لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-01-17, 07:54 PM   المشاركة رقم: 201
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2011
العضوية: 216585
المشاركات: 468
الجنس أنثى
معدل التقييم: منى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 1595

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
منى لطفي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : منى لطفي المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: كبـير العيلة

 

كبير العيلة
بقلمي/احكي ياشهرزاد(منى لطفي)
الحلقة(36)
جلس الليث الى والده بعد أن قرر أنه لا بد من التعجيل بما يريده، فسلسبيل ستخرج من المشفى في غضون أيام، نظر عدنان المهموم بما آلت اليه الأحوال في عائلة الخولي على يديّ شقيقته هو!!.. لا يُنكر أنه ما أن سمع بالتفصيل من عمّه عبد الحميد بما فعلته أخته أنه كاد يفتك بها ولكن رحمها من بين يديه ما رآها عليه من حالة الهذيان الغريبة، ليأمر بإحضار الطبيب الذي وصف حالتها بانهيار عصبي حاد أدّى الى فقدانها... عقلها!!! ، ليس هذا وحسب بل أن الطبيب قد نصحهم بوجوب إيداعها مصحة للأمراض النفسية والعصبية وعندما وجه إليه عدنان نظرات الذهول والغضب أٍرع بطمأنته أن ما حدث لها قد يكون صدمة عصبية حادة وبالالتزام بالعلاج المناسب والسريع قد تشفى وتعود كما كانت، ولكن السيء في الأمر أنه خو عدنان شقيقها لا يريدها أبدا أن تعود كما كانت!!.. وإن خُيّر بين عودتها الى ما كانت عليه وبين أن تظل كما هي الآن لاختار... أن تفقد عقلها الشيطاني ذاك أفضل!!...
الليث باعتداد بالنفس وجدية مطلقة:
- بعد إذنك يا بويْ.. فيه موضوع كنت حابب نتكلّم فيه..
عدنان وهو يتنهد عميقا:
- جول يا ليث يا ولديّ..
الليث بهدوء جاد:
- ات خابر يا بويْ انه ماراتي هتخرج من المشتشفى بعد يامين تلاته بالكاتير، و.... – سكت عاضًّا على نواجذه قبل أن يزفر بضيق مكتوم متابعا – عمتي جاعده احدانا اهنه.. أني ما عاوزشي ماراتي تُعرف حاجه عن اللي حوصل، سلسبيل لو داريت انه أمها هيّ السبب في اللي جرالها يمكن يجرالها حاجه وأنا مش هسمح لحاجة شينة توحصل لها، كفاياها اللي جرالها من تحت راس أمها...
عدنان بتساؤل:
- انت ناوي على إيه بالظبّط يا ليث؟...
ليث بنظرات تشع قوة وبلهجة من استقر رأيه على أمر لا رجعة فيه:
- أني هاخد ماراتي وعيالي ونطلع برّات الدار!!!!!!!...
ليسمعا شهقة قوية فصيحة عالية يعقبها صوت يولول قائلا بنواح:
- واااه... رايد تفوتني يا الليث؟... عتفوت بيتك وتاخد امعاك كومان سلسبيل والعْيال؟..
ليه يا وَلَدِيْ؟.. أني ما أجدرش أستحمل الدار من غيرك انت وماراتك ولعْيال...
نظر عدنان الى زوجته كريمة التي كانت تدلف لحظة ألقى الليث بقنبلته، نهض عدنان واتجه اليها يُمسك بيدها فسارت معه حتى وصلا الى الاريكة التي كان يجلس فوقها فدعاها للجولس وهي تطالعه برجاء بينما ليث كان قد زفر بيأس فما يخشاه قد حدث، ستحزن أمه وتغضب ولكنه لن يتنازل.. فزوجته لن تعيش تحت سقف واحد مع تلك الأفعى الرقطاء.. ووالده لن يستطيع طرد شقيقته الوحيدة الى قارعة الطريق، إذن.. فهو من سينتقل من المنزل، هتفت كريمة بتوسل الى عدنان:
- ما توافجوشي يا أبو الليث، الدار ما عيكونلهاشي طعم من غيرهم اخصوصي عدنان الصغيّر إو شبل...
عدنان بهدوء:
- وحّدي الله يا أم الليث أومال مش إكده... احنا لسّاتنا بنتحدتوا في الموضوع ديه..
الليث بجدية وان شابها الاعتذار الطفيف فالاحترام واجب لوالديه مهما علا شأنه هو:
- ما تواخزنيشي يا بويْ.. لكن أني جررت وما عرجعشي في كلامي واصل.. ماراتي وولادي ما عيجعدوشي إهنه.. وانت خابر زين يا بويْ انه لومن خاطرك انت أني ما كت فايتها الا لمن آخد بتاري وتار وِلدي اللي جتلته، وأني جدّها وانت خابر..
عدنان بزفرة يأس وهو يمسح براحته على لحيته البيضاء الكثيفة:
- خابر يا ولدي.. وما جادرش أجولك حاجه.. ماراتك وانت خايف عليها..
لتقاطعه كريمة بهلع:
- انت هتعوم على عوماه يا حاج؟..
ليقطب عدنان وينهرها بقوة:
- كريمه!!... ايه اللى عتجوليه ديه؟.. عيّا اصغيّر أني إيّاك ولديّ عيضحك عليّ؟...
ليسارع الليث بالتدخل قائلا:
- لاه يا بويْ.. أم الليث ما جصدهاشي.. ، ثم التفت الى والدته التي أغرقت دموعها وجهها:
- مش إكده يا أمّاه ؟!!!!
وكأنه لم يسألها إذ قالت بتوسّل:
- ما تفوتيش الدار يا ليث يا ولدي... انتوم اللي محلّيين لي دنيتيّ.. ما جادراشي يفوت يوم من غير ما أشوفكم اخصوصي العْيال... هجعد كيف من غيرهم؟...
الليث بيأس:
- يا أمّاه انت بتتحدتي كانّي امسافر ولا امهاجر.. أحنا هيبجى بيننا وبينكم فاركة كعب..
عدنان مقطبا بتساؤل:
- انت اخترت الدار خلاص يا الليث؟..
الليث بهدوء:
- إيوة يا بويْ... الدار اللي في الجيهة الشّرجيّه.. كابيره وزينه، ولسّاتها جديده..
عدنان وكأنه تذكر أمرا:
- مش هي ديْ الدار اللي انت بانيتها بعد جوازتك التالته ما اتفشكالات وجول توجتها انك بتفكّر تنجل فيها؟...
لترتسم ابتسامة شاردة على فم الليث القوي شاردا في كلام والده، فهو بالفعل قد أمر ببنائها بعد فشل زيجته الثالثة على التوالي، كان قد قرر أنه لن يستطيع البقاء مع سلسبيل تحت سقف واحد وهي محرّمة عليه، كان قد اكتفى من التلظي بنيران حبّه المكتوم تلك النيران اللتي كانت تصهره من داخله، وما إن تمّ بناء المنزل حتى سرعان ما... تراجع عن قراره بالانتقال!!.. وقررا أنه يفضّل نار قربها عن جنة الابتعاد عنها!.. وقد تذرّع وقتها برفض أمه لانتقاله خاصو وهو بمفرده فمن الذي سيهتم بمأكله ومشربه؟.. لا تعلم أن هذه الأمور هي آخر شيء يفكر فيه وما كان يشغله هو كيف سيعيش في مكان لا يحمل رائحة أنفاسها العبقة؟!!.. فيكفيه أن تشاطره ذات الهواء الذي يتنفسانه... ليلعب القدر لعبته... وتشاركه سلسبيله حياته ذاتها، لذا فهو سيحارب بيديه وأسنانه أي شيء يهدد استقرار حياته معها.. لن يكون الليث إن لم يحميها من أي أمر يهدد سعادتها حتى وإن كان هذا الأمر.. أمها بل وعائلة الخولي أجمع!...
أفاق من شروده على نداء والده المتكرر له، فقال:
- معاك يا حاج... ، ثم نهض متجها الى أمه ومال عليها ممسكا بيدها ليقبل ظهرها ثم يقبل رأسها وقال:
- ما تزعليشي يا أم الليث، لكن انتي خابره زين السبب اللي خلّاني أفوت الدار مع اعيالي وماراتيْ.. لولا اللي حوصل أني ما كوتش افوت الدار أبد... لكن عنجول إيه.. بويْ معينفعشي يطرد أخته وأني معينفعشي نعيشوا معها اف نفس الموكان، وبعدين ديه خطوتين وتبجي عندينا..
نظر عدنان الى الليث وقال بغموض:
- اعمل اللي يريّحاك يا وَلَديْ.. عامتن الموضوع ديه مش عيطوّل اكتير!!!...
قطب الليث في ريبة من عبارة والده، خاصة وقد لمح علامات العزم والاصرار وهي ترتسم وبوضوح على وجهه الأسمر!!...
************************************************************ ****************
وضعت صينية تحمل كوبا من الشاي بالحليب ومخبوزات التمر فوق طاولة صغيرة بجانبه، قالت بهدوء وهي تجلس بجواره:
- اتفضل يا حاج.. انت على لحم بطنك من صباحيِّة ربّنا.. كُلّك جرجوشتين مع كوباية الشاي ديْ..
زفر الجد بعمق ثم نظر اليها وهو يقول مهموما:
- كيف عاوزاني آكل ولا شرّب حتى وولادي فيهم اللي فيهم ديه؟...
فاطمة بحزن شديد وقد لمعت عينيها المغضنتين بالدموع:
- اني حاسة كيف ما أكون بحلم، لاه ديه مش حلم.. ديه كابوس وليعاذ بالله.. ليه كول اللي حوصل ديه؟..
الجد بمرارة:
- يعني ماعارفاشي ليه؟.. الكره والغيرة والحِجْد يعملوم أكتر من إكده..
فاطمة بأسف:
- اللي مجطّع جلبي تجطيع الوْلاد يا حاج... سلمى وسلافة وغيث وشهاب، جلبي واكلني عيهم، مالحجوش يّفرحوا يا نضري، حتى حبال سلمى مافرحتش بيه، واللي زاد وغطى عملة غيث اللي إعملها، لكن.. انت ليه يا حاج ما رضيت شانهم يلحجوهم على مَصِرْ؟..
الجد بجدية:
- لازمن كل واحد فيه يّعرِف غلطاه.. البُعد عيخلي النفوس تهدى، غيث غُلط لمن ما سامعشي كلامي جبل ما يرمي اليامين على سلافة، ما اتمهّلشي يتوكد لوّل ليه ماراته بركت فوج نفس أمه، اني مستغْرِب.. معجوول ديه غيث اللي كت بضرُب بيه المثل في رجاحة عجله؟.. أني كت خايف من اشهاب لكن غيث غلطه أكبر، شهاب متهوِّر وصدّج اللي جالتو أمه، لكن انتى جدرتي تهدي الحال وسلمى عاجله ورزينه لكن لمن توصل المسائل ان أم جوزها تكون رايده تجتل أمها اكيد الوضع عيختلف وجتيها...
تنهدت فاطمة بتعب وقالت:
- جدرت تلعبها صوح أمّهم منها لله، عارفة انه شهاب مطيور وما سرع ما عيصدجها، وانه غيث جلبه طيب ومتعلج فيها وما عيرضاشي انه ماراته تهينها، هو كومان معذور يا حاج.. مرة تجول هيّ اللي ضربتها وغيث شافهوم والتانياه شاف ماراته هاتك يا ضرب في أمه وبتجولها انها تستحج الموت.. وساعة شيطان..
الجد بغضب بارد:
- لكن أني كت موجود يا حاجه وسلافة بتطلب منه انه يطلجها وجولتله لاه.. تنيينهوم غلطوم أني مش بنكر، لكن غيث الراجل هو اللي كان المفروض انه يحكّم عجله...
ثم سكت الجد مطلقا تنهيدة عميقة قبل أن يتابع بأسف:
- تعرّفي يا فاطنة... الغلط في اللي حوصل ديه كلاته أني السبب فيه!!..
لتشهق الجدة هاتفة باستنكار:
- واه؟؟ كيف ديه يا حاج؟...
عبد الحميد بحسرة:
- أني اللي استعجلتهم، كت رايد أغمِض وا فتحِّ ألاجي اعيالي حواليّا وولادهم متجوزين ومتهنيين، استغليت انه ولاد عتمان عينهم من بنات عمهم رؤوف، كت خايف البنات يروحوا من يدينا وهما بنات زينيين ومتأدبين وألف من يتمناهم، جولت أضرب الحديد وهو حامي، المفروض كت تركتهم ياخدوا فرصتهم وما استعجلتهومش، لكن اني فرحت برجعة رؤوف واستغليت جلجه ولهفته على بناتاه وكونه رايد يطّمّنْ عاليهوم.. انما خلاص.. معجبرهومشي على حاجه واصل بعد اكده.. واللي رايدينه البنات هنفذه!!..
الجدة بريبة:
- جصدك ايه يا حاج؟.. يعني فرضا سلافة أصرّت تطلّج هتوجف في صفّها؟..
الجد بحزم:
- إيوة يا فاطنه، لو سلافة ما رايداشي ترجع لغيث عجف جنبيها، في الالو والاخير هي مش صغار وليها عندينا حج النصيحة لكن أني أجبرها معيصحلشي أبد.. ونفس لحْكايه مع سلمى..
فاطمة بحيرة:
- لكن انت متوكد با حاج انه طلاج غيث يبجى مرة واحدة مش تلات مرّات؟..
يشرح الجد مسهباً:
- إيوه يا فاطنه، ربنا جال في محكم آياته .. "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان".. صدق الله العظيم، ومعنات الآية انه الطلاق مرتان كل مرة لحالها، طلجة بع\ طلجة.. لكن اللفظ سوى مرتين او تلات مرات في نفس الوجت ديه تُحتسب طلجة واحدة.. انتي خابرة أني وللحمد الحمد عارف أمور ديني ومش هستحل محارم ربّنا، ودا غير إني سعلت الشيخ التهامي وانتي عارفاه شيخ جليل وبيعلم الشباب أمور دينهم، أني طبعا ما جولتلوشي حاجه جولتله أن في حاجه حوصلت لحد نعرفه وسعلته فأكد لي كلامي، يعني سلافة دلوك متطلجة طلجة واحدة بس، وعدتها بدت من يوم طلاجها، ولو لسّاتها امصممة على انه يبعت لها ورجتها أني هجف معها...
فاطمة بحزن وأسى:
- ديه يا حبة عيني اتغيّر خالص، ما بجاش هو غيث اللي اني خابراه زين، ديه ما بجالهاشي يوم امسافرة مع بوها وحالته حالة اومال لمن نجوله انه لازمن يطلجها على يد مأذون هيحوصل فيه إيه؟..
الجد بأسى:
- الله كريم يا فاطنة ويصلح الأحوال يارب...
-------------------------------------------------------------------------------------
دلفت سلمى الى غرفتهما هي وسلافة وهي تحمل كوبا من عصير المانجو الذي تحبه شقيقتها، وضعته على الطاولة الصغيرة التي تجاور فراش سلافة، كانت سلافة ترقد مولي إياها ظهرها، جلست سلمى فوق الفراش بجانبها ومدت يدها تمسد كتفها وهي تقول بحنو:
- سلافة حبيبتي انتي ما اتغدتيش ولا فطرتي.. قومي اشربي كوباية المانجة دي.. انا عارفةانك بتحبيها..
اعتدلت سلافة في مكانها وجلست تضم ركبتيها اليها وقالت وهي تنظر الى سلمى بشبح ابتسامة تحمل حزن بين طياتها:
- تسلم ايدك يا سلمى، بس بجد ماليش نفس..
زفرت سلمى عميقا ثم قالت:
- وبعدين يا سلافة؟.. ما ينفعش كدا يا حبيبتي، يومين من ساعة ما جينا وانتي لا أكل ولا شرب، ماما وبابا حالتهم حالة من القلق عليكي.. لو الموضوع مضايقك أوي كدا ليه ما أدتهوش فرصة تانية وانتي عارفة انه كان متدمر زيك ويمكن أكتر منك لما عرف باللي مامته عملته؟..
نظرت سلافة بعتاب الى سلمى وقالت:
- أديلو فرصة تانية؟. وهو ما أدانيش ليه الفرصة دي وأمه بتتبلى عليا مرة اني عاوزة أضربها ومرة أني عاوزة أموّتها؟.. هو خلاص.. معقول ميعرفنيش لدرجة انه يصدق فيا اني أمسك أمه اطحنها من الضرب كدا من الباب للطاق؟..
سلمى بهدوء:
- سلافة.. غيث من اول يوم وعارف انك مش بتطيقي أمه، انتي ناسية يوم الحنة قولتيله كان نفسك تسمعي أغنية إيه؟.. دا انتي اللي حكيتي لي بنفسك..
هتفت سلافة بقهر:
- عشان عرفت يا سلمى.. سمعتهم وعرفت!!!
سلمى مقطبة بريبة:
- سمعتي؟!!.. سمعتي ايه يا سلافة؟!!!
نهضت سلافة ووقفت مولية ظهرها الى شقيقتها وقالت بصوت حاولت التحكم في تماسكه بصعوبة:
- عرفت ان أمه مش عاوزانا لولادها، وانها معارضة جوازنا، مش بس لما جدي حدد المعاد لا.. دي بتكرهنا من اول يوم شافتنا فيه، الحكاية مش غيرة حماوات، حما خايفه على ابنها ولا غيرة من مرات ابنها.. لا...
صمتت لثوان قبل أن تستدير مكملة بمرارة وسخرية ويه تتطلع الى سلمى التي نهضت بدورها:
- حماتك بتغير آه.. بس من ماما يا سلمى!..
سلمى مقطبة بريبة:
- يعني إيه بتغير من ماما؟.. وهي مالها ومال ماما؟..
ضحكت سلافة بسخرية وأجابت:
- حماتك المصون كانت حاطة عينها على بابا، ولما ساب البلد كلها واتسبب ان جدي يغضب عليه عشان صمم يتجوز ماما قادت فيها النار من اللي سرقته منها، وعشان تبرر لنفسها كرهها دا قالت عشان أختها اللي في الاساس ما كشّرتش في وشّنا ولو للحظة!!!
تقدمت سلمى منها وهي تقول في ذهول:
- وانتي عرفتي منين يا سلافة؟..
سلافة بزفرة أسى عميقة:
- للأسف.. سمعتها هي وماما ستّو وهما بيتكلموا، يومها كنت رايحه لستّو أودتها وبالصدفة اسم ماما جه في ودني، عارفة اني اللي عملته غلط بس أنا ما كانش قصدي أسمع، وكنت هبعد فعلا لولا اني اقيت ستّو بتقولها ان زعلها عشان هي كانت عاوزة رؤوف لنفسها من الاول!!!
شهقت سلمى في ذهول فأردفت سلافة بمرارة:
- وللأسف كان معاد الفرح اتحدد خلاص، قعدت يومين مش عارفة أقول لمين، وبعدين قلت أنا هقدر أوقفها عند حدها، وشوفت الفرحة في عينين غيث وعينيكي وعينين شهاب.. الفرحة اللي ماليت البيت كله، كل اللي في البيت كانت الفرحة مش سايعاهم، قلت أنا لو اتكلمت الفرحة دي كلها هتضيع، وهنوّلها اللي هي عاوزاه، ليه أحرم الناس دي كلها من الفرحة؟.. عشان ايه؟.. انا متأكده ان بابا كان لا يمكن هيوافق على غيث وشهاب الا لو فعلا كان مطمن اننا هنكون كويسين معهم، وبعد ما اتجوزت غيث ولاقيت قلبه قد ايه طيب وحنيّن.. وقدر يضمني ليه، حبيته أكتر، وحمدت ربنا انى ما ضيّعتش السعادة دي من بين ايديا، وعلى قد ما كنت بقدر كنت بحاول أبعد عن طريقها، عشان كدا لما عرفت باللي حصل بينك انتى وشهاب قلت لك ما تنوليهاش اللي هي عاوزاه.. ما كنتش أعرف اني جوزي أنا اللي هيبعني وبالرخيص كمان!..
ثم أجهشت بالبكاء لتسارع سلمى باحتضانها وهي تهمس لها كي تكف عن البكاء، قالت سلمى وهي تربت على كتفها:
- أيوة يا سلافة يا حبيبتي، بس انتي استفزيته، أنا مش فاهمه طالما فاهماها أوي كدا ليه عملتي ايه؟.. ليه طلبتي الطلاق؟.. انتي حتى لغاية دلوقتي مصرة عليه؟..
رفعت سلافة رأسها ونظرت اليها قائلة من وسط دموعها:
- لأنه ظلمني.. الظلم طعمه مر أوي يا سلمى، عارفة.. الواحد ممكن يستحمل الظلم من أي حد الا الانسان اللي بيحبه اللي المفروض يكون سنده وهو اللي يرفع عنه الظلم دا، أنا صحيح طلبتها، لكن صدقيني.. طعمها وحش أوي يا سلمى.. غث نطقها بالتلاتة يا سلمى.. وكأنه بيضربني بالرصاص!!... عرفتي أد ايه هي مؤلمة أوي.. وبتوجع أوي أوي.. هنا يا سلمى.. هنا!!.
وضمت قبضتها اليمنى تخبط بها صدرها الأيسر موضع قلبها بينما تعالت شهقات بكائها فأسرعت سلمى لاحتوائها بين أحضانها وهي تدعو الله أن يزيح تلك الغمة سريعا.....
---------------------------------------------------------------------------------------
- ليث أني جولت لك رايده أتحدت مع الدّكتوورة لوحدينا..
هتفت سلسبيل بتلك العبارة بحنق وهي ترى الليث وهو يجلس بمنتهى البرود رافضا الخروج من غرفتها بالمشفى بعد أن أفصحت له عن رغبة بالانفراد بالطبيبة النسائية رافضة ذكر السبب!..
سلسبيل بتأفف:
- واه يا ليث!.. رايده أجعد امعاها لحالنا فيها إيه ديْ؟!..
نهض الليث من مقعده المقابل لفراشها واقترب منها حتى اذا وصل اليها استند بيده على مسند الرأس خلفها ومال عليها قائلا بصوت واثق:
- وانتيْ ليه ما عاوزنيشي أعرف انتي رايداها في إيه؟..
أشاحت سلسبيل بعينيها بعيدا وهي تقول في حنق مفتعل:
- واه... رايداها في حاجات للحريم.. ماجادرش أجولها جودامك ارتحت؟...
ابتسم الليث وهز رأسه نفيا وأجاب بمكر:
- عتستحي منّي يا سلسبيلي؟.. دا أني جوزك.. عارفة يعني ايه جوزك؟.. يعني تستحي من الدنيا كلاتها إلا أني..
ليحمر وجه سلسبيل خجلا وتتمتم بنزق:
- هو ايه أصله ديه؟.. لاه فيه حاجات ما اجدرشي أتحدت فيها جودامك واني....
ليرفع يده أمامها ويقول بصوت منخفض لكنه جاد:
- سلسبيل... أي حاجة اتخصك يبجى تخصني.. وبعدين طالما حاجه مهتمِّه جوي اكده اني ماعارفهاشي يبجى حاجة انتي خابره زين اني لو اعرِفْتها مش هوافج عليها، صوح ولا لاه؟...
سلسبيل بحنق طفولي:
- ما هو انت أصلك كومان يا ولد عمي ما عتتفهمشي.. ابتحمج ابسرعه ومش بتاخد وتاديّ في الحديت...
همّ الليث بالكلام عندما قاطعه صوت طرقات على الباب فاعتدل واقفا لتدلف الطبيبة وهي تبتسم وبعد ان اطمأنت على حالة سلسبيل الصحية قالت بابتسامتها المعهودة:
- لا ما شاء الله احنا انهرده أحسن من امبارح...
أجابت سلسبيل في حين وقف الليث جانبا متيحا للطبيبة فحص زوجته:
- الحمد لله يا دَكتوورة.. أنا بعد إذنك كت رايده أعرِف منك حاجات إكده...
وسكتت تطالع الليث بعينيها ترجوه الانصراف ولكنه جابهها بنظرات عنيدة فكتمت زفرة حانقة وتابعت بتردد وخجل:
- يعني.. كت رايده أسعل.. بخصوص الـ.. الحبل واكده...
وسكتت وقد غدا وجهها بلون الشمندر السكري وهي ترمي الليث بنظرات حانقة خجلى كاد ان يضحك لها، فحبيبته رغم أنها زوجة وأم ولكنها لا تزال تشعر بالخجل منه وكأنها عذراء خجلى، وهذا ما يأسره تجاهها بالاضافة الى أشياء أخرى ان بدأ في سردها فلن ينتهي!..
انتبه الليث من شروده وشرع فى الانصات باهتمام لاجابة الطبيبة فهذا الشيء كان يقض مضجعه هو الآخر ليس لخوفه من عدم الانجاب ولكن لهلعه من أن الانجاب قد يعرّض حياة سلسبيله للخطر وهذا ما يرفضه وبشدة!.. قالت الطبيبة بابتسامة متسامحة:
- شوفي يا ستِّي.. انتي زي الفل وما فيش حاجة تمنع انك تحملي مرة واتنين وتلاتة..
ابتسمت سلسبيل وتنفست الصعداء وبادلت الليث ابتسامة راحة لتختفي سريعا ما أن سمعت تتمة عبارة الطبيبة ويحل بدلا منها القلق العظيم:
- إنما... مش قبل ست شهور على الاقل!!...
همست سلسبيل بشحوب فيما قطب الليث وهو يقترب بصورة لا ارادية من زوجته:
- واه... ست شهور!!.. ليه يا دَكتوورة.. مش حضْرِتِكْ بتجولي اني ما فيّاشي حاجِهْ؟..
الطبيبة بهدوء:
- ايوة يا سلسبيل انما رحمك اتعرض لنزيف شديد جدا لدرجة انه كان ممكن يتشال.. لازم له فترة راحه قبل ما يجهز نفسه لاستقبال جنين جديد... انا قلت لك على أقل تقدير... المدة من ست شهور لسنة، وعشان أكون واضحة وصريحة معاكي انتي لازم لك كورس مكثف جدا من الفيتامينات والحديد والمعادن للأسف انتي عندك أنيميا شديدة، واضح كدا انها عندك من زمان وانت ما كنتيش لا بتكشفي ولا حاجة ودا غلط انتي مش أم لطفلين زي ما هو مكتوب في ملفك هنا؟..
الليث هو من أجاب هذه المرة قائلا بجدية:
- إيوة يا دَكتوورة.. عندينا ولدين ربْنا ايخلهوم لنا، ولو الحبل شين عليها أني مش رايد اعيال تاني كفاية علينا عدنان وشبل.. لمْهِمْ صحتها هيّ.. شوفي حضرتك الدوا اللي المفروض تاخدَه واحنا هنلتزم باللي حضرتك اتجوليه!!..
لم تعلم سلسبيل أتضحك أم تبكي؟.. أتبكي حزنا على أملها في انجاب طفلا من الرجل الذي نجح في التربع على عرش قلبها ليصبح هو مليكه أم تضحك لما لمسته من قلق الليث عليها بل وحرصه الواضح على صحتها ورفضه لأي شيء قد يهدد حياتها حتى وإن كان طفلا يحمل اسمه!..
لاحقا بعد انصراف الطبيبة، نظرت سلسبيل الى عيني الليث وهو يجلس بجوارها فوق الفراش وهمست بحب:
- عتدنيك اتخليني أحبك إكده لغاية ميتى؟؟..
الليث وهو يمسك راحتها الصغيرة يتلمس ظاهر يدها بابهامه الخشن ونظرات عشق سرمدي تلمع بين فحم عينيه المتشعل برغبة تكاد تقتله في احتوائها بداخله فلا تفارقه ولو لساعة من نهار:
- لحدّت ما نكبروا ونكركبوا سوا وأجولك يا شلشبيلي تعالي جاري اهنه...
ضحكت سلسبيل بنعومة سرقت أنفاسه وهي تجيبه برقة بينما عيناها تلمعان بحب عميق لليثها:
- أني اتهيأليْ انّك ما عتكبرشي واصل.. بالعكس بجاه انت كل ما بتكبّر في السن كل ما حلاوتك بتزيد وتفيض كومان!!...
دهشة أسرت لسانه لينطلق هاتفا بعدها بحرارة قوية:
- يا بوووووويْ... انتي رايده تعمِلي فيّا ايه يا سلسبيل؟.. ما جادرشي يا بت عمي على اكده.. يعني يوم ما ربْنا يفتحها عليكي توبجي في المشتشفى؟.. انتي جاصداها صوح؟..
ضحكت سلسبيل بخجل وهمست:
- صوح!.. ، تطالعه بشقاوة ذكرته بصغيرته سلسبيل ذات الجدائل الطويلة التي كان يحب مشاغبتها مهددا لها بأنه سيربطها إلى جذع النخلة بجديلتيها هاتين لتركض هربا من امامه وما ان تقف على مسافة يخيل اليها انها آمنة تقف واضعة يديها في منتصف خصرها هاتفة بحنق طفلة تبلغ السابعة فوجه ابن عمها ذو السبعة عشر ربيعا:
- طب ابجى اعملها اكده وانت تنام وتجوم معتلاجيشي الشنب اللي في وشِّكْ ديه!!..
وتهرع الى الداخل تاركة له وهو يتحسس شاربه النامي حديثا وقد تركه ليكسبه هيبة لم يكن في حاجته لاكتسابها فهيبته قد اكتسبها منذ الولادة باسمه الذي هتف به الجد ما ان علم بأن ابن أخيه قد رزق صبيا اذ وقف عبد الحميد بجوار طه جده لأبيه يحمله بين يديه وقد رفعه عاليا الى السماء هاتفا بجذل:
- ديه ليثنا يا طـه... الليث.. ليث الخولي!!....
أيقظه صوت سلسبيل من شروده وهي تقول بحزن أمسك بخافقه بقوة ليشعر بنغز كالسكين لحزن عينيها اللوزتين:
- لكن.. ست شهور مدة طويلة جوي يا ليث، اني رايده نشوف دَكتوورة تانيه..
الليث بثقة وبساطة:
- لاه.. ومين اللي جال ست شهور؟..
فهتفت سلسبيل بحبور:
- مش إكده؟.. أني برضيكي جولت الدّكتوورة ديه مزوداها جوي جال من ستة شهور إلـ سنه!..
الليث ببساطة:
- وانتي الصادجة.. مش جبل سنتين ع الأجل!!!
طالعته سلسبيل بذهول وتمتمت بعدم تصديق:
- واه!!.. سنتين؟!!.
الليث بثقة مفرطة:
- ديه ع الأجل!.. يمكن يبجوا تلاتة أربعه.. لحدت ما اطمّن على صحِّتِكْ... واذا الدّكتوورة ما طمانتنيشي يبجى الحمد لله على عدنان وشبل وربنا يطرح لنا فيهم البركة!!...
لمعت عيناها بدموع جعلته يقطب قلقا وقبل أن يتكلم بادرته هي هامسة بحشرجة واضحة في صوتها فيما ترفع يديها تجاهه:
- ليث.. احضني يا ليث...
ليسارع باحتوائها بين ذراعيه وما ان لمست رأسها صدره العريض واشتمت رائحته المسكيّة حتى تنفست براحة عميقة بينما هو كاد القلق أن يفتك به، فهتف بحيرة مقطبا في وجل:
- مالك يا سلسبيل؟.. فيه إيه؟...
لتفاجئه بقبلة من شفتيها الدافئتين فوق قلبه تماما ثم رفعت عينيها اليه متمتمة بعشق خالص:
- ربنا يجدرني وأسعدك كيف ما بتفرّحني يا ولد عمي، جلبك ديه لو طولت أحضنه وما فارجوشي واصل، معجولة بيحبني إكده؟...
ليحتويها قريبا من قلبه يضمها بقوة وحنان وهو يهتف من أعماقه:
- بجه لسّاتك بتسعلي يا بت عمي؟.. الجلب ديه ماعرفشي الحب غير بيكي إنتيْ يا سلسبيلي..
ثم رفع ذقنها بابهامه ينظر الى عينيها غارقا في سحرهما قبل أن يميل عليها يقطف ثمار ثغرها الشهي في قبلة دافئة كادت تطيح بها!...
تركها مسندا جبهته الى جبينها وهمس بخشونة لتلفحها أنفاسه الساخنة:
- اتوحشتك جوي جوي يا بت عمي، اعملي احسابك لمن تُخرجي من اهنه هاخدك ونسافروا بعيد.. شهر.. شهرين.. كيف ما بدالنا.. عاوز أشبع منيكي ولو ان عمري كلاته معيكفيشي لأني عمري ما هشبع منك يا جلب ليث...
ابتعدت سلسبيل وشفتيها منتفختين تحملان علامة اكتساحه لها وهمست:
- في أيتها موكان أني جابله، لمهم ما فارجكشي أنت والعيال تاني أبد..
ثم قطبت هاتفة فجأة:
- صحيح يا ليث.. أمي فين؟.. ما زارتنيش ولا نوبه من وجت ما دخلت إهنه؟..
لتنغلق تعابير وجه ليث ويجيبها بغموض:
- أمك ابعافيه اشوي والدكتور امحرج عليها تاجي لك المشتشفى!..
هتفت سلسبيل بقلق:
- بعافيه؟.. ليه كفانا الله الشر؟.. من ايه يا ليث؟..
الليث مفتعلا ابتسامة:
- يا ستي ما تجلجيشي إكده.. كل لحكايه شوية برد والدكتووور حرّج عليها انها تخرج لازم لها راحه وأني بطمنها عليكي أول بأول...
ابتسمت سلسبيل وعادت الى أحضان حبيبها الذي لمعت عيناه في غفلة منها وهو يشكر الله في نفسه أنه قد ألهمه بالجواب، وحمد الله على ما فعله تحسّبا للظروف.. فقد وجّه انذارا شديد اللهجة لخدم منزل الخولي سواءا بمنزله أو بمنزل جده الكبير، عن عدم الهمس بحرف واحد مما حدث، واطمئن الى أن وردة لن تتلفظ بكلمه، يبقى أم علي.. تلك الخادمة التي يمهلها فقط حتى يضع يده على أم ستيت.. شيطانة الإنس تلك.. والتي ما إن يتمكن منها حتى سيجعل الموت بالنسبة لها حلما.. بعيد المنال!!..
--------------------------------------------------------------------------------------
جلس عثمان الى أبيه يزفر بيأس وقال:
- عاجبك حال غيث وشهاب يا بوي؟.. واحد من ساعة اللي حوصل واخد اف وشّه وماعارفشي عنه حاجه والتاني كل يوم والتاني نازل مصر لماراته الحامل...
الجد بصرامة:
- وهما فين دلوك؟...
عثمان بضيق:
- ماعارفشي، دولم كانوهم جاعدين في إفندُج.. يدخلوا ويخرجوا براحتهم.. حتى أشغالهم همّلوها..
الجد بحزم:
- اممم.. كلَّمهوم ع اللافلفون ديه وجولهوم اني عاوزهم ضروري.. ودلوك...
فعل عثمان كما أمر الجد وما هي الا نصف برهة زمنية قصيرة وحضر شهاب وغيث الذي ما إن أبصره الجد حتى امتعض وجهه وهتف بهما بحدة:
- أني رايد أفهم انتوم حريم ولا رجاله ابشنبات؟..
أجاب شهاب بحنق:
- حصل ايه يا جدي بس؟...
الجد بسخرية وهو يشير اليه وتوأمه الذي طالت لحيته فلم يشذبها منذ رحيل سلافة وعيناه الحمراوين ووجنتيه الغائرتين:
- لاه.. ما حوصلشي!.. خبار إيه؟.. ماحادش فاتهم حريمهم الا أنتوم ولا إيه؟.. ما عتروحش ليه أشغالكم انته وهو؟.. إنت- ويشير بأسفل عصاه الى شهاب قائلا- المزرعه.. بجالك جد إيه معتروحهاشي؟.. إيه ماعارفشي انه مافيش غيرك اهناك وان ديه مصالح عيلة ابحالها؟...، وانت – مشيرا الى غيث بأسفل عصاه أيضا مردفا بحنق- ما عتروحشي الديوان ولا بتتابع الشغل ونشوف مين دفع اللي عليه من التجار ومين اللي لسّاته.. ايه نجفلها عشان جنابكو مغضبين حريمكم.. انتو مانفعينش في حاجه أبد.. حتى جْوازكو ما فالحتوشي فيه!!..
هتف غيث بحنق ليلاحظ الجد الطبع النزق الذي جدّ على حفيده الهادئ دوما:
- جدي لو سمحت.. خلي حريمنا وجوازنا برّات الموضوع، احنا همّلنا في الشغل وديه حجّك.. لكن أرجوك يا جديْ بلاش نتكلَّموا في حريمنا اللي غضبناهوم لاننا يوم ما جينا عاوزين انسافر لهم حضرتك اللي اعترضت وما وافجتش..
الجد بسخرية:
- طب شهاب لو اتحدت غي لحكايه ديْ هجول حجّه مراته ومهما كان شايل ابنه ومش رايد تبعد عنيه، لكن تجدر تجولي حضرتك بأي وشّ بتحدتني؟.. انت خلاص يا غيث.. طلجتها.. افهم ديْ.. سلافة طليجتك مش مرتك!!!
ليهدر غيث بقوة هادرا:
- لاه... سلافة ماراتي.. وأتحدى أيتها حد يجولي غير إكده!!!..
ليقترب منه شهاب مقطبا فيما نهض أبوه صائحا:
- غيث.. اتحشّم يا ولد.. انت ناسيت روحك ولا إيه؟.. ديه جدّك..
أسكته الجد الذي كان يراقب غيث بغموض رافعا يده وهو يقول بهدوء وغضب بارد:
- استنى يا عتمان يا ولدي.. واضح إكده اني كت مغشوش فيك يا غيث، اني جولت انت اللي عتجدر تصون سلافة وتستحمل عصبيتها الزايده وشجاوتها، ولمن لاجيتك ميلت لها عرفت ان تفكيري صوح.. تومام كيف ما فكرت في سلمى لشهاب، بهدوئها ورزانة عجلها هتجدر تتفاهم مع عصبية شهاب وانفعالاه الزايد.. لكن واضح اني كت غلطان.. وبالخصوص بالنسبة ل كانت يا غيث!!!...
قطب غيث واقترب من جده متسائلا بحيرة:
- مافاهمشي يا جدي.. انت جصدك تجول إيه؟..
ليجيب الجد بصرامة:
- عمك رؤوف كلّمني... رايدين ورجة بتّهم.. وأني وعدتهم ان ورجتها عتكون عنديها في ظرف يامين بالكتير.. جهذز نفسك يا غيث.. عتروح تطلذجها عند الشيخ تهامي.. وتجيب ورجتها عشيّعها لها مع شهاب خوك... وبالمرة يرسي له على حل مع بت عمه... وبحذرك يا شهاب من دلوك.. اللي عتجول عليه بت عمك عمشيه.. سوى رايداك ولّا لاه!!!...
قطب شهاب وقال:
- صدقني يا جدي انا ندمان فعلا.. وان شاء الله مش هرجع الا بيها... سلمى مراتي وأم ابني..
في حين تحدث غيث بجمود:
- ولو رفضت يا جدّيْ؟!... حتى لو يميني وجع ديه طلجة واحده وهي في العده دلوك ومن حجي اني أرجعها حتى لو...
لينهض الجد وهو يهتف بحدة:
- حتى لو إيه يا غيث ما تكمّل؟.. حتى لو غصب عنّيها؟!.. الله في سماه ما يوحصل أبدا.. أني عطيت عمك رؤوف كلمة... ورجة سلافه عتوصلها بكتيره بعد بكره.. وابجى وجّع كلمتي يا غيث.. أني مش بشورك يا ابن عتمان... أني بأمرك... عبد الحميد الخولي كبير عيلة الخولي بيأمر يا وِلْدْ!!!!....
اعتصر غيث قبضتيه بقوة حتى ابيضت سلاميات أصابعه وقال من بين أسنانه:
- حاضر يا حاج.. لكن عنديهم.. هتدلّى مصر وأطلجها حدا الشيخ اهناك..
قطب الجد بريبة ثم زفر باختناق وهو يقول بضيق واضح مشيحا بعصاه:
- ماشي يا غيث، لمن أشوف آخرتها امعاك.. عكلّم عمك رؤوف عجوله ينتظرونا بكره الضهر ان شاء الله... وخلّي بالك.. يكون ترجع في كلامك يا غيث.. أني كلمتي ما عتنزلش الارض واصل...
أومأ غيث برأسه وعيناه تلمعان ببريق تصميم قوي..
----------------------------------------------------------------------------------
أقفل الشيخ الكتاب العريض أمامه بعد أن سجّل فيه اسمي غيث وسلافة ولكن كمطلقان!...
نهضت سلافة وهي تشعر بأنها تعيش أحداث حلم أسود، لم يبعد غيث عيناه عنها طوال الجلسة، فما إن وطئت بقدميها أرض الغرفة بناءا على طلب الشيخ وجلست بجوار جدها تقبض بيدها على يده حتى تسلطت عيناه عليها غير قادر على الاشاحة بهما بعيدا، تذكر نصيحة الشيخ لهما بالتروي وكيف أنه كاد يهتف عاليا بأنه لا يريد الابتعاد عنها قيد أنملة.. وهل هناك عاقل يقتل نفسه بيده؟!..
كانت عيناه تلتهمانها بلهفة، لاحظ نقصان وزنها الملحوظ ووجنتيها الغائرتين والهالات السوداء تحيط بحبيبتيه.. عينيها.. اللتان سلبتاه الراحة منذ أن وقع بصره عليهما... أراد وبشدة احتوائها بين ذراعيه ودفن رأسها في صدره، ولكن... لم تعد زوجته!.. كلمتين أصابتاه في مقتل.. لم يستطع رد كلمة الجد.. ولكنه أيضا لن يقب بتطليق سلافة طلاق بينونة صغرى.. أي أنها لا تحل له إلا بعقد جديد ومهر جديد... فقد طلقها طلاقا رجعيّا.. أي أن له الحق أن يعيدها إلى عصمته في أي وقت طوال مدة الثلاثة أشهر.. فترة عدتها.. لم يكن ليقطع جميع الخيوط بينهما.. ولم يلتفت جده الى ما فعله.. فبموافقته اعتمد الجد أن غيث سينصاع لما أمر به وغفل عن التأكد مما قام به غيث بالاتفاق مع شهاب.. وحده الذي كان يعلم بما أضمره توأمه ولهذا لم يمانع كثيرا مع الجد.....
هتف غيث وهو ينهض بدوره قائلا:
- بعد إذنك يا عمي.. عجول كلمتين اتنين لبت عمي...
زفر رؤوف بأسف وقال بجدية مشيرا اليه:
- طبعا يا غيث.. في الاول والآخر هي بنت عمك!...
سار غيث اليها ليشير لها بأن تتقدمه، ليبتعدا الى أقصى الغرفة بينما يقف شهاب متحيّنا الفرصة للقاء سلمى التي لم تقع عيناه عليها منذ قدومهم، بينما انشغل رؤوف بالحديث الى عثمان شقيقه والجد، وقفت سلافة تفرك في أصابعها بتوتر ملحوظ تعتمد البرودة في ملامحها بينما يضرب قلبها بعنف بين جنبات قلبها، تتحين الفرصة لتنفرد بنفسها لتذرف دموعها علّها تشعر بالراحة بعدها، قالت سلافة وهي تشيح بعينيها بعيدا عنه:
- أفندم يا ابن عمي...
غيث ببرود يخالف النيران التي تستعر في أحشائه رغبة في ضمها الى قلبه علّه ينفث الروح فيها وفيه:
- أني عملت لكْ اللي انتي رايداه.. لكن أنتي لسّأتك ماراتي يا سلافة!!...
فتحت سلافة عينيها واسعا وهمست بعدم تصديق:
- إيه؟.. لسّه مراتك ازاي يعني مش فاهمه؟.. والمأذون اللي كان هنا دا كان بيعمل إيه؟..
غيث بجمود:
- أني لمن طلجتك جبل إكده.. معيتحسبوشي تلات طلجات يتحسبوم طلجة واحده.. أني جولتلكم طلاج غضب معيوجعشي وانتوم ما صدجتونيشي.. ماشيْ.. لكن حتى أذا وجع فديه طلجة واحده.. يعني أجدر أردك في أيتها وجت طالما انك لسّه في شهور العدة..
عقدت سلافة ساعديها وطالعته بسخرية مجيبة:
- دا لو طلاق رجعي.. لكن أنا اتطلقت منك طلاق بائن بينونة صغرى على يد مأذون.. يعني ما ينفعشي أرجع لك إلا بعقد جديد ومهر جديد وقبل دا كله بموافقتي أنا.. وأنا مش ممكن أوافق!!..
ليقتر بمنها فتقطب ناظرة له بتوجس بينما حانت منها التفاتة الى أبيها لتجده منخرط في الحديث مع الباقيين، ابتسم غيث بسخرية وهمس بصوت ثابت النبرات وببساطة كادت تتسبب في وقوف قلبها عن العمل:
- مش ديه لو كت طلجتك فعلا طلاج بائن كيف ما بتجولي؟..
قطبت سلافة وقالت بريبة وهي تسدل ذراعيها بجانبها:
- يعني ايه يا غيث؟..
لميل على أذنها هامسا بمكر:
- يعني أني طلجت طلاج رجعي على يد مأذون.. يعني أجدر في أي وجت أرجعك يا بت عمي.. كلمة واحدة منِّي وترجعي ماراتي وترجعي بيتك من تاني.. لكن أني صابر عليكي.. وما رايدش أعمّلها غصبن عنيكي.. ديه غير بجاه انه طلاجنا ديه أني ما أمنشي بيه.. لأنه طلاج مجبور عليه.. جدك اللي جبرني.. يعني تجيبيها إكده اتوديها إكده... أنتي ماراتي يا سلافة.. ومعفوتكيش واصل.. ولآخر نفس عِندي... عتفضلي ماراتي.. وكل ما تخلي الحديت ديه يدخل راسك كل ما عترتاحي يا بت الناس، أنا عفوتك دلوك.. لكن عتلاجيني حواليكي وجودامك في كل موكان اتروحيه.. مش عتغيبي عن عيني لحظة واحده حتى..
سكت ليترك لها المجال كي تعي ما قاله ولاحظ معالم الصدمة زاهرة بوضوح على وجهها، فابتسم مردفا بسخرية:
- فوتّك ابعافيه يا.. حرمنا المصون!..
وانصرف تجاه الآخرين حيث سرعان ما ودعوا رؤوف واتجهوا الى الخارج بعد أن ألقى غيث بنظرة متهكمة الى سلافة تبعتها تحية ساخرة من رأسه قبل أن يختفي من أمامها في حين انسابت دمعة يتيمة تجرح بشرتها المرمرية بينما تهتف بداخلها بوعيد:
- فاكر انك بكدا هتقدر تخوّفني.. ماشي يا غيث لما نشوف أنا ولا إنت!!!!!!!!..
- يتبع -




 
 

 

عرض البوم صور منى لطفي   رد مع اقتباس
قديم 02-01-17, 08:35 PM   المشاركة رقم: 202
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2012
العضوية: 243238
المشاركات: 283
الجنس أنثى
معدل التقييم: ماما ميري عضو ذو تقييم عاليماما ميري عضو ذو تقييم عاليماما ميري عضو ذو تقييم عاليماما ميري عضو ذو تقييم عاليماما ميري عضو ذو تقييم عاليماما ميري عضو ذو تقييم عاليماما ميري عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 705

االدولة
البلدIraq
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ماما ميري غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : منى لطفي المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: كبـير العيلة

 

عاشت الايادي حبيبتي
اتمنالج الموفقيه الدائمة

 
 

 

عرض البوم صور ماما ميري   رد مع اقتباس
قديم 03-01-17, 06:21 PM   المشاركة رقم: 203
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2011
العضوية: 216585
المشاركات: 468
الجنس أنثى
معدل التقييم: منى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 1595

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
منى لطفي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : منى لطفي المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: كبـير العيلة

 

اقتباس :-   المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ماما ميري مشاهدة المشاركة
   عاشت الايادي حبيبتي
اتمنالج الموفقيه الدائمة

تسلميلي يا قلبي

 
 

 

عرض البوم صور منى لطفي   رد مع اقتباس
قديم 04-01-17, 10:49 AM   المشاركة رقم: 204
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2011
العضوية: 216585
المشاركات: 468
الجنس أنثى
معدل التقييم: منى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 1595

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
منى لطفي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : منى لطفي المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: كبـير العيلة

 

كبير العيلة
الحلقة(37)- الجزء الأول
بقلمي/ احكي ياشهرزاد(منى لطفي)
وقفت تتناول بضعة لقيمات من طعام الإفطار على عجل فنهرتها أمها قائلة:
- يا بنتي اقعدي وافطري بالراحة مش كدا، حد بيجري وراكي؟..
سلافة وهي تبتلع لقمتها بصعوبة:
- يا ماما يا حبيبتي هتأخر على الشغل كدا.. انتي ناسية اننا في التجمع وشغلي في الدقي؟.. ياللا الحمد لله انا شبعت، أنا ماشية..
واتجهت الى أمها تقبلها ثم الى أبيها وانطلقت تتبعها دعوة والديها لها بأن يكفيها الله شر طريقها ويوفقها...
تنهدت ألفت بعمق وهي تراقب أثر ابنتها الغارب لتتمتم في حزن:
- صعبانة عليّا أوي...
وضع رؤوف قدح الشاي على المائدة وقال باعتراض:
- مالها يا ألفت؟.. ما هي الحمد لله زي الفل قودامك أهي، سلافة قوية يا ألفت.. وأحسن قرار أخدته انها رجعت الشغل تاني، هو دا اللي هيملا وقتها وهيخليها ما تفكرش في حاجات تضايقها، بنتك لازم تعيش حياتها من تاني، جوازها كان تجربة ومرّت بحلوها ومرّها.. مش هنقف عليه وندفنها بالحيا!!...
ألفت بيأس:
- بس انت عارف كلام الناس، متطلقة بعد جواز كم شهر ورجعت شغلها على طول، دلوقتي تشوف كلام زمايلها هيكون عامل أزاي، واللي هتكون متعاطفة بجد واللي شمتانه دا طبعا غير الكلام اللي هيطلع و...
قاطعها رؤوف باستنكار غاضب:
- ايه دا يا ألفت؟.. معقول اللي بتقوليه دا؟.. من امتى احنا بنربي عيالنا على كلام الناس؟.. احنا دايما بنقولهم طالما انتو صح وما بتعملوش شيء يغضب ربنا يبقى ما يهمكوش من حد.. يا ألفت رضا الناس غاية لا تدرك... وما لا يدرك كله يترك كله!!...
ألفت بزفرة عميقة:
- الحمد لله رب العالمين، أنا عارفة ومقتنعة بكل اللي بتقوله دا يا رؤوف، لكن مهما كان دي بنتي واتعرضت لتجربة قاسية جدا وأنا مشفقة عليها من اللي هتشوفه وتسمعه..
رؤوف بجدية:
- الضربة اللي ما تكسرش تقوي يا ألفت.. التجربة لما بنمر بيها بنتعلم منها درس وعلى أد قسوة التجربة بيكون عمق الدرس دا.. الشاطر اللي يستوعب التجربة كويس أوي ويفهم الدرس صح..
سكتا قليلا قبل أن يتحدث رؤوف مقطبا:
- صحيح أومال سلمى ما جاتش تفطر معانا ليه؟...
ألفت بابتسامة صغيرة:
- مالهاش نفس، هي شهور الحمل في الاول بتكون شهور وحم متعبة.. عموما أنا شوية كدا وهحاول معها تاكل حاجة حتى ولو بسيطة...
روؤف بزفرة عميقة:
- عارفة يا ألفت اللي قلقني بجد حالة سلمى!.. البنت حامل، يعني طفل جاي في السكة ان شاء الله، ولو سألتيني رأيي هقولك اني ضد أي فكرة انفصال طالما في أولاد هي اللي هتدفع التمن في الآخر!!..
ألفت بتنهيدة عميقة:
- عندك حق فعلا يا رؤوف، انا مش عارفة ايه اللي جرى، اللي كان يشوف لهفة غيث وشهاب عليهم كان يقول دول هيشيلوهم في عينيهم.. محدش كان يتوقع أبدا اللي هيحصل وخصوصا طلاق غيث لسلافة..
رؤوف بجدية تامة:
- ما تنسيش ان أمهم هي السبب الرئيسي ان لم يكن الوحيد في اللي حصل كله!... ما كانوش يتوقعوا أبدا ان كره أمهم لبناتنا ممكن يوصل بيها انها تهد حياة ولادها هي وتخرب بيتهم بإيديها.. أبويا الحاج يوم ما كانوا عندنا ساعة الطلاق قاللي انهم عرفوا وسمعوها بودانهم.. ما انا قلت لكم.. بيقوللي انهم كانوا مش مصدقين.. مذهولين...
ألفت بأسى:
- وبعد ما حكيت لبنات ولا كأن حاجة حصلت.. سلمى قالت لي بهدوئها ان الحقيقة كان مسيرها تبان بس دا ما يمنعش انها هتفضل أمهم وهي مش متصورة أن حماتها تكون بالكره والحقد دا كله حتى بعد ما عرفنا بالانهيار العصبي اللي جالها وان الدكتور طلب انها تدخل المصحة.. وسلافة هزّت اكتافها بمنتهى البرود وقالت لي بلا مبالاة رهيبة انه مش فارق معها في حاجة.. كان يفرق لو كان غيث سألها وصدقها من الأول لكن كون انه يصدق اللي سمعه من أمه بس فدا معناه انه لسّه زي ما هو.. وان محاولته انها ترجع له جات بعد ما عرف مش قبل!.. وانها دلوقتي اتأكدت انهم فعلا ماينفعش يكملوا مع بعض!..
قاطع حديثهما حضور سلمى التي ألقت عليهما بتحية الصباح، سألتها ألفت وهي تراها وقد استعدت للخروج:
- انتي خارجة يا سلمى؟..
سلمى بهدوء وهب تقف بجوارهما:
- أيوة يا ماما.. هروح أشوف الدكتور عشان الرسالة بتاعتي اللي انا سايباها بئالي مدة طويلة دي وبالمرة أجدد الأجازة.. مش هقدر على شغل المستشفى والرسالة قلت أركز دلوقتي في السرالة لغاية ما الفترة دي تعدي على خير ان شاء الله وبعدين أظبط الشغل مع دراستي..
رؤوف بابتسامة صغيرة:
- ان شاء الله تقومي بالسلامة وتجيب لنا ولي العهد.. الا قوليلي.. هتقدري تسوقي لغاية المستشفى؟..
سلمى بابتسامة:
- لا يا بابا ما انا هاخد تاكسي، مش هقدر أسوق في الزحمة دي حضرتك عارف انا هروح القصر العيني ودا مشوار جامد...
عرضت عليها أمها أن تتناول طعام الافطار ولكنها رفضت وودعتهما وانصرفت تصاحبها دعوات والديها لها بالتوفيق والسلامة..
************************************************************ **************
دلفت الى الداخل وهي مغمضة عينيها تماما كما أمرها حينما اقتربا من القصر، دخلت بخطوات بطيئة يمسك بذراعها برفق، قالت وهي تبتسم:
- إنت رايح بيّا على فين يا وِلْد عمِّي؟...
أجابها وقد أقسمت انها تسمع ابتسامته في صوته الخشن القوي:
- عتخافي يا سلسبيلي وأني امعاكي؟!...
لتجيبه بثقة وتلقائية أخذت بلبّه:
- أني آمنك على حياتي كلّاتها يا ليثي.. وجودك جاري ماعيخليش الخوف يِّعْرِفْ طاريجاه لجلبي لا على نفسيّ ولا على ولاديّ...
همس لها وهو يوقفها مكانها:
- الكلمتين الحلوين داهومّن هكآفئك عليهم بعدين.. ودلوك فتْحي وجوليلي إيه رايك؟..
رمشت بعينيها عدة مرات قبل أن تفتحهما لتطالعها ردهة منزل واسعة وكأنها قد انتقلت الى قصر من قصور الخيال، ارتسمت ابتسامة اعجاب وعدم تصديق على شفتيها، وابتعدت عنه بخفة وهي تتجول في الردهة بعينيها بين لوحات تزيّن الحائط تجمع بين المناظر الطبيعية الخلّابة وآيات قرآنية تريح النفس، نظرت في الأركان ليطالعها قطع من الأثاث الغالي الثمن يخطف الأنفاس لجماله، قطبت ويه تشعر بقدمها تغوص الى الاسفل كلما سارت لتنظر أسفل منها فتفاجأ بسجاد أعجمي وثير، تكاد قدمها تختفي وسطها، رفعت عينيها الى الليث الذي يقف جانبا يراقب انبهارها بابتسامة سعيدة ونظرات تحملان حنان العالم كله، اقتربت منه ووقفت أمامه تسأله بانبهار طفولي وفضول:
- إيه ديه يا وِلْد عمي؟.. صارايط الباشا ديه؟...
ثم ضحكت برقة ذهبت بأنفاسه وهي تتابع بمرحها الخفيف:
- عارف.. حاسّه كاني في صارايط عابدين اللي كنت بتْفرِّج عاليها في التّلَفَزْيوون...
الليث بهدوء حان وهو يميل برأسها عليها ناظرا في عمق عينيها:
- لاه.. ديه مش صارايط الباشا!...
قطبت وتلفتت حولها قبل أن تسأله في حيرة:
- أومال صارايط مين ديْ؟.. حد من جرايبنا دعانا عنديه مثلا؟.. واذا كان اكده ما استجبلوناش ليه؟.. ايه احنا جينا بدري ولّا ايه؟.. حتى اذا كان من الزوج انهم يستجبلونا احنا........
لتصمت فجأة بعد أن أقفل الليث فمها براحته العريضة التي تكاد تبتلع وجهها بأكمله!! ، هتف الليث بحدة مفتعلة:
- واه.. سلسبيل.. اسكتي اشويْ!.. بالعه رادوي!!..
أسبلت عينيها في حزن زائف ليبعد يده وهو يكاد يسب نفسه فها هي قد انطفأ بريق السعادة في عينيها، ولكنه كان يمزح معها، أمسك بكتفيها وقال بإلحاح وترجي:
- سلسبيل انتي ازعلتيْ؟.. اني بمزح امعاكي يا بت عمّي....
لتقلب وجهها مدعية الغضب حتى إذا ما اقترب منها أشارت له باصبعها ليميل اليها كي تسر شيئا في أذنه، قطب ولكنه مال عليها منتظرا في لهفة ما تريد قوله له لتفااااجئه بـ.. "طوووووووط".... ، انتفض مبتعدا برأسه عنها وهو يحك أذنه بسبابته فيما انطلقت ضحكاتها المرحة حتى ادمعت عيناها، نظر اليها بنصف عين وقال:
- طووووط!!.. مش عيب حُرمه كبيرة كيفك وتجوول طوووط؟..
رفعت كتفيها بلا مبالاة وقالت:
- إعملك إيه.. انت اللي بتجيباه إلنافسك، بجه اني رادوي يا ليث؟...
الليث وهو يمسك بيدها:
- لمْهم.. تعالي عشان تتعرفي بصحاب الجصر..
سار معها حتى وصلا الى مرآة كبيرة تحتل جزءا كبيرا من الحائط، وقفا أمامها وهي تطالعها بغرابة، حدثت صورته المنعكسة أمامها في المرآة قائلة بعدم فهم:
- ايه ديه يا ليث؟.. لمْرايه ديْ صاحبة الجصر؟.. ، ثم شهقت عاليا متابعة بخوف:
- لا يكون الجصر ديه مسكوون يا ليث؟.. لاه يا خويْ ماليش صالح عاودني دارنا تاني..
سحب ليث نفسا عميقا وتحدث من بين أسنانه بحنق آمرا بينما يقبض على كتفيها يثبتها في مكانها حتى لا تبتعد:
- سلسبيل.. ممكن تجفلي خاشمك ديه؟... ماراية ايه اللي صاحبتها؟... ، ثم زفر عميقا ومال على أذنها بينما تزم شفتيها كالأطفال في حنق طفولي أسره، همس في أذنها:
- اللي جودامك في لمْرايه ديْ تبجى صاحبة الجصر يا سلسبيلي، نوّرت بيتك وموطرحك يا بت عمي!....
لتحدق في صورته المنعكسة أمامها بذهول متمتمة:
- بيـ... بيتي ومو.. موطرحي!!..
أدارها لتقابله وأجباها وهو يحني رأسه لتتقابل عيناهما وتضرب أنفاسه الساخنة بشرة وجهها الحليبية:
- انتي ست الدار ديْ يا سلسبيلي.. وان طولت أجيبلك جطعه من السما ما هتوخّرشي يا بت عمي...
لتفاجئه بإلقائها نفسها بين ذراعيه واحتضانه بقوة أذهلته وهو يلمس تلك القوة تنبع من هذا الجسد الضئيل الذي ما ان يحتويه بين ذراعيه حتى يكاد يختفي، ظلّا لبرهة من الوقت وهي متعلقة بعنقه، حتى أبعدها عنه وهو يهمس:
- انتي لسّاتك خارجه من المشتشفى، تعالي أفرجك دارنا هتعجبك جوي..
ليفاجأ بدموعها الصامتة فسارع بمسحها بإبهاميه فيما قالت وابتسامتها تتنافى مع دموعها:
- أني جول تلك اني بحبك انَّهاردِه ولّا لاه؟...
الليث بابتسامة حنون:
- انتي بتجوليهالي في كل دجيجة بتمر علينا وانتي جصاد عيني وفي حضني يا بت عمي...
ثم قبّل أعلى رأسها قبل أن يسير معها حتى غرفتهما في الطابق الأعلى والذي ما ان همّا بالصعود اليه حتى باغتها بحملها وحينما حاولت الاعتراض أجابها بحنان ولكن حاسم:
- انتي لساتك تعبانه..
وصلا حتى باب الغرفة لينزلها على قدميها ويفتح الباب فتدلف يتبعها ليث، دارت في المكان حولها تطلق آهات الاعجاب بالغرفة بدءا من لون الحائط السماوي وحتى الأثاث النفيس، ولفت نظرها السرير ذو الاربعة أعمدة وقد ذكرها بآخر كانت قد رأته في مسلسل يحكي حقبة الاربعينيات وكان في قصر من قصور الباشوات، لتقطب حائرة فهي قد علقت على ذلك السرير وهي تشاهد الحلقة مع حماتها، وكان وقتها لا يزال راضي حيّا، رفعت عينيها اليه وهو يبتسم وكأنه على علم بما يدور في خلدها، سألته بصوت مبحوح:
- السارير ديه كان نفسيه اللي أني شوفتو...
ليقترب منها مكملا عبارتها:
- اللي شوفتيه في الحلجة اللي كتِّ بتابعيها انتي وأمية جولتي لها وجتها انك نفسك لو تجعدي على واحد زييه إو بس!!....
همست وهي تحدق فيه بدهشة:
- وانت عرفت كيف؟..
ليرفع يديه قابضا على كتفيها برفق وهو يجيب بينما عيناه ترسلان آيات العشق الصادق اليها:
- كت وجتيها داخل المجعد ما كتّش خابر انك مع أمي غير لمّن اسمعت حِسِّكْ.. وجتها كلمتك رنّت اف ودْنيّ.. وجانتني فاكِرْها... عشان تعرفي انه أحلامك أوامر يا بت عمي...
احمر وجهها خجلا، وقالت له بحب:
- ربنا ما يحرمني منيك أبد ويجدرني أفرحك كيف ما بتفرحني يا ابن عمي...
ثم ما لبثت أن هتفت وكأنها تذكرت شيئا هاما قد غاب عن بالها:
- إلا بالحاج... العيال فين؟..
الليث بابتسامة وهو يقبض على أعلى ذراعيها يقربها إليه:
- عند أمي... هيجعدوا اهناك يامين على ما تجدري تجفي على رجليكي، انتي ناسيه ان الدّكتووور جال ما فيش مجهود واصل...
سلسبيل بتلقائية:
- بس أني اتوحشتهوم جوي جوي يا ليث، عشان خاطري يا ولد عمي خلينا ع الاجل احنا انروح عند أبويا الحاج وأوماي الحاجة... وحشني عدنان وشبل جوووي، وبعدين هو مش هيبجى فيه حد ايساعدني في الدار اهنه؟..
الليث بتأكيد:
- أكيد، هاجي بلك اللي يهتم بالدار ونضافته وكل حاجة فيه، عشان... ، ومال عليها هامسا بخبث:
- صاحبة الدار اتخلّي بالها من صاحب الدار!!...
لتضحك بنعومة خطفت دقة من دقاته، فابتعد عنها زافرا بقوة وهو يهتف ناظرا الى الأعلى:
- الصبر من عنديك يا رب...
لتتعالى ضحكاتها فرمقها بنظرة سوداء ونهرها بحنق زائف:
- بكفياكي عاد يا سلسبيل.. غاوية تنرفازيني أنتي...
قالت سلسبيل باعتذار ضاحك:
- لاه أبد.. وانا يهون عليّا زعلك برضيك يا ولد عمي، دجايج أدخل أتسبّح وأغير خلجاتي عشان انروح انشوف العيال وأزور أمي كومان اتوحشتها جوي!!...
وانصرفت من أمامه متجهة الى الحمام الملحق بالغرفة فلم ترى نظرة عينيه التي كساها الغموض لتلمع كبريق الالماس الاسود!!!!!!!...
************************************************************ *************
دخلت غرفتها بالمشفى ووضعت الملف الذي يحوي أوراق رسالتها فوق سطح المكتب، لترتمي بدورها فوق المقعد خلفه، طرقات صغيرة دلف بعدها زميلها الطبيب "علاء".. كان زميلها في الجامعة وتخرجا سوية وتم تعيينهما في نفس المشفى ولكن تخصص هو جراحة المخ والاعصاب وقد أوشك على الانتهاء من رسالة الدكتوراه، اتقرب منها علاء يحمل قدحين من القهوة الساخنة، وضع أحدهما فوق سطح المكتب أمامها، ليجلس على المقعد المقابل لها وهو يقول:
- بس برافو عليكي يا سلمى، انتي أنجزتي فعلا جزء كويس من الرسالة...
سلمى بعدم رضا:
- جزء كويس ايه بس يا علاء، مش شايف الدكتور هزأني ازاي عشان بقالي تقريبا ست شهور لا جيت ولا تابعت معاه؟.. انا فعلا مقصرة أوي، المفروض اني كنت هناقش الرسالة دي معاك، أهو انا دلوقتي اتأخرت تيرم كامل تقريبا...
علاء وهو يشير اليها بقدحه:
- يا ستي ما تزعليش نفسك، انتي ناسية ظروفك اللي فاتت؟.. وبعدين جواز وبيت أكيد طبعا هتتأثري، المهم انك ما تكسيليش وتخلصيها خسارة تضيعي مجهود السنين اللي فاتت دي كلها..
سلمى بتأكيد وهي تتناول قدحها:
- أكيد طبعا.. ميرسي على القهوة يا علاء جات في وقتها...
قرّبت القدح من فمها كي ترتشفه وما ان شمّت رائحة القهوة حتى أغمضت عينيها منتشية برائحتها التي توغلت في خياشيمها، فتحت عينيها لتطالعها صورة علاء وهو ينظر اليها فاغرا فاه في دهشة، انتبهت الى نظراته الذاهلة فقالت بضحكة خفيفة:
- ايه أول مرة تشوف حد بيشرب قهوة؟...
ليجيبها بمرح وقد أفاق من ذهوله:
- لا وانتي الصادقة أول مرة أشوف حد بيحب في فنجان القهوة!!!
لتشرد الى البعيد وابتسامة ناعمة تعتلي ثغرها حيث كثيرا ما سمعت هذه العبارة من آخر كان في وقت من الأوقات أقرب اليها من نفسها، وكان كثيرا ما يهتف بها بحنق حتى تمادى الى تحذيرها بأنها لو استمرت على طريقتها هذه في احتساء القهوة فإنه... سيمنعها من الاقتراب منها ولو بالشمّ حتى!!!..
انتبهت على صوت علاء وهو يقول:
- على فكرة رشا عازماكي على الغدا انهرده، اول ما عرفت انك رجعتي وهي صممت انك تتغدي معنا، وبتحاول تكلمك على موبايلك مقفول..
لتنتبه الى أنها قد اغلقته قبل ان تدلف الى مكتب الأستاذ المشرف على رسالتها ونسيت أن تفتحه، فقالت وهي تُخرجه من جيب معطفها الأبيض:
- آه تصدق من ساعة ما كنت عند الدكتور في المكتب وانا نسيت أفتحه...
وما ان فتحته حتى صعقت من كمية الرسائل والمكالمات الفائتة، واسترعى انتباهها عشرون مكالمة من سلافة فسارعت بالضغط على اسمها وهي تعتذر من علاء برأسها فأشار لها بأنه سينصرف وسيكون بانتظارها حتى ينصرفا سوية...
كانت تخبط بسبابتها فوق المكتب وهي تستمع الى الرنين من الجهة الاخرى من الهاتف، وما ان أجابت سلافة حتى سارعت بالقول:
- معلهش يا سولي حبيبتي.. قفلت الموبايل وانا داخله عند الدكتور ونسيت أفتحه بعد ما خرجت، طمنيني فيه حاجة؟..
لتجيبها سلافة بصوت مكتوم:
- لا ابدا.. انتي خلصتي شغل؟..
قطبت سلمى وأجابتها في ريبة:
- آه.. تقريبا يعني، فيه ايه يا سلافة صوتك ماله مش عجبني؟...
سلافة بشهقة بكاء مكتومة انتبهت لها سلمى:
- أنا هاجيلك يا سلمى...
سلمى بكلمة واحدة:
- وأنا مستنياكي..
بعد أقل من نصف ساعة كانت سلافة تنتصب واقفة أمامها في غرفتها بالمشفى، قطبت سلمى في ريبة واقتربت منها وهي تلاحظ هيئتها الشاحبة وعينيها الذابلتين، وضعت يدها فوق كتفها وقالت باهتمام:
- سلافة.. ايه اللي جرى يا حبيبتي؟.. انتي... انتي معيّطه؟!!...
لتهتز كتفي سلافة وترمي بنفسها بغنة في أحضان شقيقتها التي احتوتها بدفء وهي تكاد تفقد عقلها من قلقها على حالة أختها الغريبة، لم يسبق لها وأن شاهدت شقيقتها الصغرى وهي في حالة انهيار كهذه، حتى حينما تطلقت من غيث لم يصل بها الأمر الى هذا الحد!!!..
انتظرت حتى هدأت نوبة البكاء الحادة التي داهمتها ثم ابتعدت عنها قليلا وقالت وهي ترفع رأسها اليها بابتسامة بسيطة:
- ممكن أعرف ايه سبب الدموع دي كلها؟..
رفعت سلافة عينان حمراوين اليها وهمست بصوت خاو:
- هقولك...
جلستا الى الاريكة وبعد أن شربت سلافة بعضا من الماء سردت على مسامع سلمى ما حدث ابتداءا من دخولها الى المؤسسة حيث تعمل صباحا والى ان خرجت، حكت عن الهمزات واللمزات التي كانت تلاحقها في كل مكان تذهب اليه، وعن تعاطف القلة وشماتة الكثيرين!!..، وعن بعض الهمسات الخانقة التي تشكك بصورة غير مباشرة عن السبب الحقيقي لوقوع الطلاق بعد أسابيع من الزواج!!!! ، سألتها سلمى:
- وهما عرفوا منين انك اتطلقتي؟..
سلافة بصوت متحشرج:
- أنا اللي قلت لهم، انا ما عملتش حاجة غلط عشان أحط راسي زي النعامة في الرمل، كل شيء نصيب وأنا نصيبي انا وغيث انتهى لغاية كدا، واللي جننهم أكتر اني رفضت حد يجيب سيرته بكلمة وحشة حتى لو مجاملة ليا لانه في الاول وفي الاخر ابن عمي، ومهما كان اللي حصل بيننا ما اسمحش لحد يجرّح فيه ولو بربع كلمة، وطبعا لانهم ناس فاقدين الاحترام وما يعرفوش شيء اسمه احترام ولا ورد عليهم قالوا يبقى اكيد انه هو اللي سابني واني انا اللي دايبه فيه، وطبعا الكلام ابتدا يتغير بعد ما كان اني استحق واحد احسن منه وانه ما يستاهلتيش بقه طيب ليه ما صبرتيش، ليه ما شوفتيش ايه اللي يريحه وعملتيه، لازم الست تطبع بطبع جوزها، وخدي من دا كتير، لما جيت على آخر اليوم خلاص دماغي كانت هتفجر ومش عاوزة أروّح البيت وانا بالمنظر دا عشان بابا وماما ما يقلقوش خصوصا ماما كانت معارضة نزولي الشغل ولو عرفت هتصمم اني أٌعد في البيت وما أرجعوش تاني، وأنا مستحيل أعمل كدا، لأني لو عملت كدا يبقى بديهم فرصة انهم يتكلموا اكتر ويطلعوا كلام تاني وتالت وعاشر، لكن لو روحت واتصرفت انه الامور طبيعية جدا واحده فواحده الكلام هيخفّ وهيلاقوا حاجه تانية تشغلهم عني...
ابتسمت سلمى وهتفت باعجاب:
- برافو عليكي يا سولي، أنا كنت فاكره انك مش هترضي ترجعي الشغل، لكن انتي تروحي وتخلي كل واحد يحط لسانه جوة بؤه!!...
هتفت سلافة بابتسامة:
- هربيهم!!!.. انا بس كنت مخنوقة ومعرفتش أتكلم مع حد.... ربنا يخليكي ليا يا سوسو..
لاحقا ولدى انصرافهم وجدت سلمى علاء في انتظارها كما أخبرها، كان علاء على معرفة بسلافة وبعد أن حيّاها قالت سلمى بأسف:
- معلهش يا علاء اعتذر لي من رشا، عموما يا سيدي الجايات كتير، وأكيد هشوفها، وانا هكلمها أعتذر لها بنفسي وأرتب معها وقت نتقابل فيه..
علاء بجدية:
- اعتذار ايه يا بنتي؟.. لا طبعا مافيناش من كدا، بيني وبينك كانت عاوزاكي تشوفي الزئردتين هناء وشيرين... مجننها....
ضحكت سلافة وقالت:
- هي بردو صممت وسميت هناء وشيرين؟..
علاء بتنهيدة عميقة:
- آه، اعمل ايه.. حكم القوي!!!
تبادل الثلاثة الضحك، وسار برفقتهم حتى وصلا الى سيارة سلافة التي صعدت بينما وقفت سلمى تتجاذب أطراف حديث مرح مع علاء انطلقت على أثرها ضحكاتها قبل أن تصعد الى مقعدها بجوار سلافة التي لوّحت مودعة لعلاء قبل أن تنطلق، ولكنهما لم ينتبها لعينين رماديتين تراقبهما... وتحديدا سلمى... فيما تلوح العواصف في أفق عيناه بينما يهمس بوعيد وهو يضرب قبضته على سطح سيارته بقوة:
- يا ترى يبقى مين دا يا مدام سلمى؟.. أنا لازم أقول لغيث، الوضع دا ما يتسكتش عليه أكتر من كدا!!!!!!!!!!....
- نهاية الجزء الأول –

 
 

 

عرض البوم صور منى لطفي   رد مع اقتباس
قديم 04-01-17, 10:51 AM   المشاركة رقم: 205
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2011
العضوية: 216585
المشاركات: 468
الجنس أنثى
معدل التقييم: منى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييممنى لطفي عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 1595

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
منى لطفي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : منى لطفي المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: كبـير العيلة

 

كبير العيلة
بقلمي/ احكي ياشهرزاد(منى لطفي)
الحلقة (37) الجزء الثاني
دلفت الى الداخل ما ان فتحت لها الخادمة لتنطلق في خطوات مهرولة تتلهف لرؤية ولديّها و... أمها!!!..، اندهشت حالما صرّح لها ليث أن أمها لدى أبيه في المنزل، لجيبها على تساؤلها الذي لم يتعد عينيها بقوله أن أبوه من أصر على ذلك لمرض أمها الشديد، لتتقبل هذا التبرير غافلة عن السؤال الأهم.. أين أخويها وزجاتهما؟... بل كيف وافق والدها من البداية على أن تنتقل أمهم لدى شقيقها؟.. ولكن كان كل ما يهمها هو الاطمئنان على صحة والدتها والتي طمأنها ليث أنها تعاني من أعرض برد شديد!!!!...
كان ليث يلحق بها بخطواته السريعه وهو يشتم في سره فهو يكاد يجب قلقا مما سيحدث لها عندما تعرف... وحتما سوف تعرف!... ومع أنه قد اتخذ كافة الاحتياطات ليضمن ألا يتسرب أي خبر اليها عمّا جرى الى أن تصبح في حالة صحية أفضل يستطيع هو معها أن يخبرها بكل ما حدث، إلا أن حدسه الداخلي ينبئه بأنها ستعلم.. كيف لا يدري.. ولكنها طالما وطئت بقدميها نفس المكان الذي تمكث فيه والدتها فهي ستعلم، كن يريد ادخالها الى المصحة النفسية تماما كما أوصى الطبيب ولكن فاجأه والده بأن طلب من الطبيب إحضار ممرضة ملازمة لها فهو لن يرمي بشقيقته الى مستشفى الامراض العقلية طالما أن حالتها ليست من النوع الخطر بل نتاج صدمة عصبية شديدة، لذا فقد قرر علاجها بالمنزل تحت اشراف طبي على مدار الأربع وعشرين ساعة!!...
هتف بها وكانت قد وصلت الى غرفة الجلوس:
- سلسبيل.. ، ولكنها لم تنتظر واندفعت الى الداخل للسلام على عمها وعمتها واللذان قابلاها بحفاوة كبيرة، كانت لا تزال تحدث بسرور معهما حينما انطلقت كتلة بشرية صغيرة اليها لتنحني على ساقيها هاتفة بحب وهي تفتح ذراعيها:
- شبل!!! ، وتلقفته بين ذراعيها تضمه اليها وتقبله بكل حب وهي تستنشق رائحته الطفولية، ليلحق به شقيقه الأكبر وهو يخطو اليها بخطوات متلهفة فتنحني ترغب بحمله هو الآخر حينما يهتف بها ليث وهو يحمل عنها شبل بين ذراعيه تاركا الفرصة لعدنان للتنعم بأحضان والدته:
- واه... عتشيليهم التنييين؟!!!.. هاتي عنك الشبل...
واحتضن شبل مقبلا له، لترفع هي عدنان بين ذراعيها تشبعه قبلا وأحضانا...
لاحقا وبعد صعودها مع أطفالها الى غرفتهما حيث طلبت منها عمتها الخلود الى الراحة حتى يعين موعد الغداء رافضة رغبتها برؤية أمها التي تنام الآن بعد أن تناولت الدواء، فلا يجوز إقلاقها في نومها!!!!... وبينما رأى ليث ضرورة انصرافهم كي تنال قسطا من الراحة، أصرت هي على المكوث لرؤية أمها بعد أن تصحو، فما كان من ليث الا أن وافق وإن كان على مضض....
تركت طفليها يلهوان بألعابهما واتجهت الى خزانتهما وتحديدا الى صندوق موضوع أعلاها، لتجلب كرسيّا خشبيا وتقف عليه لتتناول الصندوق، جلست في زاوية بعيدة وهي تفتح الصندوق تتطلع الى محتواه بابتسامة شاردة، مدت يدها بتردد وقبل أن تلمس محتويات الصندوق قبضت عليها وسحبتها سريعا قبل أن تعيد غلق الصندوق ثانية وهي تهمس في نفسها:
- ماعنساكيش أبد يا ابن عمي... مكانك عيفضل جوّاتي وجوّات لعيال.. لكن اعذرني عمري ما فكِّرت واني ماراتك ولا عفكّر في غيره وأني امعاه... ليث عطاني كتيير جوي يا راضي.. ومش معنى كلامي ديه إني ممكن في يوم أنساك.. لاه... انت كان ليك يد في سلسبيل دلوك... سلسبيل اللي حبيتك وهي صبية بنت ستاشر سنة... وحبيت ليث وهي بنت تلات وعشرين سنة... بيننا عشره حلوه وعيال كيف الورد... الله يرحمك يا ولد عمي.. واطمّن علينا أنا ولعيال.. الليث عمريه ما عيفرّط في حدا منينا واصل....
ثم أعقبت كلماتها الخافتة بقراءة الفاتحة على روحه البريئة التي اغتيلت غدرا ليذهب صاحبها شهيدا على يد الخسة والحقارة، ليكسب هو آخرته ويخسر المجرم دنياه وآخرته....
أعادت الصندوق مكانه أعلى الخزانة، ثم التفتت تلاعب صغيريها حينما قال عدنان ببراءة طفولية:
- ماعاوزينش دوكة يا شبل، جدتي تعبانه...
داعبت سلسبيل شعر صغيرها وهي تقول بابتسامة:
- عفارم عليك يا عدنان، جدتك تعبانه وناميه ولمنّن تكون ناميه ما نجلجوهاش، دلوك لمّن تصحى عاخدكوم ونروحو نجعدوا امعاها اشويْ...
عدنان ببساطة:
- لاه.. احنا ما نجدروشي انروحو لجدتي، بوي عدنان وبوي ليث امنبّهين علينا ما نروحيش نواحيها واصل..
قطبت سلسبيل وسألته:
- ليه يا عدنان؟.. هي تعبانه جوي إكده؟...
حرك كتفيه علامة الجهل وأجاب بتلقائيته البريئة لا يعلم أنه يلقي بقنبلة من العيار الثقيل على والدته:
- ماعارفشي.. لكن اني سمعتهوم بيجولوا ان جدتي... اتجننت!!!!!...
لتتسمر سلسبيل في مكانها هتافة بذهول:
- إييييه؟...
ثم هبّت واقفة من مكانها وحينما لحق بها الولدان حاولت رسم ابتسامة صغيرة ولكنها فشلت بينما تقول:
- خليكو أهنه حبايبيْ.. اني رايحه أشوف حاجه وراجعالكو...
وانطلقت الى الليث.... فهناك أسئلة كثيرة تدور ببالها وحان الوقت لتعلم أجوبتها كاملا وأولها... هل فعلا جُنّت والدتها؟؟؟؟؟.....

زفر الليث بأسى وهو يقول بضيق:
- ما عارفشي لو سلسبيل عرفت عجولها إيه، كان لازمن اتدخلوها المصحة كيف ما جال الدّكتووور، اجعادها اهنه غلط... انتو داريين باللي عيجرى لو سلسبيل عُرفت؟... أني ما صدجت انها رجعت وجفت على رجليها من تاني...
عدنان بجدية لليث الذي يروح ويجيء في المكان تماما كالليث المحبوس:
- اهدى يا ليث يا ولدي مش إكده..
الليث بيأس:
- أهدى كيف يا أبويْ؟.. ، ليكمل بشراسة قوية:
- الله في سماه لومنّ انها عمتي وأم الغالية ما كان منعني عنها حاجه أو حد.. كنت بيدي – ليرفع قبضته أمامه هاتفا من بين أسنانه – جدرت أنجد الناس من شرّها...
قالت كريمة والدته وهي تشعر بحزن على حال ابنها وزوجته تلك الكنّة التي منذ أن دخلت منزلهم من أكثر من سبع سنوات وهي بمثابة الابنة لها:
- طب ما تجولها انت يا ليث بدل ما تِعرف من حدا اكده ولا اكده... عرّفها انت يا ولديْ..
ليهتف الليث بغضب قوي:
- أعرّفها ايه يا أماه؟.. أجولها إيه بالظبِّطْ؟.. أجولها ان أمك هي اللي سمَّتِكْ بعد ما كات رايده اتسمّ مرات اخوكي شهاب وجات فيكي بالغلط؟.. ولا ان امها كانت رايده تجتل مرات عمها لولا ان ربنا بعت لها سلافة بتّها في آخر لحظة؟!!!... ولا بلاش.. ايه رايكم أجولها ان امها السبب ان غيث ولد عمي ايطلج ماراته وشهاب ماراته اتفوته والعيلة كلاتها تتفركش من تحت راسها؟... أجولها انه آخرة المتمة أمها اتجننت وانها ممكن تدخل الصرايا الصفرا في أي وجت؟!... أجولها ايه ولا ايه.. حد يجولي؟!!!!!!...
لتأتيه الاجابة من خلفه.. بصوت ميّت لا روح فيه قالت صاحبته بخواء تام:
- ماعادلوش لزوم اتجولي حاجه بعد اكده يا ابن عمي.. كفايه اللي سمعته منيك دلوك!..
لفتح عينيه على وسعهما شاهقا بقوة قبل أن يلتفت اليها هاتفا اسمها بلوعة:
- سلسبيل!!!!....
طالعته بوجه شاحب كشحوب الموتى، اقترب منها بينما كانت تنقل نظراتها بينه وبين والديه اللذان أخفضا رأسهما حزنا وأسفا، وقف أمامها وم يديه ليقبض على كتفيها ليفاجأ بأنهما ترتعشان حتى أمسك بهما كتفيها جيدا ليقول محاولا تمالك أعصابه:
- سلسبيل اسمعيني زين.. أني ما...
لتقاطعه بعينين تذبحانه بنظرات الرجاء التي تطالعه بهم، همست بصوت مشروخ مذهول:
- اللي اني سمعته ديه حصل صوح؟.. أمي عِملت إكده فعلا؟.. هي السبب اني خسرت ولدي؟.. هي اللي خربت على خواتي وكل واحد فيهم ماراته فاتته؟.. هي... هي اتجننت صوح يا ليث؟...
حاول ضمّها بين ذراعيه لتدفعه وهي تصيح بهستيرية حيث انهارت مع آخر كلمة خرجت منها:
- جولي يا ابن عمي ديه صوح؟.. أمي أني عملت كل ديه؟.. ساكت ليه يا ليث اتكلّم وريّحْني...
ليهتف بها ليث بعد أن احتواها بقوة تفوق مقاومتها بمرّات وهو يحكم قبضته عليها كمن يخشى هروبها منه:
- اهدي يا سلسبيل.. اللي بتعمليه ديه عِفِشْ عشانك...
ضربته بقبضتيها الصغيرتين في صدره وهي تصيح بشهقات بكاء عالية بينما دموعها تغرق وجهها:
- مش امهم... لمهم أعرف الحجيجة... ريّحني يا ليث ربنا يّريّح جلبك... الحديت ديه صوح؟...
سكون ساد المكان بعد سؤالها الباكي الأخير، قطعه صوت ليث القوي، الباتر وهو يجيبها بكلمة واحدة... ولكنها صاااادمة:
- صوح!!!!!! ، لتنهار بين يديه وهي تصرخ عاليا بـ "لااااااااااا"، وهو يحاول احتوائها بين ذراعيه يكاد يبكي لبكائها الأقرب للنواح، انتبه بعد برهة أن والديه قد تركا لهما المكان، أبعدها عنه قليلا لتطالعه بعينين ذابلتين وهي تقول بهمس مسموع وأنف أحمر من شدة البكاء:
- عاوزه أشوفها يا ليث؟..، ليقطب في لحظتها وهو يهز برأسه بقوة رفضا في حين تابعت بشبه رجاء وتوسل:
- عشان خاطري يا ليث.. رايده أشوفها.. ديه مهما كان..... أمـ... أميّ!..
ونطقتها بتلعثم بطيء ولكنها لم تستطع سوى النطق بها وهي يرن في أذنها أن أمها أصبحت.. مجنونة!!! ، الليث بغلظة:
- لاه يا سلسبيل، أني ما أضمنشي عتملي إيه لمّن تشوفيها؟...
سلسبيل بهلفة:
- ماتخافيش يا ليث، بس.. أشوفها يا ليث.. بترجاك يا ولد عمي...
لينهرها الليث في حزم ولكن... حانٍ بقوله:
- اوعاكي... إياك تترجي أي حد حتى لو كنت أني... مارات الليث تؤمر.. ما تترجاشي!...
مسحت دموعها براحتيها فكانت أشبه بالاطفال، ليقبض على كفها بيده ويسحبه معه وقد استقر رأيه وهو يهتف بها:
- تعالي...
وسار معها حتى اتجها إلى غرفة في آخر الرواق من الجانب الشرقي، كانت تلك الناحية من المنزل متطرفة بعيدة عن سكانه، أوقفها أمام الغرفة قبل أن يطرق الباب فخرجت له ممرضة خمسينية العمر بعد أن حياها طلب منها أن تدع ابنة المريضة تراها، لتنظر اليه سلسبيل في رجاء قائلة:
- تعالى امعاي يا ليث..
وخطت بقدميها بتردد تقدم رجل وتؤخر أخرى، وحدها يد الليث المتشبثة بها ما تمنحها القوة، وقفت تطالع الجسد المستكين فوق الفراش في وسط الغرفة، تقدمت بوجل حتى اذا ما وقفت أمامها وطالعها وجهها شهقت واضعة يدها فوق فمها لتكتم شهقتها الحزينة، طالعتها بعينين مذهولاتان، فمن ترقد أمامها ليست بأي حال من الأحوال أمها!!.. ليست هي تلك السيدة القوية المتفاخرة دوما بنفسها وأولادها، ليست هي من لا يظهر عليها عمرها الحقيقي أبدا، فأمها كانت دائما تشع جمالا رغما عن مرور الزمن، أبعدت يدها عن فمها وانحنت تلمس وجنتها بقبلة رقيقة قبل أن تبتعد، لتفتح راوية عينيها بغتة فتصعق سلسبيل من تلك النظرة الزائغة التي طالعتها بها، ابتعدت سلسبيل الى الخلف لتصطدم بليث الذي كان خلفها.. دوما معها.. يحميها حتى من أقرب الناس إليها، جلست أمها في الفراش وطالعت سلسبيل والليث بنظرات مشوشة قبل أن تهتف ويه تشير اليهما باصبعها:
- انتوم مين ها؟.. جيتوا ليه؟.. ألفت باعتاكوم عشان تخلّصوا عليّ صوح؟.. لكن جولولها ديه بُعدها... أني اللي كسبت.. بناتها ورجعوا لها... وأني اخدت بتاري منيها... خدت حلمي زمان... جتلت حلم بناتها دلوك!!!!!!...
ثم أرجعت ظهرها الى مسند السرير خلفها وهي تتابع بابتسامة جذلى بينما تتراقص عينيها بنظرات مجنونة:
- أني اللي فزت... أني اللي فزت....
وتعالت ضحكاتها العالية الهستيرية، لتدلف الممرضة سريعا وتحضر الدواء لتكشف ذراعها وتحقنها به كل هذا تحت سمع وبصر سلسبيل الغير مصدقة مما يجري أمامها، لتهمس لليث بعدها وقد بدأت تشعر بدوار:
- الليث... خرِّجْني من إهنه!..
ليسارع بإخراجها وما أن أبصرت النور خارج غرفة أمها حتى وقعت أسيرة الظلام مرحبة به لتتلقفها ذراعي ليث وهو يهتف باسمها بلوعة قبل أن يبتلعها الظلام في بئره السحيق!!!!!!..
************************************************************ ***************
كانت تجلس الى حاسوبها تعمل على رسالتها حينما سمعت نغمة الرسائل في هاتفها المحمول، فرفعته حيث كان بجوار الحاسوب، فوجدت رسالة في صندوق الرسائل الواردة لتضغط على زر الفتح فتفاجأ بكلمات بسيطة ولكنها قوية في معناها، كان فحواها يقول:
- الوضع اللي احنا فيه دا غلط، لازم حل، هستناكي بكرة في..... عشان لازم نتكلم..
أعادت قراءتها مرارا وتكرارا، لقد ذكر اسم مطعم قريب من محل سكنها، قطبت في استغراب، لما لا يأتي اليها في منزل والدها ليتكلما؟.. لما اختار مكانا آخر؟.. وكأنه يقرأ أفكارها اذ سرعان ما سمعت نغمة تدل على وصول رسالة أخرى فسارعت لفتحها ليطالعها جواب سؤالها:
- عارف انتي اكيد مستغربة ليه ماجتش البيت عندكم.. لكن انا عاوز أتكلم معاكي لوحدينا.. دي حياتنا أنا وأنت وطفل جاي في السكة.. وأعتقد ان احنا الاتنين ناضجين كفاية اننا تقدر نحل مشاكلنا من غير تدخل من أي حد مع احترامي للجميع...
عضت على شفتها وشردت وهي تفكر" هل تذهب في الموعد أم تصر على أن يكون اللقاء ببيت والدها؟!!!"....
في اليوم التالي كانت تدخل الى المطعم حيث طلب منها شهاب موافاته، لم تخبر سوى سلافة فقط بمقابلتها له واكتفت بأن بررت نزولها لرغبتها في الترويح عن نفسها قليلا...
تنقلت بعينيها بين الموجودين بعد ان اعتادت عيناها على المكان حيث الاضاءة الخافتة تتنافى مع ضوء الشمس المبهر بالخارج، لتعثر عيناها في الآخر على ضالتها حيث كان يجلس الى مائدة منزوية، كانت هي أول من انتبه اليه، لتقودها قدماها بدون وعي اليه، بينما كان ينظر حوله ليسقط بصره عليها فيقف بدون ارادة منها وهو يتشرب ملامحها وكامل هيئتها التي كلما اقتربت منه زادت وضوحا، حتى اقتربت منه فوقفت مقابلة له فكان هو أول من تحدث بحشرجة خفيفة قائلا:
- أزيك يا سلمى....، ثم أشار لها بالجلوس فجلست يتبعها هو في الممقعد المواجه لها، حضر النادل لتسجيل طلباتهما، فنظر الى سلمى بتساؤل لتجيب الأخيرة بهدوء لا تشعر به حيث كامل جسدها ينتفض اضطرابا:
- أي عصير فريش....
قال شهاب وعيناه مسلطتان عليها:
- دا وقت غدا... أعتقد نتغدى الأول.... ، وبدون أن ينتظر سماع جوابها أملى على النادل طلباتهما لتفاجأ بأنه لم ينسى طعامها المفضل من السمك المشوي وحساء فواكه البحر، ليطلب لنفسه شرائح اللحم المشوية بدلا من السمك، ما ان انصرف النادل حتى مال تجاهها وقال بابتسامة صغيرة:
- خفت أطلب سمك ليّا وألوص بعد كدا فيه، انتي عارفاني مبعرفش أفصص السمك!!...
لتشرد في ذاك اليوم.. حيث دعاهما والد كريم الى الغذاء والذي كان عبارة عن السمك حيث اندهشت بادئ الامر من عدم تناول شهاب لطعامه لتعلم بعد ذلك انه لن يستطيع فصل اللحم عن العظام الرقيقة فتقوم هي بالمهمة ليجهز على سمكته تماما!!!!!!....
ابتسامة خائنة ارتسمت على فمها المكتنز أخبرت شهاب أنها تشاطره ذات الذكرى، قال شهاب بابتسامة حانية:
- عامله ايه يا سلمى؟... ، قالت بهدوء بابتسامة صغيرة:
- الحمد لله، الرسالة ماشية تمام بعد ما كنت اتأخرت فيها شوية، وجددت طلب الاجازة لغاية ما الفترة الاولانية دي تعدي، ويعني... – وهزت كتفيها متابعة – كله ماشي الحمد لله...
لينظر اليها عميقا وهو يقول بصوت أجش:
- أنا بقه ما فيش حاجة ماشية عندي!... الشغل ما بقيتش عارف أروحه ولا عاوز أساسا، البيت معظم اليوم تقريبا وانا بره.. يا مع عزت صاحبي يا غيث في الكوخ بتاعه للي على أول البلد اللي قاعد فيه من يوم ما رجع مصر بعد ما طلّق سلافة، تقدري تقولي انه كل حاجة عندي واقفة.. حالي ومالي وكله.. دا حتى جدي اللي عمره ما عاتبني ولا لامني على حاجة وقفني قودامه زي العيّل الصغير يلومني ويعاتبني وهو لأول مرة أشوفه بالغضب دا كله مني أنا وغيث...
سلمى بتنهيدة عميقة:
- شهاب.. اللي حصل قاسي على الكل، أنا طبعا في الأول كنت متضايقة جدا من اللي حصل وانه كله كان من تخطيط وتنفيذ والدتك، لكن لما هديت لاقيت انه سلافة معاها حق!..
ليزدرد ريقه بصعوبة وهو يقول بريبة وشك:
- معها حق!!.. معها حق في ايه بالظبط؟...
سلمى بابتسامة حزن صغيرة:
- أنه والدتكم مهما عملت هتفضل والدتكم... اللي مش هتقبلوا عليها أي كلمة... ومهما حصل هتفضل الست اللي حاولت تخرب بيتي ونجحت انه اخوك يطلق أختي ومش بس كدا... لا... دي كرهت أمي لدرجة انها حاولت فعلا تقتلها!!.. تفتكر بعد كدا في احتمال ولو بسيط ان علاقتنا مع بعض تستمر؟!.
هتف بغضب:
- اللي بيننا ما اسمهاش علاقة.. اسمه جواااااز... ، ليقاطعه حضور النادل حاملا طعام الغذاء والذي انتظر شهاب بشق الأنفس حتى وضع الصحون على المائدة قبل أن ينصرف أو بمعنى أصح يصرفه شهاب بنزق بينما يسألهما بابتسامة هادئة عما إذا كان يطلبان شيئا آخر!!!..
نظرت سلمى اليه بعتب بعد انصراف النادل وقالت:
- ما كانش يصح اللي انت عملته دا، ذنبه ايه الجرسون تتكلم معاه بقرف كدا؟.. الراجل بيشوف شغله وبيسأل عاوزين حاجة تانية قول له لا وخلاص انما...
لينهرها مزمجرا:
- بقولك ايه يا سلمى هو ما جابكيش محامي له، سيبك منه دلوقتي وخلينا فينا احنا..
سلمى بزفرة عميقة:
- مافيش احنا يا شهاب.. خلاص مابقاش ينفع!!!..
ليكشر شهاب عن أنيابه قائلا:
- وايه اللي خلّاه ما ينفعش ان شاء الله؟... يا ترى فعلا عشان اللي انتي قلتيه دا ولا عشان البيه اللي شوفته معاكي امبارح انتي وسلافة؟!!!..
قطبت سلمى وتساءلت باستهجان:
- بيه مين؟....
شهاب بحدة وحنق:
- البيه اللي كان خرج معكم من المستشفى ووقف معاكي رغي وضحك، مين الراجل دا يا سلمى؟...
هتفت سلمى وقد فتحت عينيها على وسعهما:
- مين.. علاء؟!!!.. انت بتقول إيه؟!!...
أجاب ساخرا:
- هو المحروس اسمه علاء؟...
سلمى بحنق شديد:
- مش هتبطل اندفاع وتهور أبدا يا شهاب، دايما الفعل عندك سابق العقل، يعني بعد اللي حصل معنا دا كله وبردو انت زي ما انت!!!!!!!!..
وتناولت حقيبتها اليدوية الموضوعه على المائدة بجوارها وهمت بالوقوف حينما قبضت على يدها يده بقوة وهتف من بين أسنانه:
- أقسم بالله لو اتحركت خطوة واحده لا تشوفي العصبية والانفعال بجد يا سلمى...
انتبهت سلمى الى أنهما قد بدآ يلفتان الانظار فآثرت العودة الى مكانها وهي تتأفف بنزق وهتفت بغضب مكتوم:
- ممكن أعرف انت عاوز مني ايه بالظبط؟.. عاوز نتكلم فعلا ونصفي اللي بيننا ولا عاوز تعرف مين اللي كان واقف معانا؟...
هتف شهاب بصوت منخفض:
- افهمي.. انا لو كنت مندفع زي ما بتقولي كنت طبقت في رقبته على أضعف الايمان.. أو كنت قلت لغيث ييجي يشوف اللي بيحصل من وراه وهو على شعره من أختك.. ومش هكدب عليكي .. فير لحظة فكرت أقوله لكن في التانية غيرت رأيي.. سؤالي مالوش غير معنى واحد مين دا ؟.. خصوصا وانه كلامك دلوقتي عن اننا مينفعش نكمل مع بعض خصوصا وفيه طفل جاي في السكة يخليني أسأل نفسي.. ليه؟...
سلمى بأسف:
- بردو طبعك ما اتغيّرش... من أول أحمد الله يرحمه.. لغاية علاء... وفي النص بقه مرة كريم دا غير مامتك اللي كانت حافظاك وعارفة انه الشك فيك طبع فلعبت على كدا ونجحت للأسف لولا جدتي هي اللي هدّت الموضوع بيننا يومها، انت الشك دا في دمك يا شهاب، وانا آسفة.. أنا ممن أستحمل عصبية... انفعال.. أي حاجة.. إلّا الشكّ... دا الشي اللي مالوش علاج أبدا!!!!! .. عن إذنك!!...
وتناولت حقيبتها وانسحبت في هدوء وتركته يلاحق ظلها المبتعد وسكينة الأسى والغضب تحفر في نفسه عميقا!!!!!!!...
كانت تقف في انتظار سيارة أجرة عندما وقفت أمامها سيارة تعرفها جيدا وسمعت صوتا بداخلها يأمرها قائلا:
- اركبي!.... ، تجاهلته وأولته ظهرها لتسمع صوت صفق باب السايرة ثم فوجئت به أمامها يطالعها بنظرات غامضة وهو يهتف بها من بين أسنانه مشيرا الى سيارته:
- اركبي بدل ما أشيلك قودام الناس وأركّبك غصب عنك...
علمت بل وتأكدت الى وصوله الى أقصى درجات ضبط النفس، لتزفر في حنق وتصعد الى السيارة فأغلق الباب وراءها ثم صعد الى مقعد السائق قبل أن يدير المحرك منطلقا بأقصى سرعة!!..
وقف بمحاذاة كورنيش النيل، قال بصوت هادئ نسبيا:
- تعالي نتمشى شوية على الكورنيش، من الحاجات اللي كنت بحبها في مصر أيام ما كنت في الجامعه التمشية على الكورنيش، لما بكون غضبان أو متضايق كنت بقف هنا وأرمي همومي كلها في النيل، ياللا.. تعالي...
وترجل لتلحق به وهي تحاول تهدئة نفسها لترى ما نهاية هذا اليوم الطويل؟...
سارا سوية قليلا قبل أن يتوقفا لدى بائع كيزان الذرة المشوي، ليبتاع شهاب لهما اثنين، أعطاها أحدهما وانشغل بتناول الآخر، لم يكونا قد تناولا طعام الغذاء الذي اضطر شهاب لدفع ثمنه دون أن يهتم بتوضيح أي شيء للنادل المذهول، فقد كان مسرعا في اللحاق بسبب أرقه وانعدام راحته!!...
جلست جنبا الى جنب على المقاعد الحجرية المنتشرة بطول الكورنيش، كان شهاب هو من خرق الصمت بقوله :
- أنا... آسف...
لتلتفت برأسها اليه تطالعه بدهشة، فنظر اليها بدوره يتابع بصدق لمسته في نبرات صوته ورأته في عينيه:
- آسف... والله العظيم آسف، وعمري ما أشك فيكي، الموضوع مش شك أبدا الموضوع...
وسكت لتسأله بمرارة خفيفة:
- الموضوع إيه يا شهاب؟... ، ليقترب منها جالسا أقرب اليها ويجيبها وعينيه قد أسرتا عينيها ليضيع في غابات الزيتون خاصتها:
- جنان!!!... تقدري تقولي عليه.. جنان... غيرة جنونية زايدة... ما فيش عقل، أي حاجة.. انما شك... لا وألف لأ كمان.. ولو عاوزاني أحلف لك على مصحف أنا مستعد!!...
لم تستطع التصديق، هل من يجلس أمامها الآن يكاد يبكي بين يديها هو نفسه شهاب النزق الانفعالي الذي لا يقبل بأي كلمة ولو من بعيد تمس كرامته والذي كان يرى ان الرجل لا يذل نفسه لمرأته مهما بلغت درجة حبه لها؟!... انه يكاد يبكي لنيل مسمحتها!!، قالت بصوت متحشرج:
- شهاب اسمعني... احنا حصل بيننا حاجات كتير اووي، صدقني مهما حصل عمري ما حسيت بالندم لأي لحظة عشناها سوا، لكن للأسف الظروف اللي بتحطنا في مواجهات قاسية وعنيفة، لو فكرت معايا ورجعت فلاش باك لكل اللي مر بينا هتلاقي انه كلامي صح، وانه لو حد تاني في مكاني كان قال عليك شكّاك ومن الدرجة الاولى كمان، أنا مش بكدبك... انا بوضح لك وجهة نظري.. شهاب أفعالك هي اللي بتدي الانطباع عن شخصيتك للي حواليك، وللأسف كل ما اتكررت الأفعال دي كل ما الانطباع اترسخ عند اللي قودامك أكتر، ودا اللي حصل معايا يا شهاب، افتكر كدا من أول مرة خالص... – ثم ضحكت ضحكة خفيفة ساخرة وتابعت – دا حتى سبب ارتباطنا من الأساس خالص عشان كلام الناس!!!!!... يبقى بعد دا كله طبيعي جدا انه الشك يبقى شريك تالت لينا في شيء يربط بيننا...
قاطعها شهاب هاتفا بيأس:
- اللي بيننا مش شيء.. اللي بيننا حاجة مالهاش اسم، ما تتوصفش، حاجة أكبر من أي صفة... اسم واحد ممكن نقوله عليها وبردو مش هيوفيها حقها... اللي بيننا... عشق!!... عشق خام صافي، حب عمري ما عشته ولا في أحلامي حتى، يبقى لما ألاقيه لازم أمسك بيه بإيديا وأسناني، وأحارب أي حاجة أو أي حد ممكن يتسبب في أني أفقده، ودا اللي حصل لي، خوف يا سلمى... خوف من جوايا رهيب اني أخسرك... خوف كنت بداريه في غيرة مجنونة وعصبية زايدة، أيام الحادثة إياها كان خوفي عليكي وقلقي بينهشوني، وغيرة فوق الوصف، أنه قدر يخليكي تحسي من ناحيته ولو بالعطف، يفضل اسمه احساس منك لواحد تاني!!.... شيء كان بيموتني، تصدقي لو أقولك أني للحظة اتمنيت أني أكون أنا اللي فديتك بعمري كله!!!... أيوة يا سلمى ما تسغربيش كدا... يمكن أنا مش بعرف أتكلم الكلام بتاع الشباب اللي بيخلي الواحده تقوم تنام تحلم بيه، يمكن طبعي عصبي وانفعالي بزيادة، غيور ولساني سابق تفكيري، يمكن أنا كدا وأكتر كمان.. لكن اللي بيوصلني لمرحلة الجنوووون اني أحس ولو مجرد إحساس أني ممكن.. أخسرك!... بيخليني أتصرف خارج حدود العقل.... عشان كدا يوم كريم ما جه البلد وأمي قالت لي اتجننت.. رجل قريب منك ولو بكيلو متر واحد بيجنني، عارفك كويس أوي وعارف انتي مين ومش ممكن تعملي أي حاجة غلط، لكن غيرتي عليكي مالهاش عقل.. غيرة عامية مش بتشوف قودامها..
سلمى وقد ارتعشت شفتيها وغامت عينيها بغلالة من الدموع:
- كلن غيرتك دي قاسية أوي يا شهاب، بتخليني أفقد احترامي لنفسي، لما بجس بنظراتك ليا بالشك او حتى الريبة بتخليني أحس بمرارة فظيعة، أنه معقولة حبي ليك يوصلني أني أقبل الاهانة للدرجة دي؟.. أقبل شكك وغيرتك الفظيعه دي؟.. أقبل انك تصدق فيّا الخيانة لدرجة أنك تمد ايدك عليّا؟.... مش ممكن يا شهاب مش ممـ....
وانهارت مقاومتها وانسابت دموعها تغسل وجهها، ليسارع شهاب باحتواء وجهها بين راحتيه هاتفا بلوعة:
- سلمى حبيبتي عشان خاطري هدِّي نفسك، سلمى أنا ما استاهلش دموعك دي، صدقني يا سلمى، اتخانقي معايا، خاصميني ، اعملي اللي انتي عاوزاه.. لكن.. إلا دموعك يا سلمى!.. إلا دموعك يا حبيبتي!!...
رفعت عينيها إليه وقد هدأت نوبة بكائها بينما ابهاميه تمسحان وجنتيها لتفاجأ بدمعة وحيدة تناسب فوق...... وجنته هو!!!!!!! ، شهقت هاتفة بغير تصديق وهي تمد يدها تلمس وجهه الخشن:
- شـ.. شهاب... أنت... لا يا شهاب... لا.... اوعى أشوف دموعك دي تاني مرة... اوعى...
ولكنه لم ينصت اليها بل قال برجاء:
- مصدقاني يا سلمى؟.. مصدقة أنه مش شك، وانه أي حاجة غير أنه يكون شك؟.. وأني عشان انتي أكبر من اللي كنت بحلم بيها فحاسس اني في يوم هنام وأقوم ما ألاقيكيش جنبي، مصدقاني؟!..
لتبتسم من وسط دموعها قائلة:
- مصدقاكي انه مش شك... وانه.... جنوووون!!!..
لهمس لها وقد انتقلت عدوى الابتسام اليه:
- أعملك إيه..... مجنووووون سلمى!!!...
ضحكت بخفة، بينما طفق شهاب يمهل من عذب ملامحها ثم تلفت يمينا ويسارا وقال:
- عارفة المكان اللي احنا قاعدين فيه دا اسمه ايه؟..
أجابته باسمة:
- لا.. ايه؟.... ، أجابها بابتسامة :
- كوبري العشّاق!!!!...
نظرت اليه في ريبة وقالت:
- وانت عرفت منين انه اسمه كدا؟... شكلك كدا كنت من العشاق يا باش مهندس وانا معرفش!!!...
ابتسم شهاب ومال عليها هامسا أمام وجهها:
- بتغيري عليّا يا دكتورة قلبي؟...
حركت سلمى كتفيها بغرور وقالت:
- هاه... أغير ليه ان شاء الله؟... دي مش غيرة يا أستاذ...
ليتساءل مقطبا:
- مش غيرة؟... أومال تبقى ايه يا مدام؟...
سلمى بسخرية وهي تهز برأسها:
- تبقى شك يا جوز المدام!!!..
ونهضت واقفة فيما تسمر في مكانه لثوان قبل أن يقفز لاحقا بها وهو يناديها قائلا:
- شك.. خدي هنا!!!!!!!!..
وصلت الى السيارة قبله، لتستند الى حافتها وهي تلهث، لحق بها ووقف بجوارها يلهث بدوره قبل أن يهتف بها معنّفا بجدية زائفة:
- انتي مش المفروض حامل؟... تجري بالشكل دا وتجريني وراكي!!!...
سلمى بابتسامة واثقة:
- وانت زعلان عشان أنا جريت ولا عشان انت جريت ورايا؟...
مال عليها شهاب وقال:
- انا لو جريت وراكي عمري كله عمري ما أتعب ولا أزعل، اتفضلي بقه أدخلي العربية عشان شكلنا بقه مريب...
صعدت الى السيارة ولحق بها، لينطلقا في طريق العودة، وقبيل وصولهما الى وجهتهما قالت سلمى:
- شهاب انا عندي معاد مع الدكتورة انهرده.. تحب...
هتف بها بسعادة:
- أحب.. أحب أوي.. أحب جداااا.. أحب خالص!!..
جلسا في الاستراحة الملحقة بعيادة طبيبة النساء والولادة التي تتابع معها سلمى، وحين نادت المساعدة اسمها نهضت ثم نظرت الى شهاب قائلة بابتسامة:
- تيجي معايا؟... ، وهي تمد يدها اليه، فقبض على كفها الصغير الممدود اليه وقال بابتسامة وهو ينهض بدوره:
- معاكي يا حبيبتي، ودايما معاكي....
كانت سلمى ترقد فوق سرير الفحص، وكانت الطبيبة تضع الذراع المعدني لفحص حالة الجنين، قالت الطبيبة بابتسامة:
- ما شاء الله، الجنين بتاعنا حالته كويسة أوي، انتي كدا دخلت نص التالت تقريبا، نبضه ما شاء الله كويس..
ثم أدارت شاشة جهاز الأشعة اليها وهي تتابع:
- شوفي.. أهو ...
لتدمع عينا سلمى وهي تنظر الى شاشة الجهاز، بينما سأل شهاب وقد افترشت ابتسامة واسعة وجهه الغير حليق:
- أنا مش شايف كويس يا دكتورة...
أشارت الطبيبة لنقطة صغيرة تنبض وقالت:
- أهو... دا الجنين... شهر ولا اتنين كدا بمشيئة الله ونقدر نعرف نوعه إيه.... ربنا يقومها بالسلامة....
خرجا من العيادة النسائية، لم ينطق شهاب بحرف واحد، مما أدهشها، سارع بادخالها الى السيارة ولحق بها لينطلق من فوره الى منزل عمه رؤوف، بعد وصولهما ركن السيارة في مكان مظلم، فقالت سلمى والتي تكلمت لأول مرة منذ خروجهما من العيادة فكلما حانت منها نظرة اليه كانت تراه زاما شفتيه كمن يحل مسألة مستعصية عليه:
- كنت ركنت في الجراج تحت يا شهاب انت عا... آآآآآآآآآه....
فقد باغتها باعتصارها بين أحضانه وسلبها أنفاسها بقبلة ضارية بينما تعتصر يديه جسدها حتى كاد يزهق روحها!!!!!!!!....
ابتعدت عنه بعد برهة وشفتيها منتفختين تحملان أثر هجومه الضاري عليهما، نظرت اليه في دهشة وقالت:
- شهاب...
ليقاطعها هاتفا بحرقة:
- ما عدتش قادر يا سلمى، والله ما عدت قادر أعيش بعيد عنك دقيقة واحده حتى، ارحميني، كل دقيقة بتعدي وانتي مش معايا بتكون سنة في بعدك، أنا مستعد لأي حاجة بس ترجعيلي..
سلمى بأسف:
- شهاب انت عارف انه صعب أرجع أعيش..
قاطعها بلهفة:
- عارف والله، اللي انتي عاوزاه أنا هعمله، مع ان ماما مش في البيت دلوقتي عندي خالي عدنان، لكن اللي تقولي عليه هعمله، حتى لو عاوزة اننا نعيش هنا في مصر أنا معنديش مانع..
سلمى بابتسامة متسائلة:
- بس انت شغلك في البلد؟..
شهاب بصدق:
- انتي عندي أهم من شغلي ومن أي حاجة تانية، انتي وابننا اللي جاي في السكة ان شاء الله...
ابتسمت سلمى وقالت:
- طيب تعالى نطلع دلوقتي وبعدين نتفق مع بابا، انت ناسي انك لازم تصفي معاه هو كمان كل حاجة؟...
فوافقها بحماس وترجلا من السيارة متجهان الى الأعلى.. الى عمه روؤف...
فرحت ألفت كثيرا بعودة المياه الى مجاريها بين ابنتها الكبرى وبني زوجها، وكانت فرحة سلافة بانتهاء أزمة شقيقتها الوحيدة كبيرة، وحينما قالت سلمى لها بهمس:
- عقبالك يا سولي، على فكرة بقه.. شهاب قاللي انه غيث من يوم ما كان عندنا هنا وهو قاعد في الكوخ بتاعه مش عاوز يرجع البيت، بيقول انه حالف ما يرجعش من غير مراته!!
وغمزتها بمكر لتقول سلافة ببرود مغيظ:
- والله!!.. طيب مبرووك مقدما، ربنا يوفقه في بنت الحلال اللي تستحمل... أمه!!!!!!!!
سلمى بعتاب:
- سلافة انتي عارفة انه أمهم دلوقتي ربنا يعافينا فقدت عقلها، دا غير انها اتكشفت قودام الكل، شهاب يقول لي انه سلسبيل رقدت فيها يومين لما عرفت وليث كان هيتجنن، اديلو فرصة تانية يا سلافة.. انتي أكتر واحده عارفة غيث بيحبك ازاي!!
هتفت سلافة راغبة في انهاء النقاش:
- بقولك ايه.. هو عشان انتي وجوزك رجعتوا لبعض يبقى خلاص؟.. طيب انتو فيه بينكم اللي يستاهل انكم تدوا بعض فرصة واتنين وتلاتة، ابنكم اللي جاي دا.. بصي.. انا ما اتعودتش أقلب في دفاتر قديمة.....
سلمى بتنهيدة عميقة:
- ربنا يهديلك الحال يا سلافة..
سلافة رغبة منها في تغيير دفة الحديث:
- بس انتى عجبتيني لما شهاب عرض انكم تعيشوا في مصر وانتى رفضت..
سلمى بجدية:
- طبعا كان لازم أرفض، شغله وحاله وكله هناك، دا غير ان جدي كان هيزعل جدا لو كنا عشنا هنا، فكرة الاستراحة اللي جنب المستوصف اللي هناك بصراحة نطيت في بالي، الاستراحة كبيرة اودتين نوم غير صالة كبيرة وحمامين ومطبخ، هعوز إيه اكتر من كدا؟..
سلافة بابتسامة:
- ربنا يروق بالكم..
قاطع حديثهما الهامس صوت شهاب الضاحك:
- عمي.. طيب أنا هاخد سلمى وأرجع امتى؟..
رؤوف بابتسامة:
- لما الاستراحة تجهز.. ولغاية ما دا يحصل..
هتف شهاب يقاطعه:
- الموضوع كله مش هياخد أسبوع، أنا هكلمهم في البلد، وبعد إذنم لغاية دا ما يحصل أنا هاخد سلمى وننزل في فندق..
قاطعته ألفت هاتفة في لوم:
- تنزل في فندق وبيت أبوها موجود؟..
شهاب باعتذار:
- لا والله يا مرات عمي ما أقصد.. انا قصدي فرصة نعمل شهر عسل تاني قبل البيه ما يشرّف!!..
وأشار الى بطنها، ليكون نصيبه لكمة خفيفة في كتفه ثم دفنت وجهها في ظهره وقد احمرت وجنتيها خجلا في حين تعالت الضحكات......
دلفا الى غرفتهما التي حجزها شهاب في الفندق ذو الخمس نجوم، وكان قد أصر أن ترافقه سلمى فهو لن يتركها للحظة واحدة بعد، أوصد شهاب الباب خلفهما واضعا حقيبتها الصغيرة جانبا والتي تحتوي على بعض الملابس اللازمة لها للفترة التي سيقضيانها بالفندق...
وقفت في منتصف الغرفة تدور بعينيها في أرجائها، ليأتي من خلفها ويحيط خصرها بذراعيه وهو يهمس في أذنها:
- وحشتيني...
ابتسمت واستندت برأسها الى صدره العريض وهمست:
- وانت كمان...
همس يسألها:
- جعانه أطلب عشا؟..
لتهز رأسها نفيا وتقول وهي مغمضة عينيها تستشعر دفء أنفاسه فوقها:
- لا... مش جعانه...
ليهنس في أذنها بعد أن قرص شحمتها بأسنانه:
- ولا أنا.... دا في مواضيع كتير جدا عاوز أحكيهالك... كلمة كلمة وحرف حرف.....
وهو يغمزها بمكر، فاحمر وجهها خجلا وضربته بخفة على يده، فأدارها أمامه ليحتويها بين ذراعيه مغيبا لها في عناق رقيق ليتحول تدريجيا الى آخر متطلب، ليتوها بعدها منفصلين عن واقعهما وقد ارتميا بين أحضان عالمهما الوردي!!..
************************************************************ *********
- انتي بتقولي ايه يا سلافة؟.. ازاي يعني فهميني؟...
هتفت سلمى بعبارتها بنزق وهي تحدث أختها بالهاتف، ليدخل اليها في نفس اللحظة شهاب، فأشارت له بيدها ملوحة، ثم قطبت وأعادت انتباهها الى سلافة هاتفة بحدة:
- سلافة بقولك ايه.. مش ناقصة جنان... بابا وماما موافقينك على كدا؟.. ايه؟.. يعني ايه حياتك انتي دي؟... انتي عارفة انه دا غلط؟.. سلافة لآخر مرة بقولك ما تصلحيش غلط بغلط أكبر منه.. ألو.. ألو....
ثم أبعدت الهاتف عن أذنها وهمست بيأس:
- قفلت السكة!!!!!!!!..
اقترب منها شهاب مقطبا وهي يقول بقلق:
- فيه ايه يا سلمى، صوتك جايب أخر العيادة بره.. حتى الواد مغاوري وانا داخل قال لي الدكتورة شكلها زعلان.. سلافة قالت لك ايه ضايقك بالشكل دا؟..
رفعت عينيها اليه وهتفت بقنوط وغيظ:
- سلافة زميل ليها عاوز يتقدم لها..
شهاب وهو يحرك كتفيه بعدم فهم قائلا:
- طيب إيه المشكـ.....؟!!!!!!
ليبتر عبارته ويفتح عيناه على وسعهما هاتفا بغير تصديق:
- اوعي تقولي انها.......
لتكمل عبارته وهي على وشك البكاء:
- وافقت... الغبية وافقت يا شهاب....
شهاب بحيرة عميقة:
- وافقت إزاي وهي لسه في العدة؟..
سلمى بيأس:
- قالت لي مش فاضل في العدة إلا إسبوعين... وهي مش هتتجوز دلوقتي يعني!!!!
شهاب وهو يتخيل ردة فعل غيث النارية والذي انقلب حاله من النقيض الى النقيض منذ طلاقه وسلافة:
- المصيبة مش في كدا، الكارثة لو غيث عرف!!!!!!!!
ليتبادلا النظرات وقد وصلت رسالة شهاب الى سلمى بوضوح... فإن كان شهاب فيه صفة الجنون بالنسبة لها.. فغيث هو الجنون ذاته بالنسبة لسلافة!!!!!!!!!!!..
- يتبع -


 
 

 

عرض البوم صور منى لطفي   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الغيآب, كبـير
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 09:26 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية