لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 21-10-16, 08:47 PM   المشاركة رقم: 981
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,162
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : برد المشاعر المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر / بقلمي برد المشاعر

 




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



أسعد الله أوقات أحبتي بكل خير من بذكرهم ورؤية

أسمائهم وحروفهم يطرب قلبي ، أسأل الله أن يجزاكم كل خير

على كل دعوة أكرمتم بها بلادي وأحطوني بها وأن يجعل

لكم في كل حرف حسنة ومن كل حسنة عشرة ولكل ذنب

مغفرة وأن يزيل الغمامة عن بلادي وكل بلاد المسلمين




الصراحة ماني عارفة كيف كتبت هالفصل وكيف طلع معاي

رغم إن الفترة أسبوعين فأتمنى ينال رضاكم ، وكان المقرر

أكتبه في فصل واحد لكن الوقت ما أسعفني وتعبت وتعبت

فيتامين معاي الله يجزاها الجنة على قد تعبها معانا وعلى دعمها

وتشجيعها لي في المتابعة وإن شاء الله تكملة الفصل بتكون الأسبوع

القادم مع مقتطفات من أفكاري عن أحداث الجزء الثاني




جنون المطر ( الجزء الأول )


الفصل السابع والعشرون والأخير ( الجزء الأول)


المدخل ~

بقلم الغالية: سما 23

بالله قولوا لي
كيف ضاعت حبيبتي كانت بين يدي؟
كادت تصير زوجتي كانت هنا معي

حبيبتي أميرة بعيشها الرغيد
كيف تصير زوجة لرجل من حديد؟
كيف تواجه وحدها من قلبه جليد؟
بالله قولوا لي .. هيا ردو علي
(جبران)

جبران يا حبيبي انت مثل أخي
لن أنسى يوماً أنك ضحيت من أجلي
سأذكر دوما حبّك وعطفك السخي
لكن قلبي ذائب في حب من معي
أحببته أدمنته وحبُّنا أكيد
هو ابن عمي مهجتي سواه لا أريد
أرجو لك السعادة مع حبٍ جديد
(غسق)

،،،،،،،


ابنك من بعدك يا أمي
صار وحيداً يشكو القدرَ
كالتائه وحدَه في الدنيا
وهمومه تتسعُ البحرَ
والبيتُ بدونك يا أمي
كالصحراء تشكو القفرَ
وسريرك فارغ يا أمي
يوجع قلبي يوقد جمرا
من يطفؤها نار الفقد
فقدك أمي أكبر حسره
وحياتي بعدك بائسة
فوق اليتم ازدادت عسراً
قد كان وجودك يؤنسني
ودعاؤك كان يثبّتني
من يرحمني من يُنصفني
من ظلم الظالم ينصرني
من قيسٍ أفعاله قذره
قد كذب عليا وعليها
قد زوّجنا وأخذ المهرَ
أرضك هي حقي يسلبها
من عينيهِ يلقي الشررَ
يا أمي ضربها وضربني
فضربتُه ورميته حجراً
قد مات الظالم يا أمي
قيسُ القاسي قسوةَ صخرَه
وحبيبةُ قلبك خائفةٌ
يا ماريا صبراً صبرا
يرعاكِ الله ويحفظْكِ
ويُيسّرها ربي يسراً
فسأكبر وأحقق حلمي
وأقاتل وأحقق نصراً
وسأرجع وسآخذ حقي
سأردّه وأردُّ الثأرَ

******





ركض لمسافة طويلة مسافة لم يكن يراها سابقا بهذا الطول ووعرة

هكذا وهو ينزل من ذاك المرتفع ويدخل مقر الجنود راكضا يصرخ

بسم عمير يريد أن يكون أول من يراه أن يصل له قبل أن يصلهم أي

أمر بإمساكه والقبض عليه ما أن يعلموا بما حدث لذاك ، كان يركض

بين الجنود المتحركين هناك تلتهمه نظراتهم المستغربة وكم شعر وقتها

بغربته تزداد بينهم وبأنه وحيد وغريب لن ينصفه أحد ولن يصدقوه أبدا

سقط على ركبتيه يلهث بقوة وابتسم رغم بؤسه وكل ما مر به وهو يرى

الذي خرج له راكضا من أحد الأبواب المطلة على تلك الساحة ، كان

بقميصه الداخلي مع البنطلون فقط ليثبت له أنه خرج ما أن سمع صوته

يناديه دون حتى أن يهتم لمظهره ، وصل عنده ونزل مثله بركبتيه على

الأرض وأمسك كتفه وقال ناظرا باستغراب لملامحه الشاحبة المذعورة

وأزرار قميصه المختفية وقد تمزق كتفه " ما بك يا تيم ! ما الذي

أصابك ؟ "

لم يستطع قول شيء كان الجميع يحدق بهما وكان يخشاهم جميعا

يخشى أن لا يجد الأمان عند أحد ولا هذا الشاب الذي سبق ووعده

فسالت دموعه من جديد ترسم مجراها عبر الغبار الذي علق بوجهه

فأمسك ذاك بكتفيه كليهما وهزه قائلا " تيم ما بك تحدث ؟ أقسم

أن أساعدك "

قال حينها بصوت مرتجف " خدني من هنا يا عمير "

وقف موقفا له وتوجه به جهة أحد أبواب ذاك المبنى على تلك النظرات

الفضولية قبل أن يتفرق الجميع ما أن اختفيا داخل أحد أقسام ذاك المقر

وأدخله لغرفته المخصصة له وحده وأغلق الباب وأجلسه على السرير

وسحب الكرسي وجلس أمامه بعدما ناوله كوب ماء ليهدئ من روعه

قليلا وساعده في شربه بسبب يده المرتجفة وقال ما أن أبعده عن شفتيه

" أخبرني ما هذا الذي يحدث معك يا تيم ؟ لن أتركك حتى

أعلم كل شيء "

هز رأسه بحسنا ولم يعرف من أين يبدأ وماذا يحكي ؟ عليه أن يقص

كل شيء من أوله منذ توفي والدا ماريه ومنذ مات والده وسرقوا أرض

والدته ورموهما في تلك الغرفة فكم سيحتاج من الوقت ليقول كل ذلك ؟

سيأتون للقبض عليه بالتأكيد وسيطلبون من الجنود احتجازه ، مسح عينيه

وهمس بصعوبة " أخرجني من هنا يا عمير وسأحكي لك كل شيء

خذني لمكان لا يعرفه أحد "

وقف ذاك من فوره وشده من يده قائلا " حسنا لا تخف لن يمسك أحد

بسوء وأنت معي يا تيم لن يسمح لهم ذاك بذلك وسيعاقب الفاعل

هيا سنخرج من هنا فورا "


*

*


لم تصدق متى يكونا وحدهما , متى سيغادر الطبيب الذي كان يعاين

جروحه وكسوره وتغادر بعده شقيقتها التي نظفت معها المنزل والغرفة

وغسلتا الثياب وملاءات السرير , دخلت الغرفة وأغلقت الباب خلفها ما

أن كان المنزل خاليا ونظرت فورا للذي كان نظره معلق بالسقف وكم

كرهت عجزه عن الحركة رجل بكل حيويته وشبابه يتحول لطريح

فراش يخدمه غيره في كل شيء , اقتربت منه حتى شعر بوجودها

فنظر لها وقال بصوته المتعب " حاول الطبيب التحدث معي لكني لم

أتكلم مدعيا أن ألم أضلعي وحنجرتي لم يساعدني فماذا حدث معك ؟ "

جلست على الكرسي بجواره وقالت متنهدة بيأس " علم والدي من

تكون فرجال الزعيم مطر كانوا هنا صباحا يبحثون عنك تحديدا "

نظر لها بصدمة وهمس بصعوبة " ابن شاهين !! "

هزت رأسها بنعم وقالت " لا تقلق يا رعد لقد سمعت حديثهم كله هم

يبحثون عنك لإرجاعك لصنوان , سمعت أحدهم بأذني يقول ( إن كان

سليما معافى سنوصله للحدود حسب أوامر الزعيم مطر ) وقال إن كنت

متعبا عليهم نقلك للعناية بك وكأنهم يتوقعون أنك مصاب ووالدي لم

يخبرهم عنك وأراد التحدث خصيصا مع الزعيم مطر ما أن

يرجع من سفره "

أغمض عينيه لبرهة ثم فتحهما فلم يستوعب بعد أن يتركوه يغادر وأن

يبحثوا عنه لإخراجه ! صحيح أنه سبق وكانت له بادرة في حادث وفاة

الكاسر لكن أن يفعلها مرة أخرى وأكبر من سابقتها ويسلمه ومن عادتهم

أسر أي متسلل يقبضون عليه سواء في الحالك أو الهازان أو حتى صنوان

فأمر لم يكن يتوقعه ؟ نظر لها وقال بتشكيك " أستريا صحيح ذلك أم

تطمئنيني فقط أو أنك لم تسمعيهم جيدا ؟ "

أمسكت وسطها بيديها وقالت بضيق " ما قصدك كاذبة أم صماء أم

أتخيل أمور لم تحدث ؟ "

نظر للسقف وخرجت ضحكته التي يحاول كتمها بكل قوته بسبب الألم

الذي تسببه في أضلعه وقال بصوت متعب خافت " ما أروعك من

امرأة لو فقط تتحكمي في غضبك "

ابتسمت وكأنها ليست تلك الغاضبة منذ قليل وقالت بسعادة

" حقا أنا رائعة ؟ "

نظر لها وقال " لن تحمميني أنتي هذه المرة أخبري أحد الرجال

يأتي لفعلها "

لوت شفتيها وهمست " جبان هل سأكلك مثلا ؟ "

قال مبتسما " لا طبعا لكني رجل وأنتي امرأة ذلك لا يجوز لدينا

يا أستريا مهما كان عاديا لديكم "

وقفت وقالت بعبوس " ونحن لدينا تفعل ذلك زوجة الرجل أو قريبته

أنت جسدك في حالة لن تستطيع تصورها فخشيت عليك من خشونة

تعامل الرجال فاخترت فعلها بنفسي أم تضن أني أستطيع رفع جسد

رجل أضخم مني بكثير بسهولة , لكني أستحق دائما ما يقال لي "

همس ناظرا لعينيها " أعلم يا آستي لكني رجل و... "

غادرت من قبل أن ينهي كلامه قائلة بضيق تنفض طرف فستانها

بيدها " أخرق وأحمق وأنا أستحق ما يأتيني منك "

وخرجت ضاربة الباب خلفها فنظر للسقف وهمس مبتسما

" ما أغرب النساء حين يتحكم الغضب بهن "


*

*

خرج به من هناك في سيارته الخاصة حتى كانا في مكان بعيد بعض

الشيء وخال من كل معالم الحياة ونزل من السيارة وفتح له الباب

قائلا " هيا انزل يا تيم علينا التحدث قبل متابعة سيرنا "

نزل فورا وتبعه وقد توجه جهة صخرة بارزة وكبيرة وقال مشيرا

عليها " أجلس هنا وأخبرني بكل ما حدث معك ولا تنسى شيئا "

جلس منصاعا له وهمس ونظره معلق به " وستصدقني أم

ستسلمني لهم ؟ "

قال باستغراب " أسلمك لمن ! "

غاب بنظره للأرض تحته محتفظا بجمود ملامحه وبدأ بسرد قصته

منذ توفي والده ووجد نفسه ووالدته في منزل جده ذاك أو في الغرفة

تلك حتى صباح هذا اليوم والواقف فوقه يستمع له بانتباه دون أن

يقاطعه ولا بسؤال حتى رفع نظره به وقال بحزن

" تصدقني يا عمير أليس كذلك ؟ "

أمسك بكتفيه وقال بجدية " لم أعرفك إلا رجلا يا تيم والرجال

لا يكذبون وأصدقك طبعا "

قال من فوره " ولن تسلمني لهم حتى إن طلبوا منك ذلك وهم

رأوك تخرجني من هناك ؟ "

ابعد يديه وقال " لنتأكد أولا إن كانت ضربتك قاتلة ومات ذاك المسخ

أم لا , وإن كنت قتلته لن أسلمك وإن هربت بك خارج البلاد فهو

يستحق الموت ذاك الخنزير النكرة "

ثم أمسك وسطه بيديه وغاب بنظره للأرض مفكرا لوقت قبل أن

يرفع نظره به وقال " وما مصير تلك الطفلة ؟ "

هز الجالس تحته رأسه وهمس " لا أعلم "

تنفس بقوة وقال بهدوء " سأآخذك لمكان تبقى فيه وأرجع لأرى ما

حدث هناك وما حدث معها ثم نرى ما يمكن فعله اتفقنا ؟ "

هز رأسه له بحسنا ولا خيار آخر أمامه ووقف وتبعه عائدان جهة السيارة

وركباها منطلقين من هناك بذات تلك السرعة الجنونية ليعود الصمت سائدا

أجوائها وكل واحد منهما سافر بتفكيره لذات تلك الوجهة ( ماذا إن مات ذاك

الرجل ؟ ) وكان جل تفكير الجالس يراقب النافذة بشرود عن ماذا سيفعله له

هذا الشاب وكيف سيخلصه من عقابهم ؟ بينما كان تفكير عمير عن ردة فعل

مطر عن الأمر وما الذي سيقدمه ذاك لنجدة هذا الفتى ؟ سينصفه أم سيسلمه

للسجن من باب ميزانه العادل الذي عرفه الجميع عنه ؟ أم سيأخذ بأسبابه وما

حدث معه بعين الاعتبار فهو يعرفه جيدا ويعرف بمكانة هذا الفتى لديه ويعرف

غضبه إن علم بذاك الخرق الذي فعلوه بتزويج طفلين لا يعرفان حتى ما تعني

كلمة زواج وبطريقة بشعة قاسية , توقفت السيارة أخيرا عند أحد أحياء

المدينة التي وصلاها منذ قليل ونزل عمير قائلا " انزل هيا واتبعني "

فانصاع لأوامره ونزل سائرا خلفه في ذاك الحي الضيق الذي لم يكن

يسع لدخول السيارة حتى وصلا لباب حديدي لمنزل معين وطرقه

بمفتاحه بقوة وما هي إلا لحظات وانفتح الباب كاشفا عن فتاة في بداية

العشرين من عمرها بملامح جميلة مرحة تمسك حجابا أسود بيدها

تحت ذقنها وقد قالت مبتسمة " عمير ما هذه المفاجأة ؟ "

ورده كان ضربة لأنفها بمفتاحه وقال بضيق " كم مرة قلت لا تفتحي

الباب قبل أن تسالي عن هوية الطارق وإن كان رجلا حدثيه من

خلفه أم تريدين أن أكسر لك أنفك الحشري هذا "

أمسكت بأنفها قائلة بضيق مماثل " ومن هذا الرجل الذي سيزورنا

برأيك ؟ ولعلمك فقط لن تخدعني مجددا لتراضيني بكذبك قبل

مغادرتك "

ودخلت وخطواتها الغاضبة تسمع لهما في الخارج فنظر لتيم الواقف

خلفه بخطوتين وقال " أرأيتها ؟ هذه هي حبيبتي التي أخبرتك عنها "

نظر له ببرود وقال " لا أراها تحبك أبدا ؟ "

ضحك ذاك وقال " سترى باقي اللقاء بنفسك وتحكم حينها , هي فقط

مدللة وتريد أن أكون كوالدتها أعاملها كأميرة بلا مملكة ولا قصر "

ثم دفع الباب ليفتح أكثر مناديا " بثينه "

وما هي إلا لحظات وعادت تلك مجددا وقالت ببرود " عمتك في

الداخل ما الداعي لإسماع الجيران أنك وصلت ؟ "

ضحك وقال " تعالي هذا تيم الذي أخبرتك عنه "

نظرت له من خلفه وقالت مبتسمة " حقا أحضرته معك ؟

مرحبا يا تيم "

نظر للواقف أمامه ثم نظر لها وقال " مرحبا "

ضحكت وقالت " كما أخبرني عنك تماما فما يخبرك هو عني

هيا اعترف ؟ "

قال عمير ببرود " هل هكذا تستقبلين الضيوف يا تربية والدتك ؟ "

تجاهلته رافعة أنفها ونظرت لتيم تخبره بنظرتها المتحمسة أنها

تنتظره جوابه فحرك كتفيه وقال " لا شيء "

مدت شفتيها بعبوس ونظرت للذي بدأ بالضحك ثم دخلت قائلة

" أدخلا هيا لا أسوء منك سوا تلميذك "

فالتفت له قائلا " هيا يا تيم تفضل فهذا منزل عمتي وستتعرف

عليها حالا , ولا تقلق فهي أفضل من ابنتها بكثير "

قال بحيرة " هل ستتركني هنا ؟ "

اقترب منه وقال بجدية " مؤقتا فقط يا تيم وستحبهما كثيرا صدقني

وسترحبان بك وإن لم يعجبك البقاء هنا سأآخذك لمكان آخر "

وتابع بابتسامة حمقاء " لزوجة والدي طبعا "

قال من فوره " لا رضيت بحبيبتك ووالدتها لا ينقصني

نماذج سيئة أكثر "

دخل يتبعه وقد قال ما أن أغلق الباب " عليك أن تتجنب تلك

المدللة كي لا تفسد أطباعك وتحتكرك لخدمتها "

نظر له فوقه وقال ببرود " ولما تحبها إن كان رأيك فيها

سيئا هكذا ؟ "

ضحك وحرك كتفيه قائلا " لا أعلم يا تيم وصدق ذلك فالحب شيء

أخرق لا يسأل ولا يسمع نصحا ولا يتوقف متى نريد , ثم هي

طيبة كثيرا وحساسة بقدر ما تغضب سريعا ترضى بسهولة "

وغمز متابعا " وجميلة كما ترى "

لوا شفتيه وتمتم بعبوس " كان عليا أن أحار ما الذي يعجبها

هي فيك وليس العكس "

ضربه على رأسه ضاحكا وقال " هيا تعال أقسم أن تلك الصغيرة

ماريه لم يسعفها الحظ بزوج كما تتمناه , ما أتعسها من امرأة

مستقبلا "

تجاهل تعليقه ككل مرة ينظر لتفاصيل ذاك المنزل الطيني المتواضع

ولنظافته الظاهرة للعيان رغم بساطته ووصلا لغرفة معينة ودخل خلفه

حيث تجلس تلك المرأة التي لم تتجاوز الستين عاما تمسك خيطا تجمع

فيه خرزات لصنع مسبحة فوضعت ما في يدها فورا وقالت مبتسمة

بسعادة " مرحبا يا عمير تعال ادخل "

تنحى جانبا وقال " أحضرت ضيفا معي إنه تيم شاهر كنعان

تعرفيه جيدا "

قالت ناظرة له بابتسامة " مؤكد أعرفه تفضل بني سعدت برؤيتك "

نظر لها باستغراب ثم للواقف بجانبه فقال مبتسما " عمتي تعرف

والدتك يا تيم وكم حكت لي عن طفولتهما قبل أن تنتقل كل

عائلة لبلدة وتنقطع أخبارهم "

نظر لها مبتسما بحزن يرى فيها والدته التي فقدها وبفقدها فقد كل

معنى للحياة , قال بابتسامة صادقة " سررت بمعرفتك يا عمة "

قالت بضحكة " ما أرقاه من فتى هيا أجلسا "

جلسا أمامها في ذاك المجلس الأرضي البسيط ودخلت ابنتها الوحيدة

بصينية تحوي كوبي ماء وشاي وخبز محشو بجبن المعز , وضعت

الصينية أمامهما وجلست بجانب والدتها وقالت مبتسمة " توقعتك أكبر

من هذا السن يا تيم ! أنت صغير على أن تكون تحت رحمة

مدربك هذا "

نظر من فوره للجالس بجانبه وقد نظر ذاك لعمته وقال ببرود

" أخبري ابنتك أني أحذرها لآخر مرة من فتح الباب دون أن

تسأل عن هوية الطارق أو عقابي لن يعجبها أبدا "

قالت تلك ببرود من قبل أن تتحدث والدتها " لم أعلم أنه

أنت لما كنت فتحت "

ضحكت والدتها وقالت " من يسمعك لا يصدق أنك تركضين

للباب ما أن تسمعي طرقا عليه بمفتاح سيارة "

نظرت لها بصدمة وقالت " أمييييي "

على ضحكة عمير المرتفعة وابتسامة الجالس بجانبه فها هو انتصر

عليها كما يتوقع منه فهي لم تخرج من تلميذه بشيء عما يقول عنها

بينما فضحتها والدتها بكل سهولة وبخطة بسيطة منه , قالت عمته

ناظرة له مبتسمة " والحل طبعا لديك في كل هذا "

نظر للجالسة بجانبها بطرف عينه وقال " لتتنازل هي عن ذاك

المبلغ الخيالي وسنتزوج نهاية الأسبوع "

قالت من فورها " لا لن أتنازل عنه مهري من حقي لست نعجة

تربطني بحبل وتأخذني بدينارين "

هزت والدتها رأسها بيأس وقالت " ألا يكفيك أنه بنا لك منزلا مستقلا

وأرضا حوله ؟ من تجد كل هذا في هذا الوقت "

ضربت بقبضتها على فخذها وقالت بضيق " بناه لنفسه وليس لي

ويوم يجمع مهري نحدد موعد زواجنا وقبله لا "

هز ذاك رأسه يأسا منها ناظرا لعمته وقال " أقلهن مهرا أكثرهن بركة

وأنا أعلم أنه لا بركة في ابنتك أبدا لذلك عليا جمعه لا حل آخر أمامي "

وجاءه الرد سريعا وليس من عمته بل من ابنتها قائلة بضيق

" أجل هذا فقط ما تحفظه من كلام نبيك "

قال مبتسما " لا أحفظ أيضا ( تزوجوا الودود الولود ) "

فنظرت لوالدتها وقالت بتذمر " انظري لابن شقيقك ما يخطط

مستقبلا أمي ! يريد أن أنجب دون توقف كالأرانب "

ضحكت تلك وقالت " معه حق لتدفعي ثمن ذاك المهر "

فوقفت وغادرت متمتمة بتذمر حتى خرجت فقالت والدتها مبتسمة

" أعانك الله عليها "

قال مبادلا لها لابتسامة " اتركيها تطلب ما تريد فذاك من حقها

وأنا لن أتزوج بها حتى أعطيها مهرها الذي طلبته حتى إن

تنازلت عنه بمحض إرادتها "

ثم تابع ناظرا للجالس بجانبه متمسكا بصمته " وتيم سيبقى معكما

لمدة لن تكون طويلة "

وعاد بنظره لعمته متابعا " لأيام فقط عمتي حتى آخذه من هنا "

قالت من فورها وبابتسامة " مرحبا به كيف شاء "

وتابعت ناظرة له " كيف هي والدتك يا تيم ؟ "

خيم الحزن على ملامحه وهمس ناظرا للأرض " توفيت منذ

مدة قريبة "

قالت تلك بحزن عميق " رحمها الله كم كانت امرأة تقاس بالذهب "

*

*



كان صوت ضحكهما وركضهما مالئا تلك الحديقة مثلما ذاك المنزل

الذي افتقد لصوت الأطفال ومنذ أيام وذاك الصمت المميت فيه تحول

لركض وضحك وحتى ضحكة جوزاء ملأته وكأنها امرأة أخرى غير

تلك التي كانت تعيش فيه , أيام مرت وكأنها ساعات على قلب تلك

الأم وطفليها الذين حرموا من بعضهم لأعوام , بينما مرت سنوات

طويلة على قلب آخر أتعبه الانتظار والخوف والشوق وكأنهم

ليسوا في منزل واحد .

نظرت الجالسة يمين الطاولة للتي غابت بنظرها وذهنها عن كل ما

حولها تنظر للأرض بشرود وملامح حزينة فأشارت لعمتها عليها في

صمت فضحكت تلك وقالت " عمه أقسم لي بلسانه أنه بخير وسيأتي

في أي وقت فلما الوجوم والحزن "

رفعت نظرها بعمتها وتنهدت بأسى ولم تعلق فقالت جوزاء ضاحكة

" تلك أطباعه يا غسق أنتي فقط من لست معتادة عليه ورأيت مطر

لم نعرفه حتى نحن سنوات حياتنا "

قالت بعبوس " لكنه أكد لي قبل ذهابه أنه لن يتأخر وما أن ينتهي

الاجتماع سيرجع فكيف يرجع رجاله من أيام وهو لا ولا يتصل

بنا أيضا ! "

تنهدت عمتها قائلة " أخبار السوء لا تتأخر يا غسق , تجديه انشغل

في أمور عليه فعلها قبل عودته وكما أخبرتك جوزاء تلك أطباعه

وإن تغيرت معك "

أنزلت رأسها وعضت طرف شفتها بقوة تمنع دموعها من النزول فلم

يقتنع قلبها بكل ما قالتاه فلن تصدق بأنه كذب عليها قبل ذهابه وهو من

وعدها ولا أن تكون ثمة اجتماعات منعته ليرجع جميع رجاله من دونه !

رفعت نظرها بابني جوزاء الراكضان حول أشجار الحديقة يضحكان

فرغم هدوء ابنها الأكبر إلا أنه بدأ يعتاد أفراد تلك العائلة بعكس أبان

الأصغر الذي وجد لنفسه مكانا بينهم جميعا حتى زوجة خاله التي بات

ملتصقا بها أكثر من أي شخص , اتكأت بذقنها على ساعدها المرتخي

على ظهر الكرسي وهمست بحزن " ما أقسى قلبك يا مطر "


*

*

مرر أصابعه على عنقه ملامسا الشريط الطبي اللاصق الممتد من

وسطه حتى حنجرته ثم رفع نظره للسماء الملبدة بالغيوم , سماء تلك

العاصمة الضبابية والغيوم التي كانت تسود أفكاره الكئيبة فوق اسودادها

صر على أسنانه بقوة وهو يتذكر ما حدث منذ أربعة أيام في تلك البلاد

وذاك المبنى تحديدا , كان لقائه بذاك الرجل عاصفا وكان سيقتله ولن

يخرج من بين يديه حيا لولا أوقفوه , قبض على أصابعه بقوة يشعر

بغضب في داخله يشتعل كالبركان وهو يتذكر تلك الكلمات التي كان

يقولها ذاك بكل حقد وكره ( ابنة عمك لكنها ليست من حقك , كان الأمر

باختيارها وموافقتها وكنا اتفقنا على موعد الزواج وهي من اختارته

كانت لي منذ كانت طفلة وأنت هو الدخيل أنت من حطمت قلبينا معا )

لكم حافة الشرفة بقبضته بقوة هامسا من بين أسنانه " بل لي من يوم

ولدتها أمها وزوجتي من قبل أن تبلغ أنت يا طفل وما كانت ثمة قوة

على الأرض تستطيع تزويجها لك ولا قانون وهي متزوجة "

مرر أصابعه في شعره الحالك السواد متجاهلا الخدوش التي أصابتها

بسبب ضربه لهم وتنفسه يخرج قويا وكم كره نفسه لاستغفال ذاك الرجل

له من كان يعلم أن ما بين يديه أمانة سيسلمها لأهلها وليس يزوجها ابنه

وينكر أصلها وهو يجهل سبب إخفائه عنها وليس كما كان يظن بأن تلك

المرأة أميمه أخبرته عن السبب الحقيقي , كان لقائه بذاك قد فجر أسرارا

كان يجهلها وبغباء لم يُعرف عنه , كان ليتروى ليتحلى بالحكمة لو أنه لم

يكن سمع سابقا اسمه من شفتيها هو تحديدا من بين جميع أبناء شراع حتى

شقيقها الكاسر وهي تناديه حين ذهب بها لمنزله مصابة وغائبة عن الوعي

عاد ورفع رأسه للسماء الرمادية الكئيبة وأغمض عينيه بقوة ... كلما تذكر

قبلاتها لمساتها همسها له وارتجافها بين ذراعية كأنثى عصفت بها المشاعر

مع رجل لن يكون كغيره بالنسبة لها عاد وفكر عقله بمنطق وطالبه بأن

يتريث وبأن لا يصدق ما قال ذاك لكنه ما أن يتذكر همسها باسمه في ذاك

اليوم ومن ظنه مناجاة فتاة بشقيقها الذي تربت معه وإن لم يكن شقيقا حقيقيا


عادت النيران للاشتعال في صدره كالحريق وتذكر كل صدها له في البداية

وتعجيزه بذاك المهر ليبتعد عنها وشعر أنها ما استسلمت له إلا رضا بالواقع

أو لحماية تلك العائلة وذاك الحبيب الذي لم ينقذه من بين يديه ذاك اليوم

سوى رجاله الذين لحقوا به لتفقده واستلوه من بين يديه بصعوبة وهو يمسكه

ويضرب رأسه بالجدار وكأنه دمية لا تزن شيئا فلم يكن يرى أمامه سوى وجهه

الحاقد الساخر وهو يخبره بأنها حبيبته منذ كانت طفلة وأنها اختارته ووافقت

عليه وبأنها اتخذت منه جسرا لمصالحها فقط ولن تحبه يوما لأنه سلبها منه

ورغم تلك الأداة الحادة الموجودة في يده والتي كان ينوي قتله بها والجرح

الذي في عنقه إلا أنه كان من الغضب بحيث لم يكن يشعر بشيء حوله ولم

يعد يرى ولا ذاك السلاح القاتل الذي ضربه به وهو في غمرة غضبه ذاك

وإن رآه أمامه مجددا لن يتوانى عن قتله ولتحترق صنوان والحالك , بل وإن

لم يبقى هنا هذه الأيام ورجع هناك ما كان سيمسكه عن ضرب صنوان شيء

وتحويل حدودها لنار تشتعل على ما علمه من لعب شراع به , أخرجه من

أفكاره تلك وجعله ينزل رأسه ويفتح عينيه اليد التي لامست ظهره برفق

والهمس الأنثوي من خلف أذنه " مطر لما لا تخبرني ما الذي يشعلك

هكذا وكأنك تحترق ؟ "

نظر جانبا حيث التي تتكئ بذقنها على كتفه تنظر لعينيه ويدها تمسح

على ذراعيه بحنان وقد وصلت له من الشرفة المشتركة بين غرفتيهما

في ذاك الفندق الذي استقر فيه لأيام رافضا العودة هناك عل النار التي


لم تخمد ولا ذرة أن تنطفئ ولو قليلا قبل عودته , نظر لعينيها وملامحه

محتفظة بصلابتها وجمودها ويدها لازلت تمسح على ذراعه صعودا

لكتفه العاري وقد كشف كم قميص نومها الخارجي عن ساعدها الأبيض

وهمست مبتسمة " تقف عاري الصدر هكذا في هذا البرد حبيبي !

لا تسخر من خريف لندن إنه يساوي شتائها , لن تنطفئ نارك بهذه

الطريقة ولن يخمدها إلا إن تحدثت وأفرغت ما في قلبك "

تحرك من هناك لتبتعد يدها عنه مراقبة له وهو يدخل من ذاك الباب

الزجاجي وقد همست بعبوس " أقسم أنها امرأة ورائك يا مطر "

ولحقته بخطوات بطيئة حتى وقفت عند الباب تنظر له وهو يفتح

الخزانة ويخرج حقيبته فقالت " نويت المغادرة إذا ؟ "

فتح الحقيبة بقوة وقال " أجل ولا تبقي بعدي هنا في هذا الفندق "

ثم وقف حاملا مفاتيحه وغادر تاركا الخزانة وحقيبته مفتوحتان وبعض

ثيابه فقط قد وضعها فيها ولم تسمع سوى صوت ضربه لباب حمام

الجناح بقوة خلفه فهزت رأسها بيأس وتوجهت لثيابه وبدأت بترتيبها

في الحقيبة


*

*


أخذت السماعة منها بعدما جلست قائلة بلهفة تنظر لها فوقها

" متأكدة أن به اتصال يا حبيبة ؟ لا تلعبي بأعصابي "

قالت تلك من فورها " أقسم سيدتي وضعيه على أذنك بنفسك لتتأكدي

وبسرعة قبل أن ينقطع مجددا فنحن لم نسمع طنينه هذا من مدة "

راقبتها وهي تغادر وقد وضعت السماعة على أذنها ولا تصدق أن الهواتف

الأرضية عادت للعمل بعد كل تلك المدة التي انقطعت فيها ولا ترجع إلا

لساعة أو ساعتين بعد أيام وقد لا يلاحظها أحد , عليها أن تطمئن على ذاك

الذي رجع رجاله جميعهم وهو لم يرجع , من لم يستطع عمه الاتصال به

لأن هاتفه مغلق وكل ما حصل عليه هاتف الفندق الذي ينزل فيه وكان لا

يجيب كلما اتصل به , كان قلبها يحترق عليه وقررت أنها لن تتركه كعمه

وتيأس من محاولتين حتى يجيب عليها وتطمئن عليه على الأقل فرغم أن

رجاله قالوا بأنه بخير وسيرجع في أي وقت إلا أنها ليست مطمئنة فهو لم

يخبرها أنه سيبقى بل سيرجع ما أن ينهي اجتماعه وكل ما يتعلق به ولن

يتأخر أكثر من يومين أو ثلاثة وها هو هناك من خمسة أيام ولا أخبار

عنه , كانت نبضات قلبها تتسارع وهي تسمع رنين الهاتف وسيلتها

الوحيدة من كل تلك الأميال والقارات ليصلها به فلعل قلبها يرتاح

ويرحمها وإن بسماع صوته فهي تستغرب أن لا يتصل بهم ولا يجيب

على اتصالات عمه ولن تصدق أبدا أنه بخير , توقف الرنين ولم يجب

أحد فعاودت الاتصال بدون يئس رغم ألم قلبها وخوفها من أن يكون ثمة

مكروه أصابه ولا يريدون قول ذلك لهم , اتسعت ابتسامتها ولم تصدق

نفسها حين رفع أحدهم سماعة الهاتف وكانت ستتحدث لولا تحجر لسانها

بل وجميع ملامحها وحواسها لتتحول لتمثال حجري وهي تسمع الصوت

الأنثوي الذي رحب بها ليسري ذاك الارتعاش في سائر جسدها وكأن

ثمة من رماها من فوق مرتفع ترى الصخور تحتها وهي تقترب منها

فلم تستطع ولا إغلاق السماعة لا التحدث ولا السؤال , عاد ذاك الصوت

الرقيق للتحدث وكل ما خرج منها تنفسها القوي المضطرب ودمعتها

التي تدلت من رموشها وهي تسمع تلك وصوتها قد ابتعد عن السماعة

قليلا دليل إبعادها لها عن أذنها " مطر هل خرجت من الحمام ؟

اتصال لك وصاحبه لا يجيب "

شعرت بقلبها يتمزق وهي باتت تسمع حتى خطواته المقتربة ثم

صوته الغاضب قائلا " لما رفعت هذه السماعة الخرقاء "

ثم صوت ضربه لها حتى رن في أذنها بقوة جعلتها تبعد السماعة

ولازالت ترتجف في يدها التي قد فقدت التحكم بها لتسقط منها على

الأرض ثم وضعت يدها على فمها تمسك عبرتها متمتمة " لا يا

غسق ليس مطر من يفعلها ليس من يحمل كتاب الله ولا يفوت

صلاة أبدا , لا تخطئي من جديد "

لكن ذلك لم يطفئ شيئا من اشتعالها من الحريق الذي شعرت به يأكل

كل شيء فيها حتى نخاع عظامها وقد أعادت السماعة بيد مرتجفة تنظر

للهاتف ودموعها ترفض الانصياع لها , كانت نظرة ملئها ضياع ورجاء

أن يرن في أي لحظة أن تسمع صوته أن يخبرها أنه بخير وقادم اليوم

وأنها كانت أخطأت في الرقم ذاك رغم سماعها لأسمه من تلك

المرأة بل وصوته هو نفسه , الصوت الذي لا تخطئه أبدا


*

*


رمى يدها عنه لتنظر له تلك باستغراب وهو يقف رغم ترنحه وقد

قالت بضيق " يا سيد عليك أن تبقى هنا اليوم أيضا فالارتجاج في

دماغك لا يزال في حالة سيئة , الطبيب قـ.... "

دفعها من أمامه بقوة وغادر من تلك الغرفة وذاك المستشفى الذي كان

يشعر برائحته تخنقه فوق اختناقه وتصدع رأسه فوق صداعه المدمر

ذاك الذي يشعر به , أمسكه بقوة ما أن لفح الهواء شعره وعنقه يتحسس

الشاش الملتف حوله فلم يذكر شيئا بعد ذاك الهجوم الكاسح الذي رماه فيه

ذاك الرجل على الجدار وكأنه قطعة ثياب بالية سوى استيقاظه بعد ساعات

في المستشفى ومنذ أكثر من أربعة أيام وهو تحت العناية والمراقبة بسبب

الأذى الذي لحقه منه , أمسك أوراق الشجرة التي كانت أمامه حيث وقف

وقبض عليها بقوة واستلها بعنف وهمس من بين أسنانه ناظرا لقبضته


" ستتحطم حياتك يا ابن شاهين وقل جبران قالها وأنت من

سيدمرها بيده "

ثم رمى تلك الأوراق من يده وغادر بخطوات واهنة بطيئة يشعر

بصداعه يزداد لا يعلم بسبب سيره الذي يشعر بأنه يضرب في كل

خطوة في رأسه أم بسبب ذكرى كلماته تلك التي لم تفارقه لحظة

وهو يرفعه بقبضته من ثيابه قائلا من بين أسنانه ( لن تلمس شعرة

منها حيا كنت أو ميتا ولن تجد في قلبها متسعا ولا لذكرى صغيرة

من طفولتها معك لأنها ملكي أنا بكل شيء فيها تفهم , حتى الدماء

في عروقها تربطني أنا بها )

وصل حجرة الهاتف العمومي رفع سماعة الهاتف متكئ على جدارها

الزجاجي وأنفاسه القوية المتعاقبة تكاد تخونه وضرب الرقم الذي بات

يحفظه كاسمه من كثرة ما حاول أن يتصل به ولم يحصل عليه , لم

يصدق أذنيه وهو يسمع صوت رنينه ثم سرعان ما رفعه أحدهم ليصله

ذاك الصوت العذب الذي عذبه في يقظته وحلمه , الصوت الذي حرم من

سماعه لأشهر شعر أنها أعوام مرت عليه , همس بلهفة ظهرت في

صوته المتعب " غسق "

كان الصمت المميت جوابها حتى ضن أنها اختفت وأنها مجرد حلم

من أحلامه الراحلة لولا أتاه صوتها أخيرا هامسة باستغراب

" جبران !! "

اتكئ برأسه للخلف على ذاك الزجاج السميك وهمس مغمضا عينيه

" أجل يا قلب جبران وعينيه التي ينظر بها "

كان يشعر أنه في حلم كان يطير فوق السحاب والغيوم كان يود قول الكثير

والمزيد المزيد عن كل ما عذبه طيلة تلك الأيام والأسابيع لكن تلك اللكمة

أوجعته وأعادته لواقعه المرير وهو يسمع صوتها قائلة " جبران ما هذا

الذي تقوله ! لا تنسى أني متزوجة , وما به صوتك متعب هكذا !

ما الذي يحدث معك ولما اتصلت ؟ "

لما اتصلت !!! سؤال ما كان ليتوقعه ولا في منامه , سؤال كان على قلبه

أشد من ضرب ذاك له حد الموت درجة أن الطبيب ضن أن ملاكما

محترفا مارس عليه كل ما تعلمه في أعوام حياته , همس بصعوبة

" غسق لكننا نـ..... "

قاطعته بضيق " لكني زوجته يا جبران حياتي معه وهو واقعي

ورضيت به "

صرخ رغم ضعفه مستنكرا لما يسمع منها " بل لي أنتي لي يا غسق

ومرجعك عندي أنا , أنا وحدي من يحبك وستري ذلك بأم عينك وسيتخلى

عنك ذاك المغرور وبدون سبب لأنه لا يفكر إلا في نفسه لا يحب إلا

نفسه ولا يعطي شيئا ولا حتى مشاعره , هو كالموت يأخذ فقط "

صرخت من دون وعي منها " أصمت يا جبران "

كانت دموعها ترسم معابر فوق وجنتيها فقد تعبت حقا تعبت من كثرة

ما سمعت هذه العبارة ( يأخذ ولا يعطي ) هي لم تفق من صدمتها بعد

ولازالت تحاول إخماد نيرانها وطمأنة قلبها بأنه لن يخونها مع امرأة

أخرى وبأنه قال بلسانه أنه لا يفكر في الزواج من أخرى , وأنه أعطاها

الكثير ولو أنكر ذلك , وصلها همسه المصدوم " أنا أصمت يا غسق !

هل أحببته واخترته هو ؟ "

قالت بعبرة بكاء " أجل أحبه ولا أتخيل أن أعيش من دونه يا جبران

المشاعر لا أحد له حرية التحكم فيها لكنت أنت كرهتني يوم دخلت

الحدود واستغللت مشاعرك نحوي , أحبه بقدر ما تشعر به أنت نحوي

لا يمكنني الكذب عليك أكثر , لطالما كنت شقيقي الذي أحبه كالكاسر

رحمه الله لا أكثر وكذبت إن قلت يوما خلاف ذلك وكل ما كان وعودا

اجبر قلبي على التقيد والالتزام بها , لو أني عشت مع مطر على

أنه شقيقي ما كنت لأحبـ ... "

قاطعها صارخا " جبانة أنتي تخافين منه فقط تحميني وتحمي والدي

فقط أنا متأكد من ذلك فلا تخشي شيئا وقولي فقط أنك تريدين ترك

ذاك المكان وأنا مستعد لإخراجك من هناك مهما كلفني الأمر

وسندبر ذلك سويا , قوليها هيا ولا تخشي شيئا يا غسق "

تمنى أن أيدت كلامه أن طمئنت قلبه الرافض للحقيقة ولو كاذبة لكن

كل ما وصله صوت بكائها وهي تهمس بوجع " أحبه يا جبران وإن

قتلني لا يمكنني إلا أن أحبه يا شقيقي "

رمى السماعة بقوة حتى لم يعد يصدر عنها سوى صوت طنين مرتفع

ومزعج وقد صرخ وكأنه يحدثه " كذب هي لم تقل ذلك وسيطلقها

وسترجع لي , لي أنا وحدي وإن قتلته أو أموت من أجل ذلك "


*

*

مسحت بكفها على طرف وجهه مبتسمة تستمع لحديثه الذي لا ينتهي

وكأنه ليس ابن الحادية عشرة يحكي لها عن كل شيء ... يريد أن يفرغ

كل ما كبته ويحكي كل ما حدث معهما طيلة تلك الأعوام في هذه الأيام

القليلة التي قضياها معها وموقن من أن التي تستمع له لن تكل أو تمل من

سماعه فرغم هدوء ابنها الأكبر ( غيهم ) وعدم اعتياده على هذا الجو إلا

أن أبان كان شخصا مختلفا عنه لم يشبع من حضن والدته ولم يتوقف عن

التحدث والضحك واحتك بجميع من في المنزل حتى الخادمات وبعض

العمال في الخارج أما تعاملها مع ابنها الأكبر فكان أكثر حذرا فقد لاحظت

أنه فتى حساس جدا فهما لم يعرفا نساء أكثر من جدتهما وعمتهما المتزوجة

والتي كوالدتها لم تتقبل أبناء لهم والدتهم من الحالك فكان والدهما كل عالمهما

ذاك فكان أغلب حديثهما عنه وكم أسعدها كمّ الذكريات التي غرسها في قلبي

طفليها عنها فحتى شكلها وصفه لهما بدقة , ما تحب من الأطعمة وما تكره

متى تنام متى تستيقظ أفكارها حكمها التي تقولها دائما وحلمها بمستقبلهما بل

وحتى أسمائهما أخبرهما أنها هي من اختارتها , والأهم من كل ذلك أنه

أقنع طفليه على مر الأعوام أنها تركتهما مرغمة وأنهما أخذوهما منها رغما

عنها وأنه كاره لذلك فلم تجدي جميع محاولات جدتهما وعمتهما بملء قلبيهما

الصغيران بالحقد عليها وذاك كان أكبر أسباب النبذ الذي عانياه رغم أن

والدهما عوضهما عن كل ذلك .

نظرت لغيهم الذي كان يكتفي بالجلوس والاستماع مبتسما وذاك حاله

أغلب الأحيان , حضنت وجهه بيديها وقبلت جبينه قبلة طويلة رقيقة

حنونة فهي لا تخصه بذلك كثيرا لما لاحظته عن شخصيته وعدم

اعتياده على وجود امرأة في حياتهم تعاملهم بكل ذاك التودد , نظرت

لعينيه الناظرة لها وقالت مبتسمة تمسح بإبهاميها على خديه " مؤكد

ثمة مواقف كنت فيها وحدك وأبان نائم على الأقل فلما لا تحكيها

لي ؟ "

قال مبتسما " يكفيك وجع رأس فهو يحكي المفيد والغير مفيد "

ضحكت ونظرت لأبان الذي قال بضيق " لا أريد حين أعود

لمنزلنا أن أقول ليتني أخبرت أمي عن ذلك وتلك , أنا لست

مثلك لا تندم على شيء "

كان الضيق هذه المرة من نصيب غيهم الذي قال بضيق مماثل تراه

لأول مرة منذ اليوم الذي جاء فيه " ماذا قال والدي يا أبان ؟ هل

نسيت أم تتناسى ؟ ولعلمك لن أتستر عليك أبدا إن سألني "

كان أبان سيتحدث فقاطعته جوزاء " يكفي لا تتشاجرا وأنت يا أبان

ما أوصاك به والدك تفعله ولا تخبرني ما يكون أما أنا فلست متضايقة

لا من حديثك ولا من صمت غيهم ولا أفكر إلا في الأيام التي سأقضيها

بعدكما أنتظر لقائنا القادم "

قال أبان بحزن " لما لا نعيش معا أمي ؟ أنا وغيهم وأنتي ووالدي

أنا لا أريد تركك والعودة لصنوان ولا أن يبقى والدي بعيدا عنا

أنا أشتاق له هنا وأشتاق لك هناك "

ضمته لحضنها وقالت تكابد دموعها " ليت الأمر بيدي بني هذا

قدرنا ولا يعترض على قدر الله أحد ولنحمد الله أننا أحياء جميعا

وأن أراكما ولو مرة في العام "

تحدث غيهم هذه المرة قائلا برجاء " لما لا يتركك خالي مطر

تغادرين معنا ؟ ألم تقولي بأنه يريدنا معك وفعل الكثير لأجل

ذلك ؟ "

تنهدت بحزن تنظر لأبان الذي ابتعد عنها وقالت بتنهيدة " الأمر

معقد أكثر من ذلك بني لا يمكن لامرأة من الحالك أن تعيش في

صنوان ولا العكس "

قال أبان من فوره " ها هي زوجة خالي مطر تعيش هنا !

لما أنتي لا ؟ "

ابتسمت بحزن قائلة " غسق ابنة زعيم صنوان تزوجها زعيم الحالك

ولولا تلك الظروف وقت مجيئها ما سلمها شراع له فوضعها مختلف

تماما لا مجتمع يقف ضد وجودها ولا أحد يستطيع مناقشة خالك

ولا إجباره ولا حتى شراع نفسه "

هز أبان رأسه بعدم فهم وقال " نحن من صنوان ونريدك معنا وسنأخذ

زوجة خالي معنا أيضا , هو لا وجود له أبدا لما تبقى هنا وحدها

أريدها معنا أيضا "

لم تستطع جوزاء إمساك ضحكتها وقالت تمسح على شعره " هو

ليس هنا لكن لن أضمن لك حياتك وحياتي إن عاد ولم يجدها , وما

أن يرجع من سفره لن تكون ملتصقا بها طوال الوقت ولن

تراها إلا وقت الطعام "

مد شفتيه بعبوس قائلا " ليثه إذاً لا يرجع حتى نغادر "

عادت للضحك مجددا فوقف قافزا وقال " سأذهب لأراها هي

في الأعلى منذ وقت "

أمسكت يده وقالت " سأذهب أنا لها أعرفك لن تنزل أبدا قد تكون

متعبة "

وتحركت من هناك فقد نسيت أن حبيبة أخبرتها أنها اتصلت بالفندق


*

*



عدل الشال الأبيض حول فكه وفمه يخفي ليس ابتسامته فقط وهو

يراقب المقترب نحوه بل ليخفي ذاك الجزء من وجهه مستعينا بنظرات

شمسية تخفي عينيه , معطف طويل وقبعة سوداء وصوت طقطقته لذاك

القلم في جيبه يسمعه كل من مر بقربه , ما أن وصل ذاك عنده حتى

أخرج يده من جيبه وصافحه هامسا " مطر شاهين كم سررت بلقائك "

أرخى ذاك يده وأبعدها قائلا ببرود " أتمنى أن يكون ما تريده ذا أهمية

فرحلتي بعد أقل من ساعتين وثمة ما عليا فعله قبل مغادرتي "

نزع نظارته لتكشف عن تلك العينين السوداء بنظرتها الحادة الذكية

وقال مبتسما بسخرية " لن يضر تلك المرأة أن تنتظرك قليلا أعتقد

أن أجواء الفندق تروق لها كثيرا "

لم تخلو نظرة مطر من الضيق رغم جمودها وهو يقول " لما لا تتكلم

عن المهم وتتركوا عنكم حركاتكم الغبية ومراقبتي "

قهقه ضاحكا وقال " نحن لا نراقبك بقدر ما نحميك وإلا ما سكت

لك عنها الزعيم وأنت تعلم جيدا ما ستكون النتيجة "

ابتسامة ساخرة ظهرت على طرف شفتيه القاسية المتصلبة وهمس

ببرود " هو آخر من سيحاسبني ولن أقدم تبريرات لأحد لاحقا

فأفهمه ذلك جيدا "

هز ذاك رأسه مبتسما وقال " عليكما أن تجدا حلا لخلافكما حول تلك

النقطة فقد بدأت أسمعه يصرح بندمه على تزويــ .... "

قاطعه بحزم " ألأجل هذا جلبتني هنا ؟ "

بسط يديه وتنهد قائلا " على حالتك هذه لن نستطيع التحدث "

وتابع هازا رأسه " لا أصدق أن أراك فاقدا لأعصابك والاجتماع كان

لصالحك ! فهل أفهم سبب كل هذا الضيق إن لم يكن هو السبب ؟ "

ثم أشار على نفسه حيث عنقه الملفوف بذاك الشال الأبيض وقال بسخرية

ناظرا لعنق الواقف أمامه " أم ذاك الشريط الطبي السبب ؟ من هذا

الذي استطاع لمس شعرة من ابن شاهين مخترقا رجاله الذين

يحمونه بأرواحهم !! "

دس يديه في جيوبه وقال بصوت جامد كالصخر " أخبر سيدك يتوقف

عن إرسال رجاله لمراقبتي , أعلم أنه وراء ما حدث في ذاك المبنى "

رفع ذاك يده وأنزل الشال بطرف إصبعه حتى أسفل ذقنه كاشفا عن

الابتسامة التي كانت تزين شفتيه وهمس " ما القصة بينك وبين ابن

شراع الأكبر ؟ كدت تقتله يا رجل وهو يتوعد بقتلك وصراخه

ملأ المستشفى ما أن استفاق "

همس مطر من بين أسنانه " حديثي في ذلك ليس معك بل مع

رئيسك فليتمنى أن لا نتقابل وجها لوجه "

رفع رأسه مقهقها بضحكته الجهورية ثم نظر له وقال " أنا من بات

يتمنى ذاك اللقاء فهو يتوعدك أيضا ولا تنسى أنه يشبهك في كل شيء

غضبه أسود مدمر وهو يراقبها عن كثب وبات يجمع السيئات ضدك "

لمعت السخرة في عيني الواقف أمامه وهو يدقق على ملامحه التي

كشفها هذه المرة ولم يفعلها منذ عرفه فها هو قد استأمن قليلا بعد دنو

نهاية الهازان وابن راكان , قال ساخرا " من المؤسف أن ابنك أيضا

أصبح يشبهك كلما كبر وكم أتمنى أن أرى لقائكما أيضا وأبشرك من

الآن هو أبرد وأجلد منك وسأصنع منه ما طلبت مني ويزيد يا شاهر

كنعان "


*

*


نظرت له مبتسمة وهو يحرك حجر الرحى بيديه ولم تتخيل أن

يستطيع تحريكه وهو في هذا السن ! وحين طلب فعل ذلك رفضت

لولا إصراره على فعل شيء لمساعدتهم ولا يكون بقائه معهم مجانا

يورد الماء من بئر وسط المنزل يطحن الحبوب ويساعد في أي شيء

خمسة أيام مرت على وجوده في ذاك المنزل لم يسمعوا صوته إلا

بكلمات بسيطة أغلبها ردا على أسئلتهم , يعتمد على نفسه في كل شيء

لا يطلب شيئا ولا يرد طلبا وينزوي على نفسه أغلب الوقت حتى

تنسيان وجوده أحيانا , ينام بعدهما ويستيقظ قبلهما , هكذا عرفتاه

دائما , قالت مبتسمة ونظرها على ملامحه " تيم ألا أقارب لك

من والدك ؟ قال عمير أنه لا أحد لك "

توقف عن تحريك عصى الرحى ورفع نظره بها , كانت نظرة رغم

جمودها عبرت عن خيبة أمله فقالت فورا " أنا لا أقصد ما فهمت

يا تيم أنت مرحب بك في أي وقت هو تساؤل بسيط فقط "

عاد لتحريك ذاك الحجر بكل قوته وقال بجمود " لا أهل لي ولا أحد

لي بعد والدتي , لقد رحلوا من قبل رحيلها جميعهم "

نظرت له باستغراب وهي من تعلم أنه له عمة وعم في الخارج كما

يعلم الجميع ولوالدته أقارب أيضا وهو ينكرهم جميعا فعلمت فورا

أنه عانى بما يكفي لجعله يودعهم برحيل والدته , تنهدت وقالت بحزن

" حين توفي جدك والد والدتك في تلك الحرب كانت والدتك صغيرة

وكم كانت مدللة من جدها كان يحبها حبا كبيرا ميزها به عن جميع

أحفاده وحتى أبنائه وكان يقول بأنه لن يزوجها إلا من أشراف الحالك "

رفع نظره الحاد بها ومسح العرق من جبينه هامسا بحزم " لكنهم

جميعهم متشابهون تخلوا عنها لن أسامحهم أبدا "


*

*



حضنت الوسادة بقوة أكبر تخفي فيها دموعها وعبراتها ووجعها وأنينها

الخافت فلا ينقصها فوق ألمها ذاك الذي تحاول أن تطمره داخلها

بتبريرات كثيرة له إلا أن تسمع صوت جبران تحديدا وكل كلامه

ذاك الذي لطالما شعرت به كحبل يلتف حول عنقها وهي من وافقت

على الزواج به وقدمت له الكثير من الوعود وفي النهاية أصبحت لغيره

خدعته واستغلت مشاعره نحوها لتصل للحدود ... حقيقة لم تستطع أن

تجد لها أي مسوغ , لا تعلم لما قالت له كل ما قالته فلم يكن ينقصه ضياع

وحزن وهموم لتزيده بكلامها عن مشاعرها ناحية ذاك , لا تعلم لما خرج

منها كل ما قالت ! كانت في حالة ضياع في تشتت مريع ومشاعرها تتمزق

بين تصديق ما سمعته وصوت تلك المرأة وما حدث سابقا حين أساءت الظن

به وكيف كانت النتيجة , ضنت أن الاتصال من مطر أنه سيبرر لها ما حدث

أن تسمع صوته المبتسم ببحته الهادئة التي تعشق ولم تتخيل أن تسمع صوت

جبران تحديدا , من خشيت حتى أن تسأل والدها عنه يوم لقائهما كي لا يفهم

سؤالها تعلقا به , لكمت الوسادة وهي لازالت تحضنها وصاحت بعبرة

" لماذا يحدث معي كل هذا لماذا ؟ ليتني لم أعرف رجلا حياتي

ليتني ما عرفتهما كليهما "

طرقات على باب الغرفة جعلتها تجلس مبعدة شعرها عن وجهها وما

علق منه فيه بسبب دموعها ومسحت خديها بقوة على صوت الطرق

مجددا وصوت جوزاء " غسق هل أنتي نائمة ؟ "


غادرت السرير تمسح خديها وتوجهت للباب فتحته وتنحت جانبا تنظر

للأرض كي لا تفضحها عيناها المتورمة من البكاء وهمست ببحة لم

تستطع إخفائها في صوتها " لا لست نائمة تفضلي "

نظرت لها تلك باستغراب لفستانها الغير مرتب وأصابع يدها الممسكة

بالباب وقد احمرت مفاصلها البيضاء تخفي وجهها بغرتها فقالت بقلق

" غسق هل من خطب ! حبيبة قالت أنك اتصلت بالفندق هل من

مكروه أصاب مطر ؟ "

راقبت تحرك غرتها مع تحريكها لرأسها وهي تنفي ذلك وهمسها

المبحوح قائلة " لا ... لا قدر الله ذلك "

مدت يدها لذقنها ورفعت وجهها لها وهالها منظر عينيها المجهدة

والدموع التي لا زالت معلقة في رموشها وخداها المحمران من كثرة

البكاء فوضعت يدها على قلبها وقالت بخوف " غسق أقسم أنه ثمة

شيء حدث فهل تحدثت مع مطر ؟ هل هو بخير ؟ "

رفعت غرتها عن وجهها ومسحت خدها بظهر كفها قائلة بعبرة مكتومة

" لم أتحدث معه ولست أعلم أقسم لك "

قالت باستغراب " ما يبكيك هكذا إذا ؟ ألم يجب على اتصالك ؟ "

هزت رأسها بلا وقد أرخت نظرها للأرض فتنهدت تلك قائلة

" كل هذا لأنه لم يجب عليك ؟ لقد أفزعتني ! ذاك طبعه يا غسق

لا تقلقي فإن كان به مكروه ما تركوه رجاله وعادوا ولأخبروا

عمي ولما كان حال الحالك هكذا "

هزت رأسها بحسنا ولازالت تهرب بنظرها منها فأمسكت يدها وسحبتها

منها جهة الحمام قائلة " تعالي أغسلي وجهك واهدئي , لو يراك ويعلم

بحالك لن يكررها مجددا ذاك الأحمق "

انصاعت لها وغسلت وجهها عدة مرات وجففته جيدا وقد خرجت تلك

قبلها وما أن غادرت هي الحمام وجدتها جالسة عند السرير وقالت

ناظرة لها " تعالي يا غسق أعلم أني مزعجة فتحمليني قليلا "

اقتربت منها وجلست أمامها وقالت تصارع شفتيها لرسم ابتسامة وإن

باهتة " أبدا يا جوزاء كيف تقولين هذا ! كم تمنين هذا اليوم الذي

تدخلي فيه غرفتي ونتحدث كشقيقتين "

قالت بحياء وخجل من كل ما فعلت " ما أرق قلبك وأوسعه يا غسق أنا

لا أستحق منك كل ما فعلته لأجلي لقد علمتني الكثير وأنتي أصغر

مني بأعوام "

وتابعت من قبل أن تعلق قائلة بابتسامة " دعينا من كل هذا ولنتحدث فيما

يؤرقك هكذا ويكدرك , غسق نحن نعرف مطر منذ ولد وأنتي لم تعرفيه

إلا هذه الأشهر ورأيت مطر لم يعرفه أحد , لا أنكر أن ذلك ضايقني في

البداية صحيح أنه فعل الكثير من أجلي وكان على استعادا لفعل أي شيء

ليجمعني وطفلاي لكني لم أجد فيه الشقيق الذي تريده كل امرأة , لم نراه

إلا بعدك يبتسم ويضحك كثيرا , لم يكن يشاركنا من أمور حياتنا شيء

نعلم جميعا أن مشاغله ومشاكله كثيرة لكنه حتى وقت وجوده هنا كان

وكأنه ليس موجودا , لا يتصل إن غاب ولا نعلم عنه شيئا حتى يرجع

لنا هو أو خبره وعلى هذا اعتدنا , ولم يتصل بنا وهو في الحدود أو

الجبهات إلا بعد تزوجك وإن قلّت تلك المرات , فتجديه مشغولا الآن

رغم أني معك في أنه كان يفترض به أن يتصل لكن عذره معه

ما لم تسمعي منه "

ابتسمت لها بحزن تكابد الدموع التي ملأت عينيها وهي تحاول أن تهون

عليها عدم اتصاله ومجيئه وليست تعلم أن جرحها أعمق من ذلك ولا

تستطيع البوح به , نظرت ليديها في حجرها وخرجت الكلمات منها

بصعوبة قائلة " جوزاء أيهما تفضلين أن يتزوج زوجك عليك أم

أن يخونك مع امرأة أخرى ؟ "

نظرت لها بصدمة لوقت لسؤالها المناقض تماما لحديثها ولسببه

أساسا ثم قالت باستغراب " غسق هل تشكين بمطر ؟ "

رفعت نظرها لها ودمعتها تدحرجت من رموشها وقالت فورا

" لا كان سؤالا فقط "

هزت رأسها بحيرة من تفكيرها ذاك وقالت " لا أفهم مقصدك من هذا

لكني لكنت فضلت أن يتزوج زوجي على أن يرتكب محرما فالزواج

يكون من امرأة واحدة وبالحلال لكن الخيانة تكون مع نساء كثر

ويكون لا يستحق أن أعيش معه وهو يعصي الله بقلب ميت "

وتابعت وقد مدت يديها وحضنت بهما يدا الجالسة أمامها وقد شدت

عليهما بقوة " غسق لا تستمعي لهواجس نفسك لن يكون السبب وراء

غيابه امرأة أخرى لا بالحلال ولا خلافه , أنا أعرف مطر جيدا لم تعنيه

النساء يوما ليتزوج من اثنتين وليس بالرجل الدنيء الذي يفعلها بالحرام

تأكدي من ذلك , ثم هو لا يسافر إلا للضرورة وليومين أو ثلاثة كحد

أدنى يكون فيها السبب قويا فكيف يكون متزوجا أو له امرأة هناك

لا يذهب لها ! "

أنهت كلامها وراقبت مبتسمة اللين على ملامحها الكئيبة الباكية , من لا

تعلم كم هي ممتنة لها الآن وكم كانت تحتاجها هكذا كشقيقة زوج

تساندها كلما تعثرت فهمست ببحة وقد ارتسمت على شفتيها

ابتسامة صغيرة " شكرا لك يا جوزاء "

تركت تلك يديها وقالت بابتسامة واسعة " حمقاء أنتي يا غسق من

مثلك عليها أن لا تتخيل ولا مجرد تخيل أن يفعل زوجها أي مما

ذكرته , أنا المرأة لا أشبع من النظر لك ومن سماع صوتك وحديثك

وطريقة كلامك فكيف برجل يملك كل هذا في زوجته ! أقسم لن

تغريه امرأة كانت من تكون وهو يعلم أنك تنتظريه في غرفته "

ثم قالت مغادرة السرير " سأنزل والحقي بي فأبان يسأل عنك

وكان يريد الصعود لك لولا منعته "

وضحكت متابعة " لا أستبعد أن يتسبب لنا بمشكلة مع خاله فقد

قال منذ قليل لعمتي أنه يريد حين يكبر زوجة تشبهك في كل

شيء "

ابتسمت لها من بين حزنها قائلة " ليرى خاله أولا ثم لكل

حادث حديث "

فضحكت تلك من فورها وقالت " صدقي كلامي يا غسق فهو لن

يفعل أيا من الاثنتين "

ثم خرجت ونظراتها تتبعها وقد مسحت باقي الدموع من عينيها بكفها

هامسة " خياري الوحيد أن أصدق كلامك يا جوزاء ولا أكرر

حماقتي السابقة "



*

*


ما أن نزلت به الطائرة الخاصة فتح هاتفه وما أن فتحه حتى بدأ

بالرنين فورا , ركب سيارته متجاهلا أول اتصالين وأجاب على

الثالث وقد تحرك من هناك تتبعه سيارات الوفد الذي استقبله

متجهين للحدود وقال ما أن فتح الخط " ماذا حدث معك يا تميم ؟ "

قال ذاك من فوره " فتشنا الحالك شبرا شبرا , الثنانيون وحدهم من لم

نحصل منهم على رد قاطع فزعيمهم طلب التحدث معك أولا , اجزم

أنه لديهم وقد بلغناه أنك ستكون خارج البلاد وأنك أمرت بإعادته

للحدود و.... "

قاطعه بحزم " راقبوا الحدود ولا يخرج أبدا مفهوم "

قال ذاك باستغراب لم يستطع الإفصاح عنه " كما تريد سيدي "

وأنهى الاتصال معه واتصل فورا بالذي أجاب عليه قائلا

" مرحبا بالزعيم "

قال مباشرة " رعد شراع هل هو لديك الآن ؟ "

قال ذاك فورا " لدينا شاب أضنه هو , اصطدمت سيارته بأحد الجدران

المدعمة بالطوب لدينا وكاد يفقد حياته لولا لطف الرب وكان مصابا

برصاصة في خصره من قبل الاصطدام وقد تضرر جسده كثيرا وهو

تحت العناية هنا , الطبيب لم يستطع التحدث معه ولا الخروج منه

بشيء أضلعه متضررة ويبدو رئته أيضا فهو لم يستطع الرد عليه

بكلمة , لم نضعه في المستشفى هو في غرفة في منزل مخصص "

قال ناظرا للطريق أمامه يحرك المقود بيد واحدة " أريد حراسة مشددة

عليه وسأرسل ما يلزم لعلاجه والعناية به فاتركه حيث هو ولا أريد أن

يعلم بهويته أي أحد من قبائلكم ولا يغادر من عندكم ووافني بأخباره "

وما أن أنهى الاتصال معه حتى رن هاتفه ومن قبل أن يبعده عن نظره

فأجاب عليه فورا وقال من في الطرف الآخر " أتصل بك من أيام

ولا أحصل عليك وما أن أخبرني تميم أن هاتفك مفتوح حتى اتصلت "


*

*

راقبها حتى أنهت لف الشاش برفق تمرر يدها من تحت جسده

كي لا يرفعه ولا تؤلمه وعلى غير عادتها كانت متمسكة بصمتها

ولم تنظر لوجهه أبدا وما أن عدلت له جسده برفق بمساعدته ليستوي

رأسه على الوسادة همس بأنفاس متلاحقة متعبة " شكرا لك "

ولا جواب أو أي تعليق منها , انحنت للأرض تجمع أوراق الشاش

وقطع القطن ثم وقفت على طولها ونظرت له ببرود حين قال

" كل هذا غاضبة مني أستريا ؟ "

بقيت محدقة بعينيه دون أن تعلق فنظر للسقف وتنفس بتعب وكأنه

يجبر رئتيه وأضلعه على إخراج الكلمات وقال بصوت ضعيف متعب

" هل يرضيك أن تتزوجي رجلا تعلمي أن امرأة أخرى غيرك وقبلك

تكشف أمامها ولم يكن لك وحدك ؟ ولست أنتي أول امرأة تختص

بأمور ليست لغيرها ؟ "

نظرت له باستغراب قبل أن تهمس في أول حديث منها " اعتبرني

ممرضتك وأنا كذلك لما تفهمون الأمور بشكل خاطئ هكذا أنتم

المسلمين ؟ "

نظر جهتها وقال بابتسامة متعبة " نحن لا نفهم ذلك بشكل خاطئ

ذلك هو ديننا الرجل ملك لزوجته فقط كما الزوجة أيضا "

شعرت بغصة في حلقها لم تعرف سببها ولا مصدرها وهمست

بصعوبة " لك زوجة ؟ "

عاد بنظره للسقف وتحرك صدره بصعوبة ساحبا الهواء لرئتيه

وخرج مع كلماته الخافتة " لا لكن سيكون لي يوما ما بالتأكيد "

تنقلت بنظراتها في ملامحه وقالت بمكر " يالا تعاسة حظك يا رعد

لن تستطيع أن تخبرها أنها المرأة الأولى التي رأتك عاريا "

لم يستطع كتم تلك الضحكة ولا إمساكها مما أخرج أنينه مرتفعا مع

انتفاض صدره فقفزت ناحيته ووضعت كفها عليه وثبتته للخلف ببطء

كي لا يتحرك أكثر قائلة بخوف " رعد ما مناسبة الضحك الآن

هل تريد حقا أن يصيبك مكروه وألوم نفسي حتى أموت ؟ "

ثم عدلت الغطاء لكتفيه قائلة بضيق " لا بأس اكذب عليها وأخبرها أنها

الأولى لأني أيضا سأكذب على زوجي مستقبلا كي لا يدق عنقي , هذا

إن كان ثمة من سأتزوجه فالجميع بات يعلم أني من يعتني بجميع

أمورك وبأنك عاجز عن الحركة "

أغمض عينيه بقوة وعض شفته بتألم يعدل من وضع رأسه على

الوسادة وهمس بصعوبة " لن أتزوج إذا حتى تتزوجي أنتي

لأكون عادلا معك بما أنني السبب هل اتفقنا ؟ "

لوت شفتيها وتمتمت بعبوس " تكذب عليا يا ابن صنوان ما سيدريك

أني تزوجت بعد عودتك لأهلك وما يدريني أنا إن كنت عند كلمتك ؟ "

قال بابتسامة صغيرة متعبة " وإن وعدتك بذلك ؟ فهل تثقين بوعود

المسلمين يا أستريا أم جميع ما فيهم لا يعجبك "

هزت رأسها بلا فورا وقالت " والدي يقول أن الرجل المسلم الأصدق

وعدا فهو إن وعد أوفى مهما كانت النتائج والدليل الزعيم مطر "

وتابعت بشك " وكيف ستعلم متى سأتزوج ؟ "

عاد بنظره للسقف وقال " لا تقلقي لن أتزوج حتى أعلم هل

يرضيك هذا ؟ "

ضحكت ولوحت بيدها أمام وجهها قائلة " أجل يرضيني على

الأقل سأكون متأكدة من أني لست وحدي الخاسرة "

نظر لملامحها لعينيها العسلية الواسعة لشعرها الذي تخلله تلك

الخصلات الذهبية مموجا حتى خاصرتها ثم عاد بنظره للسقف

وتمتم دون أن تسمعه " جيد أنكم لا تسكنون الحدود معنا يا

التينانيين لذهب باقي نصف عقول جنودنا "

نظرت له باستغراب وقالت " بماذا تهذي ! هل أصابتك الحمى

وحرارتك منخفضة ؟ "

نظر لها وقال مبتسما " أريد هاتفا يا أستريا هل يمكنك إحضار واحد

لي ؟ عليا أن أطمئن على شقيقي فقد دخلت الحدود بحثا عنه "

نظرت له بصدمة وأمسكت فمها بيدها قائلة " ألست تعلم أنه مات ؟ "

شحب لون وجهه حتى اختفى الدم فيه وهمس بصدمة أشد من صدمتها

" رماح مات ؟ "

لوحت بيدها بسرعة قائلة " لا ليس هذا قالوا أن اسمه الكاسر ابن

شراع صنوان توفي في حادث داخل الحدود "

نظر للسقف بحزن وبرقت عينيه وقال متنهد " لا ليس الكاسر أعني

ذاك دفنته بيداي , كدت تقتلينني آستريا رفقا بي يا فتاة أرجوك "

لوحت بيدها قائلة بضيق " وما يدريني أنك تتحدث عن شقيق آخر

وأنكم جميعا تتسللون لحدودنا ؟ من بقي منكم لم يدخل هنا بعد ؟ "

ثم ضحكت فجأة وقالت " سحقا كيف نسيت "

نظر لها باستغراب فلفت حول السرير تبعد شعرها قائلة " شقيقتك

تلك زوجة الزعيم مطر لقد زارتنا هنا وحضرت زواج شقيقي "

قال ونظره يتبعها " غسق جاءت هنا !؟ "

هزت رأسها بنعم وقد استقرت في الطرف الآخر من السرير

وقالت بحماس " دعاه والدي لحضور زفاف شقيقي الأصغر ولقد

أحضرها معه وألبسناها ثوب العروس الخاص بنا وكانت ملاكا


لا يمكن وصفه "

ثم ضمت يديها لصدرها وأغمضت عينيها قائلة بحالمية " كاد قلبي

يتوقف حين رأيتها به وحين رآها الزعيم مطر ... كم كان مشهدا

لا ينسى , آه ابتسامته نظرته لها كيف حملها وذهب بها "

ثم فتحت عينيها قائلة بضحكة " وحين أفقنا صباحا لم نجدهما

لقد سرقها من نفسه وفر بها , لم أرى حياتي زوجين مثلهما "

سرح مبتسما فيما قالت , ياااه إنها صغيرتهم تلك مدللتهم روح الأنثى

في ذاك المنزل الذي غلب عليه الطابع الذكوري الخشن , كم اشتاق لها

لابتسامتها لرقتها لصوتها وطريقة حديثها الأنثوي الرقيق وضحكتها

العذبة , ضحكتها التي كم وبخها عليها كلما سمعها وأحدهم يقف معه

في الخارج ولاحظ نظرات الواقف أمامه وهو يبحث عن مكان تلك

الضاحكة , وما أن يوبخها ويتركها حتى يرجع ويبحث عنها ليجدها

تبكي في غرفتها ويجد نفسه يغرقها باعتذاره وأسفه , نظر للواقفة أمام

سريره ولنظرتها المستغربة لشروده وابتسامته وقال بضحكة مكتومة

" إن أصاب حياة شقيقتي مكروه يكون بسببك "

عبست ملامحها فجأة وقالت بضيق " أحمق "

أمسك ضحكته بصعوبة يعض شفته كاتما أنفاسه ثم همس

بصعوبة " ماذا بشأن الهاتف آستريا ؟ "

تنفست متنهدة بقلة حيلة منزلة كتفيها وقالت " لا أعدك بشيء

رعد والدي من يملك واحدا وأن أحضره وأعيده دون علمه

مخاطرة كبيرة لي ولك "

نظرت لعينيه المعلقة بعينيها بنظرة حانية فضربت قدمها

بالأرض قائلة " لا تنظر لي هكذا سأحاول حسنا "

هز رأسه بلا وهمس " لم أعد أريده لا تعرضي نفسك للمشاكل من

أجلي "

طرقات على الباب الخارجي للمنزل جعلتها تتحرك من هناك قائلة

ووجهتها باب الغرفة " لابد وأن العشاء أصبح جاهزا سأحضر لك

الطعام فورا "


*

*




أطلت برأسها من باب الغرفة حيث قابلتها أولا والدتها الجالسة

منشغلة بغزل الصوف ثم نظرت مبتسمة للجالس بقربها يتناول

طعام العشاء في صمته المعتاد وقالت بذات ابتسامتها

" تيمو تعال قليلا "

رفع رأسه لها وضحكت والدتها قائلة " لو سمعك ابن خالك لقطع

لسانك , ألا يكفيك توبيخه لك عن الباب "

جاءهم حينها الصوت الرجولي من خلفها قائلا بضحكة وهو يدخل

دافعا لها للداخل " لا خوف منه فهو سبقني وتزوج قبلي وليس

لها فيه شيء , هيا تعالى يا تيم "

نظرت له عمته بصدمة بينما التي تمسكت بكم قميصه كي لا تقع

وقفت على طولها وقالت بصدمة لا تقل عن والدتها " متزوج !! "

وقف حينها المعني بالأمر ونفض يديه من بقايا الطحين الذي كان

عالقا بالخبز الذي يأكله وخرج على نظراتهما المصدومة التي

لازالت تتبعه وهمس ما أن مر بذاك " أنت ألا تتوقف عن نشر

الأخبار , لمن أوصلت القصة أيضا ؟ "

ضحك ودفعه من ظهره قائلا " ستعلم الآن قصتك إلى أين

وصلت "

ثم نظر للخلف حيث الواقفة عند الباب وقال " وأنتي لا تتحركي في

تلك الجهة , إن سمعت صوت حدائك قطعت ساقيك تفهمي "

أخرجت له لسانها واختفت داخل الغرفة فضحك وسار يدفعه براحة يده

أمامه حتى وصلا الباب الذي كان بالقرب من باب المنزل فوقف

تيم ونظر له فوقه وقال بتوجس " من هنا ؟ "

همس ذاك منحن له " عليك أن تدلي بأقوالك يا تيم الأمر ليس

سهلا كما تضن "

نظر له بريبة وعلامات الخوف بدأت تظهر على ملامحه فربت

على كتفه وقال يحدثه على الدخول " هيا يا تيم لن ترى أسوء

مما مر عليك "

دفع عمير باب الغرفة ودخل وقد دخل هو خلفه وما أن تنحى ذاك جانبا

وظهر له الجالس على الكرسي هناك حتى تيبست عظامه وجف حلقه ولم

يستطع ولا إزاحة حدقتيه عن تلك العينين السوداء الحازمة لينظر لعمير

رآه مرة واحدة سابقا وعن بعد لكنه لم ينسى ملامحه أبدا ولم يتخيل أن

يراه هنا الآن وأن يصل الأمر له تحديدا , شعر بالرهبة من هيبته أكثر

من خوفه من محاسبته له على فعلته فلم يشعر يوما بمثل هذا الشعور أمام

أي رجل آخر , تحدث الجالس هناك كاسرا كل ذاك الصمت والجو المشحون

في تلك الغرفة الضيقة وقال بحزم ميزته تلك البحة الواضحة " تيم شاهر

كنعان هل تريد أن أنصفك أنا أم أن تختار ذلك بنفسك ؟ "

لم يستطع استيعاب ما قال ولا وجوده هنا فهمس من بين صدمته

" هل مات ؟ "

هز ذاك رأسه بلا دون كلام فتنهد بارتياح تنهيدة وصلت لسمعهما ليس

لأنه خائف من مواجهة الأمر بل لأنه لا يريد أن يحمل ذنب إنسان وإن

كان ذاك الرجل , قال مطر " وإن كان مات ما كنت سأسجنك والدية

سأدفعها من جيبي وغيره لا يستحقه ذاك الرجل وإن كان ميتا

فأخبرني الآن ماذا اخترت "

قال من فوره " بنفسي "

ظهرت ابتسامة ساخرة على طرف شفتي الجالس هناك وإن بقيت

ملامحه محتفظة بجمودها وهذا ما توقعه منه فليكشف الغطاء الآن

عن تيم كنعان الرجل ويراه يستحق ما يفعل لأجله أم لا وإن صدق

حدسه أم كذب , قال بجدية " أرض والدتك ترجع لك أم لا ؟ "

لم يستطع تيم إخفاء الصدمة في ملامحه فهو لم يخبر عمير عن

المهر والأرض وكل تلك التفاصيل فمن أين علم ؟

لكن الجالس أمامه فهم فورا ما دار في خلده ويعلم جيدا ما الذي حكاه

لعمير فقال " شيخ القبيلة في حجور أخبرني ومن قبل أن ألتقي بعمير "

قال بصدمة " لكنه وافق ما فعلوه ! "

قال مطر من فوره " لأنك لم تنكر يا تيم واعترفت على نفسك بأمر فيه

شرف وسمعة فتاة ستتحول مع الأيام لامرأة سيلحقها ما حدث طوال

حياتها فما كان أمامه من خيار , إن أنكرت لكان دافع عنك ونجت

هي من ألسن الناس , لقد برر لي أنه كان في موقف صعب "

قال مبتسما بمرارة " إن أنكرت وأنكرت هي ما رحمها عمها من

هنا حتى تموت فأيهما أرحم لها ؟ "

هز مطر رأسه بالإيجاب فلم يفهم هل يوافقه كلامه أم يشير لأنه فهم

ما يريد شرحه , قال بذات جديته مشبكا يديه مسندا لمرفقيه على ركبتيه

" تطلقها أم تبقى زوجتك ؟ "

كان سؤال آخر صدمه ولم يتوقع أن يكون له فيه الخيار , نظر لعمير

الذي كان محتفظا بصمته مكتفا يديه لصدره وينظر له ثم عاد بنظره لتلك

العينان السوداء الواسعة القوية الواثقة الحاذقة , يعلم أن هذا الرجل إن قال

فعل وإن فعل لن يعارضه أحد , لا يستغرب فقط وقوفه بجانبه بل ومشاورته

في كل شيء ! صفة لم يعرفها عنه أحد أبدا فكل ما يُعرف عنه أنه يأمر وإن

أمر أطاع الجميع دون نقاش ولا تلكؤ , همس بخفوت لم يتخيل أن يسمعاه

" لن أطلقها "

علت الابتسامة شفتي مطر وملئت ضحكة عمير الغرفة الضيقة وقال

ضاربا يديه ببعضهما " فعلها يا رجل , حمدا لله أننا لم نتراهن لكنت

خسرت الرهان "

نظرة حادة غاضبة كانت ما تلقاها من الواقف قريبا منه وقال مطر

معيدا نظره جهته " ومالها ؟ "

قال تيم من فوره " اتركه لهم "

سوى جلسته حينها متكئا بظهره على ظهر الكرسي الخشبي وكتف

يديه لصدره قائلا " قل ما لديك يا تيم "

لم يستغرب هذه منه بعد الحديث القصير الذي دار بينهما ولم يفهم فيه

مطر فقط الرجل داخل ذاك الفتى بل وفهم فيه تيم من يكون الرجل

الجالس أمامه بكل هيبته تلك وسطوته وحضوره القوي , قال أولا

" أنت تصدق براءتي أليس كذلك ؟ "

هز رأسه له بالإيجاب ونظرته كلها تأكيد بأن الشك لم يدخله أبدا فقال

" إن أخذت منهم المال آذوها وكل غرض عمها الوصول له وهذه

ستكون النتيجة حتى إن نقلتها لعم آخر من أعمامها فهم نبذوا والدتي

المريضة وحرموها الطعام والدواء لأجل سرقة حصتها فلن يتوانوا

عن فعل أي شيء لسلب مال ماريه مهما طال بهم الزمن "

هز رأسه له بالإيجاب هامسا " ومستقبلكما يا تيم "

أخفض نظره عن عينيه وقال " هل سأكون مجبرا على تطليقها لو

حكم البلاد قانون واحد ؟ "

لم تخلو نظرة ذاك من الإعجاب به فهذا فوق ما تخيل في أول لقاء

بينهما , قال بجدية " في القوانين الوضعية دائما ثمة حلول

وثغر يقتنصها المحامون "

رفع نظره به مجددا وقال " إذا تبقى زوجتي حتى تكبر كي لا

يزوجوها أحد أبناء عميها مرغمة لأن هذا ما سيحدث لسلب

المال من عمها ذاك وسيتقاسمونها كقطعة اللحم "

قال مطر مركزا نظره على عينيه " وحين تكبر ماريه يا تيم ؟ "

هز رأسه ونظره لازال في عينيه المركزة نظرها عليه وقال ما

يتوقعه منه تماما " لها أن تختار "

وقف حينها مطر وقال " رجل ابن رجل أنت يا فتى , وما أفهمه

من كلامك أنك لن ترجع لهم الآن ؟ "

هز رأسه بنعم فقال مطر " ستكون وعمير في مركز حدود الشرق

سيتكفل بإكمال تدريبك وتنهي دراستك وبالنسبة لتلك الطفلة لا تقلق

لن يمسوها بسوء حتى ترجع لها وتقررا ما تريدان وسأترك لهم

المال كما اخترت أنت رغم أني كنت أنوي تجريدهم حتى من

منزل جدهم ووضع كل شيء في خزينة الوصاية لولا اخترت

أنت العكس "

ثم تحرك مجتازا له دون أن يضيف أي كلمة بعدما سأله عما يخص

ماريه ومالها وماله أما الباقي كان هو من قرر فيه دون حتى أن يسأله .

" سيدي "

وقف مطر مكانه والتفت له بنصف وجه وقد قال تيم " ثمة دين لك

عندي أريد تسديده بأي طريقة تراها مناسبة "

التفت له بكامل جسده وقال " الرمان تعني ؟ "

نظر له بصدمة لم يجتزها بسهولة ثم أرخى نظره خجلا من فعلته التي لم

يفعلها من قبل وهمس بمرارة " أقسم لك لم يدخل من حبوبها لجوفي ولا

نصف حبة , كانت والدتي تحتاج لقوت تعيش به باقي يومها وأعلم أن

ذلك ليس من حقي لكنه كان حلي الوحيد فحتى شيء أعمله من

أجل المال لم أجد "

تقدم منه خطوتين ونظره على شعره الكثيف مطأطأ رأسه للأسفل

وضع يده على كتفه وشد عليه بقوة قائلا " هل أفهم من كلامك

أنك كنت تعمل لدى ذاك الطبيب وليس تساعده "

شد قبضتيه بقوة يشعر بكل تلك الذكرى تنتزع من قلبه وقال يكابد

دموعه " كان ثمنا لعلاج والدتي , كنت سأفعل أي شيء لتبقى

لي لكنها رحلت في النهاية "

شد على كتفه أكثر وقال بجدية " ارفع رأسك يا تيم "

رفع رأسه ومسح عينيه بظهر كفه بقوة ونظر له فوقه وقد قال مركزا

نظره على عينيه " أنت في رعايتي يا تيم لن يمسكني عن ذلك شيء

وحتى إن مت غيري سيتكفل بك أولهم عمير وثلاثة غيره ورابعهم

سألني عنك صباح اليوم يريد أخذك لخارج البلاد لديه لكنك لست

من حق أحد سوى نفسك يا تيم , تيم شاهر كنعان رجل نفسه فقط "

ثم هز له كتفه بقبضته الممسكة له وتابع بحزم " تيم شاهر كنعان

وزيزفون إسحاق ضرار لا يحتاجان لأحد لم يجداه سابقا "

رغم أنه لم يفهم معنى ما قال ولا أسم تلك الذي ذكره لكنه هز رأسه موافقا

كلامه فلطالما رأى نفسه هكذا وقرر أن يكون أيضا ( رجل نفسه ) لا

يتبع أحدا لا يحمل اسم أحد ولا يحتاج لكل من لم يجدهم قربه يوم احتاجهم

راقبه يغادر محدثا عمير السائر خلفه لخارج المنزل يشعر بامتنان ناحيته

لن يكفيه عمره كله ليرد له هذا الدين , وحمد الله أنه لم يسلمه لمن قال

أنه خارج البلاد ويريد أخذه وقد خمن أن من تحدث عنه سيكون عمه

أو عمته أو عم والده ولم يتخيل أن الحقيقة أكبر وأقسى من ذلك









*

*

*
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــع

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 21-10-16, 08:58 PM   المشاركة رقم: 982
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,162
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : برد المشاعر المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر / بقلمي برد المشاعر

 


*

*






نظرت مبتسمة لجوزاء وغيهم وهو يمسك لها أبان وهي تدغدغه

وضحكهما الثلاثة ملأ المكان تشعر بالحزن من الآن على فراق

تلك الأم لهما ولا تتخيل كيف يكون شعورها لو كانت مكان جوزاء

وقد أوشكت الأيام السبعة أن تنقضي ولن تراهما قبل قرابة الخمسين

يوما هذا إن لم تتغير ظروف البلاد وعادا حلما في قلب تلك المرأة

لتتحول هذه الأيام لذكرى لن تتكرر , صرخ أبان ضاحكا

" غسق أنقذيني , جدة نصيرة أرجوك أخبريهما يتوقفا "

قالت غسق مبتسمة " أنت اخترت هذا العقاب وتراهنتما عليه

لا دخل لي "

بينما قالت نصيرة ضاحكة " يكفي يا جوزاء سيمرض ابنك من

كثرة الضحك وسيؤلمانه جنباه "

توقفت جوزاء وتركه غيهم فنزل جالسا على الأرض وقال بتنفس

متقطع " سأخبر عمي صقر وستريان كليكما "

قالت جوزاء " هذا إن رايته , لغرفتكما حالا لتغسلا أسنانكما

وتناما لقد تأخر الوقت "

كان أبان سيتحدث لولا قفز صارخا " خالي مطر "

وركض جهته لتتجه الأنظار جميعها جهة باب المنزل والداخل منه

بلباسه الرسمي يحدث أبان منزلا رأسه له وقد لحق به غيهم تحيطهم

ابتسامة جوزاء المحبة ثلاثتهم وضحكة نصيرة الهامسة تشاكس التي

تعلق نظرها به " لعلنا نسمع ضحكتك الآن ها هو بخير أمامك "

نظرت لعمتها وعضت طرف شفتها تهددها أن يسمع ما تقول فضحكت

واكتفت بالصمت بينما عادت له بتلك النظرات المشتاقة التي تكابد لتكسر

أي شك قد يراودها اتجاه ذاك الرجل صاحب ذاك الطول والجسد الذي

لم تزده تلك البذلة السوداء الفاخرة إلا تميزا , كان نظره وتركيزه مع ابني

شقيقته حتى وصل مكان جلوسهم ونظراتها تتبعه تلتهم ملامحه التي لا

تعلم لما اشتاقت لها بقدر لم تعرفه من قبل رغم أنه غاب سابقا لوقت أطول

من هذا واحترق قلبها عليه وهو في جبهات القتال عند الحدود أكثر من

اختفائه هذه المرة لكنها لم تشتاق له كما الآن لعينيه لملامحه لابتسامته

وضحكته ولصوته وبحته المميزة , قبّل رأس عمته وسألها عن حالها

وكان دور جوزاء بعدها سلم عليها وسألها عن حالها رغم جمود

ملامحه وانخفاض صوته الجاد وتجاهل تلك العينين التي لم تتركه

لحظة ... لم يسلم عليها ولم يكلف نفسه ولا بالنظر لها , أمر ضنت

أنها وحدها من لاحظه وهي تشعر بقلبها يتمزق لأشلاء وهو يغادر من

هناك جهة السلالم لكنها اكتشفت غير ذلك حين عادت بنظراتها للعينين

التي كانت تحدق بها باستغراب وكأنها هي من تجاهلته وليس العكس

حمحمت عمتها وقالت تغير من ذاك الجو المشحون " غسق انظري

لزوجك ما يريد قد يكون جائعا "

نظرت ليديها في حجرها وتمنت أن ماتت لحظتها , لا تذكر أنها أخطأت

في شيء وحين غادر رغم غضبها لم يكن منزعجا منها ! وحتى إن كان

كذلك ما كان عليه معاملتها كنكرة أمامهم وإن مجبرا نفسه أمامهما , خرجت

الحروف منها بصعوبة وهي تنظر ليديها اللتان تضغطهما بقوة " هو

لا يأكل حين يقود لمسافة طويلة لقد أخبرني بذلك سابقا "

قالت متجاهلة ملاحظتها " قد يكون يريد شيئا غيره عليك أن تــ.... "

قاطعتها جوزاء قائلة " عمتي هي زوجته وأعلم الناس بطباعه , إن

كانت ترى أنها تريد اللحاق به لفعلتها من نفسها "

وقفت حينها تنظر للأسفل وتحركت من هناك فأهون عليها أن تصعد

وتقابل غضبه الذي تعلم أنه يكبته وتجهل السبب من أن تكون مدعاة

للشفقة أكثر من ذلك وواحدة تحاول إقناعها باللحاق به وفهم الأمر منه

والأخرى تحاول أن تُفهم عمتها أن ذلك يجرحها وملاحظتها ليست في

وقتها , صعدت السلالم تحاول في كل خطوة تخطوها فوق عتباته أن

تفسر أو تجد سببا لما فعل رغم أنها من يجب أن تتصرف كذلك بسبب

تلك المرأة في غرفته في ذاك الفندق تناديه باسمه دون أي كلفة بل

وتسأله إن خرج من الحمام , قبضت يدها بقوة تضمها لصدرها

وهمست بحروف متقطعة " لا تخـ طئي مجددا يا غسق "


وصلت باب الغرفة الشبه مفتوح وأمسكت بمقبضه وفتحته ببطء ليكشف

لها عن الواقف عند مرآة التزيين هناك فاتحا درجها الأول ويفتش في

الأوراق ويده داخله , أغلقت باب الغرفة ووقفت مستندة بظهرها عليه

ويديها خلف جسدها تنظر للذي لازال يعاملها كشيء لا وجود له وقد

فك ربطة عنقه ورماها على السرير ولازال يبحث في تلك الأوراق

المكومة في الدرج , رفعت غرتها عن وجهها لترجع وتتساقط عليه تباعا

تمسك دموعها بصعوبة عن النزول وهي تراه يوليها ظهره وقد نزع

سترته ورماها حيث ربطة العنق ثم بدأ بفك أزرار قميصه وقد لاحظت

حركته العنيفة في فعل كل ذلك , رمى القميص وخلع الداخلي أيضا ثم

بدأ بفك حزام بنطلونه فتحركت من هناك فهو في العادة لا يخلعه في

الغرفة أمامها , توجهت للخزانة فتحتها وأخرجت مناشف الاستحمام

الخاصة به فانتفض جسدها بقوة وقفزت ملتفتة للخلف ويدها على

صدرها تسترجع أنفاسها ونظرها على باب الحمام الذي ضربه خلفه

بقوة بعد دخوله دون حتى أن يأخذ منشفة معه , نزلت بنظراتها التائهة

لبنطلونه وباقي ملابسه الداخلية المرمية أرضا وسرعان ما سمعت

صوت المياه المتدفقة في الحمام , لم تستطع الحراك من مكانها ولا

لجمع ملابسه فقد تجمد كل شيء فيها مثل تفكيرها الذي توقف لعجزها

عن فهم ما يحدث ! كم تمنت لحظة دخولها أن ركضت جهته وضمته

من ظهره تدفن وجهها بين كتفيه ويداها تطوق خصره , أن قابلها

بابتسامته ذاتها التي ودعها بها رغم غضبها منه فهذا الوجه لم تعرفه

منه ولا حتى حين غضب منها ليلة رجوعهم من قرى الثنانيين !

كان غضبه ذاك واضحا وعبر عنه لكن الغضب الصامت هذا أمر لم

تعرفه ولا في والدها وأشقائها , انفتح باب الحمام بعد وقت قصير وخرج

منه يلف إحدى مناشف الحمام متوسطة الحجم حول خصره وشعره يتقاطر

منه الماء وتحرك من دون أن يقف ولا لبرهة واجتازها وكأنها جزء من

الخزانة الموجودة خلفها وفتح الباب الآخر وأخرج بنطلونا قصيرا ينام

فيه ونظراتها التي اكتسبت بريقا قويا بسبب تلك الدموع الحبيسة لازالت

تتبعه , همست تنظر لوجهه وهو يغلق زر البنطلون ونظره عليه

" مطر ما بك ؟ "

التفت للجهة الأخرى نصف التفاتة وضرب باب الخزانة بيده ضربة

أرجفتها مجددا وتوجه جهة السرير وجلس في طرفه وقد رمى المنشفة

على رأسه يجفف بها شعره بعشوائية وعنف متجاهلا الواقفة هناك وقد

تدحرجت الدمعة الأولى من عينها , الدموع التي كانت تختار أن تموت

ولا تسكبها أمامه وإن لم يكن هو السبب , مسحت عينيها بظهر كفها

بقوة حين اضطجع على السرير ولازال موليا ظهره لها وشد اللحاف

السميك على جسده , سحبت نفسا قويا كي لا تخونها عبرتها حين

تتحدث رغم أن صوتها لم يخرج إلا همسا " مطر "

" أطفئي النور "


كانت كلماته الجافة القاسية تلك كفيلة بجعلها تعذل عن أي فكرة

للتحدث معه وسؤاله وعملت بنصيحة عمتها جويرية حين كانت

تقول ( اتركي الرجل حتى يهدأ ثم افهمي منه كي لا تكوني متنفسا

لغضبه ذاك ) وليست تعلم أن غضبه أخمده لخمسة أيام هناك قبل أن

يرجع لها به لعلمت أنه في أهدأ حالاته ذاك الوقت , توجهت لملابسه

جمعتها تمسح دموعها الصامتة وكأنه لا وجود لها كحركتها في تلك

الغرفة وأغلقت النور واندست مثله في السرير مولية ظهرها له أيضا

تعزي نفسها بأنه قد يكون مستاءً من أحدهم أو أن أحد المقربين له

مريض أو مات وقد لا تكون هي السبب فهي متأكدة من أنها لم تفعل

شيئا يغضبه بل متى رأته ليحدث ذلك ؟ تلك الأفكار بدلا من أن تطمئنها

وترتاح وتنام جعلتها تلتفت جهته وقلبها يحثها على التقرب منه وتبديد

ضيقه أو حزنه ذاك , نظرت بتردد لظهره وكتفه العاري المكشوف من

الغطاء ولتنفسه الذي لم يدل على أنه نام , نقلت نظرها لشعره الأسود

ورغم الإضاءة الخفيفة في الغرفة كانت ترى كل تفاصيله حتى لمعان

ذاك الشعر الرطب , رفعت يدها بتردد بطيء حتى شعرت بملمس

بشرته وأناملها تمسح على كتفه نزولا لذراعه فابتعد جالسا ورمى

اللحاف من عليه لترتد يدها وقد ضمتها لصدها تنظر له بصدمة وهو

يقف مغادرا السرير في صمت وحركة عنيفة فخبئت وجهها في الوسادة

بقوة حين ضرب باب الغرفة بعد مغادرته منها ونزلت دموعها مجددا

وقد رافقتها عبرتها التي لم تجاهدها لتخنقها في حنجرتها وقررت

سجنها في برودة تلك الوسادة








*

*

*











" أمي "

فتحت عينيها ومسحت على شعره بحنان وقائلة " نعم يا عيني أمك "

ابتسم وقال " وغيهم ما سيكون إن كنت أنا عينيك ؟ لابد أنه أنفك "

ضحكت رغما عنها وقال النائم بجانبه بضيق " بل قلبها وابق أنت

في عينيها "

تجاهله ونظر للنائم في حضنها وقال " إذاً هو ليس صحيح أن خالي

مطر سيقتلنا جميعا في صنوان "

تنهدت بيأس من هذا السؤال الذي لا يتوقف عن طرحه مهما طمأنته

وشرحت له فجدته تلك عرفت كيف تزرع هذه الأفكار في عقليهما

الصغيران , قبلت جبينها وضمته لصدرها قائلة " خالك مطر يحب

جميع من في هذه البلاد يا أبان وحتى الهازان فأنظر كيف يعاملهم

وضمن لهم الأمان ولا يحارب إلا من أراد الحرب "

قال غيهم هذه المرة " وإن أرادت صنوان الحرب هل سيحاربهم ؟ "

أغمضت عينيها بقوة , تكره هذا السؤال والجواب عليه لكن لا حل

أمامها سوى إجابتهما كلما سألاه " لن نستبق الأحداث بني وتأكدا

من أن آخر ما يريده خالكما هو إراقة الدماء لكن ابن راكان أجبره "

وتابعت من قبل أن يتحدث أي منهما " هيا ناما ألم يوصيكما والدكما

بألا تسهرا كثيرا "

ضم أبان خصرها بيديه بقوة يدفن نفسه في حضنها وقال بحزن

" اقترب وقت رحيلنا سأشتاق لك أمي لا أريد أن أتركك "

لم تستطع إمساك دمعتها وغيهم يقترب منهما ويحضنها أيضا في

إحدى مبادراته القليلة قائلا " أجل أمي ليتك تكونين معنا للأبد "

ضمتهما بذراعيها بقوة وقالت بعبرة لم تستطع إخفائها " لنطلبها

من الله يا حبيباي فلا شيء يصعب عليه "










*

*

*












جلست من نومها ما أن سمعت أذان الفجر لكي تصلي كما كانت

علمتها ابنة عم والدها فهي في سن لا يعلمونهم الصلاة في المدرسة

حتى تصبح في الثامنة , وقد أخبرتها أن أشد صلاتين على المنافقين

صلاة الفجر والعشاء كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام فتعلمت أن

تحرص على أن تؤذيها كلما سمعت الأذان وهي نائمة أو شعرت بإغلاق

عمها لباب المنزل وقت مغادرته للصلاة فتستيقظ من نومها تتوضأ وتصلي

بما أن الموجودة في المنزل لم تراها أدت فرضا في يوم ولا صلت ولا

ركعة وكان ابنها مثلها حتى مات لم يعرف الصلاة ولا في المنزل وهي

رغم صغر سنها كرهت أن تموت مثله أو تكبر مثلها , اقتربت من الباب

الغرفة ووقفت جانبا ما أن سمعت حديثا في الخارج بين عمها وزوجته

وهو كما يبدوا يتجهز للذهاب للصلاة فهي لم تدرك أول الحديث وكل ما

كانت تسمعه صوت عمها قائلا بضيق " معك حق تقولي هكذا فأنتي لم

تكوني مكاني مساء أمس حين دخلت مجلس شيخ القبيلة بعدما أرسل في

طلبي ووجدت الزعيم مطر جالسا معه هناك لقد كاد غمى عليا ما أن وقع

نظري عليه ولم أستطع قول حرفين على بعضهما وقد ألقى أوامره وغادر

دون حتى أن يسمع تعليقي على ما قال فاحمدي الله أنه لم يقرر أخذ

المال وأستغرب كيف تركه لنا ! "

قالت زوجته بضيق " وما الفائدة والخيار في بقاء كل ذلك

لتلك الطفلة "

استدنت بالجدار ووصلها صوت عمها الجاد " قال إن اختارت في

أي يوم الذهاب لأي من عميها الآخران تذهب بمالها وشيخ القبيلة

سيزورها أسبوعيا ويسألها بنفسه ووحدهما أي أنها إن طاب لها

المقام معنا لن تطلب ذلك أبدا "

علا صوت تلك قائلة بحدة " وأكون خادمة لتلك الفتاة طوال

عمري لتبقى راضية عنا ولا تغادر ؟ "

تأفف زوجها وقال " ما أغباك من امرأة , ستكون ثمة خادمة تخدمك

أنتي وهي وسنترك هذا المنزل أخيرا لنسكن في آخر أفضل منه بكثير

كل ما عليك فعله معاملتها بأفضل مما كنت عليه أو تجاهلها وإن

رايتها تقف على رأسها لا تسأليها لماذا "

قالت تلك ببرود " الخيار الثاني أفضل , وماذا إن عاد ذاك

المدعو تيم كنعان "

ضحك بسخرية قائلا " سنرى وقتها , هذا إن عاد طبعا "

خرجت حينها الواقفة هناك ونظرت لعمها من عند الباب لوجهه

ولرأسه الملفوف بالشاش وليست تعلم كيف فعلتها لكن حديثهما

الأخير كان على قلبها أعظم من أن تتجاهله , ابتسم عمها ما

أن رآها وقال " ماريه لدي خبر سيعجبك , سننتقل لمنزل أكبر

وأجمل من هذا "

لم تعلق على ما قال فهي تعلم أنه ليس سوى منزل والديها الذي كان

تحت الوصاية وسيصبح لهما جورا وظلما وتستغرب كيف أن ذاك

الرجل العادل مطر شاهين من يعرف عدله القاصي قبل الداني

رضي بكل هذا , همست ونظرها معلق بعمها " أين ذهب تيم ؟ "

نظر لها بحنق من تفكيرها الذي يراه سطحيا وهو يخبرها أنهم سينتقلون

من هذا المنزل القديم , قال بضيق " ذهب للجحيم ما علاقتنا نحن به ؟ "

امتلأت عينيها بالدموع فورا فتأفف موبخا نفسه وقال بهدوء " الزعيم

مطر قال أنه لم يراه أحد وما أن يجده سيرجع ليكون معنا هو وعد

بالبحث عنه "

تركتهما وعادت للغرفة وارتمت على الفراش الذي تنام عليه على الأرض

تخفي دموعها في تلك الوسادة , فهذا كل ما كانت تخشاه أن تفقد تيم أيضا

أن تعيش وحيدة من دون والدته ثم هو , هي من طلبت منه أن يهرب وهي

من قالت له بأنه قتله وأن عمها مات وأرادت حقا أن يبتعد عن ظلمهم له

لكن قلبها الصغير لم يحتمل فكرة أن لا تراه مجددا أن لا تتحدث معه وأن

لا يلعبا معا في الحديقة , هي لم تجتز فقدانها لوالدته حتى الآن لتفقده هو

أيضا ... الفقد الذي كان أعظم من فقد ابنة عم والدها تلك رغم أنها كانت

تراها أكثر مما تراه فهي موقنة من أنه أخذ معه كل لون جميل في عالمها

الكئيب ليصبح بلا ألوان وليست تعلم متى ستراه مجددا هذا إن عاد والتقيا

وليست تعلم حتى متى سيدوم هذا الأمان الزائف الذي يمثله مطر شاهين

من قد يأخذه أي شيء بعيدا ويذهب أمانها معه











*

*

*











جلس متأففا ومرر أصابعه في شعره وبعثره بعنف وعشوائية , لقد

فاته وقت الفجر ولم يحضا بنوم أسوء من هذا من قبل , كره عدم

سيطرته على نفسه وهروبه منها , كره ضعفه وهو من قرر النوم

مكانه وتجاهلها , وكره أكثر نومه في هذا المكان لتطارده رائحتها

طوال الليل وهو ينام في سريرها في الأسفل وقد ضن أن هذه الغرفة

المهجورة لوقت لن تحمل بقاياها ليكتشف أنه حتى رائحتها عالقة في

كل مكان فيها ( هي من اختارت ذلك وأصرت عليه ) جملة ضربت

ذكراها صدغيه كالمطرقة بصوت ذاك الرجل وهو يقولها له بكل ثقة

جعلت كل ما كان يفكر فيه يتلاشى كالضباب , شد على قبضته بقوة

وفكرة أخرى يتقاذفها عقله ( هل اختارت الزواج بأحد أبناء شراع

حين علمت أنها ليست من تلك العائلة وبذلك تضمن أنها لن تخرج

من عائلة الزعيم ؟ ولأجل ذلك أيضا لم تعارض زواجه بها فهي

ربحت أكبر من مخططها السابق ؟؟ )

وقف متأففا بحنق وهمس مستغفرا الله ومتعوذا من الشيطان الذي

أصبح يتلاعب بأفكاره كالكرة في ملعب خالٍ تماما فلا هو استطاع

أن يجد تفسيرا يصدق به أو يكذب ما قال ذاك ولا يستطيع سؤالها

وإجبارها على الاعتراف ويشعر بيديه مكبلتان تماما عن إيجاد جواب

يريحه , توجه للباب مبعدا تلك الفكرة من دماغه رغم أنه لا ينكر أنها

انضمت لمجموعة تحليلاته تلك وسيصعب عليه نسيانها , ما أن خرج

حتى قابله آخر شخص كان يتمنى رؤيته هنا ولم يتوقعه أبدا ليرتجف

جسدها من صدمتها وحيائها وخجلها فالتفتت من فورها

عائدة أدراجها ليوقفها صوته الحازم " حبيبة "

وقفت مكانها تغمض عينيها بشدة تتمتم بالدعاء على نفسها فلم تتوقع

رؤيته هنا وهي من قررت الهرب من مقابلته حتى تنسى ذاك الموقف

والمشهد الذي يعلم أنها رأته لتجد نفسها أمامه الآن ... لا وفي أي هيئة

ومن أين يخرج ؟ ولم يخبرها عقلها أنه في تلك الغرفة لم يكن أحدا معه

أمسكت فمها بيدها تمنع شهقتها من الخروج وحنجرتها تنبؤها بالسوء

فمشهده هكذا لا يلبس سوا بنطلونا قصيرا لأقل من نصف ساقيه فقط

لا شيء معه كان كفيلا بجعل وجهها يتساقط على الأرض لقطع من

الخجل فكيف إن تجمعت كل تلك المصائب معه , وصلها صوته

الجاد الثقيل المتأثر بنومه " من الذي اتصل بالفندق من هاتف

المنزل ومتى كان ذلك ؟ "

أبعدت يدها عن فمها بصعوبة وحركت شفتيها المرتجفة تقاوم

ليخرج صوتها " السيدة غسق "

غضن جبينه ينظر لقفا الواقفة هناك مستغربا وقال

" متى ذلك ومن كان معها ؟ "

أراحت كفها على صدرها تنظم أنفاسها وقالت " صباح أمس وكنت

أنا فقط معها وغادرت ما أن فتحت أنت الخط "

تحرك من هناك ومر مجتازا لها فلم تجد نفسها إلا هاربة في الجهة

الأخرى بينما تابع هو طريقه حتى وصل السلالم وصعد وفكرة واحدة

تدور في ذهنه ( ستكون سمعت صوت تلك المرأة وكلامها بالتأكيد

فكيف لم يظهر ذلك عليها فليست عادتها !! )

فتح باب الغرفة ودخل مغلقا له خلفه ونظر للنائمة مكانها تغطي نفسها

بالغطاء حتى رأسها ولا يظهر منه شيء , نظر باستغراب للباس الصلاة

الخاص بها وقد تغير مكانه عن البارحة ثم بحث سريعا عن مصحفها

وكان أيضا بالقرب من رأسها عند وسادتها وليس في حاملته على الطاولة

توجه لطاولة التزيين رفع ساعته ونظر للتاريخ فيها يتأكد منه ثم رماها

عليها مجددا ونظر للتي لازالت منكمشة على نفسها تحت ذاك الغطاء

السميك ومرر أصابعه في شعره وعقله يحسب ذاك اليوم في مثل هذا

من ذلك الشهر حين عاد من الحدود مصابا وكانت لا تصلي , نزل بيده

وأصابعه عبر شعره الكثيف لعنقه حتى نزل بها لصدره وهمس ممررا

لها عليه ونظره لم يفارق تلك " حامل يا غسق ! "

اقترب منها بخطوات سريعة حتى جلس في طرف السرير قرب خصرها

ومد يده لجهتها الأخرى منحن فوق جسدها الذي تنبعث منه رائحتها التي

تميزها عن الجميع , استند بساعده مقتربا منها حتى شعر بأنفاسه تخترق

ذاك الغطاء الذي تختبئ تحته وأصبح يسمع أنفاسها القوية الغير منتظمة

وسرعان ما ابتعد ووقف مجددا وتوجه للحمام وما أن أغلق الباب خلفه

انسحب الغطاء عن رأس تلك النائمة هناك التي لم يغب عنه أنها كانت

مستيقظة ولم يغب عنها اقترابه وجلوسه بجانبها حتى أنها شعرت به وهو

يوشك على احتضان جسدها ودفن رأسه في صدرها ومن ثم تراجعه

السريع مبتعدا , سحبت المصحف جهتها وضمته لصدرها بقوة وبكت

لا تعلم ماذا ولماذا وما هذه الدموع التي لم تعرفها سابقا وتعجز عن إيقافها

الآن ! كل ما تعرفه أن كل ما كانت تخشاه أصبح يحدث الآن وأصبحت

تفقده شيئا فشيئا وإن جهلت السبب , غادرت السرير وفي نيتها الخروج

من الغرفة قبل خروجه من الحمام لكنها فوجئت به يفتح الباب ويخرج

فهربت من النظر له وتوجهت للخزانة فتحتها وانشغلت بإخراج ثوب

طويل تلبسه بينما جميع حواسها كانت تتبعه من خروجه متمتما بالتشهد

يمسح ساعديه بالمنشفة لوصوله لسجادتها فعضت طرف شفتها توبخ نفسها

على أنها لم تبحث عنه وتتأكد من استيقاظه للصلاة وهي من تعلم وأخبرها

سابقا أنه حين ينام متعبا إن لم يوقظه أحد يفوته الفجر غالبا ولا يستيقظ على

الأذان , نظرت له من خلف باب الخزانة وكان يقف على السجادة وقد رفع

يديه مكبرا فنزعت قميصها ذاك بسرعة لتلبس الفستان وجمدت مكانها والقميص

في يدها حين بدأ بتلاوة سورة الفاتحة وملأ الغرفة الساكنة صوت تجويده بذاك

الصوت الجهوري الفخم تشوبه تلك البحة المميزة يتلو الآيات بتأن وإتقان وصوت

لم تسمعه من قبل , رمت القميص من يدها ولبست الفستان سريعا تحمد الله أنه

يصلي لما كانت ضمنت نفسها وما قد تفعل إن فعلتها واقتربت منه كما يطلب

قلبها الغبي الآن , أغلقت الخزانة وجمعت الثياب وخرجت من الغرفة قبل أن

ينهي صلاته وليست تعلم ما يحدث معها ! لماذا لا تسيطر على مشاعرها

اتجاهه رغم نفوره الواضح والغير مبرر منها ؟ نزلت السلالم تلف حجابها

فهي تلبسه منذ جاء ابني جوزاء فهما تجاوزا العاشرة , سلمت الثياب لحفصة

وتوجهت جهة غرفة الطعام حيث تسمع أصواتهم هناك فقد أصبحت عادة

العائلة الإفطار هذا الوقت منذ استخدموا تلك الغرفة لأنه وقت إفطار عمتها

من أجل علاجها والجميع يكون مستيقظا حتى ابنا جوزاء معتادان على ذلك

دخلت الغرفة فضحك أبان وقال مشيرا عليها من قبل أن تتحدث

" أرأيت أمي لم تتناول الفطور معه في الغرفة بل معنا "

توجهت ناحيتهم مبتسمة وسحبت الكرسي وجلست فما لا يعلموه أنها كانت

تنوي الهرب منهم ومنه ومن كل شيء متظاهرة بالنوم ثم لم تجد مفرا سوى

بالهرب منه لهم , سحبت طبق التمر من أمام عمتها فهو يوضع لها خصيصا

مع الحليب لانخفاض السكر فقالت تلك ضاحكة " ما بك مع طبقي بتي كل

يوم تسرقيه مني ؟ "

قالت مبتسمة وهي ترفع إحدى حباته اللامعة " لا أعلم لما يسرق نظري

هو تحديدا ولا أشبع منه "

قال أبان من فوره مبتسما " والدي يملك عشر نخلات ستأتي إذا للعيش

معنا والأكل منها "

ضحكت جوزاء وقالت " يقدم لك جميع المغريات لتذهبي "

" صباح الخير "

كادت تغص بحبة التمر التي أكلتها للتو ما أن سمعت صوته من خلفها

من لم تتوقع أن ينضم لهم لتناول الفطور ولا أي وجبة ! خاصة وأنها

هي من وضع ذاك القانون وإن كان رحب به الجميع فهي تعلم أنه لم

يعتد عليه ولا يهتم لتلك الأمور , رفعت كوب الماء وشربت منه لتدفع

ما علق في حلقها ووضعت الكوب لحظة جلوسه مكانه السابق وكان

بجانبها فلا مكان شاغر غيره فجوزاء وابنيها يأخذان الطرق الآخر من

تلك الطاولة وحمدت الله أنه لم يختر الكرسي الذي يلي الكرسي بجانبها

وجعل منهما موضع شبهة اليوم أيضا رغم أن جمود ملامحه ووجومها

هي وشرودها هربا من النظر له كان يوضح ما بينهما دون عناء تفكير

كانت جوزاء تقنع ابنها بشرب المزيد من الحليب وهو يرفض بينما

عمتها انشغلت مع غيهم تسأله عن أمور دراسته فهو كعادته يلوذ

بالصمت وهم يحاولون حثه على الحديث بسؤاله عن أي شيء ولم

يبقى للصمت سواها والجالس بجانبها فشغلت نفسها بحبة تمر أخرى

تنزع النوى منها فلم تشعر بها إلا وقد اختفت من بين أصابعها بسبب

اليد التي امتدت لها ورمتها في الصحن ثم دفعه بعيدا عنها هامسا ببرود

" توقفي عن تناول المزيد منه "

أنزلت يديها لحجرها وقبضتهما ببعض بقوة تقاوم الرغبة الغبية في البكاء

بسبب أسلوبه وطريقة كلامه ولا تفهم ما المانع في أكله ! حمدت الله سرا

أنه لم ينتبه أيا منهم لما حدث بينما عاد هو للأكل وكأن شيء لم يحدث

فمدت يدها لإبريق الشاي , سكبت في الكوب حتى امتلأ ولم تشعر به

فوضعت الإبريق ورفعته لشفتيها ببطء فلا رغبة لها في شربه ولا تعلم

لما سكبته أساسا فهي لا تفضل شربه كثيرا ويبدوا أنها لم تجد غيره

تشغل به نفسها كي لا تنفجر باكية , ارتجف جسدها بقوة حين أمسك

بالكوب ولامست أصابعه أصابعها وسحبه منها قائلا بضيق " ألست

تعلمي ما في هذا الشاي ووصلتك رائحته أم تجهلين وضعك ؟ "

ووضعه على الطاولة بقوة تناثرت معها قطرات كثيرة منه وأصبحا

مرمى لنظرات من حولهم مستغربين ما يجري فوقفت وغادرت المكان

راكضة فلم تعد تتحمل معاملته لها بهذا الشكل أمامهم أكثر من ذلك

وليست تفهم ما الخطأ فيما تفعل ؟ تبادلتا جوزاء وعمتها النظرات

مبتسمتين ثم نظرتا للجالس أمامهما ينظر للخلف حيث اختفت التي

غادرت للتو وما أن نظر أمامه وجد تلك النظرات مسلطة عليه

وقالت عمته مبتسمة " ما أسعده من خبر يا مطر , مبارك

لكما بني "

نظر للطعام تحته وهمس ببرود " باركك الله عمتي ولتنتبه لنفسها

أراها مهملة جدا "

قالت جوزاء مبتسمة " ليس كل ما يقال عنه يضر فأنا سبق وجربت

بنفسي "

وقف وقال مغادرا " وإن يكن فهو شهرها الأول "

وما أن خرج حتى انفجرت جوزاء ضاحكة وكأنها تكتم تلك الضحكة

منذ دخل وقالت عمتها مبتسمة " أعانها الله عليه "

قالت جوزاء وضحكها لم ينتهي بعد " لا أصدق أن من كان أمامي مطر

لا غيره ! كاد يلقي عليها محاضرة عما لا يصح أكله أمامنا "

لم تستطع نصيرة إمساك ضحكتها وقال أبان ناظرا لهما يشاركه

غيهم تلك النظرات المستغربة " ما بكما ؟ وما بها غسق ؟ "

نظرت له والدته وقالت تكتم ضحكتها " عروسك شبيهة زوجة خالك

قد تكون في طريقها إلينا أو شقيقها الذي قد يقتلع عينيك قبل أن

يزوجك بها "

نظر لها بعدم فهم فصفقت يديها قائلة " هيا أغسلا أيديكما وأجدكما

في الغرفة "

خرجا من فورهما يتحدثان مع بعضهما وقالت مبتسمة " وما بهما

مستعجلان هكذا ؟ كلها شهران وحملت ! "

نظرت نصيرة جهة الباب وقالت بشرود " فرحتي بذلك لا تضاهى

لكني أشم رائحة شيء غريب بينهما ! هل لاحظته معي ؟ "

قالت تلك مستغربة " شعرت بذلك منذ عاد بالأمس لكني خمنت

أنه بسبب سفره أو أي أمر خارج هذا المنزل , لا أضن أن ثمة

ما سيزعجه منها وهو كان مسافرا "

همست عمتها متراجعة بكرسيها للخلف " أتمنى ذلك "











*

*

*












مررت يدها على أسفل بطنها تجلس على السرير في غرفتها مولية

ظهرها للباب تفكر فيما قاله ... حامل !! هل هي حامل حقا ؟ وهل

يلاحظ هو ذلك قبلها وكأنه ينمو بداخله وليس بداخلها ؟ فكرت في أي

أيام من الشهر الهجري هم الآن وأدركت فورا أنه منتصف الشهر من

اكتمال القمر ليلة البارحة أي أنه مر أربعة أيام على موعد دورتها

الشهرية وهي غائبة تماما لكن الذي لم تفهمه كيف علم هو إن كان لا

يعلم أساسا موعدها والأوقات التي كان فيها موجودا وقريبا منها حد

النفس الواحد كانت بعيدة عن موعدها ذاك ! تحسست أسفل بطنها مجددا

وعضت طرف شفتها مغمضة عينيها وابتسامة نقية ارتسمت على تلك

الشفتين فلم تصدق حتى الآن أن طفلها منه ينمو في داخلها وأنها هنا تحمل

ثمرة كل ما جمعهما في هذا المكان ... طفل ! طفل لها هي وهو والده !!!

شعور لم تعرف تفسيره ولم تفهمه وليست تعلم سوى أنه تغلب على كل

تعاستها اليوم وعلى جميع الدموع التي سكبتها , أنزلت رأسها ونظرت

حيث لازالت أصابعها تتحرك بنعومة فوق ذاك الجزء من جسدها

وهمست مبتسمة " لم أشعر بك بني هل تصدق ! علم عنك والدك

قبلي لكني وحدي من سأشعر بك من الآن فصاعدا "

ماتت ابتسامتها فجأة وقبضت على فستانها بقوة حين انفتح باب الغرفة

وانغلق وشعرت بخطواته خلفها لتعود تلك المشاعر تصارعها مجددا

وكانت تمسك نفسها بصعوبة عن الالتفات له والاكتفاء وإن بالنظر لوجهه

ولحركته وتصرفاته وإن كان غاضبا ورافضا لها , لم تكن لتتمنى أبدا أن

يكون أمر حملها عاديا بالنسبة لهما وكأن شيئا لم يكن , لم تكن تتوقع منه

الكثير لكن ليس هذا , تمنت أن عبّر عن سعادته بالأمر وإن بقبلة صغيرة

بخيلة لخدها وهو يبارك لها على ما أكرمهما الله به فلم يكن يبخل عليها

بالقبلات سابقا , وبقدر ما تمنت كل ذلك أرادت الآن أن لا يقترب منها

فهي لن تضمن نفسها وما قد تفعل وهو ينفر منها بهذا الشكل ولا تريد

لعباراته القاتلة أن تكرر على مسمعها مجددا لن تحتمل ذلك منه أكثر ولا

تريد أن تنهار أمام لأن هذا ما سيحدث حينها , أغمضت عينيها بقوة حين

خرج ضاربا الباب خلفه وفي صمته الذي دخل به , مررت يدها في غرتها

رافعة لها للأعلى وقد لمعت عينيها السوداء الواسعة بدموع قهرها وحسرها

الحبيسة وهمست بأسى " ليتك تترك عنك التعبير بضرب الأبواب

وتتحدث وترحمني يا مطر , لأعلم ما يكون هذا الجرم الذي

اقترفته يجعلك هكذا ؟ "

ارتمت على السرير بجانبها وخبئت وجهها فيه تقبض على ملاءته بقوة

ونزلت دموعها مجددا , الدموع التي تودعه بها في كل مرة , الدموع

التي تغسل بها قسوته لتعود وتتوق له بلهفة ما أن تراه مجددا .

ليست تعلم كم مر عليها من وقت وهي في تلك الحال حتى أخرجها مما

هي فيه صوت طرقات على باب الغرفة وصوت أبان يناديها فجلست

تمسح عينيها بقوة ووقفت وتوجهت للباب تلف حجابها على شعرها

وما أن فتحت له حتى قال مغادرا يركض عبر الممر

" جدة نصيرة تريدك في الأسفل "

واختفى خلف السلالم من قبل حتى أن تتحدث أو يعطيها فرصة لتسأل

دخلت الغرفة مجددا وتوجهت للحمام غسلت وجهها عدة مرت وجففته

بالمنشفة عل أثر الدموع يخف ولو قليلا عن عينيها المنهكة , وما أن

نظرت للمرآة حتى اكتشفت أنها عبثا تحاول وأن منظر عينيها كان مريعا

فهي بكت لوقت طويل لم تحاول فيه ولا إجبار نفسها على التوقف , عادت

للف حجابها مجددا وغادرت الغرفة ونزلت لها فلن تستطيع التهرب منها

فلم يسمح لها أبان بقول أي عذر تتهرب به بل لو رأى هو وجهها وعينيها

لكان الخبر وصلهم من قبل أن تنزل , وصلت للأسفل وسمعت أصوات جوزاء

وابنيها جهة باب المنزل المفتوح أي أنهم في الخارج فحمدت الله أنهم هناك

على الأقل تواجه عمتها فقط بذاك الوجه المنهك من كثرة البكاء , طرقت باب

غرفتها ما أن وصلته ثم فتحته ودخلت ملقية السلام هامسة تنظر للأسفل هربا

من عينيها فمدت تلك يديها لها وقالت مبتسمة " تعالي يا غسق لأبارك لك

بنيتي , ما أسعده من يوم يومي هذا ومن صباحه "

توجهت نحوها حيث تجلس في سريرها وارتمت في حضنها تجاهد نفسها

كي لا تبكي مجددا ومسحت عمتها على رأسها قائلة بسعادة " هكذا إذا

تخبئين الخبر عنا حتى يسمعه هو أولا ؟ "

دست وجهها في حضنها وقالت ببحة " لا ليس كذلك عمتي فأنا أيضا

علمت اليوم "

أبعدتها عنها مستغربة ونظرت لوجهها لتشهق بصدمة وقالت بقلق

" غسق ما به ووجهك هكذا ! هل كنت تبكي ؟ "

أرخت نظرها منزلة رأسها للأسفل ولم تتحدث فقالت تحثها بإصرار

" غسق هل تشاجرتما ؟ هل قال شيئا أغضبك "

هزت رأسها بلا وقالت وقد غلبتها عبرتها " لم نتشاجر ولست أفهم

ما به عمتي وما يغضبه "

ضمتها لحضنها مجددا حين نزلت دموعها وعادت للبكاء وكأنها لم

تبكي كل ذاك الوقت , ضمتها لها أكثر وقالت بتوجس " كيف لا

تعلمين ما به يا غسق ! هل سيغضب بدون سبب ؟ "

ابتعدت عنها تمسح خديها وقالت من بين عبراتها المتلاحقة " أقسم لست

أعلم عمتي ! حين عاد كان يرفض الحديث معي ولا حتى النظر لي

وسألته ولم يجب , لو أخبرني عن جريمتي لكان أراحني من التفكير

فيها على الأقل "

مسحت تلك على خدها المحتقن من بكائها وقالت " هوني عليك بنيتي

ولا تنسي أنك حامل وهذا سيضرك وسيغضب منك حينها أكثر

فقد أوصى بنفسه أن تعتني بنفسك "

لم تزدها تلك الكلمات إلا بكاءً وهي تسمع عن اهتمامه بها وبطفله

من غيره بينما بخل عليها بكلمة واحدة , تنهدت للجالسة أمامها

متمتمة " لا حول ولا قوة إلا بالله "

ثم قالت بهدوء " يكفي يا غسق فالبكاء لم يكن يوما حلا ولم تكوني

هكذا سابقا "

عادت لمحاولة مسح دموعها تمسك عبراتها لعل بكائها يخف قليلا

ووصلها صوت عمتها الحنون الهادئ قائلة " عليك سؤاله وفهم الأمر منه

يا غسق فلا يوجد شخص لا يخطئ ثم يكون عليه الاعتذار عن خطئه

والرجل مهما غضب من زوجته سيسامحها وينسى كل شيء إن علمت

كيف تكفر عن خطئها وتعتذر عنه فلا كرامة بين الزوجين يا غسق وستري

بنفسك كيف ستتغير الأمور ما أن يشعر بأن رضاه عنك يعنيك وأنتي

أعلم في تلك الأمور وما الذي يرضي زوجك وما يغضبه "

هزت رأسها بحسنا ولازالت تنظر للأسفل وتمسح عينيها وهمست ببحة

" سأفعل ذلك عمتي "


وهو ما رأته عين الصواب فعليه إخبارها وعليها أن تعلم ما يغضبه منها

شدتها تلك لحضنها مجددا لتتكئ على كتفها وقالت ماسحة على ذراعها

بحنان تحاول تغيير مزاجها " أخبريني الآن ما الذي تشتهينه

طوال الوقت فتلك عادة الحوامل "

وتابعت بضحكة " عدى طبق التمر الخاص بي كل صباح طبعا "

ارتسمت ابتسامة على شفتيها وإن كانت باهتة حزينة وهمست وقد خبأت

وجهها في حضن عمتها الدافئ " لا شيء سوى رؤية والده طوال

الوقت والبكاء لأبسط الأسباب "

عادت نصيرة للضحك وقبلت رأسها قائلة " إذاً وحمك عليه هو فأعانه

الله وأعانك "

فدست وجهها في حضنها أكثر وكانت هذه أكثر مرة لم تشبع فيها من

حضنها وحنانها ، وجدت فيه والدتها التي لا تذكر حضنها ووالدها

الذي لم تعرفه يوما ويئست من معرفته , وحتى والدها الذي رباها بل

وحضن عمتها جويرية الذي لطالما نامت فيه وأشعرها بالدفء والحنان

شعرت بنفسها تهرب من كل شيء باللجوء له حتى من قسوة ذاك عليها

فرفضت تركه وأصابع عمتها تمسح على شعرها بحنان تحدثها عن كل

تلك الأمور التي لطالما عشقت سماعها منها وزرعت الابتسامة على

شفتيها الحزينة بل وضحكت كم مرة وإن كانت ضحكة صغيرة تغلبت

على بؤسها بالقوة وقد نجحت في جعلها تشاركها حديثها وإن بكلمات

بسيطة ولم تملا كليهما لا التي تتكئ على كتفها ولا التي تمسح على

ذاك الشعر الحريري بحنان وتتحدث بحب دون كلل ليقطع كل تلك

اللحظات الحانية صوت الطرقات الخفيفة على الباب فابتعدت عنها

وأعادت لف حجابها لحظة ما انفتح الباب بعدما أذنت تلك له ودخل

صقر مبتسما ومقتربا نحوهما , صبّح على شقيقته وقبل رأسها

يسألها عن صحتها ثم نظر للجالسة على الطرف الآخر للسرير

وقال مبتسما " وكيف حال عروسنا ؟ "

ابتسمت هامسة له " بخير عمي شكرا لك "

وضحكت نصيرة قائلة " عروس بعد كل هذه الأشهر ؟ "

قال مبتسما وهو يجلس على الكرسي قرب السرير

" هي عروس ما لم تنجب أبناء "

نظرت لها عمته مبتسمة فعضت طرف شفتها تهددها وقد احمرت

خداها خجلا وأنقدها وقتها الباب الذي انفتح دون طرق واندفع منه

أبان راكضا حتى وصل عندها وسحبها من يدها قائلا بحماس

" تعالي هيا بسرعة "

وخرج بها لا تكاد تجاري خطواته الراكضة ولم يترك لها فرصة

ولا لتسأله أين سيأخذها حتى وجدت نفسها خارج المنزل ولازال

يسحبها قائلا " تعالي لتسمحي لي بتجربته "

ووقفت مكانها متسمرة حين رأت الواقف هناك مع غيهم وجوزاء , بل

ما راعها في ذاك المنظر هو الحصان الذي يمسك بحبل لجامه , علا

تنفسها تدريجيا حتى كاد يتحول لشهقات وهي تنظر لتفاصيله ... هو ذاك

الحصان لن تخطئه أبدا ذات اللون وبياض ساقه اليمنى الخلفية ولجامه

والابيضاض في نهاية شعر ذيله , عادت بها كل تلك الذكرى وعصفت

بمشاعرها كأمواج عالية تضرب بقوة ودون رحمة , تذكرت دخولها

للحالك وتركها لصنوان خلفها للأبد وهي من ضنت أنها سترجع لها

في غضون ساعات , تذكرت جبران وجليلة وجدتها ووالدها والكاسر

ورعد ورماح بل وحتى الحقول التي مرت بها وذاك العجوز يناديها

لترجع , ملأت الدموع عينيها وغصت العبرة في حلقها والذكرى تأخذها

لمطاردتهم لها والرصاصة التي أصابتها ورمي الحصان لها من على

ظهره لتعلق في هذا المكان للأبد ولتعرف ذاك الرجل الذي بدأ بسلبها كل

شيء تدريجيا منذ وقعت في قبضته ابتداءً بحريتها حين جلبها هنا وسجنها

في منزله وانتهاءً بجسدها الذي أصبح يشاركها فيه ابنه , لم تفهم سبب

وجود هذا الجواد هنا ولا وجودها هي أيضا ! نقلت نظرها منه للواقفين

حوله لجوزاء وابنيها الناظرين لها ليستقر على الواقف يمسك حبل اللجام

تلعب أصابعه بشعر ذاك الجواد ونظره عليه ووحده من يتجنب النظر

جهتها لتزداد غصة الألم داخلها وهي تشعر بكل ذاك الكم من النبذ

وهي من باتت تراه وحده بقرب ذاك الكائن الرائع في كل تلك الصورة

ووحده من يليق به الوقوف قرب ذاك الجمال العربي الأصيل ليكمله

أبعدت نظرها عنه مشيحة بوجهها فلتمنع نفسها عن النظر بلهفة له

وإن بالقوة ولتجبر نفسها خيرا من أن تكسرها , اقترب منها أبان

مجددا وسحبها من يدها جهتهم قائلا " هل ستسمحين لي بركوبه

يا غسق ؟ "

وقفت عن الحركة تماما تنظر له بصدمة وقد أصبحت على بعد

خطوات قليلة جدا منهم وقالت مستغربة " ولما سأسمح أنا لك ؟ "

تحرك جهته يمسك بالحبل مع خاله قائلا " لأنه لك طبعا "

نظرت من فورها للواقف بجانبه ووجدته هذه المرة ينظر لها وكأنه

يختبر ردة فعلها فقالت بشبه همس وعينيها في عينيه " لكنه ليس

لي هو ملك لصاحبته وعليه أن يرجع لها فهي لا تملك غيره "

أبعد حينها نظره عنها ونظر لأصابعه التي لازالت تلعب بشعر

عنقه وقال بجمود " صاحبته تلقت ضعف ثمنه وبرضا منها

ولم يعد ملكا لها "

زمت شفتيها تنظر له بأسى وكرهت عدم قدرتها وقتها على التحدث

والتعبير عما يخالج نفسها ولم تفهم أيقصد بهذا تذكيرها بما حدث

أم ماذا وهو من يرفض حتى النظر لوجهها ليحضره اليوم ويخبرهم

أنه لها ؟ همست تنظر لجانب وجهه " إذاً هو لك أنا لا أريده أكرهه "

نظر لها بسرعة نظرة لم تفهمها شعرت بها اخترقتها كسهم من نار

قبل أن تدرك أن المعنى الذي وصله منها أنها تكرهها لأنها سبب وجودها

هنا , كانت حاستها السادسة تستشعر انفجارا وشيكا لشفتيه القاسية الغاضبة

تلك ليحولها أمامهم لأقل من ذبابة تطير حولهم لولا انتقل نظر الجميع

هناك للخطوات المقتربة من خلفها وصوت عمها صقر قائلا بضحكة

" إذا صاحبة الهدية آخر من رآها "

نظرت له بصدمة وهو يمر من جانبها قائلا ونظره على ابن شقيقه

" كنت أتسأل عن سبب جلبك له اليوم لكن الآن فهمت "

واقترب منه ونظراتها لازالت تتبعه فاغرة فاها الصغير الممتلئ حتى

وصل عنده وربت على كتفه وهمس له بجانب أذنه بصوت كان

يعلم بأنه سيصل الجميع لقربهم منهما " مبارك يا زعيم الحالك "

لتظهر أول ابتسامة على طرف شفتي الناظر للأرض ويد عمه لازالت

ترتاح على كتفه وأبعدت هي نظرها منزلة رأسها للأسفل وعضت شفتها

بقوة من الإحراج المتكرر , إحراج اختلط بشعور قاسي بالألم لسعادة

الجميع ومشاركتهم بهذا الخبر وهما لما يتشاركا فيه , بارك الجميع له

بينما هو لم يبارك لها بل حتى أمر حملها لم تعلمه إلا منه وبطريقة قاسية

وأمامهم , تمنت لحظتها أن ابتعدت عن كل شيء هناك أن رماها الزمن

في بعد مغلق لوحدها تبكي فيه وحيدة وبعيدة عن الأعين , أن تعبر عن

رفضها واستيائها وجميع رغباتها المكبوتة , رفعت يدها مرتجفة لعنقها

وفكت حجابها قليلا من حوله لشعورها القوي بالاختناق والهواء بات

يدخل لرئتيها بصعوبة , غادر عمها وغيهم يتبعه يتحدثان معا عن وعد

ما قطعه له ورفعت هي نظرها وعينيها الممتلئة بالدموع تلمع بوهج أسود

قاتم لتقع على العينان التي تماثلها سوادا وجمالا تحدق بها بنظرة لازالت

فارغة خالية من أي تعبير ليست كما عرفتها سابقا أبدا , أبعدت هي نظرها

هذه المرة تكابد تلك الدموع كي لا يطعنها بسكين تجاهله لها مجددا ونظرت

لأبان الذي كان يشد حبل اللجام حتى دار وجه الجواد ليقع نظرها على المنديل

الصغير المربوط في لجامه ولم تتخيل أن يكون لازال موجودا به حتى الآن

وكانت تلك هي الضربة الأكثر إيلاما لقلبها ونقطة ألا عودة لذرف تلك

الدموع التي تساقطت تباعا وقد أمسكت فمها بيدها تمسك العبرات التي

غلبتها تشهق فيها كالغريق لتتجه الأنظار لها فورا ونظرها لازال على

ذاك المنديل ودموعها تجري على وجنتيها دون توقف وتلك العبرات

تتحول لأنين وسط نشيجها الباكي وقبل أن يستوعب أي منهم ما يحدث

معها اقتربت بسرعة وسحبت ذاك المنديل ودفنت فيه شفتيها رأسها تكتم

بكائها الموجع فيه وقبل أن تتحرك جوزاء ناحيتها لأنها كانت في الطرف

الآخر سبقتها خطوات الواقف جهتها ومد يده قائلا وهو يحاول

سحبه منها " لمن هذا المنديل يا غسق ؟ "

كانت تمسك به بقوة متجاهلة نبرة الاتهام القاسية في كلماته والواقفة

هناك تنظر له بصدمة ثم لها تريد الصراخ به ليتريث وهو يرى حالتها

هكذا لكنها لازالت تخشاه وتعلم ما يكون غضب شقيقها جيدا وتلك ترفض

تركه من بين أصابعها رغم شده له وكلماته العنيفة " لمن تكلمي ؟ "

شدته منه بقوة جعلت حجابها ينزل حتى كتفيها لازالت تنزل رأسها للأسفل

ودفنته في صدرها قائلة بعبرة وسط بكائها " للكاسر ... أقسم أنه لشقيقي

الذي لن تعوضني الحياة عنه بشقيق "

كانت عبارتها تلك ما كسر كل ذاك الجو المتوتر المشحون فنزلت دمعة

جوزاء ومسحتها بكفها سريعا أما الواقف أمامها ودون شعور منه أمسك

بذراعها وسحبها لحضنه وطوقها بذراعيه , لم يفهم هل بسبب فهمه

الخاطئ واتهامه أم بسبب بكائها الموجع الذي جعلته نيران غيرته من

ذاك يتجاهله منذ البداية وإن مكرها !! دفنها في صدره أكثر يخبئ عبراتها

فيه وهي لا تزداد إلا خروجا وبوجع , طوقها أكثر بذراعيه مخبأ وجهه

في شعرها متجاهلا كل ما في نفسه اتجاهها تلك اللحظة لأنه يعلم كم هي

ضعيفة وهشة وقتها وكم تحتاج لمن يسندها وهي ترى نفسها غريبة في

ذاك المكان فهو من بات يفهمها أكثر من غيره , تحركت جوزاء حينها

ساحبة ابنها معها وإن مكرها تهمس له من بين أسنانها بضيق أنهما

سيرجعان لاحقا حتى غابت عن ذاك المكان تاركة صوت ذاك البكاء

الرقيق يتلاشى خلفها وتلك الذراعان تزيدان من دس ذاك الجسد في

تلك الأضلع وكأنه يبالي أساسا بوجودهما ومغادرتهما , مسح بكفه على

ظهرها وقبل شعرها وهمس بخفوت " يكفي بكاء يا غسق سوف أبعده

عن هنا إن كنت لا تريدين رؤيته "

تمسكت بحضنه أكثر ويدها تقبض على قميصه بقوة ولم يخف بكائها شيئا

فكل ما كان يعنيها حينها أمان حضنه ودفئه والشعور به بعد كل ذاك النفور

منه ولهفتها عليه ، كانت كتائه وجد وطنه أخيرا وشعرت وكأنها لأول مرة

تختبر حضنه وقربه ورائحته فهو من كان يمثل بالنسبة لها كل ما فقدته في

عالمها ... هو والديها اللذان لم تراهما وشقيقها الذي فارقها باكرا بل ووطنها

الذي تغربت فيه فكم شعرت بالوحدة والغربة منذ شعرت بابتعاده وهو قربها

وبأنها تفقده أيضا من عالمها , بقيت سجينة ذاك الحضن حتى خف بكائها

تدريجيا فسار بها جهة المنزل يحضن كتفيها بذراعه ويدفن وجهها في كتفه

بيده الأخرى لازالت لا تتحكم في شهقاتها التي تخرج متقطعة بسبب بكائها

ذاك , سار بها في صمت لم تستطع قراءته وكلما رفعت رأسها ونظرت

لوجهه كان ينظر لوجهتهما وملامحه عادت تتمسك بجمودها الذي لم يعد

يخيفها شيء مثله , دخلا المنزل ووصلا السلالم فعادت دموعها لملئ

مقلتيها المحدقة به ولم تفهم سبب تقلبه هكذا ! نظر لها ما أن كانا

أمام عتباته وفي لحظة رفعها بين ذراعيه وصعد بها السلالم

فتمسكت بعنقه تدس وجهها فيه وهمست بأسى " مطر أ....... "

" أشششش .... "

همسة خافتة منه بتلك الكلمة جعلتها تعذل عما كانت تود قوله وشدت

ذراعيها على عنقه أكثر تخفي دمعتها فيه حتى أوصلها الغرفة وأنزلها

على السرير برفق وتركت ذراعها عنقه ببطء ونظرها على وجهها ونظره

البعيد عنها وتنفسها المضطرب يلفح قسمات وجهه وعلق نظرها عليه

وهو يبتعد جهة الباب بخطواته الثابتة الواسعة وكأنه يهرب من كل شيء

هناك حتى اختفى خلفه مغلقا له تتبعه دمعتها العالقة من وقت في

رموشها وهمست بحرقة " تحدث يا مطر أرجوك وارحمني "










*

*

*












راقبت ابنها الخارج من الباب راكضا ثم نظرت لعمتها التي قالت


ضاحكة " لو تركته غادر من البداية لما تسجنينه هنا ؟ "

قالت جوزاء بضيق " أردت أن ندخل ونترك مطر وزوجته وحدهما

لكنه ما أن رأى ذاك الجواد حتى جن والتصق به "

تنهدت عمتها وقالت بقلق " ليجبر الله كسرهما كانا لا أروع منهما

لا أعلم ما قلب حاله فجأة ؟ "

نظرت لها جوزاء وقالت " هل سألتها وتحدثت معها ؟ "

هزت رأسها بنعم وقالت بهدوء " ولم أخرج بنتيجة وترفض أن أتحدث

معه ومعها حق فقد يلقي باللوم عليها , لا أعلم ما يمنع الرجال حين

يغضبون من المرأة أن يخبروها أن ذاك وذاك ما أغضبهم ؟ "

تذكرت الجالسة بجانبها ما حدث أمامها منذ قليل وقالت مبتسمة " لا

أعتقد أن غضبه سيطول , لقد وقع ابن والدي وظهر ما يجعله

ضعيفا أمام نفسه وما لم يعلمه والدي كيف يقتله في داخله "

هزت تلك رأسها بموافقة وهمست " كان الله في عونها عليه فبقدر

مميزاته الكثيرة عيوبه شديدة "

ثم نظرت لابنة شقيقها وقالت " هل سيأخذ عمك ابنيك اليوم ؟ "

نظرت جوزاء ليديها في حجرها وماتت ابتسامتها وقالت بحزن

" أجل ... لم أشعر أنها سبعة أيام مرت على وجدهما معي وما

يعزيني أني سأراهما بعد أقل من شهرين "

تنهدت عمتها متمتمة " جمع الله شملكم يا ابنتي لترجعوا عائلة

كما كنتم سابقا "

أبعدت وجهها عن نظراتها وهمست بصوت كسير " لأجتمع أنا وابناي

هذا يكفيني والدهم فقدت الأمل فيه من يوم خرجت من منزله "

قالت تلك من فورها " ولما وهو لم يفقده بدليل أنه لم يتزوج حتى

الآن وزرع حبه لك في ابنيه "

وقف وقالت وظهرها لها " ليس لأنه لم يتزوج سأعلق آمال عليه

ثم أنفجع في واقع مختلف , يكفيني ما رأيت كل حياتي "

وغادرت من فورها تحت النظرات الحزينة لعمتها وقد همست ما أن

خرجت وأغلقت الباب " معك حق يا ابنتي لا تعلقي أملا على شيء

قد لا تحصلين عليه لكني أجزم أن قلبك يقول غير ذلك ولولا

الأمل لمات الناس "










*

*

*












كان جالسا على السرير يحضن ساقيه ينظر للذي يلبس قميصه ويغلق

أزراره واقفا عند الخزانة الحديدة المفتوحة فنظر له ذاك وقال مبتسما

وقد عاد بنظره لما تفعل أصابعه " أرى الوضع هنا لم يعجبك "

أنزل نظره للأسفل وقال ببرود " وهل لي أن أعترض أو أختار ؟

ثم ما الفرق بينه وبين مقر حجور ؟ بل هو أفضل من العيش

مع ذاك الرجل المدعو قيس وزوجته "

نظر له عمير وقال وهو يدس قميصه في بنطلونه " أشعر أنه ثمة

كلام في خاطرك لم تخبر به فلما لم تقل كل ما يزعجك الآن أمام

الزعيم مطر ؟ "

أشاح بوجهه جانبا وقال بعبوس " لماذا سألني لأختار في كل تلك

الأمور ولم يجعل الخيار لي في مكان سكني ؟ وماذا بشأن ماريه ؟ "

تأوه عمير بصوت مسموع وقال وعلى شفتيه ابتسامة ماكرة " في

الأمر ماريه إذاً ؟ لهذا أنت منزعج "

نظر له بضيق وقال " أجل فهو لم يتحدث عن شيء بشأنها , والدتي

أوصتني بها وقطعت وعودا لها لن أنقضها أبدا "

هز عمير رأسه بلا مبتسما وقال " بل سألك بشأن مالها وبشأن عقد

ذاك الزواج ولن أقول زواجك منها كي لا تغضب , أم تريده أن

يجلبها هنا معنا "

أرخى نظره للأسفل وهمس " من في وضعي وعمري لا خيارات له "

وكل ما فكر فيه حينها ما كانت والدته تخشى أن يحدث له وهو معهم

هناك أن يدمروا شخصيتها ويحولوها لنسخة عنهم رغم يقينه من أن براءة

تلك الطفلة سيصعب عليهم تحطيمها , رفع نظره بالخطوات التي اقتربت

منه حتى جلس أمامه على السرير وقال بجدية " أنت لا تعرف الزعيم مطر

يا تيم هو لن يترك مستقبل تلك الطفلة وكما ضمن مستقبلك حتى بعد موته

أو غيابه لأي سبب كان سيضمن مستقبلها , هو لا يحب الظلم ولا يترك

غيره يطبقه على أي كان إلا إن غفل عنه , لا يمكن لرجل أن يكون في

عدله وبعد نظره وحدة ذكائه وتقديره للأمور فكن مطمئنا وإن عاشت

ماريه بينهم وأهملوها وكانت وحيدة وتعيسة لكنهم لن يؤدوها أما مالها

فبإرادتك تنازلت لهم عنه حين سألك "

وتابع بعد ضحكة صغيرة " وجِد لك جوابا لها يوم تكبر وتسألك

لما أعطيته لهم "

غاب بنظره بعيدا عنه وهمس " ويوم تتزوج أنت من قريبتك تلك هل

سأبقى أنا وحدي هنا أم سأنتقل عند رجل آخر من رجاله ؟ "

شد يده ووقف وسحبه معه قائلا " لن أتركك ولو تزوجت من أربع

نساء يا تيم حتى يقرر مطر ذلك أو تقرر أنت "

وتابع خارجا به من الغرفة " لا تفكر في الغد يا رجل اتركنا في اليوم

ولنتعرف على مسكننا الجديد فأمامي الكثير لأجمع مهر تلك المدللة

لا أوقعك الله في عشق النساء "

وما أن وصلا الساحة حتى ركض وأشار له بيده وهو يركض للخلف

مقابلا له " هيا لنأخذ دورتين حول الساحة قبل الغداء "











*

*

*












وضعت لها قشور البصل والطماطم والخيار والخس ما استطاعت

جمعه من قمامة المنزل بعد الغداء وجلست قربها تحضن ساقيها

ومتكئة بذقنها عليهما تراقبها وهي تخرج رأسها وتأكل بشهية لتزرع

الابتسامة على تلك الشفاه الصغيرة الحزينة بعدما فقدتها لأيام , الشفاه

التي لم تعرف إلا الضحك والابتسام علمتها الحياة مبكرا أن تذبل وتفقد

رونق بسمتها تلك , انطفأت تلك الابتسامة وخيم مكنها حزن عميق وهي

تحدث ذاك المخلوق الصغير الذي لا يفهم شيئا " لقد رحل تيم ولن نلعب

معا مجددا , لقد غادر وهو من وعدني أن يأخذني معه لكنه رحل وحده "

ترقرقت الدموع في تلك العينين العسلية الواسعة وقالت تمسك عبرتها

" رحل مثل والداي ووالدته , رحلوا جميعهم وتركوني وحدي هنا "

خبئت وجهها في ذراعيها وسافرت في بكاء صامت طويل تحت أشعة

الشمس الباهتة ولفح ذاك الريح البارد لجسدها الصغير وثيابها الخفيفة

أمام الطقس في الخارج , ومر الوقت عليها وهي في بكائها الحزين ذاك

لم يسأل أحد أين تكون هذا الوقت أين اختفت وماذا قد يحل بها وإن كان

ذاك الطقس يناسب طفلة في عمرها لتخرج فيه أم لا , وجل ما كان يؤلمها

أنهم سيغادرون من هناك وحين يرجع ذاك الغائب قريبا لن يجدهم ولن

يعلم أنهم رحلوا لمنزل والديها البعيد وليست تعلم إن احتاج أن يعلم

ذلك أم لا وإن كان ذاك الرجوع قريبا بالفعل كما تخيلته












*

*

*











وقفت منتصف الطريق وهي ترى الرجلان اللذان يقفان عند باب

المنزل ثم عادت أدراجها فورا حتى كانت في منزلهم , بحثت في

الغرف حتى وجدت ولادتها وقالت بنفس لاهث من ركضها

" أمي لما يضعون حراسة على غرفة الفتى المريض "

طوت تلك آخر قطعة ثياب ووضعتها في الصندوق وأغلقته ووقفت

قائلة " وما يدريني أنا لما ؟ "

صغرت عينيها تنظر لها وتمتمت تتبعها بنظرتها وهي تخرج من

الغرفة " ومنذ متى يقوم والدي بعمل لا يخبرك عنه "

وقفت ونظرت لها وقالت " هل قلت شيئا آستي ؟ "

تحركت من هناك قائلة ببرود " لا شيء أمي وأسمي آستريا "

وخرجت على نظرات والدتها المستغربة وهي من كانت تصر على

تغيير اسمها من كثرة ما كان البعض ينتقده , خرجت مغلقة الباب

خلفها على كلمات والدتها تتبعها " لا أحد لي غيرك هنا فتذكري ذلك

واقتسمي لي قليلا من وقتك الذي تعطيه لذاك الشاب "

فغادرت متجاهلة ما سمعت وعادت حيث كانت ذاهبة حتى وصلت

ذاك المنزل ونظرت لأحد الواقفين عند الباب وقالت " ما سبب

حراسة منزله وهو عاجز عن الحراك "

حرك كتفيه قائلا بابتسامة تفهمها جيدا " لا علم لي قد يكون

لحمايته من الدخلاء "

تجاهلته وفتحت الباب ودخلت مغلقة له خلفها وتوجهت لباب غرفته

النصف مفتوح وقررت أن لا تخبره بالتحركات الجديدة تلك كي لا

يعرض نفسه للخطر محاولا المغادرة فقد يكون كما قال ذاك الحراسة

لحمايته فقط خاصة وأنه ابن شراع صنوان , أطلت برأسها للداخل

وابتسمت ما أن وقع نظرها على وجهه وعينيه المعلقة بالسقف شارد

الذهن كأغلب أوقاته , تنحنحت بصوتها الناعم فنظر جهتها فورا

وابتسم فدخلت قائلة بابتسامة " لو أعلم ما الذي تفكر فيه طوال

الوقت ! هل هي حبيبتك ؟ "

خرجت ضحكته مختلطة بسعال خفيف وهمس بصوت متعب ونظراته

تتبع حركتها مقتربة منه " لا حبيبة لي أستريا أفكر فيها "

جلست قرب سريره وقالت مستغربة " لا زوجة لك ولا حبيبة كم

عمرك أنت ؟ "

قال متنفسا بتعب " أكبر منك بثمان سنين "

حسبت بأصابعها فورا ثم نظرت له وقالت " ثلاثة وعشرون عاما

شقيقي ! سنمار كان لديه ابن في مثل عمرك "

قال مبتسما " شقيقاي اثنين أكبر مني ولم يتزوجا بعد , جبران في

السابعة والعشرون الآن أي أني أعد صغيرا أمامهما "

تمتمت بعبوس " متى سينجب أبنائه ويكبروا أمامه ياله من غبي "

نظر للسقف وقال بهدوء " وهل لك أنتي حبيب ؟ لابد وأنك مخطوبه

وأنتي ابنة زعيم التنانيين "

حركت كتفيها قائلة بلامبالاة " والدي زوّج شقيقتي في مثل عمري

الآن لكنه سألها وهي وافقت أنا لا أريد أن أتزوج في مثل عمرها

كي لا أتعب مثلها فهي كالدابة تلد وتربي الأطفال "

نظر لها وقال مبتسما " وهل سيوافق والدك على رأيك هذا ؟ "

وقفت وقالت متوجهة للخزانة " هو وعدني أن لا يزوجني حتى

أريد أنا ذلك رغم أن والدتي اعترضت وقالت أنت تدللها كثيرا "

أحضرت معها كتابا من هناك وجلست قائلة بابتسامة " أخبرني

الطبيب أنه قال لك بأنك خلال أسبوع يمكنك تحريك يديك

وفي أقل من شهر ستستطيع الجلوس "

ثم فتحت الكتاب وقالت وهي تورقه " وحينها لن تحتاجني وستتخلى

عني في أمور كثيرة لذلك علينا أن ننهي قراءة قصتنا قبل ذلك "

قال مبتسما ونظره على ملامحها وجفونها المسدلة للأسفل تنظر لصفحات

ذاك الكتاب " يبدوا أني سأحتاجك طويلا أستريا وإن كنت بقدماي ويداي "

نظرت له باستغراب وما أن فتحت فمها لتسأل قال مقاطعا لها وبذات

ابتسامته " هيا أريد أن أعلم ما سيحدث مع ذاك المحارب "

فعادت بنظرها فورا للكتاب واسترسلت في القراءة بانسجام وحماس

وكعادتهما تتوقف عند نقاط وأحداث كثيرة يتحدثان عنها ويتناقشان

فيها وإن كانت تراعي أن لا يتحدث كثيرا










*

*

*












كانت جميع أعين المحلقين حوله محدقة به بتركيز تام فهذا هو اللقاء

الذي انتظروه منذ عودتهم من سفرهم منتظرين رجوعه بعد الاجتماع

الأخير في في لندن وهو من قرر أن يسبقوه إلى هنا وقطع أي طريق

للاتصال به وترك كل شيء معلق ينتظر رجوعه , كان يطرح عليهم

جميع أفكاره وما سيفعلون منذ صباح يوم غد يداه فوق الأوراق على

الطاولة البيضاوية الكبيرة تحته وعينيه السوداء الواسعة تتنقل بينهم

مشعرا الجميع حوله أن حديثه موجه لكل واحد منهم على حدا , لم

يستقصي أحدا منهم ولا يوجه اهتمامه لزمرة ويترك الأخرى وكانت

أعينهم مركزة معه وأذهانهم صافية تماما لا يدور فيها شيء سوى

كلماته المنسقة وأفكاره المطروحة بتفكير خبير ليشعر هو في المقابل

أن الثلاثون رجلا الجالسين حوله يثقون فيه ثقتهم في أنفسهم وكلمتهم

معه كلمة رجل واحد وأن كل ما يقول يزن عندهم بوزن الذهب كل

حرف فيه أهم من سابقه , وضع القلم من يده على الأوراق وقال

بجدية " وحين ننتهي من كل ذلك سيكون علينا ضمان اتفاقنا مع

رؤوس القبائل في الهازان فابن راكان سيصله خبر ما يحدث إن

عاجلا أو آجلا , لا أريد أن تتم بنود اتفاق ذاك الاجتماع وأي قبيلة

منهم رافضة تماما للتسليم , لا أريد مشاكل وإراقة دماء سنضع

الخطط ونعقد الهدن ونصوغ الشروط معهم قبل التسليم تجنبا لأي

طارئ يكون مفاجئ لنا وقتها ويتزعزع تبعا له استقرار وأمن

المناطق ونخسر ثقة حتى من تحت لوائنا الآن , الهازان متعبون

من الحروب ومن التشتت ومن موت أبنائهم في حرب يرونها خاسرة

وتسليمهم سيكون نصفه مكرهين فنريد كسب هذا النصف لصالحنا كما

حدث مع القبائل التي سلمت لنا سابقا , سمعة ابن راكان وسطهم نزعت

الثقة منه لكن علينا أن لا نتجاهل أن يفكروا في تنصيب غيره ومحاربتنا

من جديد وهذا أهم بند نوقش في الاجتماع وعلينا مناقشته هنا خارج إطار

ما قالوه وأن لا نتق في أي أحد أكثر من أنفسنا مثلما كنا نعتمد على أنفسنا

أكثر من غيرنا فالغرب كما عرفناهم لا يقدمون إلا ما يردون هم والتبعات

لن تكون إلا على حسابنا نحن "

نظر بعدها لساعته ثم وقف وقال وقد تبعه الجميع واقفين " غدا نجتمع

ونناقش أكثر كل ما تحدثنا عنه اليوم ثم نبدأ فيما سنتفق عليه "

قال أحدهم " عشاء الجميع عندي سيدي لا تغادر حتى نكرمك

ولن تردني هذه المرة كالسابق "

هز رأسه بحسنا وكأن عقله وافق الفكرة فورا ليمدد وقت مكوثه بعيدا

عن المنزل فإن غادر الآن سيصله وقت العشاء , انتقل الجميع لمنزل

أحد رجاله ودخلوا مجلسه الواسع حيث رتب بعناية لاستقبالهم وملأت

أباريق القهوة وأطباق التمر والشطائر المحلاة أركانه وتوزع الرجال

فيه وانضم لهم بعض الرجال من أقارب صاحب ذاك المنزل وأحد

رجال زعيمهم المقربين وتعالت الأصوات والأحاديث والضحكات

فذاك الوقت مستقطع من أعمالهم واجتماعاتهم , بينما انزوى من تصدر

ذاك المجلس على نفسه نظره على المنديل في يده بعدما أخرجه من

جيبه ينظر للحرف الكبير الذي نقش عليه وهو يخص الابن الأصغر

لشراع صنوان وللكتابات الموزعة على قماشه بعشوائية كتبت بقلم

الحبر وكانت لخطان مختلفان علم فورا لمن سيكونان , ركز على تلك

الجملة وسط بعض التواريخ ( اليوم عيد ميلادي الخامس عشر

والكاسر يسبقني بعام دائما ولا أمل أن ألحق به )

وتبعا لتلك انتقل لجميع الجمل التي كتبت بذات الخط ( أتمنى أن

تتوقف الحروب والقتال في بلادي ) ( أريد وطنا واحدا ليله ليس

قاتما ونهاره ليس مدججا بالدماء )

وكانت جميعها أميات مرفقة بنفس التاريخ مع اختلاف رقم السنة فيها

أي أنها أمية واحدة في كل ذكرى ليوم ميلاد أحدهما , لفت نظره

عبارة كان فيها ( يا رب أحفظ لي والدي وأخوتي جميعهم ) وكانت

بمحاذاة تاريخ ذكرى ميلادها الثامن عشر أي بعد عام من معرفة

تلك العائلة بأنها ليست ابنتهم من علم منهم ومن جهل وحتى هي

وإن لم يكن يعلم هل كانت تعلم من صغرها أم لا وذكرت الجميع

على أنهم إخوتها ولم ستثني أحد أو تخصص أحدا , نزل بنظره

للتاريخ الآخر تحته وظهرت ابتسامة خفيفة على طرف شفته ما

أن قرأ ما كتب هناك ( أتمنى ذات تلك الأمنية العام الماضي )

قلب طرف المنديل وركز نظره على الكتابة عند حافته المثنية

والمطرزة بخيط من ذات لون المنديل ( يا رب أخبر ابن شاهين

لا يقتلني في والدي أو أحد أشقائي )

قبض على المنديل في يده ثم وقف ودسه في جيبه وأشار بيد للأعين

التي حدقت به وخرج من المكان ركب سيارته وغادر من هناك

تشق أنوارها حلكة الليل يقبض على المقود وذاك المنديل في يده









*

*

*


كان كل شيء حولها باردا كالجليد الهواء المكان والظلام فضمت

نفسها بقوة ونظرت حولها تسير ولا ترى لطريقها ذاك نهاية مثلما

لم ترى له بداية , أشباح أشجار عالية وأصوات مخيفة تجعلها

تلتفت لكل مكان حولها ولم يلمسها شيء سوى ذاك البرد الذي

تسلل لعظامها ولم يعد بإمكانها ولا تدفئة نفسها فكل شيء فيها كان

باردا حد التجمد , اصطدمت فجأة بشيء صلب ضخم لم تتبين ما

يكون وسط ذاك الظلام فالتصقت به أكثر تلتمس منه الدفء لكنه لم

يزدها إلا بردا فوق برودة أطرافها فنزلت دمعتها التي لم ترحمها

هي أيضا وتنزل حارقة حارة كما عرفتها فقد كانت كقطعة جليد

تدحرجت على وجنتها ولحقتها أنفاسها القوية الباردة وكانت

عاجزة حتى عن رفع يدها لمسحها عاجزة عن الصراخ ومناداة

أحد أو قول أي شيء , أغمضت عينيها بقوة وخرج همسها أخيرا

مناجية " يا رب .... يا رب "

حتى شعرت بشيء ناعم دافئ يتسلل ملامسا لخدها حتى وصل لعنقها

فشهقت بقوة لذاك الشعور الذي أولده ذاك الدفء داخلها حتى تمنت

أن غمر جسدها بأكمله , اضطربت أنفاسها المتلهفة لذاك الهواء

الساخن الذي باتت تشعر به يدخل مجرى أنفاسها وأصبحت تسحبه

لداخلها وتتنفسه بنهم وكأن الهواء كان مقطوعا عنها ووصلها أخيرا

تنفسته وتنفسته دون أن تتساءل عن مصدره حتى شعرت بذاك

الملمس الناعم الساخن على شفتيها والذي كان كفيلا بإرجاعها

لعالم الواقع فقفزت جالسة ويدها على صدرها وتنفسها يخرج

قويا تنظر فوقها حيث الواقف ينظر لعينيها بصمت فنظرت حولها

باستغراب لوجوده وكيف أنها لم تشعر بوصوله وتغييره لملابسه

وتشغيله لنور الغرفة ولم تشعر حتى بنفسها حين نامت وهي تنتظره

وكيف تحولت الغرفة الدافئة فجأة لكل هذا البرد الصقيعي وهي من

كانت تلبس قميص قصير بدون أكمام , عادت ونظرت له فوقها

وأناملها تلامس شفتيها فلم تفهم أكان هو سبب ذاك الشعور بالدفء

في نومها أم أنها مجرد أحلام ووهم صوره لها عقلها بسبب كل

ذاك البرد , أبعد نظره عنها ونظر للغرفة حوله وقال ببرود يعادل

برودها بأضعاف " كم مرة أخبرتك أن تتغطي جيدا في

الليل ولا تنامي هكذا ؟ "

ثم عاد بنظراته لعينيها المعلقة به وبنظرته التي كانت تنطق قسوة

وصلابة وتابع وقد تحولت لهجته للضيق " لن أسخر العمال لخدمتنا


طوال الليل للتأكد من أن التدفئة تعمل وكأنهم عبيد لدينا وأخبرتك
سابقا أنها قد تتوقف في أي وقت "

كابدت بقوة رغبتها في البكاء وهمست بصوت باهت وكلمات

متأنية حزينة " لم أشعر بنفسي حين نمت , كنت أنتظرك لقد

تأخرت وشغلتني عليك "

لاحظت هروبه من النظر لعينيها بسرعة تلك اللحظة وكان سيتحرك

من ذاك المكان لولا وقوفها فجأة وإمساكها بيده فنظر لعينيها المحدقة

به وقد همست برجاء وأصابعها تقبض على أطراف أصابعه بقوة

" لن تنام حتى نتحدث يا مطر "

التزم الصمت ولم يعلق ولم يبعد نظراته الباردة الصامتة عن عينيها

فهمست مجددا " أخبرني ما بك ؟ "

سحب أصابعه من يدها وتحرك مجددا فلفت ساعدها حول كتفه تمنعه

من الحراك وأجبرته بحركتها تلك على النظر لعينيها مجددا وظهرت

الجدية في صوتها وهي تحثه على التحدث " اخرج من صمتك يا

مطر ولا تظلمني وأنت من يكره الظلم , أخربني على الأقل ماذا

فعلت تغضب مني هكذا وتعاملني كنكرة أمام نفسي وأمام الجميع "

امتلأت عينيها المحدقة بعينيه بالدموع تلمع بوهج أسود غريب

ومثير وقد همست بأسى " أنا آسفة إن أخطئت في شيء لا أعلم

عنه فقط توقف عن إيذائي بصمتك وتجاهلك مطر أرجوك "

رفع يده وحضن بها خدها وعادت تلك التناقضات للعبث بمشاعره

ولا يجد حلا لكل هذا سوى الصمت لن يستطيع سؤالها ولن يستطيع

تجاهل كلام ذاك المدعو جبران ولا أفكاره السوداء ناحية الأمر , كل

ذلك فوق طاقته فهو في النهاية رجل شرقي التملك والغيرة مشاعر

متأصلة فيه حتى النخاع ويصعب معها تحكيم العقل حين تطفو بقوة

على السطح , هو تحديدا لا يريد امرأة إلا له فقط ملكه خلقت له

عاشت له وأصبحت له لا أحد لمسها ولا اقترب منها غيره ولن ينكر

أن ذاك الشعور تعاظم لأضعاف مع هذه المرأة تحديدا ومنذ رآها لأول

مرة , رفعت يدها ليده المحتضنة لخدها وحضنتها بها وأمسكتها مزيحة

لها عن مكانها جهة شفتيها وقبلت باطنها قبلة طويلة وعيناها مغمضتان

قبل أن تفتحهما وتحدق بعينيه مجددا وهمست وهي تنزلها وتضمها

لصدرها " أعطني ولو فرصة لأبرر أو أدافع عن نفسي يا

زعيم الحالك "

كانت نظرتها له كلها أمل ورجاء تعلم أنه يقرأه في عينيها بوضوح بينما

عجزت هي عن فهم ما تقوله عيناه وما تحاول إخفائه , لم تعد ترى فيهما

تلك القسوة وذاك البرود المميت لكنها عجزت تماما عن فهم نظرته تلك

وكأنه يغوص في داخلها لنقطة لم يصل لها بعد ويبحث عن شيء تجهله

وتعجز عن معرفة ما يكون , سحب يده ليقتل بتلك الحركة آخر أمل لها

في إخراجه من صمته الغاضب ذاك وراقبته بعينان دامعة وقد لف حول

السرير وجلس في طرفه الآخر موليا ظهره لها ثم اضطجع وسحب

الغطاء فوقه وقد خرج صوته مرتخيا جافا " أطفئي النور

إن كنت لا تريدينه "

مسحت عينيها بقوة ووضعت ظهر كفها على شفتيها تمنع عبرتها

من الخروج ونظرها لازال معلقا بظهره , تحركت بآلية لا تشعر

بشيء سوى قهرها وغيرتها التي عادت لنهشها بلا رحمة ولولا

أنها سمعت اعتذاره منها في أكثر من موقف سابقا لندمت الآن أشد

الندم على تأسفها ذاك عن خطأ لا تعلم حتى ما يكون وفي النهاية

لم يقبله , أطفئت النور ولم يبقى سوى تلك الإضاءة الخفيفة تعم

أرجاء الغرفة بنور أصفر خفيف يحمي المكان من الغرق في

الظلام الدامس ولا يضايق من أراد النوم فيه , عادت جهة

السرير واندست في جهتها وسحبت الغطاء على جسدها حتى

صدرها وتركت يدها خارجه تنظر للفراغ بشرود حزين تقاوم كل

رغبة في البكاء وهي تستمع لأنفاسه التي لم تنتظم بعد وحركته

الخفيفة رغم أنه لم يغير طريقة نومه , عطست فجأة تخفي فمها

في كف يدها فشعرت حينها بثقل جسده وهو يجلس وقبل أن يوبخها

توبيخا تعرفه جيدا دست ذراعها وكتفها تحت الغطاء السميك

ووصلها صوته المحتفظ ببروده حتى اللحظة " هل تشعرين

بالزكام ؟ هل أنزل وأشغل التدفئة بنفسي ؟ "

شدت الغطاء أكثر وأوصلته حتى ذقنها وشفتيها وهمست بوجع

" لا يلزم ذلك فألمي ليس في بدني "

يده هو من قبضت على الغطاء هذه المرة وخرج صوته قاسيا

حازما ينظر لقفاها وشعرها الذي تبعثر ورائها حتى وصله

" لا أريد التحدث يا غسق لأن ذلك سيؤذيك ويؤذيني معك

فاتركيني في صمتي ولا تلحي على ما قد يوجعك لآخر

عمرك "

رمت اللحاف من عليها وجلست والتفتت له حتى قابلته وقالت بحرقة

تكابد دموعها التي بدأت بالتغلب عليها " قلها يا مطر وإن كان فيها

موتي فهو أرحم لي من عذاب صمتك وجفائك هذا "

هز رأسه بلا ونظره على عينيها الدامعة ولم يتحدث بشيء فرفعت

قبضتها ولكمت بها صدره بقوة قائلة بعبرة مكتومة " لم تكن جبانا

يوما أنا من كنت تناديني بالجبانة ماذا تغير يا مطر ؟

ما بك ارحمني أرجوك "

تركها تعبر عن كل ذلك الألم المكبوت وهي تضرب صدره باكية

حتى تعبت يدها فطوقت عنقه بذراعيها ودست وجهها فيه تشعر بيديها

على ظهرها وهي تتمتم من بين شهقاتها " وأنت تؤذيني الآن بصمتك

فكر في طفلك على الأقل إن كان أمري لا يعنيك "

شد ذراعيه حول جسدها فدست وجهها في عنقه أكثر وزادت من تعلقها

به ولم تصدق نفسها وهي تشعر بقبلاته على كتفها فعنقها صعودا لشعرها

ودفاعاته تنهار تباعا أمامها , لم يتخيل أن دخول امرأة لحياة الرجل يوصله

لكل هذا أن تتغلغل في عالمه حد أن الابتعاد عنها لأيام يجعله يتلهف لها

أكثر , لم يتوقع ولا في خياله أن الحرب ضد المشاعر المتقدة أعظم مئات

المرات من حروب المدافع والصواريخ , ابتعدت وأمسكت وجهه بيديها

تنظر لعينيه وأصابعها تتغلغل في شعره الناعم الكث حتى عادت لتطويق

عنقه وارتد الهواء في رئتيه بشكل غريزي وأنفاسها تعبر مع أنفاسه

مستسلما لقبلتها المتلهفة المشتاقة تلك يشدها له أكثر لا يعلم أي مشاعر

تلك التي تولدها قبلاتها الملتهبة لشفتيه !! كانت تشاركه الأمر سابقا

لكنه لم يعرفه منها بهذا الشغف والاندفاع سابقها بقبلاته يشدها له

وقد أنهكت دفاعاته فوق تحطيمها وتلاشى كل ما كان أمام عواطفهم

المشبوبة وقد أحناها للخلف حتى شعرت بالوسادة ورأسها يرتاح

عليها بهدوء لازالت متعلقة به ترفض ابتعاده عنها مثلما يرفض

هو إبعاد شفتيه يختبر اندفاعها الذي لم يعتده سابقا ويده تقبض

على فستانها حتى شعرت بهواء الغرفة البارد على خصرها

العاري بسبب شده لفستانها مع حركة قبضته

( هي لي من قبل أن تعرفك وأنت لست أول رجل في حياتها )

( هي من طلبت ذلك وأصرت عليك وأجبرت والدي على

الموافقة )

جملتان كانتا كفيلتان بجعل جسده يتصلب وقد شعرت بكتفيه أصبحا

مشدودان تحت ملمس يديها وتبعته بنظراتها المستغربة وأنفاسها

المتلاحقة وهو يبتعد عنها مشيحا بنظره بعيدا وأصابع يده تتخلل

شعره وقد شده بقوة تكاد تراه يتقطع بين يديه وتنفسه يخرج متقطعا

فشدت فستانها للأسفل وهمست بأسى ودمعتها تنزل على طرف

وجهها " مطر "

قفز واقفا خارج السرير وابتعد يغلق أزرار قميصه يشعر بأضلعه تنطبق

على قلبه وكأنها جبال وحروف اسمه الخارجة من شفتيها سكين انغرس

في ذاك الصدر الذي كتمت عليه ذكرى كلمات ذاك الرجل حتى عجز عن

أخذ أنفاسه فخرج ضاربا الباب خلفه متجاهلا التي دفنت وجهها في الوسادة

تحتها تبكي بوجع ونزل السلالم يفك الأزرار التي كان يغلقها للتو وبحركة

عنيفة عبر فيها عما يحبسه داخله ويكاد يقتله ، وصل لغرفتها في الأسفل

والقميص في يده وقد رماه بقوة على الأرض وجلس على طرف السرير

في كل ذاك البرد دون قميص لا يعلم يعاقب من بذلك هي أم نفسه ؟

دفن رأسه بين يديه وأغمض عينيه بقوة يسترجع عقله كل ما حدث

منذ قليل ووجوده في تلك الغرفة لم يزده إلا ضياعا وهو يهرب لها

لثاني مرة ولليلتان متعاقبتان وهو من لم يعرف الهرب يوما من أي

شيء , مرر كفه على صدره وفكرة واحدة تدور في رأسه جعلته

يقف على طوله وتحرك جهة الباب متمتما " عليا أن أعلم منها

منها هي قبل أن احرق كل شيء وأحترق معه "

وكان ذاك فراره الوحيد مما هو فيه بسؤالها وإن لم يذكر لها اسماً

معينا لكي تبرر وتدافع عن نفسها كما طلبت وهو يعلم جيدا أنها

لا تكذب وأقل ما قد تفعله أن تصمت عن قول الحقيقة, وصل

منتصف المنزل ليوقفه رنين الهاتف الذي علا في صمته المميت

فوقف ينظر له باستغراب وللتوقيت الذي قد يتصل فيه أي أحد

وإن كانت الاتصالات مقطوعة أغلب الوقت ! توجه له فورا

ورفع السماعة وما أن وضعها على أذنه حتى وصله الصوت

الرجولي الهامس برجاء " غسق هذه أنتي أليس كذلك ؟

أجيبي أنا جبران "

قبض على سماعة الهاتف بقوة يشعر بكل شيء في داخله تحول

لإعصار من نار وقد تابع ذاك من فوره " كلامنا لم ينتهي بعد

غسق أجيبي وإن بكلمة , أقسم أن أخرجك من هناك لا تخافي

من ذاك الجبان المغرور لا سلطة له عليك "

فلم يشعر بنفسه إلا وهو يستل الهاتف بأسلاكه ويرميه بكل قوته

على الجدار وصرخ بعنف " غـــــــــــسسسسسسسق "

وركض جهة السلالم لا يرى شيئا أمامه سوا السواد والنيران

المشتعلة في جوفه

،،،،،،،،،

المخرج ~

بقلم الغالية : همس الريح

اهداء لمطر ..


دعوني لاصنع هذا الوطن
ساجعله المبتدأ و الخبر
و اجعله غصة في الحلوق
لدى المعتدين بشتى الصور
دعوني و لا تمسكوا ساعدي
و لا تعدوني بوعد هذر
سئمت الدعاوى لسلم ذليل
و نصف الحلول لدى مؤتمر
دعوني و عيشوا كما شئتموا
جنب النساء و ضرب الوتر
و لكن حياتي انا اخترتها .... فاما وطن حر ابي
و اما ممات يغيظ الكُفر

*****

بقلم الغالية : أنة غريب

هذه الأبيات المتواضعة على لسان اختنا الغالية برد واتمنى ان تقبلها مني كاتبتنا مشكورة جزاء مااستفدته من خبرتها تحت مقولة: من لا يشكر الناس لا يشكر الله...
فشكراً جزيلا لك اختي برد وأتمنى أن تعجبك الأبيات ولو انها لاتفيكِ حقك...
1- ظمأت بحار الفنِّ بين مواهبي
فغدوت أرويها بشهد شرابي
2- انا بردُ التي من دفءِ مشاعري
أهديتكم عطراً كغيث سحابِ
3- وأنا التي من حِبر قلبي أبدعت
ستُّ رواياتٍ تسحرُ الألبابِ
4- ملامحٌ خلف الظلام اختفتْ
وأشباه ظلالٍ شفت جرح مصابِ
5- ومنازل القمر التي من عذبها سقتْ
صحراء قاحلةً فارتوت بشرابي
6- وحصونٌ من جليدٍ قسى
ليذوب إذا ماإلقى الأحبابِ
7- وعاصفةٌ هبّت بأوجاعها
ليرشفوا شهد الوصل بعد طول عذابِ
8- هذي أنا برد المشاعر فافرحوا
بسحر أناملي وادعواْ لي بثوابِ
9- ولكم جزيل الشكر منّي 'أنةٌ'
لكلّ اعضاء المنتدى الخلّابِ
وسلامتكم...



نهاية الفصل ..... موعدنا القادم مساء الجمعة إن شاء الله


 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 21-10-16, 09:07 PM   المشاركة رقم: 983
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,162
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : برد المشاعر المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر / بقلمي برد المشاعر

 

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 91 ( الأعضاء 27 والزوار 64)
‏فيتامين سي, ‏نزف جروحي, ‏لينالين, ‏فاطمة بنت حمد, ‏مالي عزا من دونك, ‏vida.rose, ‏القيثار الحزين, ‏soma libya, ‏زاد اله, ‏ام ابرار, ‏اناسي, ‏Hissah, ‏شيماء علي, ‏rahmouna, ‏Electron, ‏غير عن كل البشر, ‏حمرا, ‏لـؤلـؤه, ‏الغاردينيا, ‏HadeelWarqaa, ‏توليب المرج, ‏العفري2000, ‏مملكة الانوثه, ‏imyamouna, ‏نوره نوره نوره, ‏الام المثالية, ‏missliilam


سلفي ماقبل الأخير مع حبايبنا الحلوين
قراءة ممتعة لكم ......

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 21-10-16, 09:59 PM   المشاركة رقم: 984
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئة مميزة


البيانات
التسجيل: Feb 2015
العضوية: 289774
المشاركات: 1,941
الجنس أنثى
معدل التقييم: شيماء علي عضو ماسيشيماء علي عضو ماسيشيماء علي عضو ماسيشيماء علي عضو ماسيشيماء علي عضو ماسيشيماء علي عضو ماسيشيماء علي عضو ماسيشيماء علي عضو ماسيشيماء علي عضو ماسيشيماء علي عضو ماسيشيماء علي عضو ماسي
نقاط التقييم: 4305

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
شيماء علي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : برد المشاعر المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر / بقلمي برد المشاعر

 

القفلة 😱😱😱😱😱😱

 
 

 

عرض البوم صور شيماء علي   رد مع اقتباس
قديم 21-10-16, 10:45 PM   المشاركة رقم: 985
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jun 2015
العضوية: 297135
المشاركات: 30
الجنس أنثى
معدل التقييم: Hissah عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 41

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
Hissah غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : برد المشاعر المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر / بقلمي برد المشاعر

 

لاااا تكفييين وش هالقفلة
يمه قلبي أوجعني
عسى مايضربها و يطيح اللي فبطنها
حسبي الله عليك ياجبران 😱

 
 

 

عرض البوم صور Hissah   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المشاعر, المطر, بقلمي, جنون
facebook



جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 10:54 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية