لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > المنتدى العام للقصص والروايات > القصص المكتمله
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله خاص بالقصص المنقوله المكتمله


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 29-07-10, 05:09 AM   المشاركة رقم: 26
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري
♪ مُخْمَلٍيةُ آلعَطّآءْ ♦


البيانات
التسجيل: Mar 2010
العضوية: 157123
المشاركات: 30,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: ♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 13523

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
♫ معزوفة حنين ♫ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ابشر ولبيه المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 



وهناك..

كان لا يزال على حاله..

تساءل في أعماقه عن الضعف البشري، ما هو؟

وهل عفي عنه كله؟

ماهي حدوده؟ وكيف يعلم يقينا أنه قد بلغه..

كيف يعلم أنه قد عُذر؟!

فتح عينيه والسخرية تطفح من قلبه لكن غشاوة الألم أعمته فعاد يغمضهما.

وهل الخيانة التي يصورونها لضحاياهم بصورة النجاة تعد ضعفا بشريا؟!!



حيره الصبر -الذي لا زال يعتصم به- وقد انزوى في أعماق قلبه ضائعا مبعثرا كطفل وجد نفسه بغتة في مكان يجهله وحيدا بعيدا عن أبويه..

طاف بعقله على أعضاء جسده لعله يجد بقعة لم تتأذ ليغرس صبره فيها،

لكن نارا كانت تتلظى في كل شبر.







كلماتهم.. استهزاؤهم بالليث المقيد.. ضحكاتهم كلما غلبه الأنين فأطلقه شهادتين بدلا من ذاك الصوت مبهم الملامح الذي يحاصره جل الوقت قادما من البعيد.. من وراء جدران ليس يدري ما هي ولا أين تكون،

كل شيء يختلط في أذنيه وفي عقله

كأن للألم غشاوة تمتد أبعد من الأحاسيس والبصر لتستبيح عقله وتفكيره.

ألم يملوا منه بعد؟

ألم يفكر أحدهم بقتله في لحظة غيظ من صبره؟

كم زميلا من قبله ظنوه قتل ولا يزال يعاني هذه الآلام؟!!



ألحت على أذنيه كلماتهم التي تطالبه بأن يرحم نفسه وينقذ روحه.. ويتكلم.



وما نفسه وروحه؟!!

ما هو؟!!

جسد لن يخلد سواء خان أم لم يخن..

روح لن يلبث أن يحين أوان نزول رحمة الله بها ويحفر الرحيل أثره على ملامحها..



لكأنما الموت لذة ما بعدها لذة،

ولكأنما يشعر بمذاقها في فمه!



حينها لن يشعر بالألم بعدُ وهم يحملونه ككم مهمل ويرمونه في حفرة ما ظانين أنهم انتصروا على جسده جاهلين أن روحه لن تفنى وأنها سترفع إلى الله الذي وعد بالنصر..



وسينتصر أصحابه ويصلون إلى حيث كان..

ولعلهم دون أن يعلموا سيعتلون ثرى جدثه متسائلين عما إذا كان بين الأحياء أم الأحياء الشهداء..

ولعلهم سيبحثون –وهو سامع لهم- عنه دون أن يعلموا أنه على بعد خطوات منهم.







غالب إلحاحُهم أفكاره وعادت تلك الأصوات التي يكره تجد سبيلها إلى وعيه،

فاستنفر عزمه ليسدله ستارا بينهم وبينه..

لكن العذاب سبق ليسدل ستارا كثيفا بينه وبين الدنيا كلها.


 
 

 

عرض البوم صور ♫ معزوفة حنين ♫   رد مع اقتباس
قديم 29-07-10, 05:10 AM   المشاركة رقم: 27
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري
♪ مُخْمَلٍيةُ آلعَطّآءْ ♦


البيانات
التسجيل: Mar 2010
العضوية: 157123
المشاركات: 30,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: ♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 13523

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
♫ معزوفة حنين ♫ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ابشر ولبيه المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 





)( 21 )(



((سمع حركة في الخارج لم يلقي لها بالا، لكنه اعتدل ببطء وباب سجنه يفتح وتمطت في أعماقه دهشة لم يسمح لها بالتعبير عن ذاتها في ملامحه.



جاءه الأمر هادئا: انهض.

ولأنه يعرف يقينا الجواب الذي قد يتلقاه

لم يفكر حتى بطرح تساؤل بسيط كـ: لم؟ أو إلى أين؟



ببساطة نهض وتوجه نحو الباب المفتوح ليدهشه مرأى أربعة من الشبان،

اثنان من حرس السجن واثنان يعرف يقينا أنهما من.. المركز!!

حدق في أعينهما ليجد ذات الهدوء والحيادية التي تدرب عليها في زمن ماض.



أشار له أحدهما بالخروج،

ليغلق أحد الحارسين الباب،

ثم يتبعه الجميع بهدوء تام عبر الممرات الخالية إلا من لاقطات المراقبة وصولا إلى حجرة جانبية في نفس الطابق، التفت الحارس إليه وهو يفتح الباب: ادخل.

نفذ بدون أي تردد،

ولم يجد أمامه سوى كرسي عليه صندوق، ووراءه الصوت الهادئ: استبدل ثيابك.

التفت بسرعة ليجد الباب يغلق في وجهه بسرعة أكبر،

فعقد حاجبيه وتفقد الغرفة بعينيه الخبيرتين لكنه لم يلحظ ما يريبه.

تبسم ساخرا في أعماقه فهو يعلم أن العين المجردة لن تلحظ الكثير هذه الأيام.

وتقدم يفتح الصندوق ليجد فيه ثيابه ذاتها التي سلمها قبل قرابة العام، فارتداها بسرعة واتجه إلى الباب وقرعه ففتحه الحارس: اخرج.







كان الثلاثة متوزعين بتلقائية في نصف دائرة أمام الغرفة فوصلته الرسالة بسرعة قبل أن يشعر بيد الحارس تلتف حول معصمه ليطوقه بالقيد البارد.

واقشعر جسده رغما عنه وهو يحدق في اللاشيء متحاشيا أن تتلاقى عيناه بأي كان

حتى لا يبصر أيهم في عينيه ذاك الشعور التي لم يعرفه إلا منذ هبت على حياته هذه الأزمة: الخوف!

وبالهدوء ذاته التفت الحلقة الأخرى حول معصمه الأيسر ليتعانق معصماه وراء ظهره،

وَ: تحرك.



اندفعت المرارة من جديد إلى حلقه ليشعر بأنه يبذل جهدا مستحيلا لالتقاط أنفاسه،

منذ عام لم تغمد هذه القيود برودتها في روحه،

كان سجينا طوال الوقت..

لكنما في القيد يجذب ذراعيه إلى الوراء ذلٌ فريد يدفعه للندم على.. أنه قد عاش يوما!



استغفر في أعماق نفسه ورفع رأسه ثم سار بينهم بهدوء لا يعكس المرارة والتساؤلات التي هاجت في أعماقه.







أمام السجن تراجع الحارسان في حين ساعده أحد الشابين على صعود عربة عسكرية تابعة للسجن تلقاه فيها حارسان آخران.. ولحق به الشابان لتنطلق العربة دون كلمة واحدة.

تبسم في أعماقه بسخرية،

قيد وفرقة من الحرس وعربة الكترونية الأقفال.

كم من الإجراءات كي لا يهرب!

ومحال أن يهرب هو.. محال..

لكأنما لم يعرفوه يوما!



لعلهم تراجعوا عن الحكم السابق وقرروا إعدامه!

أتراهم وجدوا الدليل الدامغ على جريمته؟!

بعد عام!

إن كان الأمر كذلك فهو الشنق لا ريب،

لن يجدوا وسيلة أليق بمن ارتكب الجريمة البشعة التي ارتكبها بجنونه!

ولو كانوا يملكون من أمرهم ما يريدون لربما أحرقوه حيا!



نظراتهم.. همساتهم..

الطريقة التي تلي فيها الحكم..

والمعاملة التي يلقاها في سجنه ممن علموا بالقضية..

كل ذلك يخبره كم يمقتونه ويحتقرونه، رغم أنهم هم أنفسهم كانوا أشد الناس ودا له قبل أن تتكشف أوراق قضيته،



كم تغير الظروف البشر!



ورغم أنه رفض أن يرى أيا من الصور التي كانت في ملفات التحقيق ثم الادعاء العام،

لكن ما دار في المحاكمة أوحى له بما قد كان فيها..

وأغمض عينيه بإصرار وعناد حينما حاولوا إجباره على رؤيتها..

حتى لو أدين بقتله..

من المحال أن يتحمل رؤية وجه سامر وقد فارقته الحياة.



كان من بين الاحتمالات التي وضعها وهو لم يتخلص بعد من صدمة الاعتقال أن ينهار.. يبكي.. أو حتى يضحك!

كان غريبا عن نفسه طوال تلك الأيام، ولم يشأ أن تضيف ردة فعل غير متزنة من روحه الذاهلة عنه إلى الإدعاء دليلا آخر فوق كومة الأدلة التي ليس يدري أي شيطان جمعها لهم.



غاب مع أفكاره حتى أنه لم يشعر بتوقف العربة ولا بالصوت الذي لا ريب دعاه للنزول،

لينتبه على كف الشاب الذي ساعده على صعود العربة وقد استقرت على ركبته تنبهه.

كالنائم الذاهل تحرك وهو لا يكاد يبصر..







دقائق وكان لدهشته أمام مكتب قائده سابقا..

ولدهشته أيضا نهض إليه قائده يحل قيده ويجذبه -بعد أن أمر حرسه بالانتظار- إلى القاعة الملحقة بالمكاتب ليجد فيها محاميه ورجلين لا يعرفهما.. والقائد الأعلى!!

كاد يؤدي التحية بحكم العادة،

لكنه تذكر من هو وأين هو الآن وحياهم بدلا من ذلك.. ببسمة ساخرة.



دفعه قائده ليجلس ونهض أحد الرجلين إلى جهاز الحاسب ليدير تسجيلا ما..

واتسعت عيناه بدهشة حينما أطل عليه وجه يعرفه حق المعرفة..

ثم وجه.. يكرهه حق الكراهية.

وكلما مضى التسجيل أكثر في عرض المعلومات ازداد ذهوله أكثر

لينقلب بعدها إلى غضب هادر وثورة هائلة.

عجز عن الصبر فهب واقفا وهو يشعر بأنه عاجز عن التقاط نفس واحد.

جذبه قائده من معصمه ليعاود الجلوس،

لكنه هز رأسه نفيا دون أن ينظر إليه وحرر معصمه واتجه إلى الباب

إلا أن الرجلين لحقا به ليجبراه على العودة إلى حيث كان..

وعندما حاول المقاومة ارتفع صوت القائد الأعلى: أيها الملازم..



التفت وقد فقد البقية الباقية من صبره والصدمة تعميه: لست ملازما..

لست عسكريا بعد.. ولم يعد لكم علي حق الطاعة..

أم تظنون أن ما عرضتموه سيغير هذه الحال أو سيعيد الزمن للوراء؟!!



ارتسمت الصدمة على وجوههم دون استثناء،

فكلهم توقع انفجارا ما،

لكن ليس بهذا المنحى.



تجاهل حديث أعينهم وحول بصره إلى محاميه: أين عرضك بطلب الرحمة لي؟!

أين صمتك أمام طلبي أن تكرر الطعن بالأدلة؟!

ألم تقل حينها أنها جميعا لا غبار عليها وأن الطعن فيها لم يجد؟!

أين ما كررته لي بأن أصارحك بالحقيقة أو أن أعترف وأبدي ندمي؟!



ثم التفت إلى قائده: لطالما قلتم أنكم تفهموننا أكثر حتى من أهلنا،

وأنكم أعددتمونا بحيث يمكنكم حتى تقدير ردة فعل كل منا!

أين كان خبراؤكم؟

أين نظرة الشك التي قابلت بها يميني يوم أقسمت أنني لا أعرف أي شيء عما رميتموني به؟!

كنتم تخدعوننا.. تملؤون ضمائرنا بوهم أننا أفضل وأكثر جهاز تكاتفا في العالم!!

لست آسف علي شيء أسفي على أنني صدقتك يوما وعددتك مَثلي،

وأنني آمنت يوما أن للأستاذ والأبوين قلوبا تميز الحق مهما.. مهما لفه من باطل..

ماذا عساه التسجيل أو كشفكم العظيم يضيف لي؟ لماذا سقتموني إلى هنا لأراه؟

أعلم علم اليقين أني لم أفعل شيئا مما ذاك،

أأظننتم أنني سأباغت أم أدهش.

إدانتكم لي لا تعني أنني من فعلها.. لا تعني أي شيء..

هذا التسجيل يعنيكم أنتم ولا يعنيني ولا يمحو ما فعلتموه..







وكان الغضب يزداد سوادا وتكاثفا في أعماقه كلما تكلم..

وستار من عتمة ولهب يخنق عقله وإدراكه..

هي المرة الثانية في عمره التي يفقد فيها السيطرة على الكلمات المندفعة على لسانه.



ووقف القائد الأعلى يراقبه وهو يتكلم..

عيناه المحمرتان ووجهه الشاحب وكفاه المرتجفان..

أدرك يقينا أنه لا يعلم ما يقوله ويتكلم دون أن يفكر

فتناول بهدوء شديد كوب الماء الموضوع أمامه، ورشق محمود به بغتة..

فشهق ذاك وبرودة الماء تصفعه لتدخل قطرات منه في عينيه وأنفه

واستبدت به نوبة سعال شديدة استغلها قائده ليجلسه حيث كان

فيما أشار القائد الأعلى للبقية بالمغادرة وبقي معه القائدان فحسب.



مسح وجهه بيديه المرتجفتين

وانحنى ليتكئ بمرفقيه على فخذيه ويسند جبهته إلى كفيه متشابكي الأصابع.

لو يغادراه!

بحاجة هو إلى تمالك الرجفة التي تسري في جسده قاسية باردة..

بحاجة إلى تمالك الصدمة التي عصفت به..

كان ليتوقع أي شيء.. أي شيء..

لكن ليس هذا..

ليس من اطمأن له طوال حياته..

ليس من منحه ثقته وتعلم منه دروسا كثيرة.. ليعلمه الآن أقسى درس قد يتلقاه.



مسحت يد يعرفها على رأسه،

فانتفض وقد ردت إليه الشفقة التي لمسها فيها ثباته، ونهض مبتعدا عن قائده بعزم،

لكنه قبل أن ينطق بادره القائد الأعلى قائلا: سمعت جانبا من اعترافهم بما فعلوه،

كانوا يعلمون عنك الكثير،

وأنت انشغلت بالصدمة عن محاولة تبرئة نفسك.



رفع يده يسكت محمود الذي احتقن وجهه: من الطبيعي أن يسرد الادعاء ما لديه،

ولا يوجد متهم يؤمن على تهمته!

لكنك منذ الجلسة الأولى رفضت أن تتعاون مع التحقيق أو أن تساعد محاميك أدنى مساعدة والتزمت الصمت التام مفضلا أن تتخذ مقاعد المتفرجين.

ما فعلوه لم يكن تخطيط شخص أو اثنين، كان عملا منظما من شبكة ذات خبرة لا يستهان بها.

ولولا تنقيب قائدك عن المسألة ما انكشفت هذه الشبكة التي كشفت أنت منذ زمن أول خيوطها. ستقول قد مر عام لأخبرك أنه عام من جهد متواصل من قائدك ثم من فريق خاص حتى انكشف كل الذي انكشف.

سيلاقون جزاءهم وستلاقي التعويض الكافي عن هذا العام وعن كل ما حصل.

لكنني أرى رأيا آخر..



وعقد حاجبيه بصرامة: علمناكم أيضا أننا جميعا بشر عاديون ليس فينا معصوم،

فإن كانت كل أزمة تدفعكم للهجوم على قيادتكم بهذه الضراوة.. فبئس الجند أنتم..



صرخ محمود: تصور الأمر وكأنني من خان ومن تخلى وتقاعس حين حقت النصرة.

أنتم من تركني وحدي أمام العاصفة

وأنتم من قتلني الشك الذي لم أبصر غيره في أعينهم منذ اللحظة الأولى..

خذلتموني..



اختنق صوته لكنه لم يصمت: ماذا تنتظر ممن وجد كل من يركن إليهم يصدقون تهمة رمي بها أكثر مما يصدقونه حينما ينفيها. لم يقف أي منكم معي ولم يؤمن أي منكم ببراءتي حتى نهاية الخط.

محامي الذي أهملته كان طوال الوقت يتحدث عن مدى ثبوت الأدلة ضدي، ولو أنه كان القاضي لما تردد لحظة في الحكم علي بالشنق منذ عام مضى، أما قائدي الذي تدعي أن جهده كشف تلك الشبكة فلم يكن يبذل هذا الجهد لتبرئتي، بل استكمالا لعملنا في كشف تلك الشبكة.. أنا ما كنت سوى تحصيل حاصل في سجل اعترافاتهم.

لم تأبهوا لأمري، ولن تفعلوا.

عنيتم بي طالما حققت النجاح تلو الآخر،

فلما كبلتني الأزمة رميتموني وراءكم وتخففتم من همي.

كفاكم كذبا.. كفاكم..



قاطعه قائده بصرامة: محمود، اصمت.

عض على لسانه بغيظ، فيما أردف القائد: احذر مما تقوله، فـ..

قاطعه محمود باستهتار: ماذا؟ هل سأحاكم ثانية؟ هل سأسجن؟

لا أرجوكم.. أنا لا أكاد أصدق أنكم آمنتم ببراءتي.. لا أكاد أصدق أنني عدت ثانية تلميذكم النجيب المطيع... لا أكاد أصدق أنني استعدت اعتزازكم وثقتكم بي.

وضيق عينيه ليقول وهو يضغط فكيه على بعضهما: لن يعوضني أي شيء الإهانة التي لحقت بي، ولن يرد أي شيء لي كرامتي التي أهدرتموها. وهؤلاء.. أقسم أنهم لو لم يعدموا سأحصد أنا أرواحهم ولو كانوا بوسط السجن العسكري نفسه. أقسم.



لم ينطقا، واكتفيا بالتحديق به، أحدهما بنظرة عميقة ثاقبة، والثاني بدهشة ممزوجة بالمرارة.

وعندما أدرك أنه لم يعد للكلام أية قيمة مضى مغادرا

ليفاجأ بالقيد يحيط معصميه ثانية ومحاميه يغمغم ببرود: لم يصدر حكم المحكمة بشأنك بعد.

حدجه بنظرة محرقة محترقة وعروقه تكاد تنفجر وكأن دمه يغلي فيها،

لكنه ابتلع كلماته مدركا أن مقاومته لن تؤذي سواه،

واستسلم للحراس وهو يقودونه إلى غرفة الحجز إنما في المركز نفسه.







أُغلق الباب في وجهه وهو كليث ثائر، محتاج للفضاء كله لينفس عن غضبه فيه.

دار في الغرفة للحظات

ثم اتجه إلى الفراش واستلقى على جانبه ثم انقلب على بطنه دافنا وجهه في الغطاء الثقيل الملقى عليه بعشوائية..



خنقته وحدة قاتلة،

أقسى من تلك التي شاطرته ليالي السجن العسكري الطويلة الطويلة..

وشعر بأنه ضعيف وعاجز..

عاجز عن الصبر والسلوان.. عن المغفرة..

حتى عن بذل خفقة فرح..

بل إنه أشد حزنا من يوم سمع الحكم الجائر بحقه..

ومن يوم هوى منهكا مسحوق الروح بعد يومه الأول في الأشغال التي حكم بها..

ومن..



كور قبضتيه بكل ما فيه من هيجان حتى خدرت أصابعه وراحتا يديه،

وأطلق صرخة مبهمة مخنوقة سترها الغطاء عن الفضاء المحيط به..

كل ما يحتاجه هو فضاء مطلق رحب ليجري بأقصى سرعته.. ويجري.. ويجري..

حتى يهوي ميتا من التعب..

مــــــــــــا ألــــــــــــذ المـــــــوت!

تلك الراحة الأبدية!



وكلما وصل هاهنا توقف وتوقف به الزمن..

ما يدريه ماذا سيلقى بعده!

ما يدريه أنها الراحة!

دائما هنالك احتمال العذاب والعتاب



انقلب ليواجه وجهه السقف الواطئ والعتمة وغمغم: رب أسألك حسن الختام.

رب إليك أشكو حالي..

رب لست أدري.. لست أدري..!



وكيف؟!!

أيضا ليس يدري..

لكن الإرهاق والألم غلباه، وهوى دون أن يدري في نوم هادئ عميق ))



 
 

 

عرض البوم صور ♫ معزوفة حنين ♫   رد مع اقتباس
قديم 29-07-10, 05:11 AM   المشاركة رقم: 28
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري
♪ مُخْمَلٍيةُ آلعَطّآءْ ♦


البيانات
التسجيل: Mar 2010
العضوية: 157123
المشاركات: 30,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: ♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 13523

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
♫ معزوفة حنين ♫ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ابشر ولبيه المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 






)( 22 )(



شعر بالماء البارد يرتطم بجسده ووجهه عدة مرات

لكنه عجز عن الحركة بل حتى عن تحريك جفنيه..

ثقل هائل يشل كل عضلة في جسده.

استنفرت البرودة القارسة عقله

وبينما تتمطى بين خلاياه كان يحاول استعادة بعض إحساسه قبل أن تخدره البرودة تماما..

شعر بغياب العصابة عن عينيه..

وركز عقله على عضلات أطرافه فحركها دون أن يحرك أطرافه

فلم يشعر بسطوة الحديد على معصميه وكاحليه.

ولما لم ينم إلى سمعه أي صوت فتح عينيه ليجد العتمة الدامسة تحيط به.



أين هو ومتى؟



مذ وقع في أيديهم حرصوا على ألا يلامس جسده سطحا مستويا،

فكان يغيب ويستعيد وعيه وهو على حاله معلق في فضاء تلك الحجرة التي تردد جدرانها ببرود صدى شتائمهم واستهزائهم..

فلماذا؟ أتراهم يئسوا منه؟

كم مر عليه؟ أسبوع؟ شهر؟ شهران؟ عام؟

محال أن يكون قد تحمل عاما كاملا!!



أمر لسانه على شفتيه ورغبة بالتقيؤ تتحرك في أعماقه..

كان في البداية يميز الأوقات ويشعر بدخول وقت الصلاة فيصلي،

لكنه منذ حين فقد الإحساس بالزمن فصار كلما أفاق قضى صلوات يوم كامل.

لكأنما قضى في الأسر دهرا!!

ليس يجهل أن ذا أسلوبهم لعل اليأس يحطم قلب أسيرهم فيتلو كل ما يعرف لتنتهي الحكاية التي لا تبدو نهايتها قريبة. لكنها لا ولن تنتهي، يعلم ذلك علم اليقين،

ولن يخدعوه.. لن يتأمل بمستحيل.. ولو كان ممكنا،

فلن يخطو إلى نجاته على حساب الأمانة.



فتش عن صبره..

ولحروف هذه الكلمة فعل السحر على قلبه،

قد أبصر منذ أسر من رحمة الله بقلبه أكثر مما أبصره طوال حياته..

يكفيه أن ثبته رغم أنه ما تخيل قط أن يثبت هذا الثبات.

حمده حمدا كثيرا وخرج صوته من بين شفتيه جافا مبحوحا فتبسم وأغمض عينيه لما عجز أن يلتقط أيا من ملامح المكان والعتمة تدثره، لكن فكرة طافت به دفعته لفتحهما ثانية والتفتيش بإصرار فيما حوله..



أهي العتمة؟؟ أم.. عيناه؟!



عاد صبره يربت على قلبه.. ما أهمية ذلك؟!

يقين غريب كان ينمو ليغدو ظلا هائلا في روحه بأنها آخر ساعاته أو أيامه في هذه الدنيا،

مذ وافق على هذه المهمة وهو يحمل كأس الموت في يمينه،

وإن لم يتخيل لحظة أنه سيأسر.

يعرفون من هو، ولن يدعوه حتى يحطموه قدر ما يستطيعون.. إن تركوه.

فلماذا كل هذا الإصرار في التفتيش؟

وماذا عساه سيبصر سوى جدران؟!!



كادت الجدران تطبق على عقله

واعتصرته البرودة بقسوة فأخذ جسده ينتفض من شدة البرد،

لكنه أدرك أنه لا فائدة من الحراك فلن يجد سوى الأرضية الحجرية الخشنة المبللة التي ألقي عليها.



انقلب ليرقد على بطنه وهو يعض على شفته السفلى مغالبا صرخة ألم ثم استكان في مكانه محدثا نفسه بأنه لو حاول تفقد جسده فسيهوله العجز الذي وصل إليه، يكفيه أنه لا يدري ما حال بصره وأنه أدرك للتو أن ذراعه اليسرى محطمة العظام..

عاد الارتجاف يهز جسده.. فرسم بسمة على شفتيه وأخذ يستعيد أيام تدريبات الشتاء التي كم تجمد جسده وأجساد رفاقه فيها كلما عوقبوا على مخالفة ما، أو خاضوا تدريبا خاصا..

وجوههم بعيدة، وملامحهم مشوشة،

وهو على أي حال لم يعرفهم بما يكفي،

لكن صعوبة ما مروا به معا قرب بينهم بصمت.



وذابت البسمة من على شفتيه..

لم يكن ما مر به يوما بقسوة ما يعيشه،

ولم يشعر يوما بهذا الضــــــــعف..

فتح عينيه على اتساعهما يتأمل اليأس -وقد بدأ يدب في قلبه- بعجز!



وبعجز ترقرقت دمعة في زاوية عينه.



لكل شيء نهاية..

لن يدوم هذا الحال..

لن يدوم.. ليس في الدنيا ما يدوم..

ولعل النهاية بعد ثوان.. ثوان فقط..

صبر ساعة.. صبر ساعة..

توسلت إليه روحه أن يستنجد به

فلما عجزت شفتاه عن مطاوعته صرخ ملء قلبه: لا إله إلا الله.....

وجر اليأس أذيال الخيبة مهزوما...

فتبسم باطمئنان..

وغاب ثانية.





(( وقفا يتأملان الساحة وقد ضمتها الأخيلة وأنوار متفرقة تثب إليها من هنا وهناك، والثقة تغلب على ابتسامتيهما: القدس عندي طاهرة نقية أنا فارسها، سأدخلها على جواد أبيض كأنما نحت من السحاب يليق بنقائها..

قاطعه محمود ساخرا: عش في الماضي أيها الفارس المقدام، فالقدس أنا من سيدخلها، لكن على متن أحدث طائرة أنجبها هذا الوطن الذي أنجب عظيما مثلي.

ضحك سامر وأجابه: أخشى أن لا تتحمل حتى هذه الطائرة الحديثة مغرورا مثلك!

فعقد ذراعيه أمامه باسما: وأخشى أن يتعثر جوادك الحالم بأول حصاة على درب التحرير.

سامر: لن يتعثر، فقد أنهيت دراسة الفصل المطلوب كاملا بينما تحلم أنت بطائرتك.

محمود: جيد، يبدو أن طاقة جوادك قد نفدت، بينما أعانتني طائرتي على تحضير الفصل القادم.

سامر: وهل ذكرتـْك أننا مطالبون بتحضير الفصل العشرين لأننا سنطبقه؟

التفت إليه بجدية قائلا: من قال ذلك؟

تبسم ساخرا: المدرب بينما كنت تحلم بطائرتك أيها المغرور.

ثم استعار جدية محمود: ألا تعلم بحق؟ هلم، قد لخصته حين درسته.. ابدأ بالتلخيص ثم اقرأ الفصل.

تبسم محمود قائلا: إذن احلم بدلا مني بالجواد والطائرة معا ريثما أفرغ من الدراسة. ))





((هو الحق، لكنه لم يعتد أن يذكر أيا كان في غيابه، لم يعتد ذلك!

تكورت الكلمات في حلقه فكاد يختنق بها وفكرة تلح عليه: ماذا لو كنت على خطأ؟!

ماذا لو كنت قد ظلمته؟! أليس الأجدر بك أن تستوثق؟!

وبينما كان الضابط يحدق فيه بدهشة وتساؤل، كان هو يستجمع شتات أفكاره،

فكيف له أن يستوثق؟

وكيف له أن يتردد والأمر لا يقف عنده ولا يهون التردد فيه؟ كيف..؟

قاطعه الضابط: ما المشكلة؟

فحدق به يبحث في عينيه عن وعد بحل هذه المشكلة وعهد بكتمان الأمر ريثما يتجلى وكتمانه بعدما يتجلى أيضا، لكن الحيرة التي في عينيه أقلقت الضابط أكثر فانحنى بأجمعه نحوه متسائلا: ماالذي حصل؟!

اعتدل وهمس: ليس الأمر.. آه.. أحتاج إلى مشورتك في أمر لم أدر كيف أصنع فيه!

عقد الضابط حاجبيه وأومأ بصمت، فتناسى تردده وراح يسرد على مسامعه كل الذي رآه وشك فيه وقلبه ينبض بقوة كادت تصمه عن سماع كلماته التي ينطقها.. وعينا الضابط تتسعان بقلق ودهشة. ))





((فتح عينيه فجأة لتواجهه عتمة دامسة، فضغط جانب ساعة معصمه وعقد حاجبيه وهو يهب من فراشه مسرعا وشعور غريب يملأ نفسه فغاصت قدماه في سجادة دافئة..

تبسم ساخرا ومد يده إلى المصباح المجاور لفراشه وهو يعاود الجلوس ويزفر مبتسما..



نسي أنه في بيته.. في إجازة!!!



قلب بصره في حجرته الصغيرة التي كاد ينسى ملامحها لطول غيابه عنها..

كم اشتاق لماض كان فيه يعيش بين أضلاع أسرته الصغيرة!

كم اشتاق لعبثه ولهوه مع رفاقه!

كم اشتاق لمسجد الحي الصغير، وللوجوه التي لا تتأخر عن إجابة نداء الفجر كل يوم!

منذ متى لم ير أيهم!

منذ متى فارقهم إلى غير رجعة!

حياته خط وحيد دون دروب نحو الوراء ولا وقت فيها إلا للعمل والعمل،

وأي إهمال أو تكاسل منه لن يكون ثمنه أقل من حياته،

أو على الأقل مستقبله كله!



نظر إلى ساعته ثانية فأدرك أن صلاة الفجر في الجماعة تكاد تفوته، فأسرع إلى وضوئه وهو يستغفر في أعماقه.... سيراهم بعد قليل.. سيعود محمود الذي كان من قبل..







لم يتخيل لحظتها أنه سيصبح محمودا آخر، غريبا حتى عنه هو!!







ووصله الاستدعاء قبل أن يقضي مع رفاق صباه ساعة واحدة،

فلبى دون أن يفكر بإجازته التي انتهت قبل أن تبدأ،

ولم يدقق في العربة التي أرسلت لتقله،

لكنه ذهل حين ركبها فتوجهت نحوه ثلاثة مسدسات وأمر: لا تتحرك، ثمة أمر باعتقالك.

وحين التفت القيود تشد معصميه وراء ظهره أعجزته الدهشة حتى عن التقاط أنفاسه وهو يستعيد بسرعة كل تدريباته والتزاماته التي سبقت إجازته ولا يجد فيها ما يدفعهم لذلك!! حاول أن يفكر لكن القيد كان يلتف على عقله أيضا، والغيظ يعجزه عن التفكير. ))



 
 

 

عرض البوم صور ♫ معزوفة حنين ♫   رد مع اقتباس
قديم 29-07-10, 05:12 AM   المشاركة رقم: 29
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري
♪ مُخْمَلٍيةُ آلعَطّآءْ ♦


البيانات
التسجيل: Mar 2010
العضوية: 157123
المشاركات: 30,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: ♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 13523

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
♫ معزوفة حنين ♫ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ابشر ولبيه المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 





سلام الباري عليكم ورحمته وفضله وبركاته





تلهفي للنهاية انتهى بمرارة





في كل رحلة خضتها.. في كل صعب ركبته.. في كل أزمة صارعتها

كانت عيني على النهاية

وكنت واثقة بأن الصبر سيفضي إلى آخر.. وننتهي.. وأبتسم

كلما ازدادت وعورة الحياة، حتى مع الدمع، مع الإرهاق، كان للابتسامة مكان





وبينما كنت أُعد هذه الأجزاء لإدراجها هنا، كانت المرارة تستبيح أعماقي

وللمرة الأولى لا أجد مكانا للابتسام

بل عجزت حتى عن إتمام تنسيق ملحق القصة - لذلك من سيقرؤه سيجد ثلثه الأول مكتملا وثلثيه التاليين منقوصين –

ما أشبه حالي بحمامة لبثت تساعد صغيرتها على استكمال ملامحها، فلما اكتملت وآن أوان خفق جناحها للرحيل

مضت تحثها على الطيران وتذلل أمامها مخاوفها

وفي أعماقها تشتهي لو تضمها إلى قلبها وعشها وتبقيها تحت جناحها إلى الأبد

لكن الحياة تسير ولا تتوقف

ولا بد لصغار الحمام أن تطير .. تنطلق إلى البعيد.. سواء عادت أم لم تعد





كانوا أرواحا ساكنت روحي زمنا.. فغدوا كلمات.. ثم قصة.. ثم أجزاء.. ثم..





واليوم سنضع هذه الكلمات فوق كلمات أخرى قرأناها وعشناها.. ثم مضينا وتركناها مكومة على الرف

نذكرها بين الحين والحين، لكنها لا تعني سوى ذكرى









يسرني أنكم شاركتموني قراءتها

وأشكر كل (لوحة مفاتيح) وجدت كلماتي تستحق منها كلمات تسجيل مرور.. تشجيع.. نصيحة.. أو حتى ابتسامة











لكم الربيع كله





وإليكم النهاية










)(23)(







منذ حين وهي لا تفارقه.. باسمة حينا عابسة أحيانا

والفقد والألم يمزقان قلبه كلما التقت أعينهما،

لكنه الآن لم يعد يلقاها إلا هاشة ضاحكة..



ولم يعد يصمت..

حكى لهم كل شيء..

كيف شارك في عمليات الشبكات التي حاولوا زرعها..

كيف مزق عملاءهم بدم بارد..

كيف انهار أحدهم عندما أعدم آخر وسط صفوف الجيش بقسوة عامدا

ليكشف أمر الأول بعدما لم يجد عليه دليلا دامغا،

لكنه حاصره وأرهقه

ثم تصرف بحيث أجبره على حضور ذاك الإعدام في الصف الأول..

فانهارت أعصابه واعترف بكل شيء.



كان يتكلم فيشعل غيظهم وحقدهم أكثر..

تصول كلماته بينهم ساخرة.. وهو يدرك أنه إنما يستفزهم ويؤلمهم..

ويبصر الأسطر قاربت على النهاية..!



وحين رموا جثته ببقية أنفاسها على الحجارة الباردة أقبلت عليه باسمة من جديد.. فتبسم وحاول التقاط أنفاسه

لكن ثقلا هائلا كان يجثم على صدره!



أصغى فلم يكد للوهلة الأولى يميز الصوت الذي يسمعه..

فحيح.. أم همهمة؟

فتح عينيه على اتساعهما بذهول وهو يدرك كنه الصوت بغتة..



نباح!



وفي لحظة واحدة اختلطت في عقله زمجرة ظل عملاق يتهيأ للانقضاض مع نباح قادم من القريب والبعيد مالئا المكان وهدير وصراخ ورصاص.. وتكبير!



حاول أن يحرك ذراعيه.. لكنه كان أضعف من أن يحرك إصبعا من أصابعه..

لم يكن يبصر بوضوح منذ زمن..

ولم يكن بين يديه سلاح..



وفهم لماذا تتمازج تلك الأصوات في سمعه المرهق..



تبسم بقدر ما طاوعته قوته..

وجلجلت مدائن روحه بالشهادتين..

وانغرست الأنياب الحادة في وجهه.....




اجتاحَ البردَ الذي كاد يقتله دفء عامر







(( لم يرفع رأسه لحظة واحدة، ولم يكن ينصت إلى كل ما أجبروه على التواجد فيه، لم يكن يعنيه كل هذا، ولا ذاك الجالس بين الحرس بجوار الخائن الذي كان هو أول من شك فيه،

أيحاولون اقناعه ببراءته وكأنه لا يعلم؟ أم يحاولون الاعتذار إليه؟

لماذا عليه أن يسمع كيف غُدر به.. استُغْفِل..

أزاحه من ظنه أقرب الناس إليه كيلا يكون عثرة في طريق خيانته!



وكان مدربوه على صواب حينما ظلوا يكررون: لا تتكلم بأكثر من الضرورة، ولا تتكلم بهذه الضرورة إلا مع المسؤول عنها.

فحين شك بالخائن لأول مرة، وحين بلغ عنه، وحين شهد ضده بما عرفه وحتى حين هدده، لم يخطر بباله مرة –رغم أنه يعرف قوة صلته بخاله- أن خاله هو قائد تلك الخلية العميلة، ولم يمنعه عن إخبار خاله واستشارته منذ البداية إلا وصية مدربيه تلك!

قصد الضابط المسؤول وأخبره،

وبدأت الخيوط تتجمع في أيديهم يلي بعضها بعضا،

ولم يأبه الخائن كثيرا لأنه تبين أنه ابن أسرة صهيونية زرعت منذ عقود في البلاد،

ولأنه قطعة ثمينة للمبادلة لم يعدم،



بينما اهتم خاله بإبعاد محمود وسامر في وقت واحد عن الصورة كلها،

لكن سامر الذي كان شكه قد وصل إلى الخال نفسه أجبره على الحركة باتجاه لم يفكر فيه من قبل.. وخنق الدم صوت سامر وكاد الحكم بالإعدام يصدر في حق محمود لولا أنه استنفر كل طاقته في تكذيب الأدلة.. فانتفى بعضها، وقادته البقية إلى المؤبد.



لا يهمه كيف وصلوا إلى الحقيقة،

ولا يهمه لماذا بحثوا وواصلوا تعقب الخيط الذي منحهم أوله هو وسامر،

الذي يهمه هو حطام ثقته فيهم الذي يجرح قلبه في كل نبضة،

شكهم فيه..

التساؤلات في عيني والديه..

وثلاثة أيمان حلفها، لأبويه ولقائده، وحين تحداه المدعي،

وكذّبُوا أيمانه الثلاثة!!

كان ينتظر منهم ثقة كالتي عودوه إياها لكنهم منحوه شكا كاد يصيبه بالجنون.

ثم انغرست طعنة خاله في روحه، فأدرك أن إيمان المرء بمن أمامه لا يكفي..

كان يلومهم لأنهم فقدوا إيمانهم بصدقه، فأثبت له خاله أنهم على حق.



نظراتهم النادمة والمشفقة تزيده غضبا وتؤجج النار في أعماقه أكثر..

إن لم يتحمل نظرات الاتهام، هل سيتحمل نظرات الشفقة؟

ألم يكونوا على قناعة بصواب تصرفاتهم يوم اتهموه؟

أليسوا حتى الآن يجدون لأنفسهم الأعذار لاتهامهم إياه؟

فلماذا يلوك الندم نظراتهم؟ لماذا يكسر التردد أعينهم حين تلتقي بعينيه؟

لماذا ينتظرون منه أن يثق بهم بعدما خذلوه مرتين؟



سيخذلونه مرات بعد.



حين تلي الحكم عليهما بالإعدام انتاب الخائن الذعر والهلع،

هدد ثم بكى وأوشك على الانهيار،

ورفع محمود رأسه ونية ما تبرق في عينيه ليبصر الكره في عينين لطالما رسمتا له الحب،

حدق فيه بعينين من زجاج.. خاويتين من أي انفعال سوى الإصرار،

وحين تليت براءته والتعويض الذي سيناله نهض مقاطعا القاضي بلامبالاة: لست أريد المال الذي ذكرت.. أريد الانتقال إلى كليات حوض المتوسط.. ملفي وكامل متعلقاتي.

هم القائد والمدعي بالاحتجاج لكن القاضي أسكتهما وحكم له بالذي أراد وسط نظرات الاستنكار والدهشة.. والصدمة.



وبمجرد انتهاء الجلسة هب مغادرا دون أن يرد على أي من الأصوات التي نادته.



لن يثق بهم فقد تعلم الدرس،

ولم يبق لأي ممن شكك فيه مكان في قلبه ولا متسع من صبره،

كما فقدوا ثقتهم به لأجل شك لا يعرفون حقيقته، فقد ثقته بهم ليقين عاشه قرابة العام.

سيكمل طريقه وحده دون قلب ودون تلك المحبة الحمقاء التي أعمت قلبه عن الحقيقة.. عن الحذر.. وأباحت لهم اتهامه والاشمئزاز منه،

سيكمل طريقه بعيدا عن الذين تخلوا عنه،

ولينسوه بقية عمره كما نسوه عاما من قبل.))







امتلأت عيناه بالدموع والقهر وهو يكاد يصرخ: ولا واحد؟

أطرق بأسى: بل نجا واحد

ارتجفت شفتاه وهو يسأل: من؟ لا.. كيف؟ أهو بخير؟

تنهد الطبيب والأسى يتمدد في صوته: خسر أطرافه الأربعة.

شهق عادل بذعر ولم يجرؤ على أن يسأل عنه من هو. في حين أردف الطبيب وهو ينقل بصره بحزن واعتذار بين عادل والقائد الأعلى الذي لا زال يراقب بصمت وحزن: كانوا بحال سيئة منذ البداية، وبمجرد سيطرتكم على أغلب القوة الموجودة هناك أطلق أحد ما الكلاب المجوعة على الأسرى.. لم يكن في أيدينا ما يمكننا فعله! حتى حسن لا ندري إن كان سيعيش أم لا! بذلنا جهدنا وكان مما ساعدنا أن الكلاب لم تهاجم سوى الأطراف.. ومن الـ



لم يعد يسمع سوى طنين عال في أذنيه..

وشعر بأنه يكاد يهوي فتراجع خطوة وجلس وثقل هائل يهوي على قلبه فيكاد يسحقه..



حسن؟



ذاك الجسد الميت ممزق الأطرف هو من أنجده وحمله بين ذراعيه

لكنه لم يعرفه.. لم يعرفه!



طوال التحضير وطوال العملية وجسده كله صدى لخفق قلبه..

كل جسد محطم اجتذبوه من بين الظلمة والأنياب كان يشتهي لو يضمه إلى صدره ويخفيه في قلبه،

الرصاص الذي أفرغه في أجساد أسراه من الضباط والجنود -بعدما تيقن استحالة أخذهم كأسرى بعد أن دمرت إحدى الطائرات التي جاء بها- حـمَّـلَه غضبه وثأرهم والخذلان الذي غمره وهو يبحث عن رفيقي عمره فلا يراهما بين تلك الجثث التي تتشبث بها الحياة بيأس!



خططَ ودرب، وجند الأشهر ليصل إلى هؤلاء الذين لا يعلم لهم أحد مكانا،

ووصل،

وخيل إليه أنه عاد دونهما بعد أن تخيل لقاءهم ثانية ألف مرة بألف صورة،

لكنه لم يتخيل قط أن يحمل حسن على ساعديه ولا يعرفه!

لا يعرفه!



هب واقفا: أريد أن أراه.

التفتا إليه، لكنه بادرهما: بالله عليكم أريد أن أراه.

غمغم الطبيب: اتبعني.

والتفت إلى القائد باعتذار وعيناه تقولان: هو الوداع فحاله لا تبشر بنجاة!!


وهوى قلب عادل والذعر في أعماقه يشتد.



 
 

 

عرض البوم صور ♫ معزوفة حنين ♫   رد مع اقتباس
قديم 29-07-10, 05:13 AM   المشاركة رقم: 30
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري
♪ مُخْمَلٍيةُ آلعَطّآءْ ♦


البيانات
التسجيل: Mar 2010
العضوية: 157123
المشاركات: 30,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: ♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع♫ معزوفة حنين ♫ عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 13523

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
♫ معزوفة حنين ♫ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ابشر ولبيه المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 














)(24)(







أوقفت كل القنوات بثها فجأة، لتعرض كلها تسجيلا واحدا لعملية التحرير،

وترك الناس في أنحاء البلاد كل شيء وجلسوا يراقبون بدهشة التفاصيل المعروضة لعملية أشبه بالمستحيل في أعمق أعماق الأرض المحتلة، وتحت أنف الصهاينة.



استشهد رجال كانوا يحسبون بعضهم شهداء ويجهلون مصير الباقين..

عشرون من أهم رجال العمليات الذين ذهبوا فلم يعودوا..

عادوا اليوم أجسادا دون أرواح..

وعاد معهم مغلولا عشرة من أعلى الرتب التي وجدها من أدوا العملية في طريقهم،

وأبيدت بقية القوة التي كانت في المعتقل.. عشرون صهيونيا.

عشرون وعشرون وشتان بينهما.. قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.



وتبسم الجالسون فخرا وسعادة..

هي بعض التباشير بنصر سيأتي.. نصر يعمل له كل كبير وصغير ليل نهار.. حتى يأذن الله.

وانطفأت البسمة السعيدة لتحل محلها بسمة فقد وخسارة وهم يعرضون الشهداء.. أسماءهم ورتبهم وأعمالهم..



وارتفع رنين الهاتف، فاضطر عاصم للرد وعيناه معلقتان بالشاشة

لكن المكالمة سرعان ما جذبت انتباهه كله وانتباه ليلى،

في حين لم تشعر شوق حتى برنين الهاتف..

كان قلبها يخفق بذعر وهي تعد الأسماء التي تعرض بالتتالي وتتساءل بقلب دامع: أهو التالي؟!



وكان التالي..!







(( : أعلم أنه لا يعلم الغيب إلا الله، لكن شعورا غريبا بالخواء يملأ قلبي، لا تبتسم يا محمود، فأنا أشعر بحق أنني راحل عما قريب، وأنك ستتخلف عني حتى يقضي الله. لن أدخلها على جواد ولا في طائرة، بل سأرحل وهي مغلولة بالحزن، لن ألمس حلم عمري يا محمود..

قاطعه وقد سقط ظل غريب على قلبه فكاد يخنقه: أكل هذه الكآبة لأنني حصلت في..

فقاطعه سامر بضيق وتوتر: محمود، لست أمزح..

صمت وأطرق مليا، فلفهما صمت ثقيل.. ثم تنهد بألم وهو يتساءل في أعماقه إن كانت أحلامهم ستتحقق.. أم سيرحلون كمن قبلهم والحلم لا يزال يعانق الأفق! ))







أما هو فلم يكن بحاجة لمتابعة البث،

كان يقف أمام أحد الأجساد المسجاة في القاعة الواسعة ولا يزال غير قادر على رفع الغطاء عن وجهه ليراه..

بحث عنهما فيهم جميعا -قبل أن يتم الفحص الشرعي وتحديد هوياتهم- فلم يجدهما..

ليكتشف من بعد أنهما كانا بينهم..

لكنهم كانوا جميعا بملامح واحدة.. أو في الحقيقة.. بلا ملامح!



تقلصت عضلات وجهه فضاقت عيناه وانضغط فكاه،

لكن دمعة خانته وانحدرت على وجهه ببطء حزين وهو يرفع الغطاء ليبصر ملامحا معجونة بالدم والجراح وآثار الأنياب.

مرر أصابعه بتردد على وجهه لعله يجد بعض الملامح التي يعرفها،

لكن وجهه لم يكن قد بقي منه الكثير ليجده،

ودون أن يدري كان قد جذب الغطاء كله وقذفه جانبا

لعله يبصر فيه شيئا واحدا بقي كما هو.. كما عهده..



تبسم بحزن..

وعانقت أصابعه بخشوع السبابة المفرودة بإصرار وعناد،

همس: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبد ورسوله.



وانحنى يجذب بقايا الجسد إليه بألم ليعانقه وليس يدري متى يضم هذا الحبيب إليه مرة أخرى...

متى يبصر على وجهه فرحة صادقة لم يرها عليه قط..

متى يهرعان إلى الظل فيلقيان بقية الأحبة..

وسالت دمعة ثانية..

وامتدت أكفهم تجذبه وأصواتهم تلومه..

فمسح دمعته خفية وقبل كتف محمود قبل أن تجذبه الأيدي رغما عنه إلى الخارج

ويغلق الباب دونه

والبعض حوله يظنونه بحاجة لمواساتهم فيواسونه بكلمات لا يسمع أكثرها

ولا يفهم ما يسمعه منها.



أطرق وتنهد،

لن يفهموه حتى يحبوا كما أحب، ويفقدوا كما فقد..

كاد يتحسس الباب لعله يحمل شيئا من عبق الشهادة لولا أصوات طلبت منهم التنحي

فالتفت ليبصره قد خف إليهم وقد ضاقت الدنيا بعدهم

أبى إلا أن يشاركهم الرحيل وقد شاركهم الأسر والإباء..



تنحى بصمت وهمس في أعماقه: أما عدت تتمالك شوقك للجنة يا حسن؟

ثم تقدم نحوه ورفع الغطاء عنه دون أن يحاول أحد منعه،

وانحنى يقبل جبينه ويضمه إليه بشوق وعتاب،

لتعود أيدي من معه تجذبه بعيدا عنه أيضا

ليدخلوه إلى القاعة تاركين خلفهم قلبا حزينا مشتاقا.. وعبق مسك.



(( عادا به، أو عاد عادل مع المحرر يحملان عبد الرحمن..

أسعف إلى قاعدتهم ذاتها لأنها الأقرب إلى الحدود، وخف عادل إلى حيث كان واثقا أنه سيجد محمود، ووصايا عبد الرحمن ترن في أذنيه بصوته المضرج بالدم.

دون أن ينسى أن ما يفعله ممنوع تماما، جذب محمود إلى حيث عبد الرحمن فلم تعترضه الحامية وقد عرفوه وظنوه مرسلا من القائد الذي سبقه إلى غرفة الإنعاش.



كان الأطباء يقفون أمامه بعجز.. ومحمود يهرع إليه بذعر.. وهو واقف بعينين زائغتين ينصت للصوت الذي لا زال يرن في أذنه بوصاياه، ويبصر انتحاب محمود وحاجبي قائده المعقودين والأطباء الواقفين..



شعر بأنفاسه تختنق فمد يده إلى عنقه يتحسس الرضوض التي انطبعت عميقة عليه..

لكن شعورا غريبا أجبره على خفض عينيه نحو كفه التي فردها أمام وجهه

ليبصرها بلون عبد الرحمن..

عقد حاجبيه وهو يفكر بأن لون صاحبه هو.. لون الدم..

الموت..

فرفع إليه عينيه وابتسم بغبطة.. لن يفترقا إذا.



اندفع نحوه أحد الأطباء الواقفين وهو يحرك شفتيه بكلام لم يسمعه، لكنه أومأ برأسه.. ولفه الظلام !!))







على الأكتاف حملوا وقد رفض رفاقهم أن ينقلوا على العربات رغم بعد المسافة..

وكأنما لم يبق أحد إلا وخرج يزف أجسادهم بعدما زفت الملائكة أرواحهم إلى السماء.

وخلف الصناديق المغلقة سار أهلوهم بعدما ودعوهم من وراء تلك الأخشاب دون أن يسمح لأحدهم برؤية الوجوه نورتها الشهادة، ودموعهم تغلبهم متساءلة: لم؟



سارا معها والأفكار تنتقل بهما بين عوالم شتى،

والذكريات تجتمع في قلبيهما جميعا،

وسارت بجوار خالتها وهي لا تبصر سوى نظرة الضياع في عينيه ودمعها لا يكاد يجف،

رحل دون أن تفهم أو يفهم هو، وتركها تحمل الحزن وحدها..

فمن هو؟

ولماذا رحل؟

ولماذا عاد ولم يعد؟

ثم لماذا تعجل الرحيل قبل أن تفهم ويفهم؟

استغفرت وهي تذكر نفسها بأنه شهيد..

لكن عيناه عادتا تتباديان أمامها بذاك الضياع الذي أبصرته يوم صدمته بمكيدتها، وكأنما تلومانها على كل شيء، فأغشى الدمع عينيها وتعثرت لكن خالتها سارعت تشد على ذراعها بقلق دون أن تجد إحداهما بقايا من صوتها لتكلم الأخرى.



والتقطت نفسا عميقا وهي ترتحل مع طيفه إلى أمس بعيد نسيت فيه أنه لا يجوز لها العبث بأشيائه دون إذنه بل عدت ذلك من حقها، ففتشت ما ترك مفتوحا من أدراج مكتبه واحدا تلو الآخر، ثم اكتشفت خزينته الصغيرة فاتخذتها سلوتها وأخذت تحاول كل يوم فتحها فتفشل.

كانت تعرف هذا النمط من الخزائن تماما لأنه مماثل للذي امتلكه أبوها في بيته ومتجره،

وكانت واثقة من أنه ليس مزودا بنظام حماية أكثر من كلمتي السر المتتاليتين اللتين تصطف أحرفهما أمامها..

ووصلت إلى الكلمة الأولى لكن أحرفها لم تكن تعني لها شيئا،

ثم فشلت في معرفة الثانية فأخذت تجرب ما يخطر على بالها من كلمات،

ولما يئست جربت اسمها وابتسامة ساخرة تتسع على شفتيها..

وفتحت الخزينة!!!



قبل أن تفكر في سبب اختياره لاسمها وقبل أن تورق نبتة محبة له في قلبها، ملأها الذعر من كل ما وجدته فنسيت تماما ما كانت قد وجدته.

والآن بينما تسير وراءه إلى حيث لن يعود، تتمنى لو أنها لم ترتكب ذاك الفضول السخيف ولم تستبح أسراره،

أو لو أنها قرأت عينيه بصدق منذ البداية..



أغمضت عينيها بمرارة حين لاحت الأسوار التي سيتوارى وراءها دون رجعة وهي تسترجع نظرات لم تحاول فهمها لكنها صارت تراها في عينيها كل يوم..

كلما فكرت فيه..

في أبويها....








نظرة حنين.



 
 

 

عرض البوم صور ♫ معزوفة حنين ♫   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 08:36 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية