- لا تحاولي المقاومة يا كاتي.. انت لا تدركين اننا خلقنا لبعضنا , فاتركي كل شيء يمضي على طبيعته , ولن تندمي.. اعدك.
- اترك ماذا على طبيعته ؟ علاقة عابرة بيننا ؟ ثم فجأة تختفي في مكان لتكتب كتاباً آخر , وربما اكون إذابة جليد امرأة باردة ؟ لا تطلب هذا مني يارالف .. هذا ليس إنصافاً, لا استطيع تقديم اي شيء لك.
واكفهر وجهه بالغضب .
- لو انك تستمعين لنداء قلبك مرة واحدة , لكنت ادركت انك تستطيعين تقديم اكثر مما تحلمين به.
- هل سيكون هذا مجالا لمعركة بيننا دائماً؟ ان تطلبني وان اقول لك دائماً لا؟ تعدني بأن تكون صديقي ثم تنقلب فجأة لإغوائي ؟ انا لا اؤمن بالعلاقات العابرة يا رالف..
- سأكون الرجل الوحيد في حياتك ياكاتي , لقد اعتقدت مرة انك ستنجحين مع ايدي , ولكنك لم تنجحي.. لايمكن لأحد ان يرى مابداخلك سواي , وأنا انوي ان اراه الآن .
ولمعت امامها صورة باربرا دانتون, ومالا تعرف عدده من النساء فقالت :
- انا واثقة ان لديك الخبرة التي تكفي لأن تتلقي استجابة من أي امرأة , حتى أنا..
- يجب ان تكوني ممتنة بأنني لست من النوع الاحمق.منتديات ليلاس
منتديات ليلاس
وامسكت كاترين بكتفي رالف , دون ان تعي ان اظافرها تغرز في جلده, واحست بكل عصب فيها يتوتر , واحست بالهزيمة , رالف على حق, إنها ترغب به , ولكن السنوات الكثيرة من تعليم جدها لها كانت اقوى من مشاعرها الجديدة, كانت لا تزال تشعر جسدها يقاوم, ولكن هذا لم يوقفه , فقالت بصوت متوسل مرتجف :
- ارجوك .. لا تجبرني على ان اكرهك واكره نفسي يارالف.
واجفل رالف لكلماتها , وتراجع قليلاً , وامسكت اصابعه بذقنها , وادار وجهها اليه , وقال وهو بالكاد يسيطر على كلماته:
- هناك اوقات اعتقد فيها انني افضل كراهيتك لي.. لا تقولي ابداً , انك غير مبالية بي, لأن لديّ الدليل انك تشعرين عكس ذلك.
واخذ بيدها ومررها فوق كتفه .. وذعرت عندما ادار يدها بقوة ليريها اثر الدم على يدها.
- هل هذا دليل عدم اكتراثك بي ياكاتي؟
وجذبت نفسها منه لتفلت خارجة من البركة , ولحسن حظها كان الجميع داخل المنزل , فاستطاعت ان تهرب الى غرفتها دون ان يلاحظها احد.ريحانة
بعد وقت طويل .. سمعت طرقاً على باب الحمام الذي كانت قد اقفلته من الداخل عندما دخلت الغرفة .
- كاتي؟
وحاولت ألا تتجاهل نداء رالف ولكنه لم يتراجع.
- إذا لم تفتحي هذا الباب سأكسره !
كانت تعلم انه يعني مايقول .. ولكنها ترددت في ان تفتح الباب.
- كاتي .. هل انت بخير؟
- طبعاً.. ولو كنت تسمح , انا تعبة , واحب ان أنام الآن.
- تصبحين على خير إذاً.

لم تذكر كاترين كيف بدأ الحلم , او حتى عما كان يدور , كل ما تذكره انها سمعت اصواتاً عالية فوق رأسها ثم أضيئت الغرفة وكأن السماء كلها تحترق, فجلست في السرير وهي تصرخ , وفي أقل من لحظة فتح الباب الموصل بين غرفتيهما ودخل رالف الغرفة .. وسألها بصوت متقطع :
- هل انت بخير ؟
- اجل .. انا آسفة , لقد ايقظتني الصاعقة من كابوس.
واضاء البرق الغرفة من جديد , فعبر رالف الغرفة ليغلق الستائر.
- هذا سيساعدك قليلا.
واستدار , فضاقت عيناه عندما رآها تجلس في السرير بغلالة النوم الشفافة , و عندما لاحظت نظرته اليها, احمر وجهها وسحبت الغطاء الى ذقنها , ودوت الصاعقة من جديد فأجفلت .. ثم قالت بصوت مختنق :
- اعتقد انني متوترة قليلا هذه الليلة.
- ألسنا جميعا متوترين ؟
وامال رأسه ليستمع الى صوت الرعد.
- العاصفة تتحرك مبتعدة .. أتستطيعين العودة الى النوم الآن ؟
- اجل .. شكرا لك .
- اذا تصبحين على خير آنسة ويزدوم , نامي جيداً.
منتديات ليلاس
عندما هبطت الى الطابق السفلي لتناول الافطار في الصباح التالي , كان على وجهها مسحة خفيفة من المكياج تخفي اثر القلق الذي سيطر عليها في الليلة السابقة , وكانت صونيا في غرفة الطعام تشرب قهوتها وتتحدث الى ماغي , وحيت المرأتان كاترين بحرارة , دون ان تلاحظها ملامح وجهها المتوترة , واستدارت ماغي ثانية الى صونيا لتتابع حديثها:
- إذا لقد ذهب ر الف في إحدى رحلاته المعتادة , أليس كذلك ؟
- اجل , اعتقد انه قرر السفر الى كندا , ومن يعلم اين سيذهب بعد هذا, او كم سيبقى غائباً , انت تعلمين كيف يتصرف عندما يكون متوتراً.منتديات ليلاس
وضاع صوت صونيا وسط الدموع التي حاولت اختراق عيني كاترين وعلى الرغم من الصدمة التي شابهت الهزة الارضية إلا ان وجهها لم ينم عن أي شيء مشاعر داخلية .
رالف سافر , ولا تعرف كم سيطول غيابه , حتى انه لم يودعها , وتساءلت ما إذا كانت ستراه ثانية , وما إذا كانت ستستعيد راحة بالها ثانية .ريحانة
لم تتذكر كاترين شيئاً مما حدث فيما تبقى من ذلك اليوم .. كانت تتحدث , تبتسم عندما يكون هذا ضرورياً , ومع ذلك فقد خبأ الوميض من عينيها , والنشاط من صوتها .
وافاقت باكراً في اليوم التالي لتكمل ترتيب آخر ماتبقى لها من اغراضها , وبقيت نظراتها متجهة نحو غرفته , ثم توجهت اخيراً نحو بابها وادارت المقبض , ولم تكن غرفته مقفلة.
كانت ديكورات الغرفة الكبيرة باللونين الذهبي والأزرق , وعلى الجدران رفوف ملئت بالكتب, والتذكارات الرياضية , ومجسمات الطائرات والسفن حتى السرير الضخم كان مصمماً لراحة جسد رالف الطويل.
وتجولت كاترين ببطء في الغرفة ومررت اصبعها فوق حافة خزانة الجوارير , وابتسمت لصورة رالف يرتدي ثوب المدرسة الثانوية , وعلى الطاولة وجدت البوم صور, ومن دون التفكير مرتين التقطته ثم جلست على المكتبة لتنظر الى محتوياته .

ولم تتمالك نفسها من الابتسام , لمشاهدتها صور رالف الصغير وهو يرتدي ثياب لعبة البابيسبول وكرة القدم , ثم لصورته وهو يضحك ممسكاً بسمكة اصطادها, وكان هناك ايضاً صور له في ثياب سهرة رسمية يقف الى جانب العديد من النساء الشابات , وتنهدت بعمق , ثم اقفلت الألبوم واعادته مكانه.
بعد هذا بساعتين صعدت هي وماغي الى الطائرة عائدتين الى تشارلستون , ولم تعلق ماغي بشيء على مابدا على كاترين من هدوء غير عادي , او على قسماتها من توتر .
امضت كاترين ايامها , يوماً بيوم . في الصباح كانت مشغولة تماماً بمراسلات ماغي , ولكن بعد الظهر دائماً كانت بلاعمل , وخلال هذه الساعات الطويلة كانت تذهب الى الشاطئ , لتسير دون هدف عند حافة المياه , او تخرج وهي ترتدي الشورت والقميص وحذاء الركض لتجري في الطرقات, محاولة إجهاد نفسها , لتتمكن من النوم ليلاً, فهي لم تكن ترغب في التفكير برالف او بما قد يكون يفعله او مع من هو , ولكن هذا كان يجلب اليها المزيد من الألم .ريحانة
وكانت خائفة من ان تتعرف على شعورها الحقيقي نحوه, لأن ذلك قد يجبرها على الاعتراف بأنها تحبه , وكانت تسأل نفسها عنا إذا كانت تحبه حقاً, ولو انها تحبه , ألا ترغب في معرفة اين هو بالضبط وان تذهب اليه ؟ ألا ترغب في ان تكون معه مهما كلف الأمر؟ ولكنها بدلاً عن ذلك كانت تنطوي على نفسها, وقد قررت انه إذا كان رالف غير مهتم كفاية بالاتصال بها , فهي ليست بحاجة اليه , وجاهدت كي تقنع نفسها بأنه كان ينظر اليها كتحدي , كشخص استطاع ان يقاوم محاولاته بإغوائها , وحتى الآن , لم تكن متأكدة من انها كانت تستطيع إرضاءه , مع ان اعماق نفسها كانت تقول لها العكس.
منتديات ليلاس
وفي احد الايام حدقت بها ماغي بنظرة منتقدة :
- يبدو عليك الشحوب , هل انت بخير؟
- انا على مايرام , اظن هذا من تأثير الطقس.
ثم غيرت الموضوع بسرعة, فماغي حادة الذكاء وقد تستطيع ان تعرف السبب الحقيقي لفتور همتها.
ومر الاسبوع الأول , واقنعت كاترين نفسها بأن الأمور ستكون على مايرام , وبدا الاسبوع الثاني اطول , ولكنها استطاعت ان تتخطاه ايضاً .
وهلّ الاسبوع الثالث , ولم يصل اي خبر عن رالف , وامتلأت نفس كاترين بالعصبية التي احتاجت الى تنفيسها , بعد ظهر احد الأيام , وماغي قد خرجت , قررت كاترين ان تخرج لتركض , ولم تكد تقطع نصف الطريق حتى بدأ المطر ينهمر , فلم تعد تستطيع الركض خوفاً من الانزلاق, فلجأت الى المشي, وهي تحني رأسها لتبعد المطر عن وجهها , وما ان وصلت الى المنزل حتى كانت غارقة بالمياه .
وصعدت الدرج ببطء , وكل عظام جسدها تؤلمها , ولم تكد تصل الى غرفتها حتى وصلت بامنيلا إحدى الخادمات , وساعدتها على ارتداء روبها ثم حضرت لها حماماً ساخناً , وساعدتها لدخول الفراش .
وعندما وصلت ماغي , علمت بأمر تبلل كاترين فسارعت الى غرفتها لتطمئن عليها.
- ماغي , انا بخير .. انا بخير حقاً..
وعطست مرتين , وجذبت الغطاء فوقها اكثر , فقالت ماغي بحدة :
- لقد اصبت نفسك بالبرد , سأتصل بالدكتور ابراهام , واطلب منه ان يحضر الليلة .

- لا ارجوك .. بعد ان انام الليلة جيداً سأكون بخير , صدقاً ..
- حسناً سنرى كيف تصبحين .
في الصباح كان وجه كاترين متورداً من الحمى, وقال الدكتور لماغي بعد ان استدعته .
- لقد ركضت تحت المطر , وقد تكون مصابة مصابة بنزلة رئوية , وستحتاج لمراقبة دائمة .. ويجب ان تنقل الى المستشفى.منتديات ليلاس
- ستتلقى حباً ورعاية اكثر هنا, يوجد مايكفي منا هنا لمراقبتها باستمرار.
وتنهد الدكتور , ثم جلس ليكتب عدة وصفات طبية , واعطاها لماغي .
- طبقي هذه الوصفات فوراً, وإذا حدث اي تغيير استدعيني فوراً , وراقبي سعالها , فإن صوت سعالها لا يعجبني , سأترك لكم لائحة طويلة بالتعليمات واريد ان يطبق كل بند منها.
ونظرت ماغي الى كاترين المضطربة, والقلق العميق في عينيها, وقالت واعدة بهدوء .
- لا تقلق حول هذا الأمر يادكتور.

11- حقيقة كالحلم



مر الوقت على كاترين وهي غائبة عن الوعي الكامل , الناس امامها كانوا اطيافاً غير واضحة المعالم , كان يبدون وكأنهم يترنحون امامها , يساعدونها على شرب هذا وابتلاع ذاك , كل ماوعته ان رأسها كان يؤلمها كثيراً , وان جسدها كان يحترق بحرارة لم يكن ممكناً ان تبرد .
واخذت تتقلب في فراشها محاولة التخلص من الحرارة التي بدت وكأنها تأكلها , ولم تكن تطيق اي غطاء فوقها وكانت تركله بقدميها باستمرار.
- حاولي ان تبقي هادئة ياكاترين , هذا لصالحك ياعزيزتي.
صوت ماغي بالكاد وصل الى رأسها المحموم , وتمتمت وهي تتقلب من جانب الى آخر .
- اشعر بالحرارة الكبيرة .
بعد قليل ظهر وجه جديد امام عينيها , ولكنها كانت تعلم انه جزء من حلم , فرالف موجود في كندا , ولا يعرف احد متى سيعود , هذا اذا عاد , وهذا الذي يجلس على حافة سريرها يمسك بيدها الساخنة بين يديه الباردتين , ليس هو , وهمست عبر شفتيها الجافتين المشققتين وعيناها تحترقان بالحمى .ريحانة