لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
التسجيل مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

بحث بشبكة ليلاس الثقافية


موضوع مغلق
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-12-14, 09:07 AM   المشاركة رقم: 111
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2011
العضوية: 225481
المشاركات: 466
الجنس أنثى
معدل التقييم: سميتكم غلآي عضو على طريق الابداعسميتكم غلآي عضو على طريق الابداعسميتكم غلآي عضو على طريق الابداعسميتكم غلآي عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 371

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سميتكم غلآي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سميتكم غلآي المنتدى : ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
افتراضي رد: أرواح متعانقة

 

اقتباس :-   المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريم السعودية مشاهدة المشاركة
   نور المنتدى بك ياعزيزتي اسماء
بارت اكثر من رائع باتنظار بالقادم

صباح الخير

النور نورج
وشكرا لكِ وعذرا على تأخري


اقتباس :-   المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قرة عين امي مشاهدة المشاركة
  
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
يالهي اي كارثة جلبتها معك يااسماء
عندما قراءت مايحدث بلسان امل ظننت انه تهياة وهلوسات بسبب ارقها وقلقها وتوترها لم اكن اصدق انه طوفان حقيقي ولكن عندما شاهدته بعيني ترفة توقفت نبضات قلبي من هول المشهد واصابني الالم من عظم البلاء الذي اصابهم
ابدعتي فوق الابداع جعلتني اشعر بأني اشاهد بام عيني مشهد لتوسنامي حدث في الواقع بالفعل
لكن ماهذا الوباء الذي حل عليهم ارجوك لا ترينا في من نحب مكروه فيكفي ماقد ارعبتنا واخفتنا فيه اثناء الطوفان ونحن نمسك ايادينا على قلبنا نربت عليه ليهدى من هول ماشعر به ومن خوفه من ان يبتلع الطوفان احبتاً لنا
سلمت يمينك على هذا البارت رجاء لا تاخرين علينا فقد اشتقنا لجمال حرفك
المحبة اسماء

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أسماء ياعزيزتي

طبعا اعتذر عن هذه الكوارث وايضا عن تأخري لظروفي

وايضا لعدم استطاعتي في تجميع افكاري والرد عليكِ برد يليق بمقامكِ الكريم

تأخرت وتأخرت وما كان في وسعي إلا التأخر ... واخشى ان يكون التأخر له النصيب الاكبر في حياتي في الايام القادمة , ولكن سأحاول قدر استطاعتي

شكرا لكِ يا صديقتي أسماء وارجوا ان تكوني بصحة وعافية

 
 

 

عرض البوم صور سميتكم غلآي  
قديم 04-12-14, 09:28 AM   المشاركة رقم: 112
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2011
العضوية: 225481
المشاركات: 466
الجنس أنثى
معدل التقييم: سميتكم غلآي عضو على طريق الابداعسميتكم غلآي عضو على طريق الابداعسميتكم غلآي عضو على طريق الابداعسميتكم غلآي عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 371

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سميتكم غلآي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سميتكم غلآي المنتدى : ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
افتراضي رد: أرواح متعانقة

 

المعانقة التاسعة عشر



تمر الدقائق طويلة ثقيلة تثقل أنفاسي معها , وانا بجانبه ولا افارقه إلا بعد اصرار قوي خارج عن ارادتي
يوما بعد يوم وانا على هذا الحال
أشعر ان قلبي يتقلص وينكمش
و دموعي تتساقط , وصدري يضيق عليّ ويشد
عند كل همسة, عند كل نفس أتنفسه
تأتني ذكريات الأمس البعيد
تأتي لتمزق الأحلام وتطرحني على أرض واقعي , وتصفعني على وجهي بلا أي رحمة
تيقظني من غفوتي القصيرةِ , وتذكرني بكابوسي الحقيقي
أنه ليس كأي كابوس ضبابي
انما هو واقع ألمسه , أستنشقه , يحرقني وينطوي عليّ ليخنقني
انه عذاب أليم بل أشدُ
أبكي بكاء عالي يحرق قلبي في خلوتي , ابكي حسرة على أخي , أبكي رعبا من فقدانه في أي لحظة !
هم يمنعونني من فعل أي شيء لهُ إلا الجلوس بصمت بجانبه
و يسمحون لي بلمس يده , وتقبيل أصابعه , واستنشاق عطر كفه
اضع اصابعي في فمي لأكتم كُل الالم , وكُل الدموع والحسرات
ففجيعتي أقوى من ان يحتملها قلبي
كشبح لا يرى إلا ما ظهر منه , كشخص قد ترك الحياة وراءه أمشي
أمشي بين هذا وذاك , أرى الحياة في عينا الصغير وأرى الموت في جثة أخي
فأحاول الهروب والخروج من المستشفى , واخرج إلى مكان منعزل لأنتحب , واضرب صدري من الالم
يقولون ان لا وجود للأمل معه , وان الجرح قد تسمم بسبب التأخر في اسعافه بالأجهزة الحديثة.
***
صوت طنين مرتفع جعلني استفيق من كوابيسي المخيفة
فتحتُ عيناي على ضوء المصباح واللون الابيض يحيط بي من كل الجوانب , تجولت نظراتي الضبابية إلى كل شيء يقع امام ناظري إلى الستائر التي تحجب رؤيتي وإلى يدي الشاحبة والتي تملؤها العروق , وقد تعلقت بها ابرة المغذي وإلى ذلك الجهاز الذي يصدر الصوت المزعج وإلى كل الاشياء البيضاء المحيطة بي , اغمضت عينيّ بتثاقل , للحظات فقط تذكرت هاني والطفل , واين أنا !
جلست وانا اشعر بالإرهاق يمتص كل طاقتي , تنفست بعمق للمرض الذي اشعر به , وامسكت بكلتا يديّ طرفيّ الغطاء وابعدته عني , وانتزعت ابرة المغذي من يديّ بلا اهتمام
ونهضت ابحث عن غطاء اغطي به شعري ووجدت حجابي على المقعد بجانبي , وخرجت من الغرفة أمشي بلا نعال
مشيت مسافة قصيرة وتوقفت أنظر إلى الارضية البيضاء , وانا ارى قطرات الدماء تتساقط عليها , ابعدت نظراتي عن الارض ونظرت إلى الوراء وتحت الانوار رأيتُ القطرات على طول طريقي قد خطت خطاُ , رفعت يديّ قليلاً لأرى جرح الابرة ينزف , رفعت قماش حجابي وضغط عليه , وانا أُعاودُ المشي إلى وجهتي .
وصلت إلى حيث أريد , واخذت أحدق إلى ما وراء النافذة وانظر إلى داخل الحضانة , فأرى جميلي الصغير والذي قد تعلق به قلبي وهام , نائم بعمق , كانت لديه جروح لم نلاحظها فأدخل المشفى على اثرها , ولكن حالته الآن افضل من قبل.
تنزل دمعاتي فأمسحهن بسرعة , ارثي حاله وحالي وامشي ببؤس أكبر إلى العناية , فابكي اضلعي المعتصرة لقلبي المجروح , أبكي قلة حيلتي وعظم مصيبتي , فأي مصيبة هي التي وقعت بها الآن , فليس لدي قوة أو صبر اكثر من هذا , إذا حدث لهاني شيء سأموت أنا قبله , أريد الموت قبل أن افقده , فأنا لا أريد اختبار المزيد , لا أريد فجيعة أخرى
فأنا لدي امل بشفائه إلى الآن , امل انه سيقوم إلى الحياة وسيموت بعدي !
الحزن يملئني ويثقل جسدي , انظر إليه من البعيد , ونظراتي ضبابية , هو في الداخل وتحيط به الاجهزة من كل الجوانب , أي ألم يحتمله الآن !! يا ليتني كنتُ مكانه !!!
نطقت بها بصوت مخنوق : " يا ليتني اخذت كل ألمك "
صرخ وجعي الداخلي , واجهش صدري بالبكاء : " يا ليتني كنت مكانك , يا ليت هذا لم يحدث "
وهل القدر يرد , وهل الاعتراض هو الحل !
دموعي لا تجف , انما تتساقط بغزارة , رؤيته تجعلني أكثر بؤسا , اكثر ألما واختناقا
أرمي ثقلي على المقعد بجانبي , واضع اصابعي المرتعشة على وجهي , واتنفس وانا مخنوقة
الاصوات تأتي وتختفي , والاجسام تركض بعشوائية , وانا لا أزالُ في مكاني يأتي إليّ النوم ويرحل
اغفو لدقائق فتهتز كتفي , وأجفل من نومي القصير على صوت صديقتي
انظر إليها من بين ضباب عيناي , فتتضح الرؤية
كانت صديقتي سلوى
وكان وجهها شاحب حزين
وقفت هلعة وقد تسارع نبض قلبي , وانتابني الرعب من حدوث شيء له
خفت من انهيار عالمي مجددا
ومن كابوس أخر يعاودني
هرولت نحو النافذة إلى تلك الزاوية التي خلت انها ابعد مكان عني , ونظرت إلى الداخل وانا متعلقة بها فرأيته كما هو
يرقد كما تركته منذ دقائق بوجهه الذي رحلت عنه الصحة وصاحبه المرض , كان يغطس في نومه المشؤم , ولا يتنفس إلا سقم ما حوله من اجهزة
تخدرت قدماي فجلست عليهما
وانا امسح على وجهي , واحاول استعادة انفاسي
لم تكن صديقتي فقط الموجودة انما بعض الاطباء
رأيتهم ينظرون إليّ بشفقة بوجههم المختلفة بألوانها واشكالها , واعينهم تحاول تعزيتي
كانت شفقتهم تثير الكثير من المشاعر بداخلي
الكثير من الاختناق تراكم على صدري
واوجعني في موقفي هذا , فأنا أرى وجوههم تتحدث بشيء ونظراتهم المترددة تظهر مقدار حجم المصيبة التي يخفونها , انهم يخفون عني شيئا , حدقت إليهم بربية وانا أقف , ونطقت وقد اوجلني الأمر : " اهناك شيء تخفونه عني , احدث لهاني شيء , تحددددثوووا "
انهرت على الارض , والارتعاش يسكنني وبكيت مترجية اياهم بقول ما هو سار , وليس الوجع !
فأنا لا أريد أوجاع أخرى
تشبثت فيّ صديقتي سلوى وذراعها تطوقاني بشدة , واخذت تبكي وتقول : " قولي انا لله وإنا إليه راجعون , فهذا قضاء وقدر "
كتمتُ انفاسي منهارة , ومن بين شهقاتي وبؤسي وجنون تفكيري قلت بصوت مترجى : " لالالاااااااا لم يمت هاني "
احتضنتني اكثر , وقالت من بين بكائها : " لا لم يحدث شيئا لهاني , إنما اهلك , أهلك لا نعرف اهم احياء أم أموات , انما هم من المفقودين الذين انقطعت اخبارهم عنا , لقد حاولنا الاتصال بهم ومعرفة اخبارهم ولكننا لم نفلح "
تبلد عنيف سقط على جسمي , وتجمدت اطرافي , حتى احتلني البرد وامتص بقايا الحرارة
اهتزت الرؤية وسقط عالمي من حولي , واصبحت الالوان من حولي باهته وضبابية
اتسعت عيناي , وزاغت نظراتي المذهولة التي حدقت بهم واحدا واحد وهم يرحلون
وقلبي يطرق صدري , يطرقه بعنف شديد , غير قادرة على تصديق ترهاتهم , من الممكن ان سمعي مخطئ , صحيح , لا يمكن ان تحدث هذه المصائب دفعة واحدة !
هززت رأسي انفي ما يقال
اخفف من شدة وقعها عليّ , فإعادتها لمرة أخرى
صرخت عليها وقد اشتد هلعي , وجنون تكذبي لها
" أرجوكِ , لا تقولي كلاما قاسيا كهذا
لا ترميه كالقنبلة الموقوتة , لا تحطمني أكثر , لمَ الاحساس لديكِ منعدم , أهكذا ترمى مثل هذه الكلمات" .
****
في هذه اللحظات
تمنيت الموت بشدة , تمنيت لو انني لم اخلق !
تمنيت الموت بأي طريقة
أمسكت عنقي من تحت حجابي , وغرزت اظافري في لحمي , غرزتهن بقوة
بكل ما أملك من قوة بؤس ويأس , وددت الموت والتلاشي
وددت اختفاء كل هذا الالم الذي اشعر به في صدري , والذي يتضاعف و يمزقني
وددت لو ان كل ما عشته حتى الآن كان مجرد حلم عابر , حلم لا حقيقة لهُ !
انعدام الاحساس, وضياع شعوري هو ما اغرق فيه الآن
ضغط بقوة , حتى احسست بأصابعي تحاول اختراق جلدي
ولكن شعوري الخالي , احساسي الفارغ , ارخى من عزيمتي تلك
فانهارت دموعي تسابق انفاسي المختنقة
هل للحياة معنى من بعد اليتم , وفقدان الاحبة دفعة واحدة !
اللحاق بهم هو الحل الامثل !
تتحرك أصابعه وانا بجواره , تلك الاصابع التي لا افارقها
تتحرك لتقبض على أصابعي التي امسكت به في لحظة انهيار
تتشتت نظراتي الغارقة في دموعي على وجهه الشاحب الخالي من الحياة , والذي تحيط به الاجهزة
أرى عيناه تغمضان , تتجعدان , تتساقط منهما بعض الدموع , وفمه الابيض يحاول الابتسام والتحرك بصعوبة
ينبض في صدري صدى الحياة
تتلاحق نبضاتي
تهل دموعي , وتزف شفتاي ابتسامة صغيرة
فأمسك اصابعه بكلتا يداي
اشد عليه , ابكي فرحة لرؤيته يفتح عيناه المريضتين , وتتحرك بؤرتا لتنظرا إليّ
اناديه وانا اجهش في البكاء : " هاني "
تزيد قبضة هاني على اصابعي
وتتساقط الدموع من عيناه واحدة تلو الاخرى , يهز رأسه وهو يبتلع انفاسه بصعوبة
اهز رأسي نفيا , واقول بصوت هامس : " لا تتعب نفسك , ارجوك , الحمد لله , الحمد لله "

هل أزهرت أزهار الحياة في قلبه أخيرا !
هل اختفى كل ذلك الالم , وهجرنا بلا عودة !
ورحل الموت بعيدا عنه !
هل للخوف من مكان بعد ان استيقظ !
ورأيتُ عيناه تشرق ببريق الحياة !
انتابت قلبي تلك الفرحة التي تسع الكون
تسع مساحة قلبي الفراغة من بعد التوجع بخناجر الواقع
جلست امسح على وجهه وكفاه, وانا أحاول لملمت قوتي الخائرة
وتقوية نفسي المرتجفة
كتمان صيحة البكاء
التحمل اكثر , ولكن دموعي تتساقط عنوة , وابتسامتي تتسع
وفي كل مرة يأتني بها نشيج البكاء
ابتلع انفاسي , واعض لساني , لكي لا أريه مقدار الالم الذي يقطعني , ومقدار الارتجاف الذي يهز أوصالي , وخوفي العظيم من القادم والمجهول.
أرى المرض يمتص حياة وجهه , وهو يذبل رويداً رويدا
وأرى ملامح الاطباء لا تتغير
اعرف حقيقة الأمر, أعرف ما يدور حولي , أعرف حالته , ولكني أكذبها واطردها من عقلي
طوال تلك الفترة التي قضيتها معه, كنت لا أبالي بمن يدخل ويخرج
ولكنني كنت أكره تواجد عامر عند أخي , وتفقده الدائم لي وله
فأنا انظر إليه بنظرات تحمل حقد كبير , أريد طرده , تمزيقه , الصراخ عليه
وهذا ما فعلته , لقد طلبه هاني والذي يكاد يلفظ انفاس حياته من الألم
وترجاني بعيناه ان أخرج
خرجتُ مقيدة بحزني عليه, وعقلي لا يفارقه
واتكأت على حائط قريب مني , عقلي يغرق وانفاسي تتزاحم
لا أعرف طريقة للنجاة , لأبعاد كل هذه الفوضى عني
فالألم اصبح ونيسي , والكتمان رفيقي
وسائل الاتصال لا تجدي نفعا , والاخبار شحيحة وتثبت أن الكل من المفقودين الذين لا أمل بنجاتهم
ولكن انا لدي أمل انهم لا زالوا على قيد الحياة , وان الاخبار ليست صحيحة وانما هو انقطاع
لان المدينة الساحلية هي أكثر المدن تضررا , وممنوع الدخول إليها أو الخروج منها .
هي دقائق طويلة قضاها عامر مع هاني , وخرج بعدها
كان شاحب الوجه , غريب الملامح , يرفع نظراته إليّ ثم يخفضها
نظر إلى شرودي الذي لا يراهُ, نظر إلي بنظراته تلك
كانت كفيلة لتيقظني من غفوة سرحاني الأفكاري
أكرههُ , وأكره ما حولي من أمور
فأنا لا أملك إلا عقل مشوش , وافكار غريبة وتعيسة !
عقلي المتخبط ارادني ان ارمي عليه قنبلة صبري وألمي , فأخرج لساني كلماتي المتعثرة : " لمَ أنت هنا , ولمَ دعاك هاني ؟؟"
نظراته لم تتغير , انما ازدادت تعاسة فوق تعاسه
تعاسة لحالي الرديء , لصوتي المتحشرج , لصوتي الذي انطقه بعد جهد كبير
كم كنت اتمنى في تلك اللحظات لو كنت أملك الحق بضربه
حق رمي كل هذه الاشياء عليه ليشعر هو بما اشعر انا به
تغير ذلك التعبير
وانتهت ملامح وجهه المعروفة
تلك الملامح التي اعتدت عليها اختفت لتظهر لي عن وجه جديد
وجه شاحب غريب لا أعرفه , ملامحه مسترخية , عينان تلمعان تحملان كُل مشاعره , كُل اللطف والحنان اجتمع في وجهه الغريب , وكانت الشفقة تنبعث من نظراته
لا !!
أنني لا أريد أي شفقة منه !
تدهور حالي المتدهور أكثر , وتخبط شعوري , وانا اسمعه يقول بنبرة متماسكة : " تمالكِ نفسكِ يا أمل "
كلماته ايقظت غضبي , لتنتابني نوبة بكاء أخرى
بكاء جعلني ضعيفة أمامه , ولكني غيرت ذلك الضعف إلى تنفيس غضب : " وما دخلك أنت فيّ ! ان اتمالك نفسي او لا فهو شيئا خاص بي وليس بك "
اخذت جرعة من الهواء لأكمل ونظراتي تنظران إلى ذلك الوجه الغريب , وقد اخذت الدموع تنساب من عيناي : " أنني لا أريد أي شفقة منك خاصة , أنت تعرف ذلك يا بروفيسور , تعرف مقدار ما بيننا "
ابعدتُ ارتجافي عني , ووجهي عنه إلى الاسفل تارة وتارة أخرى إلى اليمين أو الشمال , واسكتُ بكائي التعيس وعندما تسقط دمعة من عيناي كنت امسحها بسرعة وكأنني لا أبالي بها , وأغرق في كلماتي المتقطعة : " وتعرف ايضا انك في مكان خاطئ , فأنت مجرد شخص تزيد من اثقال الهموم "
الصمت كان عنوان ذلك الهدوء
لم ينطق ولم يتغير ذلك التعبير انما احتلهُ حزن عميق , وازداد لوعة , زادني لوعة وانا انظر إليه لأخر مرة
وقال لي وهو يرحل بنظراته التي لم تكن تنظر إليّ حقيقة : " هاني يريدكِ "
بلا أية مشاعر , أو قوة , حملت جسمي إلى أخي
جررتهُ ببؤس ولوعه إلى ذلك الباب الرمادي
وودعتُ لحظاتي تلك
دخلت عليه ونبض قلبي يسابقني
فالخوف لا يقادرني ولا الراحة تعرفني
ذهبت إليه , وجلست قبالته وامسكت به قبل ان يتلاشى من فراشه الابيض, وتخنقنه تلك الاسلاك التي حوله
وقبل ان يعاودني اي كابوس أخر بشأنه
وابتسامتي لا تقادرني , تلك الابتسامة التعيسة والبغيضة , المصطنعة الكريهة والتي بت احقد عليها وازدريها
هو أرداء حالا , وقد اسقمه السقم , همس لي بصوت متعب , ووجه ذابل قد امتصه المرض : " أمل "
هززت رأسي مطمئنة إياهُ انني بكل حواسي معه , وانني اتمسك به قبل ان يتمسك هو بي
قاومت كل ما يعترني في تلك اللحظات , واستمعت إلى كلماته
كلماته التي جرت في مجرى دمي كالسم
سمت عقلي قبل جسدي
خدرتني وقلبت حالي إلى هلع وانهيار
كان يحدثني بكلمات وداع وترجي
كلمات تشعل في صدري لهيب من النار
يحاول الابتسام لي , وهو يحدثني ولكن ابتسامته تنهار مع تعبه
يغمص عينيه الحزنتين , وهو يتنفس وكأنه يغرق
هو لا يستطيع الاكمال , ولكنه يحاول !
في تلك اللحظات غيبني قلبي عن العالم , قلبي المتمزق من الألم
وانهدمت جدران أمالي المتبقية
وانا اسمعه يتحدث بصوت مخنوق ومن بين كلمة واخرى يأخذ نفس عميق : " أمـ ـل , اعرف كل ما حدث لعائلتنا , أعرف كل ما حدث ولستُ اصدقه , أمـل انا لا أريد ترككِ وحيدة قبل ان نعرف كيف هم , أمل أنني لا أريد الذهاب عنكِ , ولكن "
وقفت " ولكن " في حلقه لثواني
لننخرط بعدها في البكاء
بكاء مر مرير
بكاء يذهب ألوان الحياة
يحطم تلك الآمال التي كانت منذ لحظات تغطي قلبي
وتغطني بالكامل
بكيت بكاء كمن لم أبكيه من قبل
بكاء أشد حرقة من النار
احرقني واشعرني بألم لم أشعر به من قبل
لأنني كنت أكذب حقيقة كل ما يحدث
ولكن الآن , ومع رؤيتي له بهذه الحالة , واحساسي العميق باقتراب أجله
باقتراب ساعة الرحيل , وتصديقي أنني اصبحت وحيدة , وإيقاني انني فقدت الكثير بل فقدت كل شيء .
ترجاني و ترجتني كل كلماته المتوجعة
وشفتاه قبلتني وطمأنتني
وعيناه عانقت قلبي بشدة
بدن يرتجف وفؤاد يرتعش , والدنيا تدور
والحياة قطعت انفاسها عني , وشنقتني قبل ان أكمل طريقي فيها
أأوافق , أهناك حل غير هذا , لأجله فقط , لكي اُرضيه , لأجعلهُ يطمئن , لكي لا اُحمِله أكثر مما هو عليه الآن
أطرقت برأسي وعقلي ليس معي
ووافقت , لأنه ليس هنالك مسار محدد احدده لنفسي بعد الآن
وليس للحياة معنى بعد فقدان المصدر
وليس مهم ما يحدث , اصبحت الحياة غير مهمة
وافضل قضائها بلا هدف , ولا أريد أمال أو أحلام بعد الآن .
****
صدمني اقتراح هاني , بل أذهلني ما قاله
لم اكن أتوقع هذا , لم أظن ان هذا سيحصل في يوما ما !
فبعد رؤيتي لهما بهذه الحالة , وعدم تقديمي لهما لأي مساعدة كانت مادية أو معنوية
جعل مني هذا شخص ضعيف , شخص بارد خالي من المشاعر
فانا شخص جاف لا يعرف التعبير
ولا يعرف كيف هي المواساة
ولكن ان يقترح مني الزواج من أمل , لهُو أمر أصابني بالدهشة واخرس لساني
صحيح ان هاني صديقي منذ سنين , وعلاقتنا أقرب إلى السطحية
ولكن ان يزوجني اخته لهو أمر لم اتوقعه منه , وهو بهذه الحالة !
صمت بذهول وسكون انصت إليه : " عامر , اعذرني ولكن انا لن اجد شخصا جيدا مثلك , عامر انا اشيد بأخلاقك فانت كنتُ نعم الصديق لي في تلك السنين الماضية , و صدقني انا لن اجد رجل افضل منك لأمل , أنا أريدك لأختي لأنني أثق بك , وموقن بانها ستكون في ايادي امنية تحميها وتعتني بها "
اذهلتني كلماته , وهزت كياني
وجمدت الدم في عروقي
لأول مرة في حياتي اسمع مثل هذه الكلمات
اسمع كلمات مناقضة لي
وأن احد يرى جانب أخر مني ويثق بي
جانب لا أراهُ أنا
جانب خادع لتلك العيون التي تظن انني شخص جيد
فانا مجرد شخص مخادع حقير , شخص يغطي نفسه بالعديد من الاقنعة
ويغرق في نهر من التعقيدات
فهو لا يعرف لمن يقدم اخته , اخته التي عانت الويل مني , اخته التي عذبتها واستغليتها مراراً
ولكن اعرف ان هاني يريد تزوجيها لي لأنه لا يعرف ان كان أحدا قد بقي لها
فكيف له ان يترك أخته وحيدة من بعده .
الصمت كان رفيقي , والافكار تدور في عقلي وقلبي يحثني على الموافقة , نعم انها فرصة العمر بالنسبة لي , ولا اريد ركلها بعيدا عني , فأنا اريد استغلال هذه الفرصة , ولكن لماذا !! لماذا أريدها بشدة !!!
ليس هنالك اي جواب إلا الحرارة التي تصهر جسمي , ونبضاتي التي تهز صدري.
طرحتُ موافقتي بدافع الشفقة , بدافع انني رجل شهم , شخص يرى صديقة على فراش الموت وينفذ له وصيته الاخيرة , يالخباثة نفسي في مثل هذه المواقف.
خرجت من عنده, وافكاري تحاصرني , وضميري يأنبني , لا أعرف لمَ أنا هكذا ! ولمَ أشعر انني فارغ الجوف !
عند رؤيتي لها , رؤيتها بتلك الحالة , بذلك الحجاب الاسود المتجعد المحيط بوجهها الشاحب الملون بالحزن , وتلك العينان اللتان فقدتا بريقهما القديم
احتلتني احاسيسي المخفية , وحاصرتني هواجسي , وظهرت لي نفسي المخبأة فيني , تلك التي تظهر لي في خلوتي , ظهرت لها بشفافية .
تقدمت خطواتي المهتزة منها , تقدمتٌ أرثي حالها , احزن شفقة عليها , إلى ان اقتربت منها , نظراتها الغاضبة التي صوبتها نحوي جعلتني ابعد نظري عنها , واكتم حزني عليها .
رمتني بكلماتها التي نشبت مخالبها في لحمي , ولكي اخفف عنها نطقت , وانا أنظر بعيدا عنها : " تمالكِ نفسكِ يا أمل "
وهل تعرف نفسي غير لكنتها تلك !
وجفافها الخالي من المشاعر !
انفجرت عليّ , وفجرت كل غضبها وبؤسها عليّ , فقاطعة غضبها ب : " هاني يريدك "
غير قادر على تغير تلك اللحظات ولا تهدئتها إلا بهذا
رحلت مخلفة ضجيجها ورائها , لا.. انهُ ليس بضجيجها انما ضجيجي انا
نفسي المختنقة , عقلي المتشتت و الغير واعي , قلبي المغيب عن عقلي .
***
مرت ايامنا تلك , بطيئة ثقيلة , تحمل معها أكواما من الهموم والأحزان , والرعب من حدوث أمر جليل .
تزوجت منها على ورق , وكأنه انكتب لي عمر جديد معها
خوف عارم احتلني , وعادة نفسي إلى صوابها , أجننت لفعل هذا , أين ذهب عقلي لأتزوجها , كيف لي ان افعل هذا !!
انسيت ماضينا العميق والمشروخ !!
وماضي أنا بالذات , لقد خططتُ لسنين طويلة , إن اردت أن اتزوج أن اختار مجرد امرأة تنجب لي الابناء فقط , ولا تربطني بها أية مشاعر .
وجاء ذلك اليوم بسرعة , يوم وفاة هاني , جاء بهدوء ليقتلع جذور الاوجاع من صدورنا , ليمزقنا ويرمينا على أرض الواقع
احسست بألم شديد في صدري , وحزن عميق , لانتهاء تلك الفترة على غير خير , انتهائها إلى ما لا نتمنى , مع اننا كنا على يقين من حدوث هذا , وكنا نمتى تأخره إلى أجل غير مسمى , ولكنه حدث وفي وقت قصير .
أمل ... لم تبكي انما تشبثت بقوتها وارتدت رداء التبلد أمامنا , كنتُ اتتبعها بعد أن رحل هاني وودع تحت الثرى
تمشي في ممرات المشفى إلى ان وصلت إلى الحضانة , دخلت إلى الداخل ونقلت نظراتها بين الاسرة , وسألت الممرضة المسؤولة هناك بصوت مجهد : " أين طفلي ! "
عرفتها الممرضة في الحال وقالت : " لقد نقل إلى الملجأ "
انكمشت ملامح وجهها بغضب , وصاحت عليها : " كيف هذا ؟ ومن أخذه , ولماذا أخذتموه إلى هناك ! "
تلعثمت الممرضة من أسلوب امل المهاجم لها , أكملت امل وقد بدأ صوتها يتهيج ويبكي : " لمَ لم يخبرني احدا بهذا , فأنا ولية أمره , فأمه أودعتني اياهُ , كيف لكم ان تفعلوا هذا به , أرجعوه إلي , أرجعوه لي لكي أعيش معه فليس لي غيره "
ارتعش جسمها أمام ناظري , وانهارت عليهم بغضبها الذي اشتعل فجأة وتفجر , وانطلقت تركض بين أسرة الاطفال بعشوائية , تبحث عن الطفل , تنقب عنه لعلها تجده , والممرضة تحاول سحبها إلى الخارج , وتحاول منعها من فعل هذا وافتعال الضجة .
دخلت إلى داخل الحضانة واقتربت منها بسرعة , وامسكتُ بها من كتفها وطبطبت عليها بلطف وقلت : " على رسلك يا أمل"
هي لحظات نظرت فيها إليّ , عينيها كانتا متعبتان مثقلتان بالأحزان , رمت بذراعيها على صدري وقالت بعنف : " اتركني "
زدت من قوة قبضتي عليها , والتفت إلى الممرضة , وقلت : " اعذرينا "
سحبتها معي إلى الخارج , كانت تقاوم بشدة , وتلعنني , تحاول الافلات مني بأي وسيلة والرجوع إلى الداخل
ولكن شيئا فشئيا خفت من مقاومتها لي وسكنت عن حركتها العنيفة , ارخيتُ يديّ عنها وحدقت بها , كانت تنظر بتجاه الغرفة , كانت عينيها المتسعتين الغارقتين في الحمرة فارغتين سارحتين في اللا شيء , ووجهها شاحب وحزين .
لأول مرة ينتابني هذا الاحساس , أحساس انني ضعيف جدا امامها , ضعيف عن اخفاء مشاعري نحوها , وغير قادر على احتوائها وتخفيف احزانها , وهل لي القدرة على فعل شيئا لها !
فقط نطقت بصوت غارق فيها : " سأرجعه إليكِ "
ارتعشت بين ذراعي رعشة خفيفة , ولم تنظر إليّ انما انتزعت نفسها مني وذهبت .
***
حملت الطفل بين ذراعاها بعد اجراءات سريعة في كفالته
مع انني كنت اظن ان الاجراءات ستكون عسيرة ولكن بسبب اوضاع البلاد رموه علينا , وكأنهم يتخلصون منه .
كنا مع بعضنا نمشي والصمت رفيقنا , وقفت أمل على طرف الشارع ورفعت يديها لتوقف سيارة أجره
توقفت سيارة الأجرة وركبتها بسرعة وركبت انا في الجانب الاخر , عند احتلالي للمقعد بجانبها .
رفعت رأسها نحوي وجهها يحمل تعابير منزعجة , وقالت : " لماذا تتبعنا ! "
احتلتني الدهشة , وصدرت من حنجرتي نخرة فيها تعجب وغضب , فقلت : " إلى أين تحسبين نفسك ذاهبة بدوني ؟ فأنتِ الآن تحت مسؤوليتي وستكونين معي إلى أين أذهب "
ضمت الطفل النائم إلى صدرها , وشدة بذراعيها عليه, وقالت من غير ان تبعد عينيها المتسعتين من التعب عن وجهي :" لستُ مسؤوليتك فأنا مسؤولة عن نفسي , وذلك العقد على ورق فقط انسيت ذلك, فدعنا وشأننا "
ضغط على اسناني بشدة وتصاعد غضبي مرة واحدة , وانفجرت عليها : " ليس لكِ الحق بفعل هذا ما دمتي اصبحتِ زوجتي , وستفعلين ما أريده فقط "
انكمشت ملامحها المتعبة , حتى وضح الاسى عليها , اختنقت عينيها بالدمع وهي تقول : " وهل ستجبرني على كل شيء أيضا , إلا يكفي الإجبار الذي عانيته من قبل , أرجوك اتركني وشأني "
اسقطت بصرها إلى حجرها وإلى طفلها التي شدت عليه أكثر , صمتُ وقد هرب غضبي مني , وتلاشى وكأنه لم يكن , فقد حل الوجع مكانه , ليؤنبني ضميري , ويرق قلبي عليها .
وصلنا إلى مكان سكننا وإلى ذلك المبنى الذي تركناه منذ الحادثة , ذلك المكان الذي سكنه الخراب والدمار , ذلك المكان الذي يعود بذكرياتنا إلى الوراء ويوجعنا , مشينا من بين الحطام وظلام الليل ولا يحيط بنا إلا الانوار الخفيفة التي تناثرت في الشوارع والمباني .
كانت تمشي متعثرة الخطى , تترنح بين فنية وأخرى , تمتد أصابعي إليها في كل مرة تفقد فيها توازنها , ولكنني أتراجع عندما اراها تقف بقوة وثبات وتسرع خطاها , وصلنا إلى المبنى ودخلناه فناديتها قبل ان تركب السلالم : " أمل "
تحت ضوء المصباح الاصفر وقبل أول درجة من السلم توقفت , ولكنها لم تلتفت إليّ , تقدمت خطواتي إليها واكملت : " أعطني الطفل "
رصت أصابعها النحيلة على الاقمشة المحيطة بالطفل , وكأنها خائفة من اختفائه من بين يديها , وهزت رأسها بلا
اقتربت منها إلى ان اختفت المسافة الفاصلة بيننا , وقلت برقة : " أمل أعرف انكِ متعبة , لا تقسي على نفسكِ هكذا , واعطني احمله عنكِ قليلا "
ظلت على نفس حالتها مديرة ظهرها إليّ ولا أرى من تعابيرها شيئا , وكأنها ترفض ما قوله ولا تريده , ضغط على كلماتي وانا احاول حمل الطفل عنها : " انها وصية هاني لي ان اعتني بكِ واحميكِ , هاني قد اوصاني بكِ , وانا لست بناكث لها "
ارتخت اصابعها عن جسد الطفل فحملته عنها إلى ان وصلنا إلى شقتي .
***
لم يكف الطفل عن البكاء , بل واصل بكائهُ طوال الليل
كنت احاول النوم على الأريكة , ولكن هيهات ان يأتني النوم , فكيف لي ان أنام وانا اسمع ذلك الصوت الذي يختفي ويظهر فجأة في كل مرة أحاول فيها اغماض عيناي .
جلست وانا اشعر بأن الصداع بدأ يشن هجومه على رأسي بسبب هذا الازعاج المفاجئ
كيف لها ان تحتمل ذلك !
على الاكيد انها سوف تتخلص منه قريبا !
فهو ليس طفلها !
ولماذا تقوم بتربية طفل غريب ! أمل ستفعل ذلك على الاكيد !
كنتُ اتمنى في اعماقي ان لا يحصل هذا , اتمنى ان تكون مختلفة , نعم أشعر انها مختلفة
لا انها ليست كذلك انما هي تشبه ذلك الصنف من النساء , ولكن لمَ أخذته !! لم تبنت الطفل !!
لم كانت تريده لهذه الدرجة !
بلا شعور , مشيت إلى غرفتي التي اصبحت سكنا لها ولهُ
ودققتُ الباب , انتظرتُ ثواني قليلة حتى فتحت الباب لي
اعترتني الدهشة , وتحولت دهشتي إلى رعب عند رؤيتها , كانت الدموع تتقاطر من عينيها وهي تسند الطفل على كتفها, ووجهها أصفر ذابل قد تلطخ بالألم والحزن , وحجابها المهمل يظهر بعض الخصلات المتموجة , تحركت شفتيها بتعب شديد : " لا أعرف ما به"
اقتربت منها وحملته عنها وادخلته إلى داخل الغرفة , واخذت اتفحصه على السرير , كانت معدته منتفخة وكأنه يعاني من الغازات
جلست بجانبي واخذت تحكي لي عن تفاصيل ما حصل معها طوال الليل , وفجأة انخرطت في البكاء , افزعني بكائها ذلك , فتركت الطفل من بين يديّ والتفت إليها , وقلت بخوف : " ما يبكيكِ يا أمل !! انه طفل صغير وعلى الاكيد أنه غير معتاد على هذا العالم وعلينا , و قد يعاني من بعض الغازات بسبب الحليب "
هزت رأسها نفيا وهي غير قادرة على ايقاف بكائها , وقالت : " لقد اخافني بشدة حتى خفتُ من فقدانه , لم أعرف ما افعله , فلقد فقدت قدرتي على التفكير أو التصرف عندما رأيته هكذا "
وانخرطت في بكاءً مرير , حل محل فزعي ذلك الحزن على حالها , بل طوق صدري وألمني
وجعلني اقترب منها واطوقها بذراعيّ , لعلي أمنحها أماناً , وأبعد كل هذا عنها , أطمئنها ان كل شيئا بخير !
في تلك اللحظات الناعمة
الحارة والباردة على حد سواء
المليئة بتلك الاحاسيس العميقة , احاسيسي لها
وددت لو انني اشد عليها أكثر , لأريح نفسي المتتوقة لها قبل أن أريحها هي
شعرت في تلك اللحظات انني اختنق وأغرق في ذلك الدفء الغريب , في ذلك الامان العجيب , في تلك المشاعر المثيرة والرائعة .
شددت عليها أكثر فأكثر , أبحرت في ذلك العمق من المشاعر
أريد حضنها الجميل , وحرارتها الناعمة
انها تزيح كل تعبا فيني وتمنحني دفء الراحة , تنسيني كل نفس اتنفس , تغطس بي في محيط العشق
هي ثواني فقدتُ فيها عقلي , ورميته بعيدا عني وابدلته بمشاعري المخفية
لأستعيده بسرعة على صوت بكاء الطفل
استعدتهُ وانا مذهول من تصرفي , وأفكاري هذي
ابتعدت عنها بعنف , عنف لم اقصده !
عنف بدر من شخصيتي التي لم تتغير
وكشر وجهي عن ملامحي القديمة
كانت ملامحها تحمل من التوتر الكثير , ولكن سرعان ما تحولت إلى صدمة
احتلتها الصدمة وهي تحدق بي بعينين مفتوحتين وقد امتزج الغضب والحزن فيهما
حاولت ارخاء ملامحي تلك ولكني لم استطع , لان وجهي قد اعتاد على هذا العبوس
لم يكن موقفي من هذا كله , إلا ان وقفت وقررتُ الهروب
الهروب من تلك الاعين التي تلومني اشد لوم , وتعنفني على أخر لحظة
قلت لها من غير ان افقه حديثي حتى : " سأحضر له شاي الاعشاب "
خرجت من الغرفة , ومن الشقة بأسرها , وإلى الخارج ذهبت , امشي وذهني ليس معي
فتصرفي العنيف كان غبياً وبغيضا , وغير مبرر و الحمد لله انني لم اصبها بأي أذى
بدلا من ان اُخفف من شدة الامور زدتها تعقيدا
يا إلهي !!!
ما بي ... أفقدت عقلي
ما بي أصبحت هكذا معها
فلقد اصبحت شخصا حساسا , تجره عواطفه , فاقد لاتزانه , غير ذلك الشخص القديم
أنسيت كل تلك الامور , انسيت انها كومة من الفوضى , وانها من تسبب في تدمير حياتي
فهي شخص لا يجب ان اجري وراءه أو أحبه , نعم ..فليس للحب من مكان في قلبي لامرأة مثل أمل.


***
في كل يوم يزدادُ الوضع سوءا وسقما
العيش بين تلك الفوضى , وبين الوضع الحالي الصحي والمادي اذهب صبرنا وقوتنا
وجعلنا يائسين قانطين , فلقد اصبحنا نعيش في مجاعة حقيقية , ما نعيش عليه فقط خبز ورز قليل وماءً شحيح
لم أكن اظن انني سوف أخوض مثل هذا الاختبار !
ولم أظن انني بعد عيش الرغد سأصبح اكتم جوعي الشديد , واتذوق مرارته وقسوته
لا أحد يستشعر مصيبة إلا إذا وقع بها
لستُ أبالي بنفسي فأنا رجل بالغ , استطيع التحمل والصبر والرضاء بالقليل
ولكن الاطفال والنساء من هم اصحاء من الوباء, فلقد بدأت عظامهم بالبروز , وبدأ يشتد عليهم الجوع , وبدأ الفرار يستعمر افئدة الكثيرين , حتى بدأ الكثير منهم بالتسلل ليلا فرارا بجلودهم , مما سبب لنا هذا مشاكل عديدة , فالمخيم الذي يحيطه الحجر الصحي اضمن لهم , فهو يعطينا القليل من الامل للبقاء على قيد الحياة !
أيّ أمل ذلك الذي اهذي به, فالوضع كالجحيم !
اجبرت نفسي على البقاء هناك , وحمايتها ايضا فانا أخشى عليها من خدش بسيط , أحاول مراقبتها ومنعها من الاقتراب من كل مشبوه , فهناك الكثير من المرضى و اخاف من اصابتها , بل اموت جزعا
تتذمر من رفضي , تحاول إغاظتي , فترفه عادت كما هي , ترفه نفسها , صغيرتي الجميلة
اخذتها مرة إلى أعلى تل رملي , فقط لأختلي بها قليلا , واجعلها حرة طليقة بعيدة عن ذلك الصخب
كُنتُ واقفا بمسافة قريبة منها , وكانت هي تقف على القمة و تنظر إلى البعيد وعينيها تتسعان راحة , قلت لها بهمس : " اطرحي حجابكِ عنكِ , واستمتعي بهذه الاجواء "
التقت أعيُننا للحظة , ابتسمت لها , وارسلت لها حبي وودي
ابعدت عينيها بسرعة عني , ولم تقم بنزعه , اقتربت منها إلى ان وصلت إليها , رفعت أصابعي إلى ربطة حجابها , وبدأت انزعه , اضطربت ترفه بوضوح جعلني ازيد من ابتسامتي
وامسكت اصابعها الدافئة بيدي الباردة , كانت دافئة وناعمة جدا , كنعومة مشاعري نحوها , وهيجانها في صدري , وتخلخلها في كل ذرة فيني
فترفه تحتل كل مراكز الاحساس فيني , فمعها اشعر انني اغمر تحت الاعماق , واتقلب بين اضلع الفرح , فألتهف إليها , واتمنى لو ان لحظاتنا هذه لا تنتهي أبدا , فالحرارة تشتعل في جسمي وتغمر صدري عندما اكون بجانبها , فأنا أحاول إخفاء كل تلك المشاعر التي اظنها قد تؤذيها , اخفائها في قفص صدري , لكي لا اجعلها تتفاقم , ولكي تكون هي فقط ترفه طفلتي التي ربيتها , وصغيرتي التي لا اتمنى إيذاءها أبدا .
الساعات تجري , والايام تمضي وتطول , لا نعرف سبيلا للنجاة ولا للحياة
امسح العرق عن جبيني , وتحت أشعة الشمس احاول كسر المزيد من الاخشاب , اليوم اشعر بالمرض والتعب وبطاقتي قد نفذت مني
أشرب من قِربة الماء بجرعات قليلا محاولا عدم اسقاط قطرة واحدة منها , وانا لاهث متعب , واجلس على أحد الاخشاب وكفي تظل وجهي
لو كنت في غير هذا المكان , لو كنت اعيش مثل الماضي الذي بات بعيدا لما شربت من هذا الماء الملوث
يالتلك النفس التي تعالت على حياة الشقاء !
وظنت ان ترف الحياة باقي , وانقلابها مُحال !
كيف للحياة ان تنقلب على بني أدم بهذه الطريقة !
وان يكون شعور الجوع والفقر مجزع بهذه الطريقة !
أحمل الاخشاب على ظهري , واسير بخطى متعبة نحو خيمة المرضى وارميها في مكانها المخصص
يعتصر الجوع معدتي , وينتابني الدوار , وانا انقب بعيناي واحاول شم رائحة طعام يغني جوعي
فلا أجد امامي شيئا ولا اشعر الا بألسنة الشمس الحارقة تحرقني
فلقد مرت سبع ساعات منذ استيقاظي ولم اذق غير الماء , الماء الذي احمد الله على وجوده
امشي إلى خيمتي الخضراء الصغيرة والتي لا تبعد كثيرا عني , افتح بابها القماشي وابحث عن ترفه هناك , فلا أجدها انما اجد الظلام والهدوء والفرش المرتبة على الجوانب
اسرع خطاي نحو الخيم المجاورة والمتراصة , أرى بعض النسوة المنشغلات في احاديثهن , ابعد نظراتي عنهن وأسأل من بعيد : " أأرئى أحدكم ترفه !! "
فتخبرني احدهن انها في مكان تجمع الاطفال , امشي إلى هناك وانا تعب البدن منهك الفكر , واعصابي مرهقة مشدودة , اراها جالسة مع بعض الفتيات الاصغر سنا منها , والاطفال بجوارهن منهم من يقفز ويصرخ ومنهم من يلعب بالتراب
اناديها من بعيد , فلتفت إليّ , تتعكر ملامحها في تردد بينما عينانا تلتقيان , فتبعدها عني وتتحدث مع رفيقاتها بصوت هامس مستأذنة منهن
تقف بجسمها الضئيل المتغطي بملابس بيضاء فضفاضه و تمشي بخطى بطيئة نحوي على الرمال , وعند وصولها بالقرب مني , وعلى بعد عدت خطوات مني تقول بهمس ووجهها تكسيه بعض الحمرة من الشمس : " نعم "
العرق يتصبب مني وانا اقترب منها , واحاول ابعاد الارهاق والتعب عني والابتسام لها , وفقتُ أمامها ومددتُ اصابعي نحو خدها أتلمسه , واقول : " صغيرتي رجاءً لا تختلطي بالناس هنا , ولا تقتربي من المرضى , فأنا خائف عليكِ , الجلوس في خيمتك افضل من تحمل اللسنة اللهب هذي فوجهكِ يبد عليه الارهاق "
احمر وجهها الشاحب على احمراره ذلك , واتسعت عينيها البنيتين المحدقتان بي , ضمت ذراعيها المتغطيتان بالبياض إلى صدرها , و تراجعت خطواتها عني , وكشرت بغضب وهي تقول : " ذياب ألست تبالغ في هذا ؟ "
همست بانزعاج , وهي تقترب مني وعينيها تلمعان : " اتريد قتلي بحبسي في تلك الخيمة الرديئة "
تغيرت تعابيرها الغاضبة وامتزجت بالقهر, لم تسمح لي بالحديث بل أكملت وهي ترص على اسنانها : " لقد اصبحت لا تطاق , انت فقط تعطني الأوامر , وتشد الخنق عليّ , لا تذهبي لا تتكلمي لا تأكلي , انت فقط تقول لي موتي ببطء وحدكِ , وانت حتى لا تجلس طوال اليوم لثانية واحدة "
وجهها الغاضب , تعابيرها الكارهة لي , كلماتها الغير مستوعبة لحقيقة خوفي وجزعي عليها , هي لن تفهم , ولن تفهم ما الذي سيحصل ان اصابها شيء , تعبي جعلني افقد سيطرتي على نفسي , واقول بصوت غاضب : " انه لمصلحتكِ يا ترفه أطيعيني ولا تعصيني "
لأول مرة في حياتي اظهر هذه التعابير الوحشية لها
انقلبت تعابيرها الغاضبة إلى المتفاجئة والمذهولة وهي تحدق بي
وليتها ظهري , ومشيت والغضب الانزعاج يعتريني , تبخر غضبي وزحف الندم إلى قلبي
أنا في الحقيقة اطوق ترفه من كل الجوانب , خوفا عليها وحماية لها
وفكرت ان يصيبها مكروه تجعلني أفضل الموت على ذلك !
استدرت عائدا , أبحث عنها كالمجنون , فأنا لم أصدق اننا قد عدنا كسابق عهدنا , وانها اخيرا طوت تلك الصفحات الممزقة ورمتها بعيدا عنا , وانها تظاهرت بعدم وجودها , فنحن لم نتناقش أو نفتح تلك الجروح منذ ان حدث كل هذا
رأيتها جالسة بداخل الخيمة على فراشها البني الرفيع والظلام يحيط بها
كانت تضع كوعيها على فخديها, وكفيها تمسكان وجهها المحمر الحزين
كانت تنظر إلى أحدى الزوايا المظلمة بفكر سارح , منغمسة في عالمها
أحزنني حالها هذا , فأنا لم اصدق رؤية ابتسامتها , واستعادتها لحيويتها القديمة
لا أحب التعاسة التي ارسمها عليها !
اقتربت منها وانخفضت إلى ان جلست أمامها
ابتسمتُ لرؤية عينيها اللتان اتسعتا مفاجأة لرؤيتي , وانتعشت روحي برؤية وجهها الجميل امامي , وباستنشاق رائحتها التي ضمت صدري وخدرتني بالكامل
فأي سعادة هي رؤية صغيرتي بصحة وعافية , وأي حياة جميلة تتواجد فيها هي معي , واي غضب غبي يجعلني احزنها و لو قليلا
غيرت نظراتها إلى غضب وعقدت حاجبيها وهي تشيح بوجهها عني
وقد بدأ عليها الغضب والحزن معا , بصوت منخفض مترجى قلت, وانا اتلمس طرف ملابسها : " ترفه أنا اسف على صراخي عليكِ "
وضعت كفاي على رأسي احمله قبل ان يسقط من الصداع والضغط الذي بي , وقلت بتعب : " انا مرهق بشدة , لقد كانت تلك لحظة غضب مررت بها للحظات , فأنا خائف عليكِ حد الموت , انتِ تعرفين انه ان اصابكِ مكروه فأنا لن استطيع مسامحة نفسي أبدا "
انكمش وجهها وقد بدأت عينيها تنذران بهطول الدموع , كانت لا تزال لا تنظر إليّ , انما تنظر إلى زاوية بعيدة وإلى خارج الخيمة ، قالت بعد تردد وصوتها يختنق : " كالعادة , ذياب انت دائما ما تعيد علىّ هذه الكلمات , وفي كل يوم بل في كل دقيقة , ارجوك لا تبرر لنفسك أكثر فأنا لن اسامحك , اقسم انني قد ضقت ذرعا منك "
بعد هذه الكلمات المتقطعة الباكية , بكت صغيرتي وهي تضع كفيها على وجهها وتكمل : " لماذا صرخت عليّ بهذه الطريقة وامام الجميع !! "
لم يكن لديّ أي اعذار , انما تبخرت كلماتي من تعبي وندمي الشديد , ولم أقدر على فعل شيء إلا انني تقدمت منها ووضعت رأسي على كتفيها وضممتها إليّ , لعلي اخفف عنها وعن نفسي , وهمست : " اعتذر يا صغيرتي , أعتذر منكِ على قسوتي تلك , ولن اعيدها مرة اخرى أعدكِ بذلك , أرجوكِ سامحيني ".
مر يومين حتى انتشر خبر ان الطبيب قد اصابته العدوة , ذهبت إليه وإلى تلك الحبال التي ربطة حول الخيمة الرمادية التي قد ذهب لونها , ودخلت إلى حيث هو , كانت الاسرة الحديدة المتراصة كما هي تحوي الكثير من المرضى , والكثير من الاوجاع والأنين , والرائحة كما هي عفنة , الظلام ينتشر في بعض الزوايا بينما الزوايا الاخرى تعج بالأنوار الخافتة.
في زاوية بعيدة , وتحت أحد المصابيح وعلى أحد الاطراف كان يستلقي على سريره الحديدي
يحاول الجلوس تارة ولكنه في التارة الاخرى يسقط على سريره
اقتربت منه وأنا احاول الاسراع إليه , والابتعاد عن تلك الوجوه الشاحبة , والعيون الغائرة والافواه المتشققة المفتوحة والتي تطالب بالنجدة , وترفع أيديها لعل أحدا يخفف من مرضها وينقذها.
وصلت إليه وكل الخوف قد انحشر بداخلي , وتدفق الدم إلى وجهي , واهتز بدني لرؤية وجهه التي بانت عظامه فيه , والتصق جلده به , كان كمن شاب قبل أوانه
نظرات عينيه الحمراوين وبدنه المرتعش كانت كفيلة لإرعابي , تراجعت خطواتي إلى الخلف , ونظراتي لم تفارقه , حاول الابتسام والتمسك بحد السرير الحديدي والوقوف وهو يقول : " علينا الاعتناء بالمرضى لعلنا ننقذهم من الموت , فلقد شفي أحد الاطفال بأعجوبة "
جسده النحيل الفاقد لقوته ترنح وكاد يفقد توازنه , كدت أقترب منه و اساعده , ولكن خروج ذلك الشلال المرعب من المياه من جوفه جعلني اتجمد , تدفق بلا توقف وكأنه يمتص كل مياه جسده ليخرجها منه , ويخرج دمه معه , وفي كل مرة يحاول الاستفراغ فيها , يشهق ويمسك رأسه ويتلوى ألما
بعد توقف ذلك التدفق وتشكل بحيرة شفافة ذات رائحة كريهة يخالطها الصفار تحته , توقف وهو يشهق ,و كل الالوان تشكلت في ذلك الوجه الشاحب المريض , وهو يستلقي على أقرب مكان على طرف سريره
عينيه الجاحظتين تدوران , ولا تستطيعان الاغماض , فمه مفتوح على أخره والشقوق والحبوب تملئه , وانفاسه تلهث وتنقطع , وجسده تجمد وقد توقف عن الارتعاش
انحرفت عينيه المتسعتين لتنظران إليّ في اصفرار مخيف , لم يستطع اغلاق فمه ولا التنفس بسهولة , انما كانت انفاسه حبيسة صدره , كان على حافة الموت وهو يحاول النطق , ولكن انتزعتُ روحه قبل ان يصدر ان ردت فعل أخرى
وامام تلك الاعين المفتوحة والوجه الهزيل الابيض , والموقف الرهيب , فقدت حاسة الاحساس , وتقدمت منه وكل التبلد يسكنني , ورفعت احد الشراشف البيضاء وغطيت جسده به , ونقلت نظراتي بين الجالس والمستلقي والصارخ والمتألم وبين جميع المرضى الذين يحيطون بي , فلم أجد غير الفراغ , وغير الأسى , وجو من التعاسة .
بعد وفاة الطبيب , انتشر التشتت فيما بيننا, وعثَا الخراب الارض , حتى بدأ الكل يهاجر ويحاول الفرار من ذلك السجن فليس هناك من طبيب او حتى من ينقذنا من جحيم هذه الحياة , حتى ان الحكومة لم تعطنا بالاً وشددت حصارها على مديتنا , لكي لا ينتشر الوباء إلى المدن الاخرى , ولم يبقى اي طعام او اهتمام في ذلك الحجر , بل بات مهجورا لا يسكنه إلا الخراب والمرض , حتى الشرطة الذين كانوا معنا قد تخلو عن مهنتهم وفروا .
لم احمل اي شيء معي غير ترفه ومتاعها الزهيد , مشينا على شارع من الاسفلت , شارع مظلم كئيب خالي من البشر وتحيط به الصحراء من كل الجوانب
كان الليل قد حل ونشر ظلامه , وبدأ قمر ليلة أربعة عشر يتوسد كبد السماء
ترفه التي كانت تمشي بجانبي في سكوتها الطويل , نطقت بصوت هامس مجهد : " ذياب انا متعبة ! "
نطقها لاسمي ونبرة الارهاق فيه جعلني استفيق من أفكاري , واتوقف لثانية والتفت إليها وانظر إلى ملامحها تحت ضوء القمر
ملامحها التي سيطر التعب عليها , وذراعيها اللتان طوقتا جسمها , جعلت ذراعي تقترب منها وتشدها إليّ , وتضغط على كتفيها
مشينا بجانب بعضنا مشيا بطيئاً
نظرت إلى البعيد , وإلى ابعد نقطة يصل بصري إليها لعلي أصل إلى اي نور يرشدني إلى مكان يضمنا
ولكنني لم أجد إلا الخواء يحيط بنا , فقلت وأنا اشد عليها : " دعيني نمشي قليلا لعلنا نجد مكاننا نقضي فيه ليلتنا "
رفعت رأسها ونظراتها إلى وجهي , وهي تقول : " اني متعبة و لا استطيع الاكمال , ان البرد قارص "
اخفضتُ نظراتي إليها , وتوقفنا للحظات وانا ارى طيف الدموع في عينيها واسمع انفاسها اللاهثة , من شدة تعبي وارهاقي لم ألحظ اننا مشينا لساعات طويلة , وان الجو قد بدأ يبرد اكثر فأكثر
حقا انا غير مبالي , فأنا نسيت انها صغيرة على هذه المشاق , فتكفي معاناتها في المخيم ليأتيها المزيد
وانا ابعد نظراتي عنها , لمحت نورا يشق الظلام , يتقدم ببطء نحونا ليتسع ويتسع , وكأنه سبيل النجاة , وشعاع الامل , هتفت وابتسامتي تملأ وجهي : " الحمد لله , انها سيارة "
ابعدت ترفه عني وامسكت بيدها اشدها , ربت عليها بلطف وانا اتقدم معها إلى الشارع , توقفت السيارة , وكانت شاحنة يجلس فيها سائق في العقد الرابع من العمر يخيط الشيب اول خيوطه عليه , تحدثت إليه : " أيمكنك ايصالنا إلى أقرب محطة وقود أو فندق أو اي شيئا حي بالقرب من هنا "
لم يستغرب السائق حالنا انما رحبا بنا بمقابل مبلغ مالي كبير نوعا ما
هكذا اصبح حال البلاد واصبح المشردين كثر والناس تحاول استغلال كل شيء حتى ولو كان زهيدا
كان لدي بعض الاموال التي لم أصرفها منذ الحادثة , واظنها تكفيه وتكفينا لعدت أيام إلى ان اجد حلا أو أعود إلى منطقتي وأهلي
لقد كانت هنالك محطة وقود تبعد حوالي النصف ساعة عنا , اوصلنا السائق إليها
كانت ترفه متشبثة بذراعي اليمنى بشدة وكأنها خائفة من انفتاح الباب الذي بجانبها أو اختفائي عنها , عندما وصلنا نزلت ترفه أولا ونزلت بعدها , كانت المحطة تضج بالبشر , وكانت مليئة بالأوساخ , وكأنها مكب للنفايات, ذهبنا إلى المطعم اولا لنسد جوعنا ونروي ظمئنا , وبعدها إلى الشقق السكنية فلقد ارهقنا طول المسير .
" ألا توجد غير هذه الغرفة "
اجابني العامل الذي أرشدنا إلى الغرفة بـ : " لا.... اعذرنا فالمكان مزدحم جدا "
كانت غرفة كبيرة في الاتساع , ولكنها رديئة في الشكل , فأرضيتها تظن من منظرها انها من الطين , وفراشها من القماش القديم الذي عثا عليه الزمان , وسريرها حديدي ردئي عليه فراش قد تغير لونه من كثرة الاستعمال , سألته : " حسنا , ولكن ألديكم المزيد من الاغطية المغسولة أو الجديدة "
اجاب الرجل : " نعم هناك المغسولة "
وذهب لإحضارهم , تقدمت نحو السرير وهو الشي الوحيد الذي يُجلس عليه وجلست
واشرت لترفه التي بقيت في مكانها ان تأتي إليّ , كانت وكأنها تضغط على اسنانها من شكل فمها المزموم , ووجهها متعكر محمر , قالت وهي في نفس مكانها : " كيف ننام هنا! المكان فضيع , بل قذر جدا "
لو اقول الحقيقة ان الخيمة التي كانت منزلا لنا في المخيم كانت أجمل من هذا المكان بألاف المرات , زفرت بعمق وقلت : " ليس هنالك حل يا صغيرتي , فلا توجد غير هذه الغرفة , ولو وجد غيرها فأظن انها ستكون مثلها او اشد قذارة "
وهمست اطمئنها وانا احثها على التقدم : " فقط لهذه الليلة "
اقتربت إلى ان جلست بقربي , وانا طرحت جسمي على السرير الخشن , واغمضت عيناي قبل ان يأتي الرجل بالأغطية , هي دقائق طوانا فيها الهدوء , واسترخت اعصابي فيها وطردت منها اي فكرة قد تقض علىّ مضجعي
دقائق قصيرة هي حتى جاء , نهضت وانا متململ ومتعب , اخذتها منه وعدت إلى الداخل , رأيت ترفه تحدق بي ووجهها قد طبع الحيرة والارهاق , وقفت واقتربت مني وهي تشير إلى السرير وتقول : " كيف سننام ... "
وصمتت وقد بدأ عليها التلعثم والاحراج
يا إلهي ! لقد غاب عني هذا الشيء بل لم افكر فيه إطلاقا , وهل لي عقل للتفكير بشيء كهذا ؟
فكيف ننام هنا وعلى سرير واحد ؟
نظرت إلى الارض واستصعبت الفكرة , بل لم استسغها ولم أحبذها
ولكن فلا حول ولا قوة لي غير هذا , فأنا لا اريد ازعاج ترفه بالنوم معها على هذا السرير
اخذت احدى الوسادات , وغطاء واحد خفيف وتركت الاخر لترفه , ووضعتهم على الارض بالقرب من السرير وقلت لترفه الساكنة مكانها :" صغيرتي انتِ نامي على السرير وانا سأنام على الارض "
اندفع الاستنكار إلى وجهها , واتسعت عينيها دهشة , واقتربت مني حتى وصلت بالقرب مني , وقالت وصوتها غير مقتنع : " لا , كيف لك ان تنام على هذه الارضية ؟ "
هززت رأسي بالرفض وانا أحاول الابتسام لها , وطمأنتها ان هذا الوضع افضل لنا , وانني سأحتمل ذلك , قلت : " لا عليكِ فانا متأقلم مع هذا الوضع , ولا اظنهُ مزعج لتلك الدرجة "
وضحكت... ويالتلك الضحكة التي اطلقتها فلقد كانت تنافي ما أشعر به , بل تقصم ظهري , وتجعلني افكر بالآلام التي سوف اقاسيها من بعد النوم فوق هذه الارض
ولكن لا يهم , فلا اظنها تختلف عما عانيته سابقا
ان ترقد على أرض مليئة بالأحجار , وتدق العظام دقا , تكاد تتخلخل إلى انسجة لحمك
هذا ما عانيتُ منه , وتقلبت عليه فقط لبضع دقائق
أخذت الافكار تدور في رأسي وانا غير مرتاح بتاتا , ما الذي سنفعله !
وإلى ما سيؤول إليه أمرنا ؟
وكيف هي أوضاع البلاد , فالرعب ينهش القلوب ويدميها , مع وجود المرض وانتشاره انتشارا واسعا في مديتنا فهناك العصابات التي تزعزع الامن , الخوف منهم , وقد نصادفهم في أي وقت اذ لم نأخذ حذرنا !
جلست وقد قفزت فكرة إلى رأسي , يا إلهي ! لقد نسيتُ مروان , يجب عليّ ان اتصل بهِ لعلي اصل إليه
فهو حبل نجاه قد نقدر على التعلق به , وقفت ولبست حذائي على عجل , أتاني صوت ترفه المنتبه لي : " ذيــاب "
التفت إليها , كانت تجلس على السرير وقد طوت اللحاف على جسدها ومازال رأسها يحيطه حجاب ابيض اللون , وبعجلة قلت : " عزيزتي سأذهب لمهاتفة مروان لعله يرد علىّ "
قفزت ترفه من فراشها وقالت هاتفه : " أريد الذهاب معك , لا تتركني لوحدي هنا "
وصلت إلىّ في ثواني , وتعلقت بي , كما يتعلق الطفل بأمه , كان الالحاح يملأ عينيها والخوف يحتل ذلك الكيان الصغير , فكيف لي ان اتركها واذهب بهذه البساطة
فصغيرتي من بعد كل تلك الحوادث التي حصلت لنا اصبحت شخصا يخاف من ظله , ويلتصق بي إلى اينما ذهبت , حثثنا الخطى إلى غرفة الاستقبال , وإلى الهاتف ذهبت وترفه تمسك بقميصي ولا تتركني , اتصلت برقم مروان , وكان مغلقا , واعدتُ الاتصال لمرتين وعشر حتى فقدت الأمل
فقدت الامل بوجود من ينتشلنا مما نحن فيه
وفقدت الامل ببقائهم على قيد الحياة
وهل مروان حي ! وهل خالتي والعائلة بخير !
فأنا لا أعرف أيّ شيئا عنهم , لا أعرف ان كان قد بقي لي أهل أو انني اصبحتُ مقطوع الافرع !
اعتراني الالم في تلك اللحظات وفطر قلبي الحزن , واصابني القنوط , القنوط من نجاتهم ومن رؤيتهم لمرة أخرى
مشيت محملا بأثقال همي , امشي وترفه متشبثة فيني وتعيد كلماتها علىّ : " ذياب ما بك ! ألم يرد مروان عليك "
اهز رأسي واقول وكلماتي تقفز من حلقي الجاف بصعوبة : " لا أحد يرد "
" لماذا "
أرد عليها بتعب : " لا أعلم "
لا أعلم , فما علمي إلا معدوم بما حصل لهم
ونرجع إلى تلك الغرفة
واضطجع على فراشي الخشن , اتقلب عليه واكتم ما بصدري
اكتمه واشد عليه لكي لا يصرخ توجعا , واجلس وقد حاصرتني أفكاري ونشرت الارق في كل أجزائي
وفي الطرف الاخر , وعند النور الخفيف تجلس ترفه على فراشها , وقد خلعت حجابها وطوق شعرها الداكن الذي طول كثيرا وجهها
ترحل نظراتي إليها , وإلى عينيها المعلقتان بي , وتطوقانها فأسألها : " ما بكِ لمَ لم تنامي يا صغيرتي " خرج صوتي ضعيفا واهناً , تخفض ترفه نظراتها إلى حجرها و تشد الغطاء عليها , وتقول بهمس : " انني اشعر بالبرد و لا استطيع النوم "
أزحتُ كُل اثقال العالم التي حملتُها على كاهلي منذ لحظات
من أجلها
فكل شيئاً ينسى , إلا ترفه لا تُنسى !
يا إلهي !.. اني أغلي من الحرارة بسبب دوامة أفكاري , وهي تقاسي برودة الجو , وتحتمله في صمت
نهضت وانا ارفع اللحاف الساقط بجانبي واعطيها اياهُ , عندما اسقطتهُ بجانبها همست وعينيها تتسعان , وقد رسم وجهها تعابير الرفض : " وانت ! "
قلت : " لا أريده فانا لا أشعر بالبرد , احتفظي به لك يا صغيرتي لعله يسد حاجتكِ من الدفء "
واسترخيت على تلك الوسادة , وجسمي يلامس الارضية الخشنة , يحتك فيها باحثا عن الراحة ,فلا يجدها , إنما يجد ما يناقضها وأسوء !
ما زلت اتقلب محاولا بشتى الطرق النوم , ولكن هيهات ان يأتني , والبرد بدأ يقرصني بشدة
انطويت على نفسي , وبدأت أحك اجزائي ببعضها عسا ان احصل على مبتغاي من الدفء
سمعت صوت حركة أتية من اتجاه ترفه , فالتفت إليها , كانت جالسة كما رايتها منذ دقائق وكانت تشد عليها الغطاء , همست بهدوء : " أ تشعرين بالبرد !!"
هزت رأسها بنعم , وقالت : " أنت أيضا.... صحيح "
وقفت وهممت بالخروج للبحث عن أغطية إضافية , واستوقفني صوت ترفه : " إلى أين ستذهب ؟"
وكادت تقفز من السرير , وتسرع إليّ , إلا انني قلت : " ثواني لن اتأخر يا ترفه سأذهب لأحاضر بعض الأغطية وأعود , أنتِ اقفلي الباب بالمفتاح... حسنا "
ابتسمت لها بحنان فردت لي بهزة من الرأس واسرعت نحو الباب لتنفذ طلبي وانا ذهبت إلى الاسفل
ويالسوء الحظ , لا يوجد لديهم اغطيه اضافية فلقد اخذها النزلاء جميعها
لم يكن باليد حيلة إلا العودة إلى الغرفة واحتمال قرص البرد , مع هذه الملابس التي لا تغنى من جوع
عدت ودققت الباب , فتحت ترفه الباب ووجهها متهلل مسرور , ولكن سرعان ما طوتها الحيرة وهي تنظر إلى يداي الفارغتين وتقول : " أين الاغطية؟؟ "
دخلت إلى الداخل وقلت بأسف : " ليس هناك المزيد منها للأسف "
وعدت إلى مكاني , ألتحف برداء البرد , فنفسي لا تهمني , انما ترفه المسكينة , التي تنشدني الاغاثة , كنتُ أشعر بضراوة البرد على جسمي وخيّل إليّ انها قد تعاني الامر نفسهُ , وتشعر به كما أشعر أنا به الآن !
لم أحتمل الموقف , فصغيرتي أولا بحرارتي من نفسي , ذهبت إليها إلى ان جلست على السرير , واسترخيتُ عليه نائما بجانبها محيطا ذراعي بجسدها من فوق اللحاف
تحركت قليلا فهمست لها بخفوت ولطف : " نامي يا عزيزتي , عسا ان تدفئكِ حرارة جسمي "
قد اكون محتالا الآن بنظر الكل , محتالا كبيرا ايضا , لاستغل فرصة كهذه , من أجل الاقتراب منها والطبطبةِ عليها, والتخفيف عنها وعني لعلنا ننسى ما مررنا به
فصغيرتي معتادة على عناقي والنوم في حجري عندما كانت صغيرة , حتى كبرت قليلا وازداد طولها فمنعتها أمي (رحمها الله) من النوم عندي , ووبختني انا على اخذ الامور ببساطه واستسهالها , فانا كنتُ لا استطيع النوم حتى اٌقرأ لها قصة وامطرها بقبلاتي, وامسح على شعرها الناعم , حتى انني كنت اجدل لها شعرها عندما طول قليلا , فطفلتي هذه شديدة التدلل عليّ , ولا استطيع رفض طلباتها حتى لو كانت مبالغة , وظلت ترفه تتدلل عليّ حتى عندما كبرت , صحيح انني وضعت بعض الحواجز احتراما لشعائر الله , ولكن ظللتُ ادللـها واعتني بها .
شددت عليها أكثر , احبسها في قفص صدري لعودتها إلى أحضاني , اعطيها كل ما لدي واخذ بالمقابل , ويالتلك الراحة والدفء الذي شعرت به في تلك اللحظات , فلقد اسقطتني بين يديّ النوم , وجعلتني ابحر في اعماق الراحة , وابحث عنها من اوسع ابوابها .
***


حاولت النوم , ولكن لم استطع !
فكيف لي أن أنام وذياب يطوقني , ويحتجزني بين ذراعيه !
عندما ارخى ذراعيه عني قليلا , وغرق في نومه
حاولت ابعاده عني ولمست ذراعه , كانت باردة كالثلج خشنة كالحجر
رق قلبي عليه , فذياب قد تحمل الكثير وفعل العديد , وحمل على اكتافه كل المشاق التي ممرنا بها دون تذمر , داوني في مرضي , واعطاني كل الحب والحنان , وقف معنا كالصخرة التي لا تُخدش وكالفأس الذي لا يجزع , وبذل ما بوسعه عندما هرب الرجال وتخلوا عن مسؤوليتهم تجاه اهلهم ووطنهم .
بتردد وضعت كفي عليه وبدأت أمسح على ذراعه وكأنني امنحه دفئِ , امسد جلده وابعد عنه كُل الاوجاع وارسل مشاعري إليه , اعطيه كل ما لدي من امتنان وشكر.
حاولت ازاحت الغطاء واعطائه ولو القليل منه لكي ينعم بالنوم الهناء
ولم يمانع , لقد كان في حاجة لهذا الدفء
اختبأ معي تحت الغطاء , اختبأتُ في أحضانه , استثرت مشاعر طفولتي , واعادتني ذكرياتي إلى زمننا القديم , إلى ماضيّ معه إلى احضانه ودفئه وحبه وحنانه
الشوق اخذ يحن ويأنّ تحت هذا التلامس الرقيق , وطوقتني حرارته واسرتني رائحته التي نسيتها , رائحته التي ذكرتني بمقدار شوقي له ومقدار طول الايام التي فرقتنا
وبدون تردد وكأنني معتادة على كل هذا , طوقته واغمضت عيناي بسلام
لم يكن هنالك شيء أكثر إغراءً من النوم في احضان ذياب
كان إغراءً بمنتهى الروعة
فذياب الرجل الذي أحب
يا إلهي ... ما ان اتذكر هذه الحقيقة حتى ارتعش , واخجل على الفور
وتنتابني تلك المشاعر التي تمدني بالسعادة , تمدني بإحساس التملك , وبانه ملكي أنا , ورجلي أنا
هي لحظات غطست فيها في اعماق حرارته , وتسلل النوم إليّ خلسة , وجرني إلى محيط السكينة
فهي راحة لم اشعر بها منذ فترة بعيدة
هي راحة تحتضن كل ذراتي
تؤيني بين ذراعيّ الأمان
تسوقني إليه سوقا
تجعلني أرمي كل دِفعاتي بعيدا
أرميها كما ارمي حجرا في بركة
كنتُ بين اليقظة والحلم
كنتُ لأزال أبحر بين تلك الاحاسيس الرائعة
عندما أحسست به يبتعد عني بلطف مبالغ فيه , لا أعلم ان كان لطف او العكس !
ولكن لمساته اعطتني احساسا جميلا , وجعلتني احاول الامساك به اكثر
كنتُ لا علم حقيقة بحقيقة ما حدث
فلقد كان محجوبا بالضباب
استيقظت من النوم في الصباح
فتحت عيناي نصف فتحه لضوء الشمس المنبعث من الستارة المهترئة , والتي كانت لا تحجب اشعة الشمس إطلاقا
حركت كفي ذهابا وايابا بجانبي وبمكان نوم ذياب , ابحث عنه , وكأنني كنتُ امني نفسي بان اجده ساكنا بجواري كما كان , وانه ليس حلم كما كنت اتخيله !! لم يكن ذلك حلما بالتأكيد !
فرائحته لا تزال عالقة في ذلك المكان , تنفست بعمق لدفء أشعة الشمس المتسللة , ولهذا الصبح المتنفس والنفس المرتاحة
وبدأت في محاولة تذكر ما حدث ... لم ينم ذياب إلا قليلا , لقد انتشل نفسه من بين ذراعاي وخرج إلى الخارج مقفلا الباب وراءه بالمفتاح , لقد احسست بذلك وكأنني كنتُ اتتبعهُ , اسمع صوت انفاسه وكل حركة كان يصدرها.
تذكرتُ شيئا واستيقظت منزعجة وانطلقت نحو دورة المياه التي هي اشد نتانة من الغرفة نفسها
وبعد مدة من الزمن كنت جالسه على السرير ارتدي حجابي , اعصابي مشدودة متعبة تتنظر عودة ذياب بفارق الصبر , وتأنيب ضميري ساطع في عيناي
انفتح الباب الخشبي الذي اختفى لونه واهترئ شكله ودخل ذياب بهدوئه المعتاد , كان وجهه شاحب اللون تعب الملامح , يطويه الارهاق من كل الجوانب , وايضا... اللون الداكن تحت عينيه انه نفسه الذي كنت اراه سابقا , والذي كان قد اختفى تقريبا , الآن هو يحتل مكانه الاصلي !
ابتسم ابتسامته تلك , التي تجعل من قلبي يلهث من شدة النبض , الجنون بعينه ان تأثر فيّ ابتسامته وتجعلني افقد موجة غضبي تلك , بل وتتلف كل عصب فيني , وتقربني من حالة الاغماء بسبب تأثري المبالغ به !
قلت وانا اخفي توتري عنه , واحاول ادخل جسمي بداخل اغطية السرير لعلي أخفي كل جزء مني عنهُ : " لمَ لم توقظني لصلاة الفجر ؟ "
كانت لهجتي أقرب للصراخ من الهدوء , لم أكن إلا فظة عدائية عندما احادثه
تعكرت ملامح وجهه , وانطفأت ابتسامته وانطفأ معها كل غضبي عليه , بل صببته على نفسي صبا مؤنبة نفسي, موبخة لساني على اسلوبه الفظ الغليظ , رأيته و قد حزن حزنا شديدا وبدأ عليه الاسف جليا , وقال بلهجة متعذرة وهو يمشي ناحيتي على تلك الارضية الرمادية التي وضعتُ نظراتي عليها : " أسف يا صغيرتي , لقد نسيت ذلك تماما "
رفعت نظراتي إليه بندم , كان الارهاق يتكأ عليه , كان يبدو في حالة فضيعة من التعب , سكنت ورحل عني توتري عندما رأيته يضع طعام الإفطار على الارض , ويدعوني بوجهه البشوش .
بعد انتهائنا من الطعام , ذهبت للاستحمام قبل ان نغادر , فذياب اخبرني اننا سوف نستقل الحافلة للذهاب إلى أقرب سكة حديدة والتي لا تبعد عنا إلا مسافة نصف ساعة من الزمن بالحافلة
ارتديت ثوب ازرق اللون مع حجاب ابيض , كان الثوب قبيحا بشكل لا يصدق , لا يناسب ذوقي في الملابس ابدا , فهو قد اعطي لي عندما كنا في الملجأ لأننا لم نكن نملك أي الملابس في ذلك الوقت
طردت الذكرى عني , فيالبؤس تلك الايام , فتخيلها تعود إلينا يجعلني أتيبس من الرعب , كانت أشد رعبا من تشردنا هذا , كان خوف الاصابة بالمرض رعبا يطوف بالجدران ويلتصق بنا , كنتُ اشدُ رعبا من ذياب بأن يصاب احدنا به , كنت خائفة من فقدانه, خائفة من رؤية ذلك الوجه الصلب الحنون يذبل أو يختفي , وكم كنت اتمنى لو انني اموت قبل ان يصيبه أي مكروه .
خرجنا من ذلك المكان الذي لا اتمنى العودة إليه
وجلسنا ننتظر وصول الحافلة ويبد انها ستتأخر قليلا على حد قول احد الرجال المنتظرين معنا
كانت الشمس في كبد السماء , وكانت حرارتها تحرق , لم يكن الطقس حار بل كان ناعما وهادئا مع وجود صخب الناس من حولنا والارض الصحراوية القاحلة
كان هناك مجموعة من النساء متجمعات تحت اشعة الشمس في مكان قريب منا , كُنا يلبسن الالوان الداكنة ومنهن الجالسات والواقفات
كنتُ اقف بالقرب من ذياب وملتصقة به , التفت إليّ وامسك بيدي يشد عليها
في هذه المرة كانت يدي هي الباردة ويده هي الحارة , لسعتني حرارته , حتى احسست انني اريد المطالبة بالكثير من الدفء منه
التقت الاعين ببعضها , ابتسم ذياب ابتسامته التي تذيب الجليد بداخلي , وتجعلني اتخدر من الخجل , ابتسامته التي ترفعني إلى عالم يتواجد فيه هو فقط
حاولت رد ابتسامته تلك والتجاوب معه على غير العادة , اخباره انني بخير وأنني لا اشعر بالخوف , وانا معه وانني اريد التشبث فيه إلى الابد , حرك شفتيه بهمس اسمعه انا فقط : " عزيزتي أيمكنك الوقوف مع هؤلاء النسوةِ , سأذهب قليلا واعود "
وأشار بعينيه إلى تلك الجهة الصاخبة بأصواتهن
قطبت جبيني , واعدت نظراتي التي حولتها إلى ذلك المكان إليه , شددتُ على اصابعه المتعلقة بأصابعي تأكيدا على رفضي القاطع بقبول ذهابه
عيناه السوداويتين كانتا تحاولان بإلحاح لطيف طمئنتِ , ومعانقتي واشعاري انه لن يتأخر كثيرا
قوست شفتيّ غير راضية عن ذلك .... ولكن قد يكون شيء مهم , ما بالي هكذا لا أريده ان يتركني لثانية واحدة , يا إلهي حقا اني سخيفة , وخوفي ما هو إلا مبالغة , اعدتُ شفتاي إلى وضعهما الطبيعي وهززت رأسي قبولا .
جلستُ بالقرب من التجمع النسائي , على الرصيف , وقدماي على طرف الشارع ملتصقتان ببعضهما , وذراعيّ تطوقانني
الوجوه بألوانها واشكالها , بعيونها الواسعة والضيقة , بتواضعها وتسلطها كانت تحدق بي وتحدق ببعضها
وفي كل مرة أرفع فيها نظراتي إلى الاعلى تلتقي بأحدها , فاخفضها إلى الاسفل انزعاجا منها
لم أكن اجتماعية قط , ولم أكن أحب النظرات التي يسترقها البعض لي
فنظرات النساء لا تختلف بتاتاُ عن نظرات الرجال في هذه اللحظة , فكلها تبعث عن الفضول
ولم يكن منظر الناس يروق لي , أشعر وكأنني في مكان غير مكاني , واشعر بعدم الامان والغربة الشديدة
والكره العميق لهذا الحال الرديء , والاصوات العالية البغيضة , والأناس القذرين الذين يمشون سيرا وذهابا بهندامهم الغير مرتب والبعض منهم تغطيه القذارة بشكل ملفت.
كل شيء في تلك اللحظة أشعرني بالسقم والفوضى
رفعت بصري للحظة فتلاقت عيناي بعينا سيدة كبيرة في السن تلبس عباءة سوداء لا يظهر منها إلا يديها المتجعدتين ووجهها الاسمر الذي خط عليه الزمن خطوطه , كانت تحمل عيون سوداء كبيرة تحيط بهما التجاعيد من كل الجوانب وفم صغير مزموم
كانت تنظر إلي بتفحص
لم تكن نظراتها رقيقة مطمئنة
كانت كريهة تشعر المرء وكأنه تحت ضغط شديد
ابعدت نظراتي عنها بقلق وتوتر
نفضت ملابسي من الغبار الذي علق بها , وانا أقف لأمشي وابتعد عن ذلك المكان الخانق
أمشي على الاسفلت المغبر والذي تملئه الحفر , وعيناي تتبعان خطواتي
وارفع نظراتي من حين إلى أخر , لأتفقد طريقي وأحاول عدم الابتعاد كثيرا عن مكان النسوة
مشيت إلى ان وصلت بالقرب من بعض البقالات , كانت البقالات قديمة متكسرة ومهترئة بسبب ما جاءها من الطوفان , ورائحتها العفنة تشم من بعد ميل
لم تكن تسمع تلك الاصوات الصاخبة في تلك الجهة التي وصلت إليها , ابتعدت قليلا عن البقالات وانزويت في مكان ارى فيه الناس ولكنني لا أرى منه
وجلست ويديّ تحتضنان وجهي وعيناي سارحتان في اللا شيء , انما تنظران بعيدا إلى عمق غير مرئي .
تعكرت الاجواء فجأة , وانطلقت الصيحات الصاخبة الهلعة , عند سماع صوت طلقات نارية متتالية , تيبستُ مذعورة في مكاني , وازدادت حرارة الجو حتى وصلت حد الاختناق
نظراتي تتسارع كأنفاسي في النظر بتوجس حولي فلا يوجد حولي إلا الرمال والابنية المتصدعة , والغبار المستنشق للهواء وصخب الناس المنطلق
وقفتُ .. وبللُ العرق يلتصق بي , وأنا أرى على مد البصر على مسافة قريبة مني الحافلة التي انحشر فيها فوج من النساء والرجال من غير مراعاة , يتدافعون ويسقط بعضهم فوق بعض ويضرب الواحد منهم الاخر , وصراخهم وضجيجهم يعبر عن رعبهم الشديد فالكل يريد الفرار بنفسه
التيبس لا يزال يحشرني بين زواياه , والرعب يوصل صخب دقات قلبي المتسارعة إلى حنجرتي
حاولتُ التحرك واللحاق بالناس وفعل ما يفعلونهُ وركوب ذلك الباص الابيض القديم والذي فقد بعض اجزاء نوافذه
ولكن اوقفني انغلاق الباب وقد ابتلع جزء كبيرا منهم واطاح بالجزء الاخر إلى خارجه , واسرع منطلقاُ , سرعته كانت بطيئة بسبب ثقل ما يحمله , انحرف قليلا وهو يهتز تحت بعض الاحجار والرمال الخفيفة و يتوجه نحو الشارع الرئيسي , ولكن وفي حين غرة منه وبسرعة كالصاروخ , اختطفتهُ شاحنة حمراء تحمل اطنان من الحديد فوقها , لتقلبه أمامها وتنقلب معه في حركات سريعة خاطفة , ويرتفع الغبار والدخان , ويصرخ الضجيج , وتتطاير الشظايا وتتبعثر الاشلاء وتتساقط الحمولة وتهتز الارض من تحتها.



نهاية المعانقة التاسعة عشر



 
 

 

عرض البوم صور سميتكم غلآي  
قديم 14-12-14, 06:01 PM   المشاركة رقم: 113
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2014
العضوية: 278451
المشاركات: 12
الجنس أنثى
معدل التقييم: غلا الذهب عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 27

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
غلا الذهب غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سميتكم غلآي المنتدى : ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
افتراضي رد: أرواح متعانقة

 

اللهم صل على محمد صلى الله عليه وسلم

 
 

 

عرض البوم صور غلا الذهب  
قديم 17-02-15, 12:06 AM   المشاركة رقم: 114
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Feb 2009
العضوية: 127613
المشاركات: 2
الجنس أنثى
معدل التقييم: ارنوبة عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ارنوبة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سميتكم غلآي المنتدى : ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
افتراضي رد: أرواح متعانقة

 

اللهم صل وسلم على نبينا محمد...... ماشاء الله رواية رائعة

 
 

 

عرض البوم صور ارنوبة  
قديم 11-08-15, 06:21 PM   المشاركة رقم: 115
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2014
العضوية: 271387
المشاركات: 11,135
الجنس أنثى
معدل التقييم: bluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 13814

االدولة
البلدJordan
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
bluemay غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سميتكم غلآي المنتدى : ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
افتراضي رد: أرواح متعانقة

 
دعوه لزيارة موضوعي

تغلق إلى حين عودة الكاتبة

 
 

 

عرض البوم صور bluemay  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
للكاتبة سميتكم غلاي, متعانقه, ليلاس, منتدى قصص من وحي قلم الأعضاء, ارواح, ذياب, جريمه, روايات اماراتيه, روايات خليجيه, رواية أرواح متعانقه, سميتكم, شرطه, علاج
facebook



جديد مواضيع قسم ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t174693.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
ط±ظˆط§ظٹط© ط§ط±ظˆط§ط­ ظ…طھط¹ط§ظ†ظ‚ط© This thread Refback 07-08-16 04:39 PM


الساعة الآن 09:18 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية