لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 22-01-16, 09:36 AM   المشاركة رقم: 101
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

المفترض أن الملك لن ييأس رغم كل شيء..
ألا تذكرين الفصل الخاص بالأكاشي في رحلة رنيم؟..
المفترض أن تعرفي نهاية هذه الحرب بالفعل

خففي دموعك يا برد المشاعر قبل أن يتم إغلاق المنتدى للصيانة

سأضع الفصل القادم حالاً
وغداً موعدنا مع فصلين معاً بإذن الله تعالى

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
قديم 22-01-16, 09:45 AM   المشاركة رقم: 102
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

الفصل الحادي والعشرون {المبادرة}


مضت عدة أشهر منذ انتهت تلك المعركة الكبرى بين جيوش الملك العربي وجيوش الأكاشي التي اجتمعت على كلمة واحدة للمرة الثانية في تاريخها.. بعد عودة ججي ورجال القبيلة منتصرين من تلك المعركة، وردت أخبار عن تمكن الملك فارس من الفرار بالقليل من الجنود الذين هربوا معه، وعاد عبر النهر الذي يقطع الجبال القريبة إلى مملكته تاركاً أشلاء مائة ألف جندي من جنوده تسقي تلك البقعة من السهول بدمائها الغزيرة.. ورغم أن ستراك قد أرسل مجموعة من رجاله للحاق بالملك والقضاء عليه، لكنهم عادوا خائبين بعد أن تمكن الملك من الفرار قبل لحاقهم به..
انتقلت قبيلة (أبناء الذئاب) بمخيمها إلى الشمال الذي غدا مزدهراً بعد ذلك الشتاء الطويل واستعاد نضرة سهوله الخضراء.. كانت الليالي لا تزال تحتفظ ببرودتها القارسة، لكن الشمس التي تشرق كل صباح كانت تحمل الدفء والنور الكافيين لإنعاش الطبيعة في ذلك المكان والسهول تزدهر بأنواع مختلفة وكثيرة من الزهور وشجيرات الورد.. فيما بدأت الأشجار تحمل على أغصانها ثمارها بعد أن نفضت عنها ثلوج الشتاء واكتست بالأوراق الخضراء الزاهية..
لم يكن إعداد المخيم صعباً على القبيلة التي اعتادت على تكرار تلك النقلة كل ستة أشهر، ولم يمضِ أكثر من أسبوع حتى كان المخيم معدّاً لإيواء القبيلة في جوانبه.. وبينما انشغل عدد كبير من الرجال بصيد الطرائد وجز صوف الخراف التي يملكونها، فإن النسوة بدأن عملهن المعتاد في إعداد ما يعود به الرجال من الطرائد وتقديد اللحم الذي يزيد عن استهلاكهم اليومي لتخزينه استعداداً للشتاء القادم.. بالإضافة لمعالجة الصوف بدءاً من غسله وتنظيفه من الشوائب، انتهاءً بغزله في خيوط مختلفة السماكة وتلوينه بما يتوفر من مواد طبيعية لديهن..
بدورها انشغلت ججي بتسيير بعض الرجال نحو المدن القريبة في الشمال محاولة الحصول على تعاون من تجار تلك المدن لتزويدهم بكل ما يحتاجونه من معدات وأدوات لا يستطيعون صنعها بأنفسهم.. واتباعاً لنصيحة كين، أرسلت مع الرجال بعض المنتجات التي تنتجها القبيلة لإهدائها للتجار كمحاولة أخيرة لاستمالتهم ودفعهم لتناسي الحظر الذي أجبرهم الملك العربي عليه لسنوات.. كان كين موقناً أن تطاول السنوات قد أضرّ بمصالح التجار أنفسهم، ولابد أن يعثروا على واحد أو اثنين منهم قادران على تجاوز أوامر الملك العربي بمنع التعاون مع الأكاشي لإضعافهم..
كانت أمور القبيلة مستتبة في تلك الآونة، ورغم أن الحديث لا يكاد ينقطع عن الحرب التي حققوا فيها انتصاراً ساحقاً زهت له نفوسهم، رغم من خسروه في تلك الحرب من خيرة رجال وشباب القبيلة، لكن الحياة قد عادت لمجراها المعتاد الذي لا يكاد يتغير رغم مضيّ السنوات على السهول.. وبدأت القبائل الأخرى بالعودة لمناوشاتها القديمة بسبب خلافٍ على أراضٍ رعوية أو محاولة نيل ثأرٍ قديم..
وفي أحد الأيام، جلست ججي في خيمة مينار مع كين وهي تقول "أتظن أن الملك العربي قد كفّ عن غزو سهولنا حقاً؟.. ربما كان من الخير لنا أن نرسل من يتقصّى الأمر كما أرسل أبي تبريق سابقاً.."
قال كين "هذه هي الخطوة الأكثر أمناً بالنسبة لنا في الوقت الحالي.. لا يجب أن نتناسى مطامع الملك فارس في هذه السهول حتى لو اندحر جيشه منذ وقت قريب.. فهو، خلافاً لنا، لا يعبأ بعدد من قتل من جنوده، إذ يمكنه تعويضهم بسرعة من المدن والقرى التي تقع ضمن ملكه الشاسع.. أما نحن، فخسارة رجل واحد تقلب كفة الموازين في قبائلنا بشكل كبير.."
صمتت ججي وهي تدير بصرها في الخيمة بشكل لم يفُت كين.. فسألها بعد لحظة صمت "ما الذي قاله لك مينار قبل موته؟.. عندما عدت إليكما، كنتِ تبكين بشدة بشكل لم أتوقعه منك قط.."
ابتسمت ججي بجانب فمها ابتسامة مريرة وقالت "لقد أخبرني أنه لم يرني قط كرجل.. أتصدق ذلك؟.."
تساءل كين "وهل كان ذلك ما أحزنك؟"
خفضت ججي رأسها مجيبة "لا.. لقد أخبرني أنه فخورٌ بي رغم أني امرأة، وبقوله هذا سكن الجزع الذي اعتمر قلبي لفكرة أن أكون قد خذلت معلمي.. لكن فقدانه لم يكن أمراً أستطيع تجاوزه مهما حاولت.."
ثم أسندت ذراعيها للأرض ورفعت بصرها للأعلى قائلة "تباً لك يا مينار.. لقد هربت قبل أن نحصد نتائج جهودنا الطويلة.. لمَ العجلة للحاق بأبي أيها العجوز؟"
ابتسم كين لتعليقها وهو يراها تنفض الحزن الذي تبدّى في عينيها لوهلة، ثم انتبه الإثنان لصياح تعالى من أحد الرجال في جانب المخيم.. كانت أغلب المصائب التي تحل على القبيلة تبدأ بصياح أحدهم إعلاناً عن الأمر، فلم يقدرا على تجاهل هذا الصياح وهما يغادران الخيمة.. وفي وسط المخيم وجدا أحد الرجال يتقدم منهما بعد أن رأى ججي صائحاً "جندي عربي يقترب من مخيمنا.."
رفعت ججي حاجبيها بدهشة وقالت "أهو جندي أم فرقة جنود؟.."
أجاب الرجل مشيراً للأمام "بل هو جندي واحد فقط.. ولا يبدو أنه يبغي قتالنا.."
نظرت ججي لحيث يشير، فرأت جندياً وحيداً يقترب منهم على ظهر حصانه ووقف على شيء من المبعدة.. اقتربت ججي من الموضع الذي جلس فيه سادر مع كبار رجال القبيلة، وهم يسمعون الجندي العربي يقول بصوت واضح "أنا رسولٌ من الملك فارس إلى جام زعيم قبيلة (أبناء الذئاب).. لدي رسالة خاصة له، وأرجو أن يستمع إليها.."
نهض سادر قائلاً بعصبية للرجال حوله "اقطعوا رأسه.. لا نريد أن نستمع لأي رسالة من ذلك الملك الذي قتل شبابنا في حربٍ لا طائل منها.."
توتر الرسول وهو يقبض لجام حصانه وراودته الرغبة بالفرار في تلك اللحظة، لكن ججي اقتربت قائلة "مهلاً.. فلنستمع لما يقوله الملك أولاً.."
التفت إليها سادر قائلاً بحنق "لسنا بحاجة لذلك.. يجب أن يعلم الملك مع أي شعب يتعامل، وما الذي سيحصل عليه عندما يحاول غزو بلادنا.."
قالت ججي بهدوء "أنا أدرك مدى غضبك يا سادر بعد موت ابنك الأكبر، لكن قتل الرسول لن يجعل الملك يخشانا ويتراجع عن هجومه ذاك.. لقد أرسل رسوله وحيداً دون مرافقين، وهذا يدلّ على نواياه الحسنة بالتأكيد.."
علق سادر بسخرية وضيق "نوايا حسنة؟"
تجاهلته ججي وهي تنظر للرسول قائلة "ليس من اللائق أن تبقى على ظهر حصانك أمام كبار رجال القبيلة.. ترجّل واقترب وأنا أضمن لك أن أحداً لن يمسك بسوء.."
ترجّل الرسول بعد لحظة تردد، ثم اقترب منهم قائلاً "أين زعيم هذه القبيلة؟.. رسالتي هذه موجهة إليه بالذات.."
عقدت ججي ذراعيها على صدرها مجيبة "أنت تنظر إليه بالفعل.."
حدق الرسول في وجهها للحظة، ثم قال بدهشة "أليس الزعيم رجلاً؟.. مما علمته أن اسمه جام.. أليس كذلك؟"
قالت ججي بهدوء "أنا جام زعيم هذه القبيلة.. فهلا انتهينا من هذه المسألة؟"
ظل الرسول يحدق في وجهها بدهشة، فانبرى سادر صائحاً وهو يقبض على مقبض سيفه "هل ستتحدث عما جئت لأجله أم نقطع رأسك وننتهي من هذا الأمر؟.."
استوقفت ججي سادر قائلة "لا أظنه سيتحدث مع عصبيتك هذه.. اهدأ أرجوك ولنستمع له بهدوء.."
وأشارت للرسول قائلة "اتبعني إلى خيمتي.."
سار الرسول خلف ججي بشيء من التردد، فيما تبعهما كبار رجال القبيلة وسادر يغمغم بحنق "هذا مضيعة للوقت.."
علق رجل آخر "لنستمع لما يقوله، ثم نتصرف بهذا الشأن بعد ذلك.."
استقر الجميع في خيمة ججي، بينما وقف الرسول أمامهم وقال بعد أن أشارت له ججي ليبدأ الحديث "لقد أرسلني الملك فارس برسالة وطلب يرجو منكم النظر إليه بجدية.. الطلب الذي يطلبه الملك فارس منكم هو إبرام معاهدة للسلام بين الملك والأكاشي.."
نظر له الرجال بدهشة وصدمة، والرسول يضيف "لقد طالت الحرب نوعاً ما، والملك لا يريد أن يخسر جنوداً أكثر مما فعل.. الأكاشي أيضاً قد خسروا الكثير في هذه الحرب، وربما كان من الخير أن نعقد معاهدة سلام بين الجانبين لنحقن الدماء ويمكن لكل طرف العودة لممارسة حياته دون قلق.."
قال سادر بغضب "أنت تمزح بالتأكيد.."
استوقفته ججي قائلة للرسول "لا سلام بيننا حتى يجلو الملك جنوده عن السهول ويعدنا بعدم العودة إليها.. بغير ذلك، لا يمكننا المهادنة بتاتاً.."
فقال الرسول "لكن هذا لا يحقق أمراً بالنسبة للملك.. سيكون قد خسر جنوده دون أن يجني أي فائدة.."
قالت ججي بحزم "هذا لا يعنينا.. لقد خسرنا خيرة رجالنا فقط لنحافظ على ما نملكه بالفعل، وهو ليس بالشيء الكثير.. لو قارنت سهول الأكاشي بالأرض التي يمتلكها الملك، لرأيت أن هذه الحرب غير منطقية بتاتاً.."
دار الرسول بعينيه في وجوه الرجال الحانقين بوضوح، ثم قال "لكن الملك يريد أن يعرض عليكم عرضاً، وهو متأكد أنه سيوافق جميع الأطراف.."
تساءلت ججي "وما هو هذا العرض؟"
أجاب الرسول "لا علم لي به.. إنه يعرض لقاء زعماء أكبر قبائل الأكاشي في موضعٍ سيتحدد لاحقاً، ليحاول التوصل لاتفاق معهم وإقامة هذه المعاهدة التي ستضمن السلام للجانبين.."
نظر الرجال لججي التي صمتت مفكرة، ثم انبرى شيتار قائلاً "أنت لا تفكر بقبول هذا العرض.. أليس كذلك يا جام؟"
نظرت له ججي بصمت للحظة، ثم قالت للرسول "أهناك أمرٌ آخر يجب أن تخبرني به؟"
هز الرسول رأسه نفياً، فقالت له "إذن يمكنك المغادرة وإخبار الملك أنني سأرسل له ردي خلال أيام قليلة.."
فقال الرسول "هناك سفينة ترسو في أعمق نقطة من الخليج الذي يفصل بيننا وبينكم، في موضع قريب من موقع معركة (الليلة البيضاء) التي خاضها الملك ضد الأكاشي.. سننتظر جوابك هناك.."
هزت ججي رأسها، فاستدار الرسول وغادر على الفور عائداً لحصانه.. وفور مغادرته قال سادر باستياء "هذه استهانة بنا دون شك.. كيف يتوقع منا أن نقابل الملك بعد كل ما جرى؟"
نظرت له ججي بصمت بينما قال شيتار "كان عليك رفضه على الفور يا جام.. ليس هناك ما يدعونا للتفكير في الأمر حقاً.."
خفضت ججي وجهها تحدق في الأخشاب السوداء التي تحتل موضع النيران عادة وأفكارها تسرح بعيداً دون أن تسمع كلمة مما يردده الرجال حولها.. حاولت أن تفكر برد فعل أبيها، لو كان حيّاً، على مثل هذا الطلب، وأن تقرر إن كان عليها أن تأخذ نصائح كبار السن في قبيلتها أم تعتمد على رأيها هي.. في الواقع، كانت ججي تميل للمهادنة بشدة، لو كان ذلك يعني أن تحقن دماء رجال القبيلة وأن تعود قبائل الأكاشي لحياتها الاعتيادية المسالمة، إن صحّ القول، التي افتقدوها لوقت طويل.. لكن لا يمكنها أن تقبل بهذا الأمر دون أن تعرف بالضبط ما الذي سيجرّه عليهم، ولا يمكنها قبوله دون موافقة بقية زعماء القبائل، وموافقة رجال قبيلتها بالذات..
رفعت رأسها إليهم وهي تسمع سادر يقول "ما الذي يجري يا جام؟.. نحن لم نسمع رأيك بالأمر.."
فقالت مديرة بصرها في الوجوه من حولها "ربما يجدر بنا الاستماع لهذا العرض.."
نظروا لها باستنكار واضح، بينما قال سادر بحدة "أهذا ما هداك إليه تفكيرك البسيط؟"
أسرعت تقول "الاستماع للعرض لا يعني قبوله بالتحديد.. فما المانع؟.. ربما لو تمكنت من مقابلة الملك العربي أستطيع معرفة كيفية إنهاء هذا الحرب دون أن نضطر للاستسلام.. مواجهة شخص مع شخص هي أفضل من مواجهة جيش بجيش.. فلننصت لما يقوله، وبعدها يمكننا تقرير ما علينا فعله.."
قال سادر بحنق "أرفض ذلك.. لقد خسرنا الكثير في هذه الحرب، وسعينا وراء عرض الملك هو إهانة لكل من مات فيها.."
قالت ججي "لقد خسرنا العديد من رجالنا بالفعل.. ورفض هذا العرض يعني أننا سنخسر المزيد أيضاً.. لا تنسَ أن لديك ثلاث أبناء غير من مات بالفعل.. هل ستمنعهم من المشاركة في الحرب عندما تندلع مرة أخرى؟.. أم أنك ستحميهم وتضمن سلامتهم أثناءها؟.."
صمت سادر بغضب، بينما قالت ججي للبقية "نحن لن نقبل هذا العرض من الملك إلا إن وافق شروطنا.. فما الذي يمنعنا من التحاور معه في هذا الشأن؟.. كلنا خسرنا شخصاً مهماً في حياتنا.. لقد خسرتُ أبي وأمي بسبب الحرب، لكن هذا لا يمنعني من السعي لإنهائها بأي وسيلة كانت.. ولا أظن أبي سيكون سعيداً لو استمرت هذه الحرب وقضت على آخر رجل منا.."
قال أحد الرجال بضيق "لقد رفض قادور طلب الملك العربي ذلك عندما التقاه للمرة الأولى، فكيف تظنه سيقبل بما تنوي فعله؟"
أجابت ججي بحزم "لقد رفضه أبي لأنه كان يطلب استسلامنا بلا قيد أو شرط.. أما الآن، فالوضع مختلف.."
غمغم سادر بحنق "بل أنت المختلف بكل تأكيد.."
نظرت ججي لوجه سادر الحانق، ووجوه الرجال التي لم تحاول إخفاء استيائها لرأي ججي.. عندها دار بذهنها أن هذا الاجتماع لن يسير بالشكل الذي ترجوه أبداً، وأن وقتاً طويلاً سيمر قبل أن تقنع هذه العقول المنغلقة برأيها الذي لا يوافق أهواءهم بكل تأكيد..
بعد انتهاء ذلك الاجتماع، دون أن تصل المناقشات فيه إلا إلى طريق مسدود، غادرت ججي خيمتها واتجهت لخيمة مينار القريبة فدلفتها بصمت على غير العادة وجلست قرب النار حيث جلس كين وهو يراقبها بتعجب.. ولما طال صمتها تساءل كين "ما الذي جرى مع رسول الملك العربي؟.. لقد رأيته يغادر بعد دخوله بقليل.."
زفرت ججي بحدة، وشرحت له العرض الذي حمله الرسول إليهم، ورد فعل كبار القبيلة على ذلك.. عندها قال كين "أليس ذلك جيداً؟.. بهذه الهدنة، يمكننا أن نمنع المزيد من الحروب ونحظى ببعض السلام على الأقل.."
قالت ججي بحنق "من سيسمح لنا بذلك؟.. لقد غضب كبار القبيلة بشدة عندما فكرت في الأمر، وأطلقوا عليّ نعوتاً قاسية.. قالوا إنني غرٌ صغير السن ولا أفقه في أمر الحروب شيئاً.. وأن قادور لو كان حيّاً لا يمكن أن يقبل بهذا الأمر.."
وقبضت على يديها بشدة مضيفة بضيق "لقد صرّحوا بأنني غير أهلٍ لهذا المنصب، وأنني سأدفع القبيلة كاملة للموت بهذه الطريقة.."
فقال كين "لكنك أثبت نفسك ومهارتك طوال الشهور الماضية، ولم تعودي بحاجة لفعل ذلك من جديد.."
نظرت له ججي بصمت وهو يضيف "لو كان رأيك قد تصادم مع رأي البقية، فهذا لا يعني أنك مخطئة أو لا تفقهين شيئاً.. فلا تدعي قولهم يؤثر فيك.."
تساءلت ججي "أهذا يعني أنك مع رأيي بقبول هذا العرض؟.."
أجاب كين "هذا لا يعني أن تقبلي العرض دون أن تعرفي عواقبه.. يجب أن تختاري بحكمة، لا أن تسعي خلف الهدنة مهما كانت ستظلم الأكاشي.."
قالت ججي "لكني لا أعلم شروط وجوانب تلك الهدنة بعد.. لقد طلب مني الملك مقابلته عندما أوافق على ذلك، ووقتها سنناقش الأمر ونعرف ما الذي سنعاهد عليه.."
ارتفع حاجبا كين بدهشة، ثم قال بقلق "هل يطلب مقابلتك دون أن يخبرك بشروط تلك المعاهدة؟.."
هزت رأسها نفياً مجيبة "لا.. لقد أفصح عن رغبته بإبرام تلك المعاهدة، ومناقشة شروطها وجهاً لوجه معه ومع بقية زعماء القبائل.."
عندها قال كين "لكن هذا ليس في صالحكم بالتأكيد.."
تساءلت ججي بدهشة "لمَ؟.. لقد كنت مع تلك المعاهدة قبل قليل.."
أجاب كين "لا أدري.. أشعر بدهشة من طلب الملك لقاءك.. لو أنه أخبرك بكل جوانب المعاهدة، فهذا يدلنا على أنه يسعى لإتمامها حقاً.. لكن هذا الاستدعاء من جانبه لا يعجبني.."
قالت مقطبة "لمَ؟.. ألا تشرح لي ما الأمر؟.."
تردد كين للحظة، ثم قال "الأكاشي لا يحظون باحترام بقية الشعوب، ولا يعتبرونهم إلا بضع قبائل همجية لا يعبأ بها أحد رغم قوتهم.."
قالت ججي بضيق "كيف يمكنك قول ذلك؟"
أسرع كين يقول "هذا هو الواقع.. وما أريد إيصاله لك أن الملك لن يتنازل للقاء زعيم قبيلة لا يعتدّ بها العالم كله.."
قالت ججي بحزم "لأننا أذقناه الهزيمة وهو يريد أن يحفظ جيوشه وماء وجهه أمام العالم.."
قال كين بتوتر "هو لا يريد الهزيمة بالتأكيد، لكنه يعتبر نفسه ملك مملكة كبيرة وعظيمة، فحجمها يتجاوز حجم الممالك الأخرى بشكل كبير.. لذلك، لو فكر بالتنازل ومقابلة زعيم قبيلة صغيرة، سيكون ذلك مذلاً له بشدة.. وتصغيراً له أمام بقية الممالك.."
ظلت ججي تستمع له بضيق وتساءلت "ماذا تعني؟.. هل أرفض لقاءه بسبب شكوكك هذه؟"
أجاب كين "لابد من وسيلة أخرى لمعرفة شروط تلك المعاهدة دون لقاء الملك بشكل شخصي.. يساورني شك بأنه سينصب لكم كميناً للتخلص منكم ومن مقاومتكم له بضربة واحدة.."
غمغمت ججي "لا يمكنني ألا أفكر بالخسارة التي سنخسرها والحروب التي سنخوضها لو رفضنا عرض الملك.."
ونظرت إليه قائلة "سأفكر بالأمر جيداً.. لكني لن أخشى الملك، ولن أرفض العرض فقط خوفاً على نفسي.."
ونهضت مغادرة الخيمة.. فزفر كين متمتماً "أخشى ما أخشاه أن تندفع ججي لهذا العرض الذي لا يمكنها مقاومته.. لكن كيف أقنعها بالعكس؟.. ما الذي كان مينار سيفعله لإقناعها لو كان موجوداً؟.."
دار ببصره في خيمة مينار التي أصبحت خالية بعد موته.. ثم عاد كين يزفر بضيق وهو يخفض رأسه بصمت.. مع غياب مينار، تقطع خيط آخر من الخيوط التي تشدّه لهذه القبيلة.. وبقيت ججي الوحيدة التي تجعله يتشبث بالبقاء في هذه السهول التي لا تعرف الهدوء.. ولو جرى لها أي أمر، فهل سيستمر في العيش في هذه السهول وحيداً؟.. أم أنه سيرحل محاولاً تناسي السنوات الست التي قضاها في ربوعها ومصيره الذي تشابك مع مصير القبائل فيها بأكثر مما توقع في السابق؟..
الأهم من تفكيره بمصيره، التفكير بما قد يجري لججي في هذا اللقاء.. هذا طعم واضح، وججي الساعية للخلاص من هذا الحرب ستلتقط الطعم بأسرع مما يتوقع الجميع.. لكن كيف يقنعها بغير ذلك؟..

************************

بعد أيام قلائل من هذا الحدث، وقبل أن تتمكن ججي من التوصل لحلٍّ يلائم جميع الأطراف، فوجئت برؤية رسولٍ من هاكين زعيم قبيلة (طاغار).. وكانت الرسالة تتلخص في إبلاغها بطلب الملك فارس إقامة عهد سلامٍ مع الأكاشي، وقبول هاكين وقبيلته هذا الطلب مع بعض الشروط..
كان هاكين قد أرسل رسالة مماثلة لعدد من القبائل الكبيرة في السهول، مثل قبيلة (الغربان) و(جروان) و(عين النسر).. وهي أكثر القبائل تأثيراً في هذه السهول، لذلك شعرت ججي بشيء من الغبطة لأن هاكين قد وضع قبيلتها في موقع متساوٍ مع تلك القبائل الكبيرة.. وهذا يعني أنها نجحت في رفع مكانة قبيلتها بعد أن انحدر مستواها بين القبائل كثيراً بعد موت قادور وتولّيها الزعامة..
ورغم كل اعتراضات كين، فإن ججي لم تتوانَ عن إعلان رأيها أمام سادر وبقية كبار القبيلة قائلة "لقد اتخذت قراري.. بما أن هاكين قد أعلن قبوله هذا العرض من الملك العربي، فهذا يعني أن قراري لم يجانب الصواب.. سأرسل لهاكين أعلن عن موافقتنا على ذلك العرض، وسأنضمّ إليه في اللقاء الذي سيجتمع فيه مع الملك العربي.."
قال شيتار بغير تصديق "أأنت مقتنعٌ بهذا الأمر؟.. هاكين لا يزال حديث عهدٍ بالزعامة، لذلك لا تغترّ بآرائه ولا تتبعه بشكل أعمى.."
قالت ججي بثبات "لقد أثبت هاكين نفسه في المعركة التي خضناها مع الملك العربي، وأنا أثق به وأثق برأيي في الوقت الحالي.. وكما أخبرتكم، لا أنوي قبول ذلك العرض قبل معرفة كل جوانبه وما يعنيه لنا ولجميع قبائل الأكاشي.. ألا يطمئنكم ذلك قليلاً؟"
تبادل شيتار مع بقية الرجال النظرات الصامتة التي تدلّ على ضيق واضح وعدم اقتناع بما تقوله، ثم قال سادر "سنتناقش في هذا الأمر بيننا.. لكن أطلب منك يا جام ألا تقبل هذا العرض إلا إن أجمعنا عليه بالموافقة.."
هزت ججي رأسها إيجاباً وإن اعتراها ضيق واضح لهذا الطلب.. لا يعني طلب سادر هذا إلا أنهم لا يثقون بها وبرأيها ولا يعتدّون به، وعندما صرّحت برأيها هذا لكين، فاجأها بتعليقه على الأمر "هم محقون في هذا الأمر.. أخشى أن ثقتك بنفسك وبرجال القبيلة قد أسكرك يا ججي.."
نظرت له بضيق وقالت "لمَ؟.. ألأنني أريد الحصول على السلام أخيراً؟"
قال كين "لا ألومك على ذلك.. لكن من قال إن الملك العربي يطمح للحصول على السلام؟.. هذا السلام لن يفيده في شيء، فستبقى السهول ملكاً لكم، وسيعود هو برجاله للجانب الآخر من الجبال بعد أن خسر الكثير من الرجال والعتاد بالإضافة للسفن التي أغرقناها في الخليج.. لو كان الملك واثقاً من انتصاره عليكم، لما سعى للحصول على هذا السلام.. هذا نهج الضعفاء الذين لا حيلة لهم، والملك العربي لن يرضى بأن يوصف بذلك.."
قالت بسخرية "يبدو أنك تعرف الكثير عن الملك العربي.. ما الذي يجعلني أصدقك في ما تقوله؟"
أجاب بعد لحظة تردد "الأكاشي لا يعرفون الملوك ولا يتعاملون إلا بنظام الزعامة الذي يتحلى بالبساطة والمباشرة.. يمكنني معرفة ما يفكر به الملك العربي لأننا نملك نظاماً مماثلاً في مملكة كشميت، والملوك شأنهم واحد في كل مملكة وزمن.."
قالت بعناد "هذا لا يعني أن رأيي يفتقر للصحة.. لقد اتبعت حدسي عدة مرات ولم يجانب الصواب.."
فقال كين "لكن هذا لا يمنعك من الاعتراف عندما يجانب حدسك الصواب هذه المرة.. لقد أجمعنا على رفض هذه الفكرة والقلق من خيانة الملك العربي.. فلمَ عليك أن تخالفي الجميع في هذا؟"
قالت ججي بعصبية "لمَ عليّ أن أخضع للجميع رغماً عني؟.. لم أكن لأصل لما وصلت إليه لو كنت سأتبع رأي الآخرين بشكل أعمى.."
ونهضت مغادرة قائلة بشيء من الجفاء "كشميتي مثلك لن يفهم ما أسعى إليه.. ستظل طوال عمرك خانعاً.."
غادرت بحنق واضح تاركة كين يجلس في موقعه بصمت.. كانت ججي مستاءة لإلحاح الجميع عليها برفض عرض الملك.. ورغم أنها ترفض الاعتراف بذلك، لكنها شعرت أن الكل يشكك بتقديرها لهذا الأمر الذي وافقها عليه هاكين بالفعل.. لم يكن ذلك تكبراً منها، بل اقتناعاً برأيها وبأنها حريصة على سلامة قبيلتها أكثر من أي شخص آخر.. وربما كانت تثق برأي هاكين أكثر من رأي رجال قبيلتها كلهم..
في الوقت ذاته، كان كين ينظر للنار أمامه بصمت ووجوم لم يفُت تبريق الذي دلف الخيمة باحثاً عن ججي.. فاقترب منه متسائلاً "ما الذي جرى؟.. هل عنّفك أحدهم؟"
التفت إليه كين قائلاً "ولمَ؟"
ابتسم تبريق وهو يجلس معلقاً "هذا ما يبدو على وجهك.. كطفلٍ مذنبٍ عنفه أحدهم لخطأ ارتكبه.."
ابتسم كين بدوره وغمغم "يا للخيال.."
فتساءل تبريق "إذن ما الأمر؟.. ما الذي يشغل تفكيرك لهذه الدرجة بحيث تبدو بائس الحال؟"
غمغم كين "أليست هذه الحرب التي نخوضها بائسة بالفعل؟"
نظر له تبريق بعدم فهم، فأضاف كين "لقد مرت سنوات منذ انضممت إليكم، والحرب لا تكاد تهدأ إلا لتشتعل من جديد.. أشعر بضيق شديد لرؤية كل ذلك الموت والقتل الذي يعتبر من مفردات يومكم الاعتيادية.. ورغم أن العرض الذي أرسله الملك العربي يهدف في ظاهره للسلام، إلا أنني أشعر بتوجس شديد منه، وأشعر أنه بابٌ سيفتحه الأكاشي لإراقة المزيد من دمائهم.."
علق تبريق "ألم تحدث جام عن هذا الأمر؟.. ربما يقتنع بقولك هذا ويصرف نظره عن هذا الأمر.. إنه يثق برأيك كثيراً.."
زفر كين ناظراً لسقف الخيمة وقال "لقد نعتتني بـ (الكشميتي) عندما صرّحت برأيي هذا أمامها.. وهذا يدلّك عن مقدار حنقها بهذا الرأي.."
صمت تبريق عن التعليق وقد أدرك سبب الوجوم الذي بدا على كين عند رؤيته، بينما غمغم كين "لا أظنني سأعتاد على هذه الحروب القاسية أبداً.. ألا يشبع الأكاشي منها رغم كل ما يفقدونه فيها؟.."
قال تبريق "لكنك كنت مشاركاً في حروبنا هذه، ولك يدٌ في كل القتل الذي تمّ في السهول حتى لو لم تحمل السيف بنفسك.. أليس كذلك؟"
زفر كين وهو يقول بضيق "وهذا يثقل كاهلي أكثر.. لستُ سعيداً بما جرى، ولست مرتاحاً لما سيجري بعد الآن.. أخشى اللحظة التي أعتاد فيها رؤية هذا الموت، وأصبح مثل الأكاشي أتعامل مع القتل بحيادية تامة.."
نظر له تبريق بصمت، ثم تساءل "أهذا يعني أنك أصبحت تبغض البقاء معنا؟.. هل تفكر بالرحيل؟"
غمغم كين "ولمَ لا؟.. ربما كانت عودتي مواتية الآن لكاشتار بعد كل تلك السنوات.."
رفع تبريق حاجبيه معلقاً "حقاً؟.. كنتُ موقناً أنك لا يمكن أن تفعل هذا وتتخلى عن جام.."
قال كين مطرقاً "وهل تعبأ هي بي حقاً؟.. لا أظنها ستعبأ حتى لو رحلت عن هذه السهول.. فأنا مجرد (كشميتي) بالنسبة لها.."
قال تبريق بغير اقتناع "محال.. لابد أنك واهم.. كانت تلك مجرد كلمة لا يعنيها جام بالتأكيد.."
علق كين قائلاً "المفترض أن فكرة رحيلي تلك ستسعدك أيما سعادة.. فما الذي تغيّر؟"
صمت تبريق مفكراً في تينا، التي تغيرت تغيراً كبيراً بعد عودته من الحرب، ثم قال هازاً كتفيه "ربما لأنني شبه واثق أن تينا ما عادت تعبأ لأمرك كما كانت في السابق.. وهذا يجعلني أقتنع أن وجودك في القبيلة لم يعد مكروهاً كما كنت أراه قبلاً.."
صمت كين بابتسامة جانبية وهو الذي لم يتوقع تقبل تبريق له مطلقاً، ثم تمالك نفسه وأفكاره قائلاً "انسَ ما قلته لك.. كان ذلك مجرد هذيانٍ مني.. لذلك لا تذكره لأحدٍ أبداً.."
رمقه تبريق بتعجب مغمغماً "أكان ذلك مجرد هذيانٍ بالفعل؟.."

************************

في صباح اليوم التالي، خرجت ججي من خيمتها وتوجهت إلى حصانها الذي وقف في جانب المخيم مع بقية الخيول التي تمتلكها القبيلة.. قامت بإعداده للجولة التي تنوي القيام بها، وامتطت ظهره وهي تلكزه لتغادر تاركة المخيم خلفها في جولة واسعة في السهول التي غمرها الضباب قبل ارتفاع الشمس في السماء.. بدت الشمس عند الأفق باهتة مع الضباب المهيمن على المكان، ولم تخفت البرودة التي سادت في الليلة الماضية بعد رغم أنهم كانوا في منتصف فصل الصيف بالفعل، لكن ججي لم تعبأ بذلك وهي تدفع الحصان للركض بأسرع ما تستطيع..
ظلت التلال تتراكض أمام ججي، بينما سادها الصمت وهي تفكر بكل الأحداث التي مرت عليها طوال سني عمرها.. مع حلول الصيف، وقد أزهرت السهول وازدانت بألوانٍ زاهية بعد أن كساها الثلج لعدة شهور، تكون ججي قد أكملت عشرون عاماً من عمرها.. من كان يتخيل أن تصبح فتاة مثلها في هذا العمر زعيمة لقبيلتها؟.. لابد أن قادور كان مجنوناً بالفعل عندما فكر بذلك، لكن جنونه قد آتى ثماره بالتأكيد.. وهي قد أثبتت نفسها لا لرجال قبيلتها فقط، لكن للقبائل الأخرى التي تفاوتت ردات فعلها نحوها بين الرفض والقبول..
والآن، بعد صراعٍ طال منذ كانت هي في الثالثة عشر من عمرها، اقتربت نهايته مع هذا العرض الذي عرضه الملك العربي لإقامة معاهدة بينه وبين الأكاشي.. ولولا مساندة هاكين لها، لوجدت ججي صعوبة في إقناع رجال قبيلتها بالاستسلام لهذا العهد وإيقاف هذه الحرب التي التهمت خيرة رجالهم طوال تلك السنوات..
بعد أن دارت ججي دورة واسعة على ظهر الحصان، لاحظت اقتراب تبريق على ظهر حصانه منها ليسير قربها قائلاً "ألا تشعر بالبرد في هذا الصباح؟"
قالت ججي بابتسامة "لا.. بل أستمتع به.."
نظر لها تبريق بتعجب، ثم قال "لقد عاد فريقٌ من الرجال الذين أرسلناهم للمدن الشمالية.. بعضهم قد تلقى رفضاً صريحاً باقتراحاتنا، والبعض الآخر فضل الوقوف على الحياد.. فهم قبلوا هدايانا لكن لم يتعاونوا معنا بشكل صريح بعد.."
نظرت ججي للموقع حولها، والذي كساه غطاء أخضر زاهي اللون، ثم قالت "أتظن أن علينا استمالتهم بالمزيد من الهدايا؟.."
علق تبريق قائلاً "ربما.. لكن عليك مناقشة كبار رجال القبيلة في هذا الأمر.. فهذا سيضعف مواردنا الضعيفة بالفعل.."
غمغمت ججي "سأفعل ذلك بالتأكيد.."
سادهما الصمت للحظات إلا من زقزقات بعض العصافير التي صدح صوتها في الموقع الساكن، ثم لاحظت ججي نظرات تبريق الصامتة نحوها والتي تكررت عدة مرات.. مما دفعها لتقول "ما الأمر؟.. لو كنت تملك ما تقوله، فلا تتظاهر بالتردد.. أنت سليط اللسان عادة ولا يهمك رأي الآخرين بما تقوله.."
ابتسم تبريق بجانب فمه قائلاً "سليط اللسان؟.. أتمنى ألا تضع هذه الفكرة في عقل تينا، فلست بحاجة لما يزيدها كرهاً لي.."
قالت ججي "أنا واثقة أنها تنعتك بنعوتٍ أشد قسوة.."
ضحك تبريق لتعليقها، فيما قالت ججي "تحدث بما في ذهنك، فلا أحب أن تتركني لخيالاتي.."
فغمغم تبريق "في الواقع، كنت متردداً في إخبارك بهذا الأمر.. أشعر أنني سأخون ثقة كين بي.."
انتبهت ججي لدى ذكر كين، فالتفتت إلى تبريق باهتمام قائلة "أهناك أمرٌ يخفيه عني؟.. لمَ صارحك أنت به دوني؟.."
أجاب تبريق "لا أظنه يجرؤ على ذكر ذلك أمامك قط.."
تزايد قلق ججي وهي تتساءل "ما الأمر؟.. أفصح عما جرى دون تردد.."
فقال تبريق "لقد كنت أتحدث مع كين البارحة.. وقد خيّل إليّ أنه ينتوي الرحيل عن قبيلتنا.."
نظرت له ججي بدهشة وصدمة، ثم علقت "خيّل إليك؟.. ما معنى هذا؟.."
أجابها "لقد كرر عدة مرات أنه يشعر بضيق شديد من وجوده في هذه القبيلة، وأنه سئم الصراعات التي نعيشها.. ولما سألته إن كان ينوي المغادرة، قال إن ذلك ليس مستبعداً بتاتاً.. لكنه لم يوضّح لي الموعد الذي ينتوي الرحيل فيه، أو سبب ذلك.. لذلك لست متأكداً إن كان الأمر مجرد هذيان أم أنه عازم على فعل ذلك حقاً.."
كانت ججي قد أدارت الحصان ولكزته قبل أن ينهي جملته، وغادرت بصمت وتبريق يصيح خلفها "مهلاً.. لا تحدث كين عن هذا الأمر الآن يا جام.."
لكنها لم تتردد في الابتعاد عائدة لمخيم القبيلة، بينما زفر تبريق مغمغماً "والآن، سيصبّ كين غضبه عليّ لأنني صارحت جام بذلك.."
في تلك الأثناء، كان كين يجلس في جانب المخيم على إحدى التلال وهو يراقب حصانه الذي يرعى في المرعى القريب.. شعر بشيء من السوء لحديثه في الليلة السابقة مع تبريق، والذي لم يكن له سبب إلا تفريغ بعض الضيق الذي أحس به.. لابد أن تبريق سيظن به الظنون، وقد يصدق أن كين سيرحل عن القبيلة حقاً.. زفر بشيء من الضيق وهو ينظر للسماء بصمت.. لم يكن ذلك الخاطر بعيداً عنه فعلاً، لكنه لم يجرؤ يوماً على اتخاذه.. كيف يمكنه الرحيل بعد كل تلك السنين؟.. يشعر ألا فائدة ولا هدف لوجوده في هذه القبيلة، وهو مجرد ظل لججي.. هو حقاً راضٍ بموقعه إلى جوارها، لكنه يشعر أن حياته قد توقفت عند هذه النقطة ولا يبدو أنها ستسير في أي اتجاه غيره.. لكن كيف يمكنه أن يتركها ويرحل بهذه البساطة؟..
وبالحديث عنها، ها هي آتية نحوه بخطواتها الواسعة القوية وحاجبيها المعقودين أبداً.. متى تدرك تلك الفتاة أنها لم ولن تكون رجلاً مهما حاولت؟.. رآها تتقدم منه بقوة وقالت له بصوتها الذي تتعمد جعله جهورياً "كين.. اضغط على أسنانك.."
نظر لها لوهلة بدهشة وعدم فهم، عندما رأى قبضتها تطير في وجهه فتضربه على فكه بقوة ألقته للوراء.. اعتدل كين شيئاً ما بألم وهو يشعر بطعم الدماء في فمه، ثم قال "تباً يا ججي.. لقد عضضت لساني.."
قالت بحزم وهي تقترب "لو كنت رجلاً لفعلت ما أمرتك به بسرعة قبل أن تقطع لسانك مع قوة الضربة.."
وجذبته من مجمع ثيابه بقوة حتى أوقفته أمامها ليواجه عينيها الغاضبتين وهي تقول له "أصحيح ما سمعته من تبريق؟"
نظر لها بعدم فهم وهو يمسح الدماء التي سالت من فمه، فهزته بشدة وهي تقول بغضب "أكنت تنوي الرحيل وترك قبيلتنا حقاً؟.. لمَ قد تفكر بفعل ذلك؟.. ولمن كنت تنوي الانضمام من القبائل الأخرى؟"
دفع يدها لتفلته وهو يقول بضيق "ذلك المأفون.. لمَ لا يحتفظ بلسانه في فمه؟"
واجهته قائلة بحدة أكبر "إذن كان ما قاله صحيحاً.."
قال بحزم "قطعاً لا.. أتظنين أنني أقدر على ذلك؟"
نظرت لوجهه للحظة، ثم دمدمت "لا.. لا أظنك تملك الشجاعة لفعل ذلك.."
أصابه الغيظ من تعليقها ولأنها تتجاهل مشاعره بشكل تام، فقال بسرعة "بل لأنني لا أطيق فراق فتاة حمقاء تصرّ على أنها ليست كذلك.."
نظرت له باهتمام واضح متسائلة "ومن هي؟"
نظر لها بدهشة تامة.. أهي حمقاء حقاً؟.. لكن من بين ملامح وجهها الجادة، تمكن من رؤية تلك الضحكة التي توارت في عينيها، وبدت له سخرية واضحة منه بحيث زفر بضيق وهو يدير بصره جانباً.. عادت ججي تسأله بجدية "إذن أنت لا تنوي الرحيل حقاً؟"
قال بضيق "لا.. ليس قبل أن أحظى بالاحترام الذي أستحقه منك بالذات.."
فقالت وهي تستدير "إذن.. عليّ عقاب تبريق على تفوهه بتلك الحماقات التي لا يصدقها عقل.."
استوقفها كين قائلاً "مهلاً.. ماذا عني أنا؟"
نظرت له بتساؤل، فقال مشيراً لفكه "ألا أجد تعويضاً على هذه الضربة المؤلمة التي لم أستحقها؟"
فقالت "إن كنت ترغب بالقصاص من تبريق بنفسك، فلا مانع من ذلك.."
قال بحزم "بل أريد الاقتصاص منك أنت.. فأنت من لكمني، وليس تبريق.."
استدارت إليه قائلة "هذا حق.. لا بأس.. الكمني كما تشاء.."
نظر لملامحها الجادة بتعجب وهي تنظر له بصمت.. أي فتاة تطلب من الآخرين لكمها بهذه السهولة؟.. فاقترب منها شاداً قبضة يده وقال "أغمضي عينيك واضغطي على أسنانك.."
فقالت دون أن تفعل ما طلبه منها "لماذا؟.. أتظنني خائفاً من لكمتك الهزيلة تلك؟"
نظر لها مقطباً وغمغم "تباً لثقتك العجيبة هذه.."
لم تطرف ججي وهي تقف أمامه بانتظار أن يلكمها، وهي واثقة ثقة تامة أنه لن يؤلمها بالقدر الذي يتوقعه.. لكنها رأته يرخي قبضة يده وهو يتقدم منها ثم رفع ذراعيه وأحاطها بهما وهو يضمّها إليه بقوة.. لم يكن هذا ما تتوقعه، فقالت بحنق وهي تحاول دفعه عنها "أهذا هو القصاص الذي تريده؟"
غمغم كين "هذا يكفيني.."
أبعدته عنها بقوة ليراها بوجه أحمر حتى الأذنين بحيث أصبح بلون شعرها، بينما ملامحها عابسة وهي تقول بشدة "أخبرتك ألا تعاملني كفتاة.. هل كنت ستعانقني بهذه الطريقة لو كنتُ رجلاً فعلاً؟"
قال كين بابتسامة جانبية "لكنك لستِ رجلاً يا ججي.. لم ْأرَكِ يوماً كذلك.."
لكمته بقوة على صدره ثم استدارت مبتعدة وهي تدمدم بغضب، بينما وضع كين يده على موضع الضربة التي آلمته بشدة وقال بابتسامة "لا بأس.. يكفيني ما حصلت عليه.. فلن أحصل على أكثر من ذلك من فتاة عنيفة مثلك.."
تنهد وهو يراقب ابتعاد ججي بصمت، ثم أدار بصره للأفق.. يبدو أن حياته ستتجمد في هذه النقطة فعلاً حتى يقوم أحدهما بكسر هذا الحاجز المقام بينهما.. إما أن تملك ججي الشجاعة للاعتراف بمشاعره، سواء بادلته تلك المشاعر أم رفضتها رفضاً صريحاً.. أو أن يملك هو الجرأة على الرحيل وتركها دون أن يندم على هذا.. ويبدو أن كلا الأمرين صعبٌ عليهما، ولذلك لا يملكان إلا الصمت وانتظار أن تحدث معجزة تتسبب بتغيير هذا التيار الهادئ الذي لم يعترض طريقه شيء بينهما منذ أن التقيا لأول مرة..

************************

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
قديم 22-01-16, 06:25 PM   المشاركة رقم: 103
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
اميرة القلم


البيانات
التسجيل: Aug 2014
العضوية: 273354
المشاركات: 4,068
الجنس أنثى
معدل التقييم: برد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسي
نقاط التقييم: 4345

االدولة
البلدLibya
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
برد المشاعر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

ههههه أجمل شي انتهاز كين للفرصة ههه برد على قلبه من هالمتحجرة ‏

انحسرت حدود مخيلتي في توقع القادم لكن الملك ما ينوي على خير أبدا وعلى قولتك رنيم قصتها بعد سنين ولازالوا بني فارس يحاربوا الهوت والأكاشي ‏.‏ صحيح وين الهوت من هالحرب ‏؟ ‏
/
منتظرة القادم بكل شوق وسعيدة إنه بكره فيه فصلين ‏
/
وووسلمت أناملك المبدعة خوجة ‏

 
 

 

عرض البوم صور برد المشاعر   رد مع اقتباس
قديم 22-01-16, 10:31 PM   المشاركة رقم: 104
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

سعيدة بسعادتك يا عزيزتي

أتعجب أن أحداً منكم لم يعد يتساءل عن هوية كين
عموماً، الفصل القادم بعنوان [من تكون] لذا توقعوا بعض المفاجآت
قبل أن نعود للصراع بين الملك والأكاشي

شاكرة لك متابعتك للرواية بالرد والتعليق يا برد المشاعر

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
قديم 23-01-16, 05:22 AM   المشاركة رقم: 105
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
اميرة القلم


البيانات
التسجيل: Aug 2014
العضوية: 273354
المشاركات: 4,068
الجنس أنثى
معدل التقييم: برد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسي
نقاط التقييم: 4345

االدولة
البلدLibya
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
برد المشاعر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي

 

اقتباس :-   المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عالم خيال مشاهدة المشاركة
   سعيدة بسعادتك يا عزيزتي

أتعجب أن أحداً منكم لم يعد يتساءل عن هوية كين
عموماً، الفصل القادم بعنوان [من تكون] لذا توقعوا بعض المفاجآت
قبل أن نعود للصراع بين الملك والأكاشي

شاكرة لك متابعتك للرواية بالرد والتعليق يا برد المشاعر

أكيد ما نسيت هالنقطة وكنت منتظرة يرحل وياخذها معاه لكن أملي مات مع اقتراب النهاية ‏

هل بيحكي كين لججي عن نفسه ‏؟ أو إنه بيزورهم شخص يعرف كين أو يدور عليه ‏؟ الفضووول حرقني ‏

 
 

 

عرض البوم صور برد المشاعر   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
السماء.., ابنة
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 06:01 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية