لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > الروايات المغلقة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الروايات المغلقة الروايات المغلقة


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-02-16, 10:51 PM   المشاركة رقم: 696
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 





سلامٌ ورحمـةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / ومساؤكم طـاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحّة وعافية


فيه توضيح بسيط حابّة أذكره قبـل البارت وكثير منكم ملتبس عليه الموضوع ، وهو اسم " عبدالله "، عـاد فيه ثلاث عبادلة في الروايـة، وكل واحِد منهم شخص مختلف عن الثـاني مافيه بينهم علاقـة أبدًا، أولهم عبدالله السامِي - أبو أدهم - وهو ميّت، الثانِي عبدالله أبو ياسر، والثالث عبدالله رئيس بدر ، وركّزوا على إن عبدالله أبو ياسر ماهو نفسه رئيس بدر لا تخبّصون بينهم ، مجرّد تشابه أسمـاء فقط :""

+ القراء اللي يسألون عن نهاية الرواية، ملّيتوا :(؟ عذرًا بس ما أقدر أحدد كم بـارت بقى بالضبط، لكن الأحـداث مابقى منها الشيء الكثير جدًا، احذفوا " جدًا " وبيبقى الكثير بس :P .. حابّة أنوّه على مسألة إن الروايـة فيها نقلة زمنيّة قربنا منها كثير :" هالنقلة الزمنية راح تبدأ فيها منحنى ثاني من الروايـة وبنقترب من النهايـة أكثر، ونقدر نصنّف الروايـة على الزمنين اللي بيكونون من هالنقلة اللي بتنقلب فيها حيـاة كل الأبطـال بشكل كبير جدًا، ما بقى الشيء الكثير اللي يخليني أقول الرواية بتطول لسنة ثانية!، الأكثـر راح وبقى الأمتع بإذن الله ()

،

بسم الله نبدأ

قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبادات

(68)





إنـارةٌ خافتـة، وتمتماتٌ أشدَّ خفوتًا، عيُونٌ تتابعُ الآيـاتِ بخشُوع، تقرأ سُورة المُلك قبل أن تستعدّ للنوم، المنجيةِ في الحيـاة البرزخيّة، وحياتُها هذهِ يُنجيها فيها إيمانها وصبرُها، قُربها من ربّها الذي تذبذبَ في الآونـةِ الأخِيرة، كم تشعر بالراحةِ اليوم! راحـةٌ لا تستطِيع وصفها سوى بالحمدِ والشكرِ لله، حمدًا للهِ أنّ يـاسر تهاوَى تفكيرهُ بتلكَ الذكرَى العابـرة، والتِي لم تصِر عابـرةً إلا حين غلّفها بالصمتِ والتنـآسي.
ابتسمَت وهي تختمُ قراءتها وتُغلقُ المِصحف، بسمةً تصفُو كقطراتِ المطـر، كصفـاء العسلِ الذهبيّ، بسمةً حينَ تُدغدغُ شفتيها بتلكَ الطريقةِ فهيَ تعُود ، تعُود لإليـن التي لا تعرفُ اليأسَ وتعبُر فوقَ كلّ عثرةٍ مهما تعرقلت، تستقِيم مهما تمايَلت.
وضعَت المصحف على الكومدينةِ أسفلَ ضوءِ الأبجورة، استعدّت لتُغلقهُ وتنـام، لكنّها توقّفت عن ذلك حين طُرقَ البـابُ فجأة، عقدَت حاجبيها باستنكـارٍ لكنّها سُرعـان ما أفردتهما ولوَت فمها وهي تُتمتم بحنق : محد غيرها هديل ، بالله هذا وقتها الحين!!
نهضَت عن السريرِ واتّجهَت للبـاب وهي تستعدّ لذرفِ الكلمـات الحـادةِ عليها وعلى إزعاجها، لكنّها أجفلَت ما إن فتحتهُ ورأت عبدالله خلفه، فغرَت فمها قليلًا لكنّها سرعان ما أطبقتهُ وهي تبتسمُ بحرجٍ وتهمس : يا هلا والله غريبة جاي لي بهالوقت؟
ابتسمَ لهـا بحنـان، لو تعلمُ أنّ هذا الوقتَ هو وقتُ الانكسـار! وقتُ الخيبةِ العُظمى والأسـى، لو كـان بيدهِ أن يكتمَ كلّ شيءٍ فقط! لكنّه لا يستطِيع، لا يستطِيع، لابدّ من الحقيقةِ أن تظهـر، لابدّ لكلّ شيءٍ أن ينجلـي مهما كان حـارقًا كالشمس في لحظةِ ظهِيـرة، مهما كـان قاسيًا كحبّاتِ البَرَد مع المطرْ، مهما كـان مرًّا كالعلـقم .. هي حقائقُ لا تتجزّأ، لا تحتملُ الإخفـاء وأكثر ما يُهلك أن تكُون تلك الحقـائقُ مؤذيـة/قاتلة!
ليَـأْسف على كلّ شيءٍ سيصِير! ليأسف على حُزنها، على النواحِ والانكسـار، لا شيءَ لديهِ إلّا الأسفُ والحُزن لأجلها، لا شيء لديهِ إلا الخنُوع لنظرةِ المنكسِرةِ التـي ستنحصرُ بها نظرتها الخجولة الآن!
همسَ بصوتٍ غصّ بعبرةٍ رغمًا عنه، عن ما يواجههُ الآن من وجَع، من صعوبةِ ماهو فيه، من قسوةِ الحفـرة التي وقعَ فيها ولابد لهُ أن يخرجَ لأجلهـا، هذهِ اللحظـة صعبة! صعبةٌ جدًا ورغمَ صعوبتها لابد لهُ من المواجهـة : جيتك بوقت غلط، السموحَة منّك بس الموضوع مهم وما يتأجّل لبكرا.
إلين بابتسامةٍ شفّافة : افا عليك تعال متى ما بغيت وخذ راحتك.
عبدالله بأسى : لو إنّي أقدر أخليها بوقت ثانِي وما أضايق نومتك!! بس الحين أفضل دامه محد صاحِي.
قطّبت ملامحها بتوجّس، مرّرت عينـاها على ملامِحه الجـادة لتزدردَ ريقَها بتوترٍ وهي تقرأُ فيها عاصفـةً ستأتِي ولن تكُون واهنـة، عاصفـةً قد تقتلعُ الكثير والكثير . . ارتعشَت أناملها قليلًا وصوتُها، شدّت على مقبضِ البابِ بتلقائيةٍ وهي تُريد قول " تفضل " ومن ثمّ تضيء الغرفـة أكثر، لكنّ تلك الكلمـة التي كانت على طرفِ لسانِها كانت بطيئة، بطيئةً حدّ أن سبقتها سواها ولم تستطِع كبح النبرةِ القَلِقَةِ فيها : وش صايِر عمي؟
تجاهل " عمي " التي لطالما عاتبها إن قالتها، الأمـر الآن أعمق من أن يلتفت لأيّ شيءٍ وإن كان يستفزّه ويرى أنّه موجِع! لفظَ بهدوءٍ ظاهريّ : أقولك وأنا واقف هنا؟ ماودك تدخليني؟
بللت شفتيها بحرجٍ رغمَ توترِها وهمسَت لهُ بالدخول، تقدّمتهُ لتضيء الغرفـة بينما أغلق هو الباب وهو يسألُ الله أن يمدّهُ بالقـوةِ وإيّاهـا، أن يتصلّب قلبها بدرجةٍ تكفِي لتجاوِز ما سيقُول، إن كـان هو قد كُسرْ، فكيفَ بها يا الله؟ .. إن كان كتفاه قد انحنا، فكيف لا يسقُط كتفاها من هولِ كلّ هذا؟!! كيف لا يسقطانِ مواساةً لسقوطِ الدمعِ من مقلتيْها؟!
جلسَت معهُ على أريكـة مزدوجةٍ انزوَت في إحدى جوانِب غرفتها أمامَ التلفاز، نظرت إليهِ بتوجسٍ وهي تفرك كفيها ببعضهما وتهتفُ بقلق : وش اللي صاير؟ ليش شكلك ما يطمن لا يكون قرايبكم صاير لهم شيء؟
ابتسمَ بصعوبة : تراهم يعتبرون الحين عيال خلّانك بعد ، بس تطمني محد منهم صاير له شيء سيء للحين وضعهم مثل ماهو.
شتت عينيها وهي تتجاهلُ الشطر الأولَ من حديثه، وبتساؤلٍ مرتبِك : طيب؟
عبدالله : وعدتيني مرة تكونين قويّة وما تطيحين عند أي عقبة صح؟
إلين وربكتُها تتضاعف، لفظَت بصوتٍ رافقتهُ بوادرُ تعثّرها إثر الخوف : أيه.
عبدالله بنبرةٍ تزيدُ القلقَ إجلالًا : أجـل الحين أبيك قويّة مثل ما وعدتيني ، وكوني واثقة دايِم إنّي معك، وكل اللي حولك معِك بعد.
ثبتت أحداقها بعينيه وهي تُقاومُ رعشـةَ الخوفِ التي أتلفَتْ أعصابها، أدرَكت في جملتهِ الأخيـرة مُصيبةً أخرى لن تتعلّق سوَى بحياتِها التي لم تكُن " ماضيةً " حتى! حياتها الحقيقة التي لم تعِشها، مأسـآةٌ جديدةٌ ستتعلّق بأمّها وأدهم، هذا فقط ما أدركته! هذا فقط ووحدهُ كافٍ ليجعلهُ بهذهِ الصورةِ المُهتزّة . . ألم تقُل بأنّها ستُولّف الحقيقةَ في برودْ؟ في تجاهلٍ أعمَى وصمت؟ ألم تقُل بأنها ستتناسى؟ بأنها ستكُون أقوى وتتجـاوزُ كلّ شيء؟ إذن لمَ الخوفُ الآن؟ هي التي ولِدَت من جديدٍ من رحمِ الصدمـاتِ والأحزان، لمْ قد تخـاف؟!!
ثبتتْ أحداقها أكثر، داهمتها الثقَة، القوّة، الثبـاتُ في وجهِ كلّ ما قد يقُول، نظرت إليه بثقةٍ منقطعةِ النظيـر وهي تهتفُ بصوتٍ قويّ النبـرات : لا تحاتيني ، أنـا قويّة ، مافيه شيء ممكن يهزّني لأنّ كل الزلازل اللي ممكن تصير بحياتي صارت وبدل ما تطيّحني خلّت مني انسانة أقوى . . قُول اللي عندك يا عمِي، ما بضعف وثقتي فيكم عاليـة.
ابتسمَ بحنانٍ وهو يمدُّ يديهِ ليمسك كفيْها ويعانقهما، وبرقّةٍ بعد أن أراحَت جانبًا كبيرًا من خوفِه تجاه ردّة فعلها، نعم! يريدها هكذا، يريدها قويّةً لا تتعثّر فلا تنهض، يريدها قويّةً من كلِّ شيء/حزن : كفو ، خليك كذا دايِم، لا تنكسرين عند ناس ما يستاهلون كسرك، أنت أقوى من كل شرّهم.
ابتسمَت ابتسامةً خافتـة وهي تهمس بحسرة : تقصد أدهم وأمي وأبوي؟
عبدالله بملامح غطّاها الحزمُ بعد الثبـات الذي رآها فِيه : أدهم وأمك ، وأبوك أحمد.
عقدَت حاجبيها قليلًا دُون أن تفقدَ بسمتها، وبنبرةٍ هادئةٍ تُصححُ لهُ خطأه : اسمه ماهو أحمد ، عبدالله، عبدالله السامِي.
ابتسمَ ابتسامة أسى وهو يمسحُ على كفّها بحنانٍ ويلفظ : لا يا إلين ، ماهو أبُوك، هالرجـال كان كذبـة وصدّقتيها، هو ماهو أبُوك مثل ما أدهم ماهو أخُوك . . كلّهم كذبة! كذبَة حقيرة وبس!


،


استلقَى بجانِبها، تسندُ ظهرها على ظهرِ السريرِ وكوبُ الحليبِ تحتضِنهُ كفوفها القمحية، أنفاسُها عـادت لتهدأ وعينـاه لا تهدآن من القلقِ الصـارخِ في أوجِ اشتعـاله . . أزاحَت الكُوب عن شفتيها وهي تمرر لسانها عليهما وتنظُر للدُخان الخافتِ المتصـاعدِ منه، ومن ثمّ أدارَت وجهها نحوهُ لتبتسم وهي ترى ثوران القلقِ في عينيه : والله العظيم إنّي صرت أحسن حتى قبل لا تجيب حليبك ذا.
ابتسم رغمًا عنه : اللي يسمعك يقول حالبتها مني بقرة أنا؟ وشو حليبك ذي؟!!
اتّسعت عيناها بصدمةٍ مما قـاله، وسرعـان ما انفجرَت ضاحكـةً وهي تتشبّث بالكُوب خشيةَ سقوطِه منها، في حين أجفل شاهين من ضحكها في بادئ الأمـر، لكن لم يكُن ليمرّ ثانيتين الا وهو يبتسمُ بإحراجٍ ويحكّ مؤخرة عنقه، وبامتعاض : أي اضحكي هذا جزاي خايِف عليك ومهتم فيك.
أسيل تزمُّ شفتيها كي تقتُلَ بقيّة الضحكـات لكنّها لم تستطِع أن تمحقَ أثـرها في ابتسـامةٍ واسعة، وبنبرةٍ ضاحِكَة : ما تقصّر والله عسى ربّي يسلم يدينك.
شاهين بامتعاض : عسى ربّي يسلم يدينك ! كذا بس؟ وين هديتي؟
أسيل بخجلٍ وهي تفهمُ قصدهُ جيدًا : أي هديّة.
شاهين يبتسم بمشاكسةٍ وهو يقرّب وجههُ منها : عطيني واتركي عنّك المماطلـة.
أسيل بغنجٍ خجُول : شاهييييين أنا تعبانة راعِني شوي.
شاهين بإصرارٍ يشير لها بعينيه : صغيرة بس حتى أنا تعبان من اليوم.
سعُلت بخجلٍ في حينِ مدّ شاهين يدهُ ليسرقَ الكوبَ من يدها ويضعهُ على الكومدينة، عـاد ليقتربَ منها وهو يلفظُ بلؤم : يلا يا بنت وراي نوم.
أسيل بضحكةٍ خجولة : حسبي الله على قلّة حيـاك.
شاهين : الحيا ما يبيك الا أنتِ ما يناسبنِي ، يلا بيبي هات بوسة.
ضحكَت ووجنتيها تلتهبانِ بحُمرةِ الخجلِ قبل أن تقتربَ منه أكثر وتقبله قبلةً سريعة، وحينَ تراجَعت لتهربَ كان هو قد أحاطَ خصرها ليُعيدها إليه ويقبّلها برقّةٍ قبل أن يتركها وهو يهمسُ ببحّة : قُبلة من الراحـة على عيُونك ، جعل التعب يبطي ما يقربِك


،


صورةٌ مشروخـة، قلمٌ فقدَ حبرَه، وريشةٌ تساقطَ منها الزغَب، أحـداقٌ كأنّها انشطرتْ من هولِ ما قِيل، وبشرةٌ شحبَت وانسلّ الدمُ عنها متجاوزًا المسامـات، صفـراء! والجفـافُ أصفر، أوراقُ الخريفِ صفراء، وبشرتها تصفرُّ أكثـر!! ابيضّت شفاهُها كحـالٍ جـاء في شتاءٍ قارِس، واشتعلَ قلبها نبضًا وكأنّمـا نارٌ تتراقصُ أسفله رقصةَ بالِيه، ترسّبت الشهقـةُ على حبـال صوتِها التي حاولت الاهتزازَ ليصعدَ لكنّ ثقلَ تلك الشهقةِ أكبـر .. راقبـها بصمت، بأسى، بحسرةٍ وهو يمسحُ على كفّها التي ارتعشَت وكأنّما كلماتهُ كانت تخرجُ - مادّةً - يُشعَرُ بها، تصتدمُ بجسدها مباشرةً فتُحيل بها كلّ تلكَ التغيرات، اتّساع أجفانها، انشطـارُ الحدقتين، انفراجُ الشفاهِ وارتفـاعُ الصدرِ في أنفاسٍ مذهُولة/مصعوقة!
قبضَ على كفّها بقوّةٍ وكأنّه يُريدها أن تصمدَ أمـام تلك الكلمات التي تصتدمُ بجسدِها وتهزّه، تثقبُ صوتها وتُلغِيه من قاموسِ الوجود . . سنةٌ وأشهُرٌ قليلة، قبلها جاءتها أمّها في رحلةِ انتظـار السائق أمـام الجامعة، وحكَت لها قصّة . . كان يا مكـان، في قديمِ الزمـان ، عائلة! لكِ، ولقلبكِ، وليُتمِك! كـان يا مكان، في قديمِ الزمـان ، ذئبٌ وليلَى، لم يكُن الذئبُ يريدها كمـا القصّة، بل تركَها ، ذئبٌ دُعيَ " عبدالله "، وليلَى في اسمِ " نجلاء "، كـان يا مكـان ، في قديمِ الزمـان، دم! ونسَب، وحلقةٌ لا تنتهي بثلاثةِ أسمـاءٍ فقط، كـان يا مكـان، في قديمِ الزمـان ، أم! لفظَت الطفلـة من رحمِها، أدخلتها الحيـاة، ومن ثمّ لفظتها من حياتِها!! .. كان لا مكـان، لا زمـان!! لم يكُن شيئًا ، وكانت نُطفة! ثمّ علقة! في رحمٍ لم يُرِدها، تكوّنت العظـام واللحم ونبضَ القلب، خرجتْ، وبكَت خرُوجها، وكـان ذاكَ البُكاء حديثًا على مدارِ اثنـانِ وعشرونَ عامًا . . وقبل العـام أشرقَت تلك الأمّ بمجزرة، بقصّةِ ما قبـل الولادةِ الحديثة، أبٌ وأخْ! لم يكُونــا!!! يــا حجمَ المُصيبة! يــا هــول تلك الفكرةِ فكيفَ إن قِيلت وكيفَ إن حدثَت؟ يا الله ما قـال؟ ليسَ أبي! ولا أخِي!! يا الله ما حُكِيَ؟ هل قصّة ما قبل العـام كاذبة؟ قصّة ما قبـل الولادة؟ قصّة ليلى والذئب؟ قصّة المجزرةِ والبكـاء؟ لا ! كيفْ؟ كيف؟ كيفَ يأتِي هذا الحديثِ في محضِ اعتراف؟ في محضِ نبرةٍ واحتضـانِ كفْ!! يا رعشـة جسدِي، يا موتَ صوتِي، يا انشطـار الأحداقِ ويـا سكُون الشهقةِ في حنجرتِي ، أينَ القوّة؟ أين الثبـات؟ كيفَ يُغـادر الصوتُ إن كان صاحبهُ قويّ؟ كيفَ تأتِ الرعشةُ إن كـان صاحبها ثابِت!! كاذبـةٌ الأقـوال، كـاذبة! فلمَ قد يكُون ما يقُوله هو صِدقْ؟!!
ارتعشَ الأكسجِين وانتفضَ في رئتيْها، غـادرها! وعاكـس الحالة الفسيولوجية للتنفّس، أصابـها دوارٌ عنيف، وصدعٌ في الخاصِرة! أصـاب هيكليتُها الاعوجـاج، ووجدَت نفسها دونَ شعورٍ تُغمضُ عينيها وهي تكـاد تفقدُ وعيها فعلًا، تغيبُ عن هذه الحيـاة التي آذتها كثيرًا، عن هذهِ الحيـاة التي خذلتها كثيرًا، عن هذهِ الحيـاة التي تكسرُها وتذرُوها المصائبُ في كلِّ الجِهـاتِ ولا تعوِي بثبات! كيفَ تُكذَّبُ القصة قبل سنـةٍ وتجيء أخرى؟ يستحيييييل!! يستحيييييييل!! كيف يُريدونها أن تعيش بهويّاتٍ ثلاث، يستحيييييييييل !! كيف يتلونَ عليها رواياتٍ ولا ينسُون أنّ لكلّ روايةٍ حبكَة! واللهِ أتقنوها!! يتقنونَ تأليفَ الأحـاديث، يتقنونَ تأليف القصصِ وزجّها في كلِّ عـامٍ بهويّة.
تلك الهويّة الهـاربة! يا إتقــانها في الخداعِ والتملّص!!
انتفضَ عبدالله بسرعةٍ وأمسكَ كتفيها ووجههُ ينقلبُ مائةً وثمانينَ درجةً وهو يرى هذا الانهيـار الجسدِي، وكم يخشى الانهيـار العاطفي! الانهيـار الذي دخَل إلى غرفتها وهو يخشـاه، يخشــاه!! يخشــاه بحجمِ المأسآة التي يُدركها في سطورِ هذهِ الروايـة . . هتفَ بنبرةٍ ارتعشَت وهو يشدُّ على كتفيها : إلين ، إلين اثبتي ، قلتِ إنِك قوية، أنتِ قويّة ما تنكسرين! ما تنكسرين يا إلين.
أغمضَت عينيها بقوّةٍ وهي تشدُّ بأسنــانها على شفتها السُفلى بقوّة، تعالَى صوتُ تنفّسها حدّ أن ارتفعَت اكتافها وانخفضَت بسرعةٍ بين يديه إثرَ تنفّسها، حبالها الصوتيةُ استطاعَت أخيرًا أن تتغلّب على الشهقةِ المتّكِئةِ عليها، نفضتها بقوّةٍ لتخرجَ كخروجِ الروحِ من الجسد، شهقةً كـان حجمها يدلُّ على عصيِّ تلك القصّة الجديدةِ على عقلها، روحِها، خرجَت لتخرجَ معها صوتُها محمّلًا بنبرةٍ واهنـةٍ فقدَت معالـم الحيـاة والوجُود : كِــذب . . كِـذب . . تكفَى قول إنّ هالحكِي كذب!!!
عبدالله بصوتٍ حـازمٍ لن يقبل بهِ التراجعَ بعد أن وصلْ : ماهو كِذب يا إلين هذي الحقيقة ، أمّك كذّبت عليك وأدهم مشى معاها في القصة وما صحح لنا من البداية.
تضــاعف انتفـاضها بشدّةٍ لتهزَّ رأسها بالنفيِ وتطلقَ أنينًا عاليـًا تبعهُ صوتٌ يائِس يكادُ ينحرفُ في بحّةِ بُكــاء : يارب ، يارب ، يارب .... تكفى لا تقولها، حرام عليكم!!! تكفون لا تلعبون فيني بهالطريقة ... يارب ، يارب ساعدني ياربي والله ما أقوى والله ما أقوى ...
شدّت على أجفانِها أكثـر ووعدُها بالقوّةِ والثبـات يندثِر، وعدها بعدمِ البُكـاءِ يندثِر، وعدها بأن لا تُبالـي بهم يندثر، لا تبـالي بهم في الحقيقة!! لا تبالـي بهم ولا تبكيهم، هيَ تبكِي نفسها! تبكِي قلبها، تبكي روحها والهويّة التي تهرولُ ولا تريدها ، تبكِي انفعالاتِ الشفـاهِ ليالٍ ظنًّا بأنّ دمـها عُرِفْ، بأنّ نسبَها عُرف، بأنّها عرفَت نفسها!! لم تعُد تريد الثبـات ، ستبكِي الآن ، ستبكي وتكسرُ ذاك الثبـات بانكسـارٍ جديدٍ كيفَ بأنثَى مثلها أن تحتمله؟!
انتحبَت بشدّةٍ وجسدها يتشنّجُ بقوّةٍ رهيبةٍ جعلَت عبدالله يستغفرُ بقوّةٍ تباعًا وهو يشدّها إليه ويحتضنها بين ذراعيْن إن بحثَت عن هويّةٍ ستجدها بينهما، إن بحثَت عمّن يحملها ستجدهُ في أضلعه، لكنّها الآن فقدَت الشعُور بكلِّ شيءٍ عـدا تلك القصّة التي عاشَت عليها سنةً وأشهـرًا، توسّلت فيها لشخصٍ ظنّته أخاها ، يا الله يا حجمَ مأسـآتها، ذهبَت لبيته رغمًا عنه، التصقَت بهِ رغمَ رفضهِ وكلُّ ذلك لأنّها أرادَت أخًا، عائلة، هويّةً تنتفضُ مبتعدةً عنها في لحافِ سفرٍ دائِم.
نشجَت بقوّةٍ في صدرِه وهي تُكرر " ياربي " بصوتٍ جازعٍ مُنكسِر، في حينِ كـان هو يشدِها بقوةٍ ويلفظُ من خلفها استغفارًا وآياتٍ يقرأها عليها علّها تهدأ، بينما انبثقَ الأسى من بينِ شفتيها، داهمَتها كلمـاتُ الاعتـراض، عدمُ التصديق، التنكيلُ حرام! كيفَ يفعلونها بمن مـات في أرضِ الهويّة!! : سوّى ، تحاليل ، أنت خليته يسويها صح؟!!
عبدالله بصوتٍ يغصُّ في ألمِه لهذا الانكسـار في حضنه وبصوتٍ جازِع : أيه أيه ، بس ماهي صعبة يتلاعب ، ماهي صعبة ..
آآآه ، آآهٍ تخرجُ منها وتعلُو بعلوِّ الخيبـة، بعلُوِّ الانكسـار، آهةٌ خرجَت من صدرِها محمّلةً بكلِّ معانِي الألـم . . آآآه ، وألفٌ منها لا تكفِي . . آآآه ، وألفٌ منها لا تشطُر هذا الأسى . . آآآه ، وترتيلةٌ أخيــرةٌ لاعوجاجِ الخـاصرة . . آآآه ، يا زماناتِ الحيـاة المُنتصفةِ ببكـاءٍ ودمُوع، تسقِي ضريحًا لا يهدأ بفحيحِ الانتظـار، تسقِي ترابًا يضمُّ ببرودتِه هذا الجسدَ الذي تعفّن بحُزنِي، آهٌ يا قصصَ السعـادة، كيفَ كذبتِ؟
ارتفعَ بكاؤهـا وصوتُها الهاتفُ باعتلاءِ الألـم منصّةَ الاحتمـال : ليه هوّ كذا؟! ليه الزمن كذا؟ يركض ويعيّي يشيلني على مركبْ ملاذ؟ ، شويّة ملاذ بس! والله ما أبغى منها كثير ، ما أبغى غير جزء يخليني ما أبكِي بعد ما أوعدنِي بعدم البُكا! آآآه يارب الوعُود! عجزت أوفي لنفسي ، عجز قلبي ما يحزن ! . .
عبدالله وصوتُها النازِحُ من عمقِ المعاناةِ يدفعهُ رغمًا عنهُ للانكسـار أكثر ، لكنّه بالرغم من ذلك يحاول أن يكون أكثر قوّةً ويلفظَ بنبرةٍ حازمـة : لا تقولين كذا ، قلتلك ما يستاهلون هالحزن والانكسـار ، ما يستاهلوووون!!
إلين بنواح : والله عجز يا عمي! يا يبه !! عجز قلبي ما يحزن، عجزت دموعي ما تطيح ، عجز هالثبات ما يهتز!! أنا كاذبـة لما أقول بصير أقوى ، كــاذبة !!!!
عبدالله بنبرةٍ أشدّ حزمًا : ما عليه ، خلاص لا تصيرين أقوى ، لا تمنعين بكاك بس ارجعي أقوى!! اضعفي يا إلين جعل هالضعف يزعزع مرقدهم ، اضعفي وابكي وبعدين صيري أقوى وتجاوزي.
إلين ووجهها يغُوص في صدره مبللةً ملابسه بدمعِها : بعد اللي قلته!! ما أقدر ، خــلاص هذي القشة اللي قسمت ظــهــري
أبعدها عنهُ قليلًا لينظُر لملامحَ غسلها الدمُوع وأغرقَ الحُزن المترسّب على بشرتها، تشنّجت شفاهُه وهو يمسح الدمعَ بكفيْه ويهتفُ بنبرةٍ متهدّجـة : هذا وأنتِ ما وصلتِ للموضوع الأكبر وقلتِ القشّة اللي قسمت ظهرك؟ خليتيني أندم إنّي حكيت!!
تقوّس فمها بألمٍ وهي تئنُّ بحسرةٍ وتهتفُ من بين شهقاتِها المُعذّبة : باقي بعد! بــاقي اللي أكبر!!! آآه ياربي آآآآه صبّرني ...
عبدالله بوجعْ : ما أقدر أتراجع، ودي أقول كل شيء وأخليها حُزن واحد ، الحُزن المُجّزئ يوجع أكثر خليه واحد يرحمك من تكرار وجعَه.
أغمضَت عينيها بقوّةٍ وهي تعضُّ شفتها السُفلى وتنتحب، لكنّ هذا الألـم في حُزنٍ تجزّأ! كيف يقول أنّ حزنًا واحدًا يرحمُ من التكرار وهي التي ذاقت الحُزن تكرارًا؟ ذاقَتهُ مُجزّئًا حتى هذهِ اللحظـة، ذاقتـه يحفُر في نُخـاعِها ويشلّها عن الحيـاة.
ارتعشَت شفاهها بقوّةٍ بعد أن حررتهما من أسنانها وهي تهتفُ ببحّةٍ حزينةٍ دونَ أن تفتحَ عينيها : مين هو أبوي؟ مين أحمد؟!!!
عبدالله بحقد : شخص حقير ، وما يستاهِل هالدموع منّك.
إلين بألمٍ تفتحِ عينيها قليلًا لتواجههُ بأحداقها الغارقةِ في محيطِ الدموع ولا مُنقذَ يُنقذها من الغرق : شلون سوّاها؟!
ابتسمَ ابتسامةً خافتـةً مستوجِعة : ما كنتِ بنت حرام ، تطمنّي من هالشيء ، المسـألة إنّ أمك وأبُوك كانوا متزوجين زواج تبيّن إنه خطـأ ، وأنتِ الشيء الصح فيه وبس!!
لم يقُل لهُ بأنّ امها تزوّجت وهي " متزوّجة "! لم يقُل لها بأنّ امها تساهَلت بنفسها ورمَت ذاتها على رجلٍ وهي لآخر، لم يقُل لها ذلك في خضمِ هذا الألـم، سيشرحُ لها أكثر في لحظةٍ تكون فيها قد نسيتهم ومحتهم من حياتِها، وقتها لن يكون الحديثُ موجعًا، هو في النهايـة زواجٌ خاطئ، ولن تهمّ التفاصيل الآن بينما لن توجعَ في لحظـةِ تجاوزٍ لهم.
همسَت إلين بوهنٍ أصاب جسدها حتى عضلة لسانها : شلون؟
عبدالله : ما تهم التفاصيل ، المهم إن الزواج كان خاطئ وعلى هالخطأ كان لازم ينفصلون .. ومن بعدها أبُوك رفض يعترف فيك بحجّة حقيرة وهي إنّ الزواج خاطئ وأمّك خلتك عنده ، * تنهّد بأسى وهو يلحظُ رعشة شفتيها بألم ، ليُردف * بس هو ما قدّر النعمة اللي عنده!!!
أنّت حنجرتها هذهِ المرّة، جُرحَت من نصلِ البكاء، وتذبذبَ صوتها الغارقِ في الوجعِ خارجًا إليه بنشيج : بس ، بس ماهو هي كانت متزوجة أبو أدهم . . وبع ، وبعدين ، أنا شلون بكون مسجلة بأوراق قديمة عندهم اني بنت ابوه وأخته!!
عبدالله بحزم : بشرح لك التفاصِيل بعدين ، * بتردد * الحين نجي للأهم !
انتفضَت وهي تتراجعُ للخلفِ وتضعُ كفيْها على أذنيها لتبكِي بقوّةٍ وانهــزام : باقي فيه أهم!! وأكيد بتقول أقوى من كل ذا دامه أهم !!! يا الله حرام عليكم والله حرام . .
نشجَت أكثر وهي تخفضُ رأسها دونَ أن تـخفضَ يدها، انسدلَ شعرها على جانبيّ وجهها ليبتلع عبدالله ريقهُ وهو يهمسُ بألـم : أدهــم ...
صرخَت مقاطعةً لـه : خلاص خلاص لا عــاد تقول شيء ، لا عــاد تقول شيء ، ما أقدر أتحمّل أكثر من كذا اتّقوا الله فيني !!!
عبدالله بجزع : ماراح أتراجع الحين ، لازم تعرفين كل شيء ...
لم تستطِع قولَ شيءٍ أكثر وهي تُكمل معزوفةَ الحُزن من حُنجرتها وتنتحِب، تُكمل المأسآة التي استندَت على حنحرتها وأثقلتها ليخرجَ نحيبها مُختنقًا.
في حين لفظَ هو بصوتٍ سبقهُ شهيقٌ سحب بهِ هواءً كافٍ حتى يجدَ القوّةَ فيما سيقُول : ابوك لازال للحين مسجّلك باوراق رسميّة بأنك بنته - نجلاء -، ومن هالأوراق استغـ .. استغـلك ، وزوّجك ..... لأدهم . .


يُتبــع ..

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 18-02-16, 11:02 PM   المشاركة رقم: 697
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 





،


الثالثـة صباحًا - المشفى.
بحّةُ صوتْ، وموتُ جسَد، استـطاعَ أخيرًا الحديثَ بصوتٍ مجرُوحٍ بالبحّة، كلّمـا دخلَت إليه مُمرضةٌ سألها بصوتٍ واهنٍ خافتٍ عن جِيهان، فتردّ إحداهنّ بـ " لا أعلم " وأُخرى بـ " لا أعرفُ هذهِ المريضة "، زفـر زفرةً مرهَقَةً من صدرهِ الذي تؤلمهُ أضلعهُ ويشعرُ أنّها تتفرقع، نظرَ للسقفِ بعينينِ تحمرّانِ بنـارٍ فلا يستطِيع فتحها لثانيتين إلا وأغلقهما خمسَ ثوانٍ وأكثـر، سائلُ المُغذّي يعبُر بأريحيّةٍ ليصلَ إلى جلدهِ ويخترقَ عروقهُ ومن ثمّ يختلطُ بدمِه، الأكسجِين يغطّي فمهُ وأنفه، بينما إحدى ذراعيْه مثبّتتانِ جانبًا بجبيرةٍ وقد فقد الراحـة في تحريكها، كلّمـا تمرّد بضيقٍ من حالتِهِ وحـاولَ سحبها وجدَ أنّ ألمًا حارقًا اكتنزها، حتى أنّ يـاسر قد غضبَ منهُ حين علم وخاصَمَه.
أغمضَ عينيه من جديدٍ لثوانٍ طويلـة وهو يشعر بأنّه سينفجرُ لا محـالة من هذا السريرِ الذي يُقيّدهُ ومن أفكـارِه، كيف هي؟ كم مرّةً سـأل نفسهُ ذاتَ السؤال وسـألَ بعينيه من حولهُ ولم يجيبُوه؟ بـات يخشى من صمتهم من فكرةِ أنّـهــا مــا . . شهقَ عند تلكَ الفكرةِ وتشنّجَ جسدهُ من فوقِ السرير، داهمـتهُ تلك الفكـرة كإعصــارٍ اقتلعَ باقِي السكُونِ فيه، كنارٍ أحـرقَت باقِي الصمت، تسـارعَت نبضـاتُ قلبهِ بتوتّرهُ حين زارتـهُ فكرةُ أنّها رحـلت لذا صمتُوا، مُستحِيل! مُستحيلٌ أن ترحَل، كيفَ يجرؤون على تركِه حبِيس تساؤلاتِه ولا يُنفرُون هذا الخوفَ منه؟ كيفَ لا يطمئنُون هذا الجسدَ الذي سكنتهُ وهاهـوَ ميّتٌ دونَها؟ كيف يتركـون لنبضاتِه أن تضطربَ حدّ التوقّفَ وهو يتخيّل أنّها مــاتت! يا وطـأةَ تلك الكلمة القاسيـة، لم تمُت! لم تمُت، لكنّهُ هو الذِي مـات بغيـابِها الآن.
شدّ على عينيه وجسدهُ يتصلّب أكثـر، تنفّسه صـار أصعَب، وفي خضمِ تلكَ العرقـلاتِ التي أصابته ولم تسمح لهُ بالتحرّك والاطمئنـان عليها سمعَ صوتَ البابِ يُفتحُ وخطـواتٌ سريعةٌ تقتربُ منه، كفٌّ شعَر بها تلامسُ جسده، وصوتٌ رجوليٌّ لم يسمعْ ما قـاله، ومن بعيدٍ كـان صوتُ يعرفـه جيدًا يختلطُ بذاك الصوتِ وبقيّة الأصـوات، يختلطُ بصوتِ نبضـاتِ قلبهِ وحشـرجةِ أنفاسِه، صوتٌ جعلهُ يهتفُ ببحّةِ صوتهِ التي تُضاعفُ من وهَن كلمـاتِه : يـــاســــر . .
اقتربَ ياسِر منه أكثر وهو يترك الحديثَ مع الطبيبِ الذي كـان يقفُ عند فوّاز، أخفضَ وجههُ منهُ قليلًا ليلفظَ بصوتٍ ثابت : لا تفكّر بأي شيء الحين يا فـواز ، كون بخير ، عشـان أمّك وخواتك، عشـان مرتَك .. اهدأ ، اهدأ ..
لم يهدأ، لم يهدَأ ، بل فتحَ عينيه بصعوبةٍ وحرارتهما تجعلُ النظرَ إليهِ صعبًا، ارتعشَت شفاهُه قبل أن يهمسَ بصوتٍ ملكُوم : جيهـان ، كيــ ـفها؟
ياسِر يضعُ كفّه على جبينه ويهتفُ بصوتٍ واثقٍ ونظراتهُ الواثقةُ تلتحمُ بعينيْ فوّاز مبـاشرةً كيْ يُطمئنه : توني كنت أشوف حالتها ، صارت بخير الحين ، تطمّن واهدأ . .
فوّاز ببحّةٍ والكلماتُ تخرج مُرتعشةً بتعبِه : تكذب علي ماهي بخير.
ياسر : والله والله إنهـا الحين طيبة وحالتها مستقرّة بس اهدأ وارجع لها عشان تقُوم.
أغمضَ عليه بعد أن حلفَ له وارتـاحَت أعصابُه المشدودة، هدأت نبضـاتُ قلبهِ تدريجيًّا بينما اخترقَت جلدهُ إبرةٌ راحَ من بعدِها في سبــاتٍ وجسدهُ يعودُ للسفرِ عن الوعيِ في أمـل أنّه عندمـا يصحُو مرّةً أخـرى سيجدُ أنّها أفضـل.


،


خرجَ من عندِه وهو يزفُر ويضعُ كفيْه في جيوبِ البالطو، في هذهِ السـاعات من المفترضِ أنّ عملهُ قد انتهى وعـاد لمنزِله لينـام، لكنّه لم يستطِع تركَ خالِه الذي أبَى أن يرحَل بالرغم من كونِه من المفترضِ تركَ المشفَى ليرتـاح ويعُودَ في ساعاتٍ أخرى أو ينتظرَ اتّصالًا يخبرهُ بحـالها . . تنهّد بتعبٍ وهو يتحرّك متّجهًا إلى المكـان الذي يقعُد يُوسف فيه وقد كان الأقـرب لغُرفـة جيهان، وحين أصبـح على مرآه لمحهُ يُهاتفُ وابتسامـةٌ تشقُّ فمهُ بعد أن كـان خبرُ استقرارِ حالتِها قد وصلَ إليهِ وجعلهُ يطيرُ فرحـًا ويُغادر ثاني أكسيدَ القلقِ صدرهُ الذي كـان يخنقُه . . ابتسمَ بتلقائيّةٍ وهو يرَى الاستـرخـاء الذي طفَى على ملامحهِ بعد رحلةٍ من الوجعِ والدمُوع .. اقترب منهُ أكثـر ليُخرج كفيه من جيبيهِ في اللحظـة التي أغلقَ فيها يوسف ونظـر إليهِ باسمًا، وبنبرةٍ مُسترخيَة : الحمدلله على سلامتها.
يُوسف براحـة : الله يسلمك ، بس ما أقدر أتطمّن للحين بشكل تـام.
ياسر : لا تحاتِي بتكون طيبة بإذن الله.
همسَ بـ " يارب " وهو يُغمضُ عينيه ويتنهّد بقوّةٍ وأمـل، سـاعاتٌ تحشرجَ فيها الصبـر واشتعلَ فيهِ الورَى، ساعـاتٍ لم ينطفأ فيها لهيبُ الوجـع والدعوات التي تصرخُ تارةً وتصمتُ تارةً أخـرى، سـاعاتٌ طويلةٌ اختبـرت حبّها في صدرِه الأبـوي، كيف يُختبَر؟ كيفَ يُظنُّ بأنّه قد يرسُب في اختبـار هذه المشـاعر وهو الذي كـاد يُفتكُ بهِ من وجعِه؟! سـاعاتٌ يا الله لم تكُن قليلة، لكنّ وجَعها كان أكبــر.
رفعَ كفيه ليَفتحَ زريّ ثوبهِ العلويّين اللذين فتحهما كثيرًا وأغلقهما كثيرًا هذا اليومَ من قلقِه، والآن هوَ يختنقُ الآن من شدّةِ فرحـه، من شدّةِ هذهِ الراحـة الآن بعد أن كـاد يختنقُ من شدّةِ ضِيقِه. بلل شفتيه بلسانِه ليقطّب جبينه ويلفظَ بصوتٍ متلهف : أبي أشُوفها.
ياسِر الذي لم يُرِد كسر لهفتِه وضعَ كفّه على كتفِه : ما أظن تقدر الحين خصوصًا إنها لازالت بالعنـاية، بس الحين ارجَع البيت تروّش وبدّل ملابسك وشوف وضع بناتك اللي ماقد رجعُوا بيتكم للحين وأنا بحاكِي دكتورها المبـاشر وبسأله إذا تقدر وبحاول أخليك تشوفها، أكيد أصلًا بينقلونها من العنايـة بهالساعتيْن.
صمتَ يوسف قليلًا وهو يشتّت عينيه، كـان يُريد الرفضَ لكنّه تراجـع، يحتـاج فعلًا للعودةِ للمنزل برفقةِ فتاتيْه اللتين تركهما ليومٍ كـاملٍ عدا من محادثـةٍ في هاتِف، لذا وافقَ على شرطِ أن يعُود ووقتذاك سيطمئنُّ على ابنتهِ بعينيه ، وقبل خروجه سيمرُّ على غرفةِ فواز حتى يطمئنّ عليهِ هو الآخـر.

بينما في مكانٍ آخر . .
رمَت الهـُاتفَ على المقعدِ الذي كـانت تجلسُ عليهِ لتقفزَ واقفةً بفرحـةٍ ومن ثمّ انكبَت ساجدةً سجُود شكرٍ اختلطَ بدمعها الذي لامـس الأرضَ البـاردة ، ليسَت كبرودةِ روحها التـي كانت، ليسَت كبرودةِ الصدرِ الذي بكَى دموعًا دافئةً لم تُذِب بردَ هذا الحُزن والألـم، لم ينجَح في نفضِ هذا الضعفِ الذي لم يُمحقهُ سوَى والدها وهذا الخبـر الذي جـاء مع صوتِه الفرِح.
الحمدلله يا الله حمدًا كثيرًا مباركًا طيبًا فيهِ على نعمةِ أنّها حُفظَت بعينِك التي لا تنـام ، الحمدلله .. الحمدلله.
نهضَت وهي تبكِي من الفرحِ بعد أن بكَت ساعاتٍ من الحُزن، تحرّكت وهي تنوِي إعلام عمّتها ام فـواز ، لكنّها توقّفت فجأةً حين رنّ هاتفها، أخذتهُ لتبتسمَ بسعادةٍ وهي ترى اسم والدها يُنير الشـاشة، كـان وقتها يُريد إخبارها أن تُجهّز نفسها هي وليان حتّى يمرّ ويعودوا لمنزلهم.


،


بينمـا في مكـانٍ آخر، بعد أن مرّت سـاعاتٌ وانقشعَ الظـلامُ بزُرقةِ الفجـر القانيـة، كـان السريرُ يهتزُّ باهتـزازِ جسدٍ أنثويٍّ واهـن، ببكـاءٍ حــارٍ بعد وعدٍ بعـدمِه، عــادت تلك اللمسـات، عــادت تلك القُبلات، عــادت تلك الذِكرى، تلكَ الملامحُ التي كـانت في المرّةِ الأولـى غريبة، باسمةً لكنّها أخـافتها بتلك القبلاتِ التي انتشـرت في أنحـاء وجهها مرافقةً حكـاوِي شفـاهٍ لم تفقها ولم تفقه معها تلكَ القبلات، وحين مرّتْ السنُونُ وعـاد ذاتَ الرجُل الذي التصقَت صورتهُ بدمـاغها، عـاد بقبلاتٍ كـانت أقسَى، عـاد بحدّةٍ كـانت مؤذيـة .. فهمت معنى القبلات الصغيرة! فهمَت معنى الاقتـراب، معنى تلك الابتسـامة، معنى أنْ يستحوذَ على قُفلِ هذا الجسدِ ويمتهنَه.
عضّت كفّها اليُسرى بينما ذراعها اليُمنى تُحيط بهِ خصـرهـا كدرعِ حمايـة، سقطَت الدمُوع تباعًا وهي تنتفض، لمْ يكُن أخْ! كــان شيئًا آخر، شيئًا موجِعًا أن يكُون بهِ ويؤذِيها، شيئًا موجعًا أن يتجـاهلَ عظمتهُ ويوخزها بالكثيــر مما فعلَ وأوّلهُ صمتُه.
لازالت تذكُر ما حدثَ قبل ســاعات، حينَ أطلقَ عبدالله تلكَ الجملـة كصاعقةٍ جاءَت مترافقةً مع مطرٍ بارِدٍ سبقها، كيفَ تجمّد إحسـاسها، كيف أظلمَت الدنيـا بعد انطفــاءِ عينيها، كيفَ أصبحَت عميـاء للحظـات! كيف أصبحَت الكلماتُ جسدًا يطعُن .. أصابَ جسدها آفةُ الوهـنِ فوقَ ما كـانت واهنـة، زاغَت عينيها وتباطئ تنفّسها وهي ترى نفسها تسقُط، تسقُط، تسقُط ولاذراعَ تكفِي لتكُون قويّةً وتحمل ثقلَ جسدها، ثقُلت بوزنِ الكلمـات، بوزنِ الاعتـرافات، ثقُلت وصورةُ عبداللهِ تشوّشَت أمـام عينيها، ترنّح الوعيُ فيهـا ، وسقطَت فعلًا! سقطَت لتتلقّفها ذراعيْ عبدالله الذي صرخَ باسمِها ، أيّ اسم!! لا تذكُر، لم تكُن تسمَع بشكلٍ كـافٍ لتذكر الآن قوّةَ ما سمعَت، لم تعُد تذكُر ما حدثَ بعد ذلِك ، لم تعُد تذكُر سوَى ذاكَ السقُوط، تاللهِ ما أقـُواه! تاللهِ ما أكبَره، لم تعُد تذكر ما حدَث، ما قـالَ وما قالـته، كلّ شيءٍ أصبـح مشوّشًا ، لكنّها لم تنسَى لحظـةً واحـدة، لم تنسَى أنّها في خضمِ البُكـاء وشبه فقدانِ الوعيِ لربّمـا صرخَت بسؤال " من متى؟! "، لا تذكر بما صرخَت! لكنّها لازالت تذكر الجـواب، الجـواب الذي غـاب كلّ شيءٍ عـن أذنها سواه، الجـواب الذي كـان " من 14 سنة ، 14 يا إليـــن "، يا الله! .. كخريفْ، كشتــاءٍ عاتِي، لا تدرِي! لكنّه كـان أمرًا أسقَط أوراقها بعد جفـاف، قد يكُون هذا السقُوط في خضمِ الخريف، وقد يكونُ في شتـاءٍ أسقطَ جفـافها بإعصــار، كيفَ يبترُون الحيـاة؟ كيفَ يبترُونها ولا يشعرُون؟ كيفَ لهُم تلكَ القسـوة؟ ألا يشعُرون؟ ألـمْ يتذوّقـوا الانسانيّةَ يومًا؟
إلهـي! إلهــي وحسب! حسبي عليهم، حسبي على هذا الألـم، حسبي على سوادِ قلوبهم، حسبي على عيُونٍ رأتْ، وهي أعمَت غيرَها، حسبي على قلبٍ نبَض، وهو أسكَن غيرهُ، حسبي عليهم كلّهم، كيف فعلُوهـا بي؟ كيفَ آلمونِي الآن؟ كيفَ أوجعوا هذا الفؤاد ومضوا؟ كيفَ لوّنوا لوحتِي برماديّتهم وتلحّفـوا ببياضٍ زائِف؟
إنّي أتـألم! إنّي أتـألّمُ يا الله فأذقهم هذا الألـم، إنّ هذا الروحَ تئن، اقتلهم بخناجِرهم، بذاتِ أسلحتهِم التي اوجعُوا صدري بها .. كيفَ يفعلها بِي؟ كيف يلحقنِي بهِ ويعِيش؟ أمـا خشيتَ الله فيّ يا أدهـم؟ أما خشيتَ الله فيّ؟ منّك لله! حسبي عليك ولا تكفِي دعـوةٌ لأُطفئ هذا اللهَب .. آه! يا حجمَ وجعها الآن، آه! يا هذا الأذى الذي زرعُوه في نحرِها!
تبلّلت وسـادتها بدمعِها وهي تغمضُ عينيها وصوتُها يرتفعُ ببكاءٍ متألّم، كـانوا أشدّ من وعدِها، كـان هذا الألـمُ أقوى من عهدِها، كـان كلّ شيءٍ أقوى منها، أقوى من قـوّتـهــا ..


يُتبــع ..


 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 18-02-16, 11:11 PM   المشاركة رقم: 698
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 





في جهةٍ أُخـرى.
كـان لتوّه يدخُل للمنزِل بعد أن عـاد من المسجِد، السهرُ يخطُّ معالمهُ على وجهِه، عينيْه محمرّتـان بإرهـاق هذهِ الليلـة، بإرهـاق الاعترافِ الذي استنزفَ كلّ طاقـته .. اتّجـه للدرجِ وهو يدعُو بكلّ قهرهِ على امّها ووالدها ومعهما أدهم، نظَر لبـابِ غُرفتها، يكـاد يعود إليها ليُخفّف عنها، لكنّه تراجع ليتركها لنفسها، ليتركها تفرّغ مافِي صدرها بعد ذلك السقُوط الذي تلقّفهُ ليجدها تبكِي بإجهـادٍ على صدرِه وهي تلفظُ بصوتٍ يتلعثمُ ويغرقُ في بُكائه : مستحيل .. يا كبرها عند الله ... مستحييييييل ... كذب ....
لكنّه كان يتجـاهلُ ما تقُول وهو يصرخُ باسمِ هالـة كي تأتِي مستشعرًا أنها ستغيبُ عن وعيِها لا محـالة، في حِين كان صوتُ إلين يعلُو صارخًا غير مصدقًا حتى صرخَت أخِيرًا بانهيـار : متى؟ متى صــار هالشيء؟!!
لينظُر لرأسها بأنفاسٍ تعلُو بعد أنْ كـان ينظُر نحو البـاب منتظرًا قدومَ هالـة إليه، وبصوتٍ متحسّر : من 14 سنة، 14 يا إليــن ..
ولم يشعُر بعدها سوى بجسدها يثقُل أكثـر وأكثـر لتفقدَ وعيها أخيرًا في اللحظـةِ التي فُتح البـاب ودخَلت هالـة بذعرٍ ومن خلفها هديل بينما كان ياسِر في ذلك الوقتَ خارجًا في المشفى قرب عمّه وابن عمّه.

تحرّك نحوَ غرفتهِ وهو يلوِي فمهُ بحقدٍ تجـاه أحمـد، لن يتركه، يقسمُ أنّه لن يتركهُ دونَ أن يصحّحَ كلّ شيءٍ وبأسـرع وقت، دُون أن يقُوم بما يُريد ومنذ اليوم.
( شرطِي هو إنّك تصحّح أغلاطك تجاهها ، هي ما تبيك ولا راح تفكّر بحقوقها عندك أصلًا ، بس أنت ملزوم الحين تتصرّف بهالهويّتين اللي عايشـة فيها ، راح تساعِد في إنّك تصحح هويّتها وتلغي اللي عايشـة فيها حاليًا واللي لو بيدِي كنت خليتها تعِيش فيها للأبـد بما أنّ نسبك ما يشرّف .. بس ماني حقِير مثلك لدرجة إنّي أتلاعَب فيها والأبُو موجود واللي لازم يصير بيصير ... راح تتصرّف من بكرا بأوراقها وبأسـرع وقت بدون حسّ نـاس حولك وعـاد أنت مركزك عالي ومعروف وتقدر تتجاوز التأخيـر اللي ممكن يصير )
ذلكَ فقط ما أراد! فقط!! بينمـا هذا الزواجُ لا أحـد سيتصرّفُ فيهِ ســواه، ولا أحـد سيمحو اسم أدهم من حياتِها إلّا هوَ.

دخـل لغرفتِه ليجدَ هالـة تضعُ المصحفَ جانبًا بعد أن أنهَت القراءة لتوّهـا، وحين رأتهُ اندفعَت مباشرةً لتسألـه بصوتٍ لازال حادًا وغاضبًا منذ رأت الحـالة التي كانت فيها إلين : يعني منت راضي تعلّمني وش صـار عشان يصير فيها كل هالشيء؟ ترى صوت بكاها كـان طالع من غرفتها من تو.
تجـاهل عبدالله النظـر نحوها ليتّجه نحوَ الخزانةِ حتى يُخرج ملابسه، حينَها شدّت على أسنانها بغيظٍ لتردفَ بصوتٍ غاضب : عبدالله لا عـاد تتجاهلني بهالطريقة وش اللي صـار؟
عبدالله بجمود : اليوم خواتِي بيجُون احسبي حسابك.
هالة بغضب : حياهم الله وإن شاء الله أميرة بعد جايّة؟
استدار إليها بعينين غاضبتين : وليه ان شاء الله هالسؤال ما ودك تجي مثلًا؟
هالة : محشومة البيت بيتها وأنا الطالـعة ، هذي آخرة زماني أتعامل مثل الغريبة فيه.
عبدالله بغضبٍ عارمٍ رفعَ اصبعهُ لوجهها ليلفظَ بتحذير : اقصري الشر وابلعي لسانك ماني رايق لك اليوم.
هالـة بصوتٍ عالي : عســاك ما تروق طول عمرك عصّب وتعال كبّ عصبيتك على راسي ، بعَد قُول اليوم أنا سبب الحالة اللي كانت فيها إلين مو أنت صح؟ كل شيء غلط أنا بسوّيه وأنت الصح.
عبدالله : لا حول ولا قوّة الا بالله.
هالة بقهر : وفوق كذا اليوم أميرة جايـة ويمكن يصير نفس اللي صـار قبل شهور وأتطلّق الثانية من تحت راسها عادي عادي تعوّدت على الاهـانة منك بعد ما تحشر نفسها في أشيـاء ما تخصّها.
عبدالله بحدةٍ يُغلق الخزانة بقوّةٍ ليدوِي صوتُها في الغـرفة : اللي صار قبل أنتِ السبب فيه أميرة ما سوّت شيء غير إنها كانت تبي تكشِفك وهذا اللي صـار، أنتِ الغلطـانة يا هـالة لأنّ اللي سويتِيه محد يسويه غير اللي ما يخاف ربّه.
هالـة بحرقةٍ وحلقها يغصُّ في ملوحةِ دمعٍ سقطْ : قلتلك عذري ، وباقِي بعد ما تبي تعذرني؟!!
عبدالله يصدُّ عنها دونَ مبالاة : أي ما أبـي ، غير إنّ لك حسـاب لأنّك عرفتِي هالمـرَة اللي ما تتسمى.
هالة : شسوّت رقيّة بعد؟ هي مالها دخل بحقـارة زوجها اللي ترك بنته.
عبدالله بحدّة : زوجها اللي تقصدينه مـات ، استغفري ربّك وبعدين ترى مو كل اللي تقوله لك تصدقينه.
هـالة : هذا اللي عندِي ، ما قدرْت أتجـاهل مسألة إنها بتآخذها لا كبرت بحجّة إنّ ياسِر ما يحل لها مثل ماهي أساسًا تبي بنتها، بس كـانت أوضاعها سيئة وهي وقتها كانت بعد تبي زوجها يعترف ببنته بعد ما قذفها وقال ماهي بنته، مسألـة وقت بس ما صار اللي تبيه .. ما قدِرت يابو ياسِر خصوصًا إنّي حبيتها بعد ما وصِلت لها على يد رقيّة.
عبدالله بحدّةٍ ينظُر نحوها : أي هذا اللي خلاك ما تصرّين على غيرها .. بنت صديقتك كفو والله ، بس في النهايـة ضرّيتيها أكثـر.
هالـة بقهر : تبيني أكشف إنّي مرضعتها وهي محلفتني ما أرضعها والا بتاخذها مني حتى وإن كـان ابوها ماهو معترف فيها وبتكون بصورة بنت الحرام للناس؟
عبدالله بسخرية : شكلها بعد كانت تخطط تزوّجها ليـاسر ماهو تاخذها .. وحـدة وضيعة.
هالـة : حرام عليك!
عبدالله بقهرٍ يتّجه نحو الحمـام : نامِي بس نامِي ، ولا عـاد تسأليني عن شيء والا طلعت وتركت لك الغرفـة بكبرها.
تأفأفت هالـة بغضبٍ وهي تشتمُ نفسها بقهرٍ من كلّ شيء، من كلّ ما حـولها.


،


الثـامنةُ صباحًا، يجلسُون محتضنِين الصمتَ الذي لا يطُول بينهما كثيرًا إلا وقطعهُ هو بصوتِه الجـافِّ ذاتِه، كانت تحتضنُ كُوبَ العصيرِ وهي تعقدُ حاجبيها بضيق، شعرها تلفّهُ في " كعكةٍ " مُهملةٍ تبيّن مزاجيّةَ رُوحِها، ووجهها يختفِي منهُ حتى أحمـرُ شفاهٍ لا يجيءُ صباحٌ إلا وهي تُحيّيهِ به ... لوَى فمهُ قليلًا وهو ينظُر للعصِير الذي لم تشرب منهُ حتى الرُبعُ كمـا طعامُها لم تذُق منهُ الكثير، هتفَ بصوتٍ جـامد : كلي فطُورك ماهو ناقصني يصير لك شيء من سوء الغذاء وتشغليني فيك.
تابعها وهي تُشتت عينيها وتبتلعُ ريقها بربكَة، ودُون رغبـةٍ منها كـانت تمدُّ يدها نحوَ طعامِها وتعُود لتقضمَ القليل مما لا تُريد، وليتَها تقضُم هذا الضعفَ وهذا الحُزنَ منها . . أشـاح سُلطان نظراتهُ عنها ببرودٍ ليعُود ويُكمل طعامـه، ولمْ يكُد يمرُّ دقيقتين حتى عاد ليهتفَ بصوتِه ذاتِه : فتحتي جوّالك؟
غزل بصوتٍ خافتٍ تملأهُ بحّةُ الربـكة، بدون أن ترفعَ عينيه إليهِ حتّى لتلصقها بكوبِ العصيرِ وهي تفرك قدميها ببعضهما أسفَل الطـاولة : لا.
سُلطان : أجل بعد ما تفطرين افتحِيه ، ولا تردّين على أبوك إلا وأنا عندك ، ويا ويلك يا غزل تسوينها من وراي والا ما بيصير لك خير.
غزل بصوتٍ يرتعش : طيّب.
سلطان : هالمـرة بطلع من البيت وبتركك تمشين براحتك برّى الغـرفة مع إنّي ما أضمنك ، بس كذا والا كذا بضطر اتركك لأنّي ماراح أظـل طول وقتي حبيس البيت ويّاك .. طبعًا ما يحتاج أعيدها لك ، حسّك عينك تسوين شيء غلـط، وقتها بخليك تتمنّين الموت جد، وماهي صعبـة علي أجيبك لي فلا تضيعين وقتك.
ازدردَت ريقها بصعوبةٍ وهي تُخفضُ رأسها دونَ أن ترد، حينها وقفَ وهو يحمدُ اللهَ بخفوت، وقبل أن يتحرّك عـاد ليُضيف بصوتِه الذي يجرحُ بجفافه أكثـر من كلماتِه : بشرّي عن صلاتك؟ لا تكونين تاركتها أتوقّعها منك.
غزل بكذبٍ مرتبك : لا ما تركتها.
سلطان يرفعُ إحدى حاجبيه : نشُوف مع إنّي ما أظن ..
تحرّك حتى يبتعد عنها نحوَ المغاسِل بينما هاتفهُ الذي كان في جيبِه نبضَ بوصُول رسـالةٍ إليْه، فتحها بعد أن غسل يديهِ ليجدَ الرسـالة التي كـان ينتظرها منذُ يومين ( ولِيد العلي صـار موقّف بعد ما رفع عليه سلمـان قضيّة اتهامه كذب وزور بقتل أخوه وتشويه سمعته بهالخبر اللي كتبه في جريدة الجوهر )
ابتسمَ بسخريةٍ وهو يهمسُ بحقد : جـاء وقتي.


،


خـرجَ من قسمِ الشـرطةِ وهو يفتحُ أوّل أزرارِ ثوبهِ بغضبٍ واضِح، لتوّه كـان يُقابل وليد وجهًا لوجهٍ ويصفعهُ بكلماتٍ غاضبـةٍ ليردّ عليه الآخر بنبرةِ من لم يفعل شيئًا خاطئًا : لا تكذب ، أنا بنفسي سامعك وأنت متهاوش مع ولد أخوك اللي قتلته ، جيبُوه وهو اللي بيأكد كلامي.
حينها كاد يقتلهُ فعلًا لكنّه أمسكَ أعصابه وهو ينظُر نحوهُ باحتقـارٍ ويمضِي مؤكدًا له بأنّه لن يتركهُ بهذه البساطة وسيعاقبهُ هو وتلك الجريدة التي ستُغلقُ لا محـالة.
قابلتـهُ مكبّراتُ صوتِ الصحفيين وكاميراتٌ وأسئلةٌ كثيرةٌ عن حقيقةِ الخبـر الذي صُدر ليتجاهلها ويمضي لسيارته بملامحَ جامدةٍ وقاسيـة، بالرغم من كونِ كل تلك الأسئـلة كانت مستفزة! مستفزّةً لشخصٍ بـاردٍ - كما يرون -، تجـاهلها بطاقةٍ خارقةٍ ليصعد سيّارته بصعوبةٍ ويأمـر السائِق بالتحـرّك.
تحرّكَت السيـارةُ ليزفُر ويُعيد ظهرهُ للخلف، وفي تلك اللحظـة كـان هاتفهُ يرن، في لحظـةٍ خاطئة! الازعـاجاتُ لا تتركه منذ أُصدر ذلك الخبـر، ليسَ هذا وقت صراخ الهاتف وهو الأحمقُ لم يغلقه على الأقل ويُريح رأسه!! . . رفـعَ هاتفهُ بغضبٍ وهو ينوِي غلقهُ فعلًا، لكنّه صعــقَ ما إن رأى اسـم المُتِصل .. عنــاد!!!

.

.

.

انــتــهــى

وموعدنا القـادم يوم الثلاثـاء بإذن الله ()

ودمتم بخيـر / كَيــدْ !

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 19-02-16, 01:15 PM   المشاركة رقم: 699
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئة مميزة


البيانات
التسجيل: Sep 2010
العضوية: 190192
المشاركات: 574
الجنس أنثى
معدل التقييم: أبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 748

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
أبها غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي

 

سلمت يمناك كيد

إلين ( قطعت قلبي ). مؤلم شعورها
ومهما حاول الانسان أن يتفهمه لن يدركه .
هي أحسّت بأنها كاللعبة التي يتقاذفها أهلها
ويرميها على الآخر .. حتى لو كانت أسرة عبدالله
قد أحاطتها بمشاعر الأسرة الحقيقية لن يفي ذلك بالغرض
.
عبدالله .. رجل كبير في القدر أحببته ..
الحِمل الذي يحمله من حقائق ثقييلة جدا كالجبال الراسيات
أشفقت عليه وهو متجه إلى إلين ليخبرها بالفواجع .

مفاجئة اليوم هي معرفة أم ياسر برقية أم إلين ! !!

جيهان .. الحمدلله تطمنا على حالتها المستقرة وان شاءالله
تقوم بالسلامة .

سلطان .. أصلح هاتف غزل .. !
لابد أن لديه مكيدة يريد أن يوقع أحمد بها .

عناد .. ماذا يريد من سلمان ؟
تهديد .. أم تحذير .

مرة أخرى كل الشكر والتقدير لكِ كيد
وترى ما ملينا من الرواية أبد .
مستمتعين جداً . ونرجو أن نراها مع القصص المكتملة .🌸

 
 

 

عرض البوم صور أبها  
قديم 19-02-16, 04:30 PM   المشاركة رقم: 700
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئ مميز


البيانات
التسجيل: Jun 2010
العضوية: 174082
المشاركات: 4,031
الجنس ذكر
معدل التقييم: fadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسي
نقاط التقييم: 4492

االدولة
البلدLebanon
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
fadi azar غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 

رواية رائعة جدا اختي كيد

 
 

 

عرض البوم صور fadi azar  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليلاس, لغز, أكشن, القدر, الكاتبة كيد, انتقام, يوسف, رواية رومانسية, سلطان, غموض, عانقت, قيود, كيد
facebook




جديد مواضيع قسم الروايات المغلقة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t195238.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 02-10-16 06:32 AM


الساعة الآن 09:01 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية