لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > الروايات المغلقة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الروايات المغلقة الروايات المغلقة


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-08-16, 10:42 PM   المشاركة رقم: 901
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 




سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساءكم طـاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافية ()


الله يسلمكم من كل شر ، إن شاء الله جُزء اليوم يروق لكم عن بارت الأربعاء اللي راح والأحد :$ بما أنّي ما قدرت أنزل الخميس فمرة وحدة السبت عن اثنين ، وموعدنا القادم إن شاء الله الأربعـاء وليسَ الأحـد - الغد -.

شكرًا لتواجدكم، شكرًا لكلماتكم الطيبة سواءً بالمتصفح أو خارجه، شكرًا للروايـة اللي جمعتنا .. إن شاء الله أكون دائمًا عند حسن ظنكم والله يكتب لي التوفيق والوصول للنهاية بسلام ويجعل هذهِ الرواية شاهدة لي لا علي :$$ ،

بسم الله نبدأ ، قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبادات

(80)*2




الجدرانُ الكريميّة تشهدُ على أعقـابِ السجـائرِ التي تنطوِي داخِل الفمِ بصورةِ " لسـان "، تحرقُ فمـه وتخنـق رئتيه بمزاحمتـها أنفاسه، يبتلـع من كلماتِه دخانًا خانقًا، وحشرجـةَ اشتيـاق، يزاولـه ظلامُ الليلِ في صورةِ ابتسامةٍ فقدت مرونتها وحاورَت أطيافهم، منها الراحلةُ تحت التراب ومنها الراحلـة من فوقِه ، يهمـس بابتسامةٍ ملتاعةٍ بالشوق : من متى نـايم؟
غـادة تسيرُ بهدوءٍ في جُنح إضاءةِ الغرفة الخافتـة، تصل للتسريحة لتَحمـل مرطّب شفاهها وهي تلفظُ بحُب : قبل ساعتين ... صاير نومه غريب ، مرات يزين ومرات يشين .. هالفترة دجاجة.
بدر : ههههههههههههههه أرجل دجاجة والله ، يلا عسى صار راضي عني هالفترة؟
غـادة تُميل فمها قليلًا والمرطِّبُ القريبُ من شفتيها استقرَّ ببعدٍ واهٍ ، وبخفوتٍ عاتِب : بالعكـس ، صار زعلان زود ، مشتاق لك.
بدر بابتسامةٍ حنونة : سقى الله أيام ما كان يكرهني عشانك.
غادة تضحكُ بخفوتٍ لتُردف ضحكتها بحُب : ما يكرهك .. بس كنت تستفزّه شوي .. شدعوى يبه أنا امه !!
بدر : ههههههههههههههههه وأحلى أم والله.
غادة بنعومة : أسبوعين وراح تبدأ فيها الدراسة وبيكون دوامه الأول بين عرَب .. الله يعين على ثقافتـه الغربية بيتعبني.
بدر يمدُّ جسده على السرير، تنطبـق أعينـه على السقفِ الأبيضِ بنقوشاتِه العشوائية وهو يلفظُ بثقة : ما عليك ماراح تتعبين من هالنقطـة ، وبعدين ترى زين حافظنا على لغته العربية للحين ، فلا تحاتين.
وضعَت المرطّب على التسريحةِ ومن ثمّ ابتعدَت بخطواتِها إلى السريرِ وهي تهتفُ ببحّةِ صوتها الخافت : من كـل شيء .. تنقصنا رجعتك.

ارتشّ المـاءُ ببرودتِه على وجهه ، رفـع رأسه لتصطدم أحداقـه بصورتِه المنعكـسة في المرآة ، عقدَ حاجبيهِ قليلًا وأفكـاره تتخبّط في التيـه ، خرج من الحمـام بعد أن تناول المنشفـة الصغيرة ليمرّرها على جلدِه الرطب ويمسـح الرطوبـة الباردة منـه ، جلسَ على السرير ، يفيضُ بالجمـاداتِ استفزازاتُ الوحدَة ، تعجُّ بالزوايـا أصواتٌ غائبـة ، تستقرُّ على الأريكـة في الصالةِ أصـابع، تنظُر للتلفـازِ المُنطفِئ الآن عيون، تمسـح على الطـاولاتِ كفوف ، وتتلاعبُ أيـادي بالملاعِق في المطبـخ .. لم يكُن ذلك يحدُث ، لكنّه كـان في صدرِه يفيض، يتوهّم حضورهم وأنّه ليسَ وحيد.
ابتسـم ، ليهمـس بخفوت : برجع . .
أنـار هاتفهُ بضوءِ رسـالةٍ في تلك اللحظـة مع رنّةِ إعلَانِ كلمـاتٍ أحاطتها نيـران ، اشتدّت في أوداجِه.


،


ينفـخ الظـلامُ من ذراتِه في عُمـق الليل، ينشُر من رائحـته بخفائها بين شقوقاتِ قشرةِ الأرضِ التي تتسرّبُ ظلامها إلى فؤادئها ، يُبتـر منظرُ النجومِ في سماءٍ حلكَت بسوادِها ، كـانت صافيةَ بعتمتها من كلّ بصمةٍ لامعـة، حتى خطوطِ البرقِ توقفت، بوادِر المطرِ راحَت وانزوَت لوقتٍ آخـر غيرِ معلوم ..
دخـلا المطعـم الذي لم يكُن مزدحمًا جدًا ، نظَر يوسِف إليها وخطوطُ الضيقِ على جبينِه ، وبنبرةٍ جافة : بروح لإدارة المطعـم، خليك وراي.
أرجوانْ تعـانقُ عضدها الأيمن بكفّها اليُسرى، وبحرج : آسفـة يبه إذا ضايقتك.
رقّت ملامحـه قليلًا ، رغـم أنه لازال غاضبًا منها إلا أن ملامحـه كانت ترقُّ لوجهها قسرًا ، صوته ، وعينـاه إلا صدره الذي لم يكُن راضيًا عن الدقائـق التي ابتعدَتهما عن جيهان وليـان ، الدقائـق التي تجاوزَت الخمس! . . أدار وجهه عنها وهو يزفُر ، وبخفوت : الحقيني عشان ما نتأخر.
أومأت وهي تتبعـه ، بينما وفي تلك اللحظـاتِ تحديدًا كـان فوّاز يتّكئ على الجدارِ قريبًا من بابِ شقّةِ عمّه وهو يتشاغـل بالهاتِف عن أفكـارِه ولا يستطِيع ، غريب! ما معنـى أن يطلب منه - على مضض - أن يكون قريبًا ولا يزيحَ عينيهِ عن مراقبـةِ الشقة! عقدَ حاجبيهِ قليلًا وهو يتذكّر عينيهِ القاسيتينِ وهو يقولها وكأنه لم يكُن راضيًا عن ذلك . . . ومن بعيدْ ، من بينِ أنقــاضِ أفكـارِه وحُطـامِ مزاجِه ، كـان يُباعِد عن عقلـه فكرة " جيهان قريبـة " ، قريبةٌ منه! لم يعُد هناك طوابـق تفصِل بينهما ، لم يعُد هناك سوى - بابٍ - يستفزّه! أغمـض عينيهِ وهو يتنهّد ، مرّر لسانه على شفتيه ، وملامِحُ الحديثِ تزولُ عدا ملامـح صوتٍ واحِد ، جنـان ، يستعِيد كلماتِها فجـأة ، بضعٌ من الذكريـات ، وأخرى لم تقلها ، أخرى تسكُن خلفَ بابِ قلبِه ، لم تعُد الذاكرة مركزها في العقـل ، عقله هو من اختـارَ أن يلفظها من حياتِه، فكيفَ يخزّنُ في أحشائه ذكرَى لها؟ مركـزُ الذاكـرةِ صار في القلب، يذكُرك ، وينسى مبادئ - النسيـان !!
زمّ شفتيهِ وهو يُخفِض رأسه ويعودَ لمحاولـةِ التشاغـل بهاتِفه ، لكنّه فجأةً وجدَ نفسهُ يعبثُ بالأرقـام ، وينثُر بأطرافِ أصابعِه سيـر رقمها الذي يحفظـه عن ظهرِ " هيام "! . . شدّ على أسنانِه بحنقٍ وهو يمسـح ما كتب ، وبخفوتٍ متنهّدٍ برجـاء، يحرقـه بغليـانِ أنفاسِه دون أن تتناثـر جزيئاتها أكثر : يا رب النسيـان ، يا رب النسيـان . . . ما اشتهيه !!
عضّ شفته وهو يغمـض عينيهِ ويسندَ رأسه للخلفِ على الجدار ، ينـاقضُ نفسه في اليومِ مائة مرّة ، لكنّه يتّفق مع ذاتِه ، مع قلبه ، بنقطةٍ واحدةٍ وهي عدمُ الصدق في دعواتِه، يعترف ، بأنّه وفي خضمِ اعتلالِ صدرِه ، ارتأى الحُب على النسيـان ، لا ، هو يحياه ، أو على الأحـرى يُحييه حتى الآن!
تنهّد بعجزٍ وساقـه قد بدأ بهزّها بارتبـاك، يفتـح عينيهِ وينظُر للأمـام/الفراغ ، وبنبرةِ قهر : والبنت وش ذنبها بكل هذا؟ * يقصد جنان * . . يا رب اغفرلي !


،


دخـل يسيرُ من خلفِها، في فمِه سؤالٌ يضجُّ بِه لكنّه يخشـى من نطقِه أن تكتشفَ طلبه لأسيل بأن ترغمـها على أن تأكل شيئًا، أفـرج شفتيه وهو يراها تسيرُ أمامه نحوَ غرفتها، لكنّه عـاد ليطبقها ومن ثمّ تنهّد بجزع ، تحرّك نحو الدرج وهو يهزُّ رأسـه بالنفي، بالتأكيد لم تكُن لتتركها دون أن ترغمها على الطعـام ، لن يحتاج للتأكد منها فهو يثـق بأسيل واستطاعتها ذلك.
صعد أوّل عتبتين، لكنّه توقّف فجأةً ما إن وصـل إليه صوتها البـارد والناطقُ اسمه : شاهين.
اتّسعت عينـاه، لكنّه سرعـان ما تدارك نفسه وهو يبتسـم بحنانٍ ويستدير بكامـل جسده لينزلَ العتبتين وهو يلفظُ بحب : عيونه.
عُلا بجمود : أبيك بكرا تكفر عني عن حلفاني على الأكل.
في البدايـة أجفـل دون تصديق، إلا أنه وبعد لحظتين فقط وسّع من نطـاق ابتسامتـه بفرحةٍ وهو بداخلـه - يشكُر أسيل -، بالتأكيد أقنعتها ، بالتأكيد استطـاعت فعلها كما كان يثق!!
أومأ مباشرةً ووجههُ يسترخِي براحـةٍ من هذا الثقل، وبعمـق : أبشري ، ما طلبتي شيء يا الغالية.
هزّت رأسها بصمت، ومن ثمّ استدارت لتتّجه نحو غرفتها بينما زفـر هو بصمتٍ وطمأنينـة ، تحرّك حتى يصعد إلا أنّ صوتها عـاد يُناديه بنبرةٍ تختنق : شاهين.
شاهين يعقدُ حاجبيه وهو يُدير رأسه بابتسامةٍ إليها، لم ينتبـه لنبرتها المختنقة وهو يلفظُ بحب : سمّي يا روحي.
عُلا دون أن تنظُر إليه ، بنبرتِها ذاتها ، وبملامِح الضيقِ نفسها : تراها تحبّك.


،


يقفُ أمـامه وعلى ملامِحه إماراتُ العجَب، يعقدُ حاجبيـه باستنكـارٍ بينما صوته يكرّر دون تصديق : هل أنت متأكد؟
الرجُل الذي أمامه بكلمـاتٍ هادئـة : نعم لم نعثر على شيءٍ مفقودٍ كسوارةٍ أو من هذا القبيل خلال الأيـام السابقة.
يوسف باستنكـار : لكنّ الاتصـالَ جاءَ إلينا باسم هذا المطعم!
الرجُل عقدَ حاجبيه وقد بدأ ينزعجُ قليلًا : تأكد إذا ما كان الرقـم الذي اتّصل بكِ إحدى أرقامِ المطعـم ، ربّما يكون أحد أقاربك وأراد أن يمزح معك لا غير . . * أومأ برأسه باحترام * والآن اسمـح لي لديّ الكثير من الأعمـال لأنجزها.
لم يجِد يوسِف ما يقُوله ، نظـر لأرجوانْ من خلفِه ، كـانت تنظُر للأسفِل بإحبـاطٍ يختلطُ باستنكـارِها ، كيفَ ذلك إذن؟ أن يأتِيهم اتصـالٌ يخبرهم بعثورِهم على السوارة ومن ثمّ يسيرُ الأمـر بهذهِ الطريقة؟ ربّما يكذب! لا أحـد قد يمزحُ معهم بهذا الشكـل هنا ولا أحدَ يُدركُ ضيـاعها ! .. يكذِب ، بالتأكيدِ يكذب!!
رفَعت نظراتَها المقهورةَ إلى والدِها وهي تعقدُ حاجبيها بإصرار ، نعم يكذب! لقد سرقها ، بالتأكيد هذا هو التفسير الوحيد!! . .
يوسفْ يتنهّد ومن ثمّ يلفظُ بهدوء : جينا على الفاضِي ، يمكن صار التبـاس وبالصدفة اتصلوا مطعـم ثانِي عشان موضوع مشابـه للي صار لنا بس لناس غير.
أرجوان تهزُّ رأسها بالنفيِ دون اقتنـاع ، لن تكون هنـاك صدفـةٌ بهذا الشكل ، لن تكون! . . لفظَت بقهرٍ واعتراضٍ على تلك الفكـرة : صدفـة بهالشكل الغريب؟ مستحيل! بيطلع سارقها وجحد الموضوع .
يوسفْ بضيقٍ يجعّد ملامحـه : لا تدخلين بالنوايـا ... خلاص امشي في لبس بالموضوع وانتهى الله كاتب هالشيء.
تشنّجت شفاهُها دون رضا وهي تعقدُ حاجبيها بمرارة، استدارَت والضيقُ يكبـس على صدرِها، يغلفـها بقهرهِ على بوادِر المغيبِ أو الاستغابـةِ عن السكُون ، حينَ ظنّت أن الله ردّها إليها أُحبطَت أكثـر . . أغمضَت عينيها وهي تتنهّد ، ومن ثمّ فتحتها لتخرج ومعها والدها وعلاماتُ الإحبـاطِ تُدثّر ملامحها التي تستكِينُ بِه . .
يوسفْ رغـم أنه وفي طريقِ قدومِهم إلى هنا كـان غاضبًا منها إلا أن قلبـه الآن رقَّ وهو يرفـع يدَهُ ليضعها على كتفِها ويلفُظ بحنان : عندك ألف ذكرى تخصها، لا تضيقين خلقك.
أرجوان بانكسـار : كانت الأغلـى ، عشان كذا دايم كنت أشيلها معي بشنطتي وليتني ما كنت أسوي هالشيء!
في النهايةِ " ليت " لا تُفيدُ بشيءٍ الآن ، قطّبت جبينها بقهر، بينما شدَّ يوسِف على كتفيها وهو ينطُق برويّة : ما تحتاجين هدايا أو شيء ملموس عشان تتذكرِين اللي تحبين ، حطي هالشيء ببالك.
أرجوان بحسرة : بحطّه في بالي .. في النهاية لازم أتعود على فكرة ما راح ترجع.
يوسِف : درجك ودولابك مليانين ذكريات منها .. قولي الحمدلله في النهاية.
تمتمَت بالحمـد وملامِحها المُنزعجـةُ والتي يكسوها الضيقُ تُخبـره بوضوحٍ عن حزنِها بعدَ أن عُقِد الأمـل على أنقـاضٍ مهترئـة ، تحرّكـا حتى يعودا وكفّها تلتوِي بأصابِعها على ساعِده ، تنظُر للأمـامِ بضيقٍ تكـادُ شفاهها تتقوّس بِه ، لم تقُل شيئًا وكـان يوسِف يلحظُ تضاعـف الضيقِ في وجهها، بالتأكيدِ غرقَت في أفكـارها عوضًا عن محـاولةِ التنـاسي . . تنهّد بجزعٍ ووضعها لم يعجبـه ، حينها توقّف واستدارَ بكامِل جسدِه إليها لتتوقّف تلقائيًا وتنظُر لهُ باستغرابٍ من وقوفه ، رفـع يدهُ ليطرَق سبابته برقّة على المنطقـةِ التي ثـارتْ بنتوءاتٍ بين حاجبيها من عُقدَةِ ضيق ، وبحزم : وبعدين؟ لازم يضيقْ صدري يعني؟!
أفـرجَت شفتيها تريدُ قولَ شيء، على الأقـل شيئًا من أشبـاهِ " لستُ متضايقة " حتى لا يضيقَ صدرُه ، لكنّها وجَدت نفسها أخيرًا تتنهّد بعجزٍ وهي تُخفـض رأسها للأسفـل ، ابتسمَ يوسف وهو يضـع كفّه على رأسها ، وبحنـان : تهون عليك ضيقة صدري؟
أرجوان وعُقدَةُ حاجبيها تزيدُ بوطأتها على الجـلدِ من بينهما ، تضيقُ المسـاحةُ من اقتراب، فتتضاعف الانعكـافاتُ الثائـرةُ بانفعـالها وهي تلفُظ ببحّةٍ معترضـة : أكيد لا.
يوسف : أجـل خلاص لا عـادْ أشوف وجهك كذا .. ابتسمي.
ابتسمَت رغمًا عنها، حينها ابتسـم تلقائيًا وهو يمسـح على رأسها ، وبحنان : أي كذا تصيرين حلوَة.
أمسَك بكفّها ومن ثمّ تـابعَ سيرهُ وهو يُردف : تأخرنا على فكرة ، ما صارت 10 دقايق.
أرجوان بحرج : اعتبرها رياضـة ليلية بسيطـة ،
لم يعلّق سوى بابتسامة، تـابعا سيرهما بصمت ، بينما وفي أثنـاءِ السيرِ الصامِت هذا كـانت كفّها تنقبـضُ على كفّه دون شعور ، تغوصُ في أفكـارها ، لا تدرِي لمَ تذكّرت أمها فجأة وليسَ من سوارتها، كيفَ تذكّرتها الآن ارتباطًا بوالدها وليسَ فقط " امها "! ، كيفَ حضّرتها اللحظـاتُ التي عبَرت قبـل قليل ، كثيرًا ما تتذكّرها ، لكنْ لمَ بهذهِ الطريقةِ تحديدًا والآن؟ .. تشنّجَ فكّها قليلًا وهي تُفـرج شفتيها وعقلـها تشوّش بالكثيرَ حدّ أن لا تدرك ما الفكـرة التي طرأت على عقلها تحديدًا ، بينما نظـر لها يوسف من زاويةِ عينيهِ وهو يشعُر بتشنّج كفها ، هتفَ متسائلًا بقليلٍ من القلقِ والحيرة : وش فيك؟
توقّفت عن السيرِ فجأة ، وردّة الفعـل الأولى أن يتوقّف معها وهو يقطّب جبينه بقلـق ، لم تتركْ يدَهُ وهي ترفـع وجهها إليه ليلمـح ستـائرَ الضيقِ الرمـاديّة والتي عادَت لتنسدِل على أحداقِها من جديد، ستـائر الضيق ، والتي ثخنَت أكثـر بانسكـابِ الكلمـاتِ من حنجرتِها إلى شفتيها ، كلمـاتُها التي خرجَت إليه بنبرةٍ خافتـة ، لكنّها كـانت حادّة ، لاذعـة ، جرحَت شفاهها بالخيبـة : ممكن أسألك سؤال؟
تضاعَف الاستنكـارُ في ملامِحه وصوته وهو يلفُظ بارتيـاب : أكيد .. وش فيه؟
أرجوان وشفتيها ارتجفتـا بتردّد ، شتّت أحداقها عنهُ وهي تبتلـع ريقها ، لكنّها في هذهِ اللحظـةِ تحديدًا لم تكُن تريد أن تتردّد فيما ستقول ، تريد أن تصلها الإجابـات ، ولربّما بعضَ الراحـة منها .. همسَت ببحّةِ ألـمٍ كـان من خلفِها معانٍ كثيـرة : ليش الغلط ما يرتبط بعُمر؟ يعني طول عمري كنت أظن إن الشخص اللي يغلط لازم يكون صغير ومو كبير وواعي .. أو يوصـل لسنّ معين ما يعرفْ فيها أخطـاء وذنوب كبيرة.
ارتخَت ملامـحه فجأةً وكفّه الممسكَةِ بيدِها ترتخِي أيضًا ، وكأنه أدرَك ما تقصد ، أدرك بالذنـوبِ الكبيـرةِ أنها تقصد أمها! . . توتّرت وهي توجّه نظراتها إليه ، شعرَت بالندِم ما إن سقطَت أنظـارها على وجهه وشعرَت من نظرتِه أنه قرأ أفكـارها ، حينها ارتعشَت الكلمـاتُ في فمها ، لتُردِف بتداركٍ واهِن : إذا ضايقك سؤالـ . .
يوسِف بهدوءٍ ظاهريّ : يضايقني ليه؟ عادي سألتي وبجاوبك . .
أخفَت نظراتها قليلًا ، حينها ابتسمَ يوسف وهو يشدُّ على كفّها ويُسيّرها معه كي لا يضيـع الوقتُ أكثر بعيدًا عن جيهان وليـان . . لفظَ بتوضيحٍ حازِم : في البداية مين قال لك إن الوعي مرتبط بالكبر؟ ومين قال لك إن الوعي ما يخلينا نغلط نهائيًا؟ الوعي يقلل نسبة الخطأ .. بس في النهاية احنا بشر ، نحتـاج قوّة مو وعي بس للذنوب ،
أرجوان تعقدُ حاجبيها قليلًا : شلون؟
يوسف : الحين أنتِ عارفـة بنفسك إن ترك الصلاة كفر صح؟
أومأت : أيه.
يوسف : كلنا نعرف ، بس يا كثـر اللي يعرفون وما يصلون ، صغـار أو كبار ، مع إنهم واعيين لهالشيء . . نحتاج قوّة وإرادة ضد الذنوب ، الوعي ما يكفّي.
لم تقُل شيئًا ، نظـرت للأمـامِ بصمت وهي تجعّد ملامحـها ، هل ضعفِ إرادتها يكفي - بالنسبـة لحجمِ الذنب -؟ هل هذا يكفِي للعـذر؟ يكفي نسيـانِ الذنب؟ هل هذا يكفي !!
انتهـى مطـافُ حديثها وفضّلت الصمتَ باعتـراضٍ على ما سمعَت ، الوعيُ لا يعنِي انعدامَ الذنوب ، لكنّ والدهـا ، والدهـا تحديدًا ، كيفَ اسطاعَت فعلَ ذلك بِه؟!
رفـع يوسف كفّه بعدَ أن تركَ يدها ، وضعها على كتفِها ، ومن ثمّ وبحزمٍ رقيق : أكبـر من إرداة الذنب ، إرادة التوبـة .. أجمـل إرادة ، وهذا اللي يهمنـي من كل اللي صار ، وأتمنـاه!.
اتّسعت عيناها بإجفـال، تصلّبت ملامحـها سوى انّ عينيها تحرّكتـا أخيرًا ، نظـرت إليه بتشوّشٍ من زاويـةِ عينيها ، لتبتلِعَ غصّةً بعدَ أن رأت ابتسـامته ، فهمته ، كيفَ لا ، وهي تدركهُ جيدًا ، يتمنّى التوبـة ، من بعدِ موتِها وقلبـه لم يمتلكْ في حناياهُ حقدًا عليها أو ملامـة ، غفـر لها ، وتمنّى أنها طلبَت الغفـران ولو أنّها من بعدِ ذلك قامَت بذنبٍ آخـر ، قلبـه الآن مُصفّى من العِتـاب ، لم يعُد يملكُ شيئًا ضدّها ، فقط ، فليغفـر الله لها ذنبها.
مرّرت لسانـها على شفتيها وهي تشيـح بأحداقها عنه وحُنجـرتها شعرّت أنّ احتكـاكاتِ الألـم قدْ خلّفت في طريقها الغيـر معبّدٍ نتوءاتِ جـراحٍ لا تنـزفُ سوى بالصمت ، لو تحدّثت ، ستُفتـح بوّابـة الجراحِ أكثـر ، ستلتهِب ، بملـح حسراتها تجـاه كلّ ما حدَث . .

وبالقربِ منهما ، اتّكأ تميمْ على إحدى أعمـدةِ الإنارةِ وهو يكتّف ذراعيـه ، يبتسـم وهو يتابعهما بعينه ، وبخفوت : ما عليه ، اثنين بس يأدون الغرض.
رفـع هاتِفه الذي كـانَ يُمسـك بِه ، في الصبـاح كـان يضمن أنّ بدر قريب ، ربّما لم يتوقّع أن يفشـل ببساطـة ، لكنْ على الأقـل كان قريبًا وكلّ شيءٍ سيتمُّ بسهولةٍ دون أن يتدخّل . . اتّجـه إلى رقمـه ، ومن ثمّ وبابتسـامةٍ عابثـة كـان يتّصـل بِه ، ردّ بدر بسرعةٍ بأنفـاسٍ مجهدَة وكأنه كان في سباق مارثون ، يلهثُ طالبًا الهواء بعد أن أرهق رئتيه بالركض : وينك؟! .. يا ويلك لو كنت مسوّي لهم شيء! . . و . .
قاطعـه تميم ببرود : تأخرت ، المفروض تكون متواجِد باللحظـة اللي يطلعون فيها من المطعـم.
اتّسعت عينـا بدر بحرارة : يعني !!!
تميم بابتسامةٍ ماكـرة : وينك بالضبط؟
بدر بجنون : وش اللي سويته؟
تميم يبتسـم بعدَ أن لمحـه واقفًا بتِيهٍ ينظُر من حولِه باحثًا بعينيهِ عنه أو عن يوسف ، ليلفظَ بهدوءٍ مستفزٍّ وهو يحكُّ جانِب عنقه بأظافِر يدِه المُتحرّرةِ من الهاتِف : كنت بتتأخر شوي ، شوي يعنِي . .
بدر بحدةٍ غاضبـة : وش قصدك؟
تميم : تراهم قريبين منّك ، وبخير . . بس ما أظـن لوقتْ طويل ..
رغـم أنه شعـر ببعض الراحـةِ إلا أن أسنانُه وطأت على بعضِها ، غضِب أكثـر وهو يلفُظ بنبرةٍ غاضبـة وعيونه تتحرّك بحثًا عن يوسِف الذي ابتعَد مسافـةً بعيدةً عن أنظـاره : ما راح أسمـح لك .. من الحين يا تميم بذبحك لو سوّيت لهم شيء!
تميم بجمودٍ وهو يستمتـع بمراقبتِه تائهًا في بحثِه : أحَد قايل لك الموضوع بهالبساطـة؟ شكل جلوسَك الطويـل هنا بروحك طيّر عقلك .. ما علّمتك هالجلسـة تشغّل هالعقـل الطاير شوي وتفكر ليه أنت هنـا؟
بدرْ يعقدُ حاجبيه ، توقّفت عينـاه عن البحث وتصلّبت في نقطـةٍ واحدةٍ لم يُدرك في تلك اللحظـةِ ما هـي ، بينما أردفَ تميم بضحكةٍ وإغاظـة : أشفق عليك بصراحـة . . بس عمومًا مو هذا موضوعنا .. المهم الحين العائلة السعيدة ذيك.
طـرد بدْر ما طرأ في عقلـه تجاه كلمـاتِ تميم التي نطَقها قبـل لحظـات ، تجاهلها بمسمّى بعيدٍ عن التجـاهل وفكّر الآن بشكلٍ أعمـق بالمصيبةِ التي قد تلحـق بيوسف ، لذا لفظَ بحدّة : وينهم فيه بالضبط؟
تميم باستفزاز : لا لحظــة الموضوع مو بهالسهولـة ، شرايك نتّفق اتفـاق أسهل؟ يخليك تتطمّن على وضعهم من غير لا تدورهم حتى ... ببساطـة أتركهم.
بدر وأعصـابه تحترق ، لفظَ من بين أسنـانه : بذبحك! بذبحك على تلاعبـك هذا بأرواح الناس!!
تميم يضحكُ ببرود : هاه تبينا نلعب؟ تراها سهلة والله ، بسألك سؤالين وإذا حليتهم صح برجع البيت وأنسى السالفـة.
بدر بغضب، رغـم أنّه لم يكُن يريد أن يصدّقه لكنّه يدرك جيدًا أن تميم لسَ من النوعِ الذي قد يتعـامل بالكذبِ كي يصِل لمآربـه ، تميمْ واضحٌ حدّ ألا يظنّ في هذهِ اللحظـاتِ أنه يضيّعه وحسب : نشوف آخرتها معك ..
تميم بتلاعبٍ عابِث ، ينظُر إليه من نقطـةٍ قد يدركها بدر وقد لا يدركها ، يحرّك قدمـه اليُمنـى على الأرضِ ببرودٍ بينما يدهُ تنخفضُ من عنقـهِ إلى فخذِه فيطرقَ بأنامِله عليه وهو يلفـظ بتمهّل : أول سؤال سهـل .. عددهم أربعـة طبعًا مثل ما تدري وأدري، بس اثنين منهم اللي متواجدِين قربنا الحين . . الباقين ماهم معهم .. حاول تعرف ، الخطـر اللي قصدته قريب من اللي حولنا ... وإلا من اللي ببيتهم !!!
اتّسعت عينـاه في بادئ الأمـر بصدمـة ، تصلّبت أطـرافه ، أيّ أنـه ، أي أنـه ليـس على وضوحٍ بالوضْعِ التـام ، قدْ يكون الخطـر محدّقًا بالبعيدين .. لا ، لم يكُن ليقُول لهُ بأن يأتِي إلى هنـا ، لكنّه لم يحدّد في رسـالته موضـع الخطـر تحديدًا بل قـال لهُ أن يأتِي وحسب !!!
شدّ على أسنـانِه بغضب ، انتفضَت أطرافُه بانفعـالٍ حاد ، لم يختـر الإجـابـة ، بل بزغَت من بينِ شفاهِه شتيمـةٌ مـا وهو يتحرّك مبـاشرةً نحو نقطـةٍ واحـدة ، لم يكن لينتظـر حتى يُدركَ من يتقصدهم بالأذى ، بل قرّر اللحـاقَ بيوسف ، الذي لربّما في هذهِ اللحظـاتِ قريبٌ من المبنـى الذي يعيشُ بِه بما أنّ تميم نطـق بعدَ أن ردّ عليه " يطلعون " أي أنهم خرجوا من المطعـم وبالتأكيد عـاد مع من معـه . . عضّ تميمْ شفتـه يمنـع ابتسامتـه ، وبوعيد : مردودة لك .. بس ما يصير يعنِي تروح وأنا ما خلصت أسئلتي! باقـي سؤال ثاني.
تجاهلـه بدر مُغلقًا الهاتِف في وجهه ، حينها انفجـر تميمْ ضاحكًا وهو يتحرّك من ورائـه حيثُ المكـانِ الذي يقصـده ،


،


خرجَت من الحمّامِ وهي تجفّف شعرها، جلَست على السرير الذي كـانت قد ألقَت عليهِ ملابسهـا قبل دخولها للاستحمـام، حمَلت قميص بجامتها بزُرقتـها الباهتـة التي جاءتها قبل أطـرافِ النهـار وبزغَت من قُمـاشٍ فارِغ . . تنهّدت وهي تقفُ لتخلعَ روبَ حمامها وترتدِي ملابسهـا، لم يكُن الفـراغُ الآن ساكنًا بحجمِ ما انتفضَ في أحداقِها وهي تنظُر للأمـامِ دونَ تعبير ، تتذكّر الأقسـام والوعُود من عـلا بأنها سترغـم شاهين على الإعتذار منها وإعـادتها ، وما إن وضّحت لها رأيها بجملـة " احنا مقررين الطلاق مع بعض .. مو بس هو " حتى غشَى ملامِحهـا اعتراضٌ مرير ، خـيبة ، وكأنّ أمـلًا كُسِر ، راقبتْها بضيقٍ وهي تراها تعقدُ حاجبيها لتتضاعفَ تجاعيدُ ملامِحها وهي تُشيح وجهها عنها ، تصمُت لثوانٍ طـالت ، ومن ثمّ تلفُظ بخفوتٍ وضيق : قايلة هالكلام من قلبك وإلا منّه هو؟!
أسيل وأطيـافُ بسمةٍ ترتسـم على شفاهها : طـاح من عينك؟!
عُلا تنظُر نحوها وهي تلفُظ بحسرةٍ واختنـاق : أحبّك مثل بنتِي ، وطبيعي لو ولدي غلط بحق بنتي ما راح أظـل ساكتة ... ما طـاح من عيني ، بس أوجـع قلبي.
أسيل تمدُّ يدها ، تُمسـك بكفوفها بحنانٍ بينما ام فواز كانت قد خرجَت منذُ ابتدأ الحديثُ المتعلّق بشاهين وأسيل ، شدّت على كفوفها ، ومن ثمّ همسَت بحب : بسم الله على قلبك من الوجع ، لا تشيلين الموضوع بخاطرِك ، ما بقول مين أنا عشان تزعلين منه عشاني .. بس بقول إنّه أهـم ، شاهين ولدك ، أنا بمكانة بنتك وبس! . . معليش خالتي، من البداية كان زواجِي فيه غلط، ما كان المفروض أتزوج بأخو زوجي السابق!
نطقتها وهي تبتلـع غصّتها ، يخفُت صوتها رغمًا عنها، تنسدلُ أجفانها عن مَلامِح علا التي ارتخَت بينما تشنّجت كفُوفها التي تُمسك بها، لم تكُن تقصِد إيلامها، كـان واقعًا أنّها أخطـأت بالموافقـة، كـان واقعًا أنّها غُلّفت بجزءٍ من الملامـة وليس فقط شاهين ، منذُ البداية كـان الخطأ شريكًا لي وشريكًا له ، كـانت الأرادةُ صلبـة ، كيفَ لُيّنَت بمحـض كلمات؟ كيفَ انصعْت لهذا الحاضـر الذي نقشَ الماضي على جدرانِه رموزَ ماسونيّته؟ انقبضَت شريعـة العلاقاتِ ببورتريّةٍ نقشناها سويًّا ، كـان فنُّنـا الذي احترفنـاه، كـان الاكتساب الذي مـارسناه، كـان الخطأُ وظنّت الأفـواه من حولِي أنّه صواب، هلْ سُقيَت الزهورُ يومًا بدمعـة؟ ليسَ سوى صيغة مبالغـة، تُثبت فقط أنّ اليأس تعدّى على القافلـة الزائفة بأمالِها ، الحيـاةُ لا تجيءُ بملوحـةٍ بل بعذوبـةٍ نقترفها، كيف لنا ذلك ونحنُ ترسّب على جلدنا الملحُ وجفّفنا؟!
عضّت شفتها بوجَع ، ومن ثمّ شدت على كفيها وهي تُخفض وجهها باختنـاق، همسَت بنبرةِ أسفٍ وهي تُدرك أنّ لفظَ اسمه يوجعها : بتفرحين ، بتفرحين قريب يا خالتـي . . * رفعَت وجهها ومن ثمّ ابتسمَت بحُزنٍ وانكسـارٍ لتُردف * طلاقنـا ما راح يكون شيء! بتنسينه ، ما راح تهتمين له في النهايـة .. بتفرحين ، بتفرحين كثير !
نظُرت عُلا إليها وهي تعقدُ حاجبيها وملامحها تُغشى بالحيرة ، تذكّرت كلمـات شاهين الذي قال لها بأنها ستفـرح، ستفرح قريبًا ! ما المُشتـرك في هذا! أن يقولها لها شاهيـن ، ومن ثمّ أسيل . . أيّ مشتركٍ بينهما الذي قد يُفرحها سوى أن تعود علاقتهما كمـا كانت؟
انحنَت أسيل كي تقبّل وجنتها بحب، تبتـر بقيّة الحديث ، لا تريد الوصُول لنقطـةٍ خطيرة ، لذا همسَت برقّةٍ وحنـان : مافيه داعـي نخلي الجلسة بهالكآبة ، عشـان كذا بنسولف قبل وقت العشـى اللي بيكون من يدِي ويعجبك !

والآن هاهِيَ تبتسمُ بزيفٍ بعد أن ارتدَت ملابسها، رفعَت شعرَها الرطِبَ وتلفّه بكعكةٍ تنعكِف، تحمل هاتفها من على الكومدينةِ وهي تهمسُ بنبرةٍ تحثّها على الصلابـة : ما صار شيء ، ما صار شيء ! حتى سؤالها ذاك ... ما كان شيء !!!
ما الذي كـان سؤالها؟ لا شيء ، نعم ، لم يكُن سؤالها الأخير الذي لفظَته لها قبل خروجها شيئًا ، ومن تلاشيهِ لم تعُد تتذكّره .. نعم ، لم تعد تتذكّره !!!
قرّرت أن تحادثَ فوّاز الآن بما أنها قد أخبرته بأنها ستحادثه ليلًا ، لذا اتّصلت بِه.

يُتبــع . .

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 27-08-16, 10:52 PM   المشاركة رقم: 902
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 





،


بدأ يسير ذهابًا وإيـابًا في الممرّ، يشعُر بسيرٍ يخطُّ بخطواتِه خطوطَ عبثِه على جسدِه ، جسدهُ بدأ يحتـرق من هذا الاقتـراب، أن يفصُل جدارٌ بيننا .. كثيرٌ علي! كثيرٌ عليّ وجدًا
.. ماذا لو تسلّل صوتُها فجأةً عبر الجدار؟ ماذا لو ارتسمَت ملامحـها على سطحِه؟ ماذا لو انزلقَت من صدرِي تنهيدةٌ تصلُ مسامعكِ وتفتضـحُ حسناتِك في قلبي ... كان حُبّنا حسنة! ولم يدوّن الحُب يومًا ضمن السيئـات رغم أوجاعِه، كـان حبّنـا نخبًا من شـرابٍ أسكرنِي وحدِي ولم يُسكرك! وكـان الفراق السيّئة المُتمسّكة بأطرافِه بذروةِ جفـاء.
عضّ شفته وهو يزفُر بانفعـال، رفـع هاتفه ، تأخّر يوسف وتجاوز الدقائِق العشـر، لا يطيقُ الوقوف أكثر هنـا ، لذا كـاد يتّصل بِه لولا وصـول إشعـار اتّصـالٍ من أسيل ، عقدَ حاجبيهِ وهو يتنفّسُ بتسـارعٍ من انفعالاتِه ، تحرّكت أصابعـه، لم يكُن ليقبـل بمكالمـة فيديو في هذا المكان، لذا رفـض الإجـابة، ومن ثمّ أرسـل إليها بكلمـاتٍ قصيرةٍ وموجزة " مانِي بمكان يسمـح أكلمـك، بدق عليك بعدين ".
ومن ثمّ أخفضـه وهو يتنهّد تنهيدةً عميقةً ويغرق في سكونٍ وقتيّ ، ينظُر للأمـام بملامـح صلبة ، ما معنـى الصلابة إن كـان ما داخلنا هشّ؟
هزّ رأسه بالنفي ، لا يجبُ أن يحدثَ ذلك ويضيع ! لا يجب أن ينهض من نومِه وهو تائـهٌ ضمن مشاريعِ حياته الروتينيّة ، ويجد نفسه أخيرًا ، داخـل دائرةٍ واحدة، يتشتّت فيها أكثر !!
شدّ على هاتِفه بغيظ ، رغـم أنه كان يدرك جيدًا ومنذُ بوادرِ النهاية أنّ فـراقها سيعنِي الكثير من المعاناة إلا أنـه لم يتوقّع أن يعيشه نفسيًا أضعاف توقّعاتِه ، هل يرتضِي بهذا الحـال؟ أن يتمنّى النسيـان وفي لحظةٍ أخـرى يعترف أنّه لا يريده! أن يخبـر جنان بلحظـةِ أمـل أن تساعده على نسيانها وينـاقض نفسه في دعوةٍ لا خشوعَ فيها!
تحرّكت خطواتُه بغضب ، لا يجب أن يحدثَ ذلك ، ماذا يريد؟ يريد فقط الاستواء ، الاستواءَ في يومٍ لا يستذكرها فيـه ، يريد ذلك فقط ، كيفَ يجلبُ ما يريد سوى عدمِ النسيـان وأن لا ينتزع الله حبّها القدسيّ من قلبه !!
لم يكُن ليبقى أكثر وهو يستشعـر رائحتها بطريقةٍ مـا، رائحتها التي سكنَت أنفه ، لم يكُن ليبقى، ولم يكُن ليخذل عمّه فيما طلب، لذا رفـع هاتفـه وقد قرّر الاتصـال بِه في اللحظـة ذاتها التي فُتـح فيها البـابُ من خلفِه.

خرجَت بجسدِها الصغير لتقفَ جيهان تتّكئ على إطـار البابِ بكتفها وهي تمطُّ شفتها بضجـر ، ابتعدَت ليـان عنها وهي تنظُر لها بنظراتٍ حـادةٍ وعدوانية ، وبحنق طفولي : بنتظرهم هنـا ..
جيهان باغاظـة : انتظري ، مافيها شيء أهم مافي الموضوع إنّ كلمتي بتمشي ومنتِ طالعة للشارع لو تموتين قدّامي.
ليـان : لو بروح ما تقدرين تقولين شيء.
جيهان تتحدّاهـا بطريقةٍ طفوليّةٍ وكأنها تتقاسمها العُمر : وريني شطارتك وبخلّي هالراس الغبـي ينقسـم لأرباع متساوية ، لسانك ذا بروحه بقصّه لستة أجزاء عشان ما أسمع منك كلمـة ثانية.
شدّت ليـان أسنانها بقهـر ، في اللحظـات التي انشطـرت وتوقّف عبـرها الزمن، ظهـرهُ تصلّب ، ملامحـه تجمّدت عدا من عينيه اللتيْن تحرّك جفنـها العلويّ في اتّسـاعٍ غيـر مصدّق ، بأنّ صوتـها تسلّل إلى مسـامعه عبـر الباب ! لم يكُن خلسةً عبر الجدرانِ بل جـاءهُ بإرادةِ البزوغ، لمْ يكُن تماديًا على صلابـةِ الجدار بل كـان استراقًا للفؤاد ، تصلّب وسكـرةٌ تترنّحُ بأضلعـه أكثر ، تتمايـلُ فتنسكِب من موضِع الميـلانِ تنميـةٌ أخـرى لمشاعره، يرتفـع صدرهُ وصوتُها النـازيّ بدكتاتوريّةٍ يُقيمُ في دمِه ثورةً كُبُرى ، حربٌ عالميّةٌ أولـى في جسدِه ، لم تكُن أولى ! لا والله لم تكُن الثورةَ الأولـى ولا الآخِرة ، لم تكُن لها حصرٌ يئدُ فيها اتّسـاع مدارك الأرقـام ، لم تُثِر فيه حربًا أولى الآن ، بل أثـارت من قبلُ العديد ولم يعد يدرك كم رقـم الحرب التي تقوم في هذهِ اللحظات.
لم يتحرّك، بقيَ متصلّبـًا في موضِعه دون أن يستدِير ، ينسكبُ صوتها بنعومتِه إلى أذنـه ، لا يكفيه الصوت ولم يكـن ليستدير ، لذا تقبّل أن يقتـاتَ من رغيفِ صوتها وحسب ، ويترك الملامـح تتجسّد أمامه من ذكراها.
جيهان بضجـر : ليان تعوّذي من ابليـس وادخلي ،
عدّلت الحجـاب الذي كان على كتفيها، رفعته إلى رأسها من بابِ الحيطةِ وهي تتنهّدُ تنهيدةً خلبَت مدارِكـه ، حرّكت رأسها بريبـة بعد أن تقدّمت قليلًا عن الباب ، تتأكّد أن الممرّ فـارغٌ من أيّ شخـص ، سقطَت نظراتها السريعة على فواز الذي كان يُدير ظهره إليهم، لم تركّز جيدًا بهويّتـه وهي تُعيد نظراتٍ غاضبـةٍ إلى ليـان لتلفظَ من بين أسنانها بصوتٍ مكتوم : ادخلي يا مـال العافية ... لو جاء أبوي بيحطها على راسي أنا ... كنتِ نايمة يا الغثيثة وش صحّاك؟
صدّت ليـان عنها بعد أن مدّت لسانها بإغاظـة ، انتبهَت للجسدِ الواقفِ مبتعدًا، يستمـع للحديثِ بصمتٍ دون أن يتحرّك ، يخاطِر بـ " الشبه أرادته " الباقية للنسيـان ويقترب من بترها في لحظـةِ تلذّذه بصوتِها . . عقدَت ليـان حاجبيها بارتيـابٍ وكأنها عرفته، تحرّكت خطواتها تريد أن تتأكد لتتّسع عينا جيهان بغضبٍ ومن ثمّ تتحرّك نحوها وبظنّها أنها قررت النزول فعلًا، أمسكَت بها ومن ثمّ ثبّتتها من كتفيها وهي تهمسُ بحرجٍ ونظراتها عادت للشخص الذي نظـرت له قبل قليلٍ بصورةٍ خاطفـةٍ لم تتباطئ بها : تعالـي فضحتيـــ. ..
ما بـاله واقفٌ هكذا؟ عقدَت حاجبيها وصمتت بعد أن انتبهت لتلك النقطـة، لا ، بعد أن وسّعت عينـاها من تدقيقٍ سريعٍ بالواقِف، لم تكُن أبدًا لتنسـى هيأتـه، طولـه ، انحناءاتِ جسدِه التي تعرفـها من أشهرٍ خاضتْ فيها العيشَ معه ، لم تكُن لتغفـل عن صورةٍ مقلوبـة - ظهره حتى وإن هزمَتها نظرةٌ خاطفـة إلا أن لحظتي تركيزٍ فقط كـانت كافيـة ، لتستشعر من يكون ! .. ابتلعَت ريقها بربكـة وأنفاسها تعرقلَت فجأة ، بينما تحرّك فواز وكأنه شعـر بِها ، لم ينتظر أكثر ، في حينِ كـان سيرهُ الدليل الكافِي أنّه بالفعـل هو وأنّ النظـرة الخاطفـة الأولى هزمَت إدراكها السريع له.
تصلّبت في مكانِها دون حراك ، بينما انسلّت ليـان منها لتركض نحوه وهي تلفظُ باسمـه دون تشكيك : فواز !!
توقّفت خطواته وعينـاه الجامدتـان تنظُران للأمام، لم يلتفت، لم يكُن ليستغلّ هذهِ اللحظـة ويلتفت، بينما وقفَت ليـان أمامه مباشـرةً لتنفـض ذرّة الشك بهويّته ، شهقَت ما إن تراءت ملامحهُ أمامها وابتسامتها تملأ وجهها ، وبفرح : جيت عشان نطلع سوا مثل ما قلت لي قبل؟!
لم يبتسـم، لكنّ نظراته رقّت وهو ينحنِي قليلًا إليها، يمسـح على شعرها ، ويهمس بصوتٍ رقيقٍ وقد قرّر تجـاهل وقوفها من خلفِه : مو اليوم.
ليان تنفـخ فمها بقهر : ليييش؟
فواز بحنانٍ ابتسـم رغمًا عن تصلّب ملامحـه : أول شيء لازم تستأذنين من بابا.
ليان بضيق : اتصل عليه ...
فواز : مرة ثانية حبيبتي.
لم يُضِف شيئًا يتعلّق بهذا الموضوع وهو يراها تكوّر فمها بضيقٍ ودلال، ابتسم، ومن ثمّ انحنى الى وجهها ليقبّل وجنتها، مـال إلى أذنها ليهمس لها بخفوتٍ حـازم : واسمعي كلام اختك لا تجننيها! البنات الحلوات ما يعصون كلام الكبـار صح؟
عقدَت حاجبيها قليلًا ، بينما كانت جيهان من خلفهما تقتضبُ الجمودَ في ملامِحها وتطرد العبُوس، تحتضنُ عضدها الأيسر بكفّها اليُمنـى وصوته ما إن أشـرق كشمسٍ في حلكة الليل حتى نشر في جسدها قشعريرةً قبضَت على جلدِها ، عينـاها تُعتـم وهي تنظُر لظهرهِ بصمت ، تتذكّر الصـورة التي رأته فيها مع جنـان آخر مرّةٍ وتشتعـل ، ينضُب منها الهدوءُ وتتصنّعـه ، قرّرت أن تتراجـع قبل أن يصـله صريرُ احتكاكاتِ عينيها بظهرِه واشتعـال نظراتها، رمقتهُ بخيبـة وقهر ، ومن ثمّ تحرّكت حتى تبتعدَ نحو البـاب.
لا تدري ما معنـى وقوفه قربَ بابِهم ، لكنّها لم تُبـالي كثيرًا قبل أن تبتعـد ، لا تريد الضعفَ أمامه، أن تُفتضح بعبراتٍ بينما هو يعيشُ بطريقةٍ باهتـة. وصَلت للبـاب إلا أن ليـان فجأةً ركضَت إليها وهي تلفُظ : خلاص بدخل بدخـل .. بسمع كلامك مثل ما يقول فوازي.
ضيّق عينيه ولم يستطِع سوى أن يبتسـم وهو يهمسُ بداخله " هالبنت فضيحة "، رمقتـها جيهان بحدّة ، من شدّة قهرها وهي تتذكّرهُ مُمسكًا بكتفي جنان ويبتسم لها ، يحادثها ، يتناساها في خضـم لحظاتٍ معهـا، تُشاركه الأريكـة ورؤية الجدرانِ والمكوثِ حيثُ عاشَت يومًا . . لم تشعر بنفسها وهي تشدُّ على أسنانِها بقهر ، تنظُر لها بغضبٍ وهي تلفظُ بنبرةٍ مكبوتـةٍ بانفجـاراتِ الغيرة : أفضّل ترفعين ضغطي مليون مرّة ولا تسمعين توصيـاته.
قالتها بصوتٍ مسمـوع أرادته أن يصـل لمسامعه، اتّسعت عينـا فواز في بادئ الأمـر بمفاجئة، وسرعان ما ارتخَت أجفانـه ، وابتسم دون أن يلتفتَ إليهما حتى !
أمسكَت جيهان بيدِ ليان بغضبٍ حاولت أن تجعله يظهر باردًا وهي تأمرها بصوتٍ باهت : ادخلي وبلحقك الحين.
اومأت ليان دون تعليقٍ وهي تدخُل مسرعة، بينما رفعَت جيهان عينيها إليه ، ابتسمَت بسخريةٍ مرّة ، اتّكـأت بكفّها على إطـار البابِ وكأنها تستمدُّ منه القوة ، وبتساؤلٍ ساخـر : كم صار لك من نسيتني؟
مرّر طرف لسانِه على شفتيهِ وهو ينظُر للأمـام دون تعبير وابتسامته تلاشت ، ملامحـه الجامدة لم تعبّر عن مشاعـره وهو يتمتمُ بصوتٍ لم يتجاوز مسامعه، لم يصلها وهو يهمسُ مجيبًا بخفوت : عمرين من الكذب !!


،


اقتربـا من الوصول بينما أصبـح بدر خلفهما ، يتنفّس بانفعـالٍ وكفّه تضـعُ الهاتفَ في جيبِه ، نظراته أصبحَت تبحثُ هنـا وهنـاك بريبـة ، يمرّر لسـانه على شفتيه ، لا يدري ما يخطّط لهُ تميمْ لذا كـان حائرًا بقلقِه وهو يحرّك عينيهِ من حولِهما وصدرهُ يرتفـع وينخفـض بسرعة . . مرّر لسـانه على شفتيه ، هذهِ المرّة اختـار أن ينظُر لهما تحديدًا وثبّت عينيهِ عليهما بحذر كصقرٍ ينتظـر فريسته ، تباطأت سرعـةُ أنفاسـه واستعدّت للانتظـامِ بهدوئها ، لكنّها سرعـان ما انفعلت وهو يدقّق النظـر بجسدٍ كـان يسيرُ أمامهما ، يجيئهما بشكلٍ عكسيّ ، وما جعلـه يرتـابُ أنّ نظـراتِه الحـادّة كـانت مصوّبـةً على وجهِ " أرجوان " مباشرة!!
بينما كـانت أرجوان في تلك اللحظـةٍ تنظُرُ لهاتِفها وترسـل إلى جيهان رسـالةً وكأنها كـانت تخشـى أن تدرك بطريقةٍ مـا أن فوازْ يقفُ على مقربـةٍ منها ، شعرَت بالندمِ من إصرارها على الخـروج في هذا الوقت ، لكنّها لو لم تذهَب لكـانت ستندمُ أكثر .. لكنْ من بينِ كلّ هذا ... كيفَ حدَثت صدفـةُ أن يتمّ الاتصـال بها لأجـل سوارةٍ أخرى!! .. ليسَت صدفـة متأكدةٌ ليسَت صدفـة !!
رفعَت نظراتها بعدَ أن أرسلَت لجيهان فقط " جوج "، لكنّها شعرَت بغباءِ حركتها تلك ، لذا قرّرت أن تتّصل بها بالرغمِ من قربهما ، لكنّها أحبّت الاطمئنـان ، تدركُ جنون أختها وتخشى لو أدركت أنّه يقفُ على مقربـةٍ منهم لخرجَت إليه !! .. اتّسعت عيناها بذعرٍ من تلك الفكـرة ، خفضَت نظراتها بسرعةٍ لهاتفها ، لكنّها فجأةً تحجّرت لثانيتين، قبل أن ترتفعَ نظراتها من جديدٍ باستنكـارٍ وتنظُر للعيون التي كـانت ترمقـها بمكرٍ ووقاحة ! عجّنت ملامـحها بازدراء ، ومن ثمّ أشاحَت وجهها إلى هاتفِها متجاهلـةً تلك النظراتِ الوقحـة ، ذهبَت إلى رقـم جيهان وصوتُ يوسفْ يصلها مستغربًا : تكلمِين مين الحين؟
أرجوان بارتبـاكٍ ترفـع نظراتها إليه ، تخشـى في قرارةِ نفسها أن يعودُوا ويجدوها تقفُ أمامه! لم تكُن تتهّم أختـها بالسوءِ لكنّها تدركُ اندفاعها خصوصًا فيما يتعلّق بفواز ، لم تعلَم بمـا تُجيب ، لكنّها شهقَت فجأةً قبل أن تحـاولَ حتّى وتشعُر بجسدِ ضغطَ على جسدِها من جانبها ودفعها بقوّةٍ لترتطـم بيوسف وتتأوّه بصدمـةٍ لا بألـم ، أمسَك بها يوسفْ بسرعةٍ وهو يوسّع عينيهِ دون استيعاب ، رفـع نظراته لينظُر للشخـص الذي ارتطـمَ بها بتلك الطريقةِ أو على الأحـرى دفعها عمدًا ، والذي كـان .. بدر!!


،


وضـع كأس الشـاي أمامه على الطـاولةِ ذات اللونِ الخشبيّ المُحترق ، السـاعةُ تمدُّ يديها للحـاديةَ عشرةَ مرحّبـةً بقربِ انتهـاءِ ساعاتِ الصحـوة، يضـع هاتفـه بجوارِه بعدَ أن كـان يقرأ رسـالةً وصلته من متعب " بتتعذب بالأكـل اللي طلبتـه ، شاهين رفـض ياكله " وبتمتمةٍ خافتـة : منّك لله أنت وأخوك.
عقدَت سهى حاجبيها باستنكـار ، وبشكٍّ تجاه ما سمعت : وش قلت؟
أدهم يبتسمُ على مضض، وجهه كان أقرب للتكشير وهو يلفظ : سلامتك.
سهى تُرسمُ دائرةً حولَ وجهها بسبّابتها : وجهك مكشر حاول تبتسم زين . .
ابتسمَ أدهم هذهِ المرّة ابتسامـةً حقيقيةً لتبتسـم معهُ وهي تلفظُ بينما يدها تمتدُّ لتحمـل كأس الشـاي الخاصِ بها من على الطـاولة : تذكرت تو إنّي كنت بآخر مرة زعلانة منك . . للأسف نسيت.
أدهم بسخرية : خلاص من بكرا نبدا من جديد طيب؟
سُهـى تُميل فمها وهي ترفعُ حاجبًا : ترى زعلي شين لا تحاول تجرّبه.
أدهم يبتسم : أدري ، هو أنا أقوى أجربَه من جديد؟ تبت من آخـر مرة.
سهى : لو ابليسْ بيتوب عن ذنبـه ويطلب المغفرة من الله بصدّق إنك بتتوب وقتها.
أدهم : هههههههههههههههههههه أفا! لهالدرجة طايـح من عينك؟
سهى تومئ برأسها : وأكثر . .
نظـرت تجـاهَ إلين لتبتسـم لها برقّة ، كـانت تلحظُ هدوءها ، صمتها الذي غلَب على تواجُدِها معهما وكأنها كـانت تجلِسُ فقط بمجاملـةٍ لها ، وفي تلك اللحظـاتِ تحديدًا كـانت إلين تشعُر بخمولٍ في جسدها ، بمللٍ من جلُوسها هنا ، تتمنّى لو تذهب لتنـام ، لكنّها بالمقـابِل شعرت بالحـرجِ أمام سهى ، لم تكُن تحبّها، وفي المقـابلِ لم تكُن تكرهها! .. قرّرت أن تمسـح من عقلِها ما مضـى والصـدامُ الأوّل الذي كـان ، لتعتبرها الآن ، امرأةً لتوّها عرفتها ، عمّة أدهم التي لم تقابلها قبل اليوم!
سهى بنبرةٍ ناعمـةٍ وهي تنظٌر لملامِحها الساكنـةِ والناظـرةِ للأسفـل : شفيك ما تحكِين نجلاء؟ من بعد العشى ومافيه غيري أنا وأدهم نسولف!
عقدَت إلين حاجبيها في بادئ الأمـر، لم تستوعِب كمـا يجب " نجلاء " تلك التي خرجَت من فمِها ، هذهِ الهويّة التي لا تعترفُ بمسمّاها ، ألا يكفِيها أن أدهـم يتجـاوزُ احترامها حين ينطُقها؟ . . رفعَت رأسها ببطءٍ وعينيها المُظلمتيْنِ تسقطـانِ عليها بكلمـاتٍ طرأت على أحداقِها ، تدورُ في حلقةٍ مُغلقـة ، لا تنفكُّ سوى حينَ تُفـرجُ شفاهها وتنطُقها ، كـانَت أفكـارها فاضحـةً لأدهـم الذي قرأها بوضوحٍ ويدركُ جيدًا كيفَ يستفزّها ذاك الاسم ، رفـع حاجبيْهِ بتوجّس ، عقلـه تكهّن بعنفِ حدِيثٍ رّبّما! لذا وجدَ نفسه ودون شعورٍ يلفظُ لسهـى وهو يبتسـم قبل أن تنفكّ الحلقـةُ وتخرجَ أفكـارها في صورةِ - صوت - : يعنِي مو واضـح لعيونك العمياء إنها مستحية منك؟ .. إذا أنا للحين تستحي منّي بتطقّها سوالف معك من أول يوم؟
سهى تلوِي فمها دون اقتنـاعٍ وهي تنظُر نحوه : تقارن نفسك فيني؟ أنت رجّال وزوجها طبيعي تستحِي منك في البداية بس أنا مرَة مثلها.
أدهم : ما شاء الله نصّبتِ نفسك الخبِيرة بوضـعها الحين؟
سهى تتجاهلـه وهي تنظُر لإلين بابتسامةٍ رقيقة : عسى بس ما تزعجك جلستي ، اشتقت لزوجك يعني لو ثقلت عليك فالمُلام هو مو أنا.
ابتسمَت على مضض، وبنعومةٍ خافتـة : أبد البيت بيتك خذي راحتك.
سهى : يا حلوك ليتك تعلمينـه الذوق بس.
أدهم وحاجبه الأيسـر يرتفـع : مقبولة منك يا عمّتي الغاليـة.
سهى تقفْ : معليشْ اسمحولي أنـام الحين ، صايِر لي 18 ساعة ما نمت . . تصبحون على خير.
نطقّتها بهدوءٍ ومن ثمّ ابتعَدت لغرفتـها السابقـةِ نفسها والتي رتّبتها مع إلين بعدَ مجيئها بساعة . . تلاشَى ظلّها عن أعينهِما، حينَها وجّه أدهم أحداقـه لإلين التي مدّت يدها ببرودٍ لهاتِفها الذي كـان بجانِبها ، حملتـه بتجاهـلٍ صامتٍ لوجودِه وكأنها لا تـراه ، لا تُدركُ نظراته التي تتلظّى بحدّتها ، صوتُه الذي لازال مغيّبـًا في شفقِ حنجرتهِ التي كـانت تكوّن الكلمـات ، يريدها أن تخرجَ إليها بصورةٍ هادئـةٍ بعيدًا عن حدّةِ النظـرات : وش كنتِ بتقولين لها؟
لم تنظُر نحوهُ وهي تتلاعبُ بأطرافِ أصابعها على شاشةِ هاتفها ، وبهدوءٍ أقـرب للبرود : بقولها عن اسمي بس.
أدهم : من غير قلّة أدب؟
رفعَت رأسها إليه هذهِ المرّة ، رمقتـه بأحداقٍ تصلـى سعيرًا! يتماوجُ فيها موجٌ من النـارِ تناءى عن عنصر المـاء : عارفة الأدب من قبل أعرفك.
أدهـم يبتسـم باستفزاز : أشوف رجعت حليمة لعادتها القديمة وإلا؟! ما كملنا يوم حتى!
ارتبكَت قليلًا وهي تُشيـح وجهها عنه بقهر ، تشعُر بالغضب ، تشعُر بأنّ في صدرِها كلمـاتٍ كثيرةٍ وانفجـارٍ استعدّ الحدوث فجأة! .. لا تدرِي ما بالها ، لكنّ الانفجـار الذي كـان لابد أن يظهر البارحـةَ في اعتـراض ، أو الصبـاحِ في حسرات ، جـاءَ الآن، لأنها في النهايـةِ أرادت الاستسلام! ، لم تستسلمْ رغمًا عنها ، بل أرادت بنفسِها ذلك. . . لفظَت بحدّةٍ مقهورةٍ وهي تتطلّع بملامِحه بشرر : قلّة الأدب تنقـال على حركاتَك بالمطبـخ ، شلون تتجرأ تسويها قدامها؟
أدهـم يُميلُ فمه للأسفـل قليلًا ، يُخفـي ابتسامتـه المتسلّية وهو يلفظُ بخبث : أها الموضوع كذا .. خلاص إن شاء الله ما عاد تنعاد ، بتكون دايم من وراها.
اهتزّت أحداقها رغمًا عنها وهي تتراجـع بظهرها بارتبـاكٍ حتى التصقَت بظهرِ الأريكـة ، وبنبرةٍ مضطربة : ما قصدت كذا .. الحركة بكبرها ما كنت راضيـة عنها.
أدهم باستفزاز : متأكدة؟ مو اللي معصبك إنه قدامها بس؟!
أعـادَت خصلاتٍ من شعـرها لخلفِ أذنها وهي تزفـر بغيظ ، وبنبرةٍ حادةٍ بينما حواجبها تُعجِّن الجلدَ من بينهما في عُقـدةِ انفعـال ، تزحفُ الحُمرة إلى وجنتيها، تربكها ايحاءاته رغمًا عن غضبها : ترانِي فاهمتك .. تبي تستغلّ إنها بتظل عندنا فترة وتظـل تتمادى.
أدهـم يقفُ بهدوءٍ أُمطِر عليه من سُحِب غضبها ، اقتربَ منها لتتشنّج كفوفها وتزحفَ إحداهما الحاملـة هاتِفها على الأريكـةِ بجانِبها ، مـالت شفاهُه في ابتسامـةٍ متباسطـةٍ وهو يلفظُ برويّةٍ ويقفَ أمامها مباشـرة : أي تمادي تقصدين؟
إلين بربكـةٍ ترفـع رأسها لتنظُر لعينيه المُشـرفةِ عليها من علوّ ، وبصوتٍ محذّر : ارجـع شوي لورى .. لا تقرب !
أدهـم يضحكُ ررغمًا عنه وهو ينحنِي إليها، أمسكَ بمعصميها ومن ثمّ أوقفـها وهو يستشعـر جسدها الذي يتشنج معترضـًا ، يشتعـل فجأةً بخجلٍ عـادَ إليها وغلّفها بارتبـاكِه . . همسَت برجفـةِ نبرتِها الموؤدةِ في إحراجِها الذي بـزغَ ليُضعفها أمامه فجأة : ترانا بالصـالة ، لا تتمادى عمتك قريبة!
أدهم بابتسامةٍ تظهرُ بها صفوفُ أسنانه : ترى قوّمتك عشان تستحِين على نفسك ونكمّل كلامنا فوق ، ما أضمنك تفضحينا عندها.
إلين باعتراضٍ تعقدُ حاجبيها وهي تحـاولُ سحبَ يديها من كفوفِه التي تلسعُ رقّةَ جلدِها بدفئها : ما شاء الله تبيني أختلي فيك وتتجرأ أكثر!
لم يستطِع أن يمنـع نفسه من ضحكـةٍ انفجرَت ليرتدّ رأسه للخلف ، احمرّت ملامِحها بشدّةٍ بعدَ أن استوعبَت غبـاءَ ما نطقَت ، بينما جذبها أدهم إليه وهو يحـاولُ أن يوقفَ سيلَ ضحكاتِه أو يخفضـها كيْ لا تنسـابَ خلسَةً إلى مسـامِع سُهـى وتُفسَد لحظةٌ كهذِه ، يشيبُ فيها العبُوس! .. أن يقتربَ منها يعنِي أنّه بتـرَ ذراعًا من الصوابْ ، الصوابُ الخطأ! .. نفسهُ القديمـة ، قلّة صبـره ، يجدَ أنها تتحوّل معها إلى استمتـاعٍ ينتظـر فيها ردّة فعلـها التاليـة.
حـاولت إلين أن تنسلّ من بينَ يديهِ وهي تشدُّ على أسنانِها بحرج ، إلا أنه رفـع يديها إلى صدرِه ليكبّلها وهو ينظُر لعمـق عينيها بعدَ أن نظـرت لوجهه ، وسرعـان ما شتّت أحداقها بربكـةٍ لذيذة ، تسكُره سكرةً لا تُجيدُ الصحوة ، كيفَ يصحو من خُمرةِ الحـلال الذي سابقـه إلى الدنيـا؟
همسَ بخفوتٍ وهو يبتسـمُ لها ويضغطُ على كفيها فوقَ صدرِه : بعتبـر إنّك صاحيـة .. ما كنا بخلوة أصلًا من قبل لا تجي عمتي .. كان معنا الجدران والأرض والسقف والمطبـخ والتلفزيون وكل شيء جمـاد من حولنا.
عضّت شفتها بحرجٍ من سخريتـه ، بينما ضحكَ أدهم بخفوتٍ وهو يرفـع كفّها ليقبّلها برقّةٍ مُردفًا : ما كنّا بروحنا ... كان معنا سحرك.
صدّت عنه وصدرها يرتفـع بأنفاسٍ ضيّقـة، عقدَت حاجبيها بضيق ، بينما أخفضَ أدهم كفها قليلًا وهو يلفظُ بتوضيحٍ مُبتسـم : عارفـة ليه أقولك نطلع غرفتنا أبرك! .. مو عن خلوة على قولتك بس لأنها لو طبّت علينا بتسمـع مصايبك . .
إلين تزفـر بغيظ : ما أثـق فيك.
أدهم يرفـع حاجبيهِ بإغاظـة : طبيعي ، أساسًا بكل الأحـوال أنتِ آخرتها طالعة طالعة وبستفرد فيك .. على بالك بخسر التحدِي بهالبساطة؟
استطـاعتْ سحبَ كفيها من يديه، ابتعدَت عنه قليلًا وهي تنظُر لهُ بحقد ، وبقهر : حظّك يقهر ، وجود عمتك من اليوم بتستغلّه وإلا كنت مقررة أنـام بغرفـة بروحي.
أدهم بسخريةٍ يكتّف ذراعيه : لعب عيـال هو؟ دايم تثبتين لي إنّك طفلـة.
إلين : لأنك لئيم ..
أدهم يُميلُ رأسه قليلًا وهو ينظُر لها بسخرية : لئيم؟ محسستني إنّي جبرتك مو إنتِ اللي من بوسَة . . .
قاطعتـه وهي ترفـع كفيْها لأذنيها وملامحها تتخضّب بالحمرة : اسكت . . لا تجيب كلام من راسك.
أدهـم يقتربُ منها وهو يبتسـم بمكرٍ تلتمـع بهِ عيونه، تراجعَت للخلفِ وهي تبتلعُ ريقها وتُخفـض كفيها عن أذنيها بربكـة ، لسـانها شعَرت أنّه تشنّج فلم تستطِع قولَ شيءٍ في حينِ لفظَ أدهم بخبث : ما كنت أبي أحرجك قلت خلاص تعدّل الوضـع بيننا بس أنتِ اللي تثبتين لي إنّ مراعاتي لك مالها معنـى . .
اقتربَ أكثر لتتّسع عيناها بتوجّسٍ مما سيقول ، وقفَ أمامها مباشـرة ، كـانت تريد أن تتراجـع أكثر لكنّه أمسك بعضدها يمنعها وهو يبتسـم بمكر ، يُخفـض وجههُ إليها لتخفِضَ رأسها تلقائيًا بارتباك ، وبخفوتٍ متسائلٍ بنبرةٍ يتجمّد فيها كلّ شيء عدا المكـر : كلام من راسي؟ أقدر أسألك ليه استسلمتِ لي؟
كـادَت تشهق شهقـةً كافيـةً لملء إذنـه بإجابـةٍ أخـرى ، شعَرت أن الاحمـرارَ أصابَ عينيها ، أنّ جسدها يفرغُ من الداخـل ليُصيبها الوهن، صعقها بسؤاله الفجّ ليتشنّج جسدها تلقائيًا وهي تحاولُ أن تتراجـع لكنّه كـان يمنعها وهو يكرّر بخفوتٍ يشتدُّ بوطأتِه عليها : ليه؟
جفّت حنجرتها ولم تستطِع أن تبتلع ريقها وهي تنظُر للأسفـل موسّعةً أعيُنها وأحداقُها ترتعش ، لمَ؟ لمَ استسلمت له؟ لمَ سكنَته دون اعتراض؟ دون أدنـى مقاومـةٍ بقناعاتِها الكاذبـة! أثبتت كذبـها حين استشعـرت أوّل قبلـة ، ومن ثمّ أحاطتـه بالموافقـة ، لم تكُن كاذبة! .. لا ، لم تكُن .. لكنّها فجأةً سقطَت ، فجأةً توارَت خلفَ الانحـلالِ في معادلـةٍ كيميائيةٍ تجهـل تراكِيبها ، فجأةً انتفضَت القنـاعةُ على الثبـات ، واختـارت السقوط لتقبـل . . ماذا يعنِي قبولي؟ .. ماذا يعنِي غيـر أنّني .. أنّني لم أعُد أكرهه؟! وتقبّلتـه !!!
أخيرًا استطـاعت ، ابتلعَت ريقها ، وسقَت حنجرتها الجافـةَ بمرارَتِها ، ارتعـش جسدها بوهنٍ وهي تحاولُ أن تبتبعدَ إلا أنه كـان مسيطرًا وهو يقرّبها منه ويُردفَ بلؤم : مانِي لئيم .. بس الحين بكون عشان عيونك الحلوة يا حلوتِي .. طحتِ من أول بوسـة ، لو أدري كنت بستك من أول ليلـة ، بس ماش كنت غبـي ما عرفت شلون أجيب راسك من البدايـة.
اشتعلت عيناها بشعلـةٍ أخـرى غيـر الخجـل ، رفعَت عينيها إليه وملامحـها تُغـادرها صلابـة الربكـةِ لتواتِيها صـلابـةٌ أخـرى ، صلابـةُ انفعـالٍ أبعَدت ما كـانت تعانِيه من تشنّجـاتٍ قبل لحظـة . . بينما راقبَ أدهم ملامِحها المنفعلـة ببرود ، يريد أن يصِل إلى نقطـةٍ واحـدة ، ويُدرك أنّ كلامـه الآن استفزّها وأغضبها بإيحاءاته . . لم يخِب ظنّه، إذ لم تمرّ ثانيـةٌ حتى إلا وصوتها يخـرج من حُنجرتها صلبًا حادًا باحتقـار : تراك قاعد تغلط وتتجاوز حدودك !
أدهم باستخفافٍ يبتسـم، أمـال رأسه ببرودٍ وهو يلفُظ : أجـل؟ وش بيكون السبب!
شدّت على شفتها السُفلـى بأسنانِها وهي تهزُّ رأسها بالنفي ، لا تدري ، هي لازالت تكرهه ، نعم ، لم تتقبّلـه ، نعم ، لازالت تكرهه .. إذن لمَ استسلمَت له؟!!! . . لا تدري!!!
ابتلعَت ريقها بقهرٍ من حيرتها ، إلا أنها لفظَت أخيرًا بعذرٍ كـاذب : السبب مو اللي في بالك ، بس خفت من ربي .
أدهم يرفـع حاجبيهِ بعجَب ، لم يصدّق عذرها ، يُمنّي نفسه أن هنـاك ما اختلفَ في مشاعِرها ، كـان شبـه واثقٍ من ذلك، لذا لفظ بسخريةٍ وهو يترك عضدها : روحي بس روحي .. أعذارك غبيّة .. الحين يوم إنّك على قولتك خايفة من ربّك بتقولين اليوم الثاني ماراح يتكرّر؟
ارتبكَت وهي تتراجـع للخلفِ ، كذباتها كـانت مكشوفة ، لكنْ ما الذي لديها لتقوله إن كـانت هي نفسها لا تدري ما السبب؟ .. هل بالفعـلِ لا تدري!!
لم تنبـس بشيءٍ بعدَ كلامِه ، رمقتـه بشكلٍ سريـع، ومن ثمّ تحركَت مبتعدَةً عنه بخطواتٍ واسعـة بينما كـان يتابعها بابتسامةٍ ساخـرة حتى صعَدت وانتهى مجـال رؤيتـه لها ، حينها تلاشَت ابتسامته ليزفـر بغضبٍ أبكَم لم يُحدّثها بما فيه! ، تحرّك ليجلـس أخيرًا وهو يلوِي فمه بغيظ ، يتمتـم بكلماتٍ مـا ، لم يكُن بنفسِه يدركُ ماهيّتها.
سينفجـرُ منها لا محـالة ، سيلفـح هذا المكـان بغضبِه منها ويسدلَ ستائرَ الهدوء ، كـان يمنّي نفسـه أنها لا تكـرهه ، جـاءَ قبولها فما الذي حدَث الآن ؟ هل تكذِب؟ أن أنها في لحظـةٍ ضعفَت وحسب!!!


يُتبــع . .

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 27-08-16, 11:19 PM   المشاركة رقم: 903
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 






،


" غرفـة ثانية؟ "
لفظَتها بنبرةٍ مستنكـرةٍ وهي تنظُر لسـالي التي أومأت بهدوءٍ وهي تجيب : بابا سلطان يقول كذا.
سلطان !! . . عقدتْ حاجبيها مستنكـرة ، سلطـان أمرها أن تنتقـل لغرفـةٍ أخرى! .. مرّرت لسـانها بربكـةٍ على شفتيها ، تحرّكت أحداقها بشكلٍ تلقائيٍّ في زوايا الغرفـة وعُقـدةُ حاجبيها ترتخِي لترقَّ ملامحـها أخيرًا ، في النهـايةِ كـانت تضاعفه هذهِ الغـرفةُ قهرًا ، كـانت تضاعفُ غضبـه بدلَ أن تُطفِئه أو تخفّف من شُعلتـها . . ابتسمَت بانكسـارٍ وهي تعتدلِ بجلوسِها ، تتكِئُ على الوسائدِ ونظـراتها تعـانقُ كفيها المُتلاعبيْنِ بأصابِع بعضهما في تشابكٍ لم يرضـى التجـانسَ والاستـواء ، التشـابكُ ذاتـه ، والذي يؤلـم إن طـال ،أن تبقَـى اليدينِ معلّقتـانِ في انقبـاضٍ يُميتُ نشاطها ، هذانِ همـا ، لم يطُل مكوثُ التلاحـمِ المبدئيّ حتى انتفـض انتفـاضـةَ حرب ، انتفاضـةَ ثورةٍ من عينيه.
شابكت أصابعها بشكلٍ أقوى وهي ترفـع حاجبيها قليلًا بحسـرة ، وبخفوتٍ تُجيبها ، بعدَ رحلـةٍ طالَت على قافلـةٍ الصمت : جهّزي أي غرفـة تجي ببالك ، ما تهمني أيش.
أومأت سـالِي بصمتٍ ومن ثمّ ابتعدَت عنها باتّجـاه البـابِ وغزل تتابعها من زاويتي عينيها حتى خرجَت وقبـل خروجها كانت قطّتها تدخـل لتندفـع إليها بسرعةٍ وتقفزَ على السريرِ بجانِبها . . ابتسمَت وحسب ، وأشاحَت وجهها وصوتُ خطواتِ سالِي تبتعِد ، رفعَت رأسها قليلًا للأعلـى ، لمَ تشعُر بهذا الوجـع الآن ومن المفتـرضِ أن ترتـاحَ بعدَ أن قرّر الخـلاصَ لها من هذا السجـن؟ قرّر الخـروج، وبدل أن ترتـاحَ ها هيَ تجدُ نفسها خلفَ قضبـانٍ أخـرى ، قضبـانٍ تلتهبُ وتحرقُ أصابعها كلّما لامستها ، قضبـان سلطـان! التي تتصـاعدُ بحرارتها دون أن تذُوب بل تذيّب أصابعها هي!
أغمضَت عينيها وهي تُعيدُ جسدها للخلفِ لتتمدّد أخيـرًا وآلامها خفّت وطأتها، شعَرت بقطّتها تستريحُ فوقَ بطنِها، لم تكُن في مزاجٍ يسمـح لها أن تحملَها حتى وتبدأ بالحدِيثِ المعتـادِ معها ، هـل كـان كلّ شيءٍ خطـأ؟ هل كـان يجبُ أن تسيرَ على نُصـح أمها وتحاول الخـروج بشتّى الوسائلِ من حياتِه دون أن ترهقـه بقهره!! . . كـان صعبًا ! صعبًا والله أن تبتعـد وكلّ شيءٍ قـد نجح ، كلّ شيء! النصفُ الآخِر من أهدافِ هذا الزواج، كـان صعبًا ، أن تخـرج شبـه رابحـةٍ وهو العكـس من ذلك تمامًا . .
تمتمَت بخفوتٍ مختنـقٍ وكفّها ارتفعَت لتبدأ بالمسـح على ظهرِ قوزالْ وهي تشدُّ على أجفانِها بشدّة : أستـاهل ، وبتحمّل كلّ اللي بيجيني منه .. وباللحظـة اللي يطلّقنِي فيها ، بيكون انتهـى كل شيء وأخذ حقّه بالطـريقة اللي ترضيـه . . آخ يا رب !!
فتحَت عينيها المتألّمتينِ وهي تبتسـم مُردفـةً بأسـى : يا رب جيب هاليوم ، عشـان يكون وقتها مرتـاح ، بس مرتـاح! وأنا ما تهـم ضيقتي .. تعوّدت!


،


في وقتٍ سـابق .. اختـارَ أخيرًا أن يستدِير ، اختـارَ أخيرًا أن تصتـدمَ عيناهُ بعينيها ويشتـاقَ أكثر ، لن يُسعِف الشوقَ برؤيتها ، بل كـان ليشتـاق ، أكثر!! ، من قـال أن النظـر لغائبٍ يُسعِف الشوقَ ولوعته؟ إن كـان هذا الغائبُ سيغيبُ أكثـر بعدَ النظـر إليه فهذا يعنِي أن يشتـاقَ أكثـر وتتضاعف اللوعـة أضعافًا !! .. من يُخطئ في تقديرِ الغيـاب؟ ويمنّي الشوقَ الشبـع بضدّه من لمحـة! . . نظـر لوجهها بصمت ، بينما ارتبكَت جيهان بعدَ أن استدار ، كـادَت تتراجـع للخلفِ وتدخـل هاربـة ، لكنّها وقفَت بصلابـةٍ أمـامه ، واختـارتْ أن ترفـع ذقنها بعلياءٍ واستكبـار ، تنظُر لهُ بشموخِ امرأةٍ لم تنكسـر وهي الضدّ من ذلك تمامًا ، تنظُر لهُ بغرورٍ وهي المهتزّة من الداخـل ، وبنبرةٍ شامخـةٍ وهي ترفعُ أحدَ حاجبيها بطريقةٍ جعلته يعقدُ حواجِبه استغرابًا ، لم تستمدَّ من ملامحِه شيئًا سوى الغضب ، لم تحاول أن تتأمّله وتضعفَ بمشاعرها بل ظلّت تنظُر لهُ ببرود، لافظـةً بسخرية : كم صـار لك بالضبـط؟ يوم أو يومين ، شهر؟ وإلا من يومْ المستشفـى . . ما أظـن .. طيب من آخر مرّة التقينا؟
بقيَ ينظُر لها بصمت ، عُقدَةُ حاجبيه انفكّت لترتخي أخيرًا وهي يُميلُ فمـه ، تلك إجـابته " عمرين من الكذَب " ، دهـرٌ كـاملٌ من الخداع، عمرٌ لم يحـاول فيه وعمرٌ قـال سينجحُ دون أن يُثـابر ، تلك هي إجابته التي لم يلفظـها ، لأنه مـا كان ليقولها ، ما كـان ليعترف إلا لنفسـه ، ولربّما لعينيها إن استطـاعتْ القراءة ولم تصبِح أميّةً الآن . .
همسَ بصوتٍ لا تعبيرَ فيه بالرغمِ من كونِ صوتِه يهتزُّ بسهامِ عيناها ، بالرغمِ من كونِ ملامحه الآن تنسخها وترسّبها على جلدِه ليراها في كلّ حينٍ ينظُر فيه للمـرآة ، يراها في عينيهِ ولا ينسـاها : وش تتوقّعين؟
جيهان بثقـة : ولا ثـانية ! . . ما نسيتني ولا راح تنسـاني.
كـانت ثقتها صادقـةً لعينيه ، لكنّها في قـرارةِ نفسها تكذِب ، ثقتها بأنه لم ينسـاها بدأت تتداعـى منذُ اللحظـةِ التي رأته فيها مُمسكـًا بجنان، يُحيطها بذراعِه ويبتسم ، ثقتـها اهتزّت ، إلا أنها ظهـرت أمامه الآن بصدقٍ أبكـم ! . . انقبـضت عضلـةٌ في فكّه ، ظلّ ينظُر لعينيها وضلَّ! .. عيناها الضـلالُ وقلبها هُدى ، ضـاع الهُدى وبقيَ الضـلالُ يعيشهُ فيها ، بل عيناكِ ضـلال ، وقلبـي الذي يهديني إليه! . . . كـانت صادقـة ، لذا لم يقُل شيئًا بل ظلّ صامتًا ببرودٍ علّ صمتـه يزعزعُ ثقتها ... في حينِ أمالت جيهان فمها بابتسامةٍ ساخـرةٍ وهي تردف : لأنّي دعيت الله ما تنسـانِي وتحترق بذكراي .. ودعوة المظلـوم ما تنرد!
تحرّكت حواجِبه حركةً خاطفـة ، ابتسمْ ، لكنْ سرعـان ما تحوّلت ابتسامتـه لضحكةٍ عميقةٍ جالَت في قلبها ولم تغادره ، جعلتها ترتبك ، وتفرجُ شفاهها ببهوتٍ نـاظرةً لوجههِ بلوعةٍ ظهـرت في جزءٍ من الثانيـةِ قضاها مغمضًا عينيه قبل أن يفتحهما وتتلاشـى لوعتها سريعًا وتعودَ لثقتها !! .. لفظَ فوّاز دون تصديقٍ وهو يهزُّ رأسـه بالنفي ويضحك ساخرًا : مظلومة !! .. اهدا من كذا يا جيهان !! تحبين دور المُضطهدة كثير!
التوىَ فمـها ببعضِ الغظ ، لكنّها لم تتنـازل عن قناعتها ، عن صلابـةِ صوتها وهي تهتفُ بثقة : كلنا ظـالم وكلنا مظلوم ، عشان كذا دعواتي ما تنساني راح تُستجـاب ، ودعواتك ما أنسـاك استجابت!
غـادرته علامـاتُ الضحكـة، اشتعلَت نظـراتهُ بمشـاعرَ خاطفـة ، تصلّبت ملامحـه ، وقلبهُ انقبـض باعترافها الصـريحِ دون مواربـة! . . همسَ بخفوتٍ متسائل : تعترفين إنّك ما تقدرين تنسيني؟
جيهان تقوّس فمها للأسفل دونَ مبالاةٍ وهي تهزُّ كتفيها : أتوقع كنت صريحة معك بما فيه الكفـاية .. قلت لك قبـل بتجاوزك حتى لو ما بديت من جديد ، الحين أعترفْ إنّي مُمكن ما أقدر أنسـاك ... بس قرّرت أبدأ من جديد!
فوازْ وعضلـةٌ انقبَضت في فكّة بقسوة : يعني؟
جيهان ببرود : ما صـار عندي مانـع من الزواج الثـاني.
بردَت نظراته أكثـر ، بقيَ ينظُر لها بقسوةِ عينيهِ وهو يهتفُ لقلبه أنّها تكذِب من جديدٍ كذاك اليوم ، تحـاولُ فقط استفزازه، ليسَ بمجرّد فكرةٍ مهتزّةٍ بل بصوتٍ واثـق ، تحاول أن تستفزّه . . ولن ينصـاع لاستفزازها : أنتظـر هاليوم ، بجي وأبـارك لك بنفسي بعد!
رفعضت حاجبها الأيسـر باستخفاف : والله؟ ترى لا تظنّ بلحظـة إنّي أقولها لك عشـان أستفزّك .. مين أنت؟ مجرّد شخـص عجزت أنسـاه ، بس عادي حب على حب يجوز مو؟ مالها علاقة هالفكرتين ببعض ، كونِي مو قادرة أنسـاك ما تضر ومن باب مزاحمـة المعاصي بالطـاعات بزاحمَك بشخص ثانِي يخليك بالنسبة لي ولا شيء حتى لو ما قدرت أنسى ، يخلّي كفتك تطيح!!.
ضيّق عينيهِ بغيظ ، قبـض كفيه بجانِب فخذيْهِ بغضب ، وباحتقارٍ وقد بدأت لكنتها وأسلوبها في الحديثِ باستفزازه بل أغضبته دفعـةً واحدة! : حقيــ . .
بتـر كلمتـه بعدَ أن انتبه لها ليزفـر بغضب وهو يغمـض عينيهِ ويصدّ عنها، بينمـا اتّسعت عينـا جيهان وهي ترتخِي بوقوفها ، نظـرت لهُ بحرارةٍ لا تصدّق ما كـان سيقوله ، وبغضبٍ أعمـى لفظَت من بينِ أسنـانها : ما الحقير إلا أنت وهي ،
فواز بغضبٍ يفتحُ عينيهِ نـاظرًا لها باشتعـال ، وبحدة : هاللسـان المعفن ما يتعدّل؟
جيهان بحدّةٍ ممـاثلة : كنت بتقولها بعَد ، أجـل لسانك نص معفـن .. لاحظ إنّنا نتشـارك كل شيء مع بعض ، الحُب والعفن والحقـارة . .
نظـر لها بازدراء ، لكنّه سرعـان ما شتّت عينيهِ هنـا وهنـاك ، يستوعِب في وقتٍ متأخرٍ وجدًا أنّهما يتحـاوران وبينهما مسـافةٌ تجعـل حوارهما صريحًا بنبرتِه لا خافتًا وقد يمسعهما أحد! أدركَ ذلك متأخرًا ، كلّ ذلك من تأثيرها! . . تمتمَ بصوتٍ غاضِب من بينِ أسنـانه : والنعم والله !!
ليردفَ بغضبٍ وعيونه تعودُ للتوجّه إليها : ادخلـي ، مبسوطة على شكلك وأنتِ واقفـة هنا وتكلميني؟!
جيهان رغمَ أنها شعرَت بالحـرج إلا أنها لفظَت : أنت اللي ليش جيت لهنا؟ لا تقول تبي أبوي تقدر تتّصل مو تقرب من هالمكـان!
ارتفعَت زاويـةُ فمِه بسخرية : لهالدرجـة يأثر عليك قربي منّك عشان تعارضين فكرة تواجدِي حول بابكم؟ . . . تشتاقين لي كثير يا جيهان؟


،


كـانت عينـاه قدْ اتّسعَت، نظـر لهُ دون تصديق ، لم يلحَظ في تلك اللحظـةِ حركـةَ يدِه، امسـاكهِ بآخـر بجانِبـه وتحديدًا بكفّه ، بينما كـان ذاكَ قدْ اخفـى ببراعـةٍ السكِين التي كـان يحملـها ، رمـاها من اليدِ التي يمسكـها بدر للأخـرى ليدسّها أخيرًا في جيبِ معطفِه، ومن ثمّ رفـع حاجبـه بثقـةٍ وهو يُشيرُ بعينِه أن " مـاذا؟ " حينها شدّ بدر على أسنـانه بغضبٍ وهو يشدُّ على معصمِه أكثـر ، أخفـضَ الشـابُ نظراته تدريجيًا إلى يدِ بدر ، لم ينطُق بشيء ، وقبـل أن يقومَ بردّةِ فعـلٍ مـا كـان صوتُ يوسف يأتِي حادًا غاضبًا وهو يسحبُ أرجوانْ لجانِبه : بــــــدر !!
رفـع بدر رأسه مبـاشرةً ليوجّه نظراته نحوَ يوسِف ويدهُ ارتخَت قليلًا عن معصـم ذاك ، لم يستوعِب شيئًا إلا وهو بطريقةٍ مـا ينجحُ في التخلّص من قبضتِه ، دفـعه من كتِفه سريعًا ومن ثمّ ركـض مبتعدًا وحينَ كـاد بدر يلحقـه كانت كفّ يوسِف تُمسكُ بهِ من كتفِه وهو يلفظُ بحرارةٍ وغضب : وش مقصدك من اللي صـار تو؟!
بدر ينظُر إليه وهو يعقدُ حاجبيهِ ويتنفّس بانفعـال ، لم يفهـم ما قصَد جيدًا ، لم يكُن مرّكزًا مع نقطـةِ دفعـه لأرجوان وأن يوسف قد يفهمها خطأ ، لم يملكْ فرصـةً للحديث إلا وكفّ يوسِف تدفعـه بازدراء حتى تراجـع للخلفِ بصدمة ، وقبـل أن يستوعبَ تفسيراتِه كـان يوسِف يلفظها بحدّةٍ وغضب : كنت من البدايـة غلطـان لمّا صدّقتك .. حتى بقصّتك الأخيـرة صدّقتك ، طلعت مو ودك تحمينا ، طلعت أنت بنفسك المصيبة من حولنا !! .. وش اللي كنت تبيه بالضبط؟
بدر يعقدُ حاجبيه دون استيعاب : نعــم ؟!!!
يوسفْ يقتربُ منه وهو يشتعـل ، يفسّر ما حدَث بطريقةٍ وأخـرى ، لم يرى التـلاحمَ الذي حدَث بين بدر وبين ذاك الذي هرولَ قبل قليلٍ سوى خطّة ، كـان هدفـه من؟ كـان ربّما هو الخطـر منذُ البدايـة ، حتى يقتـربَ منه وقد يؤذي بناتِه !! .. لا تفسير إلا هذا ، قصّته كـانت كاذبـة ، كانت كاذبـةً منذُ البدايـة ، لوّ أنّه كـان مستهدفًا كما يقول هل كـان حتى الآن ليستشعـر الحيـاةَ الروتينيّة نفسها وأن لا شيء مريبَ من حولِه؟ لم يُفسِد يومـه سوى تصديقه لرجـل عرفـه لأشهـر قليلـةٍ وكـان غامضًا يلتقيه في مقهى ليغرقـا في أحاديثَ عدّة ، فكيفَ وثق بٍه من ذلك وحسب وصدّقه؟!
لفظَ يوسِف بغضب ، يوسّع عينيهِ بهجومٍ ولم ينتظـر فكرة أن يبتدِئ بدر قبلـه : كنت تلعبْ علي من البدايـة وأنا مصدّقك؟ كنت مثل أي شخص قذر وبس !!
بدر لم يكُن يستوعِب الهجومَ الكلاميّ الذي جـاءه ، أجفـل بصدمةٍ وكأنه أدرك القليـل مما يقصـده ، وبصدمة : لحظـة .. أنت وش تقصد بالضبط؟!!
يوسف بحدّة : قصدِي واضـح .. انقلع من وجهي ، انقلع !! ووالله لو شفتك مرة ثانية تحوم من حولِي ما راح يردني شيء عن التبليغ !!
بدر دون تصديق : منت صاحِي !! .. ما قصدت شر الرجـال اللي مـر كـان بـ . . .
يوسفْ يقاطعـهُ بنبرةٍ حادةٍ تقطـع كلّ صـلةٍ باقيـةٍ بالحديث : يكفّي . . ما أبي أسمـع أكاذيب جديدة ، روح يا ابن النـاس جيت لهنا مع بناتي عشان أرتـاح مو عشان وجـع راس ثاني !!

بينما وفي مكـانٍ قريبٍ وقفَ تميمْ وهو ينهِي حديثهُ في الهاتِف مع ذاك الذي كـان مصتدمًا مع بدر قبـل لحظـات، أخـفض الهاتِف وهو يمرّر لسـانه على شفتيه، كـانت الخطّة أن يرى يوسِف الخطـر بعينيهِ ومن ثمّ تنفصـل الخيوط الباقيـة به مع بدر ، لكنّه الآن لم يرى انفعـالًا من يوسِف تجـاه الرجُل الذي اقتربَ من أرجوان وكأنه لم يدرك ! أم ماذا !!! مالَ فمـه بابتسـامةٍ وهو يقيّم ما يحدُث ، ملامِح يوسِف وبدر الذي كـان ينظُر لهُ بانفعـالٍ مـا ، ربّما نجحَ ما يريد! ربّمـا . . لا يهمُّ ما الحديثُ الحـاد الذي يدُور بينهما إلا أنه كـافٍ لديهِ أن تكون النتيجـة كمـا يريد.


،


ساعـدتها في الشـربِ وهي تبتسـمُ بانكسـار ، انخفَضت بوجهها إليها لتقبّل جبينها وهي تسمعها تتمتمُ بكلمـاتٍ لم تستطِع أن تربطَ بينها في جملةٍ مفيدة وكـان الأبـرزَ منها " سعد " والذي سكَب من نطقِه المزيدَ من أحزانِ صدرِها التي تجـاوزَت الحدودَ المُحتملـة ، تتحطّم لشظـايا ، تنكسِر أكثر وهي تمسـح على خدّ أمها المسـدلة عيونها في منـامٍ متعرقِل . . استقامَت ، ومن ثمّ تنهّدت لتسِير مبتعدَة أخيرًا وهي تُتمتمُ بدعواتٍ يائسـة ، تسقُط دموعها من جديدٍ في فقدٍ حيّ ، أن يمُوت شخصٌ عزيز ، وهو لا يزالُ على الأرضِ قريبًا منـك وبعيدًا في نفسِ اللحظـة.
مسحَت على وجنتها ليبقـى التمـاعُ الدمـع على خديها وفكّها ، أغلقَت البـابَ بهدوءٍ لتشدّها أصواتٌ جـاءَت من عند البـاب، ارتبكَت قليلًا وهي تسيرُ بانفعـالٍ إليـه ، وقفَت أمـام البـابِ لتعقدَ حاجبيها ، شعرها يرتفـع في " كعكةٍ " مُهملةٍ تتساقطُ خصلاتُها في فوضـى ، ملامحـها شاحبـةٌ من عبء الأحـزان ، صوتها يُشتقُّ من البحـة ، كـان صوتها راحلًا ، غائبًا ، وهي تهمـسُ بحشرجـة : عمّي.
رفـع عمّها وجهه إليها عن أخيها الذي كـان يحادثـه ، ابتعدَ هو الآخـر جانبًا بينما تحرّكت أقدامُ عمّها ليقتربَ منها وهو يلفُظ بصوتٍ مرهق : شلونكم؟
لُجين تهزُّ رأسها بالنفيِ وهي تهمـسُ باختنـاق : محنا بخيـر ، محنا بخير أبد !!
تنهّد بجـزع ، بينما اقتربَت منه لجين أكثر وهي تهمسُ بأمـلٍ ورجـاء : ما كلمـت أهل المقتول؟ ما حاولت تقنعهم بالعفو أو حتى دية؟
هزَّ رأسه بالإيجـاب : كلّمتهم .. بس رافضين.
تقوّس فمـها قليلًا بأسـى ، معكُوسَ ابتسامـةٍ تلك التي ترتسـمُ على شفاهنا في لحظـاتِ الحُزن ، معكوسٌ يتقوّسُ بها الفمُ للأسفـل وينطوِي في خيباتِه . . همسَت بوجَعٍ ورجـاءٍ وهي تقتربُ منه أكثر وتمدُّ يدها لتُمسـك بكفّه ، شدّت عليها بألـم ، وبخفوت : حـاول .. الله يخليك حاول !!
عقدَ حاجبيها بضيقٍ وهو يشيح وجهه قليلًا : بحـاول ، بجمـع كم شخص يجِي معي ويقنعونـهم ... الله كريم!
انخفضَ وجهها بنشيجٍ خافتٍ وهي تشدُّ على كفّه بحسـرة ، يا الله لن تتحمّل خسـارته التي لخّصت في أيـامٍ قليلـةٍ الكثيرَ من المعـاناة .. لن تحتمل!!
أردف عمّها بجزع : بس لوقت ما نقدر نرضيهم بالعفو أبيكم بكرة تتجهزون عشان تجون تسكنون عندي.


،


الثالثـةُ فجـرًا ، تقلّب فـوقَ السرير ، يعِيشُ اللحظـاتِ من جديدٍ ويعيشُ نظـراتِها ، ما الذي فعله بنفسِه اليوم؟ ما الجنون الذي جعلـه يسمـح بالنـار أن تحيـاه الآن وتُذيبَ جلدَه ! .. كـان يغـرق ، يغـرقُ أكثـر .. لتحملـه فجأةً طوفُ نجـاةٍ رميَت عليهِ من العدَم .. فتَح عينيهِ سريعًا ، لم يكُن قد وصـل للقـاعِ كما يجِب ، استلّهُ صوتُ رنينِ هاتِفِه ، كـان اتّصـالُا من أسيل جعله ينهضُ وهو يمسـح بكفّه على وجهه ، حمـل هاتفه من علـى الكومدينـة ، ومن ثمّ تحرّك وهو يُجيبـها لتظهر ملامِحها لهُ بينما غـابَ هو عنها في الظـلام ، لفظَت بضحكـةٍ وغنـج : يا كذاب بتتّصل أجـل؟ شوف السـاعة صارت كم!!
خرجَ للصـالةِ المُضاءةِ ليظهـر وجهه لها ، ابتسامته الرقيقةَ وهو يجلُس على الأريكـة ويلفظ : متى تنامين يا الشيخة أنتِ؟!!
أسيل : ما جانِي نوم قلت أزعجك وأصحيك .. أثـاريك صاحي ويمكن تفكّر فيني بس تتدلّع ، وراك ما اتصلت؟
فواز باغاظـة : مو ناقصـى الحين مرارة زيـادة.
أسيل بمكرٍ وهي " تتربّع " على سريرها : يووووه تفكّر بمرارة الحُب وسواياه؟ أي لنا الله جيهان شالت عقلك وما بقّت لنا شيء !
قسَت ملامحـه فجأة ، احتدّت نظـراتها وذكرها الآن لا حاجـة لهُ لأنه يتذكّرها دون مساعداتٍ منها !! .. ضحكَت وهي تتداركُ حديثها المـاكر بسرعة : أمـزح معك وجهك صـار يخوّف ..
فواز بحدة : لا عاد تكرّرين هالموضوع مرة ثانية ! .. ترى بجيك وأقطع شعرك.
أسيل تبتسـم بفرح : بترجـع يعني؟ الله وش هالبشـــ . . .
لكنّ كلمـاتها انقطَعت فجأةً وهي توسّع أحداقها ، بهتت نظـرتها ، لتردفَ بخفوتٍ وإجفـالٍ مُفـاجئ : فيه ... فيه أحد وراك !!


،



قبل ذلك بساعتين ، دخـل للغرفـة التي أظلـمت سماؤها، مرّر عينيهِ على جسدها الذي يسترخِي في نومِه على السرير وكأنّها استغلّت لحظـات ما قبل قدومه كي تنـام، ابتسمَ دون معنـى لابتسامتِه سوى السخريـة ، وبتمتمـة مقهورةٍ منها همس : بزرة !!!
اتّجه للخـزانة ليُخرج بجامته القاتمة ومن ثمّ اتّجـه للحمـام ، كـاد يطبق الباب بقوّةٍ كي يوقظها انتقامًا، لكنّه رحمها ليزفُر بغيظٍ ويغلقـه بهدوء.
استغـرق في استحمـامه أقلّ من ثلثِ ساعةٍ والمـاء المنسكبُ يزيدُ ترسّبـات أفكارهِ ولا يجرفها معـه، تنـاول المنشفـة ليجفّف نفسه، يخرج بعد لحظـاتٍ قليلة وهو يجفّف شعـره وصدره رغـم اعتياديّة عريّه في نومِه إلا أنه ارتدى قميص بجامتِه وستـره ، لفظَ بخفوتٍ ساخـر : الشكوى لله كل شيء للحين على كيفك .. نشوف لمتى !!
رمـى المنشفـة على زاويـة السرير ولم يبالِي بتجفيف شعره تمامًا، أبقاه رطبًا بعض الشيء واستلقـى بجانِبها، رفـع اللحاف وهو يتطلّع بملامحِها التي تُواجهه ، عقدَ حاجبيه قليلًا وهو يستندُ على ذراعِه ويلمـح من أسفل أجفانِها المُغلقة أحداقها التي تتحرّك ، بقيَ جامدًا للحظة ، إلا أنه سرعـان ما رفـع حاجبه الأيسر وهو يلفظ : يعني من دخلت وأنتِ تمثلين النوم؟ بدل ما ظليتي تفكرين فيني وأنا أتروش كان أبرك لك تنامـين.
عضّت لسانَها بحـرج، تحرّك جسدها لتستديرَ ولا تقابـل وجههُ وهي تتركُ عينيها المُمغضتـين كحالهما ، وببحّةٍ خافتـة : كنت نايمة بس صحاني صوت باب الحمام بعد ما طلعت.
أدهم بسخرية : باب الحمام وقت ما ينفتح ما يطلّع صوت ، وبعد خروجي ما قفلته ، سمعتيه بأحلامك؟
تصلّب جسدها وملامحـها تحمرّ، عضّت شفتها، بينما أردفَ هو ووجههُ يقتربُ منها ليلفحها بأنفاسه : بعَد لا تقولين صوت المفتـاح ، لأنّي ما قفلته ... قد قلت لك اليوم إنّك غبية؟
فتحَت عينيها باضطرابهما واهتزازِ أحداقها ، نظرت للأمـام وصدرها يتعرقـل بأنفاسِها من لهبِ أنفاسه التي تُمارسُ حرارتها على أذنها وجزءٍ من عنقها باقترابـه . . وبنبرةٍ ترتعـش : طيب قد قلت لك اليوم إنّك وقـح؟!
ابتسـم وهو ينحنِي نحوها أكثر ليقبّلها قُرب أذنها وكفّه ترتفـع لتستقرّ على عضدها، يستشعِر تشنّج جسدها بتوتّرٍ بينما كان هو يستندُ من خلفِها على مرفقـه ، وبانتصـار : كان انتصـارك تنامين وهذا كافِي ، بس دامك منتظرتني فأنا سبق وقلت لك ... مانِي مستعد أعطيك فرصـة تبتعدين أكثر !!


في الصبـاح ، وقفَ أمام المرآةِ وهو يندندنُ ويرشُّ ذراتٍ من عطرِه على قميصِه، ابتسـم وهو ينظُر لها عبر المرآة تتقلّب على السرير وكأنّه أزعجها بصوتِه، استدارَ بهدوء، ومن ثمّ اتكأ بوركيهِ على حافـة التسريحةِ وهو يلفُظ بعبثٍ ومزاجٍ " رايق " : قومي يا ام نوم خفيف ، حشى لو إنّك خيشة نوم!
لم تكُن نائمة، يدرك ذلك رغـم استقرارِها على السرير منذُ وقتٍ طويل، عقَدت حاجبيها بضيقٍ وقهـر ، ومن ثمّ جلسَت لتنظُر لهُ بجرأةٍ بعكـس الهشـاشة والربكة التي تعيشها حرجًا، لا تقوى النظـر لوجهه لكنّها فعلَت بصلابةٍ كـاذبة وهي ترفعُ ذقنها بعلياءٍ وتلفظ : مفتّحة عيوني وصاحية من قبل لا تصحـى حتّى ،
أدهم تكتّف بذراعيه دون أن يتحرّك من مكانـه، يعبُر بعينيهِ على ملامِحها المتشنّجـةِ باحمرارٍ شفّـافٍ وخافت، يبتسـم بتسليَةٍ وهو يلفظُ أخيرًا : تراني أنا اللي مصحّيك لصلاة الفجر.
إلين بعدوانيّة : ورجعت نمت قبلي ، والحين صحيت قبلك بعد.
أدهم بهدوء : طيب ليش هالعصبية من صباح الله خير؟
ارتبكَت ملامحهـا وهي تُخفـض نظراتها وتتنهّد بفوضويّة، ترفعُ كفّها لتمشّط بأصابعها شعرها المُشعث ، لم تنظُر نحوهُ وهي تُخفض ساقيها لتلامس بباطِن قدمها الأرضيّة البـاردة التي التحمَت نظراتها بِها ولم تُشحها عنها ، غرقَت في أفكـارها وسبحَت في توهانِها الذي يضاعفـه لها بنظراتِه المسترخِية عليها، يجارِيها بالصمت، تشعُر به لترتبـك أكثر! . . مرّرت لسانها على شفتيها وهي تشدُّ بقبضتيها على طرفِ السرير، تنفّست بعمـق وهي تنهـض باستسـلامٍ أخير لمصيرها معـه ، ماذا لديها سوى أن تضيع في معنـى استسلامها الأوّل والذي حطّم جـدارَ جمودها أمامه؟ ماذا لديها سوى أن تتقبّل أنّه زوجها ، أليست هي من اختـارته؟ فلمَ الآن تنـاقض نفسها؟ كـان لابدّ من أن يحدث كلّ هذا من البداية، ماذا كـانت تتوقع مثلًا؟
تحرّكت بخطواتٍ هادئـةٍ كي تذهب للحمـام، بينما ظلّ أدهـم ينظُر لها بعينينِ تلتمعـان، وبهدوءٍ يقاطعُ مسيرة هربها : بتظلّين تهربين مني بهالشكل؟
توقّفت ، ودون أن تستدير إليه لفظَت بصبر : ما أتهرب ، أبي الحمام تكرم.
أدهم ببرود : أدري ، بس ليه ما تبين تناظريني؟
أدارت وجهها إليه وهي تعقدُ حاحبيها بانزعـاج : لا تغثنِي من الصباح!
أدهم - بروقان - : أصبحنا وأصبح الملك لله بس! أصبحنا على فتنة عيونك.
اضطربت ملامحها لتشتّت أحداقها عنهُ بربكـةٍ وهي تهتفُ بنبرةٍ مكبوتـة : أصبحنا على فطرة كرهك وأنت الصادق.
ضحكَ بعبثٍ وهو يُخفـض ذراعيهِ عن صدرِه، رفـع أحد حاجبيه، ومن ثمّ تحرّكت خطواته إليها وهو يُسيّر أحداقهُ على تقاسيمِ وجهها التي تقابلـه بعدوانيّةِ جيوشٍ أثـارَتها غبـار الحرب على تعالِيـمِه، تسلُّ السيفَ من غمْدِ عينيها وتحدّهُ في مكنونيّة - نظرات -.
تلذّذ برؤيـة ربكتها الناعمـة وهي تُرجع قدمها اليُمنـى للخلفِ وسرعـان ما أعادتها بصلابـةٍ تحاول تقويمها، تحـاول أن تكون ثابتـةً ولا تتقوّس خاصرتها أمـامه، تحاول أن تلتـزم تعاليمَ الصلابة ولا ترتدُّ عنها ، وقفَ أمامها وهو يبتسـم ابتسامةً لم تفهم معنـاها لكنّها كانت تنظُر إليها بترقّبٍ وتأهّب ، كـاد يضحك على نظراتها الخائفة إلا أنّه وأد ضحكته في حُنجرته وهو يرفعُ كفّه ويداعبَ شعرها كطفلـةٍ تعبثُ به بشقائِها ولم يكُن ليضجـر من العبثِ بحجـم ما يضيقُ صدره إن كرهتـه بقلبها البريء.
همـس بثقـة ، وكثيرٌ من التفسيراتِ التحمَت بعقلـه ، يريد أن يثقَ بما وصل إليه، يريد أن تكون تفسيراته صحيحةً وأنها لم تعُد تكرهه لذا تقبّلته ! : الكره ماهو فطرة ، بس حُبك فطرة.


،


انحدرَت الساعاتُ الطويلـة في دحرجةٍ صامتـة ، جـاء يومُ السبت ، كـان يجلسُ بهدوءٍ وسكونٍ في الصـالة، عينـاه تتجمّدانِ على الأرضيّة الرخاميـة وملامحـه باتت من الصلابة ما يكفِي لأن يجهـلَ من أمامه مشاعـره، رفـع يدهُ ليقرأ سـاعة معصمِه التي كـانت عقاربها تتجانسُ مع الثانية والنصف مسـاءً ، كان ينتظرُ هذا اليوم وما بعدَ صلاةِ العصرِ تحديدًا ، سيقـابل سعد، رغـم أنّ كلّ شيءٍ كـان نصفَ - زيفٍ - إلا أنّه مُمتنّ له في النهايـة بطريقةٍ مـا، ممتنٌّ لأنـه أفسـد تتمّة التعدّي أو ربّمـا تتمّة الخـداع! ابتسـم بسخريةٍ وهو يقف ، تحرّك نحو الباب وهو يتلاعبُ بمفتاح السيارة بين أصابعه، لكنّه توقف فجأةً ما إن وصـل إليه صوت سالي المرتبك بلكنـةٍ متعثّرة : بابا سلطان.
ارتخَت أجفانه قليلًا، أدار وجهه فقط إليها ليهتف بنبرةٍ جامـدة وهو يتوقّع تلقائيًا ما ستقول : نعم؟!
سالِي تنظُر للأسفل ولم تتجرأ على رفـع عينيها إليه : ماما غزل ما ياكل.
أمال فمه، كمـا توقّع ، كمعظم الوجبـات التي ترفضها، ماذا تريد أن تصـل إليه بالضبط؟! استـدارَ دون أن يقُول شيء، تجاهل الردّ عليها أو هكذا ظنّت ، بينما كان هو يتمتمُ من بين شفتيه بصوتٍ خافتٍ لم يصلها ، بنبرةِ احتقـار : بحريقة.
خرجَ من المنـزل، اتّجـه للسيارةِ مباشرة، طيلـة اليومين الراحلينِ لم يتصـادم معها، لم يكُن يشتهِي فكرة أن تأكـل طعامها معه، لذا مـارس نصف معنى الحبس الانفـراديّ في الغرفة التي انتقلَت إليها وأمـر سالي بأن تأخذ وجباتها إليها ولا تستدعيها للنـزول معه، كـان هذا النصف الأوّل للمعنـى، بينما كان النصفُ الآخِر قد مارستـه غزل ، بعدم الخروجِ من نطـاق - غرفتها - رغبـةً منها!!!
حرّك السيـارة نحو هدفِه ، طـرد أيّ فكـرةٍ قد تطرأ في عقلهِ نحوها ، الآن سينتهي من مسألة سعد ، ومن ثمّ سيتّجه إليها بكامـل تركيزه.


،


" كـان سؤالها باهتًا ، كـان متأهبًا بإجـابةٍ تُشفـي غليل حزنها بفراقهما ، كـان سؤالها يقتضيها هي وشاهين وحسب : تحبينه؟ "

.

.

.

انــتــهــى

وموعدنا كما قُلت يوم الأربعاء إن شاء الله ،
ومرة ثانية بحط سنابي ، هذا هو لكثرة السؤال عنه Hind-180


دمتم بخير / كَيــدْ !

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 31-08-16, 07:07 PM   المشاركة رقم: 904
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 


-
-

السلام عليكم ورحمة الله ، مساءكم سعادة ورضا من الرحمن :$
إن شاء الله تكونون طيبين جميعًا . .

البارت ما خلصش لهلأ - تلويث لهجات - :P ، بدخل بالموضوع مباشرة ، ما راح أقدر أنزله قبل 12 للأسف، ومو متأكدة ينزل قبل الفجر حتى! عارفـة بديت أتراجـع شوي بالتزام المواعيد وأأخر كم ساعة بس هالمرة عاد النفسية لاعبة فيني مو قادرة أكتب زي الناس.
إن شاء الله ينزل على 8 أو 9 الصبح، متفشلة من اللي كانوا يكلموني من بداية هاليوم ومتحمسين، السموحة :(
وبعد هالبارت بوقف أسبوع كراحة، كثرة الضغط ولّدت برود عندي وإرهـاق لدرجة إنّي مثل ما قلت صرت نفسية بالكتابة وعجزت أكتب حتى! زين بقدر أنزل هالبارت! مستواي بتراجع ومحتاجة راحـة أقل شيء أسبوع، فبعد البارت اللي بينزل الصُبح موعدنا إن شاء الله راح يكون الأحد ، مو الجاي اللي وراه :( يعني بالضبط بعد أسبوع وثلاث أيام.
وبيصير هذا شيء ثابت ، ثلاث أسابيع وأسبوع راحة ، بارتين بالأسبوع بشكل متتابع ما توقعت راح ترهقني بهالشكل! وأتوقع ما راح أقصر بحقكم كذا وبنفس الوقت بحقي أنا ، إن شاء الله محد يزعل ، أشوف الوضع كذا مُنصف من كل النواحي :( :$ شكرًا لكم :*

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 01-09-16, 08:09 AM   المشاركة رقم: 905
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 




سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساءكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بأتم صحة وعافيـة . .


شكرًا لتواجدكم، شكرًا لكلماتكم الطيبة سواءً بالمتصفح أو خارجه، شكرًا للروايـة اللي جمعتنا .. إن شاء الله أكون دائمًا عند حسن ظنكم والله يكتب لي التوفيق والوصول للنهاية بسلام ويجعل هذهِ الرواية شاهدة لي لا علي :$$ ،

بسم الله نبدأ ، قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبادات

(80)*3




" لك كل اللي تبيه "
رفـع نظراته إليه، بجلدِه الشاحِب وبيـاض عينيه قد تحول إلى حمرةٍ شفّافـةٍ من فرطِ الأرق، مرّر لسانـه على شفتيه الجافتين، وبخفوتٍ متسائل : يعني؟
سلطان بجمود : أنا ممتن لك!
انتفخ صدرُ سعد بأكسجينٍ صاخبٍ فرّغـه بزفيرٍ عميق، وببهوتٍ وهو يضيّق عينيه بحُزن : ترانِي منحرج منّك وأنا أطلب منك تساعدني !
سلطان يبتسم ببرود، يكرهُ أنّه يتعـامل مع رجُلٍ يدرك شيئًا من خصوصيّاتِ حياتِه، يُشعلُ بين أضلعِه الحصى فتُثير فيه احتكاكاتٍ تولّد شراراتِ القهر أكثر . . ابتسامته كانت زائفـة، غاضبة بالمعنـى الصحيح ، ليس سهلًا أن يقفَ ممتنًّا لرجُل غريبٍ لأجل زوجته! ليس سهلًا أبدًا .. لكنّه ممتن ، رغم قهره هو ممتن.
لفظَ بنبرةٍ لا ملامِح فيها : ليه تنحرج؟ من حقّك . . في النهاية اللي سوّيته ما يمر علي مرور الكـرام يا سعد . .
وقفَ ليضربَ صدره بقبضةِ يدِه اليُمنى ويردفَ بثقة : مو عمّك اللي بيهتم بأهلك ، أنت اللي بتظلّ معهم . . بحاول بنفسي مع أهل المقتول لين يرضون بالدية أقل شيء إذا ما رضوا بالعفو، ولك مني كلمة مهما كان الرقم اللي بيطلبونه راح أحرص يوصلهم وبخلّي كل شخص فيه الخير يوقف معك.
سعد بجزع : لا يا سلطان! ما أبـي منك هالشيء ، مو حلوة بحقك! أنا في النهاية قتلته عمد، شلت السكين وأنا ناويها . . ما أبي منك هالشيء ، يكفيني اللي طلبته.
سلطان يبتسم بسخريةٍ من نفسه! : مع إنّ لي قناعة ثابتة ضد القتل العمد ومستحيل أشفق على قاتل بس لكل قاعدة شواذ، كل شيء بصفّك أنت.
لم يوضّح ما قصده، كـان ممتنًا له، لكن ليس هذا ما كان يعنيه، يُسانده أكثـر أن المقتول هو إبراهيم! ، وهو لم يكُن يومًا ملاكًا ليحتقر سعد لأجلـه ويتناسى ذنبه! إبراهيم ، إن لم يكُن على اتفاقٍ مع غزل ، فيكفيه أنّه نوى ضدّه شرًا بطريقةٍ قذرة! المقتول هو إبراهيم ، وهذا أكبـر ما يدفعه لأن يُخرج سعد من كلّ هذا ، متجاهلًا كل قناعاته، دون أن يبـالي بأنّه أزهـق روحًا . . . تلك الروح، لم تكُن إلا روح إبراهيم! والذي تجرّأ على حُرماته بطريقةٍ قذرة . . لم يكُن ليتجاهل ذلك، أبدًا!!


،


أخفضَت هاتفها بعد المحـاولة الأخيرة لتتّصل بِه دون أن يرد، تنهّدت ومن ثمّ ابتسمت وأصابعها تبدأ بكتابـة رسالةٍ سريعةٍ إليه " رد يا مال العافية .. نمزح معك يا شيخ! ".
ومن ثمّ انتظـرت لدقيقتين قبل أن تتّصـل من جديد ، إلا أنّه أيضًا لم يردّ عليها . . قطّبت جبينها بانزعاجٍ ومن ثمّ تحرّكت خطواتها جيئةً وذهابًا في الغرفـة، تلوِي فمها بلؤمٍ وتكرّر اتّصـالها بهِ دون توقّفٍ حتى جاءها صوته حادًا غاضبًا : نعــــــم !!!
أسيل تضحكُ بخفوت : ياخي نمزح معك شدعوى !! والله ما يسوى.
فواز بحدةٍ يرفعُ حاجبه الأيسر : نعم !!!
أسيل : ههههههههههههههههه ينعم بحالك لا عاد تكرّر الكلام ، مُستفز!
فواز وحدّةُ ملامحه تتضاعف : نعم !
أسيل بامتعاض : فواز !!
فواز : وش تبين أنتِ ووجهك؟
أسيل بابتسامةٍ ناعمـة : أمزح معك.
فواز الذي كان يسيرُ على الرصيفِ وسماعاتُ الهاتِف يضعها في أذنه بينما كفوفه يدّسها في جيبيه : وين أصرفها هذي؟
أسيل بمكر : خفت؟
فواز بسخرية : خفت !!
أسيل بضحكةٍ مُتلاعبة : لا اعترف .. خفت صح؟ ترى كان واضح على وجهك .. أساسًا حتى وأنت تهاوشني أنفاسك طايرة هههههههههههههههه
فواز بوجهٍ مُمتقع : يا سمجك!
أسيل : يعني خفت صح؟
فواز يتوقّف عن سيرِه وهو يُميل فمه قليلًا، وبحدّة : وش دخّل الخوف يا غبية !! أجل تبيني ألف وأنا أضحك وبعدين ابتسم لك على مقلبك السامج !!!
أسيل باستفزاز : لا لا لا الموضوع مو كذا .. أنت خفت وبس.
فواز بصبرٍ يزفُر، وبنبرةٍ لا مبـاليةٍ بمحاولة استفزازها له : ليه متّصلة؟
أسيل بنعومة : أبي أعتذر.
فواز باستهزاء : ما شاء الله الحين أنتِ اعتذرتي؟ أقول اقلبي وجهك.
أغلقَ في وجهها لتغرقَ في ضحكاتها وهي تتراجـع وتجلسَ على السريرِ أخيرًا، أخفضَت الهاتف لتبقـى آثار ضحكتها في بسمَة، وبخفوت ضاحك : يلا أهم شيء رد.
وضعَت هاتفها جانبًا، ومن ثمّ تراجعَت بظهرها حتى استلقَت وكفّها تحتوي بطنَها، تنظُر للسقفِ بصمت، وتستذكِرُ من السكونِ بضـع كلماتٍ عادت تُتلى بصوتٍ بعيد، عـادتْ تولّف الصمتَ الكئيب الذي يحتوِيها ، بينما كفُّها لا تبحثُ عن علقةٍ غـادرت، بل تواسِي نفسها بالصمت، وتردّداتُ صوتٍ آخر تتخلّخل صدى صمتها ، بهدوء : تحبين شاهين؟
توقّفت الخطوات أمام البابِ ومعها أنفاسها للحظـةٍ خاطفـة تداعَت سريعًا، كـانت قدْ أخبرتها بعينيها أنّها تمتلكُ في جعبتها حديثًا لتبتسـمَ لها قبل أن تلفظها وتحثّها على الحديث ، كـان سؤالها باهتًا ، كـان متأهبًا بإجـابةٍ تُشفـي غليل حزنها بفراقهما ، كـان سؤالها يقتضيها هي وشاهين وحسب : تحبينه؟
كرّرتها من جديدٍ بعد صمتها ، كرّرتها بعد أن تكرّرت الحيـرةُ ذاتها وصمتت، من قبـلُ كانت ديما قد أثـارت سؤالًا شبيهًا احتـارت بسببه ، والآن ، الآن شعرت بالاختنـاق ما إن وصـل إلى مسامعها! جعلـها تُشتّت عينيها ، وشفتيها ارتعشتـا في حمّى أصابَت حوَاسّها ، حرّكت رأسها تتأكّد من كونِ امّها ليسَت قريبـة، كـادت تجيء معهما إلا أنّ أسيل منعتها ورفضَت . . هذا السؤال بصورةٍ مباغتةٍ يجيء بشكلٍ لا تدري كيفَ يخلبُ مداركها، صوتها، يخلبُ تمكّنها الجيد من التفكيـر !
عقدَت عُلا حاجبيها وهي تلحظُ صمتها، كـادت تتحدّث، إلا أن أسيل تداركَت صمتها بنبرةٍ خافتـةٍ ومتداعية : المشاعر مو كل شيء بالزواج !
علا دون أن تجدَ الردّ الواضـح على سؤالها : يعني؟!
أسيل تبتسمُ بحسرة : ما تهم المشـاعر ، سواءً أحبه أو لا هالشيء ما يغيّر مصيرنا.
علا : يعني تحبينه؟
أسيل تتجاهـل الردّ على سؤالها وتلفظ بابتسامـة أسى، مُكرّرة : ما يهم ، سواءً أحبه أو لا ، صدقيني هالإجابـة ما تهم.
لم تحاوِل أن تكرّر عـلا سؤالها ، بل قرأت الإجـابة من عينيها، الإجابـة التي لم تلفظها أسيل ، الإجابة التي لم تعترف بها ، لكنّها أيضًا لم تكُن لتردّ بالنفي ، هل كـانت تتوقّع فعلًا أن تجيبـها بالنفي؟ هل توقّعت فعلًا . . أن تردّ على سؤالها بإجابـة ثابتة!
وماذا تعنِي هذهِ الحيـرة الآن؟ ماذا يعنِي أن تضيـع في لحدِ أفكارها ، أن تتوه ، أن لا تجـد ضريحًا يأوِي مماتَ سكونها! ماذا يعنِي هذه الحيرة يا أسيل . .
شدّت بكفّها على بطنِها، أغمضَت عينيها ، وهي تضيعُ أكثر في أسئلتها الصامتـة ، ماذا تعنِي حيرتي في الإجابة، حتى على نفسي وقلبي!



،


" شفتيه ، اعترفي إنك شفتيه !! "
زفـرت جيهان بضجرٍ وهي تنظّم بعض أغراضها في أدراجِ التسريحـة ، ملّت هذا السؤال الذي تطرحـه عليها وتتجاهلـه مرّاتٍ ومرّات . .
لم تُجِبها وهي تُغلق الدرجَ ومن ثمّ ترفـع قنّينة عطرٍ كـانت قد سقطَت فوق التسريحة، بينما تنهّدت أرجوان بصبرٍ وهي تُردف : ليان كانت صاحية وقت ما رجعنا ، أكيد تدري ، بس المشكلة خايفة أسألها وتجيب العيد قدام أبوي.
جيهان بلا مبالاةٍ وهي تستدِيرُ إليها، تتّكِئ على طرفِ التسريحة، ومن ثمّ ترفـع كفيها لتلمْلمَ شعرها الذي يُحيط بوجهها : أنا أصلًا مدري وش هالهدوء اللي نازل عليها عشان ما تحكِي.
اتّسعت عينا أرجوان بشر : يعني شفتيه؟
جيهان تتأفّف بضجر : اففف طفشتيني .. أيه شفته وحاكيته وفوق كذا ضميته وبسته.
شهقتْ أرجوان بقوّةٍ وجسدها الواقفُ قريبًا يتصلّب، اتّسعت عيناها بجنون، بينما كفّها استقرّت فوقَ فمها دون تصديق . . قالت كثيرًا أنّها تتوقّع جنونًا من أختها، تتوقّع أيّ شيءٍ إن تعلّق الموضوع بفواز ، لكن ، لكن! هل يمكن أن يكون ذلك !!! . ، مطّت جيهان فمها بضجر، ومن ثمّ تحركت باتّجاه الباب وهي تحرّك كفها في الهواء دون مبالاة : أمزح معك لا تموتين علينا . . شفته وحاكيته بس ، كان ودي أبوس خشته والله.
أرجوان بغضبٍ وصوتها يرتفـع حتى خشيَت جيهان أن يصـل لغرفة والدها : جيهااااااان.
جيهان تنظُر نحوها بحنق : فضحتينا الله ياخذك أنتِ وهو .. امزح معك وجع يوجعك وهو معك بعد ... طايحة من عينك لهالدرجة عشان أفكر بواحد من مقام الخونة أمثاله !!!
أرجوان بقهر : أنتِ أساسًا كل وقتك تفكرين فيه يا بقرة !!!
جيهان بغضب : البقرة وجهك .. احترميني يا مال اللي مدري وشو ... على بالك يعني بفكر فيه بهالطريقة البايخة! هذا اللي ناقـص هو ووجهه.
أرجوان : وليه إن شاء الله وقفتِ معه وحاكيتيه؟!
جيهان تهزُّ كتفيها : كذا . . مقهورة وحبيت أطلّع قهري فيه.
أرجوان تزفُر بصبرٍ وهي تُغمـض عينيها : يا صبر أيوب بس ! ما تجوزين عن حركاتك، تخيلي لو درى أبوي يا غبية!
جيهان ببرود : ما راح يدري.
أرجوان تقتربُ منها وهي ترفـع حاجبًا بريبة : عن إيش تكلمتوا؟
جيهان ترفـع حاجبها تمامًا مثلها ، وبسخرية : عن الشوق.
أرجوان من بين أسنانها : جوج لا تجننيني !!
جيهان تبتسم باستفزاز : والله ما أمزح ، سألني اشتقتِ لي؟ وأنا ما ردّيت بس طنشته ودخلت.
أرجوان تهزُّ رأسها بالإيجاب : تعلبين على عقلي يعني! ما عليـه ، المهم حاولي إنّ ليـان ما توصل الكلام لأبوي ، لو يدري مصيبة!
جيهان تبتسـم : ولا يهمك ، دامها ما قالت له للحين فما راح تتكلم.
أرجوان : نقول يا رب بس.
جيهان تفتحُ الباب كي تخرج : على طاري أبوي ملاحظته صار مزاجه أحسن من قبل.
أرجوان تتبعها ، وبصوتٍ خافتٍ بعض الشيء : أيه ، طلع الموضوع مثل ما قلتِ قبل ، من ذاك الرجال.
جيهان تُميل فمها قليلًا : كنت عارفة ، عاد خاطري أفهم بالضبط وش كان قايل لأبوي!
أرجوان : ما فهمت الموضوع كويّس ، بس ما يهمنا في السالفة شيء إلا أنه صار أحسن.


،


حُبي لكِ فطرة، أن أنهـض في صبـاحٍ ما وأرى ملامحكِ تستوقفني على مهلٍ عجول! . . حين يُستفتح الصبـاح يكون بقُفل أهدابك، يظهرُ خلسةً أخيرًا ، من بيْنِ بابيْكِ - أجفانك -، يا عِصامِي عن رُفاتي! يا عصامِي عن بهوتِي، ويا الحيـاة فينا ، أجمعينَ!
كانتْ عينـاه تلمحها من أسفلِ ذراعيه، تلك البسمَةُ تُنقّى من غربـالِ مرآها، تسيرُ بتوترٍ جيئةً وذهابًا، تمسكُ أوراقًا بين كفيها وتكادُ أن تنفجر! سمعَها تزفُر زفـرةَ - نفاد الصبر -، حينها خفتت بسمتـه قليلًا وهو يُعيد كامل ذراعهِ على عينيهِ دون أن يفقد المعنـى الكلّي للابتسامة، دون أن تنكمـش شفاهُه كصوتها الذي كان يتمتمُ بكلمـاتٍ ما ويُشيحُ الطرفَ عن الهدوء رغـم خفوته.
هتفَ بهدوءٍ وهو يستلقِي على ظهره فوق السرير : اهدي ، هالتوتر ماراح يفيدك.
نظرت إليه إلين وهي تعضُّ بأسنانها طرفَ قلمها، وببحّةِ ربكـة : امتحاني الأول بكرا، والثاني بيوم الاثنين يعني وراه مباشرة، شلون ما تبيني أتوتر؟
أزاحَ أدهم ذراعه عن عينيه، جلسَ بهدوءٍ وهو يتّكئ بكفيه على السرير، وبابتسامـةٍ ناعمـة يحاول بها أن يخفّف من حدة توترها : تعالـي.
إلين تعقدُ حاجبيها قليلًا، تشنّج جسدها بريبة، وبخفوت مستفسر : ليه؟
أدهم يضحكُ رغمًا عنه : والله ما أبي منك شيء .. تعالي بس.
إلين رغـم حرجها إلا أنها شتت عينيها وهي تشدُّ على شفتيها، زفرت من بين أسنانها هواءً لوِّثَ من غبـار ربكتها وغبـار تواجُدِه - العنيف! لم يكُن غبارًا يعني التلوّث بحجمِ ما كان يعنِي شدّة الحضُور، ما العلاقة بينه وبين ذرّات الغبـار تحديدًا؟ أن يحضُر ولا يكون حضوره عاديًا بل يُشعرها بالرغبـة في الهرب ، كـان غبارًا من هالـةٍ بيضاء، لا تهربُ منه انزعاجًا ، بل لأنها لا تريد أن تخوضَ في زخمِه!
لفظَت بضيقٍ ونبرةٍ تتشنّج : ما عندك سالفة ، أنا وراي امتحان وما عندي وقت للعبك وفضاوتك.
رفـع حاجبه، إلا أنه لم يفقد بسمته وهو يسمعها تُردف بعد أن نظرت نحوه بجبينٍ مقطّبٍ انزعاجًا : وبعدين روح لعمتك، عيب عليك تظل على راسي وتتركها بروحها.
أدهم بهدوءٍ مستفزّ : يعننّك للحين ما عرفتي من اليومين اللي راحوا إنها بعد العصر تجلس تقرا عادةً بغرفتها؟
إلين بصبرٍ تتنهّد بعنفٍ ينخفضُ به صدرها بعد ارتفاعه، اخفضت الأوراق التي تحملها لتصل لمستوى فخذيها، بينما ذراعها الأخرى لفّتها حول خصرها وهي تلفُظ بنبرةٍ هادئةٍ أقرب للأمـر : طيب لو سمحت ممكن بس تطلع عشان أقدر أركز؟ وبعدين أنت تدري إنّي أحب أذاكر على السرير ومع كذا معاند!
أدهم بنبرةٍ لم تكُن قريبةً من الأمر، بل كانت بالفعـل أمرًا جافًا باردًا وهو يحدّق بها بعينين حادّتين : تعالــي.
إلين بحدّةٍ نظرت إليه وملامحها تتجعّد أكثر، وبغيظ : أنت وبعدين معاك؟ ما تعيش زين لو ما نرفزتني؟
أدهم : تعالــي.
إلين بنفاد صبرٍ رمَت الأوراق بحدّةٍ ومن ثمّ تقدمت إليه وهي تلفظُ بنبرةٍ غاضبة : لا حول ولا قوة إلا بالله .. يا رب الصبر ، يا رب الصبر بــس !!!
لم يبتسـم، بل رفـع حاجبه وظلّ يتابعها حتى وقفَت يجانِبه مباشرةً على طرف السرير، وضعَت يديها على خصرها، ومن ثمّ شدّت على جسدها بغضبٍ وهي تُردف بتساؤلٍ حاد : نعم !!!
أدهم بهدوء رفـع عينيه إلى وجهها المُتصلّب بمشـاعر الغضب، يتأمّلها لبعض الوقت، تتجمّد أحداقه في أحداقها مباشـرةً لترتبك تلقائيًا وغضبها ينطفِئ، تُشتّت عينيها ومن ثمّ تنخفضُ يديها عن خصرها، وبربكـة : وش تبي؟
لوى فمه قليلًا، لكنّه سرعان ما ابتسم ابتسامةً خافتة، وبهدوء : خلاص ولا شيء ... روحي كملي دراستك.
اتّسعت عيناها دون تصديق، أعادت نظرها إليه، وبخفوتٍ تريد أن تتأكد مما سمعت : وشو؟!
أدهم بذاتِ بروده : مافيه عندي شيء ، بالأحرى كان فيه بس عشانك قليلة أدب نسيته.
إلين وكأنّ دلو مـاءٍ ساخنٍ انسكَب عليها، اشتعلت بغضبٍ لتهتف بصوتٍ ناريّ : ما شاء الله !!!
أدهم يهزُّ كتفيه دون مبالاة : والله! يعني كنت ناوي أخفف عليك بس ما تستاهلين .. عشان كذا ارجعي كملي دراستك.
إلين بقهرٍ تبتعدُ عنه بخطواتٍ صاخبـةٍ وهي تلفُظ بغضب : تدري انك حيوان وكلب وحقير؟
أدهم بتحذير : توني متكلم عن قلّة الأدب!
استدارت إليه ما إن لامسَت أقدامها الورق المُتطايِر على الأرض وبحدّة : على تـراب ، سخيف !! يعني عارف إنّ نفسيتي معفنة اليوم وما تخليني لحالي!
أدهم : لأنّك غبية ، ليش هالتوتر وأنتِ مذاكرة المادة ومراجعتها مليون مرة!! فوق كذا مسميتها الحين مذاكرة بعد !!
إلين بقهرٍ تكـاد تبكي : خايفة! أول مرة أجرب شعور الرسوب ، وكان بسببك طبعًا، وأخاف الحين أجربه مرة ثانية وأكيد بيكون بسببك!
رفـع حاحبه الأيسر بصدمة : الله عليك ! أجل الموضوع كذا مع إنّي بعيد عنك وما منعتك من المذاكرة ، بس نشوف بكرا وش بنسوي معك.
إلين بضيقٍ وهي تُخفض جسدها لتبدأ بتجميع الورق، لم تركّز بمعنى ما قال جيدًا وهي تلفظ بنبرةٍ بائسة : وش قصدك؟
أدهم يقفُ مبتعدًا عن السرير وهو يلفُظ بابتسامةٍ هادئة : كل شيء بحسابه .. راح أتركك الحين عشان تذاكرين بحلبة المذاكرة حقتك ، الله يخلف على طلاب زيّك ويخلف على أعصابك الناعمة.
إلين بوجومٍ دون أن تنظُر إليه : سامج.
سمعَت صوت الباب يُغلق بعد خروجه، حينها ارتفع جسدها بعد أن انتهت من تجميع أوراق محاضراتها التي اهترأت زواياها، استقامَت بجسدها ومن ثمّ زفـرت بيأس، كـان يُريد عناقها، التخفيفَ من توتّرها، أدركَت ذلك لكنّها لم تُرِد أن تنصـاع لموجاتِ الهدوءِ منه، أن تنصـاع لدفئه ، لنظراتِ عينيه الحانيتين، لصوتِه الهـامس ، لا تريد أن تنصـاع لهُ بملء اندفـاعها !


،


خرجَت من الحمّام وهي تجفّف شعرها الذي طالَ حتى تجاوزَ خصرها بكثير، رمَت المنشفَة على طرف السرير، ومن ثمّ تحرّكت نحو مرآةِ التسريحةِ وروب الحمّام الثخينِ يلفُّ جسدها الغض، لوَت فمها وهي تجمعُ شعرها الرطِب لتضعهُ على جانِب كتفها، تقيسُ طوله من الأمـام، يستفزّها بعض الشيء بطولـه.
سمعَت صوت البـابِ يفتح، نظـرت عبر المرآةِ لسيف الذي دخـل وهو يزفُر بإرهـاقٍ ويمسحُ على جبينه، تقدّم للسريرِ دون أن ينبـس بشيء، رمـى جسده حتى دون أن يخلـع حذاءه، استغربَت وهي تعقدُ حاجبيها ، هذا الوقتُ يكون قد انتهـى فيه من ساعاتِ مكوثِه مع ابنـه، حرّكت أحداقها نحو ساعـة الجدارِ لتتأكّد ، ومن ثمّ عادت لتنظُر لوجهه المُرهَق عبر المرآة، يُغمـض عينيه ويعقدُ حاجبيه بصمت ، غريب ما الذي حدث !!
تحرّكت بعد أن لفّت شعرها الرطبَ بعشوائية، فتحَت الخزانة كي تُخرج ملابسها، ولم تستطِع منع نفسها من اللفظِ بصوتٍ هادئٍ لا تعبير فيه : غريبة منت على بعضك.
سيف دون أن يفتـح عينيه صمتْ، لم يُجِبها، حينها رفعَت حاجبها وهي تُدير وجهها إليه، تنظُر لهُ بغيظٍ من تجاهلـه لسؤالها، لم تُظهر ذلك على ملامحها المُتصلّبة، بل تحرّكت نحو الحمام وهي تُمسك ملابسها دون مبالاةٍ بِه ، مهما كـان ما حدَث لن تهتمّ بِه ، من يظنُّ نفسه ليتجاهلها في لحظـة اهتمامٍ خاطفٍ بِه!
كادت تدخُل للحمـام، إلا أن صوته الهادئ هدوءً كاذبًا جـاء إليها محمّلًا بكلمـاتٍ فاترة : زيـاد تعبان.
تصلّبت ملامِحها وخطواتُها أيضًا ، نظـرت للأمامِ دون تعبير ، وخلال لحظتين كـانت تعقدُ حاجبيها، لا تدري ما المشـاعر التي اختلطَت في صدرها ، لم تكُن مشاعـر خاصّةً بذاك الطفـل، بل كانت بشكلٍ مباشـرٍ نحو نفسها! نحو الروح التي فقدتْ تكوينها في رحمها ، ابتلعَت ريقها بحشرجةٍ مفاجئـة ، إلا أنّها لم تفكّر بالاستدارةِ إليه وهي تهمـس دون تعبير : سلامته . . وش فيه؟
سيف بعجزٍ يتنهّدُ وهو ينظُر للأعلـى بسكونٍ يلتهبُ بصفيحةٍ أسفلـه : فقر دم حـاد.
اتّسعت عيناها قليلًا، هذهِ المرّة استدارَت إليه وهي تشدُّ على ملابسها بكفيها، وبنبرةٍ تضطرب، تجدُ أحداقها تتشتّت عن وجهه ، بعد أن نظـر إليها وبعد أن شكـى بعينيه، تجدُ نفسها تهربُ من أحداقه ، وتجدُ نفسها في لحظـةٍ غـادرة، تُشفق عليه ، وتفهم مشاعـره! : أ اممم .. يعني ، ما ، ما يشوف شر.
ابتسمَ ابتسامةً بعيدةً عن المعنـى الحقيقيّ لها : شفيك طيب مرتبكة كذا؟ . . ممكن تجين؟!
ديما بتيهٍ تنظُر لوجهه ، وبخفوت : ليه؟
سيف بهدوء : متضايق ، أبيك جنبي.
مرّرت لسانـها بربكةٍ على شفتيها، لم تكُن هذهِ المرّة لتحـاول العناد، لم يكُن بوضعٍ يسمـح لها، على الأقـل انسانيّتها لازالت موجودة! مهما فعـل . . لذا أومأت بهدوء، ومن ثمّ همسَت برويّة : أبدل ملابسي وأجيك.


يُتبــع . .

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليلاس, لغز, أكشن, القدر, الكاتبة كيد, انتقام, يوسف, رواية رومانسية, سلطان, غموض, عانقت, قيود, كيد
facebook




جديد مواضيع قسم الروايات المغلقة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t195238.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 02-10-16 06:32 AM


الساعة الآن 12:34 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية