لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > الروايات المغلقة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الروايات المغلقة الروايات المغلقة


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-11-15, 03:09 AM   المشاركة رقم: 546
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 





يلتفّون حولَ طاولـةِ الطعامِ ووجهها متجعّدٌ دونَ رغبةٍ بما أمامها، وعدمُ رغبتها تلكَ ظهرت مليًا في تقطيعها لكلِّ حبةِ أرزٍ إلى أنصافٍ صغيرة، بينما عينا سيف تراقبها وإحدى حاجبيه ترتفعانِ باستنكارٍ لمـا تفعل، ليلفظَ أخيرًا بهدوء : ديما ، ليه ما تآكلين؟
رفعَت ديما نظراتها إليه لتكشّر : مالي نفس بشيء!
سيف بهدوء : لازم تآكلين.
نظرَت ديما لام سيف قبل أن تُعيدَ توجيهَ نظراتها إليه وتلفظَ بنبرةٍ باردةٍ بعض الشيء : خاطري بورق عنب، ومخلل خيار!
ابتسمَ لها ليُشير لعينيه ويهتف بنبرةٍ " رايقة " : أبشري.
رفعَت إحدى حاجبيها لمزاجهِ الجيدِ بعد الصبـاح، إن شبِّه بشيءٍ فهو كالطقس! يتبدّل في لحظةٍ ما دونَ مؤشراتٍ في كلِّ مرة، وإن جاءت لشرحِ مناخهِ المُعتاد فهو غالبًا ما يكون جافًا كصحراويته! قليلًا ما تستشعر الأمطـار منه.
لوَت فمها لتنظر لأرز من جديدٍ وتُكمل تقطيع حبّاتها، حانت نظرةٌ من ام سيف إليها وقتذاك لتعقدَ حاجبيها قليلًا وتلفظَ باستنكار : ديما! ليه اللعب بالرز إذا ما ودك لا تجلسين طيب!
نظَرت إليها ديما بضيقٍ بعد ما قالته، ضوّقت عينيها ولوَت فمها لتهتفَ بنبرةٍ هجومية : شكلي ضايقتك؟ آسفة خالتي إن شاء الله آخر مرة.
وقفَت بقليلٍ من الفظاظة ليرتفعَ حاجبي سيف بصدمةٍ مماثلة لانعقادةِ حاجبي امه، تحرّكت ديما مبتعدةً عنهما لتستديرَ ام سيف بذهولٍ إليه وتلفظَ مبررة : ما قصدت شيء!
سيف يبتسم بتوترٍ غاضِب : معليش يمه امسحيها بوجهي ، نفسيتها خايسة بهالفترة.
صمتت وهي تعقدُ حاجبيها بضيق، في حينِ حثّها سيف على متابعةِ طعامها ونهضَ بحجّة الشَّبَع، اتّجهَ للمغاسِل في بادئ الأمر حتى يغسلَ يدهُ وملامحه تحتدُّ بغضبٍ لأسلوبِها الفظِ معها، اتّجه ليصعد بعدما غسَل يدهُ وهو يعضُّ شفتهُ السُفلى بغيظ، قدماهُ تكسرانِ المسافةَ بخطواتٍ متباعدة، وصَل أخيرًا إلى الجناحِ ودخَل وهو يُحاول أن يسكنَ حنقهُ منها ويُهدِّئ من حدةِ غضبه.
وجدها تجلسُ أمام التلفاز تُفرّغ غيظها بجهازِ التحكّم في كبساتٍ متتاليةٍ عنيفةٍ عليه، رفعَ حاجبيه بحدةٍ وزمَّ شفتيه وهو يقتربُ منها لافظًا بعنف : مافيه شيء سلم منك؟ أول شيء الرز وبعدين الريموت؟!! طبعًا وما ننسى أمي.
عقدَت ديما حاجبيها بمزاجٍ متعكّر، لم تنظر إليه وقلّبت القنوات متجاهلةً له، حينها شدَّ على أسنانه بغيظٍ ليقترب منها أكثر حتى وقف بجانبها وانتشلَ جهازَ التحكّمِ منها، رماهُ على الطاولةِ بشدةٍ وهتفَ بنبرةٍ حادة : ليه رديتي على امي بهذيك الطريقة؟
رفعَت أنظارها الباردةَ إليهِ لتبتسمَ ابتسامةً جامدةً صقيعية وتلفظَ بهدوءٍ لا يتماثل مع حدّةِ مزاجه : أي طريقة؟
سيف بحدة : ديما وبعدين معاك!! يعني ما ترتاحين إلا وتسوين عشر مشاكل في اليوم.
زفَرت بحدةٍ وقلّة صبر لتنهضَ بعنفٍ وهي تتأفأف، تحرّكت أقدامها حتى تبتعد عنهُ دونَ أن ترد، لكنّ ردّة فعلها تلك استفزّته ليُمسكَ بعضدها قبل أن تبتعدَ ويجذبها إليه بقوّة، وبحدةِ صوتهِ لفظ : إذا أكلّمك ما تلفين عني . . والنهاية معك أنتِ؟ مصرّة ما تمشّين ولا يوم بسلام!!
زفَرت بنفادِ صبرٍ ليشدَّ على عضدها بقوّةٍ آلمتها وهو يحاول كتم غيظه، تركَها أخيرًا ليتراجعَ قليلًا ويلفظَ بغضب : انقلعي من وجهي ، ومرة ثانية تحترمين نفسك مع أمي ... ما توصل قلّة أدبك معاها سامعة؟؟!


،


دخَل للمطبخِ ليجدها متجهّمةَ الملامح، تحتضنُ لقمةً في فمها وتنظُر لطبقها ببؤسٍ وقهر، عضَّ شفتهُ وهو يتمنى لو أنّها ممن يتذوّق المرَّ حلوًا إن كـان من صُنع يدِه، لكن على ما يبدو فهي قد اكتشفَت فظاعةَ ما صنعَت.
تنحنحَ وهو يخطو إلى الطـاولةِ مُبتسمًا، حينها أدارَت وجهها إليهِ وهي تضعُ الملعقةَ على صحنها وتبتلعُ اللقمةَ المحشورةَ في فمها قسرًا، لتلفظَ أخيرًا بعتابٍ مقهور : تضحك عليْ هاه؟ هذا ، هذا ، هذا وش؟!! يييييع
ضحكَ رغمًا عنهُ لتعبيرِ ملامحها الطفولية، وبأسلوبٍ تربويٍ رفعَ اصبعهُ وكأنّه يُحادثُ طفلة : لا تقولين يع، ما يجوز هذي نعمة غيرك محروم منها.
غزل بامتعاضٍ تنفخُ فمها وشعرها المُبلل يطوفُ من حولها : ما أخذت راحتي في الحمام كله من الحمـاس عشان أذوق اللي طبخته، حتى شعري ما نشفته! ارجع غرفتك لك الحق تهرب والله.
سلطان يضحَك وهو يقفُ بجانبِ مقعدها مسندًا كفه على الطـاولة : ما هربت ، بس كان عندي اتّصـال مُهم
غزل بتذمرٍ ترفعُ نظراتها إلى وجهه : لا تكذب.
سلطان يبتسم : والله ما أكذب.
صمتَ واختفَت ابتسامتهُ وهو يتأمّل وجهها المُصفّى من أي " مكياج "، بحثَ في ملامحها عن أثرٍ ما ولم يجِد، لتنحدِر نظراتهُ إلى عنقها الظاهرِ من فستانها المُشجر " الكت " والذي يصلُ إلى نصفِ ساقيها، لم يجدْ ما يُثبِتُ ما قالهُ سلمان في عنقها بعد وجهها، لذا انحدرَت نظراتهُ أكثَر إلى كتفيها، عضديها، زنديها، ذراعيها، وكانت انحداراتهِ المتفحّصة تلك كافيةً لتبعثَ ارتعاشاتٍ عديدةً متناوبـة إلى جسدها وتحشرجَ أنفاسها وهي ترى نظراتهُ تلكَ بوضوحٍ بشكلٍ لم ترهُ من قبل، بشكلٍ لم تلمحهُ في عينيه ولا تدرك ماهيّتهُ بالضبط، ضمّت جسدها بذراعيها بذعرٍ من انحداراتِ حدقتيه على جسدها ليتنَبهَ هوَ لتوتّرها واضطرابها بعدَ جرأةِ نظراته، لكن توتّرها ذاكَ لم يكُن حاجزًا كافيًا حتى يتوقّف، يُريدُ رؤيـةَ الدليلِ على حياتِها الماضيـة، الدليلَ على هذا الفراغِ الذي يسكن عينيها وهذا الخواءِ في صدرها، يريد أن يحزن عليها أكثر! ليُدرك كم أنّ حزنهُ على نفسهِ لا شيءَ أمـامَ مُصابِ غيره، يُريد أن يمسحَ كلَّ جرحٍ وآخرَ بكفيْهِ ولمسةٍ حنونةٍ منه، لا يهمُّ ما وضعهما، لا تهم كيفية علاقتهما، هو أقرَّ بأنه سيغيرها دينيًا، سيغيّر أخلاقها، ومن المُجحف في حقها ألا يلتفت لجِراحها.
مدَّ يدهُ إليها ليُمسكَ كتفيها، انتفضَت وتجمّد جسدها وعينيها اتّسعتا ناظرةً لوجههِ بذعرٍ وترقّب، بينما كان لتصلّب ساقها رأيًا بعيدًا كل البعدِ عن الهربِ الآن أمـام نظراتهِ وتلك اللمسة، ما الذي يُريدهُ بالضبط؟!!
رفعها سلطان بهدوءٍ ليجعلها تقف، انصاعَ جسدها لهُ بعد أن أصبحَ في وزنِ الرّيشة بينما عينيها المتسعتينِ بذعرٍ لم تفارق ملامحهُ ونظراتهِ إليها، شفتيها فاغرتين تناجيانِ القليلَ من الهواءِ الذي انسحبَ في شكلٍ عكسيٍ إثرَ خوفها. بينما شدَّ سلطان على كتفيها ليُديرها قليلًا حتى واجهتهُ بظهرها الذي يضطربُ بتنفسها، مدَّ يدهُ ليُمسكَ بمقدّمةِ فستانها حتى يفتح سحّابه، حينها تيقّظت ساقيها وانطلقَ صوتها في صرخةٍ مذعورة لتحاول الهربَ إلا أنّ ذراعهُ التفّت على بطنها ممانعةً لها من الهرب، مثبّتةً لها على جسدهِ وظهرها الذي ابتعدَ بمقاومتها اقتربَ من صدرِه، دفئه يصلها جيدًا لينشر رعشاتٍ عنيفةً في كاملِ جسدها وهي تقاومُ ذراعهُ القويّةَ حتى تهربَ من براثنه، لكنها لم تكُن شيئًا أمـام قوّته! لم تكُن شيئًا وكان كلُّ مافيها ضعيفًا بذعرها عدا صوتها الذي كـان يخرجُ صارخًا : ابعد عني ، سلطـــان وش تسوي ابـعــد ... اتركنــــي.
شهقَت بقوّةٍ حينَ شعَرت بهِ يسحبهُ كاشفًا ظهرها لترتعشَ ساقيها بقوّةٍ وذعرٍ وينتهي دعمهما لجسدها، ولولا ذراعُ سلطان لكانت سقطت على ركبتيْهـا بضعفها ذاك . . .

.

.

.

انــتــهــى

موعدنا بحاول أرجّعه لبارت كل أربعة أيـام، إذا ما قدرت فبيكون يوم الأحد.
+ هالفترة إذا صار وشفت البارت ماهو طويل بشكل كافي بجزءه على جزئين ينزلون بمواعيد مختلفة، الجزء الثاني راح يحمل رقم البارت ككُل بدون تجزئية وبينزل مرة وحدة مع الجزء اللي يسبقه، ما أدري إذا بتزعجكم الفكرة أو لا! بس على هالوضع الروايـة بتوصل لرقم 200 بارت بعد :( :" أمزح مو ميتين بس بيكون رقم أجزاءها كبير ومُمكن مُنفر والسبب إن البارت نفسه ما نقول قصير بس ما يخدم طول الروايـة.
حاليًا أنا قاعدة أجمّع روابط الأجزاء عشان أحطها بأول صفحة، إذا اعتمدت كلامي اللي فوق راح ينزل بس رقم البارت " بعد إضافة الجزء الثاني " واللي يقراها مُكتملة بيكون البارت طوييييل جدًا وهالشيء طبعًا مهم لأنه بيقلص عدد الأجزاء.

+ أسيل وشاهين لعيُونكم بنجيبهم البارت الجـاي، الساعة 3 بالضبط كنت بضيف موقف لهم بس خلاص الوقت ما عاد يسعفني ونعست ووراي دوام فلازم أنام طبعًا :( فاضطريت أأجل تواجدهم للبـارت الجـاي، + محادثة سلمان وسلطان أكثر شيء تأخرت فيه بهالبارت واستنفدني عن بقية المواقف :("""
تصبحون على خير ()


ودمتم بخير / كَيــدْ !

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 04-11-15, 05:48 PM   المشاركة رقم: 547
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئة مميزة


البيانات
التسجيل: Sep 2010
العضوية: 190192
المشاركات: 574
الجنس أنثى
معدل التقييم: أبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 748

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
أبها غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي

 

كل الشكر والتقدير ل كيد المبدعة ..

ضحكت على روحي وأنا أتوقع إن ناصر وقف على رجليه 😄.

فاشلة في التوقعات مية مية .

جزئية اليوم أكثر من رائعة .

أمجد ..قاسي قاسي قاسي ..

.ماجد وضياع العمر في الغربة و المجهول.. مؤلم حقاً أن تكون ميّتا
في نظر أحبتك ..ولا تتمكن من إبلاغهم بحقيقة وجودك .
هل يستطيع فيصل مساعدته فعلا ؟

ديما تغيرت كثيرا ..لا اعتقد سبب ذلك كون والدته فقط اقترحت عليه
أن يرد بثينه إلى ذمته ..أكثر ما أخشاه أن تتحول إلى نسخة مكررة
من جيهان ..

مرة أخرى ..شكرا من القلب .🍃🌸🍃

 
 

 

عرض البوم صور أبها  
قديم 09-11-15, 03:42 PM   المشاركة رقم: 548
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 



-



مساء الخير والسعادة :$ نعتذر للتأخير النت انقطع وما رجع غير 12 بالليل وكنت وقتها خلاص اذاكر امتحان اليوم فما كان فيه مجال أراجع البارت وأنزله.
+ المهم الحين ان الجزء راح ينزل حول الساعة 7 قُرب العشـاء ()


- أبها ، عاد مافيه إشكالية من التوقعات الشاطحة يا كثر ما نشطح ^^ بس ما أخفي عليك ابتسمت متعجبة الفكرة :P


* دمتم بخير دائمًا والله يسعد أرواحكم ضعف ما تسعدوني.

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 09-11-15, 06:16 PM   المشاركة رقم: 549
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 




سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافية ، وعسى الممتحنين مبيضين الوجه بس :$$
للحين أنا مبيّضة الوجه بس خربتها بامتحان اليوم :( نقول الحمدلله وبس ()

يلا نخليكم مع البارت عساه يكون مُمتع لكم :$ طبعًا جمعته مع الجزء السابق مثل ما قلت وخليته بارت واحد، وكذا نقلل من احتماليـة وصول عدد البارتات لفوق المئة.

استلموه الحين. وهمسـة لكل قارئ ولكل يد تكتب كلام حلو، عسى ربي يسعدكم ويرزقكم الراحـة من حيث لا تحتسبون، الله يسلم وجوهكم الطيبة ()


بسم الله نبدأ.
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبـادات


(58)




ابتسمَ وهو يرى وجه أرجوان المُنتفخِ لنومها في هذا الوقتِ على غيرِ العـادة، كان يجلسُ على إحدى أرائك الصالة وهي تقف مستندةً على إطار بابِ غرفتها وتفركُ عينها اليُمنى بكفها، وبرقة : غريبة نايمة بهالوقت !
أرجوان ببحّة النوم، لفظَت : مليت ومالقيت لي إلا أنـام، شلون دخلت؟
يوسف بابتسامةٍ وهو يفتحُ ذراعيه لتقتربَ منه : هالمرة ما نسيت المفتاح الثاني
ابتسمَت بكسلٍ لتقتربَ منه حتى جلسَت بجانبهِ ووضعت رأسها على صدرهِ ليضمّها إليه بحنان، أغمضَت عينيها بدلالٍ ودائمًا ما يكُون الأبُ هو العشيقُ الأول ولا يسبقهُ رجُل.
بدأ يمسحُ على شعرها المتناثرِ بفوضويةٍ على كتفيها وهو يهمسُ بهدوء : كيفها ليان؟
أرجوان باسترخاءٍ وحركةُ صدره المنتظمةِ صعودًا وهبوطًا تبعثُ في نفسها الأمـان والحياة : صارت حالتها كويسة، بس تتدلّع
يوسف بحب : يحق لها
أرجوان تضمُّ شفتيها لتمدّهما للأمـامِ بدلال : يعني لأنها آخر العنقود؟ مسكينة البنت الوسطى دايم حقها مسلوب من البِكر وآخر العنقود
ضحكَ وهو يمسحُ على ظهرها ويلفظَ بحنان : هالبنت الوسطى غطّت على خواتها بعقلها فما يحتاج نثبت لها بأي طريقة غلاوتها
أرجوان : أووووه أجل جيهان عقلها ماش ولابد! طيب طيب بيوصلها ويجيك العقل بعدين
ابتسمَ ابتسامةً باهتةً لتصمتَ هي في المقابلِ حينما تحشرجَ تنفسهُ وشعرت باضطرابِ صدره، عقدَت حاجبيها وهي تفتح عينيها وتضوّقهما بضيق، زفَرت بألمٍ وابتعدَت عنهُ قليلًا شاتمةً نفسها في داخلها، ابتلعَت الضعفَ الذي ناورَها في هذهِ اللحظة لتهمسَ بتهكّمٍ وابتسامةٍ ضيّقة : أوافقك تراها غبية
يُوسف يُشتت عينيه ليزفرَ ويلفظَ بضيق : الله يسعدها ويوفقها بحياتها.
أرجوان : محد يسعد بحياته وهو عاق! هذا اللي ما يخليني أرتاح لما أفكر فيها.
يوسف بحدة : أرجوان!
أرجوان بقهر : وأنا الصادقة صح أحبها وهي أختي الكبيرة بس مو معناته ما أعترف إنها سيئة! وصدّقني بتشوف كل اللي تسويه من عيالها * وقفَت بعنفٍ لتُردف * من ولدت وأنا متعودة على مقولة " عيالك بيعاملوك بنفس طريقة معاملتك لأمك وأبوك "! الحياة دين يا يبه الحياه دين.
عضّ شفتهُ والضيقُ والألمُ يرتسمُ في وجههِ بألوانٍ لا تُمحى ولن يمحيها الزمن، بألوانٍ سوداءَ معتمةً أسكنَت تقطيبةَ وجعٍ على جبينه لتتأوّه أخيرًا وهي تعودُ لتجلس بجانبهِ وتضعَ رأسها على كتفهِ ودمعةٌ خائنةٌ سقطَت من عينها اليُسرى، دمعةٌ تسقُط لتكسرَ كل موجةِ راحةٍ قد تباغتها وتَسكُنها، كيفَ أسكُن وألمكَ يحتاجُ دمعًا فقط حتى يكتمل؟ كيفَ أرتاح وأنتَ راحتي التي جُرحَت ومزّقها الزمنُ و - ابنة - ليتها تدركُ ماهيَ فاعلة! ليتها تدرك كم تقسو عليك وكم تدفعني للحقدِ على أفعالها. قلتها مرةً وسأُعيد، لن أسامحكِ يا جيهان وأنتِ حُزن والدي والتجعيدةَ بين حاجبيْه.
قبّلت كتفهُ باعتذارٍ وهي تهتفُ ببحّةٍ تتكثّفُ في حنجرتها لتختلطَ مع كل كلمةٍ تعبرها : آسفة ، ما قصدت أزعّلك بكلامي، آسفة يبه
تنهّد يوسف وهو يُغمضُ عينيه لفترةٍ طالت قبل أن يُديرَ رأسهُ إليها ويهتفَ بصوتٍ خافتٍ رخوي : إذا باقي لكم شيء ما جهزتوه خلّصوه بسرعة .. رحلتنا الساعة 10 بالليل


،


اتّسعت عيناهُ وملامحهُ تتجمّدُ كالصخر، حدقتاه تتحرّكان من جديدٍ بادئتين بأول حرفٍ في تلكَ الرسالـةِ حتى آخرها ، " مساء الخير، ما أظن نسيت العادة اللي كنّا وأتمنى - لازلنا - بنسويها كل ثلاث شهور وهي عشـاء مفتوح في بيت فهد وباسمه، مرّت خمس شهور على آخر مرّة سوينا فيها هالعادة! وأنت شكلك نسيت الموضوع بكبره، واضح وش كثر الصدمات تخلّيك توقف حياتك! "
جفّت حنجرتهُ ودونَ شعورٍ رفعَ كفّه الأخرى ليضعها على مقدمةِ عنقهِ وكأن الكلماتِ والأحرف ستزهقُ روحه وتنتشل الحيـاة منه، ماذا يُريد بالضبط؟ ماذا يريد من الإهتمـام بهذا الموضوع المتعلق بوالده؟! هل يقصد استفزازه فقط؟ بكل وضاعةٍ وبالسلاحِ الأقسى!! بأبيه الذي قتلهُ بنفسه؟ ممَ هو؟ يُريد أن يفهم فقط كيفَ يفعلُ كلّ ذلك ويُناقض نفسه وكل شيء! يناقضُ الزمنَ والقسوةَ التي صبّها فيما فعلَ وفي كلماته أمامه كثيرًا!
وقفَ بعنفٍ ليتراجعَ الكرسي للخلفِ بقوةٍ مُحدثًا جلبةً وفوضى لا تجيءُ نصف الفوضى في صدره، تحرّكت قدماهُ ليتّجه لغرفتهِ وهو يتنفس بتحشرج، دخلَ ليُغلقَ البابَ من خلفهِ ومن ثمّ رفعَ الهاتفَ إلى وجههِ وهو لا يفكّر سوى بأمرٍ واحد . . بالإتصــالِ به!

رنينُ الهاتفِ يبزغ، قلبهُ انكمشَ للحظةٍ وصدرهُ ضاقَ ككلِّ مرةٍ يعُود فيه الزمنُ ليُكرر نفسهُ في ذكريات، في إطارٍ كان يجمعُ صورةً مـا لهُما، الشبهُ بينهما، السنواتُ بينهما، المواقف الكثيرةُ وسِنّهُ الذي كبُرَ معه، عاشَ برفقتهِ أكثر ممّا عاشَ مع والده، فكَان طبيعيًا قبل أن يعلمَ الحقيقة أن يردَّ بـ " أبوي سلمان " كلّما سأله أحدٌ من تحب أكثر! كان طبيعيًا جدًا، طبيعيًا جدًا قبل أن يراهُ بعينِ الشر.
انقطعَ الرنينُ بعد رنّتين، وجـاءَ صوتُ سلمان يحملُ في طيّاته ذهولًا لكنّه في ذاتِ الوقتِ يهتفَ بثبات : السلام عليكم.
سلطان باندفاعٍ وحقد : أنت وش تبي بالضبط؟!!
أطبقَ الصمتُ على سلمان من الجهةِ الأخرى لبعضِ الوقت، قبل أن يتنهّد ويلفظَ بهدوءٍ لا يتناسبُ مع هذا الوقتِ أبدًا : رد السلام أول.
سلطان بغضب : وعليكم!
سلمان بسخرية : هذي الرد للكفار ، قول وعليكم السلام ورحمة الله ، تعرفها والا أعلمك حبيبي؟
زمَّ سلطان شفتيه والدمُ يتصاعدُ في ملامحهِ من الغيظِ والقهر، شدَّ على قبضتهِ بجانبِ فخذهِ ليلفظَ بخفوتٍ حادٍ وهو يتمنى أن يبصقَ الشتائمَ على وجهه : الله لا يسلم كل صورة جمعتنا قبل!
صمتَ سلمان واستكنَ نَفَسُه، في حين غابَت النبرات عن صوتِ سلطان وهو يعقدُ حاجبيه بألمٍ ويلفظَ بخفوت : وش تبي بالضبط؟!
سلمان يُبلل شفتيه قبل أن يهتفَ بثبـات : ما أبي شيء غير إنّي أبلغك إن العشاء بُكره، وفي بيت فهد اللي هو بيتك، عارف إنّك خلصت تصليحات من زمـان.
سلطان بغيظٍ وأطرافهُ انتفضَت بالبساطةِ التي يهتفُ بها بعد ما فعله وبعد أن كان السبب في " خراب " هذا البيت : على كيف أبوك هو؟!!
سلمان يبتسمُ ببرود : طحت من عيني صراحة ما كنت أتوقع ولا واحد بالمية إنّك ضعيف لهالدرجة! حياتك توقف عند أي عقبة!
شتت سلطان عينيه ونارٌ تستعرُ في صدره، نارُ غضبٍ وقهرٍ تختلطُ ببرودةِ ألمٍ صقيعية تخترقُ عظامَه. تحرّكت قدماهُ بوهنٍ حتى وصلَ إلى سريرهِ وجلَس، مسحَ على وجههِ بكفّه المُحرَرة لينطقَ بخفوتٍ واهتزاز : ضعيف! أيه ضعيف ، لأن كل حياتِي زائفة وهذا بحد ذاته كافي!
سلمان : كل حياتك؟ والـ 12 سنة اللي كنت فيها بكنف أبُوك؟
سلطان بضياع : احتسبت حياتِي من وراها! عمري 15 سنة بس!
أطبقَ الصمتُ من جهةِ سلمان الذي كان يجلسُ على كرسيِّ مكتبهِ الجلدي أمامَ حاسوبهِ الذي انطفأ نورُه، ونظرةٌ في عينيه انطفأت! زمَّ شفتيه وأغمضَ عينيهِ ليتراجعَ بظهرهِ للخلفِ بعنفٍ اصتدمَ بظهرِ الكرسيِّ ودفعهُ للتراجعِ عبرَ إطاراته، ملامحهُ تجمّدت لثوانِ، وملامحُ سلطان من الجهةِ الأخرى أظلمت وهو يعضُّ شفتهُ السُفلى وضعفهُ مُزري! يكرهُ هذا الضعف، لكنّه يستحلهُ رغمًا عنه! يكرهُ هذا الاستسلامَ في صوتِه. لو أنّه يملك حلَقةً واحدةً تكفي ليأخذ سلمان جزاءهُ فيرتاح! لو أن تلكَ القضية لم تندثِر بـ " راضِي "! لو أنّه كان فقط أقلَّ غموضًا وأقلَّ براعة! لكان الآن ارتـاح على الأرجح! لكان ارتاح مهما كان قبلًا قريبًا منهُ حدَّ أنه يناديهِ بـ " يُبه "! شُوّهت تلك الكلمة بأقذعِ الأفعـال، بكلِّ دمٍ بارد، انتحَل الأبوّةَ وهو اليتيمُ إليها، علّق قلبَ طفلٍ بهِ وكبرَ الطفلُ دونَ قلبهِ الذي مهما أقنعَ نفسه لن يستطيعَ أن يُكمل حياتهُ كما يجب! حياتهُ انحصرَت بِخمسةَ عشرَ عامًا فقط، كل السنينِ السابقة لم تكُن حياةً بقدرِ ماهي فقط تأشيرةٌ إليها.
فتحَ سلمان عينيهِ وانخفضَ صدرهُ بتنهيدةٍ صامتـة، تقدّم جسدهُ للأمـامِ من جديدٍ ليُبسطَ ذراعهُ فوقَ سطحِ المكتبِ قبلَ أن ترتسمَ ابتسامةُ سخريةٍ لاذعة على شفتيهِ وهو يهتفُ بتهكم : أجل اعتبر نفسك مالك حيـاة، مو عشان حياتك زايفة على قولتك بس لأنّك وقفت عند هذاك الزيف وما قدرت تبني لنفسك حقيقة بعد ما تشطب الـ 27 سنة اللي فاتت وتبدأ عُمرك من جديد.
أردفَ بسخريةٍ بعد صمتِ سلطان : مُثير للشفقة.


،


: وش صار؟ ليش الصراخ!!
رمَشت سريعًا ودونَ استيعاب وهي تنظُر لأمجد الذي وقفَ عند البابِ عاقدًا حاجبيه ونظراتهُ يُمررها من أعلاها لأسفلها ليتأكّد إذا ما كان هنـاك شيئًا، بينما ازدردَت هي ريقها بتوترٍ وشدّت شفتيها اللتين ارتعشتـا لتهمسَ بإحراجٍ وهي تشتت حدقتيها للأسفلِ متجاهلةً الألمَ في قدميها : الكوب طاح وانخرشت ، ما فيه شيء.
اشتدّت تعقيدةُ حاجبيه وتصلبَ وجههُ بينما نظراته تبدّلت لازدراءٍ وكُرهٍ لم ترهُ في حين كانت نظراتها بعيدةً عنه، ارتفعَت زاويـةَ شفتهِ العُليا في صورةِ نفورٍ منها وهو يهتف بصوتٍ لاذع : دلع بنات في النهايـة * استدارَ عنها ناويًا الخروج والابتعاد * هه، كالعادة ماورى راسك إلا المصايب.
زمّت شفتيها بألمٍ لحديثهِ والتمعَت عيناها بشعورٍ قاسٍ من النُبذِ تجاهها، لم تكُن يومًا تتألّم من حديثهِ ونظراته كما الآنَ وبعدما علِمَت السبب وراء هذا الكُره، بعدما علمَت كم أنّها دخيلةٌ بدرجةٍ تكفي لبعثِ كلِّ أنواعِ الكره والإزدراءِ في النفُوس. سمعَت صوتهُ يرتفعُ قليلًا مطمْئنًا لناصِر الذي كان هو بالتأكيد من فزعَ لصرختها وطلب منهُ الاطمئنانَ عليها، فهو بالتأكيد لن يهتم! لن يهتم لنكرةٍ مثلها.
تحرّك ينوِي المـغادرة، إلا أنه في النهايـةِ تراجعَ إليها وأدارَ رأسه نحوها دونَ أن يُديرَ جسدهُ بالكامل إليها، نظَر لهيئتها الضعيفة وهي تنظر للأسفلِ تضمُّ كفيها ببعضهما، ترتعشُ بصورةٍ غيرِ ملحوظةٍ لم يرَها، قبل أن يلفظَ بصوتٍ غليظٍ وجامد : مبروك على الزواج.
رفعَت رأسها إليهِ بسرعةٍ متفاجئـةً مما انطلقَ من شفتيه تجاهها، عيناها اتّسعتا قليلًا وشفتيها انفرجتا بذهولٍ مما جعلهُ يبتسمُ بسخريةٍ ويتحرّك مبتعدًا هذهِ المرّة تاركًا لها تتوهُ في تناقضهِ وتقلّباتِ لسانهِ التي نقشتهُ في صـورةٍ لا تفقهها.


،


فتحَ البابَ بكفّينِ تحتضنهما البرودة، دخَل شقّتهُ الخاويـة على عروشها ليزفُر بعمقِ ما تشاركهُ مع وحدتِه، أصبحَ صديقًا للجمادات، كلّما تباعدَت فطرتهُ في الحيـاةِ مع الناس وجدَ الجماداتِ تقتربُ لتصبحَ صديقته، تحتضنُ المرآة صورتهُ كلَّ يومٍ حتى يُحادثَ نفسهُ بالصبـر، فكلّ ذلك سينتهي، وإن لم يكُن بحيـاةٍ أفضل فسيكُون بممات.
أغلقَ البابَ من خلفهِ والتصلّب يشقُّ ملامحه، عينـاهُ تنطفآن بكلِّ الذكرياتِ التي سردها اليوم على فيصل، ليست كل الذكريات! فهو لم ينحلَّ بعد من حذرهِ ليُخبره عن كل شيء، اقتصَر في سردِ تلكَ الليلةِ فقط، وقليلٌ مما تبعها وجعلهُ غائبًا، ولم يُخبره عن ما تبقّى ولا عمن تبقّى.
رمَى نفسهُ بإهمـالٍ على أريكةِ الصالـة الكريمية، زفَر وهو يسندُ رأسهُ للخلفِ وصورة أدهم جاءته ممن دثّرهُم بعيدًا عن حديثِه، ممتنٌ له! كيف أنّه ساعدهُ كثيرًا في محنته، كيفَ أنّه غيّب الكثير من الصعوبـاتِ التي واجهته .. وسأبقى ما حييتُ أحتضنُ كلَّ ما فعلتهُ لي. بلل شفتيه بلسانهِ ومن ثمَّ أخرجَ هاتفهُ من جيبهِ ليتّجه لرقمهِ حتّى يتّصل به، وضعَ الهاتفَ على أذنه ليتابعَ الرنينَ بأسماعِه حتى حلّ محله صوت أدهم الباسم : حيّ الله صاحب الصوت الغائب.
ماجد يبتسم : الله يحييك.
أدهم : كيفك يا رجّـال؟ زين إنّك فكّرت تتصل ، تغلّيت وقلت بشوف إذا بيفكر فيني أو لا.
ماجد يميلُ برأسهِ قليلًا ممرغًا لهُ في الأريكةِ وصداعٌ يحشُر نفسهُ في رأسهِ قسرًا : اترك الكذب عنك دايم أتّصل عليك أنا.
أدهم : يا كذّاب! أظن لو ما أفكر فيك ما سمعت صوتك.
ضحكَ ماجد ضحكةً مبتورة وهو يُغمض عينيه : طيب ليه محسسني إني زوجتك؟
أدهم : افا عليك! الأولى والثانية والثالثة والرابعة بعد.
ماجد يشهقُ ويفتح عينيه : حرام عليك تبيني أموت؟
أدهم يرفعُ إحدى حاجبيه بغرور : والله ولك الشرف بعد ... * أردف بجديةٍ هذهِ المرّة * أقول ما عليك من هالحكِي ، كيفك أنت؟ بالفترة الأخيرة صرت متغيّر ... * بشك * صاير شيء؟
صمتَ ماجد لبعضِ الوقتِ قبل أن يتنهّد ويحرّك كفه اليُسرى باتّجاهِ مقدّمةِ عنقهِ حتى يريحها على بشرتِه وكأنّ حنجرتهُ تنتفضُ بردًا بغصةٍ وكفهُ ستدفئها، بلل شفاههُ في حينِ عقدَ أدهم حاجبيه بقلقٍ لصمته، وقبل أن يلفظَ بشيءٍ سبقهُ ماجد ببعضِ الهدوء : حصّلت أحد بيساعدني ويطلّعني من هاللي أنا محتجز فيه!
فغَر أدهم فمهُ دونَ استيعابٍ في بادئ الأمـر، قطّب جبينه للحظةٍ مرّت بسرعةٍ حتى وجدَ حاجبيه يرتفعانِ وصوتُه يتسلل من بين شفتيه مصدومًا : كييييف؟؟!
ماجد بهدوء : اللي سمعته ، واحد اسمه فيصل سلمته مصيري بعد الله وقال إنه يقدر يساعدني.
أدهم بانفعال : متأكد؟ متأكد بيساعدك!!
ماجد يُغمضُ عينيه بأمل : نقول يارب.
أدهم : واثق فيه؟
ماجد يصمتُ لبعضِ الوقت، وما كان ليحتاج أدهم سوى لثانيتين من الصمتِ حتى يصرخَ في وجهه : أنت مجنووون؟!
ماجد يتنهّد وينظر للأرضِ بفراغ : لا تحاتي ما جبت اسمك.
عضَّ أدهم شفتهُ بغضبٍ بعد ما قاله ليرتفعَ صوته صارخًا في أذنهِ بشتيمةٍ جعلته يجفل لثانيتين قبل أن يعضّ شفتهُ بغيظ : أدهم احترم نفسك!
أدهم بغضب : اللي يكون معاك ينسى الاحترام بكبره ... ما جبت اسمي؟ هذا تفكيرك فيني؟!! طيب ، خلّ هالفيصل ينفعك ولا طلع كذّاب بعدها فكر باسمي أو لا.
أغلقَ الهاتفَ بغضبٍ ليخلّف وراءه اجفالـةَ ذهولٍ على ملامحِ ماجد لانفعالهِ الذي يراهُ غيرَ مُبرّر، حاولَ الاتصال بهِ من جديدٍ لكن أدهم تجاهلهُ مما أثـارَ فيه الحنقَ ليلفظَ بقهرٍ وهو يرمي هاتفهُ بجانبه : بالطقــاق يا حرمه.


،


عبَرت البـرودةُ صدرهُ بعد الكلماتِ التي قالها، تجمّدت ملامحه وتصلّبت نظراته المتوجّهةِ للأرضِ بصمتٍ أطبقَ على حُنجرته، في حينِ وقفت " مثير للشفقة " نصبَ عينيه لتمرَّ لحظاتٌ بصمتهِ وصمتِ سلمـان من الجهةِ الأخرى وهو يُدرك جيدًا كيف ستكُون كلماتِه عليه.
ارتفعَ صدرُ سلطـان ببطءٍ في نفَسٍ متذبذب، وأغمضَ عينيه للحظـةٍ وهو يدرك قبلًا أنّ تلك الكلمة تشرحهُ حرفيًا فهوَ مهما أنكَر يبقى يمُوجُ في ضعفهِ حينمـا يستذكره، مهما حاولَ التجاهل تبقى الذكريـاتُ تمنعه، الكُره لا يكفي، الحقدُ لا يكفي، يحتـاجُ النسيان أو التبلد! يحتاجُ ما يجعلهُ يمرُّ على هذهِ الجراح ليثنر الملحَ ولا يشعر بحرقةٍ تعانقه وتنتشل كلَّ آهةٍ من صدرِه قسرًا.
بلّل شفتيهِ وأغمضَ عينـيهِ للحظـتين، كلُّ لحظةٍ ترقُص فوقَ أضلاعهِ على لحنٍ خاصٍ من الاندلاع، من النـار الداخليةِ التي تجرِي في عروقهِ بعنفٍ يتركُ لها الإصتدامَ بأقربِ ما تنولُهُ فتعزفُ لحنًا تفرّدت بهِ هيَ وصنعَت منه أغنيةً حزينة، وحُزنهُ تجاوزَ صوتَ النايِ بمراحِل، كم ظُلمَ النايُ بتعظيمِ حُزنهِ حتى آمنَ أنّ صوتهُ لا يجلبُ فرحةً عابـرة، في جسدي " موسيقار " ابتكرَ آلةً لم تُسمى ولن يُدوّنَ التاريخُ لها اسمًا، آلةً موسيقية خُلقت من ألـم، صوتُها أنينٌ وآه، تجلبُ الدموعَ ولا تزرع بسمةً مهما تاهَت في ألحانِها.
انتشَل صوتُ البـابِ هذا الصمت، فتحَ عينيه واستنشقَ الأكسجين بشهيقٍ عنيفٍ بعضَ الشيءِ بينما بقيَ سلمان من الجهةِ الأخرى يُشاركه الصمت طيلةَ ما مضى من لحظـات، يقرأ كلّ اختلاجاتِه من الحشرجةِ التي أنَّ بها صدرهُ وعرقَلت أنفاسـه. رفعَ سلطان أنظـارهُ إلى البابِ وبلل شفتيه وصوتُ غزل يأتيهِ متذمرًا : ليه سحبت على الأكـل؟ لا يكون ما عجبك وكنت تجاملني!
أنزلَ سلطان الهاتفَ إلى حجرهِ ليتنحنحَ قبل أن يعتلي بصوتهِ الجامدِ قليلًا حتى يصلها : روحي غزل ، شوي وبلحقك.
صمتت غزل من الجهةِ الأخرى وهي تقرأ الجفـافَ في صوتِه، لتتوترَ رغمًا عنها لكنّها في النهايـةِ هتفت بخفوتٍ وانصياع : طيب.
تابعَ سلطـان صوتَ خطواتها وهي تبتعدُ عن غرفتـه، حينها زفَر راسمًا عقدةً بينَ حاجبيه متجاهلًا كل الكلماتِ التي سردها سلمان على أذنيه وأيُّ استفزازٍ قد يُحاولـه، رفعَ هاتفهُ إلى أذنهِ من جديدٍ ليلفظَ بحدة : اسمع ، أنا موافق على العشـاء ، مو عشانك بس عشـان أبوي بس! وعلى قولتك ماني موقّف حياتِي عليك! إذا مو كل حياتِي فالجزء الباقي لأبوي.
لم يجبهُ سلمـان مباشرة وكلماتٌ تتصارعُ في حنجرتهِ بعيدًا عما يتحدّث بهِ سلطـان، لم يتركها حبيسةً داخلَ فمهِ بل أطلقَ لجامها ليسأله بقنوط : كيفك مع غزل؟!
سلطان يعقدُ حاجبيه مستنكرًا من الجهـةِ الأخرى، لكن سرعـان ما انفكّت تعقيدةُ حاجبيه ليرفعَ أحدهما باستفزازٍ ويلفظ بنبرةٍ مشدودة : شدخلك؟!
سلمـان بهدوء : مو شيء كثر ماني قاعد أتطمن عليها ، ترى مالها شغل فينا! لا تحاسبها على شيء.
سلطـان بغيظ : للمرة الثانية مالك دخل بحياتِي.
سلمـان دونَ اهتمـامٍ لما قال، لفظ : من طفولتها ماذاقت فرَح تام ، لا تذوّقها بالحُزن الحين.
صمتَ سلطان متفاجئًا من حديثِ سلمـان الذي يتوافقُ كثيرًا مع ما أدركهُ منذ فترةٍ تجاهها، انعقدَت الكلماتُ العنيفةُ في فمهِ وسكنَه الاستنكار لإدراكِ سلمـان لها والذي بقي هو لبعضِ الوقتِ حتى يُدركه، لفظَ بصوتٍ مستنكرٍ وهو يقطّب ملامحه : على أي أسـاس استنتجت إنها ما ذاقت الفرح؟!!
سلمان يبتسم : من كانت طفلة وأنا وفهد عارفين كل صغيرة وكبيرة عنها، تقدر تقول كنا مثل الأبوين لها خصوصًا إنها قريبة من عمرك ... ما تذكرها؟!!
ذهلَ سلطان بهذهِ المعلومةِ التي لم تمرَّ يومًا على لسانِها أو ليقُل لم تمرَّ على ذاكرتهما، لا يذكرها أبدًا! ولرُبّما هي أيضًا لا تذكر شيئًا متعلقًا بهِ حتى والدهُ وسلمـان، ماهذا التشابُك الصادم؟ والذي لم يتوقّعه ولو واحدًا بالمائة. انتشلهُ سلمان من ذهولهِ بصوتهِ الشـارد حينما أكمل بخفوت : وصلت طفولتها المؤلمة للضرب! أبوها مجنون رسمي، أو نقول سادِي! لدرجة إنه مرّة من المرات اعترف بكل وقاحة إنّ فيه أثار بجسمها من ضربه لها!
أجفَل سلطان وهو يستذكِر اللحظـة التي عاد فيها من مقرِّ الشرطـة تاركًا لنفسهِ هُنـاك بعد مقابلته لسلمـان، كيف أنّ يدهُ ارتفعَت في لحظةِ غضبٍ ودونَ شعورٍ ناويةً صفعها بعدَ شتيمتها لهُ وتقليلها من تربيته، كيفَ أنّ الذُعرَ أصابها لتصرخَ بخشيةٍ من كفّه أن تسقطَ على وجهها ... انقبضَ قلبهُ والتوَى حلقهُ بـألم، كـان يُدركُ أنّها لم تعِش حيـاةً سويّة، كان يُدركُ أنّ العالم لم ينصفها وسقطَت في براثِنِ صيّادٍ انتشلَ حقّها في الحيـاة كأيّ بشر، هي كالغزالِ البرّيِّ الذي وقعَ في مصيدةِ البؤس، فقدَت حرّيتها في الضحك، أسرَها الحُزنُ ونقشَ رماديّتهُ على بياضِ صفحتها.
سلمـانُ يردفُ بابتسامةٍ حمَلت بعضًا من السخرية : وإذا كنت طبعًا تنازلت عن قرارك بزواجك الصوري ذا أكيد ملاحظ هالآثار.
انتفضَت أطرافهُ بغيظٍ من وقاحتهِ في التدخل بشؤونِه، لذا هتفَ بنبرةٍ مشدودةٍ كالوتَر : للمرة الثالثة مالك شغل فيني.
سلمان بضحكةٍ مستفزّةٍ ووقاحة : لا تخالف فطرتك وتشكك العالم برجولتك عاد! جيب لنا ولد بسرعة عشان نناديك بو فهد.
سلطان ووجههُ اشتعلَ بغيظهِ وتحديدًا لأنّه يذكُر اسم والدهِ بسلاسةٍ وكأن الذنبَ ينسلخُ عنه، لفظَ بوقاحةٍ مماثلةٍ له : والله عاد غيرنا ما تزوّج أبد وهو اللي مشككنا برجولته!
سلمان : ههههههههههههههههه صاير وقح وقليل أدب يا ولد!
سلطان بابتسامةٍ مُغتصبَة : ومنكم نستفيد.
سلمان يبتسم ببرود : الوعد بكره.
تشنّجَ فكّه وتركَ لعقلهِ حرّية السفرِ لصورٍ من المستقبل القريب، أن يراه أمـامه، بهيئتهِ الواثقة وابتسامتهِ المتعجرفة بعد كلِّ ما خلّفهُ وراءه، وهل سيستطيعُ السيطرةَ على أعصابِه؟ كيفَ لهُ أن يسمحَ لهُ بالولوجِ لمكانٍ قتلَ فيهِ وأحرقه بعد سنين؟ كيف عساه يصبُر على رؤيتهِ ويتصنّع عكسَ الحقدِ أمـامَ العالمِ أجمع!! ... ازدردَ ريقهُ وقاومَ اختناقًا خلّفته كلماتٌ ملأت فمهُ ومنعَت الأكسجين من الولوجِ إليه، لفظَ بصوتٍ متخاذلٍ حاولَ اسكانَ الوهَن فيه : أنـا موافق ، بس بشرط!
رفعَ سلمـان إحدى حاجبيه، لكنّه لفظَ بهدوءٍ مستجيب : وأيش هو؟!
سلطان : العشاء يكُون في بيتك! ماني متحمّل أشوفك بنفس المكـان اللي حرقته.
سلمان بسخرية : يعني بيفرق؟ في النهاية بتشوف وجهي غصب عن عيُونك بعَد ، ولا تنسى إحنا تعودنا نخلي هالعشـاء بالبيت اللي كان عايش فيه فهد يعني ما يصير!
سلطان : هذا آخر اللي عندي.
تنهّد سلمان باستسلام : طيب ، لك اللي تبيه، طبعًا لأنك مثير للشفقة وحزنت عليك.
تجاهلَ سلطان كلامه بالرغم من كونِه استفزّه، لينطقَ بصوتٍ مغتاظٍ ونبرةِ كُره : إذا ما عندك شيء ثاني فـ مع السلامة.
ليُغلقَ دونَ مبالاةٍ لردّهِ ويسكُنَ للحظاتٍ ناظرًا للأرضِ والهاتفُ يقبعُ في كفِّهِ المعانقةِ لـه، في كلِّ مرةٍ يُقابلُ فيها سلمان أو يسمع صوته تشتعلُ نارٌ في صدرهِ وخليطٌ من الوجعِ والحقد، الأسى والتمنّي بأن يكون كل هذا كابوسًا امتدَّ لأشهرٍ غابَ فيها عن النهوض، لكن كل شيءٍ حقيقي! كل شيءٍ يزرعُ الأسى والحزن، كل شيءٍ كان زائفًا والآن ظهرت الحقيقة التي تمنى لو أنّه مات على نقيضها ولم يكتشفها.
زفَر بألمٍ لينهضَ ويتّجهَ للبـابِ حتى يلتحقَ بغزل التي أسكَنت فيه حُزنًا على حالها، رغبةً في ضمّها إلى صدره ومسحِ كلِّ وجعٍ شاركها طفولتها حتى الآن. لا تزالُ طفلة! وكأنّها نسيَت نفسها قبل سنين، في مكانٍ مـا، في لحظةٍ مـا، كبُرَ جسدها ونسيَت روحها المعتادةَ على النمو قبل سنينَ لتبقى طفلةً تتمنى الكثيرَ مما لم تحصل عليه في كنفِ والدٍ كمـا وصفهُ سلمان - سادي -.


،


يلتفّون حولَ طاولـةِ الطعامِ ووجهها متجعّدٌ دونَ رغبةٍ بما أمامها، وعدمُ رغبتها تلكَ ظهرت مليًا في تقطيعها لكلِّ حبةِ أرزٍ إلى أنصافٍ صغيرة، بينما عينا سيف تراقبها وإحدى حاجبيه ترتفعانِ باستنكارٍ لمـا تفعل، ليلفظَ أخيرًا بهدوء : ديما ، ليه ما تآكلين؟
رفعَت ديما نظراتها إليه لتكشّر : مالي نفس بشيء!
سيف بهدوء : لازم تآكلين.
نظرَت ديما لام سيف قبل أن تُعيدَ توجيهَ نظراتها إليه وتلفظَ بنبرةٍ باردةٍ بعض الشيء : خاطري بورق عنب، ومخلل خيار!
ابتسمَ لها ليُشير لعينيه ويهتف بنبرةٍ " رايقة " : أبشري.
رفعَت إحدى حاجبيها لمزاجهِ الجيدِ بعد الصبـاح، إن شبِّه بشيءٍ فهو كالطقس! يتبدّل في لحظةٍ ما دونَ مؤشراتٍ في كلِّ مرة، وإن جاءت لشرحِ مناخهِ المُعتاد فهو غالبًا ما يكون جافًا كصحراويته! قليلًا ما تستشعر الأمطـار منه.
لوَت فمها لتنظر لأرز من جديدٍ وتُكمل تقطيع حبّاتها، حانت نظرةٌ من ام سيف إليها وقتذاك لتعقدَ حاجبيها قليلًا وتلفظَ باستنكار : ديما! ليه اللعب بالرز إذا ما ودك لا تجلسين طيب!
نظَرت إليها ديما بضيقٍ بعد ما قالته، ضوّقت عينيها ولوَت فمها لتهتفَ بنبرةٍ هجومية : شكلي ضايقتك؟ آسفة خالتي إن شاء الله آخر مرة.
وقفَت بقليلٍ من الفظاظة ليرتفعَ حاجبي سيف بصدمةٍ مماثلة لانعقادةِ حاجبي امه، تحرّكت ديما مبتعدةً عنهما لتستديرَ ام سيف بذهولٍ إليه وتلفظَ مبررة : ما قصدت شيء!
سيف يبتسم بتوترٍ غاضِب : معليش يمه امسحيها بوجهي ، نفسيتها خايسة بهالفترة.
صمتت وهي تعقدُ حاجبيها بضيق، في حينِ حثّها سيف على متابعةِ طعامها ونهضَ بحجّة الشَّبَع، اتّجهَ للمغاسِل في بادئ الأمر حتى يغسلَ يدهُ وملامحه تحتدُّ بغضبٍ لأسلوبِها الفظِ معها، اتّجه ليصعد بعدما غسَل يدهُ وهو يعضُّ شفتهُ السُفلى بغيظ، قدماهُ تكسرانِ المسافةَ بخطواتٍ متباعدة، وصَل أخيرًا إلى الجناحِ ودخَل وهو يُحاول أن يسكنَ حنقهُ منها ويُهدِّئ من حدةِ غضبه.
وجدها تجلسُ أمام التلفاز تُفرّغ غيظها بجهازِ التحكّم في كبساتٍ متتاليةٍ عنيفةٍ عليه، رفعَ حاجبيه بحدةٍ وزمَّ شفتيه وهو يقتربُ منها لافظًا بعنف : مافيه شيء سلم منك؟ أول شيء الرز وبعدين الريموت؟!! طبعًا وما ننسى أمي.
عقدَت ديما حاجبيها بمزاجٍ متعكّر، لم تنظر إليه وقلّبت القنوات متجاهلةً له، حينها شدَّ على أسنانه بغيظٍ ليقترب منها أكثر حتى وقف بجانبها وانتشلَ جهازَ التحكّمِ منها، رماهُ على الطاولةِ بشدةٍ وهتفَ بنبرةٍ حادة : ليه رديتي على امي بهذيك الطريقة؟
رفعَت أنظارها الباردةَ إليهِ لتبتسمَ ابتسامةً جامدةً صقيعية وتلفظَ بهدوءٍ لا يتماثل مع حدّةِ مزاجه : أي طريقة؟
سيف بحدة : ديما وبعدين معاك!! يعني ما ترتاحين إلا وتسوين عشر مشاكل في اليوم.
زفَرت بحدةٍ وقلّة صبر لتنهضَ بعنفٍ وهي تتأفأف، تحرّكت أقدامها حتى تبتعد عنهُ دونَ أن ترد، لكنّ ردّة فعلها تلك استفزّته ليُمسكَ بعضدها قبل أن تبتعدَ ويجذبها إليه بقوّة، وبحدةِ صوتهِ لفظ : إذا أكلّمك ما تلفين عني . . والنهاية معك أنتِ؟ مصرّة ما تمشّين ولا يوم بسلام!!
زفَرت بنفادِ صبرٍ ليشدَّ على عضدها بقوّةٍ آلمتها وهو يحاول كتم غيظه، تركَها أخيرًا ليتراجعَ قليلًا ويلفظَ بغضب : انقلعي من وجهي ، ومرة ثانية تحترمين نفسك مع أمي ... ما توصل قلّة أدبك معاها سامعة؟؟!


،


دخَل للمطبخِ ليجدها متجهّمةَ الملامح، تحتضنُ لقمةً في فمها وتنظُر لطبقها ببؤسٍ وقهر، عضَّ شفتهُ وهو يتمنى لو أنّها ممن يتذوّق المرَّ حلوًا إن كـان من صُنع يدِه، لكن على ما يبدو فهي قد اكتشفَت فظاعةَ ما صنعَت.
تنحنحَ وهو يخطو إلى الطـاولةِ مُبتسمًا، حينها أدارَت وجهها إليهِ وهي تضعُ الملعقةَ على صحنها وتبتلعُ اللقمةَ المحشورةَ في فمها قسرًا، لتلفظَ أخيرًا بعتابٍ مقهور : تضحك عليْ هاه؟ هذا ، هذا ، هذا وش؟!! يييييع
ضحكَ رغمًا عنهُ لتعبيرِ ملامحها الطفولية، وبأسلوبٍ تربويٍ رفعَ اصبعهُ وكأنّه يُحادثُ طفلة : لا تقولين يع، ما يجوز هذي نعمة غيرك محروم منها.
غزل بامتعاضٍ تنفخُ فمها وشعرها المُبلل يطوفُ من حولها : ما أخذت راحتي في الحمام كله من الحمـاس عشان أذوق اللي طبخته، حتى شعري ما نشفته! ارجع غرفتك لك الحق تهرب والله.
سلطان يضحَك وهو يقفُ بجانبِ مقعدها مسندًا كفه على الطـاولة : ما هربت ، بس كان عندي اتّصـال مُهم
غزل بتذمرٍ ترفعُ نظراتها إلى وجهه : لا تكذب.
سلطان يبتسم : والله ما أكذب.
صمتَ واختفَت ابتسامتهُ وهو يتأمّل وجهها المُصفّى من أي " مكياج "، بحثَ في ملامحها عن أثرٍ ما ولم يجِد، لتنحدِر نظراتهُ إلى عنقها الظاهرِ من فستانها المُشجر " الكت " والذي يصلُ إلى نصفِ ساقيها، لم يجدْ ما يُثبِتُ ما قالهُ سلمان في عنقها بعد وجهها، لذا انحدرَت نظراتهُ أكثَر إلى كتفيها، عضديها، زنديها، ذراعيها، وكانت انحداراتهِ المتفحّصة تلك كافيةً لتبعثَ ارتعاشاتٍ عديدةً متناوبـة إلى جسدها وتحشرجَ أنفاسها وهي ترى نظراتهُ تلكَ بوضوحٍ بشكلٍ لم ترهُ من قبل، بشكلٍ لم تلمحهُ في عينيه ولا تدرك ماهيّتهُ بالضبط، ضمّت جسدها بذراعيها بذعرٍ من انحداراتِ حدقتيه على جسدها ليتنَبهَ هوَ لتوتّرها واضطرابها بعدَ جرأةِ نظراته، لكن توتّرها ذاكَ لم يكُن حاجزًا كافيًا حتى يتوقّف، يُريدُ رؤيـةَ الدليلِ على حياتِها الماضيـة، الدليلَ على هذا الفراغِ الذي يسكن عينيها وهذا الخواءِ في صدرها، يريد أن يحزن عليها أكثر! ليُدرك كم أنّ حزنهُ على نفسهِ لا شيءَ أمـامَ مُصابِ غيره، يُريد أن يمسحَ كلَّ جرحٍ وآخرَ بكفيْهِ ولمسةٍ حنونةٍ منه، لا يهمُّ ما وضعهما، لا تهم كيفية علاقتهما، هو أقرَّ بأنه سيغيرها دينيًا، سيغيّر أخلاقها، ومن المُجحف في حقها ألا يلتفت لجِراحها.
مدَّ يدهُ إليها ليُمسكَ كتفيها، انتفضَت وتجمّد جسدها وعينيها اتّسعتا ناظرةً لوجههِ بذعرٍ وترقّب، بينما كان لتصلّب ساقها رأيًا بعيدًا كل البعدِ عن الهربِ الآن أمـام نظراتهِ وتلك اللمسة، ما الذي يُريدهُ بالضبط؟!!
رفعها سلطان بهدوءٍ ليجعلها تقف، انصاعَ جسدها لهُ بعد أن أصبحَ في وزنِ الرّيشة بينما عينيها المتسعتينِ بذعرٍ لم تفارق ملامحهُ ونظراتهِ إليها، شفتيها فاغرتين تناجيانِ القليلَ من الهواءِ الذي انسحبَ في شكلٍ عكسيٍ إثرَ خوفها. بينما شدَّ سلطان على كتفيها ليُديرها قليلًا حتى واجهتهُ بظهرها الذي يضطربُ بتنفسها، مدَّ يدهُ ليُمسكَ بمقدّمةِ فستانها حتى يفتح سحّابه، حينها تيقّظت ساقيها وانطلقَ صوتها في صرخةٍ مذعورة لتحاول الهربَ إلا أنّ ذراعهُ التفّت على بطنها ممانعةً لها من الهرب، مثبّتةً لها على جسدهِ وظهرها الذي ابتعدَ بمقاومتها اقتربَ من صدرِه، دفئه يصلها جيدًا لينشر رعشاتٍ عنيفةً في كاملِ جسدها وهي تقاومُ ذراعهُ القويّةَ حتى تهربَ من براثنه، لكنها لم تكُن شيئًا أمـام قوّته! لم تكُن شيئًا وكان كلُّ مافيها ضعيفًا بذعرها عدا صوتها الذي كـان يخرجُ صارخًا : ابعد عني ، سلطـــان وش تسوي ابـعــد ... اتركنــــي.
شهقَت بقوّةٍ حينَ شعَرت بهِ يسحبهُ كاشفًا ظهرها لترتعشَ ساقيها بقوّةٍ وذعرٍ وينتهي دعمهما لجسدها، ولولا ذراعُ سلطان لكانت سقطت على ركبتيْهـا بضعفها ذاك . . .


،


تعلو شفتيها ابتسامةُ صفـاء، تستمعُ لأحادِيثِ عُلا المُتخَمةِ بإطراءها لشاهين، ومن ثمَّ التذمّر منهِ في حين، كثيرًا ما تبقى معها تستمعُ لأحاديثِها التي لابد من أن تتضمّنه، من الواضِح جيّدًا مثاليتهُ في عينيها، وإن لم يكُن مثاليًا هي ستراهُ كذلك بما أنه ابنها الوحيد الباقِي، يُدللها، كما يُدللها هي، يرسمُ ذاتهُ مثاليًا في أعينِ من يُحب! تمامًا كما تراه، مثاليًا حدَّ أن مثلها لا تنفعُ له.
لفظَت علا بتجهّمٍ أيقظها من شرودها العابـِر : يبيله كف أو اثنين يخليه يعتدل ؛ لا هو ما يستحق الكفوف! أنا أعرفه ما يسوي شيء يستفزني إلا لأنه يفكر فيني * لوَت فمها بحنق * آخرتها سفرتكم لشهر العسل اللي ألغاها، شسوي بهالولد أنا!!!
اتّسعت ابتسامةُ أسيل ووأدتْ ضحكةً رقيقةً كادت تظهرُ على شفتيها الملوّنتين بملوّنِ شفاهٍ قرمزي، عيناها المزيّنتين برسمةِ قطّةٍ أضافت جاذبيةً إليها انتهاءً بشعرها الخفيفِ والمتطايرِ حول وجهها القمحي. حكّت شفتيها ببعضهما البعض والتمعَت عيناها بصفـاءٍ لتلفظَ بنبرةٍ رقيقة : وهو الصادق والله أجل تبينا نسافر ونخليك؟
ضمّت عُلا فمها للأمـامِ بدلالٍ لتلفظ : ما زعلتي؟ خفت يسبب هالشيء توتر بيني وبينك من البداية عشانه قدّمني عليك
اتّسعت عينا أسيل بذهولٍ وانفرجَت شفاهها قبل أن تهتفَ متفاجئـةً من تفكيرها : هااااو! من جدك تفكرين إني ممكن أكون بهالأنانية؟
عُلا بخجل : مو عن كذا بس مافيه عروس الا وتتمنى سفرة بشهر عسلها
أسيل تعقدُ حاجبيها : طيب أنا بكون مختلفة عن الناس وبمشي بنمط مختلف وبقضّي شهر عسلي عندك .. لا أكون ضايقتك بس وما تبيني؟!!
عُلا بشهقة : افا عليك وش هالكلام؟ إذا ما وسعك البيت توسعك عيوني.
أسيل وأجفانها تتوتّر بحرج : تسلملي عيونك
ابتسمت علا بمحبةٍ لها وهي الأنثى التي تواجدَت في حيـاةِ ابنيها معًا، قبلًا متعب، والآن شاهين، لذا كان حريًا بها أن تكُون قريبةً إليها بهذا الشكلِ وتشغُرَ مكانًا خاصًا في قلبها. همَست : الله يسلم روحك.

مضَت الدقائقُ سريعـَة، تحرّكت كلٌّ منهما باتّجاه غرفتها حتى تصلّيا العصر، سجودُها يطولُ بدعواتِها المستوجِعة، المجروحةُ بسهمٍ حادٍ نُثِرَ السمُّ على حَدِّهِ وانتشرَ في دمها ليسحبَ الحيـاةَ منها . . اللهم يا حيُّ يا قيوم، يا سميع دعائي ورجائي، يا من ألجأ إليهِ في سرّائي وضرّائي، أصلِح لي قلبي كلّه! انزعهُ مني! * تُرتِّلُ بوجع * اجعل ذكراهُ عابرة، هو يستحقُّ الكثير، فانزع حبَّ الراحِل من قلبي واغفر له وارحمه، واغفر لِي هذا الحُب الذي أخشى أن يطولني عندكَ بذَنب، اللهم يا حيُّ يا قيّوم، وفّق شاهين لكل ما يتمناه، ووفّقني لإسعاده.
استغفَرت كثيرًا وصلّت على نبيِّ البَشر، أنهَت صلاتها بالسّلامُ ومسحَت على وجهها بكفّها من أثـآرَ السمُومِ والآفآتِ فيه، آثـارَ حُبٌّ مؤذي، ولا ضررَ ولا ضرار، كلُّ ماهو مضرٌّ محرّم، ولا أريدكَ في يومٍ أن تصيرَ ذنبًا يتعلّق بنحري ويلتفُّ حينها حبل شاهين حولي بضيقي.
نهضَت لتحملَ سجّادتها وتطويها، وفي خلالِ لحظاتٍ كانت تحمِل هاتفها من على التسريحةِ وتتّجه لرسائِل الواتسِ بعد التنبيهاتِ العديدةِ التي وصلت إليها وواحدةٌ منها جاءتها من " شاهين ".
فتَحت محادثتهُ لتعقدَ حاجبيها تلقائيًا وهي تقرأ رسالته : ( ترى متضايق وواجبك تبعدين هالضيقة عني )
توتّرت نظراتها للحظة، لمَ قد يشعُر بالضيق؟ لوهلةٍ خشيَت أن تكُون هي السبب بما أنّه طلبَ منها أن تُزيحَ ضيقه، سحبَت شفتها السُفلى لداخلِ فمها عن طريقِ أسنانها العلوية، وبدأت أناملها النقر على أحرف الهاتفِ لتكتب له : ( ليه متضايق؟ )
انتظرَت قليلًا ولم تمرّ نصفُ دقيقةً حتى ردَّ عليها وكلماتهُ تنقشُ التسلية بعيدًا عن الضيق الفعلي : ( مشتاق لك )
عقَدت حاجبيها في بادئ الأمـرِ دونَ استيعاب، لكن سُرعان ما احتلّتها ابتسامةٌ واسعة والتمعَت عيناها براحـةٍ بعد القلقِ الذي داهمها، بالتأكيـدِ تكفي أذيتها السابقـةُ له، والآن هي غيرَ مستعدةٍ للمـزيدِ من سلبيتها لتنثرها على حياتِه.
بللت شفاهها وتراجعت لسريرها حتى تجلس، بدأت بالكتابة إليهِ من جديد والابتسامةُ هذهِ المرة تعلوها : ( خلصت شغلك؟ )
رد عليها بعد لحظاتٍ قليلة : ( لا )
أسيل : ( أجل وش هالإستهتار قاعد تكلمني الحين؟ )
شاهين : ( أول شيء حاليًا أنا جالس وما عندي شيء، تقدرين تقولين بريك .. ثانيًا، ليه تضيعين موضوعنا الأساسي؟ )
أسيل تتّسع ابتسامتها أكثر : ( ترى دعيت لك بصلاتي )
انتظَرت لوقتٍ طـالَ أكثر وكأنّه استلذَّ بما أرسلته إليه وما دغدغَ قلبه، ردَّ بعد ثوانٍ طويلة : ( يا بخت اسمي اللي انضم لدُعاك! )
تصاعدَت الحُمرة إلى وجنتيها، ربّما لو علمَ ما تضمّنتهُ دعواتها لكَان لهُ مزاجٌ آخرَ وردٌ آخر بعيدًا عن " يا بخت! ".
شتت تفكيرها السلبي عن عقلِها، ونظرَت لرسالته الأخرى التي جاءتها قبل أن ترد عليه : ( مودي حاليًا مود غزل )
عضّت طرفَ شفتها وكتمَت ابتسامتها : ( بيّاع كلام كالعـادة، بس أطربنا )
شاهين : ( بتجاهل حكيك ، بس ماعليه اقري كويّس وخلي حُمرة خدودك تزيد طيب؟ )
ما إن قرأت رسالتهُ حتى تضاعفَ احمرارُ وجنتها فعلًا وقبل أن تقرأ غزله، زمّت شفتيها بخجلٍ وضوّقت عيناها قليلًا بعد أن وصلت إليها أول شطرٍ من غزلِه : ( تبينها بالشعر والأدب؟ أنتِ الوزن والقافية اللي تزيّن كل قصيدة، لا! أنتِ القصيدة. )
سعُلت قليلًا وارتفعَت كفّها الأخرى لوجنتها المُحمرّة، بقيَت حدقتيها متجمدةً على الهاتفِ وقلبها يضطرِب وكلماتهُ تتدافعُ واحدةً تلوَ الأخرى لتُكثّفَ ذنبها في حقِه، لتكثّف احتقارها لذاتها، بقيَ يُرتّل كلماتٍ عليها وعيناها تقرآن ببريقٍ يخفت، بخجلٍ يتباطئُ أمـامَ خذلانها لهُ حتّى تقوّست شفتاها أخيرًا والتمع الدمعُ من مقلتيها.
( تبينها بالتاريخ؟ أنتِ الحضـارة الباقيـة في كل حدود موطني )
( تبينها بالجغرافيا؟ أنتِ التضاريس اللي انطبعَت في قلبي والمُناخ الدائِم بدفئه )
( تبينها بالرياضيات؟ أنت العدد اللي يشغر كل شيء بالحياة )
( وإذا بغيتيها بالنحو، أنت الضمة اللي تروي ارتعاشاتي، والكسرة في غيابِك! أنتِ الجمع للجمال والحيـاة )

( أنتِ بلاغتي، وكنايتي عن الحياة )


يتبــع ..

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 09-11-15, 06:57 PM   المشاركة رقم: 550
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 





بخطواتٍ واسعةٍ تطرقُ الأرضَ بمزاجِ صاحبها كان يتّجه للدرج، يسمعُ صوتَ جده الذي يُناديه باستمرارٍ لكنّه يتجاهلهُ تمامًا ولا يُبالِي بنداءآته.
وصَل لآخر عتبةٍ حين سمعَ صوتَ جده الذي صرخَ بغضبٍ من تجاهله : الله يلعنك!!
ابتسمَ ببرودٍ وتضاعفَت ابتسامته بعد سماعِه لصوتِ تحطّم زجـاج، يبدو أن العجُوز صبَّ غضبه على كوبٍ أو ما شـآبه.
ضحكَ بسخريةٍ وأكمـل طريقهُ إلى غرفته، دخلَ ليتنفّس بضجرٍ ويتأمل غرفته ذي الألـوان المعتمة والتي تضاعفُ من كآبتِه. تحرّك ناحيـةَ سريرهِ ليرمي نفسهُ فوقَه دونَ أن يخلعَ حذاءهُ حتّى، بقيَ يتأمّل السقفَ لدقائِق، يغيبُ بعقلهِ الذي شرِدَ عن هذا المكـان، بأفكـارٍ كثيرةٍ يقمعها في صدرهِ ولا يُعرّيها لأيِّ أحـد، يتركُ غموضَ حياتِه لنفسه! لنفسهِ فقط!
تقلّب على جهتهِ اليُمنى وهو يُخرج هاتفهُ الذي نسيهُ في جيْبِه، فتحهُ ليعقدَ حاجبيهِ متفاجئًا من رسالةٍ وصلت إليه، من ذاكَ الرقمِ الذي اتّصل بهِ مرةً . . رقمُ عنــاد.


،


في وقتٍ سابِق
انتفاضاتُها كانت تتضاعَف، دموعها سقطَت بخوفٍ كما سقطَت قوّتها وصارَ جسدها بأكملهِ يصبُّ ثقلهُ على ذراعِ سلطان، عيناها اتّسعتا على الأرضِ المُصقَلةِ بالبرودة، قدماها الحافيتين تتضاعفُ رعشتهما وحدقتيها تتجمّدانِ في الفراغ، ماذا سيحدثُ الآن؟ هل انتهَى الأمـرُ هنـا؟ أمـام قوّتهِ عند ضعفها؟ أمـامَ مقاومتها الواهيـَة؟ كيفَ أخلَّ بالوعدِ بعد أن وثقَت بِه؟ وكيفَ ستكُون ردّة فعلهِ بعد أن يعلمَ حقيقتها! سيقتلها! سيقتلها لا محـالة.
ازدادَ ذعرها، واتّسعت عيناها أكثرَ ليُقاومَ جسدها ذراعهُ من جديد، صرخَت باسمهِ حتى يتركها، حاولت ركلَ ساقهِ إلا أن ركلاتها كانت ضعيفةً بتهدّل ساقيها، حاولت أن تفكَّ ذراعهُ التي تُحيطُ بطنها إلا أنّ ارتعاشهما كان يجعلهما لا شيء! لا شيء!!! . . بكتْ أكثر! هاهي ترى نهايتها تلتمعُ أمـامها، بكت أكثر وهاهو الموتُ سيسرقها كما كانت تتمنى! لطالما انتظَرت اللحظـة التي تغادرُ فيها الدنيا ببؤسها ودعَت اللهَ بذلك، لكن دائمًا ما يكُون الموتُ ساخنًا، مهما تمناه الإنسان إلا أن فطرته لا تريده أن يجيء سريعًا ويسرقه، وإلا لما كان البعضُ منهم بحثَ عن اكسيرَ الحيـاة وآمنَ به.
غرزت أظافرها بكمِّ ثوبه ليصلَ أثرها إلى بشرتهِ ويتألّم من فوقِ القُماش الأبيض، لكنهُ لم يكُن ليُبالي وهو يعقدُ حاجبيه، ينظرُ لبشرةِ ظهرها التي حمَلت آثآرًا بالفعل! آثآرًا لم يجدها في مكانٍ آخرَ من جسدها . . تنفّس باضطراب، وعيناهُ تتابعانِ خطوطًا رفيعةً مضَى عليها الزمَن، بعضها تُخبرهُ بوضوحٍ أنّها سكنتها منذ أكثر من عشرِ سنوات، وإخرى لم تدثّرها السنينُ بعد، لكنَّ الأشهـرَ تغلّفها، فهل تكُون الأخيـرةُ من هذهِ الآثارِ قبل أن تُصبِحَ في كنفه؟ . . زمّ شفتيه يكتُم آهةً كادت تهربُ من فمهِ عليها، وجدَ يدهُ الأخرى ترتفعُ رويدًا رويدًا، حتى استقرّت أطرافُ أصابعهِ ملامسةً جرحًا في أسفلَ عنقها، لم يكُن شديدَ الوضوح، لكنّه غرزَ نفسهُ فيها قسرًا مُناقضًا بلونِه الفاتحِ بشرتها السمراء . . شعر بجسدها يقشعر، وقاوَمتهُ من جديدٍ وصوتُ أنفاسها المُرتفعِ تستقبلهُ مسامعهُ بكلِّ أريحيـة، ثقلها يزدادُ ليشدَّ بذراعهِ القويّة أكثرَ وتُمارسَ عضلاتهُ تحمّلها لثقلها، كانت قد بدأت تنتحِبُ وصوتها يخرجُ من بين شفتيها متقطعًا راجيـًا : الله يخليك سلطان ، أنت اللي حِكت مصير هالزواج! حرام عليك اللي تسويه فيني!!
عقدَ حاجبيه قليلًا وابتسمَت شفاههُ ابتسامةً ضيّقةً أبعدُ ما تكُون عن معناها، كان الأسى يسكُن زوايـا تلكَ البسمَة، عيناهُ انعقدَ فيهما الصفـاءُ وامتلأت حقدًا على عائلتها، على والدها، ولو أنّه أمامـهُ لقتلهُ بيديه.
أخفَض يدهُ وشاركَت ذراعهُ في الإلتفافِ حولها، أحاطَ كتفيها ليُلصقَ ظهرها بصدره، انتقلَت جزيئـات دفئهِ إليها حتى يُسكَن ارتعاشها، إلا أنّهُ لم يكُن سوى كالحطبِ الذي ضاعفَ نارَ رعشَتها ودموعها الساقطة، رجاءها الذي يزدادُ تقطّعًا واختناقًا بنحيبها.
شدّ ذراعيه حولها أكثرَ وهمسَ قُرب أذنها بصوتٍ حنونٍ وحرارةُ أنفاسهِ تُلهبُ عنقها : اشششش ، ماني مسوي لك شيء، لا تخافين مني. أوعدك بكُون آخر إنسان ممكن يأذيك، هذا إذا كنت من قائمة اللي بيضرونك أساسًا!
ارتعشَت شفاهها للحظةٍ ثمّ سكَنت دونًا عن جسدها، بينما خفتَ صوتُه أكثر، وبقيَت حرارةُ ذراعيْه هي الوحيدةُ التي تتحدّث، التي تهبطُ بارتعاشاتها، تنقُل الأمـان إليها بينما شفاههُ تتحرّك دونَ صوتٍ مرتِّلًا المعوذتيْن وبعضَ الذِكر، لتتناقصَ رعشتها أخيرًا، ويقلَّ عُنف تنفسها واضطرابه، أصابعها لازالت تنغرسُ في ذراعه وتَزيدُ في قوّتها وكأنّما الرعشةُ هبطَت ليصعدَ تشنّجها.
سلطان يهمسُ بصوتٍ يبعثُ الأمـان إليها قسرًا : اهدي ، غزالة!
أغمضَت عينيها بقوّةٍ وفغَرت فمها حين لفظِه بـ " غزالة "! ارتخَت أصابعها قليلًا عن ذراعه، أظافرها لم تشعر بألمها إلا الآن، لكن الألـمَ اندثَر، والخوفُ عاقرهُ الآمـان، البُكـاءُ غلفهُ الصمت، صوتُ نحيبها وأدهُ صوتُه وحنانه . . أعـادت رأسها للخلفِ إلى كتفِه، تسندهُ إليهِ بعد أن هزمها الضعفُ وصوتُه، بعد الرُعب الذي كاد يقتلها وهي تتخيّل نفسها في غيرِ الموضعِ الذي يُلائمُها . . ازدردَت ريقها بصعوبةٍ والدمعُ يسكُن على بشرةِ وجنتها ويترسّب : توعدني ما تأذيني؟!
سلطان يبتسمُ وهو يُخفض ذراعهُ المُحيطةَ لكتفيها ويُشارك الأخرى في إحاطةِ خصرها، وبخفوتٍ بعد نبرتها الخافتـة والتي حملت رجاءً عميقًا وكأنّها تشكُّ بحديثه : أوعدك.
غزل تفتحُ عينيها وتُكرر لتتأكد : لو أيش ما صار؟
سلطان بتأكيد : لو أيش ما صار.
تنهّدَت وبعضُ القلقِ من المستقبلِ يغادر صدرها، هل بإمكانها أن تثق بِه؟ هي ليسَت مجنونةً لتفضَح نفسها على الصعيد الذاتي أو على غدرها له، لكنها لا تعلم ما تخبئه الدنيـا لها، ولربما انقلبَت الأمـورُ رأسًا على عقب.
بللت شفتيها وهي تشعر بدفء ذراعيه على خصرها، توترَت لتتحرّك معترضةً على هذا الوضع وهي تهمس : طيب اتركني
سلطان شدّها إليه بعد حركةِ اعتراضها، لينطقَ بحزم : بالأول جاوبيني ، وش قصّة هالعلامات اللي بظهرك؟
أجفلت وتصلّب جسدها بين أضلاعِه بصدمةٍ من سؤالـه، وكأنّ الآثـار وذكراها عفى عليها الزمَنُ ونسيتها في حينِ غرّة، في حينِ ذعرٍ وخشيـة، كأنّها في لحظةٍ ما لم تهتمَّ لأن يراها بحجمِ ما صوّبت اهتمامها حول ألّا يلمسها.
تنفّست بتوترٍ وهي تُخفضُ عينيها وتُحاول الانسحابَ من بين ذراعيه، وبغصة : آثار قديمة
سلطان بحزم : بعضها ماهي قديمة هالكثر!! نقول قبل لا تصيرين عندي؟!
ازدردَت ريقها بتوترٍ ولم تُجِب، ليعضَّ هو شفتهُ السُفلى بقهرٍ ويلفظ غاضبًا : الله يبتلي أبوك بكسر في يده عشان يعرف بعدين شلون يضرب صح!
شهقَت بخفوتٍ ذاهل، بصدمةٍ من إدراكِه! كيف يعلم؟! وكأنّه لم يقترب ويكشفَ ظهرها إلا وهو يكاد يجزم أنهُ سيجد ما توقّعه، أو أراد التأكّد! . . ارتعشَت شفاهها وتصلّب جسدها وعادَ لثُقله، إنّها تُكشَفُ أمامـهُ يومًا بعد يوم، يرى كلَّ معاناتِها وخيباتِها طيلةَ أعوامها الماضيـة، يرى ضعفها. أنقشعُ من كلِّ حواجزي أمامكَ يا سلطان، كل حواجزي.
وجدها ترتعشُ من جديد، حينها حررها من ذراعيه ورفعَ كفيه إلى كتفيها ليُديرها إليهِ أخيرًا ويلسعَ الهواء البارد عُريَّ ظهرها. نظرَ لوجهها الذي كانت تُخفضُه، تنظُر للأرضِ بهوان، انسحَبت ألوانُ الحيـاةِ منها وباتت شاحبةً بعد أن جعلها بهذهِ الشفافيـةِ أمامه.
سلطان بخفوت : ارفعي راسك وناظريني.
قوّست شفتيها وارتعشَت أهدابها دونَ أن تستجيب، ليُردفَ بحزم : ارفعي راسك وناظريني.
غزل بارتعاشةِ شفتيها المتقوستين للأسفل، بقيَت تنظر للأرض بضعفٍ لتهمسَ ببحّةٍ متحشرجة : شلون عرفت؟ ليه أصلًا عرفت!!
سلطان يشدُّ على كتفيها وهو يعقدُ حاجبيهِ ويقرأ كل خيباتها التي تنبضُ في ملامحها الباهتـة، همسَ بحنـان : ما يهم شلون عرفت! بس ليه عرفت؟ لأني لازم أعرف! كلمة زوج ما تعني العلاقة الجسدية وبس يا غزل! هي احتواء ، وواجبي أحتوي كل انكساراتِك وأجبرها
شهقَ صدرها شهقةً حمّلت كل آهةٍ على متنها، حمّلَت كل انكسارٍ لا يُجبَر! واللهِ لا تُجبر، انكساراتي دائـمة، لن يُساعد شيءٌ في جبرها، حتى احتواءتُك لا تكفيني لأنسى كل ما مرَّ وتربّع في أطرافِ بُكائي.
همسَت بغصّةٍ تُترجمُ كل انفعالاتِ الكلامِ في داخلها بنبرةٍ واهنـة : مافيه شيء يجبرها يا سلطان ، مافيه شيء! هي صارت مثل الظل لي، ما يتركنِي!
سلطان يشدُّ على أسنانِه دونَ رضـا بما تقُول، لفظَ بانفعـال : بتتركِك! لا بتتركك، حتى الظل يختفي باللحظة اللي تغيب فيها الشمس، وأنتِ شمس انكساراتِك يأسِك، غيّبيها.
غزل ترفعُ عينيها إليهِ وأسنانها تطئُ على شفتها كاتمةً آهةً أخرى، الدموعُ تعانقُ يأسها، أهدابها تلتمعُ بملحِ البُكـاء، تسقطُ من جديدٍ في صورةٍ ذائبة، وكأنّما كلُّ مافيَّ ينصهر، حتى الملوحةُ التي يتنفسها قلبي. نطقَت بنبرةِ بُكاءٍ وانهزام : ما أقوى أغيّبها، يأسي فوقي، والجروح اللي شفتها في ظهري عمقها أكبر بكثييير، تجاوزت روحي والمضيّ بهالحيـاة.
سلطان باعتراضٍ لما تقُولُ قطّبَ ملامحهُ وأعـاد إدارةَ ظهرها إليه، اقشعرَّ جسدها حينَ شعرت بطرفِ سبابتهِ تعبرُ فوقَ جرحٍ أفقيٍ رفيع في منتصفُ ظهرها، لافظًا بهدوء : تحسين بألم فيه؟
تحرّكت للأمـام حتى تهربَ من لمسته، وبغصّة : لا تحاول .. مافيه مجـال أنسى.
أمسكَ عضدها قبل أن تبتعدَ وأعادها إليه، وبحزم : تحسين بألم فيه؟
صمتت كلماتُها قليلًا وبقيَ حديثُ عينيها يتساقطُ بهدوء، نطقَت أخيرًا بهمسٍ واهِن : لا
سلطان : كم جلست تألمك؟
غزل باستسلام وانصيـاعٍ تُجيبه : أسبوع أو اسبوعين ، ما طوّلت أكثر
سلطان : حتى لو لمستيها؟
غزل : أيه
سلطان يبتسم : وليه معطيتها أكبر من حجمها؟ دام أثرها الحسي اختفى بهالسرعة ليه تخلّدين المعنوي منها؟!
غزل تزدردُ ريقها بغصّة : أثرها مو سطحي يا سلطان! مو سطحي
سلطان : شايفة إنّ الغلط اللي سويتيه وقتها كان يستاهل هالضرب؟
رفعَت كفّها المرتعشَة لتمسحَ دموعها الصاخبـة، ودموعُ قلبي من يمسحها؟ تلكَ الآثـار من يمسحُ وخزتها لروحي كلَّ يوم؟! . . لفظَت بنبرةٍ تهتزُّ أوتارها، تغصُّ كلماتها في عبراتها لتظهرَ لهُ أقربَ للنحيبِ وجسدها يتقوّس قليلًا إلى الأمام : أغلبها ما كانت تستاهل! والله العظيم ما تستاهل
سلطان يُمسك كتفيها حتى يمنع سقوطَها إثر انهيارها، لفَظْ : أنتِ تشوفين إن الغلط ما كان يستاهل هالضرب ، وصدقيني هالضرب ما يستاهل توقّفين حيـاتِك عنده.
غزل بنحيبٍ تشدُّ قبضتيها المتشنجتين فوقَ بطنها، دموعها تسقطُ أكثر : طيب وش أسوي يا سلطـااان؟ وش أسوي؟ حتى الآثـار اللي قدرت أزيلها من جسمي للحين أحس إنها موجودة! أحس إنها فيني وتكسرني أكثر!! شلون تبيني ما أوقف عندها؟ شلوووون؟!!
لفظَت كلمتها الأخيرة بحرقةٍ تتضخّم، ليبحَّ صوتها وتسعل بقوة. لو أنّ الحُزنَ واليأس يُغادر بالسعـال، بالزفير، بالأساليبِ الطبيعية، لو أنَّ كل السلبيات تُغادرنا عبر المسامِ يا الله! أؤمِن جيدًا بأنَّ ابتلاءَآتك تصبُّ نفسها في المكـان المُلائم، لو أنّ ابتلاءها كان ابتلائِي، لو أن ابتلائي كان ابتلاءها، لرُبما اختلفَت النتائج، قد لا أبـالي ولا تُبالي، سترتاحُ باغتيـالِ والدها، ولم تكن الضربات يومًا لتُزهقَ الحياة مني! لكنّك يا الله وضعت الابتلاء حيثُ يجبُ أن يكُون، امتحنتنا بما يُلائم خلقتنا، فسقَطَت وأكاد أسقط! أكـاد أسقُط يا الله!!
لو أنّ لي كرّةً أخرى لألتحمَ بوالدي وأموت معه! .. وأرتـاح من الأسى والخيباتِ الآن . . . انزعجَت ملامحهُ وهو يتأمّل ظهرها الملكُومَ بقبضةِ اللا إنسانية . . إلهي! ما بـالُ - لو - تغدرُني؟ أنا الذي آمنتُ كثيرًا بكَ وبقدرِك، أصبح إيماني يضعف بطريقةٍ لا أُدركها/بطريقةٍ مُباغتـة، أصبحَت لو تندسُّ بمكرِها بينَ حديثي.
شدَّ شفتيه وانحنى إلى أذنها ليهمسَ بصوتٍ أخفى الحُزن في حناياه : تثقين فيني؟
صمتت ولم تمتلك الرد، أو بالأحرى لم تمتلك الجرأةَ على الرد، حينها تبسّمت شفاهُ سلطان رغمًا عنهُ ليُردف بخفوت : صمتك يقولي أيه، وبنفس الوقت يقول إنك خايفة من هالثقة!
بللت شفتيها اللتين جفّتا فجأةً ولم ترد، حينها أدار جسدها إليه لتُقابله بملامحها، لكنّها أخفضت وجهها عنه لا تريد النظر إليه، ليُمسكَ بذقنها أخيرًا مُرغمًا لها على النظر إليه حين رفعَ وجهها نحوه، وبهدوء : من أي ناحية خايفة؟ .. أكسِر ثقتك وأخذلك؟ تطمني، عمري ماراح أخذلك، بفترة زواجنا على الأقـل.
شتت عينيها عن عينيه التي قرأت فيهما ثقةً وحنانًا عظيمين، لطالما درّبت نفسها على عدمِ الثقةِ بأحدٍ وتحديدًا صنفَ الرجـال، لكن رغمًا عنها، رغمًا عنها بدأت تشعرُ بأنها تثقُ به، بنظرةِ عينيه، باحتواءِ صوتِه لها، تنقشعُ كثيرًا من غرورها الكاذِب الذي تلبّسته كثيرًا وتصبح أمامهُ بعفويةِ طفلة.
هتفَ سلطان وهو يضوّق عينيه قليلًا، بنبرةٍ فيها بعضَ الغموض : أو نقول خايفة لا تتطوّر الثقة لشيء ثاني!!
عقدَت حاجبيها بغيرِ فهم، حينها تنهّد وأردفَ بضيق : غزل، وين تشوفين نهاية هالزواج؟!
غزل بعقدةِ حاجبيها وبحيرة : أكيد طبعًا الطلاق ، * تنفّست باضطراب * لا يكون بتغيّر رأيك؟
سلطان : قلتها لك قبل وبعيدها، لو أن زواجنا كان بظروف ثانية كنت بفتخر فيك كزوجة، أفرح فيك وأحبك! بس كل الظروف عكسنا يا غزل، هالزواج مستحيل يتم، ومستحيل أصوّره بنفس الوقت كزواج حقيقي وأتلاعب فيك!
عضّت شفتها السُفلى بتوتر وبعض الراحةِ وإن دغدتها إلا أنها تخاف من هذهِ النقطة : وأنا بعد مستحيل أفكر بأن الزواج ممكن يكتمل ، خلاص شفت نفسي ما أناسب هالزواج! ومستحيل أعلق أملي فيه
سلطان يتنهد : ومشاعرك؟!
غزل بتوتر : مشاعري؟
سلطان يعقد حاجبيه : خايف عليك منها!!
عقدَت حاجبيها من الجهةِ الأخرى بحيرة : قصدك أحبك مثلًا؟!!
صمتَ سلطان دونَ ردٍ وهو ينظر لها بنظراتٍ جامدة، حينها فغرَت فمها بنفورٍ من تلكَ الفكرةِ لتهتف باندفاعٍ ساخر : وليه ما تخاف من مشاعرك أنت؟!!!
سلطان بجمود : أنا محصن، لو حسيت نفسي ممكن أحبك أو حتى أحس برغبة فيك بقدر أقاوم نفسي
غزل بقهرٍ من ثقتهِ بنفسه، لفظَت بسخرية : الخوف من الرجّال في أي علاقة مو من البنت ، طبيعي البنت تقدر تمنع نفسها من أي اندفـاع بس الرجّال هو المُسيطر في العلاقات فالخوف منك لا تطيح فجأة
ابتسمَ رغمًا عنهُ لنبرتها المقهورة والمندفعة، وبصوتٍ ضاحك : ليه تنفعلين طيب؟ أول شيء الحب محد يقاومه ما قصدت الرغبات الجسدية على الوجه الخـاص، بس أنا كرجّال أقدر أقتل رغبتي فيك بالزواج، أنتِ طبعًا ما تقدرين
عضّت شفتها بقوةٍ واتّسعت عيناها بقهر، كتّفت ذراعيها أمام صدرها ولفظت بصوتٍ ممتعض : يا سلااام! آخر زماني زوجي يتزوج علي وأنا بذمته! لا والله ما صارت في حق غزل بنت أحمد
سلطان : شوفوا وين وصلت!! * زفَر ليُردف بجدية * أجـل بتطمّن من ناحيـة مشاعرك على الأقل بهالوقت
غزل بقهرٍ ترفضُ أن تغير الموضوع : لا والله ! محسسني إنّك الرجال الوحيد على الأرض والبنات كلهم طايحين عندك! واثق يعني إنّي ماراح أقاومك وما فكرت إنه ممكن أنت تطيح بشباكِي!!
سلطان بضجر : غزل اتركينا من هالموضوع وخلينا بسالفتنا الأساسية
ارتعشَت شفتيها قليلًا ودموعُ ذلك الحديثِ لم تجف بعد، هتفَت بغصّةٍ معترضة وهي تُمسك بكفهِ على ذقنها وتنزلها : قفل عليه
سلطان بحزم : لا
غزل بقهرٍ نظرَت لعينيه ومقلتيها تلتمعان استعدادًا لبثِّ دمعٍ جديد : ليه لا؟ بكيتني بما فيه الكفاية اليوم ، قلتلك انكساري ما ينجبر! ما ينجبر لو تصير لي دواء
سلطان بنبرتهِ الحازمـة والواثقة ، نطَق : وأنا بصير لك دواء، بمسح كل أثر بروحك، بخليك حتى لو شفتي هالأثر في المرآية ما تذكرين من وين جاء! ثقِي فيني.
أغمضَت عينيها بقوّةٍ وهزّت رأسها بالنفي وهيَ تقفُ متجمدةً كتمثالٍ أمامه لا حيـاة فيه، وبنبرةِ انهزام : ما تقدر! ما تقدر ، الله يخليك اتركنا من هالسالفة
سلطان : أقدر وبتشوفين هالشيء
غزل سقطَت دموعها من جديدٍ رغمًا عنها، زمّت شفتيها دونَ أن تفتحَ عينيها لهُ وارتفَعت كفيها المرتعشتين لتضعَ ظاهرهما على عينيها في صورةِ بكاءٍ طفولي، زمّها لشفتيها لم يستطِع كتمَ نحيبها، استسلامها، ضعفها وانهزامها، لم يستطِع تغليف هذا الضعف الذي لا ينفكُّ منها.
بينما اعترضَت ملامح سلطان عن هذا البُكـاءِ والإنهيـار، عضَّ شفتهُ السُفلى قبل أن يُمسك كتفيها ويجذبها إليه بقوةٍ حتى دفنها بصدرِه، أحاطَها بذراعيه القويّتينِ وانخفضَ وجههُ ليهمسَ بجانبِ أذنِها اليُمنى بخفوتٍ رقيقٍ وكأنّه يحادث طفلة : الغيوم حلاتها كيف؟ تكُون بيضاء صح؟ ما تبكي إلا لما تصير سوداء، صح نحب مطرها بس نحب بياضها، بياضها أجمل يا غزالة، ولأنك جميلة هالمطر ما يناسب عيُونك.
ارتعشَت في أحضانهِ ولولا كفيها على عينيها لتبلل صدرهُ من دموعها الحاتمية، همسَت ببحةٍ متألمة تتمرّغُ بين أضلاعِه الاثني عشَر : مطرها عذب، وأنا مالح!
سلطان يقبّل رأسها بتلقائيةٍ ويهمس : مطرها حيـاة، وأنتِ تبكين والبُكاء ماهو عيب، بس خليه حياة لِك يا غزل! لا تبكّين عيونك على شيء ما يسوا.


،


بعدَ الساعـةِ العاشرةِ بدقائق، كانت تجلسُ أمـام التلفازِ بروتينٍ أصبحَ يُلازمها منذ جاءت هذا البيت، ملامحها تشرحُ اشتعال الضجرِ والمللِ فيها، تضغطُ أزرّة جهاز التحكّم بعشوائيةٍ وذقنها يستندُ على كفّها اليُسرى.
دخَل في تلكَ اللحظة، يُمسّدُ مؤخرَة عنقه المُتصلّب، عيناه تتثبّتان عليها، قبل عشرِ دقائِق اتّصلَ بهِ يُوسف ليُخبره بأنّ طائرتهم ستُقلع، وأكّد هو عليه بأنّه سيكُون باستقبالهم حين وصولهم. والآن! عليهِ أن يوصلَ إليها خبر انكماشِ المسافاتِ بينها وبين عائِلاتها، واللقـاءُ سيُسطّرُ خلالَ ساعاتٍ قليلة.
عقدَ حاجبيْه قليلًا، واقتربَ منها في حينِ رفعَت عينيها العاتبتين حتى الآن عليه، على إرغامهِ لها لتأكل غداءها وعشاءها في الأسفـلِ معهم . . صدّت بملامحها عنه وهي تقطّب جبينها وتلوي فمها ممتعضـة، حينها ابتسمَ رغمًا عنه، واقتربَ منها أكثـر حتى وصلَ إليها ليجلسَ بجانبها أخيرًا، لافظًا وجزءه العلوي من جسدهِ يستدير بأكملهِ إليها : ليه نظرات الزعل من عيُونك الحلوة؟!
جيهان بجفاءٍ دونَ أن تنظر إليها : ماهي زعلانة
فواز بابتسامةٍ لم تُغادر شفاهه : وليه هالتجعيدة بجبينك أجل؟
جيهان ترفعُ يدها بتلقائيةٍ وتضعها على جبينها وملامحها ممتعضة، حرّكت أصابع يدها بشكل رأسيٍ على جبينها في حين بلل هو شفتيه بلسانهِ ومدَّ يدهُ ليتناول كفّها من على جبينها ويجذبها إلى حجره، عانقها بيدهِ التي غلّفت كل جزءٍ منها، وضاقت عيناهُ قليلًا وهو يلفظُ بنبرةٍ جعلتها تُديرُ رأسها إليه وتعقدُ حاجبيْها : ودي أتكلّم معك.
راقبها وهي تُشتت عينيها عنهُ لثانيتين، وكأنّها توتّرت لتلك النبرَة، تجزمُ بأنّها ستستقبلُ حديثًا من الذي يُجيدُ عرقلةَ نبضاتِ قلبها وجريـانِ دمها في شرايينها.
تنحنَحت تُخفي توترها ومن ثمَّ همسَت بترقّبٍ وهي تنظرُ لعينيه : وشو؟
فواز يداعبُ ظاهرَ كفها بأنامله وأنظـاره الجامدة في عينيها المترقبتين بقلق، يخشى أن تجيء ردّة فعلتها بالنفُور أو بالصمتِ الدّالِ عليه، وهو قد بات يتوقّع أي ردّة فعلٍ منها. هتفَ بهدوء : اليوم رحلـة عمّي يُوسف للريـاض.
تصلّبت ملامحها للحظـةٍ بصدمة، وبرقَت عيناها ببريقٍ خاطفٍ بينما تحشرجَ تنفّسها وتعرقلت نبضـاتُ قلبها كما تكهّن بهِ عقلها، قُضمَت الكلماتُ بصمتها، وفغرَت شفاهها وهي تتخيّل اللحظـة التي ستراهم فيها من جديد، هل تنكر أنها اشتاقتهم؟ تُريد الشعورَ بأضلاعِ والدها من جديد! اشتمـامَ رائحةِ العودِ في ملابسه، مداعبـة شعر ليـان، والحديثُ مطولًا مع أرجـوان. كثيرٌ هذا البُعد! كبيرةٌ تلكَ المسافـة التي كانت حتى قبل أن تغادرهم، لمَ انقلبَ الحـالُ يا الله؟ تُدرك أنّني ضعيفةٌ كفايـةً كي لا أصطبر، كي أغرقَ في بحيرةِ دمعي ويغصَّ الحمدُ في حلقي.
بقيَ يُراقبها وهو يرى التشتت الذي سرقها، ارتعاشَ شفتيها، يريد استنبـاطَ لهفةٍ أو نفور، لكنّ البهوت في ملامحها كان حياديًا، لمْ يجعله يتلقّف طرفًا من مشاعرها.
عضَّ زاويـة شفتهِ قبل أن ينحني نحوها بدرجةٍ لم تُلحظ ليلفظَ بنبرةٍ جامدة : لا يكُون هالشيء مضايقك؟
تشنّج فمها وشهيقها يتواترُ بضعف، كيفَ قد يُضايقها؟ ألا يرى لمعـة الشوقِ في عينيها؟ ألا يسمعُ صوتَ نبضات قلبها العاليـةِ انفعالًا؟! . . ابتسمَت باهتزازٍ وانخفضَ مجالَ رؤيتهِ لأحداقها حين أسدلَت جفنيها قليلًا وهي تلفظُ بصوتٍ حمَل البحّة معه : متى؟!
فواز يقطّب جبينه دونَ أن يكون فهمَ مغزى سؤالها وابتسامتها إن كانا فرحًا أم لا : الساعة 10، خلاص قد أقلعت طيّارتهم.
عقدَت حاجبيها بضيقٍ انتشلها فجأةً والإحبـاط سكنَ صوتها الذي نطق : يعني بيوصلون متأخر! بتروح تستقبلهم أنت؟
فواز بهدوءٍ يقرأ الضيقَ في صوتها : أيه
جيهان بلهفةٍ لم تكُن غامضةً أخيرًا : أقـدر أروح معك؟
تصلّبت شفتيه للحظاتٍ وبقيَت نظراته تحملُ نفس الجمود ولم يغِب، وكأن عقله ينتظر أن يستوعبَ هذه اللهفـة والشوقَ في صوتِها . . وسرعان ما جاءتهُ القدرة على الاستيعابِ أخيرًا، ابتسمَ وتنهّد براحـة، فآخر ما يُريد أن تحمِل مشاعرَ سلبيةً ضدَّ قدومهم، وهذهِ المُعاكسـةُ لظنونهِ أراحتـه، فحمدًا لله.
بلل شفتيه وهو يتركُ كفّها ويرفعَ كفه ليضعها على شعرها المنطلقِ حولها ويداعبه، وببسمة : ما أقدر، بتكونين وقتها نايمة فانتظري لين بكره وشوفيهم
تعجّن وجهها دونَ رضـا ونفخَت فمها قليلًا باعتراض، وبرجـاء : ماراح أنـام ، الله يخليك بروح معك
فواز يهزُّ رأسه بالنفي : بكره تشوفينهم ببيتكم مرة وحده، ما اشتقتي لبيتكم بعد؟
جيهان بذاتِ الرجـاء : اشتقت له بس اشتقت لأصحابه أكثر ، الله يخليك فواز بروح ، * ابتسمَت بمكر * يلا عيُوني يهون عليك تردني؟
رفعَ حاجبًا وصدرهُ يرتفعُ بأنفاسه، وبالرغم من تأثير كلمتها الماكـرة عليه إلا أنه لفظَ بحنق : وصايرة تتدلّعين علي بكلام معسول؟ طلعتِ منتِ هينة ، بس بفكر أول
أمسكَت كفّه التي على رأسها وأخفضتها لشفتيها لتقبّلها مُتخذةً أساليب كافيـة حتى يرضى، حينها ارتعشَت كفهُ ليسحبها وهو يعقدُ حاجبيه بتوتر، لتبتسمَ هي ببراءةٍ غيرَ مباليـةٍ بجرآءتها معهُ بحجم ما كانت تريد أن تذهب معه، أن تراهم حينَ يُشرقون بهذهِ الأرضِ التي أظلمَت من دونهم.


،


عادَت التكشيرةُ تشقُّ طريقها في ملامِحه، تسكُن بين حاجبيه في تقطيبةٍ حـادة وتوسِمُ تشوّش البسمَةِ في شفاهِه. كـانَ يجلسُ في المطبَخِ على إحدى الكراسي الخشبيـة، ساقهُ تمتدُّ لتستقر قدماه على الطاولة، الهاتفُ بين كفّيه يُقلّب الكلمـات فيه بحنقٍ واضحٍ ولّد رسـالةً حمقـاءَ لو أنّه كان بمزاجٍ آخر لرأى الحماقـة تتضاحكُ عليهِ في زواياها.
( شوف ، إذا جلست مع هالفيصل لا عاد تعرفني ولا أعرفك! تقرا؟؟ أنت شكلك خلاص يئست وقمت تعلّق نجاتك بكل ناس والثّانين، وأنـا مو هايِن علي تنتحر، أيه ذا انتحار، عندك شيء؟! )
رمَى الهاتفَ على الطاولةِ المستطيلةِ بلونها الخشبي المحروق، والتوى فمهُ بغيظٍ وهو يشتمهُ دونمـا مواربـة، ولو أنّ ماجدًا كان أمامه للكمهُ لشتائمهِ الفاسقـةِ تلك كعادتِه حين يتمادى لسانه.
أدهم بسخرية : يساعدك هاه؟ والله إذا ما كان كذّاب ما أكون أدهم، اااخ ليتني أقدر أروح لباريس بهالوقت.
دخَلت سهى على كلمتهِ الأخيرة لترفعَ حاجبيها وهي تمرّرُ أحداقها من رأسه إلى قدميه في صورتهِ الفوضوية، هتفَت بنبرةٍ مشدودةٍ ساخرة : شكلي مضيّقة عليك ما خليتك تآخذ راحتك بالطّلعة
وجّه نظراتهِ إليها متفاجئًا لتواجدها المفاجئِ ليعقدَ حاجبيْه أخيرًا، وقد كان التفاجئ فعليًا يصبُّ لكلماتها التي لا معنى لها! لذا هتفَ بتهكّم : أكيد ما قصدت كذا.
اقتربَت منَ الطاولةِ حتى وقفَت بجانبِ قدميهِ بحذائهما وهي ترفعُ حاجبًا ناظرةً لهما باشمئزاز، حينها تنحنحَ منحرجًا وأنزلهما بسرعةٍ بينما انبعثَت كلماتها ساخـرة : منت في شقّة عزابية، واترك عنّك هالحركات العربجية
أدهم يلوي فمهُ ويهتفُ بانزعـاج : لا تبالغين
سُهى : أقلها احترم وقفتي عندك
أدهم يفرجُ فمهُ لينطقْ، لكن سرعان ما أطبقَ شفاههُ وهو يبحث عن المناسِب ليقُوله، في النهاية لفظَ بتجهّم مُكررًا : لا تبالغين
نظَرت سهى للأرضِ حولهما والتي امتلأت بقشورِ فستقٍ هنـا وهنـاك، وبحنق : أبالغ؟!
أدهم يتابعُ الأرضَ معها حتى ابتسمَ ببراءةٍ وهو يعُودُ لتوجيه نظراتهِ إليها ويحكُّ عنقهُ محرجًا، وبنبرةٍ بريئة : خلّصت الفستق اللي بالثلاجة
سهى تمطُّ شفتيها بامتعاض : الله !! ، بطل يا ولد أخوي الله يقوّيك
أدهم بتجهم : تتريقين؟
سهى توسّع عينيها بصدمة : لا لا وين؟ بالعكس أنـا فخورة فيك ، مو ناقصك غير تدخل موسوعة غينيس أو أسلمك جائزة أوسكـار من عندي أنا شخصيًا، جائزة أوسكار بحلّة أبو ريالين من التخفيضات اللي جنبنا
نطقَت كلماتها تلكَ وهي تسحبُ الكرسيَّ لتجلس، في حين كان أدهم ينظر إليها بصمتٍ وهو يعقدُ حاجبيه ويلوي فمهُ ممتعضًا من سخريتِها منـه والتي باتت تجيده بعد أن عُكسَت الأدوار . . زفـرَ بصمت، كمـا صبَرت سيصبِرُ هـو، وكما تمادى معها حدَّ الإهـانة لن يُعاتبها حتى تُشفى إهانتهُ تلك، فهو يستحقُّ الكثير، بحجمِ أذيّته لمن حوله، بحجمِ سلبيّتهِ التي تغلّفُ أفعالهُ مع من يحبُّ ويكره، لمْ يُحبَّ شخصًا إلّا وآذآه بحماقته، سُهى، وطفلته، حتى والده! والدهُ الذي مهما كـان قاسيًا معه إلّا أنّه أخطأ حين سافـر لأيـامٍ وتركهُ ممددًا على سريرهِ دونَ أن يطمئنَّ عليهِ قبل ذهابـه، تركهُ ليتعفّن هنـاك، وعـاد بعد أنَّ ظنَّ أن لا قلبَ له، أن لا مكانـة لهُ ليكسرهُ وفـاته، وحين بكتْ عيناه! أدركَ أنّهُ مامـن سَويٍّ لا يبكي والده! أنـا الذي أبكِي فقدانَ الأم في قصائِد صدرِي، لم أرهـا يومًا وبكيتها، فكيفَ لا أبكِي القاسي الذي رعانِي؟!
ظهـرَ البؤسُ على نظراتهِ التي التحقَت بالفراغ، وبقيَت هي تتابعهُ بصمتٍ وتعقدُ حاجبيها لحالتـه، وهو يُتابع انحداراتهِ نحو أفكـارهِ السلبية، نحوَ منحدرِ الظـلامِ الذي ألقى بهالةِ الضوءِ على أطرافِ العتـابِ لذاتِه . . مـارستُ الأذيـةَ حتى أصبَحتُ محترفًا فيها، وحدكَ يا ماجـد مغفرتِي! وحدَك الذي لمْ أؤذيـه يومًا ورجوتُ الله كثيرًا على أن تكُون كفّارتِي عن ذنوبِي، فلا تتهوّر! لا تتهوّر وترحـل قبلي، ابقَى كعملي الصـالح والذكرى الحسنـة.
تنحنحَت سُهى لترقّقَ صوتها وتطردَ السخريـة والجفـاء فيه، نظَرت للطـاولةِ الحاملة لبعضِ قشورِ الفستق لتُظلمَ عينيها بلونِه الخشبي، قدماها حكّت فيهما الأرض عبارةً عن التّوترِ وهي تهمس : برجَع لبيت أهلي
ارتفعَت نظراتُ أدهم بسرعةٍ كالمدفع، بينما ماجَ في عينيه الواسعتين صدمةً لم ترهـا لكنّها كانت تدركها جيدًا في تحشرجِ أنفاسهِ وتحرّك جسدهِ بعنفٍ فوقَ الكرسيِّ حتى صدرَ صوتُ زمجرةً احتجَّت على عنفـه.
مضَت الثواني سريعًا، ينظُر إليها والجفـافُ نالَ حلقـه، ارتعشَت شفتاهُ قليلًا قبلَ أن يصدُّ عنها ناحيـة اليسار وينظرَ للأرض مُبتسمًا بأسى : طفشتي مني؟ والا لأنّك زعلانة مني؟ اعتذرت منك والله!
ظهرَ التحشرجُ في كلمـاتهِ بالرغم من كونِه أرادَ إخفاءه، صوتهُ غصَّ أخيرًا في خيبةٍ وأخرى وهو يُغمضُ عينيه ويعُود لتخيّل هذا البيتِ خاويـًا من جديد، تعبرهُ الريحُ وأنفاسـه فقط! وهو الذي هربْ! تركهُ بعد أن غابت روحُ والـدهِ حتى لا تتوحّدَ فيهِ الجدران ويسمعَ صريرَ صدرهِ المجروحِ بوضوح، صدره الذي لا ينقصهُ سوى الهدوءُ والخـواءُ حولهُ حتى يفضحَ جرحهُ لأذنيْه.
رفعَت سهى نظراتها إليه وهي تعقدُ حاجبيها لمظهرِ وجههِ الذي أعتـمَ ونَال منهُ الإعيـاء، ازدردَت ريقها بتوترٍ وأخفَت عبـرتها وهي تبتسمُ ابتسامةً رخويةً باهتـة، هاتفةً بنبرةٍ مرحـةٍ كاذبة : محمّد قطّعني من الإتصـالات، كل شوي يسألنِي متى راجعة ومتى! عمّك ذا بثرة والا أنت من يتركك؟
أدهم يصمتُ قليلًا دونَ رد، لازالت نظراتهُ تتعلّق بالأرضِ وبلاطُ المطبخِ الأسـودْ يجيء منافسًا لسوادِ نظراتِه في هذا الوقت. همَس بسخريةٍ مريرةٍ لنفسه : أمي تركتني، وأبوي تركني، وأنتِ بتتركيني! حتى هالعم اللي تحكين عنه وجدي وكل أهلي اللي يمكن نسوني تركوني ! مين بقى؟!
ارتعشَت شفتاها قليلًا وتلاشت تلك الابتسامـة الخادعـة، الكلمـات تُحاربها لتطفو، التبريراتُ كثيرة، وكلّها بعيدةٌ أشدَّ البُعد عن فكرة تركِه! لا يعلم بمكانتهِ لديها، هي الأم له قبل العمة، ومامن أمٍ تترك ابنها كما تقُول، ولو أنّ لأمـه الفرصة لبقيَت تُسكنه في أحضانها أبدًا، تُدرك ذلك، فصورةٌ قديمةٌ اختزنت في عقلها لتكَ الأم الشقراء وهي تبتسمُ لها طفلةً لا تعِي الكثير، تمسحُ شعرها وتحدّثها بعربيةٍ متكسّرةٍ وبصوتٍ حنون، وإن كانت ذاكرتها لا تُسعفها كثيرًا عن تلك الأم، فحديثُ العائلةِ كافي، مهما كانت فالحديثُ الطيب عنها كان منتشرًا بينهم، لكنَّ ابنهم في النهايـةِ ظلمها، حتى ابنها حرمهُ من اسمها ونسبهُ لزوجته الأخرى!
بللت شفتيها قبل أن تُرخي انعقادةَ حاجبيها وانفراجَ أجفانها من فوقِ عينيها، وبحنان : والله الود ودي لو أبقى معك لطول العمر، بس أنت فاهم ومسوي العكس، لازم أرجع! ما عاش من يتركك، بس صعب أجلس طول عمري هنـا مع إنّي أتمنى . . * ابتسمَت بحالميـةٍ لتُردف * وبعدين نجلاء بتجيك وتنسيك وحدة اسمها سهى وكل أهلها بعد.
فغَر فمهُ وتصلّبت ملامحهُ بعد أن أدارها إليها بضيـاع، حينها اتّسعت ابتسامتها وهي ترفعُ حاجبيها بلؤمٍ وتهتف : ليه هالنظرات؟ مسوي فيها ثقيل وما تبي تعترف إنك تبيها تصير لك اليوم قبل بكره ، ليه الإنتظـار أجل؟
توتّرت ملامحُ أدهم رغمَ البريقِ الذي سطعَ في عينيه، شتّت حدقتيه وازدردَ ريقهُ وصوتهُ انبعثَ من خشونةِ حنجرتهِ وجفافها بنبرةٍ خافتـة : وش قصدك؟
سهى بابتسامة : ضاع الولد! شوف أنت بتحاكي كفيلها اليوم وبتعلمه بباقي السالفة والأهم منها، وعلى هالأسـاس بتصير لك.
بقيَ أدهم فاغرًا شفتيه بصورةٍ باهتـة وكأن الفكرةَ سرقَت كلَّ ألوانِه، أن تكُون في بيتِه! ويشعر بها من جديد!!! . . أغمضَ عينيه بقوّةٍ رغمًا عنه، وكأنّ الفكرةَ أكبـر من احتماله، حينها ضحكَت سهى بقوّةٍ ولفظَ صوتها بعبث : ااااخ يا نجلاء وينك بس؟ طلعتِ مضيّعة علوم ولد أخوي منذ مبطي


،


نظرَت للسـاعةِ بشرود، العقاربُ تحاربُ الثانيةَ عشرةَ في معركةِ وقتٍ لا يعُود، كالوقتِ الذي مضَى في الظهيرة، كلحظـةٍ كتلك، لربما لا تتكرر! وستمضِي ذكراها مع الوقت، هل ستمضي ذكراها فعلًا؟ لا تعلم! لكنها لا تظن، قد تمضي لديه، لكنّها الآن لازالت تشعُر بدفءِ جسدهِ على جسدها، بأنفاسهِ التي تحرقُ عنقها وأذنها، بتلكَ القُبلةِ اليتيمـةِ على شعرها. كل تلكَ اللمسـاتِ من بعد ذاكَ الذعر الذي كاد يُزهقُ روحها.
تنفّست باضطرابٍ وأصابعها ارتعشَت، ما الذي يفعلهُ بها؟؟!! . . . نهضَت من على سريرها واتّجهَت للمرآة، كفّيها أمسكتا بطرفِ بلوزةِ بجامتها الخوخيـة، رفعتها لتخلعها عنها في اللحظةِ التي وقفَت فيها أمـامَ المرآة، رمتها على الأرضِ واستدارَت ليظهرَ لها انعكـاس ظهرها الموشُوم، تأمّلته من أطرافِ عينيها وجزءٌ منها تبلّد ناحيـته بعد أن وجدَت كلَّ مافيها يبثُّ إليه، مجددًا! كأول مرةٍ بكَت في أحضـانه، تلك الأحضان السحرية! ممَ هو مخلوقٌ بالضبط؟
رفعَت يدها اليُمنى بارتعاشٍ لتلفّها من فوقِ كتفيها إلى أن وصَلت أطراف أصابعها لأوّل جرحٍ لامسـَه، تلمّسته وخشونةُ بشرةِ سلطان لازال أثرها فوقَه، حينها أغمضَت عينيها وتأوّهت، هنـاكَ وخزٌ ما في تلكَ المنطقـة، ليسَ من أثرِ الجرحِ بحجم ماهو من أصابعِه! . . ممَ هو مخلوقٌ بالضبط؟!!
بللت غزل شفتيها بتوترٍ وهي تفتحُ عينيها وتسحبُ يدها بسرعةٍ بعد أن سرقتها تلكَ اللمسة، وبنبرةٍ مبحوحةٍ متوترة : أنا شسوي بالضبط؟ مو لازم أتأثّر فيه! بس ليه هو مثالي كذا! ليييه؟!
تذكّرت كلماتـه التي استفزتها وقتَذاك حين تحدّث عن امكانيةِ انجذابها له، حينها مطّت شفتيها وضوّقت عينيها بامتعاضٍ لتطردَ كل أفكـارها المجنونةِ تلك وتهتفَ بسخريةٍ شرسة : ياااه يا ملكَ الوسامة! تخسي بس
صمتت! وتجهّم وجهها لتعقدَ حاجبيها في صورةِ استسلامٍ بعدَ كلماتِها ونبرةِ السخرية الواهيـةِ في صوتها، لقد علِم عن الجزء الأكبـر من حياتِها! كشفها! كشفَ كلَّ الهوانِ الذي عاشَت بِه . . " آه "! كلُّ دروعِ القوةِ التي انتحلتها أمامـه سقطت، عرّيتني من كلِّ شيءٍ يا سلطـان، أغرقتنِي بِك! بتخلخلكَ لأحزانِي وخيباتِي يومًا بعد يوم.
زفَرت باستسلامٍ لكل ما حدثَ اليومَ وهي تنحني لتأخذ بلوزةَ بجامتها، لقد علمَ وانتهى الأمر، لقد علمَ وبثَّ فيها شيئًا ما في الوقتِ الذي أُسندَت فيهِ إلى صدرهِ وتحدّثت، تحدّثت حتى أُفرغَت من كلِّ شكوَى.
ارتدت بلوزتها ومن ثمّ عادَت باتّجاهِ السريرِ كي تنـام، لكنّها توقّفت فجأةً وتصلّبت في مكانها وهي تعقدُ حاجبيها لافظةً بحيرة : لحظة أنا صليت عشاء؟ * عقدَت حاجبيها قليلًا وهي تحاول أن تستذكر، لتلفظَ أخيرًا بخيبة * لا والله ما صليت! . . أصليها الحين والا ماله داعي؟ لا لا وش أصليها قد راحت وانتهى الموضوع
لوَت فمها دونَ مبالاةٍ وجلست على السريرِ لتتمدّدَ أخيرًا، تقلّبت فوقهُ وفكرةٌ واحدةٌ تأخذها وتجيء بها، هل تتركها فعلًا؟ منذ متى كانت تهتم؟ لكنّها اتفقَت معه، ومن الخداعِ ألّا تصليها بعد اتّفاقهما!!
زفَرت بغيظٍ من اهتمامها بذاكَ الاتفـاق، نهضَت من السريرِ لتتوجّه للحمـامِ حتى تتوضّأ، وبعد دقائِقَ خرجَت وبدأت تفرشُ السجـادةَ وترتدي رداءَ الصـلاة، لتكبّرَ أخيرًا وبعضُ الأخطـاءِ السابقةِ توارَت لكنّ الكثيرَ منها بقي نظرًا لجهلها الذي يُدركهُ سلطان ويتعاملُ معه رويدًا رويدًا.


،


بضعُ سرقاتِ تـأملٍ في هذهِ الأرض، في الوطن، حاجبيها ينعقدانِ منذ تلألأت أضواءُ الرياضِ أسفلهم، عيناها تتلألآنِ مع هذهِ الأضواءِ التي لم تعُد بعيدةً كما السابقِ وطوتْها المسافـاتُ أخيرًا، في صدرها رغبـةٌ باحتضـانِ موطنها في صدرها كي لا يُغادرها أو تُغـادره من جديد، ولا أزكى من الوطن! وكأنّما روحها انتَشت ومُدّت بالطاقـةِ ما إن وصلوا، أنفاسها أصبحَت أنقى بعد أن لُوّثت بالغربـة، والآن هاهم يعودون أخيرًا، أخيرًا!!
أدارَت رأسها لليـان المُستغرقـةِ في النوم، ابتسمَت وهي ترفعُ يدها لتُلامس خصلاتِ غرّتها الناعمـة، وبخفوتٍ وشفاهها المبتسمة تُشرقُ بصفـاء : رجعنا.

.

.

.

انــتــهــى

وموعدنـا الجاي يوم الخميس، + وصلنا لنقطـة لذيذة على قلبي وممتعة في الكتابة، وعسى بس تكُون ممتعة لكم :$$
أغلبكم يشوف قوّة في الأجـزاء الأخيرة، من ناحية الأحداث والأسلوب، ولو إنّي طماعة وما رضيت عن أسلوبي للحين! ودي بأكثر من كذا :p لكنّي في النهايـة فخورة بكل حكيكم الطيب، والود ودي لو أخلّي له إطـار خاص أعلقه بجدار غرفتي وأشوفه بكل يوم :"""
وكونوا واثقين إني ما أنسى أحد يحط بصمة خاصة بروايتي، صحيح أختكم في الله مُبتلية بزهايمر مُزمن، لكن يشهد الله إن الجمـال اللي مثل جمالكم ما ينتسى، فلا تقولون أبدًا " إذا تذكرينا للحين " حتى لو غبتوا فترة طويلة !
بعيُوني أنتم والله :$$ شكرًا لصبركم وانتظاركم لي ()


ودمتم بخيرٍ دائمًا : كَيــدْ !

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليلاس, لغز, أكشن, القدر, الكاتبة كيد, انتقام, يوسف, رواية رومانسية, سلطان, غموض, عانقت, قيود, كيد
facebook




جديد مواضيع قسم الروايات المغلقة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t195238.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 02-10-16 06:32 AM


الساعة الآن 12:55 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية