الفصل الثلاثون
استحممت ولبست الفستان وحجابي وفتحت باب الغرفة
وخرجت ببطء , كان الوقت بداية شروق الشمس مع نسمات
خريفية باردة ومنظر الجبال وكأنها لوحة لفنان وكما يقولون
يرجع الإنسان دائما لأصله ، تقدمت أكثر أنظر من حولي
بحثا عن نواس ولا شيء هنا لا هوا ولا مفاجأته ، بعد قليل
مر على مسافة قريبة مني قطيع كبير لأغنام وخراف مع
راعيين وحمارين وكلاب وأنا أراقبهم مبتسمة وعيناي تتبع
الخراف الصغيرة البيضاء ، لو كنت مكان الراعي لكان يومي
يمر أترك واحدا وأحضن الآخر ، شعرت بشيء لامس
خصري فنظرت جانبا فكان نواس فأشرت لهم بإصبعي
وقلت " أريد أن ألمسه نواس أرجوك "
قال متوجها نحوهم " من دون أن تترجيني أنتي
اطلبي وتمني فقط "
راقبته مبتسمة وهوا يتوجه نحوهم وتحدث مع أحدهم وبدأ
ذاك بالركض خلف احد الخراف الصغيرة وأنا أضحك عليه
حتى أمسكه وأعطاه لنواس الذي توجه به نحوي وما أن اقترب
مني حتى مددت يداي له وأعطاه لي فأمسكته وجلست على
الأرض ووضعته في حجري أمسح على صوفه وأراقب جميع
تفاصيله كان صغيرا جدا وشديد البياض ورائع وقد هدأ
عندي فضممته لي وقلت " كم هوا رائع أريده لي نواس "
قال مباشرة " وهوا لك وسنأخذه معنا "
نظرت له فوقي وقلت " هل هم لك أيضا "
قال مبتسما " سبق وقلت لك أنه ليس لدي هنا غير الغزلان
لكن ما ستشيرين عليه سيكون لك وسأرى من صاحبها ومؤكد
خاطر فالأراضي هنا مقسمة ولن تدخل مواشي لأي كان إلا
له أو شخص يبيع حشائش الأرض لأغنامه وسيكون يعرفه "
حضنت الخروف الصغير بسعادة وقلت " شكرا نواس
كم أحبك وكم أنت رائع "
ضحك وقال " هل سميته نواس "
ضحكت ووقفت به وقلت " فكرة جيدة كما سميت
أنت فرسك باسمي "
وضع يديه وسط جسده ينظر لي بضيق مصطنع وقال
ببرود " فرق كبير بين الفرس والخروف ولا
تنسي أن هذا سيكبر ويصبح مخيفا "
ضحكت وقلت " كذلك هناك فرق كبير بين المرأة والرجل
وأنت لم تهديني أحد خيولك لأسميه عليك "
أخذ مني الخروف قائلا " لم تشيري على إحداها سابقا
لكنت أعطيتها لك في الفور "
قلت بابتسامة ماكرة " إذا أريد الوسن "
ضحك كثيرا ثم قال " وهل بقي لي فيها شيء فمنذ
رأتك لم تعد تعترف بي "
ثم غادر به جهتهم فقلت بصوت مرتفع " نواس لا
يعطونا واحدا آخر فيما بعد ... أريد هذا "
قال مبتعدا " لا تقلقي هؤلاء يحفظونهم كأسمائهم "
أعطاه لأحدهم وتحدث معه ثم عاد ناحيتي وطوق خصري
بذراعه وقال سائرا بي " القطيع لخاطر فماذا قررت أن تسميه "
قلت على الفور " شبل "
ضحك كثير ثم قال " خروف وتسميه شبل "
قلت ببرود " وما في الأمر أنا أريده شبل "
ضحك وقال ونحن نلف خلف الغرفة التي نمنا فيها
" هنا مفاجأتك "
تحركت جميع خلايا الفضول لدي ونحن نسير هناك أعدل
حجابي مع هذه الريح فلا شيء يمسكه ولم تعطني معه دبوسا
فأنزله نواس من على رأسي وقال " لا أحد في هذه الجهة
فلا داعي له مادام يضايقك "
عدلته حول عنقي وأعطيت شعري حريته وما أن صرنا هناك
ورأيت المربوطة في الشجرة حتى صرخت بفرحة وصدمة
" الوسن "
*
*
لا أعلم كيف أصف شعوري حين دخلت عليه الغرفة لأجده
مسترخي هنا بكامل عافيته لا حادث سير ولا شيء من كل
ذلك وما أن هممت بالمغادرة أو بالأحرى الهروب حتى قفز
من السرير وأمسك بذراعي قبل أن أغادر ولفني جهته وقال
مبتسما بخبث " أين أين وأنا ما صدقت أن وجدتك "
قلت وأنا أحاول أن أخلص ذراعي من قبضته
" عن ماذا تتحدث اتركني وشأني "
ضحك وسحبني للغرفة وأغلق الباب وأوقفني عليه ووقف
أمامي فقلت بخوف " معاذ ابتعد ماذا تريد مني "
قال بابتسامة جانبية " ومن أخبرك باسمي ها "
بلعت ريقي وشعرت أني وقعت في مطب فقلت
" صديق زوج صديقتي فكيف لا أعرف اسمك "
وضع يده بجانب رأسي وقرب وجهه وقال " وتعرفين اسمي
الثلاثي أيضا وتسألين عني في مستشفى الحوادث بعد
اتصال والدتي وتنكرين يا ملاك "
شعرت أنه سيغمى علي فقلت بابتسامة صفراء
" وكيف عرفت أنت اسمي "
ضحك رافعا رأسه ثم عاد بنظره لي وقال " ناداك
نواس أمامي ذاك اليوم إن نسيتي "
قلت مدعية السذاجة " وأنت ذكر اسمك الثلاثي أمامي مرة "
نظر لي نصف نظرة وقال ببرود " ملااآآاك "
شعرت أني وقعت ولا مجال للإنكار أكثر فادعيت الإغماء
برأسي على الباب خلفي وقلت مغمضة العينين ومبتسمة
" ارحمني يكفيني عينيك وتنادي باسمي أيضا هذا كثير "
ضحك وأمسك ذراعي وقال من بين أسنانه " لو فقط لم
نكن في المستشفي لكنت .... "
فتحت عيناي على اتساعهما وقلت بصدمة
" لكنت ماذا "
قال بهمس " لكنت علقتك من ساقيك في السقف
على ما فعلته بي يا مشاغبة "
دفعته من صدره بكل قوتي حتى تراجع للخلف يترنح في
خطواته وبدأ يفقد توازنه واستغليت أنا ذاك الجزء من الثانية
وفتحت الباب وفررت هاربة ركضا حتى ركبت سيارة الأجرى
التي تنتظرني في الخارج وغادرت جالسة كالتمثال طوال الطريق
من الصدمة , لعبوا بي إذا وصديقهم معتصم ذاك كان متفق معهم
وهوا من أوصلني له وتلك الممرضة كانت معهم , إذا الجالس
معهم هناك يعطيني طهره كان مؤكد الذي اسمه وليد , لقد لعبوها
بدهاء شلة رجال الخيول أولائك ولم ينقصهم سوا نواس ولابد
وأنه كان معهم ، ما أن دخلت المنزل حتى وجدت خالي يقف
في منتصف الصالة ويديه وسط جسده وقال ما أن رآني
" أين يا سيدة ملاك من الفجر حتى الآن في يوم الإجازة
وتتركيني أبحث عنك في الشوارع كالمجنون "
بلعت ريقي مرارا ولم أعرف ما أقول فأي عذر سأقوله
سيكشفه فلا مكتبات ولا معامل طباعة ورق ولا حتى متاجر
تفتح ذاك الوقت ، قال بصراخ " أجيبي "
ارتجف كل جسدي من الخوف وقلت بتلعثم " فـ في المسـ مستشفى "
نظر لي باستغراب ثم قال " وما تفعلين هناك ذاك الوقت "
قلت " صديـ "
قال بغضب " صديقتي وصديقتي إن داست النار تتبعينها ونسيتِ
من يكون والدك وأني كنت سأتصل به إن لم تدخلي الآن "
شعرت بجميع عظامي ارتجفت من الخوف وحمدت الله سرا
أنه لم يفعلها فقال بغضب متوجها جهة غرفته " لكني سأفعلها
وأتصل به ليأخذك فورا فلن أتحمل مسئولية طائشة مثلك والدها
لا يعرف أبيض من أسود ورجال دخلوا المستشفى من تحت يديه "
أغلقت فمي بيدي وبدأت بالبكاء والشهيق ، كله إلا والدي
لا أريد الذهاب معه ، ما به يومي اليوم هكذا ! ركضت جهة
غرفتي وأغلقتها خلفي وجلست على السرير وأمسكت هاتفي
برجفة وخوف وأرسلت رسالة لخالي أترجاه فيها أن لا يفعلها
ويتركني انهي دراستي على الأقل فهوا غاضب الآن وما أن يهدأ
سيفكر في كلامي ، جربت بعدها الاتصال بوسن ولم تجب تلك
الحمقاء فأرسلت لها رسالة أيضا ورميت هاتفي جانبا وواصلت
بكائي , كله بسبب المعاذ ذاك
*
*
وقفت أنظر لها وهي تحضن الوسن بسعادة بل الوسن من كانت
تبدوا أسعد منها برؤيتها , استندت بالجدار أراقب الحلم والواقع
مجتمعان بل حلمان لم أتخيل في حياتي أن يتحولا لحقيقة ويصيران
ملكي وسن والوسن ضاعتا يوما من يدي وصارتا بكل بساطة
لغيري لكن الله رحمني وأعادهما لي البيضائتان صاحبتا الشعر
الأسود الليلي جنوني وهيامي الحقيقي ومَن حياتي دونهما
ستكون تعيسة خصوصا تلك مهجة قلبي وحلمي الأول والأخير
بقيت أراقبهما مبتسما وشعرهما الأسود الفاحم يتطاير مع
الريح وأشعر أني ملكت الدنيا بما فيها ووجدت السعادة أخيرا
ووجدتني ولن أترككما مجددا لتأخذكما مني ظروفي ونكبات
حياتي كما في السابق , انظر يا نواس كل هذا لك ... لك
وحدك لا أحد يشاركك فيه , من قال أن ما ضاع لا يمكن
أن يعود وأن الحصون المنيعة حين تقف بينك وبين حلمك
لا يمكن أن تنهار أبدا من قال ذلك فهوا كاذب والدليل ها هوا
أمامي , التفتت لي ونادت قائلة " نواس تعال "
فما كان مني إلا أن لبيت النداء كنت أريد أن أتأمل عن بُعد
فقط لسببين الأول حققته وهوا أن أراهما معا الوجهان لعملتي
التي أشتري بها السعادة والثاني وأستبعد أن أحققه وهوا أن
ابتعد عنها كي لا أتهور ونحن في مكان مفتوح ومكشوف
وصلت عندهما ووضعت ذراعي على كتفها فنظرت لي
للأعلى وقالت مبتسمة وبهمس " لو لم نكن في مكان
هكذا لكنت عرفت كيف أشكرك "
ضحكت وأمسكت أنفها وقلت مبتسما " أنا من لو لم نكن
في مكان مكشوف هكذا ما تركتك تشكريني لأني سأسبقك "
ابتسمت بحيائها الذي أحب فيها واتكأت على كتفي وقالت
" أحبك نواس وما أسعدني بك "
قبلت رأسها وقلت ماسحا على ذراعها " لم تتركي
لي كلمة غير أحبك أقولها "
دست وجهها في صدري وقالت " يكفي أن تكون
قربي وحده يكفيني "
ضممتها بذراعي وقبلت رأسها مجددا ثم أبعدتها عني وفككت
حبل اللجام من الشجرة ثم أمسكت خصرها ورفعتها وأجلستها
فوق ظهرها وقلت " اجلسي جيدا فوقها "
بقيت ممسكة بيدي وقالت بخوف " لا نواس سأقع أنا خائفة "
قلت بعد ضحكة " لا تخافي يا جبانة هذه الفرس مروضة
وتحبك ولن تؤذيك ألا تتمني أن تركبيها "
قالت ولازالت تمسك يدي " نعم لكني خائفة فلم أركب
الخيل من قبل "
أمسكت اللجام مجددا وركبت خلفها وقلت " عدلي في
جلستك الآن يا جبانة "
قالت بضيق " نواس توقف عن مناداتي بالجبانة كيف
لا تريد أن أخاف من هذه الأمور "
عدلت لها جلستها بنفسي قائلا " مِن الوسن تحديدا لا خوف
أنتي فقط أجلسي ثابتة وقوديها بتحريك اللجام وسأعلمك الآن "
انصاعت لي واتكأت بظهرها على صدري فتحركت بالوسن
وقلت ضاحكا " هل تضنيني كرسي طائرة "
ضحكت كثيرا ثم قالت " خائفة ولن أطمئن إلا وأنا
قريبة منك هكذا "
ضربت الوسن لتزيد سرعتها قليلا فقالت وسن بحماس
" يااااا رائع نواس "
قبلت خدها وقلت ونحن نبتعد عن المكان " أنتي أول من
ركبها بعدي ولا حتى أصدقائي المقربين "
قالت بدهشة " حقا ولما "
قلت وأنا أزيد سرعتنا بضربها برفق " كيف أسمح لرجل
غيري يركب سميتك , أنتي وهيا شيء إن أصبح لغيري
عشت بحسرتي عليه حتى أموت "
زادت سرعتنا أكثر فقالت بحماس " واااااو رائع لم
أتخيل الأمر رائعا هكذا "
شددت اللجام قليلا لتخفف من سرعتها وقلت " أمسكي
حبل اللجام مني وافعلي كما سأقول "
أخذته مني قائلة " أمسكني جيدا نواس "
ضحكت وقلت " لن تتعلمي ركوبها وأنتي خائفة هكذا
فقط أجلسي بثبات ولا تخافي "
فعلتْ ما قلت وعلمتها كيف تغير مسار سيرها وكيف تزيد
من سرعتها وكيف توقفها ثم أبعدت ذراعاي عن خصرها
وقلت " والآن لن أمسكك ولن أوجهك هيا افعلي كما علمتك "
قالت بخوف " لا نواس لا تبعد يديك "
تبت نفسي وقلت " هيا ولا تخافي سأمسكك إن
اطر الأمر ولن تقعي "
انصاعت ولو مكرهة وهي تسير بها ببطء فقلت ضاحكا
" هل نحن فوق سلحفاة ولا أعلم "
ضحكت كثيرا ثم قالت " أقسم أخاف لما لا تشعر بي "
ضربت الوسن بقدماي وقلت " من لا يجرب يبقى خائف دائما "
لتنطلق الوسن مع صرخة وسن وتحكمتْ بها وبخوفها أخيرا ثم
نزلتُ وتركتها وحدها فوقها ولم أترك عبارة لم أشجعها بها ولو
كانت طفلة لفعلتها دون خوف من كثرة تشجيعي
كنت أراقبها وهي فوقها وهذا المشهد الذي كنت أريد الفرس
وفارستها وشعرهما الأسود يتطاير مع الريح مشهد سأموت
بحسرتي إن لم أسجله لدي , أخرجت هاتفي المحمول وشغلته
وفتحت آلة التصوير وصورتهما صور ثابتة ومقاطع فيديو أيضا
ووسن طبعا لا تعلم لأنها نسيت نفسها على ما يبدوا , الوسن فرس
مروضة ترويضا مميزا لذلك سهل عليها حتى تثبيت نفسها فوق
ظهرها وبالإضافة لحب الوسن الغريب لوسن فستساعدها في
أن تقودها براحة وسهولة
دسست بعدها هاتفي وأشرت لها بيدي مناديا " الوسن تعالي "
فعادت جهتي دون أوامر من وسن لأنها تعودت على صوت
مناداتي لها وإشارتي هذه بيدي فتأتيني مباشرة , وصلت عندي
ووقفت فركبت خلفها مجددا وأخذت الحبل منها فقالت ببرود
" الله اكبر على الحسد علمتني وأخذته مني "
ضحكت كثيرا ثم قبلت خدها وقلت " ستركبينها في المزرعة
حتى تشبعي هل يرضيك هذا "
قالت مبتسمة " نعم وسأركبها كل يوم "
مشينا بها كثيرا ثم قلت " ألبسي حجابك اقتربنا من
الجانب الآخر من الغرف "
لبسته بسرعة وما هي إلا لحظات ووصلنا ونزلت وأنزلتها
بعدي فالصعود والنزول من ظهرها سيحتاج وقتا لتتعلمه
بما أنها تعلمت الجلوس عليها هكذا بدون سرج
نظرتْ بعدها خلف كتفي وقالت وهي ترفع جسدها
" نواس ما تلك بعيدا "
ألتفت ورأيت حيث أشارت ثم قلت " تلك أبل خاطر
هل تريدي رؤيتها "
قالت بحماس " بالتأكيد لكن عن بعد فقط "
ضحكت وحملتها من خصرها وأعدتها فوق الوسن مجددا وركبت
خلفها وسرت بها جهتهم حتى صرنا بينهم وكنت في أقصى درجات
استمتاعي وهي تصرخ بذعر كلما أنزل أحدها رأسه لنا فأوقف
الوسن ضاحكا وهي متمسكة بي حتى تحول خوفها لبكاء فابتعدت
بها عنهم قائلا " وسن هل تبكي بسبب بعير "
مسحت دموعها وقالت بعبرة " ألا ترى أشكالها وكيف تقرب
وجوهها الضخمة المخيفة من وجهي كنت أموت من الذعر
وأنت لا تصدق أني خائفة بالفعل "
ابتعدنا عن هناك أكثر ونزلت وأنزلتها ومسحت الدموع من
على خديها وقلت " آسف حبيبتي توقفي عن البكاء فهذه
الحيوانات ودودة ولا تخيف ولا تؤذي "
مر أحدهم من جانبنا راكضا والغبار حوله فقفزت لحضني
صارخة وتعلقت بي وقالت ببكاء " هذا على أساس أنها لا
تخيف ابتعد بي من هنا بسرعة أو مت ذعرا "
رفعتها من خصرها وأجلستها على ظهر الوسن وقلت
" تموتي وتتركي نواس , لا أسمع منك هذه الكلمة مجددا مفهوم "
قالت وهي تنظر لذاك عائدا يركض كما غادر
" حسنا فقط دعنا نرجع هناك "
ضحكت وسرت بها هي فوق الوسن وأنا أمسك لجامها
وأسير على قدماي نتبادل الأحاديث حتى رن هاتفي فأخرجته
وكان خاطر فأجبت عليه فقال مباشرة " الغداء جاهز يا عاشقان
لا تضيعا في الصحراء ولا يجدكم أحد "
ضحكت وقلت " وكيف نضيع وأنت هنا ستجدنا
ما أن نصف لك أين نحن "
قال ببرود " وهل تضنني آلة تصوير أحفظ شكل الجبال "
قلت بضحكة " وكيف تجد أبلك ومواشيك ما أن
يخبرك أحد أين رآها "
قال مباشرة " ذاك يخبرني اسم المنطقة هنا بملكيتها لصاحبها
فهل ستعرف أنت ذلك يا نبيه .... بسرعة وسأرسل
لكم الغداء في غرفتكم طبعا "
ضحكت وقلت " هل اشتقت لزوجتك سريعا "
قال ببرود " لم تعجبني هذه النكتة "
ثم تابع " بل لأن زوجتي قالت أن زوجتك لم تأكل شيئا فيبدوا
أنها تخجل من الأكل مع الغرباء فكلا معا أفضل كي لا تلمنا
حين يغمى عليها وتحطم جدران الغرف على رؤوسنا
بسبب معشوقتك "
قلت ببرود " سأصل لك وترى حسابك مني "
ضحك وقال " هذا إن رأيتك قبل وقت مغادرتك "
قلت بلامبالاة " هيا أصمت ها نحن وصلنا "
ثم أنهيت المكالمة معه لحظة وصولنا ليرن هاتفي من جديد
وكان معاذ هذه المرة فأجبت عليه فقال قبل حتى أن أتحدث
" إن كنت مع زوجتك فلا تذكر اسمي "
لذت بالصمت فتابع " أخرج لي منها جميع المعلومات عن
صديقتها ملاك ودون أن تلاحظ "
قلت ببرود " كيف تكون هذه تريد كل شيء دون أن ... "
قال من فوره " أصمت ستفضحنا أريد اسم والدها وأين
يكون وأي معلومات تستطيع الخروج بها منها "
ساعدت الوسن على النزول بيدي الأخرى وأشرت لها
لتدخل الغرفة وابتعدت قائلا " أعرف عنها القليل "
قال من فوره " بسرعة واختصر "
ضحكت وقلت " مهلك عليا يا رجل كيف هذا تريد
معرفة كل شيء وأن أختصر "
قال بضيق " لأني أكلمك على هاتفك الثريا إن نسيت
وسيسحق لي كل رصيدي يا نبيه "
ضحكت وفصلت عليه الخط واتصلت به أنا فأجاب قائلا
من فوره " نعم الآن قل كل شيء تعرفه عنها وبالتفصيل "
ضحكت كثيرا ثم قلت " في منامك فلن أضيع الوقت معك يا
صعلوك وأخبرني لما تريد معرفة كل شيء عنها "
قال من فوره " تكلم أنت الآن ونتحدث ما أن ترجع
صحيح متى ستنهي شهر العسل وتعود "
ضحكت وقلت " أنت قلتها شهر عسل يعني شهر "
قال ساخرا " ها هذا إن سمحت لك العروس وتركت جامعتها "
ضحكت وقلت " أتركنا في المهم الآن , الفتاة والداها مطلقان
وكل واحد منهما متزوج ولديه أبناء وهي تعيش حاليا في
العاصمة مع جدتها وخالها وما أن تنهي دراستها سيأخذها
والدها وأعرف منزل جدتها إن أردت "
قال بعد أن لاحظ صمتي " فقط "
قلت " فقط "
قال ببرود " ما أروعها من معلومات , غادر الآن واجلب
لي شيئا ينفع وخصوصا مكان والدها , جد لهذا حلا فلن
يصعب عليك "
ثم قال من فوره " انتظر لا تسألها كثيرا هكذا فستلاحظ فمؤكد
تعرف شيئا عني وعنها أعطني عنوان منزل خالها "
أعطيته العنوان سريعا ثم قلت " هيا وداعا فقد أكترث "
قال ضاحكا " نعم ضاعت علينا نحن , لو بقيتما
متشاجرين كان أفضل "
قلت بضيق متوجها جهة الغرفة " يالك من صديق لا
تفكر سوا بمصالحك يا وقح "
ثم أغلقت عليه الخط ودخلت الغرفة وكانت وسن تصلي الظهر
فدخلت الحمام استحممت وخرجت ووجدت الغداء وصل
ووسن جالسة تمضغ فوضعتُ يداي وسط جسدي وقلت ببرود
" تأكلين دون أن تنتظري زوجك , ماذا أفعل لك الآن "
ضحكت وأغلقت فمها بيديها وقالت " أقسم أنها قطعة
خيار فقط لأني جائعة حد الموت "
ضحكت وتوجهت للسجادة المطروحة ووقفت عليها وكبرت
للصلاة وبعدما انتهيت توجهت نحوها وجلست بجانبها قائلا
" أنا من سيطعمك الآن وستأكلين كل هذا الطعام "
نظرت لي بصدمة وفتحت فمها لتعترض فشددتها لي
وقبلتها قبلة طويلة ثم أبعدت شفتاي وقلت بهمس
" ستأكلين ولو مرغمة "
اتكأت على كتفي وقالت هامسة " بل شبعت الآن "
ضحكت وضممتها بذراعي وقلت " بل لأنك شبعت
من أكل الخيار "
فضحكت وحضنت خصري بذراعيها ودست نفسها في حضني
ولم أترك شيئا لم أجعلها تأكل منه أحبت ذلك أم كرهته واتكأت
بعدها رأسي في حجرها وأصابعها تلعب في شعري ويدها
الأخرى أضمها لصدري وكل حديثنا عن حديقة في المزرعة
والمسبح والألعاب أين سيكون كل واحد منهم وكيف سيكون وأي
اقتراح يقترحه أحدنا يعترض عليه الآخر فجلستُ وشددتها من
يدها لحضني وقلت " لنترك المهندس هوا من يفرض علينا
رأيه ودعينا الآن من كل هذا "
قالت مبتسمة وهي تحاول الابتعاد عني " نواس أريد أن
أنام يكاد يغمى عليا من النعاس "
*
*
وقفت أمام المنزل الذي أعطاني نواس عنوانه وأنا أرى مجددا
الرسالة التي وصلتني منه وفيها ( الفتاة سيزوجها والدها مرغمة
ما أن تنهي دراستها , هذا أهم ما تحصلت لك عليه )
ابتسمت بمكر وقرعت الجرس ووقفت جانبا , أنا تلعبي بي
تلك اللعبة يا جنية ستري ما سأفعل بك , بعد قليل انفتح الباب
وخرج لي رجل نظر لي باستغراب بادئ الأمر ثم قال
" تفضل يا سيد هل أخدمك بشيء "
مددت يدي له مصافحا وقلت " معك معاذ أحمد شاكر
مؤكد أنت السيد مصطفى "
صافحني قائلا " نعم وصلت هيا تفضل للداخل "
دخلت معه لمجلس الرجال وجلسنا نتعارف قليلا وظهر أنه
يعرف نواس جيدا وقال بأنه رآني في عزاء والدة نواس لذلك
إذا استغرب وجودي حين فتح لي الباب , قلت بعد قليل
" أنا قادم لك في موضوع أريده سرا بيننا ولا يعلم به
أحد وخصوصا ابنة شقيقتك ملاك "
لتنفتح عيناه على اتساعهما من الصدمة فقلت مبتسما
" لا تذهب بذهنك بعيدا أنا سبق ورأيتها مرتين بالمصادفة
مع صديقتها التي تكون زوجة صديقي وأريد عنوان منزل
والدها وكل غرضي خير ونواياي حسنة "
قال من فوره " ولما لا تريد أن تعرف ملاك عنك "
قلت من فوري " لأن طليقتي تثير المشاكل حولي ولا
أريد أن تعرف شيئا حتى يتم الأمر "
هز رأسه بحسنا ويبدوا اقتنع بسببي المزيف ثم أعطاني
عنوان منزل والدها والمدينة التي يسكن فيها وهذه الجولة
الأولى مرت بنجاح وسننتقل للمرحلة الثانية
*
*
خرجت وخاطر جولة في الأرض التي حكا لي عنها وعدنا
مقربة مغيب الشمس , دخلت الغرفة ووجدتها نائمة مكانها منذ
تركتها عصرا فاقتربت منها وجلست بجوارها ومسحت بأصابعي
على ذراعها ناصع البياض ثم أمسكت يدها ورفعتها لي وقبلتها
وقلت " وسن هيا استيقظي ما كل هذا النوم "
همهمت قليلا وأولتني ظهرها فاتكأت على مرفقي بجوارها
وقبلت كتفها العاري وعنقها فتحركت متضايقة وقالت
" نواس أتركني أنام قليلا أرجوك "
قلت مبتسما " استيقظي يا كسولة سنغادر "
ولم تجب ويبدوا عادت للنوم فقلبتها على ظهرها وأمسكت لها
أنفها وقلت وأنا أحركه " هيا بسرعة أجدك في السيارة بعدي "
أبعدت يدي وأولتني ظهرها مجددا وقالت " ألم تقل سنغادر ليلا
فاتركني أنام نواس أنت لا نوم معك أبدا "
شددتها بذرعي من خصرها وهمست في أذنها
" بسرعة أو تعرفي كيف أفسد نومك "
تأففت وجلست تجمع شعرها للخلف وقالت بتذمر
" ها قد استيقظت فهلا أخبرتني لما نرجع الآن "
وقفت وقلت " لأننا بتنا وقت المغرب يا كسولة فألبسي
ملابسك لتودعي زوجة خاطر وسنغادر لنصل مبكرا "
ثم خرجت للسيارة فحصتها قليلا وبحثت عن خاطر وودعته
وعدت جهة السيارة فكانت وسن قد خرجت للتو فقلت وأنا
اركبها " ظننتك جالسة تنتظريني هنا وليس نائمة في الحمام "
تجاهلتني رافعة أنفها وسارت جهة الباب الآخر وركبت وقالت
" أوقفني عند غرف صديقك لأودع زوجته وأعطيها ملابسها "
ضحكت وقبلت خدها وقلت " ولما الغضب هذا كله "
أبعدتني بيدها وقالت ببرود " أين الخروف الصغير
الذي وعدتني به "
قلت مبتسما " هكذا إذا "
هزت رأسها بنعم وقالت " وأريد غزالا صغيرا أيضا
آخذه معنا للمزرعة "
ثم نظرت للأسفل وقالت بحزن " ليتنا لا نرجع يا نواس
ليتنا نبقى هنا كل عمرنا "
تنهدت بأسى فأنا أعلم فيما تفكر وتريد أن تقول فأكبر همومها
العودة هناك ورؤية مي من جديد , شددتها لحظني وقلت وأنا
أحضنها بقوة " أحبك وحدك يا وسن أقسم وربي يشهد
فقدري الظروف التي أنا فيها "
قالت بحزن " لكنك لم تقدر ظروفي سابقا ووضعت اللوم علي "
تركتها وقلت بضيق " وسن حتى متى سنفتح ذات المواضيع "
نظرت جهة النافذة وقالت بأسى " حتى تنسى أنت كل ما فات
وتعترف أنك كنت مخطأ في حقي وتشرح لي سبب
زواجك بها وتقنعني به أيضا "
تأففت أمسك نفسي عن الغضب وقلت " وسن لما نختم أيامنا
الجميلة هنا بهذا دعينا نعيش لأجلنا فقط وأخبرتك أني على
استعداد أن أضعك في منزل لوحدك ولنعتبر أنه لا
وجود لزوجة غيرك لي "
هزت رأسها بلا وقالت ببكاء " لا أستطيع ارحمني يا نواس
أرجوك أقسم أن ذلك بالنسبة لي كالموت البطيء "
شغلت السيارة وقلت " يكفي سيطول الحديث في هذا بلا فائدة
وتعاودك الآلام التي لم أصدق أن توقفت "
انطلقنا بعدها وهي تنظر جهة النافذة وتمسح دموعها وأقسم
أنها تتألم الآن وتكابر وأنا اخترت الصمت فالحديث لن يجدي
أبدا , وصلت عند أغنام خاطر ووضع الراعي الخروف الذي
اختارته وسن في السيارة في الخلف ثم توجهت لسور الغزلان
وأمسكت بأحد صغارها ووضعته معنا أيضا وعدنا أدراجنا في
صمت قاتل طوال الطريق حتى وصلنا ونزلت هي قبلي ودخلت
مسرعة ونزلت أنا أراقبها حتى اختفت ثم هززت رأسي بقلة
حيلة وقلت للعامل المار بجواري " أين وليد ومعاذ "
وقف وقال " معاذ خارج المدينة وقال أن نخبرك أما
وليد فلم أره منذ العصر ولا أعلم أين "
هززت رأسي بحسنا وقلت " أنزلوا الخروف والغزال من
السيارة وضعوهم في مكان آمن حتى نخصص لهما مكانا "
قال من فوره " حاضر سيدي "
تركته ودخلت وتوجهت جهة ممر غرفة وسن ثم تراجعت وعدت
أدراجي وتقابلت ومي فقالت ما أن رأتني " حمدا لله على سلامتكما "
قلت " بهدوء " سلمك الله كيف أنتي الآن "
نظرت للأسفل وقالت " بخير أريد أن أتحدث معك في أمر "
نظرت لساعتي وقلت " ألا يمكن تأجيله قليلا يا مي لأني
متعب حد الانهيار وإن كان ضروريا نتكلم الآن "
هزت رأسها بحسنا وقالت " نتركه حتى تجد وقتا "
قلت متجها جهة السلالم " إذا تصبحين على خير "
وصعدت لغرفتي لأنام هناك وما أن وصلت للباب حتى
عدت أدراجي نازلا
*
*
منذ دخلت غرفتي ونمت على سريري والهواجس تلعب بي
أين ذهب وماذا يفعل هل سينام معها هل اشتاق لها لهذا الحد
ولا صبر له عليها فماذا عما كان يقوله لي أني حبيبته وحدي
وأني في قلبه يا رب لما لا يمكنني تقبل الأمر وأنا الزوجة
الثانية لا أعلم كيف تعيش بعقلها من يتزوج عليها زوجها أقسم
إن تزوج نواس بعدي أن أجن , لو كان أي رجل آخر قد أقبلها
وتقبلها نفسي أما نواس يستحيل , إن لم يكن لي وحدي أفقد
عقلي وليس صحتي فقط , لا أريد أن ينظر ولا مجرد النظر
لامرأة غيري لا أن يتحدث معهم ولا يضحك معهم فكيف بامرأة
تشاركني حتى حضنه وقبلاته وكلامه لي بل قد يكون وعاطفته
نحوي ، شددت على معدتي بسبب الأوجاع التي عادت لها ثم
سرعان ما أبعدتها حين سمعت صوت الباب انفتح وظننتها
راضية حتى وصلتني رائحة عطره وصوت فتحه لباب الخزانة
وحركته في الغرفة وأنا أعطيه ظهري ثم نام معي في السرير
وحينها فقط استكانت أوجاعي والنار المشتعلة في قلبي قبل معدتي
لكن دموعي هي الشيء الذي لم يهدأ أبدا فشعرت بيده على ذراعي
ولفني ناحته وشدني لحضنه فتمسكت به لآفة ذراعي حول عنقه
واستسلمت لبكائي أكثر فضمني له بقوة أكبر وقال " ارحمي نفسك
يا وسن وارحميني لما لا تفهمي أن تعبي من تعبك أنتي "
قلت بعبرة " قل قسما يا نواس قل قسما أنت لي وحدي "
قبل خدي وجبيني وقال بهمس " أقسم لا امرأة غيرك في قلبي
قسما بمن خلقني وخلقك يا وسن فتوقفي عن تعذيب نفسك "
حينها فقط هدأتُ وهدأتْ جميع أوصالي واستكنت في حضنه
ونمت دون حتى أن أشعر ويبدوا أنه مثلي نام سريعا
عند الصباح لم أجده معي استيقظت أركض ركضا لأدرك
محاضرتي , جهزت نفسي سريعا وخرجت شبه راكضة
ومذكراتي في يدي , مررت المطبخ ووجدت راضية هناك
وطعاما على الطاولة فأخذت قطعة خبز وكوب قهوة وتناولته
واقفة فقالت " نواس حتى خرج وهوا يوصيني بطعامك لذلك
اجلسي وافطري جيدا فهذا ليس بأكل أبدا "
وضعت الكوب على الطاولة وقلت مغادرة " سآكل في
الجامعة عليا المغادرة فلا وقت لدي "
ثم خرجت ووجدت السائق ينتظرني ركبت السيارة وانطلقنا
ووصلت العاصمة وجامعتي على الوقت تماما وما أن دخلت
حتى قابلتني ملاك وأمسكت يدي وسارت معي قائلة
" أين أنتي لا تجيبين على هاتفك يومين كاملين "
قلت ونحن ندخل " كنت في رحلة مع نواس "
شهقت ووقفت تنظر لي بصدمة فضحكت وقلت " مهلك لا
تخرج روحك زوجي وليس شخصا غريبا ذهبت معه "
هزت رأسها بعدم استيعاب ثم قالت " أعيدي ما قلته "
أمسكت يدها وقلت وأنا أسحبها معي ناحية مبنى الجامعة
" بعد المحاضرة أحكي لك كل شيء دعينا ندخل الآن "
قالت وهي تجاري خطواتي " معك حق وأنا لدي كوارث
عليا قولها لك سريعا "
نظرت لها باستغراب وكنت سأتحدث لولا رأيت دكتور المادة
قادم فدخلنا مسرعتين وقالت ملاك ونحن نصعد المدرج
" أول امتحان لنا في مادة التشريح يوم الأحد القادم "
جلست وقلت " حددوا موعدهم جميعهم "
جلست وقالت " بغاة وظالمين لو رأيتِ جدول الامتحانات
لأصابتك سكتة قلبية وزيدي على ذلك تقديم رسالة التخرج
بعدها بأسبوعين فقط لقد حاصرونا "
قلت بهمس لحظة دخول الدكتور " مصيبة حاصرونا فعلا "
أنهيت محاضراتي ويومي المليء بالأعمال في الجامعة
فامتحاناتي الأسبوع القادم ولا وقت لدي ولم تتركني ملاك
حتى علمت عن رحلتنا بالتفصيل وقبلها طبعا حكت لي الكارثة
التي حلت عليها وبعدما انتهيت من حديثي عما حدث قلت
" والآن ماذا ستفعلين يا ملاك "
هزت رأسها وقالت " لا أعلم عليا أن أرضي
خالي بأي طريقة "
قلت " وبعدها يا ملاك ستنتهي دراستك ويأتي والدك
لأخذك لما لا تتحدثي مع معاذ وتفهمي منه على
الأقل شعوره ناحيتك "
قالت بخوف " أبدا أنا أفعلها بعد ذاك اليوم ولا على قطع عنقي
هوا بات يعرفني وهوا من عليه أن يتحدث معي وليس أنا "
قلت بحيرة " أمرك غريب يا ملاك تحبينه وتتنازلين عنه هكذا "
تنهدت وقالت " وما في يدي أفعله لقد تعبت من همومي وحياتي
وكل شيء أفعله ينقلب ضدي ترى هل أسعد يوما مثلك "
هززت رأسي وقلت " لا أعلم من منا تعست أكثر من
الأخرى اليتيمة أم شبه اليتيمة "
ضحكت كثيرا وقالت " ياله من تعبير "
ثم قالت بهدوء " المهم أنك وجدتي السعادة أخيرا يا وسن
فيكفيك أوجاع وحزن وضياع لقد أخذت حصتك منهم وزيادة "
قلت بحزن " لكن وجود زوجة له غيري ينغص أي سعادة
أشعر بها معه إنها نار تشتعل في جوفي يا ملاك كلما فكرت
في ذلك فقط فكيف برؤيتها أمامي "
قالت بضيق " وسن توقفي عن الجنون نواس يحبك وأنتي
تعرفين ذلك جيدا وكل ما حدث مؤخرا يؤكد ذلك فأبعدي
تلك الأفكار عن دماغك وقلبك "
هززت راسي وقلت " ليثني أستطيع يا ملاك "
وقفت وقالت " ستكونين غبية إن أضعته منك بسبب كثرة
تشكيك لتسحبه هي ناحيتها ففكري في هذا جيدا كي
لا ينقلب ضدك "
ثم قالت مغادرة " نلتقي غدا لا أستطيع التأخر أكثر "
ثم ابتعدت وتركتني وحدي مع أفكاري , ماذا لو كما قالت
يتعب مني ومن تشكيا بينما هي لا تفعل ذلك ويصبح ينجذب
للراحة معها أكثر وأصبح أنا بالنسبة له مصدر للهموم
والتشكي والإزعاج
وقفت حينها لأن السائق أصبح في الخارج وغادرت عائده
للمزرعة ولم أرى نواس قرابة الثلاثة أيام لانشغاله بعمله
وحتى النوم نام خارج المزرعة ولا أعلم أين ويبدوا كما
قالت ملاك سيهرب من مشاكلي وتشكيا الدائم لذلك عليا
أن أغير من أفكار وطريقة تعاملي مع الأمر فقد يكون كما
قال فرضتها ظروفه عليه لذلك لا يريد قول السبب مثلما
سبق وحدث معي في خطبتي من ذاك التاجر
*
*
عدت للهرب مجددا من أسئلتها ولا أعلم حتى متى سيدوم
هذا الحال لذلك عليا التحدث مع مي فقد نجد حلا لكل هذا
ولو فصلهما كل واحدة في طابق لوحدها كي لا تفهم مي
الأمر بشكل جارح , ثم أحوالها هذه الفترة لا تعجبني ويبدوا
لديها شيء تخفيه عن الجميع ، عند المساء كنت واقفا عند سياج
الساحة أخرجت هاتفي واتصلت بها وطلبت منها أن تخرج
لي هناك فكانت عندي خلال لحظات ووقفت بجانبي وقالت
" لما تفعل بها وبنفسك هكذا أكثر من يومان لم تدخل
المنزل وتقول أن أموركما جيدة "
نظرت للبعيد وقلت " دعك منا الآن وأخبريني أنتي
ما بك ولما قلت ما قلته يومها "
نظرت للجانب الآخر وقالت ببرود " سمعت
كلامك ووليد في مكتبك "
نظرت لها بصدمة ليس من أن تعلم ما قلنا لكن من أن تقول
لي أنها سمعتنا وما غرضها من هذا ! كنت سأتكلم لكنها
سبقتني قائلة " من هوا الشخص الذي أنقدني وما علاقته بكما "
نظرت للأرض وقلت " وما نفع أن تعلمي "
قالت بسخرية " هوا وليد إذا "
نظرت لها بصدمة من تخمينها له تحديدا فقالت بحزن
" وليته لم يفعل ليته تركني حتى قتلوني "
قلت بهدوء " وليد يحبك يا مي وأخبرني بنفسه
وقال أنه يريد أن يتزوج بك "
أشاحت بوجهها جانبا وقالت " لا أريده ولا غيره و
علينا أن ننفصل ما أن تنتهي السنة "
قلت بجدية " مي شروط العقد لا تنتهي عند ذلك وأنا
لن أعيدك لأخوتك وزوجاتهم مهما حدث "
نظرت لي باستغراب فقلت " حكا لي عاصم عن كل ما قاسيته
منهم وماذا قد يحدث إن عدت لهم ولن أسلمك إلا لمن يحافظ
عليك أو لن تغادري من هنا ولن أجد أفضل من وليد "
أشاحت بوجهها عني وقالت بحزن " لن أتزوجه ولا
غيره فاتركني أرجع لمنزلي ولا تفكر بي "
ثم نظرت لي وقالت " ما علاقة وليد بما حدث
وكيف كان هوا السبب "
نظرت للأسفل وقلت " أحدهم أراد الانتقام منه
واتخذك وسيلة "
قالت بأسى " بل قل ضحية ... ضحية لعبث شبان طائشين
لا أصدق أن وليد من هذا النوع "
رفعت نظري لها وقلت " مي وليد يحبك حقا وأخفى ذلك
في قلبه كل هذا الوقت من أجلك وضحى بحبه لك لتكوني
سعيدة ولم يخطبك بعد الحادثة لأنه من أنقدك وقد ..... "
قاطعتني قائلة " أرجوك يا نواس لا تبرر له فالأمر لا يحتاج
ولا تطيل الطريق على نفسك وأعدني من حيث جئت بي
وعش حياتك مع من اختار قلبك "
هززت رأسي وقلت " مستحيل ووعدي لوالدك أن أخرجك
من هناك ، لن ترجعي لهم يا مي فساعديني لأفي بعهدي له "
قالت بشبه همس " وأنت ووسن أنا لست غبية يا نواس ولا عمياء "
نظرت للأفق وقلت بهدوء " أنا ووسن جراح تداوي
جراح ولن ننتهي فلا تفكري بنا "
قالت بحيرة " ماذا هناك يا نواس ما معنى ما تقول "
قلت بهمس حزين " أحبها أكثر من نفسي يا مي وقيود كثيرة
ناحيتها تكبلني ولن أخلف وعودي أيضا لا لك ولا لإخوتك
وعمك وقبلهم والدك "
*
*
ما أن علمت أن نواس هنا حتى أخرجت الهدية التي اشتريتها
له وخرجت لأبحث عنه ولنبدأ صفحة جديدة يحاول كل واحد
منا فيها أن ينسى جراح الآخر وسأطلب منه أن يفصلني عنها
على الأقل لا أراها ولا أراه معها ولا أترك للتعاسة باقي أيامي
تدمرها , خرجت من المنزل ولففت جهة الساحة حيث يكون
في العادة وجمدت مكاني وأنا أرى الواقفة معه هناك ويبدوا
يتحدثان بل يتناقشان نقاشا جادا فعلت نبضات قلبي وتزاحمت
الدموع في عيناي واقتربت منهما أكثر والأفكار تتزاحم في
رأسي ، لا يبقى معي ويهجر المنزل لأيام ويبقى هنا وتخرج
هي له كيف يجتمع كل هذا ، اقتربت حتى أصبحت خلفهما
فسمعتها تقول له " وحتى متى سيدوم هذا يا نواس ارحمني
أرجوك أنا في النهاية بشر "
أنزل رأسه للأسفل وقال بهدوء " مرض وسن مرجح أن يتحول
لورم سرطاني إن استمرت الأوجاع معها وهوا مرتبط بنفسيتها
فعليا أن أدوس على جرحي وأن تدوسي أنتي على قلبك
فهذه ظروف حكمت الجميع يا مي "
أغلقت فمي بيدي أمنع شهقة العبرة من أن تخرج والدموع
التي عبرت فوقها ترفض التوقف وتراجعت للخلف حتى
ابتعدت مجددا وعدت لغرفتي ودموعي تسابق خطواتي
*
*
كنت جالسة في غرفتي ومذكراتي حولي في كل مكان فلا
وقت أكثر لدي وعليا أن أنجح بتفوق ككل عام أنا ووسن
فسبب صداقتنا كان تفوقنا منذ دخلنا الجامعة أول سنة
ظروف وسن هذه السنة من سيء لأسوء وكم أخشى أن
يؤثر ذلك على درجاتها ومعدلها , آه كم حلمت أن آخذ
الأولى على دفعتي وأحصل على المنحة الدراسية وأسافر
وأنهي تعليمي لكن وحتى إن تحققت الأولى فلن تتحقق الثانية
ورغم أن وسن زوجها يملك المال ويمكنه تحقيق ذلك لها دون
الحصول على البعثة إلا أني أتمنى أن تحصل هي عليها لسببين
أني أريد لها الأفضل دائما وأني لن استفاد منها في شيء وتضيع
عبثا , لو كانت توهب وهبا لأعطيتها لطلال فظروف ذاك الشاب
سيئة منذ توفي والده من أعوام , تأففت ورميت الأفكار من رأسي
فليس وقتها أم هروب فقط من الدراسة وعدت أشغل نفسي بمذاكرتي
حتى طرق أحدهم باب غرفتي ودخل فكان خالي فوقفت على طولي
أنظر له باستغراب فاقترب مني وجلس وقال " كيف تسير دراستك "
بقيت لوقت أنظر له بصدمة فهوا لم يتحدث معي منذ ذاك
اليوم !! بعدما استوعبت الأمر جلست وقلت
" جيدة وأنا أفعل كل ما في وسعي "
هز رأسه بحسنا وقال " نعم عليك فعل ذلك لأن والدك
لن يرحمك ولا يرحمنا حينها "
نظرت للأسفل وقلت بحزن " أنا وأستحق ما سوف
يأتيني إن رسبت أنتم ما علاقتكم بذلك "
قال مباشرة " والدك وتعرفيه جيدا ولا تنسي أننا نحن
من أصر على أن تدرسي هنا وتبقي معنا "
تنهدت واكتفيت بالصمت فقال بهدوء حذر
" والدك اتصل بي اليوم "
رفعت رأسي ونظرت له بصدمة وقلت " هل قلت
له هل سيأتي لأخذي "
هز رأسه بلا ثم شتت نظره للأسفل وكأنه يهرب من
عيناي وقال " هوا من اتصل وقال ........ "
ثم سكت فقلت بتوجس " ماذا قال ماذا هناك يا خالي "
تنهد ورفع نظره بي وقال " قال أن عقد قرانك نهاية الأسبوع "
شهقت بقوة حتى ضننت أن روحي ستخرج مع شهقتي وتقاطرت
دموعي كالمطر وقلت بعبرة " زوجني به زوجني شقيق
زوجته أليس كذلك "
عاد بنظره للأسفل وقال " لم يخبرني ولم أستطع سؤاله "
قلت بنحيب أضرب صدري بكفي " نعم هوا , قالت لي والدتي
أنه يريد فعل ذلك لأن زوجته لا تريد أن أرجع إليها وهوا
يعلم أنه بنهاية امتحاناتي سأرجع لهم ... لماذا لم
تمنعه يا خالي لماذا تتركه يفعل ذلك "
هز رأسه وقال " وما في حيلتي أفعله تعرفين والدك جيدا
وهوا لم يطلب ولا حتى أخذ رأيك ثم ما يدريك أنه شقيقها
ذاك فهوا لم يخبرني عن اسم العريس "
قلت بحدة " لا تقل عريس ليس زوجي ولن
أتزوجه لا أريد "
ثم توجهت نحوه ونزلت عنده وأمسكت يده وقبلتها وقلت
" تحدث معه يا خالي أرجوك امنعه من ذلك فشقيقها سكير
سيء كم مرة حاول التحرش بي هناك وتزوج وطلق مرتين
ونسائه هججن منه , لا تتركوه يبيعني هذه البيعة أرجوكم "
مسح بيده على شعري وقال " فوضي أمرك لله يا ملاك ولن
يختار لك إلا الخير , ثم كما أخبرتك قد لا يكون هوا "
ثم وقف وقال " وكلي أمرك لله وهوا لن ينساك , لو
كان بيدي شيء ما توانيت عن فعله "
ثم خرج وأغلق باب الغرفة وتركني وحدي أواجه نفسي وعقلي
وقلبي , وقفت وبدأت أجوب الغرفة جيئة وذهابا كالمجنونة
وأشعر أني لحظات وأفقد عقلي , ما هذه المصيبة في هذا الوقت
تحديدا , سيفعلها ويزوجني به ودون تراجع أعرفه جيدا ولو كان
شخصا غيره لقال لخالي من يكون أعلم أن خالي وجدتي لا حيلة
لهما في هذا ولن يستطيعا منعه من شيء , ليثه كان أي شخص
إلا ذاك ولو ابن زوج والدتي لكنه رفضني ولن أرمي نفسي عليه
مهما كان , نظرت لهاتفي وتوجهت نحوه وأمسكته فلا حل لدي
غيره فليفهمها كيف يريد فهوا خلاصي الوحيد بما أنهم لم يعقدوا
القران بعد , بحثت عن رقمه وشجعت نفسي كثيرا واتصلت به
انتهت المكالمة ولم يجب جربت الثانية وأيضا بلا نتيجة مؤكد لا
يعرف رقمي فمن أين سيعلم أنها أنا لكن ما أعرفه أن الرجال
يجيبون على الهواتف دون أن يفكروا من يكون , فتحت قائمة
الرسائل وإنشاء رسالة وبقيت أحدق في شاشته لوقت ولم أعرف
ما أكتب وما أقول له وبعد جهد كبير مع نفسي كتبت
( معاذ هذه أنا ملاك أجب علي )
فقط هذه نتيجة كل ذاك الصراع فليجب عليا أولا ثم لكل حادث
حديث , أرسلتها وانتظرت قليلا ولم يبدر منه أي ردة فعل حيال
الأمر , هل يكون نائم يا ترى ولم يراها ! لكن مستحيل من ينام
هذا الوقت , جربت الاتصال به فهوا بات يعرف رقمي وسيجيب
بدأ بالرنين لديه مرة اثنتان ثم ...... قطع عليا الاتصال فأبعدت
الهاتف عن أذني أنظر له بصدمة لتعود دموعي للنزول من جديد
ياله من جواب قاسي يا ملاك انظري لنتائج أفعالك وتهورك منذ
البداية , ليثني لم أعرفه يوما ليتها يدي انقطعت قبل أن تتصل به
ياله من جرح وخذلان وأستحقه فقد صدّقت نفسي وأنه يحبني ولو
قليلا وها هي جاءت النتيجة , رميت الهاتف من يدي وارتميت
على السرير أبكي بحرقة أبكي كل شيء وأولهم نفسي وحظي
وبقيت على ذلك الحال لوقت طويل ثم أمسكت هاتفي واتصلت
بوسن كثيرا ولم تجب , نعم فهي تنام الآن في حضن زوجها
وحبيبها فما ستفعله بي , فتحت بعدها الإذاعة وكان وقت
برنامجي الذي لم يزدني سوا هم فوق همي وهذه ستكون آخر
مرة أسمعه فيها فلدي شعور بأنه سيتصل بل لدي أمل كاذب
يقول قد يكون ذاك مقلبا وسيفاجئني في الحلقة وبالفعل كانت
مكالمته أول مكالمة لأقفز جالسة ما أن قال المذيع " مرحبا يا
أحزان السنين وأخيرا سمعنا صوتك والمكالمة الأولى أيضا "
قال من فوره " مرحبا صفوان "
نزلت دموعي فور سماع صوته ونبرته الرجولية الهادئة
المبحوحة وتابع قائلا " اتصلت لأودعكم وأودع برنامجكم
لا أريد أن أقول أنها كانت غلطة يوم شاركت فيه وسأعتبرها
فرصة سعيدة ولن أكررها "
شهقت بعبرة وقد فهمت مغزى كلامه وقال صفوان " ولما يا
سيد أنت من المميزين في البرنامج ومداخلتك الجميع يحبها
وخسارة كبيرة لنا أن تتركها "
قال ببرود " البركة في غيري ولم يعد لي مكان معكم وأعتذر
إن أخطأت في حق أحد ولن أسامح من أخطأ في حقي طبعا "
ضحك المذيع وقال " كيف تطلب السماح من الناس ولا تسامحهم "
قال مباشرة " هذا طبعي حقود ولا أنسى الإساءة الله خلقني هكذا
وسعيد حظ من يخطأ معي ولا أجده أمامي , وداعا الآن
وأتمنى للجميع السعادة وراحة البال "
ثم انتهى نعم انتهى كل شيء , لا وغاضب مني وقلبه أسود ناحيتي
وقالها بصريح العبارة إن وجدني أمامه سينتقم مني ولن ينسى
إساءتي , رميت سماعات الهاتف بعيدا وارتميت على السرير
مجددا أحضن الوسادة وأخفي وجهي فيها وأبكي بمرارة وحرقة
****************************************************
******************************************