لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القسم الادبي > منتدى الكتب > كتب الأدب واللغة والفكر
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

كتب الأدب واللغة والفكر كتب النحو والصرف والأصوات والمعجم والبلاغة واللسانيات المعاصرة - الأدب العربي القديم - والنقد الأدبي القديم والحديث- أدب الطفل- وكتب الأساطير والغرائب - كتب الفلسفة و المنطق - الدراسات الفكرية - كتب الفكر الإسلامي


محمود أمين العالم , مفاهيم وقضايا اشكالية , دار الثقافة الجديدة , 1989

محمود أمين العالم وبعض إشكاليات الفكر العربي المعاصر محمود أمين العالم مثقف عربي يساري اكتوت كفاه بالجمر الذي ظل يقبض عليه طوال حياته. والقابضون على الجمر بين المثقفين العرب

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-04-10, 11:39 PM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2007
العضوية: 57323
المشاركات: 147
الجنس أنثى
معدل التقييم: tarana عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 12

االدولة
البلدChile
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
tarana غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : كتب الأدب واللغة والفكر
افتراضي محمود أمين العالم , مفاهيم وقضايا اشكالية , دار الثقافة الجديدة , 1989

 

محمود أمين العالم وبعض إشكاليات الفكر العربي المعاصر

محمود أمين العالم مثقف عربي يساري اكتوت كفاه بالجمر الذي ظل يقبض عليه طوال حياته. والقابضون على الجمر بين المثقفين العرب هم اليوم قلة يرفضون أن يكونوا –على حد تعبير العالم- شعراء بلاط ووعّاظ سلاطين وأدوات تبرير وتمرير لسياسات النظم العربية القائمة؛ فيتمسكون بمبادئهم الوطنية والقومية والإنسانية، وينخرطون، بمستويات مختلفة، في النضال بالفكر والإبداع من أجل تغيير الأوضاع المتردّية في البلدان العربية.
لقد أدرك محمود أمين العالم، ومنذ وقت طويل، أن الثقافة بُعدٌ من أبعاد السلطة، وأن للمثقف، بوصفه حاملاً ومنتجاً للمعرفة، دوراً يلعبه في عملية التغيير، لكنه أدرك، في الوقت نفسه، أن النضال الثقافي وحده لن يحقق التغييير، فانجذب إلى السياسة، وانتسب إلى صفوف الشيوعيين المصريين، معتبراً أن المشاركة في العمل السياسي الثوري المنظّم، هي أرقى مشاركة للمثقف في تحقيق التغيير الثوري المنشود. لكنه، وتحسباً من خطر سقوط المثقف الملتزم في " الإيديولوجية العملية، في الشعارية والتسييس المسطّح"، على حد قوله، ركّز، تركيزاً خاصاً، على الفكر النظري وسعى حثيثاً لإشاعة الوضوح الفكري، فاحتلّ موقعاً متميّزاً بين صفوف المثقفين العرب، الجديرين بحمل اسم المفكر، مخلّفاً وراءه أكثر من عشرين كتاباً ومئات المقالات والدراسات الموزّعة على عدد كبير من الصحف والمجلات.
وسأحاول فيما يتبع أن ألقي بعض الضوء على الإسهام الذي قدمه محمود أمين العالم في حقل دراسة الفكر العربي المعاصر، متوقفاً بوجه خاص عند بعض القضايا والإشكاليات الفكرية التي جذبت اهتمامه.

منتدى ليلاس


الماركسية بوصفها أداة ومنهجاً للتحليل:
في عام 1992، وإثر الانهيارات التي وقعت في بلدان "الاشتراكية الواقعية"، التي ادّعت انتسابها إلى الماركسية، طرح محمود أمين العالم على نفسه، في افتتاحية كتبها لكتاب " قضايا فكرية"، السؤال التالي: "هل يمكن أن تكون هناك نظرية تستوعب حركة التاريخ؟".
قبل أن يجيب عن هذا السؤال، عرّف العالم النظرية بأنها علاقة ضرورية بين معطيات معرفية، تشكّل نسقاً محدداً، وهي تتسم بالعمومية والكلية، من ناحية، والثبات والاستقرار النسبيين، من ناحية ثانية، منبهاً إلى أن كل نظرية، مهما كانت درجة علميتها، تتضمن – بطابعها الكلي- قمعاً وتقليصاً لما تعبّر عنه من واقع طبيعي أو إنساني. وبعد أن توقّف أمام مفارقة ذات دلالة، تمثّلت في أن النظام الرأسمالي قد استطاع أن يتجاوز العديد من أزماته نتيجة براغماتيته وعدم خضوعه لنسق نظري جامد، في حين أن المادية التاريخية فقدت – في إطار الرؤية الخطية السلطوية المغلقة لحركة التاريخ – طابعها العلمي وأسهمت في انهيار النمط الاشتراكي السوفيتي، أكد أن النظرية في التاريخ تبقى ضرورية، حيث لا غنى عن التنظير والتعقيل في التعامل مع التاريخ، شريطة أن يستند هذا التعامل إلى منهج جدلي علمي ينظر إلى القوانين الموضوعية ليس بوصفها قوانين جامدة قاطعة وإنما باعتبارها قوانين للحركة نفسها في تجلياتها العامة، ويجتهد في معرفة خصوصية هذه الحركة معرفة عقلانية نقدية في إطارها التاريخي.
وانطلاقاً من هذا الفهم لمعنى النظرية ولمعنى أن تتطبع بطابع علمي، تعامل محمود أمين العالم مع الماركسية، التي تبنّاها منذ نهاية الأربعينات بعد أن وقع بين يديه كتاب: "المادية والنقد التجريبي" للينين وكتاب "جدل الطبيعة" لأنجلز، تعاملاً مع أداة ومنهج للتحليل ليس إلا، حيث أنه نادراً ما كان يلجأ إلى إشهار ماركسيته هذه الكامنة، مع ذلك، في كل نتاجاته.

منتدى ليلاس


أزمة الفكر العربي وسيادة "التوفيقية":
قدّر محمود أمين العالم أن الأزمة العامة التي يواجهها العالم العربي لا تتمثّل في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتردّية وحسب، بل هي تتمثّل أيضاً في التشتت الفكري والتسطيح الفكري وفي سيادة تيارات فكرية غيبية أو ضبابية، معتبراً أن عملية إنتاج فكر عربي متّسق، يسلّح العرب برؤية إستراتيجية شاملة لتغيير الواقع وتجديده، لن تتحقق على مستوى ثقافي نخبوي، وإنما ستتحقق في غمرة الفعل من أجل التغيير والتجديد.
وقد أرجع محمود أمين العالم أزمة الفكر العربي إلى الثنائيات التي شكّلت إطاره الفكري منذ عصر النهضة، والتي تمثّلت في ثنائية رئيسية هي ثنائية العلاقة بين التحديث التابع والمفروض سلطوياً وواقع البنية التقليدية الموروثة، وفي الثنائيات التي تفرعت عنها، مثل ثنائية التراث والمعاصرة، والنقل والعقل... إلخ. أما الجسر النظري بين طرفي كل واحدة من هذه الثنائيات، فقد شكّلته، كما قدّر، " إيديولوجية توفيقية"، صارت تعشعش في كل الممارسات السياسية والاجتماعية والثقافية العربية.
وقد عرّف محمود أمين العالم "التوفيقية" بأنها مفهوم مرتبط بوقائع وملابسات وشروط اجتماعية وتاريخية، وليست صفة أو سمة للفكر العربي في ذاته، وعلى إطلاقه، وهي، في التحليل الأخير، ليست توفيقاً بين طرفين وإنما هي تغليب طرف وترجيح له على حساب الطرف الآخر، وإن اختفى هذا الترجيح خلف قناع توفيقي ظاهر. وبعد أن أشار إلى أن " التوفيقية" تتمظهر في حياتنا العربية بمستويات ومراتب في الفكر والممارسة، خلص إلى أن هذه " التوفيقية" ليست مجرد قضية فكرية، تعالج بالفكر وحده، بل هي قضية هيمنة سلطوية لطبقات وفئات اجتماعية تفرزها وتغذّيها، تكريساً لمصالحها، بحيث لن يكون القضاء على هذه الإيديولوجية ممكناً ما لم تتحقق ثورة ثقافية شاملة.


النهضة وأسئلتها المعلّقة
ورأى محمود أمين العالم أن " التوفيقية" قد برزت مع تبلور النهضة العربية في القرن التاسع عشر، وفي ثنايا المشروع الذي ارتبط بها، والذي كان تعبيراً عن
بدايات نمو البرجوازيات العربية، لا سيما في مصر وبلاد الشام، لكنه كان، في الوقت نفسه، تعبيراً عن إجهاض النمو المستقل لهذه البرجوازيات منذ البداية. ففي الوقت الذي كانت فيه حركة البرجوازيات العربية الوليدة تنسلخ من تبعيتها للاستبدادية العثمانية كانت تدخل في تبعية استبدادية أخرى، هي تبعيتها البنيوية للرأسمالية العالمية المتحوّلة إلى طورها الامبريالي. وعلى الرغم من الوقوع في أسر هذه التبعية الجديدة، تواصل النضال، بأشكاله السياسية والاقتصادية والثقافية، من أجل إنجاز مشروع النهضة، وكاد الجانب الأكبر من هذا المشروع أن يتحقق – كما قدّر العالم – بفضل ثورة تموز 1952 في مصر، ولا سيما في فترة الستينيات. إلا أن وقوع هزيمة حزيران 1967، التي عمّقها الانقلاب الاجتماعي الذي قام به أنور السادات وما أعقبه من نكسات، قد أعاد العرب من جديد إلى ما يشبه البداية بالنسبة إلى مشروعهم النهضوي، وأبقى الأسئلة التي طرحها مفكرو النهضة هي نفسها –في الجوهر – الأسئلة التي يثيرها المفكرون العرب في أيامنا هذه. بيد أن أسئلة النهضة لم تبقَ معلّقة إلى اليوم –كما تابع العالم- لأن مفكري ذلك العصر قد أغفلوا نقد العقل، كما يعتقد بعض الباحثين العرب المعاصرين، وإنما لأن البلدان العربية ظلت، حتى بعد حصولها على استقلالها السياسي، تحت سيطرة بنيوية شاملة للامبريالية العالمية، وظلت تنميتها تنمية رأسمالية هامشية تابعة، وحافظت داخل بنيتها الاجتماعية على كثير من سمات بنيتها السابقة على الرأسمالية.


إشكالية العلاقة بين التراث والمعاصرة
لاحظ محمود أمين العالم أن إشكالية العلاقة بين التراث والمعاصرة، والتي خفتت –إلى حد ما – في مرحلة صعود المشروع القومي العربي، قد احتدمت من جديد مع اشتداد الأزمة التي يواجهها الواقع العربي. ففي مراحل الأزمة يزداد الفرز والاستقطاب وضوحاً بين مختلف القوى الاجتماعية والتيارات الفكرية المتعارضة، ويتخذ الأمر مظهر العودة إلى الماضي، إلى الينابيع الأولى للتراث، القومي بوجه عام والديني بوجه خاص، وذلك في محاولة لإعادة التقويم في ضوء اللحظة الحاضرة وبحثاً عن مشروعية تراثية للسلوك في هذه اللحظة الجديدة.
وكعادته في السعي الحثيث إلى التأصيل الفكري، حاول محمود أمين العالم، بداية، تعريف مفهوم التراث، فذكر بأن التراث في ذاته غير موجود، حيث أن التراث هو موقفنا منه، هو توظيفنا له. فالتراث قد يكون موجوداً في نص، في عمارة، في عادات، في ممارسات، على أن وجوده هذا، المتحقق مادياً، ينتسب إلى الماضي، أي أنه أثر. من الصحيح أن هناك إمكانية لمعرفة التراث معرفة علمية، من خلال الجهود التي تبذل، علي سبيل المثال، لتحقيق نص تراثي، إلا أنه ما أن يتم الانتقال من عملية التحقيق إلى عملية التقويم والتوظيف حتى ننتقل مباشرة إلى أفق الإيديولوجية، ويصبح التعامل مع التراث تعاملاً إيديولوجياً. وبعد أن أشار إلى أن الموقف السليم من التراث هو موقف الاستيعاب النقدي له في إطار واقعه التاريخي والاجتماعي، خلص العالم إلى أن المعركة المحتدمة على أرض التراث اليوم هي جزء من المعركة الفكرية الأكبر الدائرة بين الإجابات المختلفة عن سؤال: ما السبيل إلى الخروج من هذه الوهدة التي يرقد فيها العالم العربي؟.
ويتوضّح الموقف الجدلي المتميّز الذي تبنّاه محمود أمين العالم من إشكالية العلاقة بين التراث والمعاصرة لدى انتقاله إلى معالجة إشكالية الحداثة في العالم العربي.
فالحداثة، في نظره، هي مفهوم "مراوغ" يحمل في داخله أكثر من دلالة، وهي نتاج أوروبي نشأ مع بروز النظام البرجوازي، وظهور القوميات وتطوّر حركة التنوير. ولكن على الرغم من الاختلاف في دلالاتها، تحمل الحداثة– كما أضاف – معنى الخروج من دائرة الظلامية الإقطاعية والجمود الفكري والاستبداد السلطوي، وتتضمن، تالياً، مضموناً إنسانياً يؤكد إنسانية الإنسان وحريته وفاعليته في المجتمع والطبيعة. وهي، بهذا المعنى، تشكّل ضرورة موضوعية في حياة الإنسان، الذي يجب عليه أن يتعامل معها ليس بوصفها محطة وصول بل سيرورة متصلة.
ومن منطلق اعتقاده بهذا المضمون الإنساني للحداثة، الذي يتجاوز ظروف نشأتها في الغرب، رفض محمود أمين العالم القول بالثنائية العدائية بين الأنا والآخر على إطلاقها، ورأى أن هذا القول قاصر، وهو رد ّ فعل عكسي للتمركز الأوروبي على الذات بتمركز قومي على الذات كذلك، معتبراً أن الأنا والآخر هما امتداد عضوي لإنسانية واحدة، تعاني اليوم هموماً حضارية مشتركة. ولهذا، فإن تأكيد الأنا لذاتيتها لا يكون بالتحرر من الآخر من حيث هو آخر، وإنما يكون بالتحرر من بعض سمات هذا الآخر، أي من حيث هو مسيطر، مستعمر، عنصري. ولا يعني الاقتناع بوجود حضارة عالمية واحدة، تخضع اليوم لسيطرة النظام الرأسمالي العالمي، طمس الخصوصيات القومية والثقافية، وإنما يفترض السعي من أجل أن تصبح هذه الخصوصيات جسوراً للإغناء الحضاري المشترك.
وماذا عن علاقة بلداننا العربية بالحداثة؟
لدى إجابته عن هذا السؤال، أشار محمود أمين العالم إلى أن الحداثة قد دخلت المجتمعات العربية مع المطبعة والقطار، ثم أخذت مظاهرها تغمر البلدان العربية، لكنه لاحظ بأن هذه الحداثة لم تكن ثمرة تطوّر داخلي، وإنما فُرضت من الخارج ونمت معها ركائز اجتماعية محلية، لكن دون أن يعني ذلك –كما أضاف – أن الحداثة مرادفة للاستعمار. وعلى قاعدة الفصل الذي أقامه بين حداثة برّانية، من جانب، وحداثة جوّانية، من جانب آخر، اعتبر العالم أن الحداثة الجوّانية، الحقيقية، لن تتحقق في المجتمعات العربية من دون تغيير جذري لمختلف الأبنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.


منتدى ليلاس

الفكر العربي بين السلفية والعلمانية:
في إطار تحليله لمواقف التيارات المختلفة التي برزت تجاه إشكالية التراث والعاصرة، عالج محمود أمين العالم مواقف التيار السلفي، بشقيه "الجديد" و "المتزمت". فعرّف، بداية، السلفية بأنها نزعة دينية تتخذ من العودة إلى الأصول، ومن الاستئناس بتراث الماضي، معياراً أساسياً لتقويم الحاضر ومواجهته وصياغة المستقبل. وأشار إلى أن الحركة السلفية، في تجلّياتها الواقعية، تختلف فيما بينها على مستوى الممارسة العملية والتوّجه الفكري، الأمر الذي يجعل من الممكن القول بعدم وجود سلفية واحدة. ففي حين أصبحت بعض الحركات السلفية –كما تابع- أدوات لتكريس التخلف وتعميق التبعية، نجد أن حركات سلفية أخرى سعت إلى التمرد على واقع التخلف والتبعية، واتسمت بنوع من التفتح والاستنارة على المستوى الفكري. وإلى هذا النوع الثاني من السلفية، نسب العالم من أسماهم ب "السلفيين الجدد"، الذين ظهروا، أساساً، بين صفوف المثقفين العرب في ظروف تفاقم الواقع العربي وبعد فشل المشروعات التغييرية السابقة، وانتقل بعضهم إلى مواقع السلفية من مواقع فكرية أخرى، قومية أو ليبرالية أو حتى يسارية.
ويتفق "السلفيون الجدد"، كما رأى العالم، على رفض الغرب ويدعون إلى التخلص من الوافد الحضاري الغربي واستعادة الموروث الحضاري الإسلامي، لكنهم يختلفون فيما بينهم حول سبل تجاوز أزمة الواقع العربي، حيث يركّز بعضهم على ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية وفق أصولها، في حين يدعو بعضهم الآخر إلى الاستناد إلى العلم ولكن بعد إقامته على أسس معتقدية إسلامية، والسعي إلى تحقيق تنمية مستقلة بالاعتماد إلى الذات. بيد أن مشروع "السلفيين الجدد" عموماً لا يخرج، في نظر العالم، عن أن يكون مجرد دعوة يوتوبية قومية دينية تمثّل – في أفضل حالاتها – ردّ فعل على المرحلة المتردّية التي يمر بها الواقع العربي، ومحاولة للبحث عن مخرج جديد بعد فشل المشاريع الليبرالية والقومية ولتقديم فكر بديل عن الفكر الاشتراكي. فالدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، كحل للخروج من واقع التبعية، تتغافل –كما أكد- عن حقيقة أن التشريع هو تعبير عن علاقات اجتماعية وإنتاجية سائدة، وأنه ليس بالتغيير التشريعي وحده يتغيّر المجتمع. أما الحديث عن التنمية المستقلة المعتمدة على الذات بشكل مجرّد فهو يلغي –كما تابع- المضمون الاجتماعي للتبعية ويتعامل معها بوصفها علاقة بالخارج وليس بنية داخلية، سياسية واقتصادية وإيديولوجية، تشكّل أساساً قاعدة لهذه العلاقة بالخارج، فضلاً عن أنها تتكرّس بهذه العلاقة.
وربط محمود أمين العالم، من جهة أخرى، بروز التيار السلفي "المتزمت" بتبلور ظاهرة الإسلام السياسي وظهور جماعة "الإخوان المسلمين " على مسرح الأحداث، وكذلك بالدعوة إلى التمسك بالأصول الدينية – كآيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية – في نصوصها، والسعي إلى تطبيقها على الواقع الراهن، وعلى شؤون الحياة، بشكل شامل ودون مراعاة للمستجدات والضرورات في هذا الواقع. وعلى الرغم من التنوّع داخل هذا التيار، بين تعبيرات "معتدلة" وتعبيرات "متطرّفة"، إلا أن جميع تعبيراته تلتقي – كما أشار العالم – على هدف واحد هو فرض السلطة السياسية الدينية.
ولدى توقفه عند المراحل التي مرّ بها هذا التيار السلفي "المتزمت"، أشار محمود أمين العالم إلى أن زخم المشروع الناصري على الصعيدين السياسي والإيديولوجي، في الخمسينيات والنصف الأول من الستينيات، قد أضعف من تأثير هذا التيار، إلا أن بعض الثغرات في المشروع الناصري شكّلت منفذاً لإعادة إنتاج إيديولوجيته وتنمية نفوذه الفكري والتنظيمي. وبعد رحيل جمال عبد الناصر، وفي ظل التحوّل إلى سياسة الانفتاح الاقتصادي، شكّل هذا التيار أداة لتهديم النسق الناصري وسنداّ لنظام أنور السادات، ولم يخرج مشروعه –في أرفع صوره- عن إطار تنمية رأسمالية مرشّدة.
وقد أخذ العالم على منهج تفكير الجماعات المنتمية إلى هذا التيار استناده إلى رؤية تماثلية مطلقة بين بداية ظهور الإسلام وبين ما يحدث في عصرنا، كما أخذ على خطابها اتسامه بالجمود والتسطح، ملاحظاً بأن الرفض اللاعقلاني والانفعالي للواقع الذي تعبّر عنه هذه الجماعات، والمواقف المتعصبة التي تتبنّاها، يساهمان في تكريس أوضاع التخلف والتبعية بدلاً من تغييرها، كما يضفيان على السلطات السياسية القائمة مصداقية ومشروعية كمصدر للأمن والاستقرار وإطار للعقلانية والديمقراطية. وبعد أن لاحظ بأن ظهور هذه الجماعات ونموها لا يعبّران عن ظاهرة دينية خالصة بقدر ما يعبّران عن ردّ فعل على الأوضاع المتردّية في البلدان العربية، أكد العالم بأن التعامل مع هذه الجماعات لا يجب أن يكون تعاملاً إدراياً وأمنياً وإنما يجب أن يكون من خلال بلورة رؤسة إستراتيجية شاملة تستند إلى المشاركة الشعبية الديمقراطية، وإلى إشاعة العلم والعقلانية. وبهذاالطريق، ينفتح – كما تابع - باب الحوار المجتمعي على قاعدة احترام الاختلاف والالتزام بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، ونزع فقه التكفير والإرهاب والاجتهاد في تنمية فقه التحرير والتقدم الاجتماعي والتجدد الفكري.
فالمسألة لا تتعلق، كما قدّر العالم، بارتباط الدين بالسياسة وإنما تتعلق بمدى النجاح في أن يتحقق هذا الربط بينهما لمصلحة تغيير الحياة وتجديدها وضمان تقدم المجتمع. وهذا الهدف، هدف التغيير والتجديد والتقدم المجتمعي، هو ما يسعى إليه أنصار العلمانية، التي تعني، بانتسابها إلى الزمانية أو الدنيوية وإلى العلم، التعامل مع الواقع بشكل موضوعي بعيداً عن الأفكار المسبقة والمطلقة. وقد شدّد العالم على أن العلمانية لا تعني أبداً رفض الدين، كما لا تعني النظرة المادية بالدلالة الضيقة النفعية؛ إنها ليست إلا امتداداً للعقلانية في الرؤية والمنهج والسلوك، وتمثّل – على الرغم من إسهام الثقافة الغربية الحديثة إسهاماً كبيراً في تنميتها – تراثاً إنسانياً عريقاً. وهي، إذ تفترض التعدد والتغاير والتطوّر، أصبحت أساساً للديمقراطية ومرتكزاً لها، وباتت، كمنهجية، قادرة على استيعاب أكثر من مشروع اجتماعي واقتصادي وثقافي، تتوحد فيما بينها في الرؤية وإن اختلفت في الأهداف، بحيث يمكن القول إن هناك مشروعاً علمانياً ليبرالياً، ومشروعاً علمانياً قومياً، ومشروعاً علمانياً ماركسياً، ومشروعاً علمانياً إسلامياً.


ولكن لماذا بقيت العلمانية، بهذا المعنى، هشة في مجتمعاتنا العربية؟
عن هذا السؤال، أجاب محمود أمين العالم بأن هشاشة العلمانية، وهشاشة الفكر العقلاني عموماً في حياتنا وممارساتنا، يرجع إلى هشاشة وسطحية التحديث في البنى والهياكل الاقتصادية والاجتماعية العربية، حيث شهدنا –كما تابع- فرض خبرة تحديثية علمانية معيّنة على واقع مغاير، الأمر الذي ساهم في تفجير الإحساس بفقدان الهوية وبالاغتراب، وشكّل مصدراً من مصادر الرفض اللاعقلاني للواقع، وجعل الكثير من الجهود الثقافية التنويرية عاجزة عن تحقيق هدفها المنشود. وخلص إلى أن العلمانية، كما الحداثة عموماً، لن تضرب جذورها في البلدان العربية ما لم يتحقق تغيير تنموي جذري وشامل، يصاحب تحققه ويمهّد له تنوير عقلاني علماني نافذ.


تواضع المثقف الكبير:
في بداية المقالة التي استعاد فيها ذكرياته عن سنوات "التكوين"، ونشرتها مجلة الهلال القاهرية في آذار 1993، كتب محمود أمين العالم: " إن ما أشعر به –عن خبرة ويقين- بعد كل هذه السنوات أنني، وأنا أختم العام الأول بعد السبعين من عمري، لا أزال أتكوّن، لا أزال أحتاج إلى مزيد من الخبرة والتكوّن"، ثم أضاف: "هذا هو تكويني الذي هو التكوّنن المتصل المتجدد – لو صح التعبير – وليس التكوين النهائي. هناك بغير شك مغالاة فيما أقول. فثمة ملامح لشخصيتي قد تحددت بالفعل، أردت أم لم أرد، وثمة رؤيا إنسانية وثقافية قد تبلورت وإن لم أقل إنها استقرت وجمدت نهائياً. هل يمكن القول – خروجاً من هذا الإشكال- بأن حياة الإنسان هي مزيج من الكينونة والصيرورة، من الثبات والتغيّر، وأن بين هذين الطرفين جدلاً حياً متصلاً لا ينقطع أبداً؟. لعل هذا أن يكون أقرب إلى الصواب؛ فالحق أنه لا نهاية ولا حدود للتكوين والتكوّن، وللتجديد والتجاوز، في تاريخ الفرد أو في التاريخ الإنساني العام". ولم يكتفِِ هذا المثقف الكبير بالتأكيد على أنه في حالة تكوّن متواصل، بل امتلك دوماً شجاعة اللجوء إلى النقد الذاتي والقيام بمراجعة نقدية لمواقفه، كلما رأى الحاجة إلى ذلك.
وختاماً، فقد رحل عنا محمود أمين العالم بعد مسيرة نضالية وفكرية حافلة، قضاها في مناصرة المحرومين، وفي السعي إلى نشر قيم التقدم والاشتراكية، وتأصيل العقلانية والديمقراطية والإبداع في حياتنا العربية. ويحق لليسار المصري أن يفخر بأنه قدم لمصر وللعرب هذه القامة الفكرية والنضالية الكبيرة.

4shared.com - document sharing - download ظ…ظپط§ظ‡ظٹظ… ظˆظ‚ط¶ط§ظٹط§ ط§ط´ظƒط§ظ„ظٹط© - ظ…ط*ظ…ظˆط¯ ط§ظ…ظٹظ† ط§ظ„ط¹ط§ظ„ظ….pdf

 
 

 

عرض البوم صور tarana   رد مع اقتباس

قديم 14-04-10, 07:24 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
نور ليلاس


البيانات
التسجيل: Nov 2006
العضوية: 15929
المشاركات: 1,708
الجنس ذكر
معدل التقييم: بدر عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 21

االدولة
البلدJordan
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
بدر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : tarana المنتدى : كتب الأدب واللغة والفكر
افتراضي

 

يسلمو الايادي و جهدك مشكور , و إضافة رائعة للمحمود , الأمين , العالم

كتابه "ثلاثية الرفض و الهزيمة" , إن كان متوفرا فلا تبخلي علينا به , كان عندي و لا أجده الان . شكرا لك.

 
 

 

عرض البوم صور بدر   رد مع اقتباس
قديم 18-04-10, 01:28 AM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 62716
المشاركات: 46
الجنس ذكر
معدل التقييم: mohamed charif عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدMorocco
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
mohamed charif غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : tarana المنتدى : كتب الأدب واللغة والفكر
افتراضي

 

مشكورة أختي الكريمة

 
 

 

عرض البوم صور mohamed charif   رد مع اقتباس
قديم 18-04-10, 02:21 PM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2006
العضوية: 13121
المشاركات: 14,020
الجنس ذكر
معدل التقييم: dali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسي
نقاط التقييم: 4990

االدولة
البلدCuba
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
dali2000 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : tarana المنتدى : كتب الأدب واللغة والفكر
افتراضي

 

اقتباس :-   المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بدر مشاهدة المشاركة
   يسلمو الايادي و جهدك مشكور , و إضافة رائعة للمحمود , الأمين , العالم

كتابه "ثلاثية الرفض و الهزيمة" , إن كان متوفرا فلا تبخلي علينا به , كان عندي و لا أجده الان . شكرا لك.

مرحبا

شفته بالصدفة ،،تم توفيره على هذا الرابط(:

محمود أمين العالم , مجموعة كتب

قراءة موفقة استاذ بدر

 
 

 

عرض البوم صور dali2000   رد مع اقتباس
قديم 21-04-10, 10:49 AM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Oct 2006
العضوية: 15334
المشاركات: 572
الجنس ذكر
معدل التقييم: essam mohamed عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
essam mohamed غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : tarana المنتدى : كتب الأدب واللغة والفكر
افتراضي

 

شكرا جزيلا لك

 
 

 

عرض البوم صور essam mohamed   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
1989, محمود امين العالم, مفاهيم وقضايا اشكالية, دار الثقافة الجديدة
facebook




جديد مواضيع قسم كتب الأدب واللغة والفكر
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 04:22 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية