لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > قسم الارشيف والمواضيع القديمة > الارشيف
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الارشيف يحتوي على مواضيع قديمة او مواضيع مكررة او محتوى روابط غير عاملة لقدمها


خيال نفسي الحديقة السرية

الحديقة السرية إنهم ليسوا مجرد انعكاسات في مرآة ........ و إن كانوا كذلك , فالمرآة التي عُكسوا عليها مشروخة , محطمة .... أقنعة زيّفت كل شيء وضعوها على وجوههم

 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-02-12, 07:28 PM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Feb 2012
العضوية: 235567
المشاركات: 2
الجنس أنثى
معدل التقييم: أسماء شاهر عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 12

االدولة
البلدJordan
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
أسماء شاهر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : الارشيف
افتراضي خيال نفسي الحديقة السرية

 

الحديقة السرية
إنهم ليسوا مجرد انعكاسات في مرآة ........
و إن كانوا كذلك , فالمرآة التي عُكسوا عليها مشروخة , محطمة ....
أقنعة زيّفت كل شيء وضعوها على وجوههم فخدعوا كل من حولهم , حتى أنفسهم .....
إنهم ماكرون , خبيثون , خادعون , بائسون , سمّهم حتى – إن شئت – مجموعة من الموتى الأحياء .
ليسوا في مكان بعينه , لكنهم بالتأكيد في المكان الخطأ..... ربما هم فقط لا يستطيعون البوح بمن يكونون في الحقيقة .

"ذاك الذي أمامي منزل زائف ....
الذي أراه أمامي تحديق فارغ ...."


الفصل الأول : ثلاثية الأزهار الزرقاء ... شديدة الحمرة
- 1 -
"يقولون أنك تستطيع معرفة بدء قدوم الربيع , ذاك حين تأتي أقسى موجة برد , يقولون أن الربيع الحقيقي الدافئ لا يأتي إلّا بعد ثلج شديد البرودة . إذن فلابد أن الربيع بات وشيكا , حيث أن المكان يمتلئ بالثلوج البيضاء حديثة العهد بالسماء ."
هذا ما كان يجول في بال "تودد" و هي تطل من نافذة غرفة الجلوس متوسطة الحجم ذات الحجم ذات الطابع الأنيق المنتشر بين الأسر المترفة الحال .
عادت ببصرها إلى طاولة الطعام مستطيلة الشكل ذات الحواف التي نُقشت عليها بشكل فائق الهندسة أسماء أربعة , وضعت الإناء البلوري الذي كان بيدها و الذي امتلئ بعصير وردي زاهٍ.
تقدمت من السلم الذي انتصف المنزل الواسع و نادت بصوت متزن و رخيم " ثابت حواري جوين , لن أنادي طوال اليوم لا تضطروني أن أبدأ هذه السنة أيضا بالعقاب ."
سمعت حركة في الطابق العلوي فابتسمت ثم عادت لتحضر طبقين أخرين .
"صباح الخير أمي "
"صباح الخير ثابت " تقدم منها الشاب طويل القامة و قبل يديها و رأسها , وضع يده على فمه و تثائب ثم نظر لها بعينين زرقاوين دامعتين من شدة النعاس , رمقته بطرف عينها ثم قالت و هي تتابع نقل الصحون الممتلئة للطاولة :" ماذا ؟ ليس لديك محاضرات اليوم !! "
التفت إليها و قال من بين تثاؤبه وهو يمشي نحوها بتثاقل : "إنها السنة السادسة لي في الجامعة و أسمع السؤال ذاته كل أول أسبوع من أول كل فصل , إنه وقت التسجبل , ا لـ تـ سـ جـ يـ ل – تثاءب ثانية ثم تابع مستدركا سؤالها المعتاد – لقد فعلتْ , لقد قمت بتسجيل مواد الفصل القادم الفصلَ الماضي , أذكر أنني أخبرتك "
ضربت بأطراف أصابعها ظاهر يده التي امتدت نحو طبق رقائق الفواككهة المجففة , ثم قالت و هي تتقدم منه و تمسح على رأسه بيدها التي بدأت التجاعيد تظهر فيها – أعلم , أنا أعلم لكن ألا تشعر بالأسى نحو حواري و جوين , اليوم هو يومها الأول من عامهما الدراسي الأول في المدرسة الجديدة – أظهرت تعابير لطيفة على وجهها و تابعت بصوت رقيق – إنهما صغيران و جميلان و لطيفان سيكون مؤسفا أن يذهبا و أنت نائم سيكون صعباً أن تحظى أنت بالراحة بينما يستيقظان هما باكراً .
ربتت عل رأسه بلطف ثم ابتسمت له , تنهد بحسرة ثم قال : " حسنا , لقد حصل االعكس تماما , هما الآن نائمان , و أنا من استيقظ باكرا . "
أمسك يدها و قبلها ثانية ثم قال و هو يحيطها بذراعيه " هل أوقظهما عنك ؟ " , هزت رأسها أن لا :" لا , أنت اذهب و اغسل يديك , و هما سيتحملان مسؤولية عدم استيقاظهما , إن فعلا ."
هز رأسه بالإيجاب و مضى بضع خطوات قبل أن يتوقف , نظر إليها و قال :
- هل من حاجة أن ...
- أنا سأفعل , بعد أن يذهبا سأذهب أنا للمدرسة و أوضح لهم الأمر .
- و العمل ألن ...
احتد صوتها قليلا " ثابت , الجدال غير مسموحٍ به - عادت نبرتها إلى الهدوء- لا تُقلق نفسك بهذه الأمور لا أريدك أن تتضايق أبداً لأجلها , دع كل شيء على الأم , هي تعرف كيف تتعامل معها , أنت اهتم بدراستك فحسب , هذا فقط ما أريده منك ." , حرّك رأسه فقالت : " لم أسمعك .."
- كما تريدين أمي , اعذري جهلي و سوء تصرفي .
- حسنا , اذهب الآن .
ذهب من أمامها و عيناه معلقتان في الأرض .
- ثابت ماذا هناك ؟
انتبه للصوت الناعس الذي كلّمه
- آآه , جوين , صباح الخير , هل استيقظت الآن ؟
- يبدو ذلك كنتَ شارداً , هل من شيء ؟ ألهذه الدرجة يكون الاستيقاظ يوم العطلة مزعجاً ؟
ضحك ثم قال و هو يدفعها برفق: " أمي في غرفة الجلوس , لا تدعيها تنتظر أكثر .
فركت عينيها الخضراوين الناعستين بأصابعها الطويلة شدية البياض ,و مشت نحو غرفة الجلوس و هي تسحب قدميها ببطء
- صباح الخير أمي
- صباح الخير يا حلوة أمها , يا إلهي ما هذا المنظر المتعب , ألم أخبرك البارحة ألّا تسهري ؟! تفضلي الآن و انظري لوجهك في المرآة , السهر يضر ببشرة الفتاة , خاصة عندما تكون في مرحلة حرجة كمرحلة الثانوية , كم مرة عليّ إخبارك بهذا ؟
- لقد نمت البارحة الساعة الثامنة , أين هو السهر في القصة ؟ , - تابعت همساً - ثم هل تبقى في هذا العالم فتيات في المرحلة الثانوية ينمن الساعة الثامنة ؟ , لقد انقرضن , هذا إن وجدن أصلا .
- ما الذي قلته ساقاً عن الهمس أمامي , إن كنت آمرك بشيء فهو لأجل مصلحتك بالتأكيد , لا أظن أنك ستجدين في هذا العالم بأسره من يهتم لأمرك أثر مني
- أعلم
- جيدٌ أنك تعلمين , فحينما أقول لك أن السهر ممنوع يكون هذا ...- و نظرت لها بعينين زرقاوين متعبتين تطلبان منها المتابعة
- يكون ذلك من أجل مصلحتي
عدلت الأم من جلستها على الكرسي فيما أكملت : " حبذا لو أصبحت أما أقل إزعاجا و لم أضطر لأكر كلامي أكثر من ألف مرة سيكون ذلك مذهلا ."
سكتت قليلا ثم قالت و هي تعيد ترتيب وضعية الصحون على الطاولة حين رأت أن جوين لم تحرك ساكناً:
- هل عليّ إخبارك أيضا أن تغسلي و جهك و يديك لتتناولي إفطارك ثم تستعدي للذهاب للمدرسة ؟ , أم عندك اعتراضٌ , مثلاً على ... موعد افطارنا , و أنه لا أحد يتناول فطوره الساعة السادسة , و أن فتيات الثانوية اللواتي يفعلن ذلك انقرضن الآن .
- و هل سيجدي إن اعترضت ؟
- جوين ...
كان ذلك صوتَ ثابت تقدم نحوها بسرعة , و قال و هو يشير بيده للأمام : " إن كنت منزعجة من الاستيقاظ الساعة السادسة لتتناولي فطورك الجاهز , فاعلمي أن أمي استيقظت من الخامسة أو الرابعة و النصف لتحضيره لفمك الثرثار . "
- " لم أكـ ...
-" تعلمين , كلمة أخرى و سأ....
ضربت السيدة تودد بقبضتها الطاولة فارتجت الصحون من فوقها , قالت دون أن ترفع عينيها نح أي منهما : " يكفي كلاكما , ثابت اجلس و ابدأ إفطارك , و أنت أذهبي لتغسلي وجهك و يديك ثم تعالي , انتهى . "
ردّ كلاهما : " حسنا أمي . "
مشت جوين من أمام ثابت دون أن تلتفت إليه , أما هو فسحب الكرسي قبالة والدته و جلس .
خطوات ضعيفة تعبر السلم نحو غرفة الجلوس , انتبهت تودد لها , و اسرعت من مكانها نحوها , تكلمت و هي تحرك يديها لتترجم كلامها لإشارات الصم :
- حواري عزيزي , لِمَ لَمْ تلبس شيئا دافئا على قدميك ؟ ,إنها تثلج في الخارج .
جاءها صوت ضعيف متقطع " لـ...لي...سـ ... ليس با...با...رد "
قالت و هي تقترب منه و تحمله :" كيف لست بارداً ؟ " , أجلسته على أحد الكراسي , ثم رفعت رجليه عن الأرض . نزعت الجوارب الصوفية الثقيلة من قدميها و ألبستها له .
- يا إلهي إنهما متجمدتان .
قالت له بحزم و يداها تترجمان له بانفعال كبير :
- المشي دون شيء دافئِ في قدميك أيام الشتاء ممنوع , إته الأشد منعا هنا , سأغضب إن رأيتك ثانية تمشي عاري القدمين , أفهمت ؟ , ماما ستغضب منك , و ستحزن كثيراً , كثيراً "
نظر لقدميها و قال : " حسـ.... سـ... ناً "
حماته و قالت و هي تقبل جبينه الصغير : " هيا لنذهب و نغسل يدينا ."
نظر لها ملياًثم قال : " رغــــوة !! "
ابتسمت ,لكن مسحة الحزن بدت جلية على وجهها
- أجل , سنعمل رغوة كبيرة من الصابون و الـــــــــــماء الساخن ..
قالتها و هي تدغدغ بطنه بأناملها , فضحك كثيرا و ضحكت هي لضحكه , مشت قليلا ثم رمقت النافذة التي انزاحت عنها الستارة ......
" يقولون أن الثلج البارد حينما يذوب, يصبح ربيعا دافئاً ."
ر مشت عيناها باستغراب و هي ترى الشمس تبزغ و تنير أكوام الثلج ....... و تذيبها .
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
عندما لا أهتم كثيرا لأمرك ....
هل يعني هذا أنني أكرهك ؟ ....
عندما أهتم كثيرا بك .....
هل يعني هذا أنني أحبك ؟ ......
عندما أفعل كل شيء من أجلكَ أنت , كيف يكون ذلك من أجلي أنا ؟ .....
- صوت تشغيل جهاز الحاسب المحمول , و شاشة مضيئة -
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
- 2 -
" حتى لو كنت طائراً , لما استطعت الطيران , حتى لو كان لي جناحين , لن أقدر على مغادرة هذا المكان . إنه سجن ضيق , إنه أضيق السجون , إنه سجن سُجنت به للأبد , داخلي ... أنا "
الحذاء باون الخط الرفيع المنقوش منتصف المعطف ذي الياقة المرتفعة كثيرة الطيّات الطوليّة , القميص الشتوي دقيق الأكمام و الذي ظهر من أكمام المعطف القصيرة ذات النهايات الشبيهة بياقته , يناسب بتدرجاته الناعمة الوشاح الذي خيطت على أطرافه "كريستالات" دقيقة بألوان متعددة ,متدرجة من ذات لون القميص .
أما عن "الاكسسوارات" , فعقد دقيق في أخره "كريستالة" غامقة اللون , و هي نسخة من "الكرستالة" الأغمق لونا بين " الكريستالات" المخيطة على الوشاح , و خاتم فضي , رُصع بمئات من القطع الصغيرة ماسيّة الهيئة ذات ألوان عديدة متناسقة شديدة اللمعان متصل بسلسلة رفيعة , مكونة من أشكال هندسيّة بالغة الدّقة , متلاصقة معاً , موصولة من الطرف الأخر بسوار فضيّ مضلّع و منقوش بعناية بالغة .
- إليغانت , ألم تنتهي بعد , إنها ثلاث ساعات مذ بدأت تجهيز نفسك , ثلاث ساعــــــــات , سنفوُّت الحافلة , و لن نجد غيرها حتى الثانية ظهرا .
أعادت الفتاة تفحص نفسها على المرآة الضخمة , وضعت قليلا من أحمر الشفاه مرة أخرى , ثم أخذت ترمق وجهها بدقة باحثة عن أيّ خطأ .
عيناها ذواتا اللون الرمادي الفاتح و قد أعطتهما تلك اللمعة الموغلة فيهما بريقا فضيّا فريداً , رموشها شديدة الطول و السواد في آن واحد , بشرتها الوردية الصافية , شفاهها .....
أخذت منديلا بعصبية بالغة و مسحت به شفاهها بقوة , ثم أعادت وضع لون آخر عليهما , كان بلمعة أشد و وهج مُلفت , نظرت ثانية لشفاهها في المرآة , حدقت بها طويلاً قبل أن تصرخ بصوتٍ عالٍ و منزعج :" أين هي علبة ألوان الشفاه الجديدة ؟؟ أين وضعْتِها ؟؟ "
قالت أمها و هي تقترب من باب غرفتها المدهون باللونين الخمري و الذهبي , والذي كتيت عليه بخطٍ لاتينيٍ بالغ الجمال و الدقة "Elegant " :
- لا أعلم , أنت من أخذها عندما عدنا البارحة من السوق .
قالت بصوت أعلى و أشد انزعاجاً : " لم أفعل , و الآن ماذا يجب أن أفعل ؟ لن أستطيع الخروج هكذا ."
- لِمَ ؟ لديك الكثير غيـ....
- أريدها هي , يا إلهي يبدو وجهي شاحباً , سحقاً أبدو بشعةً للغاية .
- إليغانت عزيزتي إنه لون شفاه لا غير , لا أظنه سيحدث فرقاً .
صرخت إليغانت بعصبية : - و ما أدراك أنت ؟ , من الذي يقف أمام المرآة الآن و يحدق في وجهي البشع أنا أم أنت ؟ , إن لم تجدي تلك العلبة الآن فلن أستطيع الخروج , أبدو كالمسخ
- إذن , دعيني أدخل و أبحث عنـ ...
- و ترين شكلي البشع !!, و كأن هذا سيحدث
كان صوتها مختنقاً و كأنها على وشك الموت
- إليغانت حبيبتي , أرجوك لا تكبري الأمور , إ....
توقفت حينما بدأت تسمع أصوات تحطيم زجاج في الغرفة
- إليغانت .... توقفي .... – أخذت تهز الباب بقوة – حسناً فهمت , سأخبرك من هنا , لن أدخل ... توقفي أرجوك ... لن أدخل , سأخبك أين تبحثين , ستجدينها .
صرخت من الداخل بصوت شرس : "لا تدخلي..."
- لن أفعل , لن أفعل , توقفي فقط ... سأخبرك من هنا , و أنت تبحثين عندك , لهذا عزيزتي , أتوسل إليك ألّا تؤذي نفسك , اتفقنا .
عمَّ السكون للحظات , فقالت الأم بعد أن ابتلعت ريقها بصعوبة و مسحت عينيها الدامعتين : - إذن , انظري أولاً في الأدراج السفليّة لخزانتك , فأنت غالباً ما ...
- أمي ...
جاء الصوت من وراء الباب هادئاً , ضعيفاً , مكسوراً و كأنه لا يريد الخروج من شدة الخجل . سكتت الأم للحظات و سالت من عينيها خيوط متلاحقة من الدموع الصامتة .
تابعت إليغانت بصوت متعب , شديد الأرهاق , يُخَيل لمن يسمعة أنه يحمل هموم الحياة :
- أنا ... أنا حقاً ... أسفة .
اسندت الأم رأسها على الباب , و كتمت شهقة مؤلمة لطالما ... كتمتها .
جلست إليغانت على الأرض بتهالك , انهارت في الواقع . أخذت تجول بعينيها أنحاء الغرفة شدية الأناقة و الترتيب . أغمضت عينيها بغضب و أحست بالاختناق , و برغبة كبيرة في البكاء ... ثانية .
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
ما هو وجهي ؟ ...
أين هو وجهي ؟ ...
أحقاً ذاك الذي أراه أمامي في المرآة , ذلك الذي يراه الناس دوماً , هو وجهي ؟ ...
عندماً سيتحطم التمثال الرخامي الجميل , تُرى ... ما الذي سيبقى ؟
- صوتٌ لبابٍ يُفتح و و ظلامٌ شديد -
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
- 3 -
"كان هنالك قطعة بلور , قطعة جميلة , ذات لون رائع و بريق خلاّب , كانت جميلة جدا , تعجب كل من يراها و يُفتن بها , لكن كان هناك لغز حولها و لم يستطع أحد حلّه , ل تركت هذه البلورة مكشوفة , ربما خُدشت و اتسخت و ربما حتى ... كُسرت ,
و لو حُميت بغطاء قويٍّ و صلب , لم يعُد يظهر منها ذلك اللمعان الفريد , بل ربما لن تُرى ثانية , و قد تُنسى و يُنسى أمرها ... للأبد ."
تسكُب الشاي الساخن ذا اللون الذهبي الصافي في الفنجان الكحليِّ ذي اللمعة الأخّاذة فتفوح الرائحة الزكية العطرة في أرجاء الصالة كلّها .
لقد بات هذا المشهد متكرراً , أصبح و كأنه لا بد منه , لا مفر , سكون بعد ذلك بدقائق ينهيه هو عندما يقول كالعادة :
- كيف حالكِ إذن ؟
- بخير .
إنه ذات الصوت البارد , ذات النبرة الجليديّة , أو لنقل ... الميتة الخالية من أي حياة .
إنهما معاً منذ أربع سنوات تقريباً , نعم فترة طويلة لمرحلة الخطوبة , لكنها , و مع هذه الفترة الطويلة , لم تتغير أبداً . كلّما نظر إليها تذكر أول مرّة رأها فيها , لا ... لم تكن مختلفة بل كان هذا حالها مذ عرفها بادئ ذي بدء , لكنه استطاع أن يجد بها أشياء جميلة , و هي استطاعت أن تمتلك و تسيطر على أفكاره .
فرغم المساحات الشاسعة التي تضعها بينها و بين كلِّ من حولها , رغم الامبالاة التي تغرق عينيها البنيتين الصافيتين , رغم أن مستوى اهتمامها به تحت الصفر , إلا أنه لم يستطع تخيل حياته دونها . لقد استغرب الجميع قراره هذا و حاولوا أن يجعلوه يعدل عنه , حاولوا أن يقنعوه بأن يرأف بنفسه من هذا المصير القاتم الذي سيغرق نفسه فيه , لكن أنَّى له ذلك , كيف يمكن أن يمضي و يتركها خلفه ؟ , مرات قليلة تلك التي رأى ابتسامتها فيها غير أنها استطاعت بها على قلتها و ندرتها أن تجعله يسامح و يتغاضى كلَّ تصرفاتها نحوه .
عاد ثانية من بحر هذه الأفكار التي تأتيه كلَّما رأها
- كيف تبدو السنة الأخيرة في الجامعة ؟
قالها محاولاً أن يفتح نقاشاً معها , أي نقاش
- كالسنة التي قبلها
- أيعقل ؟ لا جد...
- نعم لا جديد
إذن فهي تحاول أن تقول له "لا أريد الكلام, هل من الممكن أن تسكت ؟ " لكن بأسلوب مؤدب ... نسبياً
ضحك بصوتٍ عالٍ و قال يريد تغيير الجو المكفهر قليلاً :
- الأسبوع بعد المقبل تبدأ عطلة الربيع , ما رأيك برحلة مع الجميع ؟
رفعت وجهها و رمقته مطولاً بنظرتها الفارغة : - لست بمزاجٍ يساعدني على إعادة السنة
لم يفهم فتابعت باستياء : - ألم تقل إنها السنة الأخيرة ؟! هناك الكثير من الواجبات و الأعمال المطلوب مّا انجازها , اعذرني – تابعت بنبرة مستهزءة – ليس لديّ الكثير من الفراغ مثلك
كان يحدق بها و هو يسند رأسه على أصابعه مجتمعة , قال حينما انتهت و انتبهت إليه عندما طال سكوته : - ابذلي ما بوسعك إذن .
نظرت والدتها نحوه بشفقة , على الرغم من أنها والدتها هي غير أنها لم تخفه خوفها عليه من جمود ابنتها , من مشاعرها الاموجودة , من موسم الصقيع المستمر عندها .
إيوان في نظرها هو الشاب الذي لطالما تمنت أن يخطب ابنتها , فهو مهذبٌ و متفهمٌ للغاية علاوة على أنه استطاع و بعمره اليافع أن يخط لنفسه طريقاً لامعاً في عالم الطب و استطاع أن يجعل لعمله سمعة طيبة و موثوقة , لا يمن لأحد أن يتخطاها , أو أن يختلف على مستواها الراقي اثنين .
لكن , و الآن , بات الأمر مختلفاً, فـ"جود" تحطم هذا الشاب , إنها لا تحطمه فحسب , بل تستمتع بفعل ذلك و يروق لها أن تراه متعلقاً بعا أكثر كلما تجاهلته و آذته أكثر , حتى باتت , وبجدية , تبحث عن أسباب لتفسر هذا الانتقام الشنيع الذي لا مبرر له .
كان لا يزال يحدق بها وهي ترفع الفنجان و ترشف منه رشفات متلاحقة قبل أن تعيده من جديد لحظاتٍ لا تلبث بعدها أن ترفعه ثانيه لشفاهها .
لا يعلم ما الذي تفكر به , ما الذي تريد الوصول له , لقد جرَّب كل شيء يمكن أن يلين قلبها , أغدقها بالهدايا و المجوهرات و العطور و الملابس الفخمة والقطع الفنية النادرة , جرب معها الورود حينما سمع أن الفتيات يحببن ذلك , جرب حيلة الحيوان الأليف , فأحضر لها قطاً رماديا ذا أصول عريقة قام بطلبه من دولة أخرى و دفع لقائه مبلغاً كبيراً, و لن ينسى تلك النظرة المشمئزة التي ألقتها على الحيوان حينما رفع الغطاء أمامها , و هو الذي ظن أنها ستبتسم على الأقل و كان هذا كافياً له بحق, حتى أنه تجرأ و أحضر لها دبا محشواً و لم يكن نصيبه من الانفعال بأكثر من القط , مع عبارات ساخرة أطلقتها و هي تذهب من أمامه .
تعامل معها بتمهل و رويِّة لم يظن يوما أنه سيتعامل بها مع أحد أبداً , حاول جاهدا أن يتفهمها , أن يكون مرحا معها , حتى أنه جرب القسوة أحيانا في تصرفاته , غير أن شيئا لم يتغير , يبدو أن الجدران التي بنتها حول نفسها لا يمكن اختراقها , و هي لم تترك أحدا يقترب منها إلا حينما تأكدت من ذلك , من أن الوصول لها ... مستحيل .
لكن لِم ؟ لِم دائما ترتعش أطرافه حينما تبدأ في الكلام ؟ يكون مستعدا في كل مرة أن يبدءا من جديد , و أن ينسى كل تصرف بشع قامت به , كل نظرة خاوية ساخرة كانت تقابل بها انفعالاته الصادقة .
قطعت عليه سيل أفكاره الذي اعتاد عليه بسبب سكوتها الدائم حينما يكونا معا
- متى ستسافر إذاً ؟
- هل وصلت حدود قدرتك على التحمل ؟
- لم يجب أن تطيل كل سؤال ؟ - ابتسمت برقة - إنه سؤال بريء .... بصدق .
لِم تفعل ذلك به ؟ إنها تفعله مجددا , هل تتعمد أن تظهره كالأبله حينما تبتسم هكذا دون تحذير ... دون أن تجعله يستعد على الأقل ؟؟
قال بغير وعي و هو يصوب عينيه نحوه دون أن ترمشا : - بداية الشهر المقبل .
اقتربت منه فجفل , فهم الأمر حينما أخذت فنجان الشاي الذي برد من أمامه لترجعه إلى الصينية الزجاجيّة مزهرة القاعدة .
قال لها بخفوت قبل أن تبتعد عنه : "سأشتاق لك " , لم ترد عليه , و كان ذلك كفيلاً بأن يزيد من بؤسه .
أفرغت الفناجين من بقايا الشاي و شرعت في غسلها
- ألن تكُفي عن هذه السفاهة ؟
كان هذا صوت والدتها , كانت غاضبة حقاً و كأنها ما عادت تحتمل تصرفات ابنتها الوحيدة
التفتت لها جود و قالت بصوت يبدو أنه ملَّ من تكرار ذات الحوار في كل يوم يأتي فيه إيوان : - ما الذي تريدين مني فعله ؟
- أعطه قليلا من الاهتمام
- لا تطلبي أشياء مستحيلة إن أردت استجابة , اهتمام , ما هذا بحق الله ؟, لا شيء كهذا عندي
قالت بعد أن رفعت خصلة من شعرها الذهبي الداكن عن وجهها بظاهر كفها المبتلّة :
- أم هل تريدينني أن أمثل أمامه ؟
- إيوان شاب جيد , بل ممتاز هل تتوقعين أن تجدي أفضل منه إن تركته ؟
تحركت أحداقها قليلا , أعادت فتح صنبور الماء على الأقداح الغارقة في الرغوة , لتغمرها و تفيض من حولها , انفتحت شفاهها بصوت مليء بالسخرية و الكبرياء :
- آه ... أجد أفضل منه ... إن تركته , أتعلمين , هذه مشكلة من يتابع المسلسلات بكثرة , يـ ...
لم تتابع كلامها , كان صوت الصفعة التي صفعتها إياها والدتها قويا و طويلا ... طويلا جدا حتى بدا أنه لن يزول .
- اتركيه إذاً
- لا مانع لدي
أغلقت صنبور المياه و تحركت من أمام و الدتها , قالت و هي تتخطاها نحو باب المطبخ :
- لا تهدديني به و كأنه ذلك الأمر الذي لا أستطيع الحياة دونه , لقد قُلتها من قبل و ها أنا أكررها ثانية حرفيا دون تغيير ,
ما من شيء يستحق الاهتمام , ما من شيء – أغمضت عينيها بقوة و كأنها لا تريد رؤية أمر ما – ما من أحد .
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
حينما تضعف كل دفاعاتنا , لا يكون أمامنا سوى الهجوم .
إنها معركة لحماية أنفسنا بالدرجة الأولى .
لذا لا يمكن أن نساوم بقليل من الراحة , أو حتى بهدنة بسيطة .
أن نهادن يعني أن نهزم ...
أن نحب يعني أن نتألم ...
" تحت الأغطية القوية و الصلبة , توجد أشياء ... هشة !! "
- صوت أوراق تُقَلَّب , و قلم يئز فوقها -
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *

 
 

 

عرض البوم صور أسماء شاهر  

قديم 05-02-12, 06:20 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Feb 2012
العضوية: 235567
المشاركات: 2
الجنس أنثى
معدل التقييم: أسماء شاهر عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 12

االدولة
البلدJordan
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
أسماء شاهر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : أسماء شاهر المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

الفصل الثاني

-1-
كان ثابت جالساً على أحد المقاعد المخصصة للقراءة داخل مكتبة الجامعة .
كان يقرأقليلاً في مجلد كبير مفتوح أمامه ثم يعاود الكتابة في مفكرته , توقف لبرهة و أعاد الفقرة الأخيرة ثانية , عقد حاجبيه و كأنها استعصت عليه بعض الشيء .
مدَّ يده و سحب كتاباً آخر من حزمة الكتب التي وضعها أمامه , و قلب فيه إلى أن توقف عند صفحة و أخذ يقرأها بتمعن , بعد مدة رفع رأسه ببطء , و جعل يغمض و يفتح عينيه بشدة , حرَّك رقبته يمينا و يسارا , ثم أخذ هاتفه المحمول من أمامه و ضغط بعضا من الأزرار قبل أن يضع الهاتف عند أ\نه و ينتظر و هو لا يزال يحرك عينيه و كأنه يحاول الاستفاقة قدر الامكان .
أجابه الطرف الآخر بعد هنيهة : - السلام عليكم , أهذا أنت يا ثابت ؟!
- و عليكم السلام , أعتذر إن كنت أزعجتك أيها الطبيب إيوان
- لا بأس إنه وقت الكلمات المتقاطعة
ضحك ثابت بهدوء و قال و هو يعبث بشعره شديد السواد : آسف , و لكن حقا لا أصدق أن هناك شيئا كهذا في حياتك !!
- إنني في انتظار النتائج المخبريّة للعينات التي استخدمتها في ورقة البحث الأخيرة , إنها الفترة الأسوء في حياة الباحثين , لهذا تظهر لديهم بعض العادات الغريبة.
ضحك ثابت ثانية و قال و هو يرجع ظهره للأمام بعد أن كان يريحه على الكرسي : هل الأمر مقلق لهذه الدرجة ؟ يبدو أن العباقرة لديهم أيضا أوقات صعبة .
قال إيوان بصوت مهموم : آه ... يبدو ذلك , دعنا من هذا الآن فأنت بالتأكيد لم تتصل لتناقش الطفرات التي تحدث مع الأطباء مؤخرا .
- إنه حقا موضوع مهم بالنسبة لي , لكن حاليا كنت أود سؤالك عن حالة معينة في جراحة العيون , أعلم أنها ليست تخصصك , لكنها تعطي تأثيرا غريبا على الجهاز المناعي .
- كم هذا مثير للاهتمام
تابعا الحديث لبرهة من الزمن , حصل فيها ثابت على الإجابة التي يريدها بشكل مثالي , و بعث له إيوان بعض الأوراق العلمية المهمة عمَّا سأل على بريده الالكتروني و وعده بالمزيد حالما يعثر عليها .
- أشكرك جدا أيها الطبيب إيوان , أنت حقا منقذي
- لا تتوانى في السؤال عن أي شيء يعترضك يا ثابت , تعلم مدى اهتمامي بالطلبة الأذكياء أمثالك
قال جملته الأخيرة بصوت لم يستطع أن يخفي كمية الألم و التعب و الارهاق فيه , الأمر واضح هذا رجل يعاني مشكلة في الاهتمام .
- هل هناك من شيء أيها الطبيب ؟
- ماذا تقصد ؟!
أحس ثابت بانزعاجه , فقرر أن لا يخوض كثيرا و لا يتعمق في هذا الحديث من جديد.
على الرغم من أن إيوان يكبره بسنتين إلَّا أنهما كانا صديقين مقربين لفترة من الزمن , كانت الفترة الأخيرة لإيوان في الدراسة , ولذا فثابت يعلم عنه كثير من شؤونه , لا سيّما أمر خطبته من "جود" فتاة الجدران الأربع , كما يسمونها , إنها الفتاة التي تمتلك أكثر الملامح جمودا و خواء , هي مجتهدة في دراستها , و مؤدبة كذلك, و بها قدر لا بأس به من الجمال غير أنها تكاد تكون مخلوقا دون انفعالات و لا حتى ردود فعل على أي من انفعالات من حولها , بل إنها تميل للسخرية و الاستهزاء و بذلك, تمتلك قدرة عجيبة على استفزاز أي أحد , فكان محصلة ذلك ابتعاد الجميع عنها , هي تمتلك بعض الصديقات , لكن الكل يعلم أنها صداقة غير متوازنة تماما , هي فقط تستخدمهن , ولا يبدو أنها تكن لهن شيئا من الصداقة , وهذه الطريقة في التعامل , لم تستثن منها أحده , حتى مدرسيها و الطلبة الأكبر و لا أحد يستطيع الجدال فهي تغطي كل ذلك بغطاء من الأدب و عدم تجاوز الحدود , باختصار تتصرف بعقلية آلية دون أي حس بشري أو تعاطف أو اجتماعية .
قال إيوان منها الحديث حتى لا يتسنى لثابت أن يبدأ في موضوع جود و عن كونها أكبر خطأ قام به في ساعة تخلى فيها عقله عنه تماما
- إذن لنا لقاء
- نعم , لنا لقاء
قالها ثابت و أحس بمدى عجزه عن عمل أي شيء يمكن أن يخلص صاحبه من التعاسة التي اختارها بنفسه .
كان ثابت على وشك إغلاق الهاتف عندما سمع صوت إيوان ضعيفا جدا : - قل لي يا ثابت
لم يرد ثابت , كان يتألم و هو يفكر بمستوى البؤس الذي وصل له صاحبه فتابع إيوان بذات النبرة الضائعة : - هل أبدو لك بائسا ؟
- لا أظن أن هذا صحيح
- لا تحاول أن تكون لبقا فأنا أبدو أمام نفسي مغفلا لا يحسن التصرف .
- لقد قلتَ أنك وجدت بها أشياء لا يمكن أن تجدها في غيرها , اعتقد أن هذا كافٍ
- لكنها و للآن لم تجد فيَّ أي شيء
- لم تجد فيك أي شيء !!! ... لا تلقي النكات إيوان , لا أظنها تريد أن تجد أي شيء في أي أحد
لم يحتمل ثابت أكثر من هذا , فقد كان ينتظر الفرصة ليتحدث بصراحة عن هذا الأمر . قال بعصبية جعلت كل من حوله في القاعة يلتفتون له مستغربين :
- لا أعلم كيف فعلت هذا بنفسك , قل لي بربك إيوان , كيف فعلت هذا بنفسك ؟! , كيف ألقيت بنفسك أمام شيطان الأنانية هذ...
- لا تكمل ...
علت الكلمة المنطوقة صراخا غاضبا في أذن ثابت , تابع بعدها إيوان بوقع أهدأ... قليلا :
- لا تقل أشياء كهذه عن جـود
كان هذا كافيا تماما لأن يغلق أي حوار من هذا النوع .
أغلق إيوان الاتصال وظل ينظر للصورة التي وضعها على شاشة البداية في هاتفه , لم تكن صورة لأحد غيرها , لم يكن يريد أن تكون الأمور هكذا , لم يكن يريد أن تكون بهذا الشكل المريع أبداً .
ظلت عيناه معلقتان في الصورة إلى أن طرق أحدهم الباب فأغلق الهاتف و وضعه في جيبه .

- 2 -
كانت السيدة تودد في طريقها نحو المدرسة , كانت تصيغ الكلمات في رأسها , الكلمات التي بقيت طوال الليل تفكر في أفضل أسلوب لربطها , هي جملة أساسية واحدة , أجل تعلم ذلك , لكنها تحتاج لسيل من العبارات و المحسنات اللغوية كي تستطيع قولها .
لم تكن هذه المرة الأولى , لكن في كل مرة تجد نفسها عند خط البداية من جديد , و لا تعلم كيف ستجري الأمور .
أوقفت السيارة السوداء الطويلة أمام المدرسة , و ترجلت منها بعد أن أخذت حقيبتها و نظاراتها الشمسية باهظة الثمن , كانت تهم بالدخول للمدرسة غير أن رنين هاتفها استوقفها لحظة لترتسم على وجهها ملامح شرسة و غاضبة و هي تقرأ الأسم الذي ظهر لها على الشاشة المضيئة .
كانت جوين في هذه الأثناء ترخي رأسها على يديها المتحلقتين فوق مقعدها , رفعت رأسها حينما أحست أن أحدهم اقترب منها , كانت فتاة طويلة ترتسم على وجهها ابتسامة مشرقة و تزيد عينيها العسليتين الواسعتين إشراقا أكثر له , قالت و هي تحاول أن تبدو لطيفة قدر الإمكان :
- مرحباً ... جوين أليس كذلك ؟! اسمي حبور , هل يمكن أن نكون صديقتين ؟
لم تستوعب جوين نصف ما قالته , فلقد قالت الكثير جدا بالنسبة لسؤال أول . أحست الفتاة أنها بالغت و قالت ما لا يجوز قوله ابتداء فاستدركت مسرعة مما أظهر ارتباكها :
- عفواً ... أسفة ... لم أقصد أن أكون ثقيلة الظل ... لكن ... أنت ... أقصد ... كنتِ جالسة وحدك ... و لون عينيك ... أنا ... اللون الأخضر ... أعني أنني أحب اللون الأخضر ... و ... و أردت أن نتصادق ...
ابتسمت جوين أمام هذا السيل الجارف , إنها لم تصادف من قبل , بل لم تسمع عن شخص يود مصادقة أحدهم لأنه يمتلك عيونا بلون معين .
لم تتمالك ضحكة مرحة فأطلقتها , ثم نظرت نحو الفتاة بحنو و قالت :
- لا عليك , حبور , سأكون سعيدة إن تصادقنا .
ظهرت معالم الفرحة على وجه الفتاة , وبدى و كأنها لم تصدق نفسها .
لكن جوين تعلم أن هذا من الأشياء سريعة الذوبان , تعلم أنها بعد فترة قصيرة ستترك كل هذا , كل شيء هنا , كل شخص هنا و تذهب لمكان جديد لتبدء من جديد , تعلم أن كلمة " صداقة " أو " صديقة " كلمة لم تعرف حقيقتها حتى الآن و أن ما قالته قبل قليل و هو شيء قالته عشرات المرات , لكن أيَّا من هذه المرات لم تكن حقيقة , كان خطاً على الرمال , تمحيه الرمل بكل سهولة .
- حسنا جوين , في أي ناد تودين المشاركة , ما رأيك بنادي الطهي , إنه حقا متعة كبيرة , و كذلك يمـ ....
- لا أظنني أستطيع
نظرت حبور لجوين مستغربة , فتابعت الأخيرة كلامها بطريقة قاطعة لا تقبل الجدال :
- لا يسمح لي بأي نشاط يعيق دراستي .
تطلعت بعد ذلك بعينيها المضيئتين من النافذة القريبة منها و أكملت : - لا يمكن ذلك أبدا - تابعت ساخرة - هي في الحقيقة أشياء سخيفة .
- لكن أليست الأنشطة اللامنهجية تعزز التواصل بين الطلاب و تقوي روابطهم الاجتماعية ؟!
- أليست أشياء تقوم بها المدرسة ليرتفع تقييمها فحسب ؟! إنهم يستخدمون الطلبة أمثالك لإرضاء غرورهم الـ ...
توقفت جوين عندما رأت معالم الحزن و الخيبة على و جه الفتاة , تنهدت بحسرة فقالت لها حبور : - ما تقصدين بالطلبة أمثالي ؟
تنهدت ثانية و هي تفكر بحل للخروج من هذا الموقف لكنها استقامت دون وعي حينما رأت , من النافذة المحاذية لمقعدها, أحدهم يدخل المدرسة .
- أمـي ...
قالتها بطريقة لا تدل على أن من رأته هي أمها , قالتها بطريقة هائبة ... مُجِلّة ... بطريقة ... خائفة
أخذت نفسا عميقا , في الواقع عميقا جدا , إنها تعلم أن الانطباع الأول مهم , لذا فهي تدرك أن الثواني الأولى هي الأهم في أي حوار , إن استطاعت أن تفرض حضورها جيدا فيها , فالمسألة محسومة , ثمانون بالمئة منها .
طرقت الباب طرقات واثقة , و هي حينما فعلت كأنها تذكرت ذاك اليوم .
كانت وحدها , الجميع يعلم بذلك لكن يستمرون بالتجاهل , بالتنكر لها . وذاك الطريق الذي مشت به تحت قطع الثلج الباردة الهابطة من السماء , يداها اللتان ازرقتا من البرد و اللتان أمسكت احداهما بطفليها الصغيرين , و الأخرى برضيعها الذي بدأ بالارتجاف فملأها هذا رعباً و فرقاً , خطواتها المتهالكة , عيناها المنتفختان من شدة البكاء , حتى دموعها المتجمدة على خديها و .... ذعرها من القادم .
تنفست مرة أخرى بعمق محاولة الحفاظ على رباطة جأشها و فتحت الباب حينما سمعت الأذن بالدخول .
كانت ترتدي معطفا أسوداً مخملياًو تضع وشاحا بلون الذهب النقي , دافئا و مليئا بالفخامة و الأناقة , و لتكتمل الصورة الذهنية عن وضعها المادي المرتفع جدا كانت ترتدي حُلة ذهبية متكاملة ذات صناعة عالية الدقة و الإتقان و يبدو أنها من أحدى العلامات التجارية الراقية .
نزعت النظارة الشمسية فظهرت من خلفهما عينان حادتان شديدتا الزرقة , و انفرجت شفاهها عن ابتسامة وقور .
تقدمت من المديرة التي بادرت الوقوف و مدت يدها للمصافحة , دعتها المديرة للجلوس بعد ذلك , فهزت رأسها بخفة دليلا على امتنانها و همت بالجلوس حين قالت و هي ترى أن المديرة عندما أرادت أن تجلس ثانية على كرسيها اضطرت لإرجاعه كثيرا للخلف حتى الصقته بالجدار القريب جدا من مكتبها :
- متعب أليس كذلك ؟!
- لقد تعودت , فأنا أعمل هنا منذ ثماني سنين
قالت المديرة ذلك و قد فهمت أن السيدة تقصد وضعية جلوسها
أكملت السيدة "تودد" و هي تشير لمساحة خالية في الغرفة : - أظن أنه لو وضعت المكتب طوليا مستغلة هذ المساحة الفارغة فستنعمين بجلسة مريحة أكثر , و ستكون النافذة بجانبك حيث تستطيعين النظر إليها من وقت لآخر وهذا سيخفف من ضغط العمل , أما مكان المكتب الحالي فيمكنك وضع بعض أوعية النبات مكانه و هذا سيعطي اتساعا وافرا للغرفة .
ابتسمت ابتسامة مهيبة ثم استدركت و هي تضع يدها بنعمومة أمام شفتيها بصوت مرح أضفى على وجهها اشراقا و جمالا :
- اعذريني حقا أيتها المديرة لقد استغرقت كثيرا في كلامي حتى أنني لم أُعرف بنفسي , بصراحة لا أستطيع أن أمسك نفسي عند أي موقف له علاقة بعملي
ضحكت المديرة بصوت منخفض ثم قالت باهتمام واضح :
- هل تعملين في تصميم المكاتب ؟
- جميع أنواع التصميم , حتى أنني بدأت مؤخرا العمل على مشاريعَ للتصميم الداخلي لمجموعة من البواخر الكبيرة .
فتحت المديرة عينيها باندهاش , فتابعت السيد تودد :
- أنا أدعى تودد , أم لطالبين انتقلا حديثا لمدرستكم .
- حديثا !! يعني بداية هذه السنة ؟
كانت المديرة تعبث ببعض الأوراق أمامها فيما أجابتها السيدة تودد :
- نعم بداية هذه السنة إنهما جوين و حواري
- وما صفوفهما ؟
- جوين في السنة الثانوية الثانية , وحواري في السنة الخامسة من المرحلة الابتدائية .
نظرت المديرة نحوها رافعة حاجبيها اندهاشا , فأقلق ذلك السيدة تودد , و خشيت أن يكون سبب هذه النظرة متعلق بأمر حواري
- هل من مشكلة ؟!!
استدركت المديرة موقفها حين أحست أن اندهاشها لم يكن مبررا عند السيدة تودد فقالت بسرعة :
- لا ... لا شيء , أقصد أنك الأم الأولى التي تمر علي طوال فترة عمري , تحفظ صفوف أطفالها بدقة .
- كيف ذلك إنهم أطفالي , كيف لا أعلم عنهم معلومة صغيرة كهذه ؟
- أنت تعلمين سيدتي , الأم العاملة اليوم باتت تبتعد كثيرا عن أطفالها حتى أن معلومة صغيرة كتلك قد تجهلها و لا ترى ضرورة لمعرفتها ...
انتبهت المديرة على وجه السيدة تودد , كانت تحدق في الامكان و هي تعتصر يديها بقوة و كأنها سمعت حديثا لا يغتفر , تكلمت وعيناها تنظران لمكان آخر , أو تحدثان شخصا من البعيد : - إنهم أطفالي , إنهم حياتي , إنهم كل شيء جميل صادفته طوال عمري , إنهم الوقود الدائم الذي يحرك السكون بالنسبة لي , إنهم مشروعي الأكبر الذي بَذلت و أبذل و سأبذل فيه كل مجهود , كيف لا أعلم عنهم كل شيء ؟
مضت في حديثها و لم تخفي رجفة سرت في جسدها كله :
- كيف لي أن أبتعد ؟, كيف يمكن لأحد أن يبتعد عن روحه التي بين جنبيه ؟
سكنت جوارحها للحظات ثم تابعت , و هي تلتفت للمديرة التي امعنت النظر في كل انفعالاتها السابقة التي تغص بالصدق و الحب , حالما عاد صوتها للزمكان الذي هي فيه :
- حضرة المديرة , في الحقيقة لقد أتيت إلى هنا و كلِّي أمل أن تمنحيني أذنا صاغية لما سأقول .
- تريدين مناقشة أمر حواري
رمشت عينا السيدة تودد
و ها هو يأتي ثانية , ذات الموقف يأتي ثانية , قلبها النابض بشدة , و عيونها المغرورقتان بالدموع , والصداع , و الصداع المهلك الذي غزا كيانها قبل رأسها , يداها المرتجفتان اللتان امسكتا أوراقا طبية ابتلت بوافر دموعها .
إنه صعب , إنه الأصعب بين كل الأمور , إنها الضربة القاضية التي لا تبقي و لا تذر , كان يجب أن ينتهي كل شيء هناك , كان واضحا أن هذه الصدمة ستنهي حكايتها . فكيف ؟ , كيف صمدت ؟ , كيف وقفت على قدميها من جديد ؟ , كيف عاد الدم يجري في عروقها , دافئا و نابضا بحب الحياة ؟
هدئت من أنفاسها المتلاحقة ثم قالت بصوتها الطبيعي الرخيم :
- إنه طفل ذكي , إن وضعته في أحد تلك المدارس الخاصة فسأجرم في حقه , لقد أكد لي الطبيب المختص أن أفضل علاج له هو دمجه مع أطفال سليمين , أعلم أن وجود طفل أصم في مدرسة لأطفال أصحاء أمر صعب , لكن حواري لا يعاني صمما كاملا , لذلك فهو يقدر على استيعاب كمية لا بأس بها من المفردات, و أنا أؤكد لك حضرة المديرة , أؤكد لكأن حالته تحسنت بشكل كبير عندما اختلط مع أطفال أصحاء .
- لكن ألم تنقليه من المدرسة السابقة لأنه تعرض لمضايقات من زملائه ؟
و كأنها رشقت في وجهها كوب ماء بارد , ارتعشت أطرافها رغما عنها
- إنه قوي , إنه قادر على التحمل أعلم ذلك , إنه فتىً صلب رغم ضعف جسده , إنه ذا إرادة قوية و هو لن يمل , لن يمل حتى يجد البيئة التي تتقبله و تعترف بوجوده ولذلك , وحتى ذلك , أنا أيضا لن أملّ , سأشاركه نضاله الذي يخوضه لحياة أفضل , إن تركته وحده , إن تركته فهذا يعني ...
لم تستطع منع دمعة صغيرة من أن تسح على خدها حين تابعت بلهجة واثقة و مصممة على الانتصار : - فهذا يعني أنني أضع نهاية لكل أمل في حياته .
أخرجت منديلا مطرز الأطراف ومسحت به عينيها , ثم أخرجت كل ما في نفسها على شكل زفير قوي
- لا أستطيع أن أفرض هذا الأمر , لا أستطيع المطالبة بشيء كهذا قانونيا , لكنني مستعدة لفعل أي شيء لتتقبلي هذا الأمر و تقتنعي به .
أرجعت المديرة ظهرها للوراء , هي تفهم ذلك , وتتفهم كل حرف نطقته شفاه السيدة المتطلعة نحوها بعينيها المغدقتان في الأمومة الصلبة الشجاعة , هي حقا لم ترَ شيئا كهذا من قبل , لم ترَ اندفاعا صادقا كالذي رأته أمامها تواً .
قالت فيما أعادت تصفح ملف حواري الذي كانت قد تصفحته قبلا :
- لقد حصل على علامات جيدة رغم كل شيء .
هزت السيدة تودد رأسها رأسها أيجابا : - إنه يبذل جهدا مضاعفا عمَّا يبذله أقرانه .
أغلقت المديرة الملف و أبعدته عنها قليلا و تابعت : - الّا تخشين عليه من الـ... أقصد أنت تعلمين الأولاد في هذه السن يستطيعون قول أي شيء ... أعني أنهم لا يميزون أن هذا العمل ...
لم تستطع إكمال جملتها فأسعفتها السيدة تودد قائلة : - بلى أخشى عليه , إنني أخشى عليه من الهواء الذي يستنشقه , أخشى عليه من الأنسام حين تلامسه , إن جئنا للصدق فأنا أخشى عليه من كل شيء حوله , لكنني لا أملك أن أدخله قوقعة أو أن أغلق عليه حصنا , لأنني إن فعلت ذلك , فإنني قد أسأت إليه و لعقله و لمشاعره و لقدرته على المواجهة و الصمود أيَّما إساءة , كل ما أريده أن أراه قادرا على الوقوف صلبا إن واجهته المشاكل في طريقه , أريده أن يكون سويا , أن يكون طبيعيا يملك أوقاتا حلوة و أخرى مرّة , و مع هذا ...
فتحت حقيبتها و أخرجت منها صورة لأبنائها الثلاثة , كانت قد أخذتها لهم العام الفائت احتفالا بنتائج حواري ...
تابعت و هي تحدق في الصورة , وابتسامة شفيفة ترتسم على ثغرها :
- و مع هذا فكل ما أستطيع عمله هو أن أكون ذلك الجدار القوي الذي يستندون عليه حتى يستطيعوا المضي بعد ذلك في هذه الحياة .
- فليكمل إذن
هل تخيلتْ للتو أن المديرة قالت "فليكمل" هذا ما جال في خاطرها و هي تتسائل بعينيها عما قالته قبل ثوان .
فهمت المديرة معنى هذه الحيرة فكررت :
- أجل لقد وافقت أن يكمل لكن أرجوك ...
استقامت و قالت تلك الجملة ...
الجملة التي تخشاها ... الجملة التي تكرهها ... الجملة التي لطالما تحاشتها و تجاهلتها بكل قوتها .
قالت تلك الجملة , فكأنها رأت نفسها أمام عينيها لثوان و هي تقولها بنفس الوقت :
- لا تضغطي عليه ...
و قفت السيد تودد و صافحت المديرة شاكرة , لكنها حينما خرجت من الغرفة و أغلقت الباب خلفها ,عادت لتسمع ذلك الصوت في رأسها من جديد ...
" أنت من فعل ذلك بهم ...
هم من فعلوا ذلك بكِ ...."
ضغطت على رأسها بقوة عندما صدحت آخر الكلمات بقوة شعرت معها أن أعصاب مخها انفلتت من أماكنها :
" بئس الأم أنت , بئس الأم أنت "
* * * * * * * * * * * * * * *
" كي نكون صادقين مع أنقسنا يلزمنا الكثير من الوقت و الجهد .... و الجرأة .
و لكن كي نكذب عليها ... يلزمنا أضعاف ذلك ... "
* * * * * * * * * * * * * * *
يتبع باقي الفصل ...

 
 

 

عرض البوم صور أسماء شاهر  
قديم 30-06-13, 08:44 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري
ضياء ليلاس

البيانات
التسجيل: Apr 2012
العضوية: 241278
المشاركات: 2,878
الجنس أنثى
معدل التقييم: أضواء الصباح عضو جوهرة التقييمأضواء الصباح عضو جوهرة التقييمأضواء الصباح عضو جوهرة التقييمأضواء الصباح عضو جوهرة التقييمأضواء الصباح عضو جوهرة التقييمأضواء الصباح عضو جوهرة التقييمأضواء الصباح عضو جوهرة التقييمأضواء الصباح عضو جوهرة التقييمأضواء الصباح عضو جوهرة التقييمأضواء الصباح عضو جوهرة التقييمأضواء الصباح عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 2237

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
أضواء الصباح غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : أسماء شاهر المنتدى : الارشيف
افتراضي رد: خيال نفسي الحديقة السرية

 

تنقل للارشيف لعدم اكتمالها

.......

 
 

 

عرض البوم صور أضواء الصباح  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الحديقة, السرية, روايةخيال, نفسي
facebook




جديد مواضيع قسم الارشيف
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 02:27 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية