف له أن يعيش بلاها.
تنهد بحرقة قلب ليصله صوتها مطمئنا:
- اصبر ياولدي، اصبر وراح تنول، وادعي لربك إنه يفرجها، وإن كان في نصيب فإن شاء الله راح يوفقكم ويسهل لكم الطريق.
وأجابها وعيناه تتابع طيفها:
- ونعم بالله يا الغالية، ونعم بالله.
وانتهى كل شي وعادت الأمور تجري على قدم وساق لتنهي ترتيبات الحفل المقام على شرف عودة ابنة هذه الدار، "خديجة".

*****************************
وقفتا عند بوابة القصر بأفواه مفغورة والصدمة بادية على ملامحهم مما يرونه أمامهم، فالمنزل كان كقصص الخيال التي كانوا يقرأونها منذ الصغر بضخامته وألوانه وزخارفه، فهمست بعيون جاحضة:
- ميثاني.. يلي أجوفه انت تجوفينه بعد؟؟
- هيه يا شهد.
والتفتت إليها صارخة:
- انت جنيتي يابنت!!... وين يايبتنا؟؟.. تبين راعي البيت يركض ورانا ويقول إنا حرامية ويايين نسرق أو يايين نشحت؟؟.
تراجعت ميثة للخلف من هجوم صديقتها وأجابتها بعد أن تمالكت روعها:
- شهد هدي شوي صمختي اذني، وثاني شي أنا ماغلط بالعنوان وهذا هو نفسه يلي أعطتني اياه العنود.
وأرتها الورقة المكتوب عليها مكان المنزل وعادتا تتطلعان للمنزل الفخم بانبهار فقالت شهد:
- وألحين عنود المجنونة رافضة تسكن بهذا القصر؟؟.. صدق انها بنت فقر، بس خليني أجوفها وأنا أراويها.
قاطعتها ميثة قائلة:
- ماحد مجنون غيرج، وعنود بكيفها تسكن وين ماتبي، ولا انت نسيتي شو صار فيها هنا؟؟
أشاحت شهد بيدها وقالت بوجه حانق:
- روحي انت وياها ماتعرفون شي، لو أنا مكانها والله لأسكن وأقعد على قلبه، عيل بيت سياح مياح بهذا الكبر وما أسكن فيه؟؟.. ورايحة أسكن بقوطي صغيرون، لا والمشكلة هناك ماتقدر تشرد منه ماغير حابسة نفسها بالغرفة، لكن لوكانت هنا، تقدر تنخش عنه بأي مكان.
فهتفت ميثة بغضب:
- قولي ما شاء الله بتاكلينهم بعيونج الساحرة.
- خلي عنج، عيوني باردة ومافيها شي، حتى جوفي....
ورفرفت برموشها فتأففت ميثة من صديقتها وأخرجت هاتفها وهي تهمهم:
- خليني أتصل بالعنود قبل لا تحرقين عنهم البيت.
وتهادى إليها صوتها يخبرهم بالدخول وهي تنتظرهم عند الباب، وبالفعل كانت هناك تقف بابتسامتها المشرقة ترحب بهما:
- يا هلا ومرحبا، نور البيت.
لتجيبها شهد على فورها وهي تحتضنها بكل الحب:
- البيت منور بأصحابه .
وبعد الترحيب والتهليل دخل الجميع وبكل خطوة يزيد انبهارهم إلى أن وصلوا لغرفة الجلوس وهناك رحبت بهم الجدة بشدة وحيتهم على وقوفهم بجانب ابنتها العنود بوقت حاجتها، وبمرحها المعهود نطقت:
- ولا يهمج يا يدوه أنا بالخدمة ديما، وإذا انت بعد تبين مين يكون معاج تراني حاضرة بس انت دقي لي رنة راح تجوفيني مترزعة عندج بالبيت.
وقهقه الجميع على خفة دمها وبلحظة التفاتة وابتسامتها تشق شفتيها شاهدته يقف على مقربه منها لم تنتبه له بخضم مشاكستها للجدة، لم تتحرك قيد أنملة بل تسمرت بمكانها وابتسامتها تتكسر رويدا رويدا وعيناها تلتقط هيأته الجديدة.. بدشداشته الناصعة البياض، وحمدانيته الحمراء تتوسد رأسه بشكل أنيق، اختلف المظهر لكن عيناه الهازئة هي نفسها، فما كان سوى أن اشتعل فتيل غضبها، فهي لم تنسى ما حدث بينهما من قبل، والوعد هو الوعد فقط عليها أن تنتظر اللحظة المناسبة.
وبهذه الأثناء خرجت آمنة تتهدى إليهم بجلابيتها العنابية التي اختارها منصور بعد أن رغبت العنود بالذهاب لشراء شيء ما لتلبسه، فتطوع هو للذهاب وكانت أن غدت رائعة الجمال بها، وبألوان هادئة رسمت على وجهها لتخفي الحقيقة المرة التي تعيشها لتصبح آية من الجمال، وبحجابها الذي لفته بشكل عصري حول رأسها لتغدوا أنثى غاية بالفتنة والروعة، جعلته يزدري لعابه ورغبة جامحة باخفائها عن العيون، لكن ليس لديه السلطة ليفعل ما يريد.
- أمون موجودة هنا؟؟.. يا مرحبا.
تحركت شهد ترحب بها بالأحضان وتقبلها ثم أبعدتها قليلا لتتأمل شكلها.
- شو هذا الجمال؟؟.. ما شاء الله تقولين قوم يا قمر وخلني أقعد بدالك.
تلون وجه آمنة من مدح شهد وهمست لها بخفوت:
- كفاية يا شهد، انت بتكسفيني.
- يا ويلي على الكسوف.
فهتفت عنود من خلفهم:
- شهودة.. ارفقي بالبنت ما هي بقدج.
- ليش أنا شو سويت؟؟
- ماتجوفينها غدت مثل جلابيتها أخافها تنفجر لو كثرتي من كلامج.
وقهقه الجميع وانضمت إليهم آمنة محاولة تناسي مخلفات الدهر، فكما قالت لها عنود:
- يا أمون خلي نظرج ديما على جدام ولا تناظرين يلي وراج، هو صحيح يوجع، لكن لازم نتحمل، وجوفيني أنا جدامج، وانت أدرى بالحال يلي أنا فيها، خليني قدوتج وديما تذكري إن الله معانا شو مااشتدت الحال فينا. وانشغل الجميع بالحديث والثرثرة ولم تخلى من مواقف شهد المضحكة حتى خرج أبو سالم وحمدان ومنصور وسعود متجهين لمجلس الرجال ليتركوا النساء ليأخذوا راحتهم، وما لبثت أن التقطت عيناها فريستها تتجه للخارج بتأني وهدوء يحسد عليه فنهضت مستأذنه ولحقت به حتى شاهدته يقف بالخارج بركن منزوي تقريبا، فاتجهت ناحيته وهي تشحذ قوتها وطاقتها لاسترداد كرامتها التي بعثرها.
اقتربت ورفعت يدها دون أن تنتبه لحركتها تلك لاعتيادها عليها وضربته على كتفه وما أن استدار ليرى من هو هادم خلوته حتى بادرته بهجومها العنيف دون أن تترك له المجال لينصدم برؤيتها هنا أمامه.
- انت واحد ما يستحي على ويهه!!.
أجابها برفع حاجبه فاستغاظت أكثر وهدرت:
- ليش بذك اليوم ما قلت إنك مب هندي وخليتني مسخرة جدام ربيعاتي؟؟.
تكتف وانزوت ابتسامة على جانب شفتيه وتأملها بعين جريئة ملامحها الفاتنة بألوانه الهادئة التي غيرت من ملامحها لتغدوا جميلة.
خجلت هي على أثرها وتراجعت خطوة للخلف، لكن ما أن تحدث حتى توقفت بمكانها وعادت للقتال:
- وشو المطلوب مني ألحين يا........
تكتفت هي الأخرى ولم تنتبه من أنها حددت مفاتن جسدها فصرخ بها بشدها لتجزع وتنتفض على اثرها:
- نزلي ايدج ووقفي عدل.
ارتبكت وتوترت لدرجة أن ارتجفت شفتيها ببكاء قد كتمته، فلم يحصل بحياتها أن صرخ بها أحدهم بهذه الطريقة، وأخذت تتلاعب بشيلتها وعيونها تعانق الأرض وعندما همت بالالتفات والرحيل لتلملم كرامتها التي بعثرها من جديد حتى قال:
- وين رايحة؟؟.. احنا بعدنا ما خلصنا كلام، ولا خلاص استسلمتي من أول جوله وخسرتي؟؟.
وكأنه قد شحنها بطاقة نافذة حتى عادت للمعركة بروح قوية شامخة:
- مين قال إني خسرت؟؟.. أنا شهد وبعمري ما خسرت، ومستحيل أخسر جدام واحد مثلك.
وناظرته بقوة تتأمل ملامحه حتى تحول لشيء آخر غريب عجيب لم تشعر به من قبل، كان رجل وسيم بمعنى الكلمة لا يعيبه شيء، فابتسم لتحديقها وهمس:
- ها... بعدني حلو ولا تغيرت حلاوتي من لما عرفتي إني مب هندي؟؟.
شهقت وتراجعت للخلف ووضعت كفها على فمها ودارت على عقبيها وقذفته بجملة وولت هاربة:
- انت واحد قليل الأدب.
قهقه بصوت عالي ليصل لمسامعها وهتف بها دون أن يبالي بوجود أحد ما بالقرب منهم:
- تراني أحلى من الهنود، وأصلح أكون فارس أحلام.
وعاد للضحك وتحرك متجها لمجلس الرجال وابتسامة متألقة تنير ثغره،
يا هل ترى.. هل سنرى حب جديد؟؟... أم هي مجرد مشاكسة بين اثنين
- ههههههههه... " لا.. ما أظن ".

****************************************
ما أجمله من شعور وأنت تعود لأرض الوطن بعد أن تعبدت بمحراب الطهارة، احساس بالخفة والراحة تطغى عليك بعد أن تركع للواحد القهار تشكيه همك وتطلب المغفرة وجنة الخلد، وأن يرفق بحالك، شعور يتلبسك بأنك قد ولدت من جديد بعد أن تترك تلك البلد الطاهر وهذا هو شعورها بعد اسبوعين من الخشوع بين يدي رب العالمين، اسبوعين فقط توجهت لله الواحد القهار ولا أحد سواه، فمن سيبقى سواه والكل فاني .
الوطن هو الانتماء والأمان والاستقرار، هو العائلة والحب، فيا الله كم اشتاقت لأولادها ولمنزلها وللجميع، "وهو" لا تنكر اشتياقها له، لكن......
قطع تفكيرها همس ابنها سالم:
- حمدالله على السلامة يا الغالية، وصلنا البيت.
ناظرت ذلك القصر المهيب بشوق وحنين، هذا منزلها، هنا مكانها ولن تذود عنه.
تسلحت بأسلحتها التي ذهبت تبحث عنها، وتجلدت، فأمامها معركة قاسمة.
ترجلت من السيارة ووقفت تتأمل شكل المنزل وتهادى إليها صوته الهادئ والمشتاق للقياها:
- توه مانور البيت، كان مظلم بغيابج يا نور عيني.
والتفتت إليه بابتسامة متسعة وأجابته بدموع ترقرقت لرؤيته.
- البيت منور بأصحابه يا عمري انت.
واقترب منها متلقفا إياها بين أضلاع صدره ومقبلا رأسها بقوة مشتاقا لها ثم ابتعد وانحنى طابعا قبلة على كفيها وهتف:
- البيت من دونج ماله طعم، يا الغالية لا تبعدين عنا ترانا نضيع من دونج.
- يا بعد قلبي انت ياسعود، ماراح أبعد وماراح يبعدني عنكم غير الموت.
ليسارع قائلا:
- بعد عمرٍ طويل يالغالية، بعد عمرٍ طويل.
وهناك من بعيد وقفت مدهوشة ترقب هذا اللقاء الحميمي بين أم وابنها، لم تتوقع أن يمتلك كل تلك الأحاسيس والحب لوالدته!!.. اعتقدته شاب غير مبالي أو شيء من هذا القبيل، لكن الآن قد تغيرت نظرتها ناحيته ولم تنتبه من أنهم تحركوا للداخل ووقفوا ينظرون إليها باستغراب ماعدا شخص واحد يعلم من هي.
ارتبكت وخجلت من تحديقها به وتساءلت.. ماذا يظن بها الآن؟؟.. فهي دائما ما تراقبه عندما تعتقد بأنه غافل عنها.
- مرحبا يابنيتي.
أخرجتها العمة بصوتها الحنون من خجلها واداركت نفسها لتقبل مقبلة لها وتحيها.
- حمدالله على سلامتج يا خالتي، وإن شاء الله عمره مقبولة.
- تسلمين يابنيتي، بس اسمحيلي ما عرفتج!!.
وابتسمت شهد ونسيت من يقف بجانبها قائلة:
- بس أنا أعرفج وسمعت عنج أشياء كثيرة، بس ما سمحت لنا الظروف إنا نتقابل.
وتساءلت خديجة:
- وكيف سمعتي عني؟؟.. ومين قالج؟؟.
- أنا يا خالتي رفيجة العنود في الجامعة، واسمي شهد.
وهتفت العمة قائلة:
- هيه عرفتج يابنتي، عنود قالتلي عنج وعن ميثة بعد بس مثل ما قلتي ما صارت فرصة إنا نجوف بعض.
- وهذي الفرصة جت اتعرفي علي قد ماتبين وأنا حاضرة وموجودة بأي وقت.
ضحكت العمة ومن ثم قالت:
- والله إنج مثل ماقالت العنود عنج.
قطبت شهد مابين حاجبيها وسألتها:
- وش قالت عني؟؟..
وعادت تهذر بخفة دمها:
- أكيد قالت دمي خفيف وأنا حلوه وكيوت و......
وزادت قهقهات العمة لتأخذها بأحضانها مستمتعة بكلامها، وهمست لها:
- ماقالت عنج إلا كل الخير، تعالي خلينا ندخل
أحاطتها بأكتافها لتلف شهد ذراعها حول خصر العمة وأخذت تحادثها أثناء دخولهما للمنزل وخلفها سعود الذي يستمع بصمت ويناظر هذه الفتاة العجيبة التي خرجت له من حيث لايدري، وسالم مستمتع بسعادة والدته، وبالطرف الآخر وقف متوترا ومشتاقا ومتلهفا للقياها.
أغمض عيناه متلذذا بنغمات أوتارها التي انساقت إليه تخبره بوجودها بمحيطه، وأخيرا بعد أيام شاقة وطويلة كأنها الدهر وأفرج عن مقلتيه ليراها هناك تقف بجمالها وطهارتها ونقائها وبابتسامة مشعة ووجه منير يشع بنور الايمان والسعادة للرؤية الأهل والأحباب، عناقات وأحضان وتمسكت الجدة بابنتها التي لم تلدها ونشجت باكية:
- توه مانور البيت يا بنيتي، البيت مايسوى بلاج يا نور هذا البيت.
أمسكتها العمة دامعة العينين هي الأخرى وانحنت تقبل كفيها بكل الحب والاشتياق لهذا المرأة التي تعدها مثل والدتها.
- النور نورج يا يومه والله يخليج لنا ويطول بعمرج.
رفعت الجدة كفيها لتحيطهما بوجه خديجة وهمست:
- الله لاحرمني منج يا بنتي، وعساج دوم مستانسة ومرتاحة.
واحتضنتها خديجة بقوة وهطلت دموع الفرح بسبب ماتكنه لها هذه العجوز لها من حب، وأقبل الباقي مسلما عليها إلى أن جاء دور منصور الذي وقف بعيدا يتأمل والدته ليرى وجها وضاحا قد فتح الله عليه من واسع أبوابه فاطمئن قلبه واقترب يطالب:
- جذا... أهون عليج يا الغالية وتتركيني لمدة اسبوعين؟؟
وقفت تراقبه وتتأمل قسماته بأمومة، وأجابته:
- حشى والله ماهنت علي بس.....
وقاطعها وهو يقبل عليها:
- كنت أمزح معاج يا الغالية.
والتفت ذراعيه حولها متنعما بحنانها وبدفئها الذي اشتاق إليه كثيرا وهمس لها:
- يا الله كيف اشتقتلج يا يومه، لا تبعدين الله يخليج!!.
واعتصرته هي أيضا مخبره إياها بأنها معه وهمست له :
- أنا معاك يا وليدي، معاك دوم.
ووقفت آمنة تراقب هذا المشهد وعيناها تذرف دموع التمني والرغبات، وأن يكون لها ما يكون له، كم تمنت بأن يكون لها عائلة محبة ترعاها وتخشى عليها!!.. وكم أرادت أن تتعلق بأحدهم وتبحث عنه بغيابه وتشتاق إليه!!.. وكل هذا مجرد أحلام وأوهام، فالواقع مختلف كليا عما نريد.
ابتعد عنها ومسح دمعاتها وهتف:
- لا تبجين عاد، بسج خلاص، ألحين مافي دموع بعد اليوم، واستخدمي شامبو مال الأطفال.
قهقه الجميع على ماقاله ومن ثم حل الصمت بعد أن تكلم، ودارت العيون متجهة صوبه.
- شخبارج يا أم سالم؟؟.. عمرة مقبوله إن شاء الله.
ولم يزد حرفا آخر فلهفة عيناه بها أبلغ من الكلام، لتجيبه:
- تسلم وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.
وبعدها بهتت ابتسامته وانكسر بريق عينيه عندما أشاحت بوجهها بعيدا عنه منخرطة بحديث مع الباقيين وكأنها كانت تحادث شخص غريب وليس بزوجها وبحبيبها، وتساءل... ألم تشتق له؟؟.. ألم تتلهف لرؤيته بعد غياب؟؟... والسؤال الأخير ضربه بالوتر الحساس، ألم تسامحه بعد؟؟.
شاهد الجميع ما حدث ولم ينبسوا بأي شفه وغضوا البصر كأن شيء لم يحدث، ووقف حسن مع حمدان بجانب بعض وهم يراقبون نساءهم بعيون حزينة، فلقد اشتركوا مع بعض بايذاء نسائهن ولو اختلفت الطريقة، لكن يبقى العذاب واحد.
استأذنت من الجميع لتذهب لغرفتها لتبدل ملابسها وبعدها ستعود.
فتحت دولاب ملابسها وسحبت احدى الجلابيات الفخمة وبعدها سقطت من يدها عندما سحب جسدها للخلف واحتواها جسد تعرفه كما اسمها تماما أو أكثر، لطالما تنعمت بين أحضانه، ولطالما سكنت إليه فهو أمانها واستقرارها وينبض بداخله قلب قد عشعشت هي بداخله، فقد تملكها كيانا وروحا.
- اشتقتلج يا الغالية، اشتقتلج ياحبيبة حسن.
وأدارها لتواجهه ثم انحنى مقتنصا شفتيها بقبلة أقل ما يقال عنها إنها قبلة الحياة، فقد تعلقت بها أرواح طاقت لها، وجسد استبد به الحنين للقيا الحبيب، فتمازجت الأنفاس واتحدت القلوب وغدا جسديهما كما الكيان الواحد.
اعتصرها بكل قوته وهي بادلته احتضانه، ولكن بعدها عندما يحل الوجع وتنتكئ الجروح يبقى العذاب هو بأعالي الهرم لترتخي ذراعيها بعد أن كانت تتشبث به كما طوق النجاة، وطغت البرودة بجسدها بعد أن كانت تستعر بنار حارقة، وشفتيها بعد أن كانت تعارك بمعركة الحياة غدت جامدة وكأن الموت قد عانقها، وهمست لتكون كما الصاعقة التي ضربته بالصميم:
- بعد عني!!.
وابتعد قليلا فقط وسألها بأنفاس مقطوعة وبقلب راجف:
- ليش أبعد؟؟
- قلت بعد عني وهذي آخر مرة تلمسني فيها.
وعندما لم تجد منه مبادرة دفعته عنها لتسقط ذراعه على جانبيه وهمس باسمها بشجن:
- خديجة...
أخذت أنفاسا عميقة ثم زفرتها وقالت بصلابة وعيون جامدة:
- قلتلك لما أرجع راح أقولك قراري وانت لازم تلتزم فيه.
هز رأسه برفض لما شاهده بمقلتيها، فهو يعرفها... يعلم ماتقوله وماتريده قبل أن تبوح به، وصرخ بها وأمسكها من أكتافها يهزها:
- لا ياخديجة لا تقولينها!!.. أنا غلط بحقج وأنا آسف، والله آسف وندمان، وراح أطلقها بعد ماتولد، أصلا أنا كنت بطلقها لما عرفتي بس قدر الله وما شاء فعل، خديجة بموت إن تركتيني!!.. أنا بدونج ما أسوى شي، أنا أحبج وانت عارفة هذا الشي، أنا آسف يا الغالية!!.. آسف!!.
وأجابته ببرود ودفعت ذراعيه عنها:
- يلي صار صار يا حسن ومايصير الندم ألحين، وأنا ماراح أكثر الكلام وخذ قراري... أنا ماعدت أبيك يا بو سالم، انت جرحتني بقوة وما فكرت فيني لما اخترت وحدة ثانية تشاركك فيني، أحبك صدقني أحبك، وحبك راح يبقى، لكن صعب إني أسامحك على يلي سويته فيني، يمكن كنت أسامحك لو أنا كنت مقصرة بحقوقك، لكن أنا عارفة وواثقة من إني ما كنت قصرت بشي معاك، فما كان لك حق إنك تدور على وحدة ثانية.
ابتلع لعابه بشدة، وصدره بدأ يضيق به، وتراجع للخلف وهو يفك أزرار دشداشته وجلس بانكسار وضعف وهمس:
- تبين الطلاق!!.. تبين تبعدين عني يا خديجة بعد هذا العمر؟؟.
أشاحت بعينيها بعيدا قبل أن تنفضح مشاعرها وأجابته:
- انت يلي بعد يا حسن مب أنا، وطلاق.. لا ماراح أتطلق، أنا عندي أولاد كبار وعلى ويه زواج مستحيل بعد هذا العمر أتطلق والكل يشمت فيهم.
رفع رأسه بأمل وسأل:
- عيل شو تقصدين؟؟.
- قصدي ننفصل وكل واحد بطريقه، مالك حقوق علي ومالي حق عليك، ونترك الأمور على ماهي عليه لين الله يكتب فينا الخير.
- بس...
- هذا قراري يا بو سالم واسمحلي، عندي ضيوف لازم أستقبلهم ما يصير أتركهم لحالهم
وتركته متجه للحمام لتستحم وتبدل ثم خرجت تاركة خلفها قلب يتحطم لفراقها، ياترى... هل انتهت قصة حسن وخديجة أم أن للقلوب والأقدار رأي آخر؟؟

******************************
انتهت الحفلة وعاد الجميع لمنازلهم على وعد بتكرار هذه الجمعة مرة أخرى.
غادرت ميثة وشهد بعد أن قدم والد شهد لأخذهما وغادرت عنود مع الأطفال وشقيقتها آمنة مع حمدان لشقتهما وقبل رحيلهم قامت العمة بالتحدث مع عنود على انفراد، وحسن اختفى تماما، وخديجة أضجعت جسدها على فراشها وحيدة ونامت فهذا مااهتدى إليها قرارها عندما كانت عند بيت الله، والجدة تدعوا بقلب خاشع أن يزيل الغمامة السوداء عن منزلهم وبخضم شرودها وهي على فراشها تذكرت الحية الرقطاء على هيأة البشر التي قدمت اليوم، فسبحان الله لخلقه شؤون، ووكلت أمرها لله الذي لايخفى عليه شي، ودعت من جديد أن يحفظ عائلتها من كل شر.

***************************
وهناك بالجهة الأخرى وبمكان انتشر بمحيطة كمية من الحقد والشر
جلست بالظلام وبعيون شاردة وهي تتذكر الأحداث التي مرت عليها هذا الصباح عندما ذهبت لزيارة والدة زوجها، اعتقدت بأنها ستقف معها إلا أنها كانت واهمة، فقد طردتها من المنزل وأمرتها بعدم العودة إلى هنا مرة أخرى، فبعد أن فضح الصغير سرها لم يعد لها مجال للمطالبة بأي شيء، بل الفزع من أن يعلم زوجها بما فعلته فتكون عاقبتها وخيمة كما قالت لها والدتها، فتذكرت الصبي عندما هدر بها كما الصاعقة شعرت بالرعب يجتث من خافقها، فهي لم تعتقد بأن هناك من شاهدها سوى غريمتها وزوجها وبانفصالهما علمت بأن سرها لن يكشف، لكن كان هناك من شاهد تقديمها للقربان.
- انت ليش ياية مرة ثانية؟؟... تبين أمي وأبوي يطلقون مرة ثانية؟؟.. ماكفاج المرة يلي طافت؟؟
والتفتت الجدة إليه بعيون جاحظة واستفسار صادم:
- عبد الله... إن تشو تقول؟؟
اقترب من جدته وعلى ملامحه جنون قد طغى عليه من وجودها هنا مرة أخرى وأشار ناحيتها وبصوت اعتمله الغضب صرخ:
- هذي الحرمة كانت هنا المرة يلي طافت لما أبوي طلق أمي، كانت هي السبب!!.
مازال الذهول يرتسم على محياها وسألته دون تصديق:
- عبدالله... انت تعرف هذي الحرمة؟؟.
وبعيون حاقدة صوبها ناحية من ارتجفت أوصالها خوفا من انكشاف سرها الذي اعتقدت بأنه قد طمر ودفن.
- لا ما عرفها بس كانت هنا واتكلمت مع أمي وقالت كلام ما عرفت شو سالفته بس أبوي عصب عليها وطلقها، أنا كنت واقف وجفت كل شي.
وصرخت ابتسام بانكار لثقتها بأن الصغار دائما ما يكذبون ولم تعرف بأن هذا الصغير يختلف عن الباقون:
- كذب.... والله الواد ده بيكذب!!.. أنا ماجيتش هنا أبل كده، ودي أول مرة آجي فيها.
- اقطعي السانج يا قليلة الحيا، وولدي ما يكذب أبد، عيل انت سبب البلاوي؟؟.
تراجعت ابتسام للخلف خوفا من نبرة العجوز التي زلزلت أركان المنزل وحاولت بضعف الدفاع عن نفسها:
- أنا... أنا مبكدبش......
تقدمت الجدة منها وهي تشير لها بعصاها:
- ولج عين بعد تنكرين!!.. صدق إنج ما تستحين على ويهج، وياية ألحين تطالبين بشي مالج حق فيه!!.
وعندما تسمع رنين المال تقف بوجه كل من يحاول سلبه إياها:
- لاء.... أنا لي حق هنا و.......
قاطعتها الجدة بشدة:
- هذا بيت بنتي خديجة، ومالج حق فيه ومحرم عليج تدخلينه .
- بس أنا كمان مرات حسن يعني زي زيها، وكمان أنا حامل .
فأجابتها الجدة:
- إذا انت مب قادرة تربين ولدج احنا قادرين نربيه، لكن إنج تعيشين بهذا البيت فاحلمي، ويلي سويتيه بعيالي العنود وحمدان ربي ماراح يسامحج عليه وعقابج راح تاخذيه إن ماكان بالدنيا راح تحصليه بآخرتج.
ثم تابعت بحسرة:
- أسفي على ولدي يلي ما عرف يختار صح، لكن مسيره يعرف مين انت.
ارتجفت من شدة غضبها وعجزها لنيل ما كانت تريده، وهسهست:
- حقي ومستحيل أسيبه.
ليصدح صوته قويا رنانا:
- سمعتي يدتي شو قالت؟؟.. مالج شي هنا!!.. وأمي وأبوي ماقدرتي تفرقي بينهم لأن الله يحبهم ومايرضى بالظلم.
سكت يلتقط نفسا عميقا ثم أمر بنبرة لا تثنى أبدا:
- وألحين يلا برع مالج مكان هنا.
ورفع سبابته للأعلى وهتف:
- والله والله لو جفتج هنا مرة ثانية ماتلومين إلا نفسج وراح أنسى إنج حرمة وضيفة ولج الاحترام لأن يلي مثلج ما له احترام أبد.
وأشار بيده للخارج وهدر بها بحمية حماية عائلته من أي شر يريد أذيتهم:
- قلت برع ولى أتصل بالشرطة وهي تتصرف معاج؟؟.
وخرجت خائبة وخالية الوفاض، لكن كمية الغل انتشرت بداخلها وجعلت الشيطان يتلبسها لتغدوا مثله شر متمكن تجري بدمائه الخطيئة وليس سواها، وعينيها برقت بنيه تدمير كل ماهو طيب وسعيد وأولهم كانت هي.

 
 

 

عرض البوم صور طُعُوْن   رد مع اقتباس
قديم 05-01-17, 02:08 PM   المشاركة رقم: 142
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Aug 2014
العضوية: 273510
المشاركات: 1,332
الجنس أنثى
معدل التقييم: طُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 2492

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طُعُوْن غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ام حمدة المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة

 
دعوه لزيارة موضوعي

الفصل الواحد والثلاثون..........
تمضي الأيام وتسري بي الشهور.
وما أزال أقف بمكاني.
أناظرك يا كحيلة الطرف وأراك تبعدين.
أيعقل أن قلبك تحول وتحجر!!
لا... ترفقي بقلب قد استحكمته بغفلة مني .
فقد غدى هشا شحيحا يتوسل حبك.
أيامنا تمضي، وعنادك يزيد، وأنا ضعت بين الدروب.
سعيت ومازلت أسعى، وصرت كما الظل خلفك.
فأتساءل... أهذا هو عقابك؟؟.
ألم تكتفي يا نبض الفؤاد؟؟.
قلبي مريض بحبك وطيفك لا يغادر خيالي.
أقف بين يدي ربي وأدعوه تضرعا لعله يلين قلبك القاسي.
أوتعرفين يا من يجري عشقك في الشريان؟؟..
جرحتك وهذا أعلمه، لكن مالا تعرفينه أني أنزف لجروحك.
آه... لو تعرفين أني مريض بك، ودوائي بين ينبوع شفتيك.
أوتبخلين علي بشفاء أنت سبب سقمه؟؟
ماذا أقول؟؟.. وماذا أفعل؟؟.. فقد ضاقت بي السبل!!.
أتبغين البعد والفراق لتجعليني أتلضى بفراقك؟؟
أعشقك لحد الثمالة وروحي لا تهمس سوى باسمك .
فمالي سوى دعوى.. أن يحن قلبك علي وتترفقي بحالي الضمآنة.
( حمدان )
*****************************
مضت الأيام سريعا لبعض الناس وهم ينتظرون شروق شمسهم لتنير حياتهم والبعض الآخر يراها بطيئة تكاد عقاربها أن لا تتحرك فرغبته بقدوم ضيف قد طال انتظاره تجعل أيامه تمر كما السلحفاة .
تهدهد جنينها وتهمس له بشوق:
- متى بتطلع وتنور حياتي؟؟.. مشتاقة لك يا قلبي.
وعادت لشرودها تضيع بين الهمسات من حولها تفكر وتتفكر بمن سرق منها دون أن يعيد ما أخذه.
وبالجهة الأخرى يجلس خلف مكتبه وعيونه شاردة وحواسه ضائعة يتفكر ويفكر بكيف السبيل لارجاعها إليه!!.. فالوقت يسرقه ولم يبقى الكثير لولادتها، فقد مرت عليهم ثلاثة أشهر أخريات أي بقي على ولادتها شهرين وبعدها..
أغلق عينيه والبؤس يلون حياته، لقد استخدم معها كل الأسلحة والحيل وكل ما هو قانوني وغير قانوني، فهو لم يبخل بكلمات العشق التي أخرجها من أعماق قلبه ليسكبها عليها ويروي جروحها الغائرة لعلها تغفر.
يرى تجاوبها.. من عينيها المتلألئتين إثر غزله.
يشاهد انفعالاتها.. بابتسامتها الحانية والحالمة.
ورغبتها بإسقاط حصونها يستشعرها.. من الحرارة المتدفقة من جسدها وأنفاسها الثائرة.
لكن ماهي إلا لحظات حتى ترتد وترتدي ذلك القناع القاسي والمميت.
لم ييأس ولم يدخر أمواله بسبيل ادخال السرور والبهجة في نفسها، لقد أمطرها بالهدايا القيمة والغير قيمة، يعلم ما تحب فحاول كل جهده أن يوفرها لها فتناظرها بفرح وابتهاج لثوان حتى يعود ذلك البغيض ويقلب الأحوال، فيعود ويحاول أن يلين قلبها ناحيته، لكن النتيجة واحدة... الصد ولاشيء سواه.
- آه يا العنود وشسويتي فيني؟؟.. ماعدت نفس قبل، ليش ما مب راضية تسامحيني؟؟... طال صدج يا الغلا وما عدت أطيقه.
وأخذ يتفكر بحياته معها واسترجع شريط ذكرياته منذ لقائهم الأول إلى هذا الوقت والأحداث التي مرت عليهم لتكون الغلبة من نصيبها، لقد أخطأ بحقها كثيرا منذ البداية وتحملت هي منه الكثير والآن يستكثر عليها غضبها وصدودها منه!!.
لكن ماذا عليه أن يفعل؟؟.. هو يعشقها ويتمنى وصالها ويتمنى عودتها إليه بسرعة.
طرقات على الباب أخرجته من شروده وحزنه، فاعتدل بجلسته واتخذ ملامح البرود والجمود وأجاب الطارق:
- تفضل.
ودخل صديقه وعلى ملامحه العبوس والضيق.
- مرحبا سعيد، شو الأخبار؟؟
وأجابه:
- بصراحة.. الأخبار ما تسر .
التقى حاجبي حمدان باستفسار وهو يرى قسمات صديقه لا تحمل الأخبار السارة .
- اقعد يا سعيد وقول شو السالفة، وكل مشكلة بإذن الله ولها حل.
تنهد صديقه وقال بجمود:
- نعم يا خوي، كل مشكلة ولها حل، ولازم تعرف بعد إن بعض الظن إثم، وانت انسان عارف وفاهم ومايحتاي حد يقولك إنك لازم تفهم الوضع قبل لا تحكم على العنوان.
ازدادت حيرة حمدان وشعور غريب استحكم صدره، وهلع استبد بخافقه فسأله بسرعة:
- سعيد... قول يلي عندك، تراك قاعد تلعب بأعصابي!!.
أخذ سعيد أنفاسا عميقة ثم وضع ظرفا أمام صديقه فتحركت أنظار حمدان ناحية ماوضع أمامه وظلت عيناه تعانق الظرف وقلبه ينبئه بأن ما سيراه لن يعجبه أبدا.
وضع كفه عليه ليسارع سعيد واضعا كفه فوق كفه وقائلا:
- حمدان... لازم تعرف إن يلي راح تجوفه مب حقيقي وإنه مفبرك.
الآن وقد صارت ضربات قلبه كما الطبول الهادرة ووجهه احمر بغضب لم ينفلت بعد وسحب الظرف وفتحه وأخذت أنفاسه ترعد كما الليلة العاصفة.
عيونه تجري عليها دون تصديق، ومراجيله تغلي كما الحمم الحارقة، وهمس بذهول ومازال يتابع ما بين يديه:
- وين لقيتهم؟؟.
- حمدان....
فصرخ به:
- أسألك وين لقيتهم؟؟
- صار حادث سيارة ولما جت الاسعاف علشان تاخذ الريال للمستشفى رفض ما عنه مجروح وهنا استغرب واحد من الدوريات ردة فعله المب طبيعية ولما ركز عليه انتبه إن عيونه ديما على السيارة ورافض حد يقرب منها وهنا تحرك وفتش السيارة والريال يصرخ فيه وجاف الظرف مرمي تحت الكرسي و....
قاطعه وهو ينتفض من كرسيه لدرجة سقوطه مدويا بأرجاء الغرفة وكفه يعتصر ما بيده:
- ووين هذا الحيوان ألحين؟؟.
وقف سعيد أيضا وحاول مداهنته إلا أن صوته الذي ارتجت له أركان الغرفة كانت قاطعة ليجيبه بقلة حيلة:
- للأسف... هرب.

****************************
وبغرفة الجلوس جلست الجدة والعمة وعنود وشقيقتها آمنة وصديقتيها شهد وميثة فعطلة منتصف السنة قد حلت، فلادراسة ولا كتب فقط اللعب والأكل والتلفاز، هذا ما اتخذته شهد قانونا على نفسها .
وما بين حديث وضحك واستفسار عن الحال، استهلت العمة الحديث بجدية بعد أن ولى المرح مخرجة تلك الغافلة عن أحاديثهم من شرودها:
- عنود يا بنتي.
التفت ناحية عمتها وأجابتها:
- آمري يا عموه.
- ما يآمر عليج عدو.
أخذت أنفاسا طويلة ثم تحدثت بعد أن إلتقت عينيها مع الجدة التي أجابتها بالايجاب وبدأت:
- يا عنود.. لين متى العند يا بنتي؟؟
استغربت عنود قولها واعتدلت بجلستها بعد أن كانت مضجعة جسدها المنتفخ على الأريكة وتساءلت:
- ليش يا عموه شو صار؟؟.. أنا شو سويت؟؟
وكلمة واحدة قالتها لتفهم عنود ما تريد قوله:
- حمدان...
وضعت كفيها على بطنها البارز وأخذت تمسده بحنان ورقة كأنها تهدهده وتعطيه الطمأنينه التي تنشدها هي وهمست بوجع وهي تشيح بعينيها عنهم:
- وشفيه؟؟
لتجيبها شهد هذه المرة وقد اتخذت الجدية هي أيضا، فحال صديقتها لايعجبها، تعرف بأنها تعشق زوجها حد الموت، لكن كبرياءها يقف حاجزا وسدا منيعا بينهما:
- وشفيه يا عنود؟؟.. وتسألين!!.. الريال حفى وهو يطلب رضاج، واتأسف مليون مرة على يلي سواه، لا.. والمسكين بعده ما مل، وانت عطيتيه الإذن الصمة.
سكتت قليلا وحدجتها بنظرات قوية وتابعت:
- ماهقيت قلبج قاسي يا اختي يا العنود!!... والمشكلة إنج تحبينه.
شمخت العنود برأسها عاليا وتوحشت خضرتيها لتغدوا غامقة اللون كما غابة استوائية تموج بها الأعاصير، واستطردت العمة قائلة والجدة صامتة تستمع فقط وتتكئ على عكازها بسكون:
- حمدان صح إنه غلط بحقج ووايد بعد، واحنا ما ننكر هذا الشي ويستاهل العقاب، لكن عقابج طال يا العنود، والريال ماعاد مثل أول، هو تغير يا بنتي ومابقى حمدان الأولاني، هو يطلب رضاج، علشان ترجعون لبعض.
جامدة ساكنة وعيناها تناظران الجدار الذي أمامها دون أن تراه، بل صور ولقطات له وهو يطلب الصفح ويسكب عليها كلمات العشق والهوى فهو لم يدخر الجهد بسبيل نيل الغفران.. هدايا قيمة وغالية، بطاقات كتب عليها " أنا آسف "، وعيناه تنطقان بالندم، قاطع ألبوم صورها صوت شقيقتها آمنة:
- أيوه يا ماما عنود أنا معاهم بالكلام، عمو حمدان كل يوم بيطلب منك إنك تسامحيه، أنا بشوفه ديما وهو بيحط البطاءة بالمكان يلي بتعدي عليه علشان تشوفيها، أنا... أنا بؤول كفاية عليه كدا، هو بيحبك وندما يلي عمله فيك.
وسكتت لتكمل ميثة بثقة وحكمة:
- تعرفين يا عنود.. لو واحد ثاني كان تركج من زمان وقال خليها تولي، أنا سويت يلي علي وهي ما رضت خلاص، هو مب عيزان عن ولده وراح يصرف ويربيه عادي، لكن هو يبيج انت.. انت يا العنود وما في غيرج وهذا يدل على إنه يحبج ومتمسك فيج ومتحمل جفاج ويلي تسوينه فيه، هو يلي جرحج يا العنود وخليه هو يداويج بس عطيه فرصة، فرصة وحدة يثبتلج إنج غالية عليه ومستحيل يفرط فيج مرة ثانية.
لم تنبس بأي شفه، لكن بداخلها صراع شديد بين الرغبة بالصراخ بأن يكفوا عن الدفاع عنه وأنه لا يستحق هذا، وسؤالهم بأين كانوا عندما أرادت من يدافع عنها؟؟.. هو المخطئ!! وهو من يتلقى الدفاع عنه!!.
والجهة الأخرى تطلب منها الإكتفاء من الهجران، وأن تلين قلبها ناحيته، فهو حبيبها، وقلبها لم يهمس سوى باسمه فقط، فقالت الجدة بعد فترة من الصمت تنهي الجدال الدائر:
- ماعليج منهم يا بنيتي ويلي تبيه بيصير، أنا ماراح أجبرج إنج ترجعين لولدي حمدان، تبين الطلاق أوعدج إني أخلي حمدان يوافق بدون لا يقول حرف واحد.
اعتصرها الألم وانقبض فؤادها بشدة حتى اعتقدت بأنها ستلفظ أنفاسها الأخيرة، واستطردت الجدة وهي تلتقط خلجاتها:
- وولدي حمدان له الله وإن شاء الله، الله يرزقه ببنت الحلال يلي تناسبه وتداريه.
ودوت الرصاصة القاتلة لتشعر بها تخترق خافقها وتخرج من الطرف الآخر دون أن تبالي بالجرح الغائر الذي تركته خلفها، أيعقل؟؟... هل سيفعلها؟؟.. أسئلة ضجت بعقلها، وطنين طغى بأذنيها، ولم تستمع ولم ترى هلعهم عليها بعد أن شاهدوها وهي تترنح بجلستها .
- عنود... عنود يا بنتي شو حاسة؟؟.. انت بخير؟؟.. أوديج المستشفى؟؟.
تنبهت حواسها وشاهدت عيون الجميع مصوبة ناحيتها وهمسهم، وقرب شهد منها وهي تلعن:
- الله يغربل بليسنا!!.. شكلنا حطين عليها وايد؟؟
فهمست عنود بعد برهة وهي تحاول النهوض:
- أنا بخير، أنا بخير، بس حاسة بشوي تعب، بروح غرفتي برتاح، اسمحولي!!.
ساعدتها العمة وميثة بالنهوض وعندما حاولت شهد قول شيء ما منعتها الجدة، وسارت بخطى بطيئة وعقلها يدور بحلقات مفرغة، ولم تشعر بنفسها وهي تنام على السرير ولم تستمع لحديث ميثة بأن تناديها لو احتاجت لشيء ما، بل أغلقت عيناها وتركت نفسها تغوص بأحلام بلا أحلام.
وفي الخارج.....
لطمت شهد خدها وقالت بجزع:
- حسبي الله ونعم الوكيل!!.. البنت بتروح فيها، شكلنا زودناها وهي ما تتحمل شي.
لتقول الجدة وهي تتجه ناحية الباب:
- لا يا بنتي يا شهد، عنود كان لازم تعرف شو يلي راح يصير، هي على بالها إن حمدان بيتم يلاحقها دوم ونست إنه ريال ويمل بسرعة وما يحب الحرمة يلي دوم زعلانه ومبوزة، صح إنه يحبها ويبيها، لكن كل شي له حدود، كل شي له نهاية، وكان لازم تعرف هي على شو واقفة، ولازم تحط النقط على الحروف مثل ما يقولون.
وحركت رأسها لتناظرهم من فوق كتفها وأمرتهم:
- وألحين كل واحد على بيته و....
قاطعتها شهد:
- ونتركها بروحها وهي بهذي الحالة؟؟.
- هي مافيها إلا العافية، وخليها تفكر براحتها، ويلي الله كاتبنه راح يصير.
تطلع الجميع لبعضهم ثم تحركوا مغادرين تاركين امرأة تحترق بنار العشق وتتساءل.. هل هي حقا قد بالغت؟؟.. هل يستحق حبيبها فرصة أخرى؟؟.. وعادت تتساءل وتفكر وتعيد شريط حياتها معه، ومع كل لقطة تتساقط دمعاتها، ومع كل قبلة يزيد أنين أوجاعها، ومع كل حضنة واحتواء يرتفع نشيج الألم، وهمست باسمه ليعينها:
- يارب.. يارب.
كان أن عاد للمنزل مبكرا وبداخله غضب كاسح يدمره ويعتصره، وملامحه لا تشي سوى بالجمود، وعيناه تنطق بالرغبة بازهاق روح أحدهم.
دلف لغرفة الجلوس ووقف جامدا وعقله يدور ويدور وجنون يتلبسه برغبة اعتصار أحدهم لحد لفظ أنفاسه الأخيرة، وما بين الصراع مع شياطينه تهادى إليه أنين خافت فاعتقد بأن أحدهم يتألم، أو يتوجع فاحتار بمكانه، فأصغى السمع ليعرف من أين يأتي، وعندها علم مصدره، وبسرعة البرق نسي ما به وطار ناحية غرفتها لاعتقاده بأنها لربما قد أصيبت أوتعاني من حملها، وبلحظة تردد بالدخول، لكن صوت نشيجها وبكائها جعله يتخذ القرار وفتح الباب ليتجمد بمكانه وهو يستمع بالفعل لبكائها.
راودته الهواجس والخوف من وقوع مكره بها، فانطلقت قدماه إليها ووقف بجانب سريرها وسألها بلهفة:
- عنود حبيبتي.....
ورفعت له عيون حمراء دامعة باكية شاكية، وخضرة قد فقدت بريق لمعانها، فعاد يستفسر ويداه تجولان على جسدها:
- شو فيج يا قلبي؟؟.. يعورج شي؟؟.. أوديج المستشفى؟؟.
طالعته من خلال غشاوة عينيها وبالرغم من أن الرؤية غير واضحة إلا أن صوته لا يكذب خوفه عليها، وملامحه المتعبة والمرهقة والجزعة لا تكذب، هو يهتم بالفعل!!.. فأرادت الصراخ...
- انت يلي تعورني، انت يلي تسبب بوجعي، آه لو تعرف شو كثر أنا أحبك!!.
وأعاد سؤاله وهذه المرة وهو قريب محيطا بوجهها المبلل بدموعها:
- يا قلب حمدان، قولي وشفيج؟؟. وطمنيني وش يعورج؟؟.
فهمست بداخلها بحرقة:
- قلبي يعورني، حبك يهلكني، مب عارفة أنا غلطانة أو انت؟؟.. أنا قلبي قاسي ولا لاء؟؟.
ومع كل سؤال وهمس يزيد نواحها وسقوط للآلئها، وأجابته بأوتار منهكة وبصوت خفيض وسط بكائها:
- كل شي يعورني، كل شي يعورني.
وبدأت نوبة أخرى من سقوط شلالات عينيها لتدمي قلبه العاشق لهذه الصغيرة التي تملكته تماما، فانتفض مقتربا منها ولم يبالي بطلبها له بالسابق بعدم اقترابه منها.
أخذها بين ذراعيه وسحبها ليتوسد رأسها صدره النابض بحبها، واحتواها بشدة ناحية جسده لتتشبث به وبكائها يزيد، ومع كل صرخة تهدر منها يزيد من احتضانها ولسان حاله لايكف عن قراءة القراءن وهدهدته وبث همسه ليطمئنها.
- هشششش أنا هنا وماراح أتركج، أنا هنا .
ومع انتهائه من كل آية يقبلها على جبهتها كأنه يخبرها بوجوده، وظل على هذه الحال يقرأ ويهديها قبلة إلى أن نامت على صدره كما الطفلة الصغيرة، فقط شهقاتها هي ما تخرج بين الحين والأخرى، ودموعها تجري دون توقف مخلفه أخدودا على وجنتيها المحمرتين.
مسح فيضانها بابهامه وعيناه مسلطتان على صفحة وجهها ويتساءل:
- شو فيها؟؟.. ليش هي جذا منهارة؟؟.. ليكون عرفت يلي صار؟؟.. مين يلي قال لها؟؟.
ليعود وينفي ما اهتداه له عقله وعيناه تجري على قسماتها.
- لا هي ماتعرف، في شي ثاني خلاها جذا.
وهو سيعرفه بالحال.
رفعها ناحيته ليلتقيان بالمنتصف وتلامست الشفاه بخفة كلمسة الفراشة وابتعد عنها واعدا نفسه بأنه سينهل من هذه الثمرة لحد الشبع، فقط عليه الصبر ولا شيء سواه، وهو سينالها بكل تأكيد، فحياته دونها لا طعم لها، حتى لو اختارت البعد فهو أقسم بأنه سيظل على هواها إلى أن تنقطع أنفاسه.
أعادها للفراش ولكنها تمسكت به بقوة وتحرك جسدها ناحيته لتلتصق به غير راغبة بتركه وهمست برفض دون وعي:
- لا.....
فهمس عند أذنيها بحنان:
- ماراح أتركج يا قلبي انت، أنا هنا موجود ما راح أروح بعيد.
ولم تتركه بل شددت بقبضتها لدرجة أنه تألم منها، لكن لذتها كانت قد طغت على الألم، فعاد لهمسه وأنفاسه المتعطشة لقربه منها تعصف على بشرة وجهها:
- أوعدج إني ما أتركج!!.. أوعدج إني أظل معاج!!... هذي المرة يا عنود أعطيني فرصة وحدة علشان أثبتلج إني ماراح أتخلى عنج.
وكأنها بكلماته تلك قد أخذت العهد والأمان والميثاق وأخلت سبيله.
ابتسم لجنونها... حتى وهي نائمة تحنق وتغضب.
مسح على شعرها ورتب خصلاتها المتمردة ثم غطاها وطبع قبلة على قمة رأسها وإلتفت على عقبيه وغادر غرفتها مغلقا الباب خلفه بهدوء ونادى بصوت خفيض:
- ماري.. ماري...
لتقبل الخادمة على عجل:
- يس سير؟؟.
وسألها:
- مين كان هنا مع المدام؟؟.
وأخذت تعدد:
- ماما كبير، مدام خديجة، وصديق مال مدام عنود.
- عيل وين اليهال وآمنة؟؟.
- يروح مع ماما كبير.
وأخرج هاتفه بعد أن أمر الخادمة بالذهاب وأن تعد له القهوة، فقد أصيب بصداع يكاد يفتك برأسه، وانتظر الرد على هاتفه حتى وصله ثابتا رغم عمرها الكبير:
- يامرحبا بوليدي وتاج راسي.
- يا مرحبا بأمي وجنتي وناري، شخبارج يا الغالية؟؟.
- بخير والحمدالله.
- إن شاء الله دوم تكوني بخير.
- وياك يا ربي، آمر يا الغالي!!.
تنهد وأسألها:
- ما يآمر عليج عدوا، بس بغيت أسألج.. شوصار هنا بالبيت؟؟.. وش قلتوا للعنود؟؟.
ضيقت عيناها وناظرت البعيد وسألته:
- وشفيها ابنيتي العنود؟؟.. تركناها بخير.
تردد بالقول، ولكنه يجب أن يعلم.
- رجعت البيت ولقيتها ميتة بجي، فالله يخليج يا يومه وشقلتوا لها علشان تكون بهذي الحال؟؟.
ابتسمت براحة وهناء وتراجعت للخلف متكئة على الكرسي كأن هماً قد انزاح من على كتفيها وأجابته:
- ما صار إلا كل الخير يا وليدي، وعنود ماعليها شر .
- بس يا يومة......
قاطعته:
- ما عليه يا وليدي خلك قريب منها ولا تتركها .
أغمض عينيه باعياء وهمس لها :
- ومين قال إني راح أتركها.
وكأنها لم تسمعه وسألته:
- وشقلت يا يومه ؟؟.
تنحنح وسعل يعيد لنفسه توازنه وقال:
- قلت شو أخبار اليهال إن شاء الله ما أزعجوج؟؟.
ابتسمت وجارته بالحديث:
- عيالك بخير والحمدالله، خلك مع حرمتك ولا تحاتي أبد.
وودعها وتلقف قهوته وابتلعها دفعة واحدة ثم نهض واتجه لغرفة أطفاله أي غرفته وخلع ملابس العمل واستحم وارتدى ملابسه ثم خرج وهذه المرة قاصدا غرفتها.
دخل وسار على أطراف أصابعه وشاهدها على ماهي عليه لم تتحرك من الوضع الذي تركه فيها، وتحرك للجهة الأخرى من السرير وهنا فز شيطانه صارخا به:
- انت جنيت!!.. عارف شوبيصير لو سويت يلي براسك؟؟.
ليخرج الآخر قاطعا الشكوك:
- ماعليك منه، هي تبيك تكون معاها وما تتركها.
فأخفى المعترض واستمع للمتقبل وأضجع جسده المسلوب القوى بجانبها وسحب جسدها لتكون بداخل أحظانه وبين ذراعيه، فخرجت تنهيدة من أعماق قلبه متلذذا بعد طول غياب بقربها منه، وبملمس جسدها وحرارته، ولمست شفاهه جبهتها.
ووضع كفه على بطنها البارز وابتسم وهمس:
- شخبارك يا حبيب أبوك؟؟.. لا يكون انت بعد زعلان مني من زعل أمك؟؟.. خلك ولد طيب واصلحني أنا وياها.
وتحركت يده تتلمس بشرتها وملامحها باشتياق وأكمل:
- ترى أبوك تعبان، تعبان وايد، وأمك عنيدة وراسها يابس، بس تعرف أنا... أحبها.
وأهداها طبعة من شفتيه على شفتيها ونام كما لم ينم من قبل، ونسي كل ما يتآكله ويقضي مضجعه، وكأنها استشعرت الأمان والسكينة فتحركت أكثر ناحيته ولفت ذراعها حول جسده وغطت بنوم عميق، وابتسامة توسدت شفتيهما.

**************************
أغلقت هاتفها ووضعته على جنب وثغرها مازال يحمل علامة السعادة وأغمضت عيناها وتنهدت براحة لتسألها آمنة بفضول بعد أن تركت الأطفال يلعبون وجلست مع الجدة:
- يا تيته هو انت ليه سبتي عنود لحالها وجبتينا معاك؟؟.. مش ممكن يصير لها حاقة لاسمح الله؟؟.
فأجابتها وهي تفتح عيناها وتتأمل سقف الصالة المنقوش بزخارف جميلة ورائعة:
- اختج العنود بخير وحمدان معاها.
ثم حركت رأسها باتجاهها ونهرتها:
- وبعدين شو هذي تيته بعد؟؟.. قولي يدوه، قولي يومه، تيته قالت.
ضحكت آمنة بخفوت وتلونت وجنتيها بخجل وقالت وهي تعتدل:
- طيب يا يومه، انت تركتي العنود علشان تتفاهم مع عمي حمدان صح؟؟.
لتهتف الجدة:
- عيل يامسودة الويه تعرفين تتكلمي مثلنا وقاعدة تقولين تيته وما أدري وش.
وهذه المرة الضحكة جاءت من خلفهم وصوته الأجش يصلها ليدغدغ أنوثتها الوليدة، واستحياء تشبع بها وجهها.
- يا يومه اتركيها، تراها تدلعج بالمصري.
وناظرها بعيون هائمة وتابع:
- وما في حد يكره الدلع، الكل يتمنى مين يدلعه.
أخفضت عيناها وفركت كفيها وعضت على شفتيها بخجل فتشدقت شفتيه بابتسامة خلابة وجلس وعيناه لم تناظر سواها والجدة تراقب ووالدته تقترب هي أيضا وتشاهد الصورة وتبتسم بسعادة وتذكرت حديثها مع ولدها منصور.
تتذكر دخوله لغرفتها بتردد فعلمت بأنه مستعد للحديث الذي كان يشغل باله منذ فترة طويلة، فحثته:
- ادخل يا ولدي، تراني ما أعض.
قهقه بسعادة وأقبل ناحيتها مقبلا إياها وجلس بجانبها على الكنبة، وسألته بعد أن تركت نفسها له:
- قول يا قلب أمك تراني أسمعك وأنا لك ناصحة وأمينة، وسرك في بير.
سكت قليلا ولأول مرة تراه يستحي من البوح، لكنها تركته ريثما يستجمع قواه ولم يلبث طويلا حتى قال بسرعة:
- يومه أنا أحب آمنة وأبي أتزوجها.
صدمت للوهلة الأولى وراقبت لهفته باجابتها وقالت والدهشة ماتزال تعتمل ملامحها:
- أنا ما توقعت تقول هذا الكلام!!.
تكسرت ملامحه واعتمله الحزن وسألها:
- انت ترفضينها علشان اختها ابتسام تزوجت أبوي؟؟.. بس هي غير عن اختها، وأنا أصلا لو جفتها تشبها ما كنت اخترتها علشان تكون حرمتي.
وعندما حاول النهوض ليداوي جروح قلبه، فكما توقع لحبه بأنه لن يكتمل، فهناك عواقب ومطبات تمنع ارتباطهما، فهدرت به والدته:
- أقول ايلس أحسن لك، أنا بعدني ما تكلمت.
وسحبته ليعود لمكانه ونكس رأسه فسارعت قائلة:
- ارفع راسك ولا توطيه، وثاني شي تتكلم انت وتجاوب على كيفك؟؟.. أنا ما تكلمت ولا قلت حرف واحد وحضرتك تكلمت بدالي؟؟.
- بس انت....
- أنا شو قلت؟؟... كل يلي صار أنا توقعت تقول لي إنك معجب فيها بس انت صدمتني من إنك تبي تتزواجها على طول.
وعاد الأمل إليه ليقفز ويمسك كفيها :
- يعني انت مب رافضة أمون علشان.... علشان... تعرفين... اختها ؟؟.
تنهدت وأجابته بابتسامة واهنة:
- لا يا ولدي، أنا مب من النوع يلي يحكم على حد بأخطاء غيره، وأصلا شو جاب لجاب؟؟.. آمنة ماشاء الله تربية العنود، واختها الله يسامحها ويهديها.
وهتف بفرح وهو يطبع قبلة طويلة على كفيها:
- تسلميلي يا الغالية والله يطول بعمرج وتجوفين أحفادج.
ضربته على كتفه وقالت:
- تراني جفت أحفادي ولا نسيت عيال أخوك سالم؟؟
- سالم غير وأنا غير تراني آخر العنقود وعيالي راح يطلعون غير.
وانتهت الجلسة على الموافقة وعويله بالسعادة وبقرب اجتماعه مع من ملكت قلبه قد سلك الطريق ناحيتها.
جلست خديجة بجانب الجدة وانحنت تهمس لها:
- شو رايج يا يومه بآمنة لمنصور؟؟.
لتجيبها وهي ماتزال تشاهد حفيدها يقتنص الفرصة ليتأمل الساكنة وتلك الصغيرة تتهرب من نظراته تكاد تبكي من فرط استحيائها.
- أقول يلي الله كاتبنه راح يصير، وكل واحد ياخذ نصيبة، وزين ما اخترتي.
وعادت العمة تهمس:
- أنا قلت بكلم عنود علشان أخطبها ولما تخلص دراسة نزوجهم ويكون منصور خلص الجامعة واشتغل.
وهنا تساءلت الجدة وقد غاب عن ذهنها شيء ما :
- يا بنتي يا آمنة.
والتفتت إليها بسرعة مرحبة بمقاطعتها لعواطفها التي تموج بها.
- نعم يا يومه.
- أمج وينها ألحين يابنتي؟؟
وانكسرت الابتسامة، وماجت الآلام وانفتحت الجروح، جروح يصعب لانسان بالغ أن يتحملها فمابالك بشابة مراهقة مازالت تتلمس طريقها؟؟.
أشاحت ببصرها وتطلعت ليديها وهمست تجيبها وهي تتتذكر كل ماحدث منذ أن وعدتها عنود بأنها لن تتركها تعود مع والدتها إلى مصر.
- أمي يا يومه موجودة بالمستشفى.
فتسالت العمة والجدة بآن واحد:
- ليش؟؟.. وش صار؟؟
وأكملت العمة تساؤلها:
- على خبري إنها شوي تعبانه وبتطلع وبترجع مصر مثل ما قلتي، هي رجعت ومرضت مرة ثانية؟؟.
وأجابها منصور، فهو يعمل كل ماحدث فقد كان متواجدا معها:
- أمها كانت بخير وكانت بتطلع بعد كذا يوم، بس.....
وسألته الجدة وهي تدقق بملامحه:
- وانت شو دراك بيلي صار؟؟.
ارتبك وتوتر، لكن أين المفر من عواطفه وأحاسيسه التي لا يستطيع الآن اخفاءها وهو قد عزم على سلك الطريق الصحيح.
- أنا أخذتهم للمستشفى لما عنود بغت تتكلم مع أمها.
- وحمدان ما راح معاكم؟؟.
تساءلت العمة لتجيبها آمنة بشرود:
- عمي حمدان انشغل شوي وقال بيلحقنا بعدين.
وأخذتها ذكرياتها لذلك اليوم الحزين على قلبها الصغير، يوم ذهابها لرؤية والدتها مع الأم التي تلقفتها على صدرها الحنون منذ أن كانت بالمهد، وعندما اقتربت من الغرفة التي تتواجد بها والدتها تراجعت للخلف خوفا مما سيحدث وما ستقوله والدتها، وخوفها الأكبر هو الرفض وتكون عواقبه الغوص بالحضيض.
اصطدم جسدها عند تراجعها بشخص ما فصرخت ليسارع بتهدئتها:
- هدي يا آمنة ولا تخافين.
وهمست باسمه بهلع:
- عمو حمدان!!.
أمسكها من أكتافها وأدناها منه قائلا:
- هدي يا بنتي وماراح يصير إلا كل الخير، بس انت قولي يا رب.
ورددتها على عجل وكفيها يعانقان صدرها ودموعها تتساقط:
- يارب.. يارب.. يارب .
وماكادوا يقرعون الباب ليدخلوا حتى تهادى إليهم سؤال أحدهم لتلتفت جميع العيون ناحيته:
- لو سمحتوا!!.. إنتوا من أهل المريضة؟؟.
لتجيب العنود الطبيبة:
- نعم احنا من أهلها، ليش؟؟.. صار شي؟؟
- ممكن نتكلم بمكتبي!!.
وافق الجميع وساروا خلفها وجلسوا بانتظار حديثها الذي لم يطل كثيرا.
- خلوني بالأول أعرفكم بنفسي.. أنا الدكتورة فاطمة أخصائية جراحة باطنية.
- ممكن يا دكتورة تؤوليلي ماما فيها ئيه؟؟.
تطلعت الطبيبة للصغيرة بحزن، لكن ما باليد حيلة سوى أن تخبرهم.
- المريضة جت على الطوارئ بحالة انهيار صح؟؟.
ليهزوا رؤوسهم بالايجاب وأكملت:
- وعملوا لها فحوص وتحاليل وبالشكل الظاهري طلعت إنه انهيار بسيط وبتخف، وتقدر تطلع بعد ما ترتاح، لكن.......
انقبضت الصدور من كلمة "لكن" وهمست آمنة متسائلة:
- ماما فيها إيه يا دكتورة؟؟.
أخذت أنفاس طويلة ثم أجابتهم:
- بعد التحاليل المخبرية اكتشفنا شي فرجعنا وأخذنا تحاليل ثانية علشان نتأكد والنتيجة كانت نفسها.
سكتت قليلا والترقب يقتل الجميع وأخرجت الطبيبة الكلمة بصعوبة فهي تعلم ردة الفعل عندما يعلم أهل المريض بأن حياة قريبهم على وشك....
- طلع عند الوالدة سرطان بالمعدة .
شهقات علت بالمكان، وعدم التصديق يظهر على ملامحهم، وهمست العنود:
- يا ساتر يا رب!!.. رحمتك يا ربي!!.. وهو من أي نوع؟؟.. وهو له علاج؟؟..
وأكمل حمدان باقي حديثها:
- نقدر نسفرها للخارج وهناك تتعالج.
هزت الطبيبة رأسها وأجابتهم بهدوء:
- للأسف هذا النوع الخبيث، وبسبب اهمال المريضة لصحتها وعدم مراجعتها للمستشفى من لما حست بالتعب والمرض السرطان انتشر بداخلها وصعب إنه يروح بالكيماوي أو أي علاج ثاني.
كانوا بخضم مناقشاتهم وبثوان التفتوا ناحية العيون الشاردة ولسانها يردد:
- ده عقاب ربنا على يلي عملته فيك وفأخوك.
ونهضت ومازالت تهذي بعبارات لم تفقه معناه الطبيبة، لكن الباقون علموا عما تتحدث.
- ربنا بعاقبها على يلي عملته بأخوك لما مرضتش تشتري الدوا وسابته يتعذب ويتوجع ويموت، ربنا مابيسبش حد.
وتحركت مغيبة عن هذا العالم الوسخ الذي لم ترى منه سوى الطمع والجشع وحب الذات، لتسارع عنود وقلبها يتفطر لحال هذه الصغيرة وأمسكتها من أكتافها، فتحت فمها تنوي التحدث إلا أن آمنة قد سبقتها:
- ربنا أخد حئك منها يا ماما، وبائي بابا كمان حياخد عقابه من ربنا، وكمان أختي ابتسام، ربنا مابينساش.. مابينساش، وهما نسيوه وهو دلوأتي بيفكرهم إنه موجود.
وانهارت بعدها مغشيا عليها ليسارع حمدان بتلقفها من يدي عنود الوهنة بثقلها وحملها ليضعها على السرير، وعندما أفاقت انتظر الجميع انهيارها وبكاؤها، لكن كل ما طالعهم هو هدوءها وطلبها:
- هو أنا لو طلبت من ربنا يرحم أهلي ويغفر لهم حيسمع مني؟؟.
فأجابتها العنود بدموع حبستها كي لا تفتح المجال لانهيار سد تعرف لو انفتح لن يغلق.
- نعم حبيبتي الله يسمع منج، ولازم ندعي لهم والباقي لرب العالمين.
نهضت من السرير ودخلت الحمام وتوضأت تحت عيونهم المراقبة واستقبلت القبلة وصلت لله داعية بأن يترفق بحال والديها.
عادت للواقع وشعرت بذراع تلتف حولها لترى العمة تمسح دموعها المنسكبة دون ارادتها.
- لا تبيجين يا بنتي، الله يشفيها ويعافيها من كل شر.
واحتضنتها لتندس هي بأحضانها باحثة عن حنان ودفئ تنشده روحها التائهة.
- الله يشفيها ويرحمها برحمته، هو الشافي والعافي.
دعت الجدة بنية صافية لها، فمهما ما فعله الانسان بحياته من أفعال قذرة إلا أن باب التوبة مفتوح والله يغفر الذنوب.
وعادت الجدة تهتف:
- وليش ما حد قالنا علشان نروح ونزور الحرمة المسكينة؟؟.. يعني هي من زمان بالدختر واحنا ما عندنا علم، وانت يابنتي تحملي ما تروحين تزوريها، شو ماسوت فيج تراها أمج وعليج واجب برها، ورضاها من رضا رب العالمين.
ابتعد آمنة عن صدر العمة وكفكفت دموعها وأجابت بصوت متحشرج:
- أنا أزورها وما وقفت عنها، شوماصار تظل هي أمي، وأنا يلي قلت لهم ما يقولون لكم.
- ليش يابنتي؟؟.. تراه زيارة المريض واجب، فكيف إذا كان من أهلنا؟؟.
هزت آمنة رأسها وقالت:
- مب علشان جذا أنا ماقلتلكم، علشان.....
ليكمل منصور جملتها وعيناه تراقب مليكة قلبه وهي تتعذب:
- لأن أمها لما عرفت إنها مريضة اتجننت وقامت تصارخ وتكسر كل شي، فقاموا يعطونها مسكنات ولما تصحى تقعد تصارخ وتسب يلي يدخل عليها وتلعنهم وتدعي عليهم بالموت.
أشاحت آمنة برأسها بعيدا والألم يغزوها، فهمست العمة:
- لا حول ولا قوة إلا بالله.
وأكمل منصور:
- الأدوية أثرت على عقلها وماعادت نفس قبل، علشان جذا هي ماطاعت تقول خايفة أمها لتقول لكم كلمة مب زينة.....
لتسارع الجدة قائلة:
- لاه يا بنتي، أمج معذورة واحنا فاهمين ومقدرين يلي يصير فيها .
وضربت عصاها وأمرت:
- اليوم العصر يا منصور تاخذنا لعندها بالمستشفى.
ونهضت آمنة من مكانها واحتضنت المرأة العجوز بكل الحب والشكر لاحتوائهم لها وادخالها لمنزلهم دون أي مقابل.
- بحبك يا تيته.
لتهتف الجدة :
- رجعتي تقوليها مرة ثانية؟؟.
- أحبج يا يومة.
وتبسم الجميع وانتعشت القلوب والتمني بأن يمضي الوقت حتى تنسب إليه فيحق له فعل ما يرغبه ويطوق إليه.

*********************************
انبلج عقيقها المخضر صافيا متوهجا فكأنما لم تنم منذ سنوات طوال، وباستيقاظها الآن تشعر وكأنها قد ولدت من جديد.
شعرت بالحرارة تغزوا جسدها ودفئ وأمان يحاوطها، فاستغرقها بعض الوقت لتعلم ما هو السبب بما تشعر به الآن، كان هو!!.. فدائما ما أشعرها بالأمان والاستقرار بالقرب منه.
منذ لقائها به وهي تنجذب ناحيته كما المغناطيس بالرغم من الوضع الشاذ الذي كانوا به.
طالعته وتأملت قسمات وجهه المتعبة والمرهقة، لقد اشتاقت إليه كثيرا. مسحت على وجهه على ظاهر كفها بخفة وهمست بداخلها:
- آه يا حمدان... ماتعرف شكثر أموت فيك، ويلي يصير بينا والله غصب عني، جرحك كبير ومب راضي يخف، مب عارفة شو هو يلي يمنعني من إني أسامحك، شي يوقف ما بينا ومب راضي يختفي.
جرت عيناها على عينيه المغلقة وعلى أنفه ولحيته التي طالت قليلا، وفمه وتوقفت تحدده بأصابعها بشوق كبير للاحساس بطراوتها على شفتيها لترتشف وتنهل من ينبوع السعادة، وأغلقت عيناها لتعيش لحظات تلاحمها، ولم تره وهو يفتح عيناه عند اغلاقها لعينيها وراقبها هو الآخر بطوق كبير ودون شعور اعتصرتها ذراعيه ليدنيها ناحيته، وثارت أنفاسه ليقول بصوت مفعم بالأمل، فيكفيهم بعدا ويكفيهم ألما:
- يكفي يا العنود عذاب!!.. يكفي بعادج عني!!.. أحبج والله يعلم يلي فيني.
وأجابته وهي ماتزال مغلقة العينين:
- جرحتني.. جرحتني يا أغلى الناس وما قدرت أشفيه.
طبع شفتيه على جبهتها ثم أجاب:
- عطيني فرصة علشان أداويه، عطيني نفسج يا قلبي وأنا أعوضج يلي صار.
سكتت ولم تقول له شيء، وفتحت عيناها لترى مقلتيه تسترجيها العفو والصفح، تطالبها بالمغفرة، وهمست له:
- خايفة ترجع وتكسرني، خايفة إني ما أقدر ألملم نفسي وأموت بقهري وأقول يا ليتني....
ليسارع قائلا:
- أموت قبل لا أكسرج، وهذا أنا أوعدج أمام الله وأمام نفسي إني أحطج بداخل عيوني وإني ما أجرحج أبدا.
أتهديه الثقة؟؟.. أتعطيه الفرصة؟؟.. هي تحبه وتعشقه فألا يجب أن تسامح وتغفر؟؟... وهمست ترغب بالمزيد من الطمأنينة وراحة البال:
- ليش قارنتني فيها؟؟.. ليش ماسمعتني وعطيتني فرصة علشان أشرح لك يلي صار؟؟.
عقد حاجبيه دون فهم وتابعت هي وعتاب المحبين يطفوا بينهم:
- أنا قلتلك أول ماتزوجنا ما أحب حد يقارني بوحدة ثانية، أنا غير وديما راح أكون غير .
- مافهمت عن منوا تتكلمين؟؟.. وأنا ماقارنتج بحد ثاني؟؟.. وكل يلي صار بذيج الليلة كان غصب عني، والله غصب عني.
وهتفت بألم ينخر فؤادها:
- بلى قارنتني فيها، هي خانتك وتريتني أنا بعد أسويها، انت ماوثقت فيني، أصلا من أول ما تزوجنا وانت ماحطيت ثقتك فيني وأول كلمة انقالت عني انت ماصدقت وطلعتني من حياتك ورميتني ولا كأني أسوى شي عندك.
وتساقطت دمعاتها تبكي ألمها، تبكي أيام ضياعها، وتبكي حب لم يسمح له بالظهور.
علم عمن تتكلم واعتدل بجلسته وسحبها أيضا لتفعل مثله وتساقط شلال شعرها محيطا إياها بهالة من الجمال والفتنة، أراد أن يدفن نفسه بها، أراد الهرب من واقعه بها، لكن عليه أن ينهي آثار الماضي وعثراته، وبعدها سيعيش حياته، مسح شلالها المنسكب وهمس:
- مين يلي قالج عن حرمتي الأولانية؟؟
- مب المهم مين قال المهم إنك توقعتني إني أكون مثلها غدارة وتريت زلتي.
زفر أنفاسا حارة ثم قال:
- خليني أبدأ من الأول، أنا لما تزوجتج أول مرة كان علشان أردلج كفج على يلي سويتيه فيني....
وابتسمت بوسط وجعها لتلك الذكرى التي تراها بعيدة جدا، وتساءلت... كيف مر كل هذا الوقت؟؟.. بالأصل كيف سامحته من قبل والآن لا تستطيع بالرغم من أنها تعشقه؟؟.. وأكمل هو:
- لو تعرفين شوكثر أنا ندمان على يلي سويته فيج، وأحس نفسي دنيئ وحقير، أنا العاقل والكبير آخذ بكلام بنت صغيرة؟؟.. وعرفت بعدين إنه النصيب وإنج مكتوبة لي وإن مصيرنا لازم يلتقي، عاد الظروف كانت شوي غير.
وضحك الاثنان وسط آلامهما ثم استطرد:
- تعرفين إني كنت عايش معاج أحلى عيشة ما عشتها مع حرمتي الأولى.
كشرت عن ملامحها والغيرة تخزها ليسارع قائلا:
- أنا ما أقارن بينكم أنا أقولج الصدق، ماعني أنا يلي اخترتها إلا إني ما حسيت معاها يلي حسيته معاج.
تنهد ثم قال:
- وذك اليوم لما يت ابتسام بيتنا وسمعتج وإنت تقولين انج تزوجتيني علشان الفلوس وبس، حسيت بغصة، حسيت إني أموت وإني انغشيت فيج ما عن المفروض أنا ما أعصب لأن أنا نفسي تزوجتج علشان أنتقم منج على يلي صار، يعني داين تدين.
فسارعت تقول:
- صح اني تزوجتك في البداية علشان الفلوس بس كان......
ليكمل بدل عنها:
- علشان علاج أخوج مايد الله يرحمه.
وسألته بدهشة:
- مين قالك؟؟.
تنهد والندم يتوضح على صفحة وجهه:
- أنا قرأت الرسالة وعرفت كل شي وكنت متسرع بيلي قلته، بس صدقيني كان غصب عني، ماكان ودي أقول يلي قلته، بس شو أقول غير إن الشيطان وقف جدامي وانمحى كل شي وجفت الدنيا اسودت جدامي وما كان غير إلا إني أأذيج مثل ما آذيتيني، أنا ما كنت أعرف ليش سويت جذا بس بعدين عرفت ليش كنت أنا معصب منج وايد.
تحرك من مكانه ليصبح أمامها وأمسك كفيها واستطرد بلهفة:
- أنا تغيرت يا عنود وما عدت نفس قبل، أنا يا عنود أحبج وماعدت أطيق بعدنا، أنا آسف ومستعد أسوي يلي تبيه، بس ارجعي وخلينا نكمل حياتنا، ووعد مني إني أكون لج الزوج الصالح والأخ والأب والسند يلي تتمنينه، ووعد إني ما أزعلج.
وسؤال كان يؤرقها ويقضي مضجعها وعليها أن تعرف جوابه الآن:
- انت تبي ترجعني علشان الولد ما تبيه ينولد بدون أمه وأبوه؟؟.
حدق فيها بقوة وجرت عيناه على صفحة وجهها المتعب وأجابها وهو يقبل أصابعها برقة الواحد تلو الآخر وعيناه لا تحيد عن عينيها:
- أنا.. أحبج... سمعتين؟؟... أنا أحبج انت يا عنود .
ورفع رأسه وناظرها وأعاد قوله:
- أنا أحبج يا العنود وكنت أحبج من زمان بس أنا كنت غبي وما انتبهت، وأبدا ما كان الولد هو سبب رجعتي.
وعندما شاهد اعتراضها سارع قائلا:
- أحب يكون عندي أولاد منج، عنيدين وراسهم يابس، حلوين والأهم تكون عيونهم خضر مثلج، علشان ما تغيبين عن البال وأجوفج فيهم.
أحط بوجهها بكفيه وهمس عند شفتيها بعشق:
- أنا أبيج انت، انت وبس، انت حياتي انت عمري ودونج أنا ما أقدر أعيش، أنا آسف يلي سويته فيج وراح أظل طول عمري وأنا أتأسف وأعوضج يلي راح.
وبكت..... وأطلقت العنان لدموعها وتركتها تتساقط وهزت رأسها موافقة على طلبه فسحبها ناحيته واحتضنتها ذراعيه بقوة كأنها سلاسل الحب التي تطوقنا بشدة، لكن بحنان، فالحب هو النعمة التي حبانا الله بها فإما أن تكون قيودها ناعمة علينا وإما أن تكون مسلسلة بقيود من النار تحرقنا وتكوينا.
أبعدها عنه قليلا ثم انخفض متلقفا شفتيها بقبلة أودى بها حبه وعشقه لإمرأة احتلت كيانه وعقله وفكره لتصير ملكة تربعت عرش قلبه وهو أهداها مفاتيحه بكل يسر.
ابتعد عنها ليلتقطا أنفاسهما، وهمس بالقرب من شفتيها:
- قوليها، برضاج قوليها وخلي قلبي يرتاح.
فهمست بشجن، وروح عادت تتنعم ببهجة السعادة:
- قولها انت بالأول.
- تراني قلت!!.
ابتسمت وسط دموعها وهمست بدلال وهي ترفع كتفيها:
- قولها مرة ثانية عادي
وناظرته بقوة وهمست:
- قولها دوم ولا تحرمني من إني أسمعها، ثانية وثالثة ورابعة... إلى مال نهاية
- أحبج يا قلب حمدان، روحي انت وقلبي، أحبج وراح أظل أحبج لين الله ما ياخذ أمانته.
وعانقها يهديها قلبه فماكان منها سوى أن أعطته شيء لم يكن لها بالأصل:
- وأنا أموت فيك يا قلبي انت وروحي .
وعاد يقبلها متعطشا ومشتاقا للارتواء من ينبوع عطائها اللامتناهي وبلحظة ابتعد متسائلا :
- هو يصير؟؟.. يعني يصير إنا...
ناظرته بتيه ومكر لألأ بمقلتيها وهمست:
- يا الشايب.
وتوسعت شفتيه بشوق لهذا الاسم الذي ويا اللغرابة قد طاق إليه، وهمس هو اللآخر بهيام:
- شكلج تبين تتعاقبين؟؟... وانت عارفة شو هو العقاب.
ولم يعرف من الذي سحب الآخر ناحيته فطوقهما لتتحد أرواحهما بعد طول غياب كانت أكبر بكثير من التمهل والتريث، وغاصا بعدها متنعمين باتحاد جسدين قد طال الحنين إليه، وهفت عواطفهما تعانق نصفها الآخر .


 
 

 

عرض البوم صور طُعُوْن   رد مع اقتباس
قديم 05-01-17, 02:11 PM   المشاركة رقم: 143
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Aug 2014
العضوية: 273510
المشاركات: 1,332
الجنس أنثى
معدل التقييم: طُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 2492

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طُعُوْن غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ام حمدة المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة

 
دعوه لزيارة موضوعي

الفصل الثاني والثلاثون.....

بزغ فجر يوم جديد
وألوان الطيف تزين سمائي.
ضياء اخترق ظلمة قلبي ليزيح ستار أحزاني.
رفرفت بسماء العلا والسعادة تطفح من بين أضلاعي.
ظننت بأني لن أرى العالم سوى بسواده
لأعلم بأن بعد السواد بياض ينير ظلامي.
سطرت حياتي ومالي بالغيب علم، فمستقبلي بيد خالقي.
دنوت من السعادة لأرها تنتحي مبتعدة، فصرخت بها أعيدها
لتجيبني بالصبر وماعلي سوى التحلي به .
فانتظرت.. وانتظرت لأمل انتظاري
وأدبرت منكسرة، مطأطئة الرأس، لأراها تقبل بكل أفراحي.
شعاع أنار خافق قد اكتوى بنار العشق، ودموع قد أغرقت فؤاده.
ليهلل طربا، ويتراقص فرحا، وينادي بأن روحه قد هفت عائدة إليه.
تشبثت بقاربي فمالي غيره ليقودني لبر أماني .
أحببته، وعشقه قد سرى بشراييني .
فلي دعوة لا أريد سواها.. فيارب العباد حقق مطلبي...
بحب يدوم إلى الأبد.
وملاذ يضم تيهي.
وصدر يحتوي دمعاتي .
وقلب ينطق باسمي .
وعائلة تهديني أماني.
وعاشق متيم يهيم بي.

********************
احساس أنك تكاد تتفجر من فرط سعادتك لهو شعور في منتهى الروعة. أن تشعر بالسلام الداخلي فهذا يعني أنك قد بلغت أعالي القمم.
عواطفك تشعر بها قد أتخمت من كم الفرح، فأنت بهذا قد نلت مبتغاك وحصلت على مفتاح سعادتك الأبدية .
مضجعة على الفراش وثغرها ينتشي بلذة ابتسامتها، وفيروزها يشع اخضرارا كأن ماء قد أروى عطش عشبه ليتركه نظرا مفعما بالجمال وبالطاقة، وجسد غارق بنشوته ويستكين بكل هدوء وراحة، وخيالها يبحر بعباب زرقة المياه الصافية .
- عنود....
صوته الأجش ينتشلها من سفر الأحلام لتجيبه بتنهيدة حارة دون أن تفتح عينيها استجاب لها على الفور فأدناها منه كأنها كانت بعيدة والآن صارت بمتناول يده وهمس بعشق تحرر ليعلن عن وجوده بين أركان أقفاصه:
- يا قلب حمدان انتِ.
اتسعت ابتسامتها واندست بين منحنى رقبته وهمست بعد أن طبعت شفتيها على رقبته:
- يا لبيه قلب عنود.
تنشقها بقوة كأنه يسحب جملتها ليخزنها بداخله واعتصرها حتى كادت عضامها أن تتفرقع من شدة احتضانه.
فتنفسها يستلذ بقربها، برائحتها، بعبق أنفاسها، فقد اشتاق لحضنها ولحنانها وكل شيء يخصها.
- آه... يا عنود، آه... لو تعرفين شو صار فيني ببعادج.
غرست نفسها أكثر كأنها تبلغه كم هي أيضا افتقدته، واستطرد:
- حاربت نفسي ومشاعري علشان ما أتألم، كنت الوجع يا عنود، وكنت الدوا والعلاج.
وعاد يمرغ وجهه بين خصلات شعرها ويستنشق رائحته المسكية وأكمل ويداه تسبح بسواد ليلها:
- كنت غبي لما حاولت أبعدج عني.
أبعدها عنه قليلا وأمسك خصلاتها الثائرة من على وجهها يعيدها لمكانها ليغرق بجمال ملامحها، وهمس بكل ما بداخله من حب:
- لكن ألحين مستحيل أخليج تبعدين عني يا عنود، سامعة؟؟.. انت لي أنا وبس، وماراح يفرقنا ألحين غير الموت.
لتسارع بوضع اصبعها على شفتيها تمنعه من اكمال حديثه وسارعت تهمس بالقرب من وجهه:
- بعد عمر طويل إن شاء الله .
سكتت الأفواه لكن القلوب تناغت وتحاورت بلغة لايفهمها سواها، والعيون همست بحديث لم تستطع قلوبهم الحديث فيها، وأصابعه تتحرك بكل زاوية من وجهها كأنه يرسم لوحة فنية لتحفة نادرة الوجود.
ابتسم وسأل:
- من متى وانت تحبيني؟؟.
سكت قليلا ثم أكمل بمشاكسة:
- أكيد مب من أول نظرة مثل مايصير بالأفلام الهندية وبالقصص والروايات.
ضحكت ملئ فاهها ليغمض عينيه منتعشا بصوتها الرنان الذي أطرب أذنيه وخافقه من عودة نغمة السعادة إليه، فما كان منه سوى أن كتمها بشفتيه ليس انزعاجا وإنما تواقا لتكون بداخله، بأعماقه لتسري معيدة إلى عروقه المتجمدة الحرارة والحب.
ابتعد عنها بعد فترة من الوقت وأنفاسهما تشتعل بعبق رغباتهما، وأجابته بعد أن هدأت من وتيرة تنفسها:
- أنا أصلا ما كنت أعرف كيف يكون الواحد يحب وعرفت بالصدفة، بس.....
ليسألها متلهفا المعرفة:
- كيف عرفتي؟؟.. ومتى كان؟؟.
شردت بذكرياتها وأجابته وعقلها يغوص منقبا عن تلك الأحداث التي أخذتها للسماء العالية:
- تذكر لما رحنا المطعم مع الأولاد قبل لا.......
وتكسرت جملتها وهي تتذكر الماضي بمواجعه وعذاباته، لتظمحل أيضا ابتسامته ويلتقي حاجبيه بتسؤال.
- شو صار؟؟.. كملي؟؟.
تنفست شهيق وزفير وابتسامه باهتة تلونت بها شفتيها وأجابته وهي تنظر لعينيه:
- عرفت إني أحبك باليوم يلي طلقتني فيه.
تجهم وجهه، وتكسرت بسمته واسودت ملامحه وهمس بعدها بحزن وكره لنفسه:
- يعني بذك اليوم عرفتي انج تحبيني وأنا بنفسي ذبحت حبج لي بنفس اليوم!!.
استكانت على صدره والألم عاد يغزوها، فبالرغم من الصفح إلا أن الجرح لم يشفى بعد.
تحرك من رقدته لتتحرك معه ليصبح فوقها وناظرها بقوة لفترة من الوقت لتبادله التحديق، ليقول بعدها:
- أنا آسف!!.
وانحنى يقبلها على أنفها ثم ابتعد وقال:
- آسف على يلي صار.
وطبع قبلة على وجنتها ثم ابتعد وتابع الحديث:
- وآسف على إني غبي وإن مافي بعقلي ذرة ذكاء.
وابتسمت ليعود ويهبط بشفتيه على وجنتها الأخرى ثم استطرد :
- وراح أظل طول عمري الباقي أعوضج على يلي سويته فيج.
وعاد يطبع شفتيه على جبهتها لتقاطعه:
- باقي مكان بعدك مابستني فيه .
لتتوسع شفتيه بابتسامة خلابة من طلبها وغمز بإيحاء لتصطبغ وجنتيها بحمرة سلبت عقله.
- حاضرين والطلب غالي، انت بس آمري وتدللي.
وسكتت شهريار عن الكلام المباح وتركت الديك يؤذن معلنة عن اسدال الستار لقلبين قد عانا وأخذا من مشاق الحياة الكثير وآن أوان حلول الربيع بعد شتائهما القاسي.

******************************
انتشر خبر صلح العنود وحمدان وعودة المياة لمجاريها بين العائلة باتصال حمدان بجدته مخبرا إياها عن صلحهما، لتنتشر زغاريد الفرح معلنة عن بدأ غد جديد مليئ بالأفراح والمسرات،
وأعلنت الجدة اقامة حفل صغير يضم الأحباب لزوال الغمامة التي حلت عليهم، لكن بقيت غمامة واحدة فقط تجول فوق منزلهم، فهل ستحل عنهم أم ستظل تطوق أعناقهم وتقيد فرحتهم؟؟.
- وشفيج يا الغالية؟؟.. عسى ما شر!!.
جلس سالم بالقرب من جدته التي وجدها ساهمة بملكوت الله والأطفال من حولها يلعبون وشقيقة العنود تجلس على كنبة بعيدة تنظر للأطفال تارة ثم تعود لكتابها باسترخاء تام .
تنهدت الجدة بضيق، وألم الأمومة ينخر أحشائها فمهما كبر الأطفال فهم يظلون صغارا بأعينهم ويحتاجون لمن يعتني بهم.
- وليدي يا سالم، وليدي ما عرف له طريق.
والتفتت له وهمست بدموع توشك للسقوط:
- شو ماغلط يظل حشاشة يوفي.
وأمسكت دشداشته وسألته بدمعات انسكبت تروي حكاية حزنها على بؤس ولدها:
- وين أبوك يا سالم؟؟.. وين راح أبوك؟؟.. وليدي يا سالم راح وماعدت أعرف أراضيه.
ليضمها لصدره مهدهدا إياها:
- هدي يا يومه، أبوي ماعليه إلا العافية وإن شاء الله بنلاقيه.
ليصلهم صوتها هادئا كما اعتادوه دوما وجلست بقرب والدتها تعطيها الطمأنينة التي تنشدها:
- ولدج بخير يا الغالية ولا تحاتين.
ابتعدت عن حفيدها والتفتت لمن ستهديها راحة البال.
- انت تعرفين هو وين؟؟.
هزت رأسها تجيبها:
- ولدج راح العمرة يا الغالية.
- من متى؟؟.. وليش مايا وقالي وسلم علي بدل ما أنا أحاتيه جذا؟؟.
تنهدت خديجة وتذكرت اتصاله المفاجئ بعد أن اختفى تماما منذ أن شاهدته لآخر مرة باحتفال قدومها، ترددت عندما شاهدت اسمه يضيئ على شاشة هاتفها، لكن قلبها كان لها بالمرصاد وأجابت:
- السلام عليكم
ليصلها صوته متعبا ومنهكا من التفكير بمدى تدهور حياته:
- وعليكم السلام، شخبارج يا الغالية؟؟.
كتمت أنين ألمها وأغلقت عينيها بوجع.
آه.. يامن سكنت القلب والروح، أو تسألني ما أحوالي وأنت سبب كل عذاباتي؟؟.. أوتسأل عن قلب قد وأدته بخنجرك المسموم؟؟... ماذا أجيب؟؟.. وماذا أقول؟؟... أأضحك أم أترك العنان لغدراني تحكي جروحي وأوجاعي؟؟.. أوتعرف يامن تملكتني؟؟.. لو تركتها لفاض العالم بدمعاتي.
- أنا بخير والحمدالله
يعلم ويعرف بأنها تكابر قيح ألامها وهمس بوجع استبد بخافقه من أوجاعها:
- سامحيني يا أغلى الناس!!.. سامحيني على كل يلي سويته فيج!!.. أنا غلطت وغلطتي كبيرة بحقج.
سكتت ولم تجب وأكمل بعد أن علم بأنها لن تجيد بما يريد سماعه:
- أنا اتصلت علشان أخبرج من إني مسافر.
ودون ارادة سألته:
- على وين؟؟
تنهد بحرقة قلب وأجابها:
- بروح العمرة، حاسس إن الدنيا اتسكرت جدامي، وقلبي ضايق، تعبان يا الغالية تعبان، وحاسس بصدري مكتوم، احس إن الموت ياي صوبي.
ووصلتها زفراته الحارة لتنسكب تعلن حزنها على حزنه وعضت شفتيها تمنع خروجها وبداخلها صرخت بها:
- بعد عمر طويل.
وهمست بعد أن تمالكت نفسها:
- تروح وترجع بالسلامة، وعمرة مقبولة إن شاء الله .
أغمض عينيه باعياء وهمس بصوت مشحون بالشوق والحنين:
- بدعي لرب العالمين إنه يحنن قلبج علي وتسامحيني، ولازم تعرفين إني مالي غيرج أبد، حسن لخديجة وخديجة لحسن، معادلة مترابطة ومستحيل حد يفكها، وأنا مستحيل أتخلى عنج ومستحيل أبعد، أنا بعطيج فرصة تهدين وبعدين راجعلج يا جوهرتي، راجع.... تسمعين يا خديجة؟؟.. أنا راجع وذيج الساعة مافي قوة بالكون تجبرني إني أتركج.
وأغلقت الهاتف بعد أن انتهت المحادثة على توصيته بالسلام على والدته وطلب الصفح منها لأنه لم يخبرها بسفره، وابتسامة تنير شفتيها والوعد هو الوعد وستنتظره لتبدأ معركة القتال لينال الأمير أميرته الحسناء وكم تطوق لتلك الحرب .
- احم.. احم، نحن هنا.
التفتت لترى أربع أزواج من العيون تحدق بها لتداري ابتسامتها التي اعتلت صفحة وجهها واستطرد سالم قائلا:
- أنا أقول ليش الويه منور اليوم، أتاري الحبيب متصل.
قذفته بالوسادة هاتفة بخجل:
- استحي على ويهك يا ولد.
وقهقهة الجدة والراحة تزورها أخيرا، لكن ليست بالكافية، فالأفعى السامة ماتزال بينهم ووجب التخلص منها قبل أن تعيد شحذ أسلحتها الفتاكة وتصوبها لأحد أفراد عائلتها، فهي لم تخبر أحدا بما حدث معهما بذاك اليوم، وأوصت حفيدها أيضا بعدم إخبار أي شخص ريثما تفكر بشيء ما، فهي لا تريد أن ترتكب اثما بالتفريق بين زوجين، فمهما كان ابنها متزوج من شيطانة إلا أنها تظل زوجته وهي تؤمن بأن الله الوحيد القادر على كشفها، ودعت بقوة بداخلها بأن ينجيهم الله من خبثها.
***************************
حل اليوم التالي وقد أشرقت شمس السماء وقد غدت جديدة لمن شاهد النور من جديد، وانقشع عنه ضباب الحزن والحرمان لتبدوا الآن ملونه بألوان الطيف، والضياء يتوهج أمام ناظريها، فلا حزن بعد اليوم، ولا دموع ولا ألم، فقط السعادة هي من ستكون رفيقة دربها الدائمة.
نهضت بهمة وسعادة والتفتت لجانبها لتراه قد خلى من نصفه الآخر فتهادى إليها خرير الماء لتعود وتضجع بجسدها مستنده على الوسادة للخلف بوضعية الجلوس وقد عانقت روحها السماء العالية، ربتت على بطنها اثر تحرك طفلها وهمست له بحنان:
- شو شعورك ألحين وأنا وأبوك تصالحنا؟؟.. ألحين رضيت علي؟؟
قهقهت بخفوت ثم تابعت:
- عاد ألحين ولي يرحم والديك بلاش ترفيس ولا تلعب كورة داخل ولا بعلم عليك أبوك يجوف صرفة معاك.
- علميني وشسوا فيج وخليني أأدبه.
التفتت ليتحرك شلالها الغزير معها مخفيا نصف وجهها، وسقطت حمالة قميص نومها مظهرا بياضها، كانت صورة متناقضة بين سوادها وبياضها، كانت صورة تخلب الأنظار.
ازدرد لعابه لتتحرك تفاحته وهمس بداخله...
- سبحان من سواج بهذي الصورة.
ولم يكن حالها بأحسن منه فقد التقطت هيئته النارية بجسد تتقاطر عليه قطرات الماء كأنها تسبح بين عضلاته بكل حرية، وعيون حادة صقرية تتطلع إليها بجرأة وبعواطف مشبوبة لم يداريها أبدا جعلت جسدها يقشعر راغبا بكتلة العضلات تلك لتبحر بنعم الله التي هباها لها.
تقدم ناحيتها مسلوب الارادة وراقبت تقدمه بشوق وانحنا ملثما شفتيها المتقدمتان لاستقباله ثم قال وهو يضع كفه على بطنها وهمس لطفله وهو ينحني باتجاهه:
- أقول يا ولد تأدب تراها حرمتي قبل لاتكون أمك، وخلني أجوفك تتعبها .
وشعر بركله تجيبه على رفض أوامره لتنتشر ضحكاتهم معلنة حياة جديد تنتظرهم مليئة بالفرح والبهجة والسرور.
نهضت بمساعدته ودخلت تستحم لتستعد للذهاب لمنزل العائلة فاليوم ستجتمع العائلة لتهنئهم على الصلح .
تحركت هنا وهناك تتحدث على الهاتف وهو فقط يراقبها وبداخله شعور بالغبطة واكتفاء وسلام داخلي بأنه نال كل مايريد ويتمناه، فهاهي معشوقته أصبحت له من جديد.
- شهودة لا ترفعين ضغطي!!.. أقولج تعالي يعني تعالي، بصراحة مب عارفة شو سالفتج انت؟؟.
سكتت تستمع ثم قالت وقد تملكها الحنق من رفض صديقتها للقدوم للحفل.
- تراج انت من الأهل ولا طاحت حقوق الأخوة من قاموسج وماعدت اختج تفرحين لفرحتها؟؟.
تحركت مرة أخرة ووقفت أمام المرآة وأخذت تعدل شعيراتها الطويلة وترتبها وتتأمل مكياجها .
- اسمعي يا شهد، مالج عذر واليوم بتحضرين وخلي عنج سوالف إني مب من الأهل، بنتظرج وإذا ماييتي انسي إن عندج اخت اسمها عنود.
وأغلقت الهاتف وتحركت ناحيته وهي تتأفف، كانت مبهجة للنظر، ومتعة للقلب العاشق.
- أف... ما عرف شو سالفتها هذي؟؟.
أجابها وهو يتجه ناحيتها أيضا ويأخذها بأحضانه:
- خليها على راحتها، يمكن عندها ظروف.
تقبلت عناقه بترحاب وأجابته وهي تلف ذراعيها حول جذعه:
- مين... شهد؟؟.. مستحيل!!.. شو ما كانت ظروفها مستحيل تتخلى عني، أكيد في شي يخليها ترفض.
أبعدها عنه قليلا وداعب أنفها بسبابته:
- وأكيد محقق كونان راح يعرف وشفيها.
أدت التحية العسكرية وهتفت بمرح:
- أكيد يافندم.
وضحكت من أعماق قلبها ليسحبها ويعيدها بالقرب من صدره فلا رغبة لديه بتركها بعيدا عنه ولو لدقائق، لتتقبل ذراعيه وتنهدت لتقول بعدها:
- لازم نسير حبيبي، الكل يتريانا .
تنهد وانخفض واضعا جبهته على جبهتها وهمس بشجن:
- لازم نروح يعني؟؟.. خلينا نأجل الحفلة، احنا بشهر العسل.
أبعدته وضربته على ذراعه وهتفت وهي تضع كفها على بطنها:
- واااااااااو... جوف شهر العسل وأنا بالسابع، أما وناسة بشكل.
صمتت وطالعته وبابتسامة حانية تابعت:
- العمر جدامنا حبيبي علشان نستانس.
هز رأسه موافقا وهمس خلفها:
- نعم.. الأيام كثيرة علشان نستانس .
وخرجا يدا بيد واتحاد يطوقهما مخبرا الجميع بأنه لن يفرقهما أحد.

***************************
- قسما بالله شغلة، يعني هو غصب إني أحضر؟؟.. ما بي أحضر حفلة يا أختي، أنا ما أحب الحفلات والجمعات.
هذا ماكانت تردده شهد وهي تدخل عتبات منزل آل الكتبي وهي ترغي وتزبد وتتوعد عنود على اجبارها بالقدوم.
- يعني مب كافي إني أجوفه بكل مكان، والحمار مب طايع يروح من جدامي، بعد تبيني أجوفه هنا ؟؟.
- مين هذا الحمار يلي يلاحقج بكل مكان وماتبين تجوفينه هنا حتى؟؟.
دارت حول نفسها وهي تصرخ بسبب الصوت الذي أرق لياليها ونهارها
وهاهو الآن يتجسد واقعها، فأين المفر الآن من الحقيقة التي أضجعت منامها.
وضعت كفها على موضع قلبها الخافق بشدة وهتفت:
- خوفتني الله يغربل بليسك، حشى... مافي تنحنيح أو سعله؟؟.. يا أخي قول أي شي ولا عاجبنك إني أطيح ميتة في بيتكم؟؟.
وقف يطالعها بفضول غريب فقلما ما تجذب أنظاره امرأة، تأملها بدقة كانت فتاة ذات جمال عادي ليست فاتنة وليست قبيحة هي معتدلة الجمال، لكن الذي يلفت الانتباه إليها هو شخصيتها الفريدة من نوعها لقد سمع عن بطولاتها من والدته وكيف وقفت مع زوجة ابن عمه بمحنتها واتخذتها شقيقة، وتساءل... هل مازال أمثال هؤلاء الناس موجودين في عالمنا؟؟.. والجواب كان وجودها أمامه يجسد الحقيقة.
- والله أذكر اني كحيت بس الحمار يلي شاغل بالج هو يلي ماخلاج تنتبهين.
ورددت خلفه والصورة تتشكل أمامها....
- حمار...
وانفجرت بعدها ضاحكة بعد أن تخيلته حمارا.
- والله العظيم الشكل لايق.
وعادت تقهقه إلى أن أدمعت عيناها ولم تنتبه لاقترابه منها سوى بعد أن همس قائلا:
- بصراحة.... أنا أحلا بوايد من هذا الحمار.
انخرست ولم تنبس بحرف واحد، وازدرت لعابها بصعوبة من قربه الشديد وبحكم العادات والخجل الفطري الذي ولدت عليه الأنثى من قرب رجل غريب منها أخرت خطوة للخلف، ولكن عيناها عانقتا ملامحه الوسيمة وهو فعل بالمثل إلى أن قطع تأمله الغريب ودار على عقبيه ورحل دون حرف واحد وسارعت هي الأخرى بالهرب من مشاعرها المضطربة التي تعيشها منذ أن التقت به وفكرها يهديها الاجابة لسؤالها:
- مستحيل!!.
وبخضم حروبها الطاحنة مع عواطفها اصطدمت بأحدهم لتصرخ جزعة وتهتف:
- شو سالفتكم اليووم؟؟.. ماغير تروعوني، جن اليوم يوم الرعب.
وسكتت بعد أن تطلعت لمصطدمها وقالت بخجل وتدارك للأمر:
- آسفة خالتي ماانتبهت.
- ولا يهمج حبيبتي، بس مين هذا الأولاني يلي خوفج؟؟.
فتحت فمها تجيبها بحنق إلا أنها توقفت بآخر لحظة من همسها لاسمه وبهتت.
- ها... آآآآآآآ ماحد، تعرفين أنا روحي بس أتحلطم مع نفسي.
وقفت شهد تحت أنظار خديجة المدققة لها وكادت أن تبكي من استحيائها فماذا كان ينبغي أن تقول... أن ولدها قد أشاع الفساد بعقلها، وأنه يستحيل بل من سابع المستحيل أن تتخيله لمجرد التخيل بأن يكون فارس أحلامها، احتضنتها أم سالم بحب من أكتافها.
- تعالي يابنتي الكل موجود وعنود تترياج ومتوعدتنج إن ماييتي الحفلة اليوم بتوريج الويل.
ارتاحت أساريرها وعادت شهد المجنونة بحكاياتها وثرثرتها المعهودة ولم تعلم بأن الأم تفكر وتختار وتهدي أطفالها كل السعادة ليعيشوها طوال حياتهم، وهي قد اختارت لولدها الشخص المناسب له.
تجمع الكل مهنئين حمدان وعنود لرجوعهم وعودة الوصال بينهم وعلت التهاليل والتبريكات والزغاريد، وانتشرت بين الجمع عدوة الابتسام والضحك، فاليوم يوم سعيد ولا مكان للحزن.
ووقفت تراقبهم بعيون ينقصها شيء ما، بل شخص واحد فقط لتكتمل الصورة السعيدة للعائلة، ليصلها همسه قريبا منها:
- وانت يا الغالية، ماصار الوقت علشان تتصالحون؟؟.
تنهدت واتكأت برأسها على سندها وجدارها وهمست له بقلب مشتاق:
- مب عارفة يا ياولدي يا سعود!!.. مب عارفة!!.
- أبوي يحبج وكلنا نعرف هذا الشي، وهو ندمان على يلي سواه وأظن كفاية عليكم جذا، وأصلا هو قالي إنه كان ناوي يطلقها بس طلعت حامل و......
ابتعدت عنه ليسارع قائلا ومعيدا اياها إلى صدره:
- بس بعده على قراره على أنه راح يطلقها بس لما تولد.
- والولد!!.
ليجيبها وعيناه تناظر الجميع:
- تتوقعين إن حرمته ويها ويه تربية أولاد؟؟.
وأجابته بشكل قاطع:
- حتى لو كان، هي أمه، وكان المفروض يفكر بهذا الشي قبل لا يتزوجها.
فتح فمه يعترض ويكمل الدفاع عن والده إلا أنها قاطعته منهية الحديث:
- مب وقته يا سعود، خلنا نستانس اليوم ويصير خير على حكايتي أنا وأبوك.
أخفض رأسه بانهزام فسارعت ترفعه:
- بس خلك فاكر أنا أحب أبوك ومستحيل أتركه، هو بس، أنا.....
أكمل بدل عنها والأمل يلوح بعينيه:
- عارف، انت مجروحة منه وزعلانه ويبالج وقت، هذا المهم انكم ترجعون لبعض وخلي أبوي يحرم يسويها مرة ثانية وانت تدلعي واطلبي يلي تبيه.
ضحكت لما قاله وسألته:
- ها... انت بعد تبي سيارة بورش؟؟.
ضحك بخفوت وأحاطها بذراعيه مجيبا اياها بهدوئه ووقاره:
- أنا مب منصور يا الغالية، والحمدالله مقتنع بسيارتي ومب محتاي شي، ولو بغيت... الراتب موجود والحمدالله، يعني مب ناقصني شي.
التفتت إليه وربتت على خده قائلة:
- ناقصنك حرمة وبيت وعيال.
ودون إرادة تحركت عيناه تبحث عنها بين الجموع لتسقط عليها واقفة وتضحك من الأعماق، طبيعية غير متصنعة، مرحة مشاكسة، محبة وخلوقة.....
نفض رأسه من تخيلاته الخصبة وتساءل... ماذا حل به؟؟.. ولما هي بالذات؟؟.. لتجيبه والدته على حيرته:
- شهد بنت أمورة وطيبة وتصلح لك زوجة، انت هادي وهي خبلة شوي بس تركيبة معقولة وتتناسبون، الطيبون للطيبات، ها... شو قلت؟؟.
سعل يجلي حنجرته ورفض يلوح بالأفق لكن نداء باسم والدته ليتعلق اعتراضه بين السماء والأرض، وعودة لمحيرته يراقبها من بعيد، فهل يعقل ما قيل له؟؟... هل تناسبه؟؟... وضحك بسخرية هامسا لنفسه:
- يعني أنا ديما تخيلت اني أتزوج وحدة تشبهني.. هادية وراقية، مب وحدة.....
وسكت يتأملها... ضحكتها تأسره، ونظراتها المشاغبة تجذبه، وحركاتها العشوائية تجعله راغبا بتطويقها لتهدأ قليلا، وعنفوانها يرغب بترويضه.
ضرب رأسه من خيلاته التي تشطح به وتحرك منخرطا بالحديث مع الرجال لعله ينسى ما ألم به.
وفي الجهة الأخرى وقف حمدان أيضا يتابع معشوقته... ضحكتها، حركاتها، همسها ومشاكستها مع أطفاله وصديقاتها، كم هو شاكر لله لعودتها إليه، فلقد اشتاق للعودة، للشعور بالحياة تدب بداخله، وبالضحكة تنتشر بين أركان المنزل، ودعى ربه بأن يحفظ له عائلته من كل شر.

***************************
توقفت سيارة من نوع ليكزس أمام منزل الكتبي وترجل منها رجل بريعان شبابه، وسيم وبهي الطلة، وأنيق المظهر بلحيته الخفيفة ونظارته السوداء على عينيه ودشداشة بيضاء ناصعة البياض.
ناظر المنزل لثواني ثم دخل كمن يعرف طريقه وقرع الجرس لتخرج الخادمة:
- يس سير؟؟.
- حمدان موجود؟؟
- يس سير مين يقول؟؟.
- قوليله سعيد
ودخلت الخادمة مغلقة الباب خلفها ليتراجع هو للخلف غاضا بصره عن حرمة المنزل وأخذ يتطلع للحديقة بجمالها وألوانها الزاهية وبالجو البديع لتطالعه صورة حية عن الجمال الطبيعي، ثم التفت ما أن شعر بوجود أحدهم يقترب لكن هذا الشخص لم يقف بل وقع بأحضانه مباشرة ولم يكن ذو جسد صلب، بل كان جسد ناعم الملمس وطري وصوت ناعم متألم صدر منه:
- آي.....
بهت لثوان حتى ارتد مبعدا إياها وخجلا من الموقف وسألها ورأسه يعانق الأرض:
- انت بخير؟؟.. صار لج شي؟؟.
ولم يجبه سوى نحيبها المكتوم فرفع رأسه ليجدها تغطي وجهها بكفيها وتبكي، فما كان منه سوى أن اقترب وسألها بجزع من أنه أصابها:
- يعور ج شي تكلمي؟؟.
وهزت رأسها ومازال كفيها يغطيان ملامحها وعاد يسألها باستفسار وبصوت عالي قليلا وقلة صبر وتململ:
- لما انت مب متعورة ليش تبجين؟؟.. ولا هو بس تحبون تبجون منا والطريج؟؟.
وأخذ يهمهم بعبوس وملل من جنس كرهه بشدة وازداد بكائها وهذه المرة أبعدت يديها ليقف مذهولا من رؤية وجهها الطفولي ولم يكمل تحديقه بها إذ حاول الاصغاء إليها وهي تتحدث بصوت خفيض:
- ليش... ليش.. كنت واقف عند الباب؟؟.. يعني يلي صار ألحين زين؟؟.
وهمس قائلا وهو لايدري سبب بقائه حتى الآن معها، فكلما صادفه موقف مع امرأة يحاول بشتى الطرق انهائه ليغادر، لكن الآن وقف وهو لا يعرف سبب اعتراضها .
- أنا كنت واقف أتريا صاحب البيت، وثاني شي لو كنت مب موجود كان ألحين طحتي وتعورتي.
وصرخت به بصوت مبحوح:
- وإذا... خلني أطيح مب من حقك إنك تلمسني وانت ماهو بمحرم علي.
وإذا عرف السبب بطل العجب .
- ها... مب محرم!!.
ارتبك وسعل يجلي حنجرته وأجابها:
- كلامج صحيح أنا آسف!!.. بس ما كان قصدي إني ألمسج، كان مجرد ردة فعل سريعة.
ونظرة سريعة لها وتابع:
- وانت الله يهداج.....
وعاد يتطلع لعباءتها الطويلة وأكمل:
- لابسة عباية طويلة، أكيد بتتعثرين منها وبطيحين.
وهمست وهي تمسح دموعها:
- مايخصك و......
قطعت جملتها وتأففت وهي تسب نفسها :
- أنا أصلا ماعرف ليش واقفة وأتكلم معاك!!.
رفعت عباءتها قليلا وابتعدت بخجل ورأسها يطالع الأرض وتحرك هو يراقبها وعيناه لم تحيدا عنها سوى بسماعه صوت صديقه:
- أقول... أجيب المليج ونسوي حفلة العرس بعد اسبوع؟؟.
أجابه صديقه وهو يشيح بأنظاره عن ذلك الظل الأسود:
- مليج شو يا أخوي؟؟.. وين أنا ووين الزواج عني!!.. صدق إنك فاضي ورايق.
ابتسم له حمدان بشرود وهو يتذكر اللقاء الأول له مع عنيدته وهمس له:
- يا خوي يا سعيد، لما القدر يتكلم ويصدر أوامره ماراح تقدر تهرب منه شو ما حاولت، ويلي مكتوب على الجبين راح تجوفه العين .
تأمل سعيد صديقه حمدان ثم قال ببعض السخرية:
- أقول.. جنك صرت حكيم وصاحب أقوال؟؟.
احتضنه حمدان من أكتافه وأجابه:
- يا خوي يا سعيد الدنيا تعلمنا إن مب كل الناس واحد.
سكت سعيد ولم يجبه لأن هناك ما هو أهم من النساء ومتاعبهن التي لا تنتهي أبدا، وسأل:
- انت ألحين مشغول؟؟.
فرك لحيته وقال بابتسامة واسعة:
- تعال.... صدق، أنا ماقلتك؟؟.
استغرب سعيد وسأل:
- عن شو؟؟.
تنحنح ثم أجابه:
- أنا والمدام رجعنا لبعض، ومسوين حفلة صغيرة للصلح.
ابتسم لسعادة صديقه واحتضنه مهنئا إياه فقد كان عالما بأحواله وحالته المتردية إثر انفصاله عن زوجته، فقد كان كاتم أسراره ويعلم كل خباياه.
- مبروك يا خوي، تستاهل بس ها... حاسب واتحكم بنفسك، لأن المرة الياية إن شاء الله مين ما ادخل مارح ترجع لك.
ليهتف حمدان:
- هو في مرة الياية؟؟.. أعوذ بالله من الشيطان، لا إن شاء الله، الله يكفينا من شرور الناس.
شاهد توتر صديقه وسأله:
- وشفيك يا سعيد؟؟.. جيتك شكلها ماتبشر بالخير!!.
وماكاد يجيب حتى تهادى إليه صوت ناعم ورقيق:
- ممكن أعدي؟؟.
ليجيبها حمدان:
- هلا ميثة، شو تسوين برع؟؟.
فأجابته برأس منخفض وصوت يكاد لايسمع:
- نسيت شي بالسيارة ورحت أجيبه.
تحركت عيناه دون ارادة ناحية صديقه ليشاهد تحديقه بصديقة زوجته.
- كان قلتي لوحدة من الشغالات يجيبونها لج؟؟.
- لا ماله داعي أتعبهم، أصلا حرام كلهم مشغولات وكفاية عليهم شغل الحفلة.
هز رأسه وابتعد عنها ساحبا سعيد معه.
- اتفضلي.
- يزيد فضلك.
واختفت خلف الباب ليتساءل حمدان بمكر:
- ها... شو قلت؟؟.
ليسأله صديقه بشرود بمن توارى خلف الأبواب:
- عن شو؟؟.
- المليج والزواج بعد اسبوع.
استعاد وعيه وأشاح بيده نافيا المسألة تماما وقال:
- خلنا من سوالف الحريم وتعال عندي لك خبر .
امتعض وجهه وسأل:
- أي خبر؟؟.
طالعه صديقه وأجابه ليعيده لواقع قد رحل عنه لسويعات ليذوق به أمتع لحظاته.
- عن... عن الريال صاحب الصور.
وهنا عادت ذاكرته والصور لمحبوبته بأوضاع مشينة تصفع رجولته، لتثور دمائه، وتنفر عروقه، ونبضت أوداجه وهدر بصوت ناقم وغاضب لبشر استبد بهم الشر ويدهم قد طالت كل ما هو بريئ وطاهر.
- حصلتوا الريال!!.
هز سعيد رأسه وأجاب:
- نعم حصلناه، والليلة راح نداهم بيته، أصلا لما سألنا عرفنا إن البيت عليه شبهات.
احمرت عيناه وتصلبت عضلاته وهو يقول والثأر هو مطلبه:
- أنا معاكم الليلة.

******************************
انتهت الحفلة وعاد الجميع لمنازلهم سعداء مسرورين.
حاول حمدان أن يقنع عنود بالبقاء بالمنزل الكبير إلا أنها رفضت وردت عليه:
- لازم أروح وأرتب كل شي علشان نرجع ونسكن هنا.
- خلي الشغالات هم يروحون ويلي يرتبون الأغراض وانت ارتاحي.
- أكيد بخليهم يساعدوني بس في أوراق وكتب الجامعة لازم أنا أرتبها علشان لا تتلخبط وتضيع، انت بس جيب الشغالات باجر الصبح علشان نخلص بسرعة.
وافقها مرغما وغير مقتنع بوجودها بالشقة لوحدها، لكنها عنيدة واستطاعت اقناعه بوجوب وجودها هناك، فأخذها مجبرا وتركا الأطفال وآمنة بالمنزل الكبير مع الجدة .
************************
وقل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، فما كان مؤجلا وجب تقديمه، وما اختبأ خلف ستار الظلام وجب اخراجه للنور، وعندما يصفق الشر طربا ويتراقص مرحا لقروب تحقيق أمنياته فيقف من هو له بالمرصاد ويسقطه بغفلة منه إلى الهاوية التي حفرها لغيره.
ربما هناك ضحايا وربما هناك أبرياء، لكن بالنهاية يقع كل ماهو محتوم.
نادته قبل خروجه بعشق:
- حمدان....
والتفت إليها مجيبا ندائها بكل مايحتويه صدره من حب:
- يالبيه يا قلب حمدان.
عانقته واحتضنته ليحتويها هو أيضا بكل ما يعتمله من حب لها وهمست له:
- أحبك...
أغمض عينيه يستلذ بطعمها وكيف لمفعولها السحري أن يسري بشرايينه كما المخدر، أبعدها قليلا وهمس لها وهو يدني من وجهها لتتلاصق أنوفهما، وتتمازج أنفاسهما ليتنفسا عبق أرواحهما الطربة لقربهما:
- وأنا أموت فيج.
ناظرته بدقة كأنها تحتفظ وتختزن ملامحه بذاكرتها ثم تركت جذعه لتحيط وجهه بكفيها.
- وأنا أعشقك.
ثم أهدته قبلتها ليسحبها لصدره ويكمل ما بدأته، لكن نداء هاتفه قاطعهما وابتعد غير راغب بتركها، لكن رغبته بدق عنق من يريد لهم الأذية كانت أكبر بكثير، والوعد باكمال ما بدأه بعدما ينهي مالديه.
ولو كنا نعلم بغيب الأمور لكنا وقفنا له بالمرصاد، فالشر لن يهنأ إلا بعد أن يقضي على السعادة، ففرحتهم تبنى فقط على تعاسة الباقيين.
وما بين غفلة الشر يحتفل بانتصار وشيك ليغرق حتى أذنيه برذيلة كان الله ساترها لعل وعسى يرتد، لكن لمن نقول ولمن ننادي وقد طمسوا عيونهم وقلوبهم فما كان منه سوى أن يكشف ستار الفسق بعودة لم يحسب لها حساب، ودخول ليسمع أصوات الفجور تخرج من حيث لايتوقع، لينقاد لمذبح هو كان بانيه، وظهر الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.
وبالمقابل كان الخير يترصده الشر كل ليلة فقد حان وقت سداد الديون وتسلل بعد خروج حاميها فالغدر دائما ما يطعن بالظهر لمن لم يتملك الجراءة ويواجه الرجال.
طرقات على الباب وصلت لمسامعها لينبض قلبها بعد أن كان منكتما على غير عادته والتفتت بسعادة بعودته دون أن يذهب لموعده المستعجل وسارعت لاستقباله بأذرع مفتوحة وفتحت الباب بابتسامة.
وكم تمنت من أنها لم تفتح وهي ترى الشيطان يقف أمامها ساحقا كل ما هو ينبض بالحياة، فقد غافلها بدفعة للخلف وأغلق الباب، لتنادي الأفواه والقلوب بلحظة واحدة :
- رحمتك يا الله.

 
 

 

عرض البوم صور طُعُوْن   رد مع اقتباس
قديم 05-01-17, 02:25 PM   المشاركة رقم: 144
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Aug 2014
العضوية: 273510
المشاركات: 1,332
الجنس أنثى
معدل التقييم: طُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 2492

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طُعُوْن غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ام حمدة المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة

 
دعوه لزيارة موضوعي

الفصل الثالث والثلاثون
كم اللقاءات التي تمر علينا بحياتنا لا تعد ولا تحصى، فإما أن تستمر معنا للأبد وإما أن تنقضي فترتها باختفاء صاحبها فنسري بحياتنا كأنه لم يتواجد أبدا، لكن دائما للأقدار تصاريف أخرى، فاللقاء لم يكن عابرا ولم يكن صدفة فلكل شيء حكمه هو يريدها، فاما أن يؤدي بنا لطريق الصواب وإما أن يكون العكس تماما وهنا تظهر الاختبارات بطريقة خياراتنا، فيتركنا الله ليرى هل نتمسك بعقيدته أم نبتعد ونولي الأدبار مختارين مباهج الحياة، غافلين بأن الدنيا زائلة وأن الآخرة هي الأهم وأنا ما نعيشه هي مجرد اختبارات إما أن تفشل بها أو تنجح .
كررتها دائما وسأكررها كثيرا... الصبر هو مفتاح الفرج وأن بعد العسر يسرى فتلك أبدا لا جدال فيها وأن رحمة الله واسعة فإن أغلق أمامك باب فهو يفتح لك باب آخر، لكن هو يمتحن مدى صبرك.
وإن اعتقدت بأن السعادة ستلازمك للأبد فاعلم بأن دوام الحال من المحال، فيوم لك وعشرة عليك، داوم على الدعاء والحمد والشكر والثناء فبها تفرج الهموم.
وإن اعتقدت بأن حياتك بائسة فانظر للأقل منك حظا فسترى بأنك تعيش بنعيم، لا تنظر لماحولك فعينك ترغب بالكثير، فالقلب يتمنى ويحلم ويرغب فتلك أشياء فطرية وجدت بالبشر.
لا تحكم للشخص من مظهره فدائما المظاهر خادعة، بل تريث وأعطي لنفسك المجال و الوقت لتصدر بعدها أحكامك.
لاتحزن لشيء الله قد اختاره لك، فالخيرة فيما اختاره الله، فعسى أن تحبوا شيء هو شرا لكم وعسى أن تكرهوا شيء هو خير لكم، فارضوا بما رزقكم الله به ولا تنظر ما بيد غيرك.
وآخيرا... بالشكر تزيد النعم، وأن كل شيء مقدر ومكتوب، وكل تفصيلة من حياتك قد سطرت بكتاب عند الواحد الأحد .

*****************************************
يقف عند شاطئ البحر بعيون شاردة ساهية عما حولها، يناظر للافق البعيد كأنه يبحث عن شخص ما أو ذكرى خاصة لعزيز على قلبه، وبلمح البصر تحول سطح البحر لشاشة عرض عملاقة كأنه يهديه ما يريد.. أظهر صورة قد طواها الزمن، لكن بذاكرته مازالت حية راسخة، فبدون ذلك اليوم ماكان سيلتقيها أبدا.
فساقته تلك الصور للبعيد... للقاء لم يعتقد بأنه سيغير من حياته ويدخله لعالم آخر.....
يتذكر بأنه كان مع ابن عمه سالم بأحد مراكز التسوق، واتصال من أطفاله يطالبون منه الحلوى وهناك إلتقاها بلقاء رسخ بعقله وبقلبه لينحت اسمها بداخله للأبد.
ابتسم لتلك الذكرى وأغمض عينيه ينتشي بها متنعما بها.
اصطدم بها بعد أن دفعه أحد الأطفال أثناء ركضه مع أقرانه ليبدأ التعارف بشكل غريب عن المعتاد.
- يا حيوان!!... يا قليل الأدب!!... يا عديم الرجولة!!.. كيف تتجرأ وتلمسني يا قليل النخوة؟؟.
تجمد بمكانه وهو لايدرك ماحدث سوى أنه قد تلقى صفعة للتو وممن؟؟... من امرأة!!.
ووقف يشطت غضبا وشاهدت هي تبدله وتحوله من التيبس لنار مشتعلة تعلم بأنها ستحرقها لا محال!!...لكن كبريائها وعنادها وقفوا لها بالمرصاد، وأنه غير قادر على فعل أي شيء يضرها .
- كيف تتجرئين وتمدين ايدج علي؟؟
وانفجرت بوجهه كبركان ثائر رادة على هديره:
- انت كيف تتجرأ وتمد ايدك علي وتلمسني؟؟.. هذي هي التربية يلي ربوك عليها أهلك؟؟.. ما أقول غير يا حسافة الشوارب يلي على ويهك!!
حمم تلظت بداخله تشويه وتلتهمه بسبب تقريحها لعدم تربيته الجيدة، فاستشاط نارا ونفثها عليها:
- جب... أقولج جب ولا كلمة!!.. أنا ريال وغصب عنج وعن يلي خلفوج!!.. وأنا ما كنت .....
قاطعه قدوم رجال الأمن في السوبرماركت مستفسرين عما يحدث؟؟..
ليتحدث هو بعد أن وشوش له ابن عمه ليهدئ قليلا.
- ما صار أي شي، بس هو سوء تفاهم بيني وبين الاخت.
صرخت ترفض تهربه من مسؤولية فعلته:
- لا... هذا الريال تعرض علي!!.
اختفت الشاشة ومازالت ابتسامته تنير شفتيه لتلك الواقعة، فهي لم تترك له الفرصة ليبرر لها ماحدث.
عاد يناظر البحر والشرود كان حليفه، وتوالت الذكريات بعدها عن كيف حاول الانتقام منها ليرد كرامته التي بعثرتها، وكانت الطريقة... الزواج منها.
وكأنما سمع صوت كفه وهو يحط على وجنتيها الرقيقتين فتطلع لكفه لثوان وحرك شفتيه بأسف:
- أنا آسف!!.
ثم اعتصره بقبضة قوية كأنه يلومه على فعلته الشنيعة تلك، كم هو نادم وآسف على ما فعله بها، كان يقوده شيطانه ولم يتصرف بعقلانية، فهاجس الانتقام منها قد اجتاحه كليا فما كان منه سوى أن ينقاد خلفه.
صورة أخرى طفحت من إلبوم ذكرياته وجنونه بوجودها بجانبه لا ينتهي، فقربها منه يصيبه بهلاوس وعدم التفكير، فقط رغباته هي من تقوده وبسبب جنوحه كاد عدة مرات أن يخسرها، فهو يتذكر حادثة الحصان عندما سقطت من عليه، كم شعر بالرعب من خسارتها وخلاء حياته دون بريق خضرتيها، وعاد يحرك شفتيه:
- أنا آسف!!.
تطلع للبحر لتواجهه عينيها الساحرتين، بعشبها النضر، وشفتيها اليانعتين عندما تتحركان منادية إياه بلقب قد استحله ليكون بوابة اجتياحه لها.
- يا الشايب...
ظلت مقلتيه محاصرة بخيال غاباتها حتى تحولت من الإغواء للخجل فصورتها بحفل زفافهما لم تغادر أعماقه أبدا.
أطبق بجفنيه يعيش تلك اللحظات عندما ارتبط بعنيدته لتكون أنثاه وملك يمينه أمام الله وجميع البشر.
فتح عينيه لتقابله زرقة مياه صافية بعكس ما بقلبه من ضيق وألم يعتصره، فأشاح بوجه بعيدا عندما احتل مشهد آخر لهما عندما اعتقد بأن السعادة قد فتحت له أبوابها من وسعها لتهديه صفعة الغدر بغفلة منه.
تحركت قدماه على الرمال هربا من ذلك اليوم الذي جعله يغوص ببحر من التعاسة، عندما سمع المحادثة بينها وبين من كانت سبب تعاسة الجميع، وكأنما الرمال تحولت لساعة رملية لتعيده لتلك اللحظة التي أراد محوها لتهيم روحه بظلمة موحشة ساحقة تخبره بما جنته يداه، لكن هل يفيد الندم على ما فات؟؟.
- انت طالق وما بي أجوف ويهج مرة ثانية.
كلمة خرجت من داخله كما العلقم المر لمرة واحدة لتجعله يتجرع من كأس الشقاء عدة مرات.
نفض رأسه من تلك الذكريات الحزينة وتحرك يسير بغير هدى على الشاطئ ومياه البحر تضرب قدمه بخفة فتعود متوارية خلف مياهه العميقة خوفا من البعد والضياع، فهكذا كانت حياته دونها... ضائعة، مشتتة، باردة.
لم ينتهي الشريط عند هذا الحد فكأنما أحدهم قد كبس على زر التشغيل لتدور تروسه وتظهر باقي المشاهد السارة والغير سارة إلى أن وقفت عند مشهد واحد تجمدت دماءه بعروقه، وانقبض صدره واستعرت نيرانه، والصورة تحتل مقلتيه إلى أن.....
- بابا.... بابا...
ارتخ اشتداد أعصابه على أثر هزات على ذراعه، وعاد الهدوء يغلف ملامحه وانخفض رأسه يتطلع لصغيره بعيون غائمة بكم المشاعر المتضاربة، فهتف به:
- انت تفكر بماما عنود صح؟؟.
تنهد وناظر البحر لثوان ثم أعاد مقلتيه لطفله وأجابه بهم:
- ليش.. في حد غيرها شاغل فكري!!.
أمسك عبدالله بكف والده الكبير ليغرق كفه الصغير بداخله وهمس له:
- لا تفكر فيها وايد يا بابا، أكيد ماما عنود ماتبيك تزعل علشانها.
غمغم بقنوط وأمر لا مفر منه، لكن القلب يحزن ويتألم.
- كيف ما تباني أفكر فيها؟؟.. وهي دنيتي وحياتي، هي الهوا يلي أتنفسه، هي الدوا لجروحي، هي عالمي، لكن......
وقف يطالع البحر وأفكاره تتلاطم به وتلك الذكرى الموجعة تؤرق منامه وحياته حتى بعد مرور سنتين من تلك الفاجعة التي حلت عليهم.
كارثة ستظل راسخة بتاريخ عائلة الكتبي، فآثارها مازالت تسقيهم من عذاباتها.
احتلت صورتها صفحة مياه البحر وتحولت زرقته لاحمرار قاني قد تسرب من جسدها المضجع دون حراك على الرخام البارد، وتوالت الصور وتقاذفت به الآلم ساحقة قلبه وروحه لما حل بذلك اليوم المشؤوم.
لم يستطع الفرار من التفكير بتلك الساعات التي جلس بانتظار تحديد مصيره.. هل سيعيش سعيدا طول حياته؟؟.. أم سيتلبس رداء السواد من جديد؟؟.
ازدرد لعابه وهو يتذكر هيأته......
يجلس بانكسار وكرجل أشيب قد تصيده العجز بين ليلة وضحاها، وضع رأسه بين كفيه ودموعه قد تحجرت بمقلتيه لتغدوا كالمرآة المصقولة.
- وكل أمرك يا حمدان، وإن شاء الله تكون بخير.
همسها سعيد صديقه يحثه على الصبر والتجلد لمصابه، لكن من يحدث!!.. ولمن يهدهد!!.. فقد انكفأ بعيدا عن عالم لن تتواجد هي به بعد اليوم، وصورتها مرمية على الأرضية الصلبة تحتل مقلتيه تخبره بانطفاء نور حياته.
- حمدان يا خوي مايصير يلي تسويه بحالك!!.. خل ايمانك بالله قوي!!.
ولا رد بل كل ماحصل عليه هو جسد قد تصلب بمقعده بعد أن احتله بوهن، ومن بعيد سمع طرق عصاها كأنها تحثها على الاسراع لعائلة قد أوشكت عدة مرات على فقدها، ووصل صوتها قبل جسدها المتغضن من مرور السنون عليه.
- عيالي... عيالي وينهم؟؟.. وشصار عليهم؟؟.
وسارع سعيد لطمأنتها قبل أن يحدث شي لا يحمد عقباه، فهم لاينقصهم سقوط جسد آخر ليعانق الموت.
- هدي يا الوالده وعيالج ما عليهم شر.
واقتربت من التمثال الحي الميت وعانقته بقوة وأهدته قبلة على رأسه
وسأل سالم بذهول وصدمة من رؤيتهم بهذي الحال... فابن عمه مصاب بعدة كدمات وجروح ودماء تنزف منها، وملابسه ممزقة واللون الأحمر يطغى على بياضها.
- وشصار يا سعيد؟؟.. وليش هذي الجروح؟؟... شو.. كانت عندكم مداهمة ولا شو؟؟.
وأجابه:
- احنا بخير والحمدالله، هي شوية جروح وبتخف إن شاء الله .
وركزت الجدة عيناها لحفيدها وسألت بتوجس:
- حمدان... وشفيك يا وليدي؟؟.
لا استجابه، وابتعدت لتراه كما هو لم يتحرك ولو قليلا، وسألته وعيناها تبحث وتترقب الشخص الآخر لتداري جزعها بمن لاتراه أمام مقلتيها لتهدي قلبها الراحة.
- انت بخير يا ولدي يا حمدان؟؟
لم يجب بل أجابها صديقه يهدء النفوس المرتاعة:
- ماعليه شر يا الوالده، ماعليه شر.
لكن اللون الطاغي على دشداشته قد أرعبها وجعلها تخشى السؤال لتتراجع للخلف خطوة واحدة ورؤيتها لحالته تلك قد جمد ماكنت تريد قوله، فأحاطتها العمة وهي الأخرى قلبها تتلاعب به الظنون، وابنها سالم لم يكن بحال أحسن منها، وناظروا الجدة لثوان بهلع ثم التفتت العمة وسألت حمدان بخشية وقلبها يطرق بشدة:
- العنود وين يا حمدان؟؟.
وكأن بهمسها لاسمها أعاد له حواسه، لكن ما أن رفع لهم وجهه حتى صرخوا جزعا من هول ما رأوه ما تنطق بها.... الموت.
- لا... لا....
وهمس وهو يرفع كفيه المخضبين بالدماء وعيناه لا ترى سواهما.
- راحت عني... راحت عني وماقدرت أحميها مثل ما وعدتها.
وصرخ الجميع بلوعة الفراق وسقطت الجدة ......
سحب عبدالله كفه يحثه للعودة وعدم المضي بتلك الأحزان، فما مضى قد ولا وانتهى، فلا يمكننا أن نعيدها، وكلمة لو والتمني لا تقدم ولا تأخر بالمحتوم، فما وقع قد انتهى، علينا فقط أن نتابع حياتنا وأن نحاول النسيان فهذا هو الحل الوحيد للمضي قدما .
صوتها السعيد يناديهم من بعيد:
- بابا... جوف شو حصلت؟؟.
وجاءت ويديها محملة بأصناف مختلفة من الأصداف البحرية، وسألته باهتمام وعيناها تتحدثان برجاء:
- عادي بابا آخذها معاي وأحطها بحوض السمك علشان يكون بيتهم حلو؟؟.
ابتسم لفرحها وكم تمنى أن يكون مثلها خالي البال والفكر.
- هيه حبيبتي، عادي.
وصرخت مبتهجة، فبالرغم من بلوغها العشر سنوات إلا أنها مازالت متمسكة بطفولتها المرحة.
سحبه عبدالله من كفه وهو يهمس له دون أن تسمعه شقيقته:
- وكل أمرك لربك وقول يارب شكوت لك قلة ضعفي وانت القادر على اعانتي فاعني يارب على مصابي.
تطلع إليه للحظات بفخر فهو شاكر وقوف ابنه معه بمواقف يعجز الرجال الصمود فيها، وهاهو الآن يرى شاب قد بلغ الخامسة عشرة، لكن تفكيره قد شابه الرجال.
سحبه لحضنه وقبل قمة رأسه ودعى له:
- الله يحفظك ويخليك لي يارب، والله يبلغني وأجوفك ظابط طيار ومعرس بإذن الله.
خجل عبدالله وفرك شعره وهمس:
- معرس عاد مرة وحدة!!.. خلني بدراستي الأول ولاحقين للزواج وهمومه.
وقهقهة لخجل ابنه وسار معه وهو يحتظنه من كتفه وتحدثا بأمور شتى حتى توقفا وهما يشاهدان سالم قادم نحوهما ويلوح لهما.
- يا مرحبا بولد العم.
- هلا ومرحبا.
ورحب سالم بالجميع وعادت حنان تبحث عن أصداف أخرى وذهب عبدالله معها وبقي الاثنان لوحدهما حتى بادره حمدان متسائلا:
- خير... أجوفك هنا؟؟.
ليجيبه :
- يعني أنا غلطت لما قلت أي وأقعد مع ولد عمي؟؟.
والتفت يمثل رحيله ليرد عليه حمدان باستفزاز:
- يعني الحين المطلوب مني إني أوقفك وأقول لا دخيلك لاتروح وخلك معاي؟؟.
وعاد سالم إليه هاتفا:
- يا أخي عادي تقول، تراه يمدحون النفاق، على الأقل خلني أعرف شو قيمتي عندك، وشكله طلعت مالي قيمة ولا شي.
- أقول... خل عنك الهذرة الزيادة وقول مين يلي قالك إني هنا؟؟.
نفس عميق ثم أجابه بصراحة وهو يحثه على المسير:
- عبدالله اتصل فيني....
تحركت عيناه باتجاه ولده ليراه هناك واقفا بجانب شقيقته، هو هنا دائما موجود مع الجميع، يشعر بمعاناتهم فيقف بسبيل ادخال السرور لقلوبهم، كم يعشق صغيره ويشكر الله دائما على نعمة وجوده، لكن تلك الأخرى......
زفر أنفاسا حارة وهمس وهو يتطلع للبحر الصافي:
- ما كان له وجودك معاي، أنا بخير .
تطلع سالم أيضا للبحر وهمس يجيبه:
- يا خوي يا حمدان... كل واحد يحتاج حد معاه علشان يعينه ويصبره بظروفه الصعبة، بتقول أنا بخير بقولك انت تكذب، ليش تكابر وانت تعبان؟؟.. ليش تعاند بنفسك والكل حوليك خايف علـ....
قاطعه قائلا وهو يخطوا للامام ناحية موج البحر:
- أنا مب ياهل علشان تخافون علي!!.
- ومين قال إن بس اليهال يلي ينخاف عليهم؟؟.. حتى الكبار يحتاجون حد معاهم ويعينهم.
توقف عن التقدم بعد أن سمع نداء باسمه والتفت والفضول يعتمله من وجوده أيضا.
- وهذا بعد مين خبره؟؟.
والتفت لابنه ليراه يبتسم له ويرفع كتفيه بقلة حيلة ثم يفرك شعره وولى مبتعدا عنه مع شقيقته يتابعان اللعب بالماء، وهتف حمدان بابتسامة جانبية:
- ماشاء الله، اليوم يوم الجمعة .
اقترب سعيد وسلم عليهم وأجابه :
- هي والله اليوم يوم جمعتنا، خلوني أجوفكم ألحين بعدين ما أقدر.
فاستفهم سالم:
- وإن شاء الله ليش ما تقدر تجوفنا بعدين؟؟.
وأجابه بابتسامة واسعة وعينان تتراقصان بهجة وسرور:
- تراني بتزوج ولا نسيت عرسي يلي بيكون بعد ثلاث شهور.
ضربه سالم على كتفه و.....
- وأنا على بالي شي، طلعت مابتجوفنا علشان بتتزوج، وخير إن شاء الله؟؟.. هذا أنا جدامك متزوج وقاعد أطلع وأقابل ربعي.
مسح سعيد على صدره بخيلاء ثم على شنبه ولحيته وهو يتذكر من سلبته نومه وأرقت لياليه بسبب حنانها ودفئها وحكمتها وكلامها الرزين الذي تلمسه بأحلك الظروف، عندما سقط الجميع ينعون ما أصابهم، لكن هي وقفت بجانبهم وحثتهم على الصبر على البلاء وأن لا يتملكهم اليأس وأن يقاوموه بالصلاة والدعاء، لتتملكه دون إرادة بغفلة منه وتأسر قلبه خلف قضبان سجنه وتفك أسره، ليغدوا متلهفا قربها، فتلك هي من ستعينه على الحياة وتمسك كفه لتسير معه قدما، فقال بشجن وابتسامة متألقة:
- بس أنا بكون معرس فرش يعني ما بي أجوف ويه أي واحد منكم.
رد عليه حمدان قائلا:
- أيوه معرس، بس بعد سنتين من التفكير وافق إنه يتزوج.
فرك لحيته وضحك بخفوت وأجابه:
- يا أخي عزوبيتي كانت غالية علي، فكان لازم أودعها.
قهقهة الجميع وأخذوا يتسامرون بعدة أشياء إلى أن حان وقد المغادرة فقد شارفت الشمس على المغيب وحولت بألوانها الزاهية البحر ليغدوا كما النار المشتعلة بداخله، فسبحان الله من أبدع بخلقه.
عادوا إلى منازلهم ونفوسهم تتوق للراحة والانتشاء بلذة الهناء.
ترجل من السيارة وقد سبقه أطفاله بالدخول وتطلع للصرح الشامخ.. فمهما عصفت به الرياح أو الأمطار أو أي من عوامل التجوية والتعرية فهو يقف بصلابة بوجهها وهمس بداخله:
- يا الله تعيني وتصبرني يا رب.
وسار بخطى وئيدة للداخل وتوقف بمكانه يراقب تحركاتها... كاد أن يخسرها، كاد يصبح يتيما مرة أخرى، وساقته ذكرياته مرة أخرى لذلك اليوم الذي قطع أنفاسهم ليتركهم يلفظونها ببطئ.
- راحت عني، راحت عني وماقدرت أحميها مثل ما وعدتها .
وسقطت الجدة فانتشر الصراخ والهلع بينهم، وأمسك سالم ووالدته بجسدها بسرعة قبل أن يتوسد الأرض.
حملها سالم بعد أن أمرته الممرضه بسرعة بادخالها بأحد الغرف وباشرت بسرعة باجراء فحوصاتها ومنادات الطبيب ليأتي مسرعا يلبي النداء.
وقفت خديجة تتكئ بعجز بولدها سالم وعيونها تذرف دموع الخوف من الفقد، وسالم يقف بقلة حيلة وهو يرى جدته بشحوبها تتوسد البياض ويدعوا الله بأن يرأف بحالهم، وشهد وميثة تحتضنان بعضهما وتشاهدان ما يحدث بدموع صامتة، وسعيد يقف عند الباب ويراقب بقلة حيلة، وذاك الآخر... وآه من فقد ويتم تراه يحوم حولك، فليس اليتم قد خصص للأطفال، فالكبار يشعرون، فكيف لمن عانق اليتم طفولته أن يعود ويعاصر هذا الاحساس من جديد؟؟.
- لا تروحين وتتركيني يا الغالية.
يمسك بكفها ويناديها عدم الرحيل، فيكفيه تلك التي غادرته.
- ما لي غيرج يا يومه، دخيلج لا تروحين وتتركيني!!.
وأخفض رأسه بانكسار وعيون غابت عنها الحياة فمابقي له ليحيا وأغلى الناس عانقهم الموت.
الضربات تأتيه من كل صوب وحدب وتقذف به دون أي رحمه لترديه أرضا يصارع من أجل البقاء وصراخ يعتلي بداخله:
- أنا بشر أملك من الأحاسيس ما تجعلني أشعر.. أموت وأحيا، أنزف وأجرح، فترفقوا بحالي الكسيرة، فماعادت تتحمل لطشاتها، فيكفي وجع، يكفي هموم وآلام، أنا بشر... أنا بشر....
ليأتيه صوت لم يستشفي ممن هو:
- وحد الله يا بو عبدالله وقول لا حول ولا قوة إلا بالله، الحزن ما يفيد.
وسكت الصوت ثم آتاه من جديد بصوت قد بحت أوتاره، لكن معانيه أكبر:
- قوموا صلوا وادعوا إن ربنا يترفق بحالنا.
ضغط على كفها يبحث عن نبضه لعله يخبره بنجاتها، وحرك رأسه برفض لما يوسوس به عقله من أنهما قد غادرتاه بيوم واحد، فشعر بجسده ينهار، وقوته تتسرب منه فتقدم سالم منه بسرعة ما أن شاهد عنفوانه يقع ويسقط وأمسكه من عضده.
- حمدان... قم يا ريال واذكر ربك، واليدة ماعليها شر بإذن الله.
ورفع رأسه ليهاله رؤية حمرة قانية أو أشد منها قد استحكمت عيناه لتغدوا كما الحمم الملتهبة، ووجه قد شابه الكهل كأن عمره قد فاق عمره الحقيقي.
ازدرد ريقه لما يراه وهمس له وهو ينخفض لمستواه وقد شاهد معركته لاخراج حروف أبت الانصياع إليه.
- هونها يا خوي وقول يارب!!.. قول يارب إني قد مسني الضر وأنت أرحم الرحمين.
أطبق جفنيه بقوة وحرك لسانه يستغفر الله ويطلب منه العون وتابع سالم:
- قوم معاي وتعال نصلي مثل ما قالت ميثة.
وخرجوا من الغرفة وقد استند على صديقيه سالم وسعيد فجسده قد خارت قواه وماعادت له طاقة للصمود.
توضأ وأقبل بوجهه للخالق الرحيم وكبر وصلى خاشعا داعيا طالبا العون والصبر في مصابه، عادوا بعد فترة وقد أخبرهم الطبيب بأن جدته قد ارتفع ضغط دمها وتحتاج للراحة وقد حقنوها بمهدء كي يريح أعصابها المتعبة، لكن الضربات عندما تبدأ تأتي كدفعة واحدة، فقد فاجعهم أيضا خبر وجود عمه حسن بالمشفى، وتساءل... ألا للأحزان نهاية؟؟

أقبل ناحيتها ورفع كفيها وطبع قبلة شكر وعرفان وحب لهذه المرأة العجوز التي أهدته عمرها.
- شخبارها الغالية؟؟.
ربتت على رأسه وأجابته:
- بخير دام انك بخير.
وبيهمس قال:
- الحمدالله
وجلس بقربها وتلفت حوله ليسأل:
- عيل وين عمتي ما أجوفها؟؟... والباقيين وين راحوا وتاركينج لحالج؟؟.
تنهدت بحرقة قلب أم قد أوشكت أن تدفن وحيدها قبلها، وكم تتمنى كل أم أن تفارق دنياها قبل أن ترى رحيل أطفالها.
- عمتك راحت تعطي عمك الدوا، باجر عندهم موعد بالدختر.
وأخفضت عيناها تداري بها دمعاتها الساقطة ليسارع حمدان محتضنا إياها ويهمس لها:
- قولي الحمدالله يا يومه، قولي قدر الله وما شاء فعل، الحمدالله إنه عايش وأنه بعده موجود بوسطنا.
مسحت شلالها الحادر بشيلتها وحادثته وهي تناظره بعيون قد شابها الحزن فهي أم بالنهاية.
- قلبي يتقطع وأنا أجوفه بهذي الحالة، ولدي العود صار.....
قطعت جملتها ولم تستطع اكمالها ليسحبها على صدره لتدعها تنسكب بكل حرية تبكي ولدها، تبكي حياته القادمة، تبكي شقاءه، فأخذت تهمس وتدعوا بصوت قد بح وتقطعت به السبل ولم يبقى سواه:
- يارب.... يا رب
مر بعض الوقت حتى هدأت الجدة واعتدلت بجلستها ومسحت لآلئها التي قلما تنزل سوى بأحلك الظروف وهمست له بعد برهة:
- وانت ياوليدي شخبارك؟؟.
ابتسم لها بحب فهي لاتنساهم بالرغم ما يتساقط عليها من حمولة ترزح على اثرها الجبال.
- أنا بخير يا الغالية ولا تحاتيني.
- كيف ما أحاتيك يا ولدي، هونها وتهون وقول يارب.
نهض واستأذنها للراحة فغدا سيكون عليه يوما شاقا ومهلكا للروح وللقلب معا، وارتقى السلم بإنهاك كأن أطنانا من الأثقال فوق رأسه، وعقله يدور بدوامة لم يستطع الخروج منها وسخر من نفسه.
- لابد أن اليوم يوم عودة الماضي
وكلما صعد سلمة كلما اجتاحته صورة ثم أخرى وتوالت بعدها كما الهدير العاصف......
كان أن ودعها لينهي ذلك العمل الغير المنتهي الذي كان مقصده تدمير أمان عائلته واستقرارها، والأهم تدمير سمعة معشوقته وهو يعلم ويعرف بأنها بريئة ونقية كنقاء الثوب الأبيض، وهم أرادوا تدنيسه بكل حقارة.
قاد سيارته ناحية نقطة الالتقاء وبعدها سينطلقون لمداهمة المنزل الذي يتواجد به الشخص المطلوب، لم يكن يريد هذا الرجل بل أراد من كان يريد الأذية لحبيبته، فهذا الرجل مجرد عبد مأمور يقتات من بؤس الناس. شعور غريب قد صعقه فجأة، واحساس مريب يتسلل إلى صدره بأن شيء ما سيحدث، انتابه الشك، ووسوس الشيطان وأخذ يتلاعب بأفكاره حتى نهره واستغفر ربه وأخذ يقرأ بعض الآيات القرآنية لتهدئ من نفسه.
تابع سيره حتى عادت الهواجس تضيق الخناق عليه وقلبه يضطرب بغرابة حتى اعتقد بأنه يوشك على الخروج من مكانه.
فتح نافذة السيارة وأخذ يعب رئتيه من الهواء العليل لكن لم يتغير شيء، بل ازداد الخوف وبدأ ينهش خافقه وبلحظة نطق اسمها:
- عنود....
واستل هاتفه بسرعة وضرب أرقامها وانتظر لكن لا مجيب إلى أن قطع، فأعاد الاتصال ونفس الاجابة، حتى التف بسيارته بحركة خطيرة دون أن يبالي بحياته فهناك من روحها أهم من روحه، وانطلق بسيارته كما الصاروخ وهذه المرة روحه تهفوا إليها ودعوة أن تكون بخير وأن لا يصيبها مكروه.
طال الطريق بالرغم من أنه يقود بسرعة جنونية، ولعن وسب وهو يكرر محاولته بالاتصال بها دون فائدة، غير الرقم واتصل بالحارس لكن لم يجبه أيضا.
- يا حيوان... رد علي.
سكت يدعوا وعاد يهمهم بتضرع:
- اللهم إني استودعتك زوجتي عنود يارب احفظها من كل شر يلي لا تضيع ودائعك.
لم يضيع ثانية وهاتفه كاد أن يكسر من شدة قبضته المحكمة عليه ووصل للمبنى الذي يقيم فيه وترجل من سيارته وأطلق ساقيه العنان ومازال لسانه يلهج بالدعاء من أن لا يصيبها مكروه.
تسلق السلالم بدل المصعد وأخذ يعدوا عليها بخطوات كبيرة إلى أن وصل إلى طابقه ووقف عند الباب وأخرج مفتاحه ووضعه بمكانه وقلبه يقصف برعود مدوية وجزع مما سيراه بالداخل.
سكون طغى من حوله ولم يسمع سوى هدير ضخات الدماء بأذنيه، وأدار المفتاح ليصدح رنين الهاتف كاسرا ثقل الهواء الجاثم على صدره، وتلقفه بسرعة بلهفة صارخا باسمها دون أن ينتبه للرقم:
- عنود....
فخاب أمله.
- حمدان وينك تأخرت؟؟.
لم يجبه بل ازدادت وتيرة أنفاسه لتغدوا كما ثوران أنفاس أسد يوشك على الزئير بأي لحظة، ولم ينتظر طويلا فما أن فتح الباب ودفعه حتى هاله ما رآى وتجمدت أوصاله عن الحركة أو ابداء فعل ما.
جسد معشوقته يعانق الأرض ورجل غريب يكيل إليها بالركلات بكل اتجاه.
وزأر بعويل شق السكون من حوله حتى ارتجت الجدران من شدة الغضب والألم... فألا يقال أن قوة الوجع تحطم الفولاذ.

أغلق رشاش الماء كما أغلقه عن ذلك الفيلم الذي عاد يطغى عليه، لا يعرف لما يتذكر الماضي!!.. فقد ولا وانتهى وقد أغلق صفحته للأبد، لكن لما عاد الآن؟؟.
خرج من الحمام وارتدى ملابس النوم ثم توجه ناحية القبلة يدعوا الله بأن يعطيه الصبر وراحة البال ثم حط برأسه على وسادته وتطلع للوسادة الأخرى الخالية من صاحبته وأغمض عينيه يناجي سلطان النوم بأن يريحه من عنائه .

************************
مهما تباعدت الأجساد فالقلوب تتحد برباط الحب الذي لا ينفك مهما تكالبت عليه الأهوال ومهما عاصر الأجواء فهو يظل على وفائه لأن حبه صادق وحقيقي.
صباح آخر يستيقظ أفراده شاكرين على نعمة استيقاظهم فهذه بشرى لبداية جديدة يتمنون أن يقضونه بعمل الصواب ليؤدي بهم لطريق الجنة.
استيقظت بهمة ونشاط صلت الفجر وخرجت من غرفتها متجة للمطبخ تتابع العاملات بشأن افطار العائلة، كل شيء معد وجاهز .
- صباح الخير يا أغلى الناس.
التفتت إليه بابتسامة مشرقة لتتسع ابتسامته ويقبل إليها ممسكا بكفيها مقبلا إياه ثم رأسها.
- صباح الخير حبيبي .
- يوعان يا يومه.
- خسى الجوع حبيبي الحين نجهز السفرة .
- انت كله يوعان؟؟.. بعمري ماجفتك تقول لا أنا مابي.
والتفت الاثنان لمحدثهم وأجابت والدتهم بابتسامة حنونة:
- صباح الخير يا يومه، كيف أصبحت؟؟.
وأقبل عليها سعود مقبلا اياها ومجيبا:
- أنا بخير دام إنج انت بخير .
ربتت على وجنته بحب ليقاطعها منصور:
- أقول... له هو الحب وأنا ولد البطة السودة؟؟
ضحكت بخفوت وأجابته وهي تلتفت ناحيته:
- كلكم عيالي وكلكم واحد .
- عيل أنا يوعان وأبي آكل.
ليجيبه شقيقه:
- حشى... وين يروح هذا الأكل كله؟؟.. أخاف لما تتزوج تاكل حرمتك بعد.
وهنا تكسرت ابتسامته وانزوت ضحكته بركن قصي واحتلت ملامحه الوجوم فسارع شقيقه قائلا:
- أنا آسف يا منصور ما قصدي شي أنا.....
قاطعه وهو يشيح بيده :
- لا... ولا يهمك......
أراد أن يقول شيء ما فخذله لسانه، فما كان منه سوى أن يغادر ليلعق جراحه:
- اسمحولي بروح أغير ثيابي وأجهز علشان الجامعة.
وتركهم يحث الخطى بسرعة هاربا من أحزانه، لكن كيف السبيل للابتعاد عنها وهي تعشعش بالأعماق.
تحرك سعود يتبعه فأوقفته والدته:
- خله يا سعود.
- يومه... أنا كنت أتغشمر وما كنت أقصد شي.
- عارفة حبيبي، عارفة.
وتنهدت بحزن لحال ابنها والتغيرات التي طرأت عليهم بعد تلك الليلة التي سقطت عليهم كما الزلزال الذي زلزلهم كليا، ليتبدل كل شيء
وهمست بعد فترة:
- أبوك وينه؟؟.
وأجابها بشرود وهو يفكر بشقيقه ويتألم لمصابه:
- مع سالم بغرفة الأكل.
- عيل يلا حبيبي خلينا نروح نفطر
وخرجا باتجاه غرفة الطعام وكان الجميع بانتظارهم الجدة وحمدان وعبدالله وحنان وسالم وزوجته وأطفاله وابنها منصور و زوجها
جلست بقربه وبدأوا يتناولون طعامهم بصمت حتى نهض منصور بسرعة:
- سفرة دايمة، اسمحولي بروح عندي امتحان اليوم.
وغادر بعد أن ودع الجميع لتتنهد والدته لتقول الجدة:
- ماعليه يا بنتي، يلي الله كاتبنه بيصير، ويمكن خيرة انت ماتعرفين، وكل واحد ياخذ نصيبه بالدنيا ومنصور ريال كبير ومايحتاي تخافين عليه.
- أنا ماخايفة عليه أنا بس هامني حاله من بعد......
لتقول الجدة:
- خليها على الله يا بنتي وكل واحد راح ياخذ نصيبه ويلي الله كاتبنه له.
وسكت الجميع وتابعوا تناول طعامهم ثم انطلق كل واحد إلى عمله والأطفال لمدارسهم واستقلت خديجة وحسن السيارة مع ولدهم سالم قاصدين المشفى وعند وصولهم ترجلت خديجة من السيارة وسبقتهم للداخل كي تتخذ لهم مكانا وجلست تنتظرهم وما هي إلا لحظات حتى شاهدتهم من بعيد ولدها وزوجها.... غامت عيناها لرؤيته بهذا الشكل المؤلم لفؤادها، فكلما سقطت عيناها عليه وهو يجلس بكرسي متحرك فاقد لاحساسه لنصف جسده وغير قادر على الكلام يعتصرها صدرها وتنزف روحها لأجله، وأخذتها ذكرياتها لما قبل عامين من اليوم عندما كانوا يعانون الأمرين والنحيب قد توسد صدورهم حتى اتتها ضربة قد شعرت بأنها كادت معها أن تفارق العالم.
- يومه لا تروحين خلينا بالأول نتأكد إن كان يلي يتكلمون عنه أبوي ولا لاء
لم تستمع إليهم وأمرت ساقيها بالمسير باحثة عن نصفها الآخر وقلبها يطرق بشدة إلا أن ملامحها باردة تعاكس ما بداخلها من أعاصير.
وصلت وهناك شاهدته يشابه الأموات وكادت أن تصرخ حتى سارع الطبيب قائلا:
- هو حي ما مات
شهيق وزفير وبوادر الاغماء لاحت نجومه أمام عينيها، فسارع منصور وسعود بالامساك بها ومساعدتها بالجلوس، حتى سارعت متسائلة بصوت قد غادرته أوتاره:
- هو شو صار عليه؟؟
ولابد من اجابه فهذا عمله ووجب عليه قول أدق التفاصيل، وكم كان وقع كلماته عنيفا عليهم.
تسلحت بالعزيمة ووقفت بجانبه تقرأ القرآن وتدعي بأن يعيده إليها سالما، حتى فتح عينيه وناظر المكان بضياع.
- أنا هنا يا قلب خديجة، أنا هنا ومستحيل أتخلى عنك.
وكان ردة فعله في البداية عندما علم بما حل به عنيفة ورافض قرب أي شخص بجواره، ولكن بصبرها وقوتها جعلته يرضخ لوجودها ويتقبل ما ابتلاه الله به.
اعتقدوا بأنها مجرد شهور ويعود لطبيعته لكن لم يكن باليد حيله فلا دواء له سوى الدعاء بشفائه والشكر لرب العباد بوجوده هنا معهم.
ابتسمت لهم بترحاب وجلسوا ينتظرون موعدهم ثوان حتى استأذن سالم ليجيب على هاتفه ومن ثم انحنت باتجاهه هامسة:
- اسمحلي شوي يا بو سالم بروح الحمام وراجعة.
هز رأسه بالايجاب وغادرت وظل يراقبها إلى أن اختفت والتفت يراقب الموجودين معه بالغرفة يشاطرونه نفس المصير باختلاف كيف وقع كل واحد منهم عاجز بمقعده.
رفع مقلتيه للأعلى بالتحديد للسماء الزرقاء الصافية كصفاء زوجته الحبيبة التي تلقفته بعز حاجته ومصابه، لم ترفضه ولم تبتعد بل كانت بالمقدمة، كم هو شاكر لنعمة وجودها معه، وكم هو آسف على ما فعله بها، وهاهو يجني ثمار فعلته الطائشة تلك.
وعادت ذكرياته لذلك اليوم الذي سرق من حياته الكثير ليسقط وحيدا ومن بعدها لم يستطع النهوض....
كان أن عاد من سفرته بالبحث عن نوره الذي ضاع وكان الحل أمام ناظريه ليسابق الرياح كي يضع حدا لهذا الوضع الذي كان هو سببه ولم يعلم بأن صفعة الغدرستكون من نصيبه.
همهمات خرجت من غرفته فتحرك ناحيتها والتوجس يصيبه بمقتل وعندما فتح الباب شاهد الفجور يستباح على فراشه الزوجي.
شلل قد استلبس كامل جسده، وكأنه يطالع أحد الأفلام في التلفاز عندما يعود الزوج ويرى زوجته تخونه، اعتقد بأنها تحدث فقط بالخيال لكن أن تراه بأم عينيك وأن تلك هي زوجتك فتلك هي صدمة العمر، وبهمسها باسمه جعلت شياطينه تتقافز، والدماء تتفجر بشرايينه.
- حسن...
- يا الحيوانه، يا الفاجرة، في بيتي أنا تخونيني!!.
أمسكها من شعرها وأخذ يكيل إليها الصفعات ومن كان شريكها بالفسق ولى هاربا دون أن يلتفت بندائها بالمساعدة، فروحه أهم وهناك الكثير من أمثالها التواقات للغوص بالمحرمات.
سحبها ناحيته وصرخ:
- حرمتيني من بيتي وعيالي وحرمتي وبالأخير طلعتي وسخة!!.
وصفعة أخرى قوية على وجنتها لتسقط على الفراش عارية الجسد وعاد يهدر بصراخ الوجع والألم والغدر والخيانة والوحدة والحرمان وعاد يريد امساكها وهذه المرة ازهاق روحها حتى توقف عن الحركة وتراجع للخلف يحاول التقاط أنفاسه المستعصية، وألم يخترق صدره وبالتحديد خافقه حتى سقط وقبلها شاهدها وهي تدبر ظهرها وتولي هاربة.
- حسن حبيبي دورنا جا، يلا ندخل على الدكتور.
ناظرها بامتنان وعشق لهذه الانسانه التي احتوته بظلمة لياليه، ووقفت وقفة الشجعان تمده بالقوة والعزيمة والمثابرة لهزم المرض الذي اكتسح جسده، هو يستحق ما حصل له، فالتهور دائما ما تكون نتيجته سلبيه، وهو الآن يجني ثمار تسرعه ويدفع ثمن رغباته.
وقفت خلفه ودفعت كرسيه ودخلوا للطبيب ليكشف عليه وبعد ساعات من الكشف والفحوصات خرجوا بأمل يلوح بالأفق من عودة الاحساس لنصفه الميت، لكن يحتاج للوقت والمثابرة بالعلاج.
سعادتها كانت لاتوصف بما قاله الطبيب وأخذت تتصل بالجميع تخبرهم بالأخبار السارة وهو ظل يراقبها ويتأملها وهمس لنفسه بدعاء:
- يارب مالي أمنية غير إنك دوم تسعدها .

**********************************
قاد سيارته بهدوء إلى أن وصل لوجهته وترجل منها وناظرا للبناء الشاهق بعيون قاتمة، فقد طغت الذكريات السيئة على هذا المكان وقد آن أوان أن يمحيه ويمضي قدما، فهنا قد بدأ كل شيء وعليه انهائه.
سار باتجاهها وهو يتذكر أول زيارة لهذا المكان، يتذكر طفلة صغيرة بريعان الشباب جميلة بريئة، لكن الزمن قد غدر بها ليأتي هو ويهديها صفعتين ويكيل عليها باللطمات.
ارتقى المصعد وأغلق الباب وارتفع به للأعلى حتى فتح وكأن موجه كبيرة قد قذفت نحوه وكل شيء قد عاد للحياة....
هو يقف عند الباب ولا يعلم ما ينتظره حتى فتح وشاهد ما سرق أنفاسه.
تحرك بقدمين مثقلتين وفتح الباب ليتجسد المشهد أمامه.....
زوجته على الأرض ورجل يكيل إليها بالركلات وهي بلا حول ولا قوة
وزأر وصرخ بكل ما يملكه من صوت:
- يا الحيوان... بعد عن حرمتي.
واتجه ناحيته وتلقفه بقبضة من حديد وانهال عليه بالسب والركل والضرب ليغدوا بين يديه كما الخرقة البالية.
كان أن الشياطين قد تلبسته ليغدوا رجلا آخر، صار متوحشا طواقا لنزف الدماء.
- يا الكلب... تستقوي على الحريم.
وعاد يضربه بشدة حتى شعر بأحدهم يحاول ردعه فما كان منه سوى أن هدر به ودفعه بشدة ليرتطم على الأرض ولم يأبه له وعاد يكمل وصلة الانتقام.
- حمدان... اترك الريال بيموت بين ايدك!!.
لم يسمع ولم ينتبه لوجوده فكل ما تحتل صفحة عينيه... هي غارقة بدمائها.
- حمدان....
حاول سعيد ثنيه إلا أنه لم يستطع فكأنما صديقه تحول لثور هائج لا سبيل لايقافه، ولكن بلحظة همس خفيض كان أن عاد لنفسه وصرخ صديقه به:
- حمدان...... حرمتك تناديك... العنود تناديك.
وهنا أدرك وشعر والتفت إليها ليراها تنظر إليه وتطالبه بالقدوم ولب النداء بهمسه باسمها:
- عنود....
وجثى بجانبها وأمسكها ليدنيها منه وهو يتأمل وجهها المكدوم والدماء المنتشرة لتنده منها آه ألم.
- يعل هذا الوجع فيني، سامحيني يا أغلى الناس!!.. سامحيني وماوفيت بوعدي!!.. قلت بحميج وما حميتج، آسف!!.. أنا آسف!!.
ألم ينهش الفؤاد، وصريخ يعتمل الصدور، ورغبة قوية بتحطيم كل شيء.
حركت شفاهها النازفة المرتجفة بكلمة واحدة فقط، كلمة آخيرة همستها له:
- أحبك.....
لتغلق عينيها ولم تسمع عويل ألمه الذي خرج يبكي محبوبته التي غادرته قبل أن يعيشا حياتهما .
دار على عقبيه وخرج بسرعة وأغلق الباب بهدوء وسار ناحية الحارس وأهداه المفتاح.
- أي حد جاي يبي يأجر الشقه أعطه، هذي خلاص ماله داعي نتركها فاضية.
- حاضر .
وانتهى هذا الفصل، كان عليه أن يغلقه منذ زمن، منذ أن حلت تلك الكارثة، لكن لا يعرف لما احتفظ بها!!... هل لأنه أراد أن يذكر نفسه بأنه انسان فاشل ولم يستطع حماية من يحب؟؟... أم أنه رجل لا يستحق السعادة؟؟... لهذا دائما ما تظهر العواقب أمامه، لكن الآن قد انتهى كل شيء وعليه أن يقفل ذلك الباب الذي تركه مشرعا ليقتات من أنفاسه بكل مرة يتذكرها، عليه الآن أن ينظر للأمام ولا شيء آخر، والماضي قد نحاه بأتراحه .
انطلق بسيارته من جديد ووِجْهَ أخرى عليه الذهاب إليها، ووجهه قد تغيرت معالمه وكأن الغمامة قد انقشعت ليحتل مكانها السعادة والفرح، فالمستقبل ينتظره فاتحا ذراعيه على وسعه، وقد عاهد نفسه بأنه لن يدخر جهدا بسبيل اقتناص السعادة التي تتهافت إليه مهما كانت، وهاهو الآن حر من قيود الماضي، عليه فقط أن ينظر للأمام دون أن تكبله أغلال الحزن، فالأيام تنساق إليه بالبهجة وهو سيستغلها لأقصى حد ليعيش البقية الباقية من حياته براحة بال.









 
 

 

عرض البوم صور طُعُوْن   رد مع اقتباس
قديم 05-01-17, 02:32 PM   المشاركة رقم: 145
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Aug 2014
العضوية: 273510
المشاركات: 1,332
الجنس أنثى
معدل التقييم: طُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 2492

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طُعُوْن غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ام حمدة المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة

 
دعوه لزيارة موضوعي

الفصل الرابع والثلاثون ( الأخير )

هبت نسائم الربيع تداعب أوجاعي.
وابتهجت الزهور
وتزينت وانتشت بأحلى العطور.
دفئ لون أيامي .
وحب اعتنق طريقي .
وعشق هاج به صدري .
غدت أيام الأحزان وطوت بصفحاتها الآلام.
نثرت الورود بطريقي فقد غدى ينير بسعادتي .
ابتهجت ليلعلع صوت العندليب مغردا أجمل الألحان.
فأطربت أتغنى لتصدح أوتاري بأعذب النغمات.
دروبي اختلفت، وآمالي نضحت، ومستقبلي أشرق بأنواره.
فاض قلبي انشراحا....
وأمان شعرت به يحتل خافقي.
وملاذي رأيته يجتاح كياني.
فيا رب العباد أدم علي نعمك .
ولا تحرمني من لذة هِدايتك .
أجدت إلي بعطاياك
فلا تجتثها مني بعد أن صارت جزء من حياتي .
فلك الحمد كثيرا ولك الشكر كثيرا .
ومالي دعاء سوى الحمدالله على نعمك.

***********************************
تقوده اللهفة، والشوق يكاد يطير به لتعانق روحه السماء، بيده باقة من الورود اختارها بعين عاشق شاهد صورتها بكل زهرة، لتغدوا غاية بالروعة.
متأنق كما اعتاد دوما والعيون مصوبه ناحيته أينما حل، وقف أمام غرفتها وضربات قلبه تعلن عن وصوله قبل أن تتحرك قبضته لتعلن عن وجوده.
تهادى إليه صوتها ليفتح الباب وتتحرك عيناه باحثة عنها فتتعانق العيون، وتتهافت الأرواح بلقيا الاشتياق، وابتسمت الشفاه تخبر الجميع بسعادة لقياهم.
تأملها بعشق من شعرها الأسود المتساقط بكل عنفوان مثل صاحبته على كتف واحدة، وملامحها البهية خالية من مستحضرات التجميل، متعب لكنه منعش للنظر، وتابع تأمله حتى قوطعت متعته بنحنحه أخرجته من مدار انجذابه ثم سمعها تقول:
- نحن هنا، ليكون تبانا نطلع من الغرفة علشان نفضي لكم الجو؟؟.
دلف للداخل وأغلق الباب وهو يجيبها وعيناه ماتزالان على من تملكت قلبه وروحه:
- والله انت أصيلة وتعرفين بالأصول يا بنت الأجاويد.
اقترب ليهديها باقة الورد.
- الورد للورد، وصباحي ما يكمل إلا بجوفة وردتي.
توردت وجنتيها لغزله الصريح أمام الجميع وأمسكت بالباقة لتخفي خجلها خلفها ليتابع هو وعسليتيه مسلطتان عليها:
- شخبارج اليوم؟؟.. عساج بخير؟؟.
وأجابته بابتسامة خلابة أسرت ناظريه وخافقه على حد سواء، وطالعته بكل ما يحتويه قلبها من عشق لهذا الرجل.
- وردتك بخير دام جافتك بخير.
وتشدقت شفتيه بابتسامة واسعة أظهرت أسنانه البيضاء، وعندما هم بإكمال وصلة غزله قاطعه صوت طفولي:
- بابا...
والتفت إليه ليراه قادما باتجاهه ببطئ فتحرك ناحيته وتلقفه حاملا اياه ويرفعه للأعلى ثم يمسك به لتنتشر ضحكات الصغير بأرجاء الغرفة مرسلا ابتسامات على وجوه من حوله لمدى سعادته، ثم أمسكه بالقرب من صدره وطبع قبله على رأسه وحادثه:
- شخبار حبيب أبوه؟؟.. عساه ما تعب الماما؟؟.
لتجيبه وعيناها تطالع الصورة التي أمامها بحنان ورقة:
- لا... حبيب الماما ما يتعبها، وثاني شي آمون ماقصرت معاه هي يلي شالته وتحملت منه.
فناظر تلك الصغيرة التي بلغت من عمرها السنون لتغدوا شابة بريعان صباها، فالعالم لم يرحم حالها هي أيضا وكال لها من صفعاته الكثير لتفوق عمرها بسنين.
- مشكورة يا آمنة ما قصرتي، تعبتي معانا والله يجازيج كل الخير.
خجلت لما قاله وأجابته باحترام وتقدير لهذا الرجل الذي وقف معها وساعدها بتخطي الكثير من الصعاب وساعدها باكمال مشوار حياتها:
- أنا ما سويت شي، ومايد بعيوني الثنتين، هو ولد الغالية .
ليقاطعهم صوتها الغاضب:
- نعم.. نعم.. نعم كل هذا الكلام لآمون واحنا نطلع بمولد بلا حمص؟؟.
والتفت إليها قائلا:
- وانت ديما مستعيلة؟؟.. ما تعرفين تصبرين شوي علشان تسمعين باقي الكلام؟؟.. توي بتكلم.
- ها... يعني كنت بتقول شي؟؟.. تراه عادي قول ألحين.
لتجيبها ميثة بعيون حانقة:
- شوالفايدة؟؟.. تراج حرقتي الكلام.
وأكمل حمدان وعيناه تعود لآسرته:
- الله يعين ريلج عليج يا شهد.
تخصرت وهتفت:
- نعم.... قول الله يعيني عليه......
وطرق الباب ليقاطع حديثها ودخل بهدوئه ورزانته وسلم:
- السلام عليكم.
وأجابه الجميع بالتحية:
- وعليكم السلام .
- هلا سعود شخبارك؟؟.
- الحمدالله بخير، انتوا شخباركم؟؟.
والتفت للعنود بعد أن كان يحادث ابن عمه سائلا إياها:
- شخبارج ألحين؟؟.. إن شاء الله أحسن؟؟.
- الحمدالله بخير .
- متى بتدخلين غرفة العملية؟؟.
- بعد ساعتين إن شاء الله .
- الله يقومج بالسلامة .
وردد الجميع خلفه:
- آمين يارب العالمين .
وبلحظة التفاته شاهدها هناك تجلس بأدب وعيونها تعانق الأرض فقال ومازال يحدق بها:
- شخبارج شهد؟؟... غريبة... أجوفج ساكتة ويالسة؟؟.. ليكون تعبانة أو مريضة؟؟
رفعت رأسها بحدة من استهزائه بها وعندما ناظرته شعرت بأحاسيسها تفور وتغلي من عيونه الشاخصة لها، فتراجعت عن رغبتها بتمزيقه وهمست له بصوت خفيض وبخجل يعتريها بوجوده معها دائما:
- بخير .
رفع حمدان حاجبيه بعجب وقال بمكر :
- ماشاء الله، توه الصوت وين واصل وألحين......
تجهم وجهها من استفزاز زوج صديقتها وفتحت فمها ترد عليه إلا أنها عادت لإغلاقه عندما شاهدت سعود يتأملها أيضا، كأنه ينتظر صريخها فضحك حمدان وقال:
- حريم ما تيون إلا بالعين الحمره .
وهنا فزت من مقعدها دون أن تبالي بمن معها:
- أقول... جنك مصختها!!.. عيون حمره وما أدري شو و.....
بهتت وهي تراه ينظر إليها بغموض حتى اشتعلت وجنتيها احمرارا وهي تتذكر عقابه لها كلما هتفت وصرخت باستعجال وابتلعت لعابها بصعوبة وسمعته يسألها بهدوء يحسد عليه:
- و شو يا شهد؟؟.. قولي وأطربينا بكلامج .
- ها... لا ولا شي بس هو... يعني...
وابتسم سعود على هيأتها المضطربة واقترب منها وهو يستأذن الجميع:
- عادي لو أخذت حرمتي معاي شوي، ودي أكلمها بموضوع مهم.
لتجيبه العنود بسعادة من رؤية صديقتها وقد ارتبطت بمن يستحقها:
- ليش تستأذن يا خوي؟؟.. حرمتك وانت حر فيها.
لتصرخ شهد بصديقتها دون إرادة :
- شو حر هو فيني؟؟.. يعني يذبحني عادي؟؟.
وهمس بالقرب منها وهو يمسك بذراعها:
- مال داعي أذبحج، وأظن إنج حرمتي على سنة الله ورسوله من لما ملجت عليج، بس باقي الاشهار وهذا قريب، يعني ألحين لما أوقول تعالي يعني تعالي.
لم تعرف ما تقول سوى أن حدجت الجميع بغضب وهي تغادر برفقة سعود زوجها المستقبلي والذي سيكون زواجهما بعد شفاء العنود، وقبل خروجها أوقفتها عنود قائلة:
- تذكرين لما قلتي لي أبي........
أسكتتها شهد بسرعة قبل أن تكشف فضائحها أمامه وهي تعلم بأنه سيحقق لها مطلبها بلا شك عندما قالت بهيام أنها تريد زوجا يضربها ويحملها على كتفه لتسقط بهواه.
- اسكتي يا عنود، وش يلي ذكرج بالسالفة ألحين؟؟..
قهقهت العنود بصعوبة لوضعها وأجابتها:
- السالفة جت في بالي ألحين فقلت يمكن بعد تبين تحققين يلي تبيه.
- أم حق حلم!!.. روحي يا الخبلة كان كله كلام مسلسلات.
ليسأل سعود:
- وش هو الحلم يلي تبيه؟؟... تراني حاضر ومستعد.
لتعود عنود منخرطة بالضحك بصعوبة وشاركتها ميثة لتذكرها ما كانت تريده صديقتها وأجابته بوسط ضحكها:
- اسألها وهي تقولك.
التفت يناظر التي بجانبه ليراها ترمي بسهام نارية على صديقاتها ثم قال وهو يسحبها خلفه:
- اسمحولي يا جماعة.
وخرج وبعدها بثوان استأذنت ميثة وآمنة الخروج أيضا ليتركوهم لوحدهم وأخذت معها الصغير لتعود الغرفة لهدوئها وسكينتها.
تطلع إليها بحب ثم اقترب منها وجلس بجانبها على السرير يتأملها بشوق وعشق حتى انحنى مقتنصا قبلة تعينه على الصبر ثم ابتعد عنها معطيا إياها المجال للتنفس وهمس وهو على بعد انشات من شفتيها:
- اشتقتلج وايد يا أغلى الناس.
لتعيد همسه وهي تمسك بوجهه:
- وأنا اشتقتلك أكثر.
طبع قبلة أخرى رقيقة على ثغرها ثم ابتعد عنها وحرك كفه ووضعه على بطنها المنتفخ وأخذ يمسح عليه بنعومة وخفة خوفا من أن يؤذي حبيبته، وقالت له تريحه من أفكاره وهواجسه التي تعلم بأنها تتلاعب به:
- كل شي راح يكون بخير، وكثير حريم يسون عملية قيصرية، وأصلا صار عادي وموضة بعد، ولا تنسى إني سويتها من قبل.
وأجابها بشرود وعيناه ما تزالان على بطنها الكبير:
- بس انت حالتج غير، كان ما يسمح لج بالحمل إلا بعد ما تخفين من يلي فيج.
أمسكت بوجهه وأدارته باتجاهها ليناظرها بهيام وحب شع من مقلتيه.
- حبيبي... الله كاتب إني أحمل، صحيح إنه ما كان المفروض يصير بسبب يلي صار من قبل.....
وسحبتها دائرة الذكريات للأعماق مخرجة أحداث مرعبة ومؤلمة قد دفنتها سحيقا، لكنها تخرج بين الحينة والفينة كلما وقعت مقلتيها على صغيرها "مايد" فقد كادت أن تفقده وتخسر حياتها بسبب حقد لم تتوقع أن يكنه شخص ما لها بهذا القدر.
فتحت الباب لاعتقادها بأن زوجها قد عاد ليكون معها ولكن كانت يد الشر هي من يترصدها، دفعها بغفلة صدمتها وأغلق الباب لتنهره وقد عادت حواسها للادراك من وجود رجل غريب ببيتها:
- مين انت؟؟.. واطلع من البيت!!.
ليتكتك بلسانه قائلا وعيناه تجري على مفاتنها الظاهرة:
- لأ... لأ... ميصحش كده، دحنا ضيوف ولزمن اكرام الضيف، ولا ده مش من الأصول يا مدام؟؟.
وصرخت به والرعب قد تملكها مما يريد فعله بها:
- قلتلك اطلع من البيت ولا بالتصل بالشرطة!!.
وبالفعل اتجهت ناحية الهاتف لكن يده كانت الأسرع حيث أنه قد أمسكها وأحاطها من الخلف بجسده لتزعق به وقد شعرت بالاشمئزاز والقرف فقط من تلامسهما، ودفعته بكل ما تملكه من قوة.
- يا الحيوان!!.. كيف تتجرأ وتلمسني؟؟.
وأشارت ناحية الباب وهدرت به وجسدها ينتفض من انفعالها الشديد:
- اطلع من البيت ولا بلم الناس عليك، اطلع يا حيوان!!.
طالع جمالها الفتان وجسدها المنتفخ بشكل مغري لتزجره على تطلعه لمحرمات لا يجوز له الكشف عليها:
- اقطع بصرك يا الحيوان واطلع من البيت.
وأجابها هذه المرة بهمس أحست معه بالرغبة بالتقيؤ:
- حطلع من هنا بس أبلها لازم أعطيك الأمانه يلي معاي.
ارتجف جسدها بهلع وهي تراه يقترب ومقلتيه التي أجاشت ما بداخله من فجور جعلت أوصالها تنصهر من الرعب، وأحاطت بطنها بحماية فطرية ولدت عليه الأنثى.
خطوة للأمام وخطوة للخلف، وفزع شل لسانها، خطوة أخرى من قبله وخطوة للخلف من قبلها ومع اصطدامها بالأريكة حتى حلت عقدة لسانها ومع أول صرخة حتى حط كفه على وجنتها لتسقوط على الأرض هامسه باسمه:
- حمدان.....
دافعت عن شرفها بشدة عندما حاول أن يغتصبها وعندما لم يستطع النيل منها بسبب شراستها ومنعه مما يريد فعله توال عليها بالصفعات واللكمات حتى باتت لا تشعر بجسدها من شدة ما يكيل لها، وأحست أن روحها تكاد تهفوا لبارئها وسلمت نفسها للذي خلقها، وما بين ظلمة الليل التي توشحت بها خضرتيها التي بدأت تسحبها لعالم آخر شاهدته يعارك من أجلها ويصرخ بأعلى صوته، لكنها لم تفقه ما يقوله، أرادت مناداته فخذلها لسانها، أرادت التحرك فعاندها جسدها، لكن عينيها أبتا الانغلاق قبل أن تودعه الوداع الآخر وقد حصلت على أمنيتها بأن تموت على ذراعيه ويكون آخر وجه تراه يكون هو.
عادت لحاضرها وتأملت قسمات وجهه الحبيبة وأدنته منها وطبعت قبلة رقيقة على أرنبة أنفه وهمست مكملة:
- هذي حكمة رب العالمين واحنا ما نعترض عليها.
وهمس هو أيضا بتشتت وخوف من خسارتها من جديد:
- بس....
مسحت على وجنته بظاهر كفها وحادثته بحنان تطمئن قلبه الملتاع:
- حبيبي.. تكلمنا وايد عن هذا الموضوع، والدكتورة طمنتنا إن ما في خطر علي أو على الأولاد، توكل على ربك وكل شي بإذن الله يصير بخير، وثاني شي.. هذي نعمة من رب العالمين ولازم ما نرفض الرزق يلي يجينا.
تنهد بحرارة وهمس:
- ونعم بالله .
وطوق جسدها بذراعيه لتتكئ برأسها بالقرب من موضع نبضاته، واسترخت بهدوء مسدلة رموشها وأسند فكه على رأسها واستنشق عبير خصلاتها العبقة برائحة الورد، ويداه تجولان على بطنها وقلبه يدعوا بتضرع بأن يحفظها له ويعيدها إليه بصحة وعافية.
فخوفه من التعقيدات التي ستحدث أثناء عملية التوليد هي ما تفزعه، فأخذته لعالم جعلته يعيش فيها أياما عصيبة وعويصة، أيام لم يستطع فيها أن يتذوق فيها طعم الراحة، فبعد أن أغلقت عينيها مودعة إياه شعر بالعالم يغلق عليه أيضا، وأنفاسه تكتم، وروحه تجتث من جسده بقوة حتى أحس به يتفتت إلى أجزاء صغيرة، وعسليتيه انطفأتا ولم تناظر سواها وهي تتوسد ذراعيه دون أن تبدي أي حركة تدل على وجودها معه بهذه الحياة.
- حمدان بسرعة خذها للمستشفى.
كان سعيد يعارك المعتدي ويحاول الإحكام عليه ريثما تأتي المساعدة. تطلع لصديقه وقد غيب ادراكه على ما حوله وهمس بضياع:
- ها.....
احتار صديقه عما يفعل ليخرجه من براثن تيهه!!.. بيده المجرم وصديقه يراه ضائعا فما كان منه سوى أن تلقف مزهرية كانت بالقرب منه ورفعها وأسقطها على رأس المجرم ليخر فاقدا الوعي، وهنا سارع ناحيته وصرخ به وهو يلتفت بعينيه بعيدا عندما انتبه للعنود وهي مكشوفة الجسد بسبب تمزق ملابسها:
- حمدان مب وقته قوم وخذ حرمتك للمستشفى.
طالعها بضياع وهمس:
- راحت عني، راحت....
فزجره صديقه لعله يستيقظ:
- حمدان... إن مالحقت ألحين راح يكون موتها بذمتك ليوم الدين.
طالعها للحظات ثم وكأن طاقة قد هبت به لينهض حاملا إياها ويركض بأقصى ما يستطيع للمشفى وهناك سلمهم كنزه الغالي ليعلم بأنها لم تغادر عالمه بعد، فمازالت تحارب من أجل البقاء.
مر الوقت عليه بطيئا قاتلا والهواء صار ثقيلا غير قادر على اجتراح أنفاسه، ففتح أول زرين من دشداشته، ولكن مازال تنفسه متحشرجا مكتوما كأن لا هواء بمحيطه.
كفيه يعانقان رأسه والأصوات اختفت من حوله فقط همسها وهي تودعه بكلمة أخيرة هي من ظلت تتكرر مرارا.... أحبك.
- أخ حمدان.....
لم يسمع فأعادت نداءها والبقية من حوله أيضا نادوه ليخرجوه من عالمه الأسود الذي أظلم بغيابها، ليرفع رأسه وقد ماجت به كل شتى المشاعر. فرق حال الطبيبة لحاله وقالت:
- الأهم... إن حرمتك العنود حية.
أغمض عينيه وانحنى راكعا على الأرض ساجدا شاكرا لله وجودها معه وظل بمكانه لفترة من الوقت حتى عاد يناظرها لتتم حديثها.
- لازم عملية قيصرية علشان نطلع الجنين وبصراحة لازم تعرف إن احتمال يكون الجنين.....
وأكمل بدل عنها:
- ميت...
هزت رأسها موافقة واستطردت:
- وزوجتك نزفت وايد فمحتاجة نقل دم وفي كسور بالحوض مانعرف بعد شو عمقها.
وأتاها السؤال من العمة هذه المرة:
- وهذا كيف يتجبر؟؟.
- يا الوالده هذا ماله تجبير بس راحة بالسرير بدون حركة ومع الراحة راح يلتئم الكسر، وهناك بعد كسر باليد وظلع مكسور، وحاليا نبي توقيعك على الأوراق علشان نباشر بالعلاج.
وغادرت بعد أن أخذت الموافقة وباشرت عملها ونهض هو وغادر متجها لمن هو القادر والشافي وظل بالمسجد يصلي حتى وصلته الأخبار السارة... زوجته بخير وطفله أيضا نجى بقدرة قادر وبما أنه ولد بغير وقته وضع تحت الملاحظة " أطفال الخدج"
بعد مرور المحنة القوية واستبداد الأمور ظلت عنود طريحة الفراش حتى أخبرتهم الطبيبة بأن عليها عدم الحمل إلا بعد مرور ثلاث سنوات أو أكثر بسبب اصابتها، لكن... قدر الله وماشاء فعل.

*********************************
تجلس على أحد الكراسي المنتشرة على طول الممر بالمشفى وعيناها تراقب الصغير وهو يلعب بالكرة وابتسامة مشرقة تعتمل ملامحها الناعمة، يراقبها من بعيد والشوق يسرقه إليها.... فهتف قلبه بلوعة الفراق....
لما تبخلين علي بحبك؟؟.
لما تهربين من عشقك؟؟.
تملكتني وغدوت نبض شرياني.
فلما الجفا يا من سرقت الفؤاد؟؟.
عيشتني بعالم الأحلام.
لتوقضيني منه بأقسى الطرق.
أتبتعدين؟؟... أتهجرين؟؟
لما الصدود؟؟.
أحاطني الهم وغدوت كما الصحراء القاحلة .
فرشتي طريقنا بالأشواك .
وأقفلتي تديرين ظهرك .
مالي بأخطاء الآخرين؟؟.
أتسمعين صدى صوته يناديك؟؟.
أتسمعين صوت صراخي يرتجيك العودة؟؟.
فترفقي بقلب سقط بمحراب عشقك.
( منصور )

- تدرين إنج راح تكوني أحلى أم!! .
تجمدت بمكانها وتابع هو بحب طفق يعلنه دون خجل:
- عيالج راح يحبونج ويموتون فيج، حتى أبوهم راح يموت بهواج.
نكست رأسها وهمست بألم اتسبد بخافقها:
- بس أنا ماراح أتزوج.
وجلس بقربها لتبتعد عنه ناهرة إياه:
- منصور...
- عيون منصور، وروح منصور، ليش انت قاسية جذا؟؟.. انت ما تحبيني؟؟.
تطلعت إليه وإلى ملامحه المعذبة، فأشاحت بوجهها بعيدا وهي تحرك رأسها يمنه ويسره وتجيبه:
- ما ينفع ننربط يا منصور، صدقني أنا وانت ما ينفع إنا نتزوج.
والتفتت إليه تتحدث بلوعة قلب وغصة تقف ببلعومة غير قادرة على زحزحتها:
- انساني يا منصور وتابع حياتك والله ير.....
ازدرد لعابها والوجع يعتصرها بشدة، تعشقه لحد النخاع لكن....
- الله يرزقق ببنت الحلال يلي تناسبك.
ونهضت تداري دموعها المتساقطة لحب علمت بأنه لن يكتب له الاستمرار، فما حصل كان القاسم لردئهما عن الاستمرار بمشاعرهما. أوقفها عن الرحيل بعد أن كادت تتحرك حاملة الصغير بعيدا عنه.
- هذا آخر قرار يا آمنة؟؟.
احتضنت الصغير بقوة وكتمت نوبة بكائها بصدره وهزت رأسها تجيبه بصعوبة بالموافقة لتسمع صوت حذائه وهو يبتعد حتى انهارت على الأرض تندب حبها الضائع بسبب عائلة قد دمرتها تماما حتى بعد رحيلهم.
- ليش قلتي له هذا الكلام؟؟.. منصور يحبج يا أمون.
رفعت رأسها وهمست لها بعذاب ينكئ جروحها الغائرة:
- لأنه ما ينفع يا ميثة، راح يعايرونه بأهلي، ويلي صار مب شوي، وبالأخير راح يرميني برع حياته ويقول ما بيج بعد ما يمل من الكلام يلي يجلده.
لتقترب منها ميثة وتحتضنها وتهدهدها.
- ليش تحكمين على شي انت مب عارفه شو هي نهايته؟؟.
لتجيبها ببكاء مكتوم، لكن دمعاتها أبت إلا الخروج:
- نهايتنا معروفة يا ميثة... معروفة، ويلي صار مب شوي.
- وشذنبكم تاخذين بذنب غيركم؟؟.
ابتعدت عنها وأمطارها تهطل بغزارة دون أن تكون لها القدرة لايقافها.
- لأن يلي سوته اختي مب شوي وهذاك أبوه صار معوق بسببها وكان راح يموت لولا رحمة الله فيه.
سكتت تجترح دمعاتها وأنفاسها وتابعت بقهر وعجز:
- تعرفين... كل ما أجوفه جدامي أحسه إنه وده يذبحني وينتقم فيني باختي.
لتسارع ميثة رافضة ما تهذر به :
- لا يا آمنة.. أبو سالم ما يفكر جذا!!.
لتقاطعها :
- بلى يا ميثة، صدقيني...
سحبت نفسا طويلا ثم استطردت:
- اختي يا ميثة دمرت حياته وبيته وأهله، يعني كل شي حلو بحياته أخذته اختي، وهو أكيد ألحين يتوقع إني مثلها وراح أدمر ولده لو تزوجني.
- يمكن انت خايفة تكونين مثلها علشان جذا رافضة منصور.
أتاها الصوت من خلفها لترى شهد، وأشاحت بوجهها ولم تعقب، فاقتربت منها وجلست بجانبها بعد أن سحبتها وأقعدتها وحادثتها برقة:
- يا حبيبتي يا آمنة، كم مرة أقولج انج انت غير واختج ابتسام غير؟؟.
مسحت دموعها بقوة ونفضت غبار البؤس وقالت بقوة وبكلمة أخيرة لا رجوع فيها:
- لا يا شهد، دمنا واحد وهي اختي والظفر ما يطلع من اللحم، ومنصور أكيد راح ييجي له يوم ويعايرني بهلي، فليش أفتح المجال له؟؟.. احنا ما نصير لبعض وانتهينا.
تحركت وحملت الصغير وداعبته قائلة:
- نروح للماما والبابا...
ورحلت تاركة خلفها صديقات بل شقيقات عاجزات عن فعل شيء من أجل شقيقتهم الصغرى التي أبت إلا أن تجترح مرارة عائلتها لوحدها.
وساقتها أحزانها وهي تسير بالممرلأيام الشقاء التي جعلتها تكبر بين ليلة وضحاها.
فاجعة هزت أركان المنزل بخبر وجود العنود وحمدان بالمستشفى اثر اعتداء من رجل غريب بعقر دارها.
انطلق الجميع إلى هناك لكنها بقيت بالمنزل مع عبدالله وحنان وظلت تترقب اتصالهم ليطمئنوها، لكن لم يصلها شيء، فما كان منها سوى الاتصال بشهد لتخبرها بما حصل لتنطلق تلك الأخرى للمشفى مع ميثة وظلت هي لوحدها تصارع الخوف حتى استجمعت قوتها وارتدت عباءتها وانطلقت بسيارة أجرى للمستشفى التي ترقد بها الأم التي احتوتها.
اقتربت منهم وهي تشاهد الحزن مخيم على الكل وينتظرون خروجها من غرفة العمليات بصبر، وما هي إلا لحظات حتى جاء أحد ما يحمل أخبارا غير سارة .
- مرحبا... انتوا عايلة حسن الكتبي؟؟.
نهض سالم وأجابه بفزع:
- نعم احنا أهله وأنا ولده العود.
تردد الرجل باخباره لكن لا مفر.
- اسمحلي أقولك إن أبوك هنا بالمستشفى.
صاح به:
- انت شو تقول؟؟... وشـ يلي صار؟؟.. وأصلا أبوي مسافر!!.
- للأسف أبوك موجود هنا بالمشفى وأنا جيت أبلغكم لما عرفت إنكم موجودين هنا.
اقترب منه الجميع وسأله سعود بذهول:
- شو يلي صار فيه؟؟.
- بصراحة ما عرف، ممكن تسأل الشرطة وهي تجاوب.
وبتلك اللحظة جاء الشرطي ليحيطه الجميع متسائلين عما حدث حتى أجاب متأسفا ومجبورا:
- بعدنا ما نعرف التفاصيل، بس كل يلي صار إن الجيران اتصلوا فينا وقالوا إن في واحد طايح بشقته، ولما سألنا إن كان حد معاه قالوا إنهم جافوا حرمته تطلع وهي تركض و......
- الله يلعنها!!.. وشسوت فيه؟؟.. والله لأذبحها الحيوانه!!.
وتحرك منصور والشرر يتقاطر من عينيه حتى أمسكه شقيقه سالم.
- هدي يا منصور وخلينا نعرف شو صار بالأول، الدنيا ما هي بفوضة علشان.....
قاطعه وهو يحاول الفكاك من قبضته المحكمة:
- لا... هي السبب!!.
وقام بدفعهم ينوي التحرر وهي من بعيد تشاهدهم والرعب قد تملكها تماما، ولكن ما نطقه بعدها الشرطي كان الفيصل ليحل السكون بعدها.
- الحرمة يلي تتكلم عنها كانت تركض بالشارع وما انتبهت ودعمتها سيارة وهي ألحين بالعناية المركزة، تعرفون أهلها علشان نتصل فيها؟؟.
وصرختها كانت دليل على صلتها بها.
- لا.....
عادت لواقعها ووصلت لغرفة العنود وطرقت الباب بعد أن استجمعت قوتها ودخلت بابتسامة اغتصبتها، فتلك هي حياتها، مجرد أقنعة ترتديها لتخفي ما بداخلها من أوجاع تقتات منها رويدا رويدا.
- هذيك ماما.
وضعت الصغير على الأرض ليركض ناحية والده ويرفعه ليكون بمستوى والدته لتحادثه بأمومة طفقت على ملامحها وداعبت كفه الصغير:
- ميودي حبيبي، لا تعصب بخالوا آمون فاهم، وخلك ولد مؤدب.
اتكأ الصغير برأسه على كتف والده وهمست آمنة:
- لا ميود حبيبي ولد مؤدب.
طرق الباب ليدخل الجميع... الجدة وأم سالم وميثة وشهد وانخرطوا بحديث عن حالة العنود لتنزوي آمنة بأحد الأركان جالسة على كرسي وتطالع بشرود للخارج من نافذة الغرفة وتتفكر بحياتها، لقد أنهت تعليمها الثانوي وتخرجت بنسبة كبيرة لتلتحق كما والدتها العنود بكلية الطب، وهي تعيش مرتاحة مع عنود ولا ينقصها شيء، ليأتيها همس من بعيد متسائلا:
- ألا ينقصك شيء؟؟..
لتجيب:
- لا.. لينقصني شيء.
- وماذا عن قلبك؟؟.
- ومابه قلبي؟؟.
- أوتسألين مابه؟؟.. أين نصفه الآخر؟؟.. لما غلغلته بسلاسل العبودية؟؟.. لما رميته بأقاصي الأعماق؟؟..
لتصرخ به:
- لأنه اختار الشخص الخطأ، لأنني لا أريد أن أؤذيه، وحبنا مستحيل!!.
- لما مستحيل؟؟.. لما؟؟.
سكتت قليلا ثم أجابته:
- لأني خائفة من الصد والهجران، خائفة من رؤية نظرة اللوم والعتاب ليكون مصيري الوحدة وحطام قلب.
وانتهى النقاش عند هذا الحد بحب لم يكتب له الاستمرار.
**********************
حان الوقت المنتظر وجاءت الممرضة لأخذ العنود لغرفة العمليات. عانقها حمدان بقوة وهمس لها:
- ارجعي لي، فاهمة!!.
ابتسمت وأجابته بخفوت:
- بحاول.
وضحكت تريد ازاحة خوفه لكنه لم يستجب لها، فاحتضنت خده بكفها وهمست له:
- قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، خلي بالك من نفسك، وعيالي أمانه فارقبتك، وأمون آمانة الله يخليك حافظ عليها.
استنشق هواء عميقا ثم زفره وأجابها وهو يعتدل وملامحه لا تشي بشيء:
- أمانتج انت راح تصونيها بنفسج، وإن شاء الله بترجعيلنا بالسلامة.
سلم عليها الجميع ودعوا لها بالخروج سالمة ثم دفعوا سريرها خارجا باتجاه غرفة العمليات وحمدان يسير بجانبها وكفيهما متشابكين، وقبل انفصالهما طبع قبلة على أصابعها وجبهتها وهمس بطلب ورجاء وتوسل:
- راح ترجعين!!.
- قول... يا رب!!.
واختفت خلف الباب المغلق ليشعر بجدته تمسك بعضده وتقوده للجلوس.
- اقعد يا ولدي، راح تطول داخل، وادعي ربك إنه يقومها بالسلامة وإن شاء الله ماعليها شر.
وجلس الجميع بانتظار خروجها وقلوبهم تخشع بالذكر، وهناك من بين ثنايا دعواها وصورة أخرى ومكان آخر احتلت صفحة ذكرياتها...... هي تجلس لوحدها بانتظار خروج أحدهم ليخبرها بما حل بمن في الداخل وقد طال انتظارها، ودموعها تتساقط تحكي واقعها الأليم بعائلة قد تفككت وتدمرت... والدتها توفيت اثر صراعها مع المرض الخبيث، ووالدها أصيب بجلطة دماغية وهو الآن طريح الفراش فاقد الأهلية بسبب خسارته لكل شيء أو بالأحرى بسبب قيام زوجته بسرقة كل الأموال التي يملكها ورحلت عنه بعد أن أخذت الأطفال وسافرت لمكان لا يعلمه أحد، وهاهو دور شقيقتها قد أتى، هذا هو عقاب الله في الدنيا، فما بالهم بالآخرة!!... ألا يتفكرون؟؟... ألا يفهمون أن الشر مصيره الفناء آجلا أم عاجلا؟؟.. وأن الله يمهل ولا يهمل.
خرج الطبيب بعد ساعات قضتها هي بالتحرك من مكان إلى آخر، هناك والدتها التي ربتها تعاصر الموت وهنا شقيقتها أيضا تنازع الروح.
- مين انت؟؟.
وأجابته بصوت قد غادرته أوتاره من شدة بكائها:
- أنا... أنا... أختها.. هي... كويسة؟؟
لم يعرف ما يقول!!.. فهي طفلة بالكاد ستتحمل ما ستعرفه.
- وين أمج وأبوج ؟؟.
- ماما ماتت، وبابا.....
سكتت ولم تستطع الاكمال.
- لا حول ولا قوة إلا بالله، طيب ما في حد ثاني من العيلة؟؟.. يعني واحد كبير؟؟.
هزت رأسها بالنفي ليتطلع الطبيب من حوله وشاهد الشرطي قادم باتجاهه ليستعلم أخبار المصابة.
- ها يا دكتور، شو الأخبار؟؟.
تطلع للصغيرة لثوان حتى بدأ يتكلم كطبيب أشرف على علاج مريضة.
- بصراحة ما أقدر أقولك إنها بخير، لازم تمر 48 ساعة وبعدين بقرر، لكن حاليا احنا سوينا يلي علينا والباقي لرب العالمين.
لتتدخل متسائلة:
- طيب هي ملها؟؟.
ماذا يقول لها؟؟.. تنهد وقال بعد أن حثه الشرطي للحديث لكي يكتب بتقريره عن حالة المصابة:
- المريضة اصابتها كانت خطيرة، وحاولنا إنا نساعدها بس ما قدرنا، فكان لا بد من إننا نحد من الخطر.
ازدرت لعابها وعيونها احمرت ومازالت دمعاتها تتساقط واستطرد الطبيب:
- الشاحنة لما دعمتها كانت مسرعة فطارت اختج وطاحت بين السيارات، ولأنهم ما انتبهوا فكان مصيرها إنهم يسيروا فوقها، وسبب هذا بترت ريولها الثنتين.
وشهقت ووضعت كفها على فمها تمنع الصرخة التي كادت أن تخرج ورأسها يرفض الصورة وتابع الطبيب بقلة حيلة:
- وصابها نزيف داخلي اضطرينا إنا نوقف النزف وكانت حامل بس الجنين طلع ميت بسبب الضربة يلي تلقاها جسمها، والكلية تفتت فاضطرينا إنا نتخلص من وحده منهم، وجزء من يدها اليمنى كمان بترناها، وجروح عميقة بويهها طبعا تحتاج لعمليات تجميلية إذا الله كتب لها إنها تكون حية، ومن غير العلاج النفسي والطبيعي وأشياء ثانية راح نقررها بعدين لما نجوف حالتها لوين بتوصل.
وتركوها وحيده تعاني الأمرين، دون كتف يعينها، ودون صدر يحتويها، وظلت بمكانها تبكي وتبكي حتى جفت غدرانها وتحركت تمشي بضياع ناحية من عانقت طفولتها وصباها، فتلك هي الأهم، وعندما وصلت وتعانقت عينيها مع من تملك كيانها وشاهدت تلك النظرة التي لم تنساها أبدا وظلت محفورة بذاكرتها ليكون قرارها النفي.
تابعت استرجاع شريط ذكرياتها وهي تنتظر خروج الأم التي احتضنتها ومازالت تكمل مسيرة الاعتناء بها.
تتذكر دخولها لأول مرة لغرفة شقيقتها بعد زوال الخطر عنها بعد أربعة أيام، كم كانت صدمتها كبيرة برؤيتها بهذا الشكل... الضمادات تحيط بجسدها كاملا ولا يظهر منه سوى عينيها، وعندما استيقظت قابلتها بهجوم ضاري لم تتوقعه أبدا:
- بتعملي ايه هنا؟؟... أكيد جاية عوزة فلوس!!.
بهتت ولم تعرف ما تجيبها وتابعت الأخرى:
- ؤولي لأمك إن معنديش فلوس، وؤليلها تروح تشحت أو تبيع نفسها أي حاقة المهم تبعد عني.
وأجابتها بعد صمتها الطويل:
- ماما ماتت.
سكتت تنتظر بكائها أو صراخها أو دمعاتها لكن أن....
- أحسن.. ارتحنا من غتاتتها، وليه أرشانة شرانية...
ثم التفتت إليها قائلة:
- وانت بتعملي إيه هنا؟؟... أكيد عاوزة تسكني معاي لأن معدش معاك بيت، طيب ماتروحي تسكني مع حبيبة الألب عنود
فسألتها آمنة بسؤال لطالما أرادت معرفته:
- انت ليه بتكرهي العنود؟؟.
حل الصمت حتى مر الوقت اعتقدت بأنها لن تجيبها حتى قالت:
- بكرها لأنها شيفة نفسها، يعني حتى وهي يتيمة وأبوها يلي هو عمها بيكسرها بيضل رفعة خشمها، بكرها لأنها نظيفة وحتى أمها مش معاها وأنا أمي....
شخرت ثم أكملت:
- أنا أمي ضيعتني، أمي بتشتمها وبتضربها وعمها كمان لكن مانكسرتش علشان كده أنا بكرهها وحبيت أكسرها وأدوس خشمها ده يلي رفعته بالسما، وأهوه أكيد هي ماتت مع ابنها وأنا دلوأتي حرتاح منها.
فأجابتها آمنة بدموع صامتة وهي تسمع الحقيقة المرة:
- بس عنود ماممتش.
والتفتت صارخة:
- بتؤلي ايه؟؟.. يعني ايه ماممتش؟؟.. أمال الغبي "زينهم" كان رايح يتنيل يعمل ايه معاها؟؟.. أنا موصياه إنه يعزبها أبل ما يموتها.
سكتت قليلا وأخذت تهمهم بحنق ولم تستشفي آمنة ما تقوله حتى تابعت ابتسام حديثها :
- المرة الجاية حتكون النهاية أكيد، ؤمال هو فين دلوأتي؟؟
- البوليس مسكه هو وراجل تاني معرفش اسمه إيه وحكموا عليهم 8 سنين.
ضحكت ابتسام بخفوت واستطردت بعد أن عادت بأنظارها للواقفة:
- أهم حاجة ميجوبوش بسيرتي، واسمعيني يا بنت انت، أنا معنديش مكان ليك، وحسن حـ....
وهنا استدركت ما غاب عن بالها، فقد كشفت حقيقتها.. وماهي إلا لحظات حتى حاولت النهوض وعندها فقط صرخت بأعلى صوتها وهي ترى ما حل بها، وجن جنونها وحاولت اقتلاع الابر وانتزاع الشاش من على وجهها، وثارت أكثر عندما علمت بأنها قد خسرت قدميها الاثنتين وكف يدها فما كان من الطبيب سوى حقنها بمهدئ، ومرت الأيام وحالة شقيقتها تزداد سوء وجنونا، ليضطر الطبيب بحقنها بمهدئ حتى جاء ذلك اليوم الذي فوجئت بأن شقيقتها قد انتحرت وتوفيت إثر جرحها الغائر، فلم يكن بوسعها العيش هكذا ناقصة الجسد ومشوة الوجه، فهذا ما كانت فقط تملكه ليجعلها تعيش وبدونه لا فائدة منها.
كانت نهايتها بشعة، ماتت وهي قد أجرمت بحق نفسها قبل أن تجرم بحق الآخرين، لم تفكر بالتوبة أو العودة لطريق الصواب واختارت الطريق السهل وهو الموت ولم تفكر بأن هناك عقاب وحساب على ما جنته يداها.
وهنا انتهى فصل عائلتها بنهاية آخر فرد من عائلتها وبقيت هي تبحث عن نفسها.
مرت ساعتان وبعدها خرجت الطبيبة ليفز حمدان بسرعة.
- ها.. بشري يا دكتورة؟؟
- عطني البشارة!!.
- لج يلي تبيه، بس قولي حرمتي شخبارها؟؟.
- الحمدالله المدام بخير ومرت العملية بدون تعقيدات.
- الحمدالله
وركع ساجدا لله، شاكرا نعمة عودتها إليه، لتنتشر الفرحة بين الجميع لتقاطعهم الطبيبة هاتفة ببهجة قد انتقلت إليها:
- ماتبي تعرف شو ولدت حرمتك؟؟.
وأجابها بابتسامة مشرقة:
- كله من الله زين، والولد مثل البنت مافي فرق عندي.
- عيل جوك أحلى بنتين توأم مثل القمر.
- الحمدالله.. الحمدالله
************************
بعد 6 أشهر.....
تسير بسرعة وبرشاقة وصوت نقرات حذائها المدبب يرن صداه بالأرجاء، فتحت باب الغرفة ودلفت تتساءل باستعجال وهي تكمل ارتداء حلق أذنيها:
- يله يا ماما حنان بسرعة تأخرنا على العرس .
وقفت حنان بدلال ودارت حول نفسها وهي تتساءل:
- شو رايج يا ماما؟؟... لايق علي الفستان؟؟.
وقف عنود تتأمل صغيرتها وابتسامة حنان تتوسد ثغرها المخضب بحمرة تشابه لون الدم... كان فستانها المنفوش بلونه الوردي، وشعرها المسدل بحرية خلف ظهرها تنام على سواده على جنب وردة بنفس لون الفستان، وألوان هادئة زينت ملامحها الطفولية لتغدوا كما اللعبة الصغيرة، وأجابتها وهي تقترب منها:
- ما شاء الله تبارك الرحمن عروس، الله يطول بعمري وجوفج عروس بفستانج الأبيض.
استحت حنان وهمست :
- ماما... تراني أستحي .
أهدتها قبلة على رأسها وقرأت بعض الأدعية لترقيتها من العين ثم هتفت:
- يا... تأخرنا!!... بتذبحني شهودة، قالتلي لازم أكون هناك بسرعة.
وتحركت خارجة وهي تنادي بصوتها العذب:
- عبادي حبيبي خلصت؟؟.
وخرج يلبي نداءها ووقف بهيبته وهدوئه ووقفت هي تتأمله وهمست:
- صدق من قال من شابه أباه فما ظلم.
فعبدالله يشبه أباه بغموض عينيه وهدوئه ورجاحة عقله، حسنا مرت على زوجها أيام عصيبه جعلته يتخلى عن وقاره، وضحكت بخفوت ليتساءل عبدالله وهو يقترب:
- إن شاء الله دوم هذي الضحكة.
احتضنته وهي تقول:
- يا حبيب قلبي إنت، والله لو نلف العالم كله ما نحصل واحد مثلك، فالحمدالله على نعمة وجودك معانا.
خجل من مديحها ولم يعقب عليه وبالمقابل تهرب قائلا :
- عيل أبوي وين؟؟
مسحت على خده وأجابته بأمومة وحب:
- أبوك قاعد يساعدني ويلبس أخوك مايد.
- والتوأم!!.
- يا قلبي على عهد ووعد نايمين.
وتذكرت سبب تسميته لابنتيها بهذه الأسماء فهو كما قال:
- كل ما أجوف بناتي راح أتذكر كل وعودي وعهودي ومستحيل أنساهم دام عيوني تجوف عيالي.
عضت على شفتيها وتنهدت بحب وقالت بهمس عاشق:
- خليني أروح وأجوفه شو سوى مع أخوك، انت انزل مع اختك حنان وانتظرونا تحت عند يدوه.
هز رأسه موافقا وانطلقت هي لجناحها ترى زوجها وحبيبها يعارك طفلها الصغير لالباسه لحمدانيته، ظلت بمكانها تراقبه بحب وعشق شع من خضرتيها... كم هي عاشقة لهذا الرجل، لقد مرت عليهم أيام عصيبة من قبل، لكن مع انتهاء العقبات عاشوا بسعادة وهناء مع صغيرهم مايد الذي سماه زوجها تيمنا بشقيقها.
لقد أمطرها بوابل من كلمات الغزل والغرام كما عاهدها، ولم يجعل دمعاتها تتساقط أبدا، لقد أغرقها بحبه العميق وهي قابلته بالمثل.
ولم تنتبه لعيونه المحدقة بها تلتهم جمالها الخلاب وفتنتها التي أسرت عسليتيه ... كان شعرها يرفل بعنفوان عنادها يتحدى الرياح أن تبعثره ليقف شامخا مثل صاحبته، أما ملامح وجهها فتلك حكاية أخرى فقد غدت غاية بالجمال، وفستان ذهبي اللون ذا قماش حريري التصق بجسدها ليكون جلد آخر لها حمالاته رصت عليه لآلئ براقة وأحاطت بصدر فستانها من الأطراف، كان فستانها بسيط لكنه جعلها كالملكة التي تنازع ملكات الجمال بالعرش.
- عجبتك؟؟.
اقترب منها وماتزال عيناه تأكلها بشهية من جمالها الفتان جعله يزدري لعابه وأنظاره لا تستطيع أن تحيد عن هذه الحورية التي ظهرت له من حيث لا يعلم.
- سبحان الله من صورج .
ابتسمت ليبتسم واقترب منها محيطا جسدها بذراعيه وهمس بأنفاس مستعرة:
- هو لازم نروح العرس؟؟.
قهقهت بخفوت وأجابته وهي تفرد بكفيها المخضبين بحناء حمراء نقشت على يد أمهر الحنايات .
- إذا تبيهم يذبحونا تراه عادي عندي، دام إني راح أموت بين ايدك....
ليقاطعها بسرعة:
- لا تطرين الموت، والله يطول بعمرج ويعل يومي قبل يومج .
طالعته بهيام وعواطف مشحونة وهمست له:
- ويلوموني بحبك.
اشتعلت أنفاسه إثر تصريحها وانحني يبغي اقتناص قبلة يودي بها عشقه لهذه الأنثى التي غيرت حياته للأبد لكن.....
رنين الهاتف وبكاء الصغار قاطع ما كان ينويه ليبتعد ويهمس بحنق:
- هذي المرة العاشرة يلي يتصل فيها، حشى مب معرس هذا ؟؟.
ضحكت وابتعدت عنه وجسدها يرتعش بلذة الحياة وأجابته:
- ما عليه اعذره حبيبي .
- وهو ليش ما يعذرني؟؟.. تراني أنا بعد معرس اليوم ولا في اعتراض؟؟.
ناظرته بخضرتيها بهيام ثم أجابته:
- لا أبد ما في أي اعتراض، لكن إذا مارحنا ألحين ما راح يكون فيه عرس أو شهر عسل.
وغمزت بعينيها تهديه وعودها.
انطلق الجميع للفندق الذي يقام فيه حفل الزفاف .
- وين راحت هذي بعد؟؟.. يعني أنا قلت لها تكون موجوده قبل الكل وحضرتها ما يت لين ألحين؟؟.
همهمت آمنة بيأس لأسئلة شهد التي لا تنتهي ثم هتفت لها:
- شهد هدي شوي وخلي الكوافيرة تسوي المكياج، ولا بتطلعين مب حلوة.
ففزت من جلستها وصرخت للمزينة:
- والله لو طلعت مب حلوة ما راح تلومين إلا نفسج.
طالعتها المزينة أيضا بغيض وهتفت:
- طيب ماتعدي كويس علشان أحطلك الميكآب منيح.
وأكملت الباقي بهمس:
- ياي.. كيف راح يستحملها هدا الرجال؟؟.. الله يعينه عليها.
وعادت شهد تصرخ:
- تراني سمعتج، ومالج شغل... يتحملني ما يتحمل نصطفل أنا وهو.
وانتشرت ضحكتها تعلن عن وجودها بالمحيط.
- شهد حرام هدي كلتي الحرمة المسكينة، خليها تجوف شغلها علشان سعود ينبهر بهذا الجمال.
وبنطقها بالكلمة السحرية استرخت بمقعدها وابتسمت بحالمية جعل الكل يقف بذهول لتحولها التام.
فهمست المزينة اللبنانية للعنود:
- وينك يا مدام من زمان؟؟.. بصراحة هيدي أول مرة بشوف عروس متلها.
وأعادت عنود الهمس:
- الله يخليج اسكتي لاتسمعج وتسويلج سالفة .
ونادت شهد باستعجال:
- يا الله وينج؟؟.. خلصيني بسرعة بينزف المعرس وأنا بعدني ما خلصت.
رفعت المزينة يدها ودعت:
- الله يعينا على هيدي الليلة .
وعادت تكمل وضع الزينة للعروس المجنونة وبالطرف الآخر وقفت عنود تراقب شهد وماهي إلا لحظات حتى دخلت العروس الأخرى بجمالها الهادئ ونعومة ولدت عليها لتهتف آمنة بانبهار :
- وااااااااااو.. ميثة ماشاءالله عليج، صايرة حلوة .
والتفتت عنود وشهد أيضا يتطلعون باعجاب لصديقتهم التي تقدمت منهم بخجل تريهم ماصنعته المزينة .
- شو رايكم؟؟.. عجبكم المكياج؟؟.
لتهتف عنود:
وبتطلعين أحلى لما تلبسين الفستان، ماشاء الله تبارك الرحمن قمر والله قمر.
لتعترض شهد:
- أقول هيه... وفري كلامج الحلو، تراني أنا بعد عروس ولا نسيتيني؟؟
ضحك الجميع على جنونها ودخلت خديجة تستعجلهم لتقف بابتسامة حانية:
- ماشاءالله عليكم يا بنات، ربي يحفظكم من العين، لا تنسون حبايبي، اقرأوا المعوذات وآية الكرسي.
سكتت تتطلع للجميع ثم قالت:
- عنود حبيبتي إذا مخلصة إنزلي تحت، الضيوف قربوا يحضرون نبي نستقبلهم وخلي المربية تتحمل من الصغارية.
وافقت العنود وحملت صغارها وخرجت وهي تنادي:
- يا الله يا آمنة تعالي لما تخلصين.
- إن شاء الله بس خليني ألبس باقيلي الاكسسوارات وأخلص .
خرجت عنود والتفتت آمنة ترتدي حليها وظلت خديجة تراقبها باعجاب لجمالها، كانت ترتدي فستان أسود اللون ذا حمالات رقيقة أظهرت بياض بشرتها، يحيطه من الصدر بسلاسل بيضاء تدلت براحة على صدرها، وحزام أبيض اللون توسد خصرها ليظهر قدها الممشوق، وأكملته بحذاء بكعب عالي، ورفعت شعرها بتسريحة جميلة وزينته بحلية بيضاء على شكل وردة، وتركت قذلتها تنام براحة على جبهتها، ولونت وجهها بألوان هادئة ما عدى عينيها التي صبغتهما بالسواد لتظهر وسعهما وجمالهما.
اقتربت منها وأخذت تساعدها لتعترض قائلة :
- ماعليه يا خاله لا تتعبين نفسج.
سكتت خديجة ثم همست لها:
- لين متى يا بنتي راح ترفضين؟؟.
تجمدت يدها بالهواء مع سلسالها وجحضت عيناها وتحركت خديجة لتقف خلفها وتمسك بالسلسال وتلبسها واستطردت:
- محد راح يلومج على يلي صار.
وأكملت حديثها:
- وولدي منصور أبدا ما راح يعيرج بأهلج، وصدقيني أنا أول وحدة بوقف بويهه.
تحركت خديجة من مكانها ووقفت أمام آمنة وتابعت الحديث وهي تمسح دموع الصغيرة المتساقطة.
- وأبوه.....
أغمضت آمنة عينيها بألم وحسرة، واستمعت:
- أبوسالم يمكن في البداية كان معترض على ارتباطكم لكن بالنهاية أقر إنج مب مثل......
وتركت الجمله دون أن تكملها لتتنهد أم سالم .
- يا بنتي يا آمنة ماحد يعترض لقضاء الله، وكل واحد ياخذ جزاته لكن هذا مب يعني نوقف حياتنا على شي صار وانتهى، لازم نكمل ونعيش، أنا عارفة إنج تحبين ولدي وهو لين ألحين متمسك فيج وحالف إنه مايتزوج غيرج.
وفتحت عيناها بصدمة لتكمل والدته:
- نعم.. حلف إنه ما يتزوج غيرج لأنج انت يلي في القلب مب وحدة ثانية
وهمست آمنة بشق الأنفس:
- لكن... لكن...
وقاطعتها خديجة وهي تمسك بكفيها:
- ما في لكن يا بنتي، انت بنت خلوقة ومأدبة وماراح ألاقي وحدة تحب ولدي مثلج، فكري يا بنتي وصلي استخارة وتوكلي على الله وانسي يلي راح ولا تخليه يتحكم بمصيرج، عيشي يا بنتي ولاتقتلين نفسج بالحيا.
وتركتها مغادرة تاركة فتاة تعيش بين نارين.. هل تنسى الماضي مع آلامه وجراحه وتطوي صفحته من أجل حب حياتها؟؟.. أم أنها تتركه يقتات منها رويدا رويدا ليتركها شبح بين الأحياء وترى العالم يتقدم للأمام وهي تقف بمكانها؟؟.
مسحت دمعاتها وأكملت ارتداء حليها وخرجت وقد اعتزمت على فعل ما قالته الخالة ألا وهو ترك أمرها لله ليقودها لما فيه خير وصلاح لها.
وصدحت صوت الموسيقى تزف العروستين اللتان ارتدتا أحلى حلة لتغدوان كما البدر المنير، فتلك هي ليلتهما المنتظرة، ليلة طاق فيها كل حبيبين الالتقاء تحت جناح العشق.
ومضى الوقت سريعا حتى حل وقت الرحيل وحمل كل عريس عروسه ومضى بها مشوار حياتهما التي ستتخللها الأفراح والمسرات وأحيانا الأحزان والآلام فهكذا هي الحياة.
أما أبطالنا فقد انطلقا هما وعائلتهما السعيدة يبحثان من بين أركانها عن السعادة التي ينشدونها واختاروا أن يعيشوا اليوم بيومه فمن يعلم الغيب سواه.
دلفوا لغرفتهم بعد أن وضعوا أطفالهم بالسرير متمسكين يدا بيد ووعد بعدم تركها أبدا وكانت المفاجأة تنتظرها بغرفة النوم....
فقد زينها وفرشها باللون الأحمر، وشموع انتشرت بكل مكان، وبالونات حمراء حولت سقف غرفتهما للأحمر، وطاولة صغيرة بمقعدين، التفتت إليه متفاجئة :
- شو السالفة؟؟.. بعده عيد زواجنا أوعيد ميلادي!!.
سحبها خلفه وأدار المسجل من بعيد بالريموت وهمس لها وهو يدنيها منه.
- اليوم يوم عرسنا، وكل يوم راح يكون عرسنا، وانت أحلى عروس جفتها بحياتي، وأشكر ربي على النعمة يلي أعطاني إياها .
وعاد لتقبيلها ثم ابتعد بعد مرور الوقت وحادثها بعواطف مشبوبة:
- تعرفين يا عنود شو هو أحلى يوم عندي؟؟
وهزت رأسها نافية معرفتها وأحاسيسها الملتهبة تمنعها من الحديث فقال بالقرب من شفتيها:
- أحلى يوم كان.... يوم التقينا تاهت فيه عناويني.
وعانقت الأرواح والقلوب باتحاد أبدي لن يزحزحه أي زلزال أو مخلوق، ودعاء وأمنية بأن تطول احتضاناتهما وتطول مسراتهما وأن تكون كل حياتهم هانئة وأن يبعد الله عنهم شر النفوس الضعيفة، وأن يحاوطهما العشق والغرام دائما وأبدا.




تم بحمد الله .





 
 

 

عرض البوم صور طُعُوْن   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
)...., اللقا, اماراتية, تاهت, بقلمي, جلدة, عناويني
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 07:15 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية