لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات عبير > روايات عبير المكتوبة
التسجيل مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات عبير المكتوبة روايات عبير المكتوبة


حياتي احترقت - ليليان بيك - روايات عبير الجديدة ( كاملة )

مساء الخير جميعا و كل عام وانتوا بخير من فترة و انا دخولي للمنتدى جدا قليل للظروف... بس اليوم جايبة لكم رواية رائعة من عبير الجديدة اتمنى تنال

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (4) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-09-09, 07:55 PM   4 links from elsewhere to this Post. Click to view. المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 64394
المشاركات: 246
الجنس أنثى
معدل التقييم: redroses309 عضو على طريق الابداعredroses309 عضو على طريق الابداعredroses309 عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 217

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
redroses309 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : روايات عبير المكتوبة
A0aa585061 حياتي احترقت - ليليان بيك - روايات عبير الجديدة ( كاملة )

 

مساء الخير جميعا
و كل عام وانتوا بخير
من فترة و انا دخولي للمنتدى جدا قليل للظروف...
بس اليوم جايبة لكم رواية رائعة من عبير الجديدة اتمنى تنال على اعجابكم و راح انزلها كاملة و انا متأكدة انها مو موجدة لأني دورتها و مالقيتها ضمن الروايات المكتوبة المكتوبة


و هذا الملخص....



حياتي احترقت لـ ليليان بيك
من روايات عبير الجديدة


الملخص

كان كلام السيدة دونيكان واضحا: " إذا تزوجتما خلال ستة أشهر ، فهذا المنزل الفخم و الثروة الكبيرة سيكونان لكما ، منتدى ليلاس و إلا فلن تحصلا على شيء".
و سافرت العمة العجوز ، لكن شرطها بدا مستحيلا ، فكيف يجتمع النقيضان؟
هو: رجل أعمال ناجح واقعي ، يحتقر الفنانين و ... يكره النساء.
هي: رسامة موهوبة حالمة تعيش من أجل لوحاتها. أحرقتها نار حبه حتى أطراف أصابعها ، و لكنه لا يهتم بها إطلاقا. و مهلة الستة أشهر شارفت على النهاية و على أحدهما أن يرحل ، إلا إذا توصلا إلى اتفاق...

**************************

 
 

 


التعديل الأخير تم بواسطة Rehana ; 02-01-15 الساعة 04:12 PM سبب آخر: تعديل اسم رواية الاصلي
عرض البوم صور redroses309   رد مع اقتباس

قديم 23-09-09, 07:57 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 64394
المشاركات: 246
الجنس أنثى
معدل التقييم: redroses309 عضو على طريق الابداعredroses309 عضو على طريق الابداعredroses309 عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 217

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
redroses309 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : redroses309 المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

الفصل الأول


و قضمت العجوز من الخبز قضمة كبيرة و تمتمت:
-من دونه ، أشك في قدرتي على تكديس الثروة التي أمتلكها أو في التأثير الذي لي على العديد من دوائر العمل.
و ضحكت بليندا ، منتدى ليلاس و تناولت قطعة من الخبز بدورها و قالت:
-لقد قابلت اشخاصا أضخم جثة منك سيدة دونيكان.
و حثتها السيدة دونيكان قائلة:
-ضعي المربى و الزبدة على قطعة خبزك يا عزيزتي و لا تخافي. فأنت تعرفينني جيدا و تعرفين أنني لا أمانع.
و هزت بليندا رأسها و قالت:
-إنه لطف منك ، و لكن لا يجب علي أن أفعل ، فسيجعلني هذا سمينة ، و من سمع من قبل بفنانة سمينة؟ سيفسد هذا شكلي. فالمفروض بالفنانين أن يبقوا جائعين لا أن يسمنوا بالمربى و الزبدة.
-سيستلزم الأمر كثيرا لتسمني أيتها الشابة ، فأنت نحيلة ، و جميلة و جسدك متناسق بطبيعته. و طباعك حلوة غير أنانية تتناسب مع جمال شكلك.
و نظرت بليندا إلى الأعلى نحو وجه رفيقتها:
-أتمنى أن لا تسافري سيدة دونيكان. فأنا أفضل أن أحتفظ برفقتك على أن أحتفظ بمالك أو منزلك ، أو حتى أن أشارك فيه.
-هذا إطراء زائد يصدر عن فتاة شابة لإمرأة عجوز. و لكنني قد أتخذت قراري ، و سأهاجر.
و قطبت بليندا جبينها و وضعت آخر قطعة خبز في فمها ، و نفضت يديها:
-هل أنت متأكدة من أن حفيد أخيك سيكون متعاونا؟
-أنا واثقة. واثقة تماما... و لماذا؟ لأنني أمرته بذلك ، و لم أطلب منه و لأنني عندما آمر شخصا بشيء ، حتى و لو كان عنيدا و رأسه يابس مثل حفيد أخي في تعامله التجاري ، فهم عادة ينفذون ما أريد ، و كما ترين فإن حفيد أخي قد ورث الكثير من عناد عمته العجوز!. لقد كتبت له و أعلمته بالوضع. و سيعود اليوم من الأرجنتين. و يستطيع أن يحتج قدر ما يريد ، لقد أبلغت المحامين و وقعت على الوثائق التي أعطي بموجبها هذا المنزل له و لك لتتشاركا به على الدوام. و سيكون ملككما معا ، و أرجو أن تنتبهي لكما معا و ليس لنفسك فقط.
-ولكن سيدة دونيكان ، عندما تعودين إلى إنكلترا أين ستسكنين؟
-لن أعود إلى إنكلترا. سأقضي بقية أيامي في نيوزيلندا مع شقيقتي.
و أظهرت بليندا بعض الإعتراض إلا أن المرأة العجوز أمسكت بيدها:
-لنواجه الأمر. أنا عجوز و أيامي تكاد تكون معدودة. و لا أستطيع تحمل سوى رحلة واحدة بإتجاه واحد ، و عبر العالم مباشرة ، و لن أستطيع بعد خمس ، أو لنقل عشر سنوات إذا كنت محظوظة أن أتحمل رحلة العودة.
-و لكنك ستحتاجين لمالك سيدة دونيكان.
و ابتسمت في وجه بليندا:
-هل حقا تريدين التحدث معي حول كمية المال التي تركتها لك؟ لن أحتاج إلى مالي. فشقيقتي أرملة ثرية مثلي ، يبدو أن هذا إرث في العائلة! و سيكون عندنا من المال أكثر ، بل أكثر بكثير ، مما نحتاجه في أواخر أيامنا.
ضغطت السيدة دونيكان على زر قرب المدفأة فأقبلت إمرأة مسنة و لكن أقل عمرا من مخدومتها ، و أنحنت مبتسمة للعجوز ثم لبليندا التي كانت تضع الأطباق في الصينية و قالت:
-لا تزعجي نفسك يا آنسة.. هذا عملي أنا...
و سألتها بليندا:
-هل أنت تواقة للذهاب إلى نيوزيلندا يا ليديا؟
-كثيرا جدا يا آنسة ، فلم أغادر إنكلترا من قبل.
و قالت إيلين دونيكان:
-و بما أننا سنسافر بحرا ، فسنشاهد الكثير من العالم في الطريق...
و وقفت بليندا و قالت:
-إعذريني سيدة دونيكان؟
-طبعا يا عزيزتي.. فلديك عملك. و أنت مشغولة ، تماما كما حفيد أخي مشغول بعمله ، و لا وقت أمامكما لأي شيء آخر ، و لا تشغله إمرأة في حياته ، على الأقل لا يتكلم عنهن. و لكن لا أعتقد أنه يقول لعمته الكبيرة كل شيء!
كلما دخلت بليندا الغرفة الكبيرة التي تدعوها المرسم تشعر بالنشاط. و بسبب كرم السيدة دونيكان الذي لا يصدق ، تستطيع أن تعتبر المرسم مرسمها الآن. فلم تعد تشغله إعارة أو إمتيازا ، و لكنه أصبح هبة.. نصف المنزل الآن ملكها... و لا يهمها واقع أن يشاركها فيه رجل لا تعرفه ، حسب وصف عمته له طبيعة مسيطرة و صعبة و غير مرنة. لكن لا بد أن يكون عنده بعض الصفات الإنسانية. و يجب عليهما أن يتوصلا إلى إتفاق ما بينهما بالنسبة لإدارة هذا المنزل... و قد أوحت السيدة دونيكان ، أن له مركز مرموق في عالم الصناعة ، كونه مدير قسم في شركة إليكترونيات عالمية. و قالت عنه:
-إنه قاس في تعامله التجاري. و أي رجل عند القمة يجب أن يكون هكذا. لا لكي يصل فقط إلى القمة بل حتى يبقى فيها.
و أخذت أدوات التلوين و بدات تخلط الألوان و هي تفكر... ترى كيف يبدو في تعامله مع الناس؟ ستعرف في القريب العاجل ، إذ يتوقع وصوله في أي وقت من هذا اليوم. لا بد أنه قطع آلاف الأميال من الأرجنتين إلى لندن ، و سيمضي ليلته هناك قبل أن يستقل سيارة أجرة إلى دير بشاير ، حيث سيمارس عمله الجديد هنا.
و سمعت صوت سيارة تدخل الممر الذي يقود إلى مدخل المنزل و أسرعت نحو النافذة التي تطل على الممر. و كل ما أستطاعت أن تراه كان شعر رأسه الأسود ، و عرض كتفيه ، و بقية طول جسده من الزواية التي تستطيع الرؤية منها. حركات الرجل كانت سريعة و ثابتة ، أخرج معطفه و حقيبته الصغيرة من السيارة و أغلق الباب ، و فتح الصندوق و أخرج حقيبتين منها في لحظات. و كأنما القادم الجديد في سباق دائم مع الوقت ، و يبدو أن الوقت هو الخاسر الدائم معه.
و لم تنزل بليندا إلى الأسفل ، فقد شعرت بالخجل من لقاء الرجل الذي ستكون شريكة له في ملكية هذا المنزل القديم و الجميل ، و شعرت بالخوف أيضا. فقد تكون شخصيته من الصعب التفاهم معها. و هي في حالتها هذه دخيلة و هو عضو من العائلة ، و الأفضل أن تحتجب عن المسرح و أن تستأجر مكانا تعيش فيه أو أن تعود إلى منزل والدتها الصغير ، و تجد لنفسها عملا بالقرب من هناك ، و قرعت ليديا باب المرسم قائلة:
-السيدة دونيكان تريدك يا آنسة. السيد غاردنر وصل و تريدك أن تقابليه!
و أخذت تنظف الدهان عن يديها ، ثم أخذت مشطا عن طاولة الزينة ، فقد كان المرسم أيضا غرفة نومها ، زودتها مضيفتها فيه بسرير و عدة أدوات راحة أخرى ، و مشطت أطراف شعرها الطويل ، الذي طالما وعدت نفسها بأن تذهب إلى الحلاق لتقصه ، و لكن دون أن تجد الوقت الكافي.
هل تغير ثيابها؟ لقد كانت ترتدي ثياب العمل العادية ، و تبدو في كل مظهرها كفنانة حقيقية. و إذا كان يحب الفنانين ، فإنها تبدو رائعة ، و لكن ماذا إذا لم يكن؟..
إنه لا يحب الفنانين. تستطيع أن ترى هذا بوضوح في قسمات وجهه الأسمر القاسي ، الوسيم و عيناه الضيقتان. و كان طويلا أيضا ، و شعره كثيف و قاتم ، و ملابسه فاخرة ، و تصرفاته حادة. و الجو المحيط به هو لرجل ، على الرغم من تودده السطحي ، إلا أنه في الداخل يملك تحت هذه القشرة ذهن متوقد و صافي ، و تحفظ منعزل لا يمتلكه سوى النخبة المحظوظة. و بما أن بليندا لم تكن من النخبة المحظوظة هذه فقد استطاعت أن تلاحظ ذلك على الفور.
على كل الأحوال ، ابتسمت له ، و كان للإبتسامة عدة صفات مختلطة! كانت جميلة ، غير واثقة ، و مع ذلك مرحبة ، و تغطي الإرتبارك الذي ساورها عند مشاهدته. و قالت بثقة بالنفس لم تكن تشعر بها حقا:
-مرحبا سيد غاردنر.
و نظر إلى يدها الممدودة ، ثم نظر إليها ، و للحظة فظيعة اعتقدت أنه سيرفض يدها و يقابلها بالتالي بإزدراء ، و لكن بأدب جم ، حتى و لو ظاهري وضع عدائيته الظاهرة للعيان ، جانبا و مد يده للقاء يدها.
كانت قبضته ثابته ، مصافحة عمل ، ليس أكثر ، و دامت ثانيتين كما خمنت بليندا. و من الغريب كيف شعرت بأنها "عدوته" بالرغم من أنه لم يوجه لها أية كلمة. و قالت السيدة دونيكان:
-غارث.. أليست جميلة؟.. أليست بهية المنظر؟ أليست كل شيء قلته لك؟
-عمتي.. لا يمكن لإمرأة أن تبلغ حد الكمال كما وصفت الآنسة هامر ، بالطبع.. لقد كنتي كمن "يبيعني" إياها. و يحتاج الأمر إلى بائع قوي الحجة "ليبيعني" أية إمرأة. إنهن مفيدات كسكرتيرات ، أو طباخات ، أو ممرضات عندما يكون المرء مريضا. و لكن ما عدا ذلك ، لا أرى أية حاجة ملحة لأن يمتلك الرجل واحدة منهن في حياته.
-غارث.. سفرك إلى الخارج لم ينفعك. لقد جردك من الصفات البشرية. لو أن رجلا يحتاج إلى إمرأة في حياته لتعيد الدم إلى عروقه فهو أنت يا إلهي يا ولد ، أنت في الثالثة و الثلاثين من عمرك ، و مع ذلك تتكلم و كأنك أعزب جاف العاطفة سريع الغضب. و هذا ما يجعلني سعيدة لأن أكون بعيدة النظر بأن أضع الشروط التي وضعتها على المبلغ الهائل من الأموال التي جعلت المحامين يضعونها قيد الأمانة لصديقتي الشابة بليندا هامر.
و سألتها بليندا:
-قيد الأمانة سيد دونيكان؟
-أجل.. قيد الأمانة يا عزيزتي.
-و ما كان قصدك ياعمتي؟ أنت عجوز غريبة الأطوار لا يمكن التنبؤ بنواياك ، و أنا لا أثق بك أبدا..!
-أشكرك يا ابن أخي العزيز... أنت تعني بقولك التوبيخ ، و لكنني أتقبلها و كأنها إطراء لي. أعترف بأنني غريبة الأطوار ، و بثروتي أستطيع أن أكون ما أشاء. و أعترف بأنني لا يمكن التنبؤ بما أنويه ، فأنا على الدوام كنت مسرورة بعمل كل شيء مسرف في الخيال، و هذا سبب قراري بالسفر آلاف الأميال عبر العالم في عمري المتقدم ، الثامنة و السبعين هذا. و لو كنت في مكانك ، لما وثقت أبدا بنفسي أيضا!
و أشارت إلى بليندا التي كانت تقف إلى جانبها ، و دعت ابن شقيقها ليقف إلى الجانب الآخر. و أخذت يديهما و جذبتهما أمامها حتى التقيا و قالت:
-دعني يا غارث أقدمك لزوجة المستقبل بليندا هامر. بليندا هذا غارث غاردنر ، زوج المستقبل...
و ردت عليها بليندا:
-سيدة دونيكان لا يمكن انك تعنين ما تقولين!
و نظرت إليها إيلين ، ثم قال غارث:
-عمتي هذا أمر غير معقول!
و نظرت إليه إيلين أيضا و قالت:
-لقد حذرتك... و لكنني سأكون لطيفة معكما.. سأعطيكما ستة أشهر. إذا تزوجتما ستتسلم بليندا مبلغا محترما من المال كل شهر لمساعدتها في عملها الفني... و ستحصل على مال وفير تصرفه كيفما شاءت!
و قالت بليندا:
-و لكن... إذا لم نتزوج؟
-سيعود مالي إلى عمل خيري مفضل عندي "منزل القطط" أنت تكره القطط ، أليس كذلك يا غارث؟ و حصتها في المنزل ستعود إليك و عندها ستضطر هي إلى مغادرة المنزل.
و قاطعتها بليندا:
-و لكن سيدة دونيكان.
-آسفة يا عزيزتي ، قد يبدو علي أني لطيفة ، و لكن في داخلي ، أنا قاسية و عجوز مزعجة. و أحب أن أفعل ما أريد ، حتى و لو عنى ذلك الإساءة للناس. و حفيد أخي ورث أخلاقي ، لذلك أحذرك عندما تتزوجان...
و صرخ غارث بالكلمات من بين أسنانه:
-لن يكون هناك زواج! إنه أمر مناف للعقل! أنت مجردة من الضميرّ!
-و أنت كذلك يا غارث... مثل الميل إلى الزواج من الرجال الأثرياء و وراثتهم بعد موتهم... مثل شقيقتي أتذكر؟... مثل هذه القسوة وراثة عائلية، و لا تستطيع أن تحتج يا غارث. فأنت تملك ما ورثته من العائلة من أخطاء. و أنا أتكلم معك بطريقتك: إما أن تتزوج هذه الفتاة ، و تأخذ المال مقابل الجمال و الذكاء و العاطفة ، و هذه أشياء لا تملكها أنت ، و تعطيها فرصة للعيش الهنيء ، إذا لم يكن الباذخ ، لما تبقى من حياتها ، أو أن لا تتزوجها و ستعود إلى ما كانت عليه من الفقر و التشرد قبل أن أضمها تحت جناحي. و إذا تركت هذا البيت ، لن يعود عندها بيت تلجأ إليه.
-لن يكون هناك زواج!
و ارتجفت شفتا بليندا لعنف لهجته و قالت:
-لا أريد أن أتزوج سيدة دونيكان ، خاصة إلى... إلى...
-لا يا عزيزتي... لا تستطيعين وصفه إنه جلف فظ ، إنه غير متمدن ، إنه.. إنه.
و ارتجف صوتها و اختنق ، و أسرع غارث ليقف أمامها و يمسك بيدها:
-أنا آسف يا عمتي... أعتذر ، أعتذر بكل إخلاص... و لكن يا عمتي... الوضع مستحيل ، و يجب أن تعرفي هذا. لم أشاهد هذه الفتاة سوى منذ دقائق.. لا أستطيع أن أضع "السرج" على ظهري...
-تضع "السرج"! مع مثل هذه الساحرة ، المحببة الجذابة..
فاستدار و نظر إلى بليندا:
-لا شك أنها كذلك. فصديقتك الشابة ، قد سوقت نفسها لك بقدرة و خبرة بائع قدير. و كيف تعرفين أنها صادقة ، و أن البضاعة التي باعتها لك ليست زائفة.. ثانوية... و مستعملة؟
و تصاعد الدم في وجه بليندا و قالت بغضب:
-أرجوك المعذرة سيدة دونيكان.. لدي أعمال أريد أن أنهيها!
-طبعا يا بليندا..
و التفتت إلى غارث:
-هذه الفتاة متعصبة لعملها. إنها مشغوفة به.
-و هذا ما يجعلنا إثنين من نوع واحد ، على الأقل أصبح لدينا شيء مشترك و هو محبة أعمالنا.
و نظرت إليه بليندا من عند الباب و قالت:
-و هذا شيء ضئيل جدا سيد غاردنر.
و إبتسم بسخرية و استدار إلى عمته:
-لو أننا وافقنا على إقتراحك السخيف بأن نكون رجلا و زوجته ، على الأقل لن نضطر لأن نقف في طريق بعضنا البعض. سأكون منشغلا حتى أعلى رأسي بالعقود و المشاريع و اللقاءات و ستكون هي في مرسمها منشغلة تماما برسم خيبتها و صدمتها و اضطراباتها العصبية على الكانفا ، و الورق أو أي شيء يستخدمه الفنانون هذه الأيام.
و أجابته بليندا:
-شكرا لك لتخفيضك مستوى قدراتي الفنية و مهنتي إلى درجة الإضطرابات النفسية. و إعذرني لقولي هذا ، و لكن مع أنك قد تمتلك الذكاء لتحويل نفسك إلى "ملك أعمال" فأنا أشك في إمتلاكك الإحساس الضروري لتعجب بعمل فني حتى و لو شرح لك بالكلمات.
أنا أرسم لأريح نفسي من التوتر العصبي. أنا أرسم لأني أحب الرسم ، و لأنه لا يوجد شيء بداخلي ، لا قوة غير مسؤولة تدفعني و لا تتركني لأرتاح. و أنت بما أنك رجل في القمة لا بد تعرف عن القوى الدافعة و التي تعطينا شيئا مشتركا أيضا!...
و صفقت الباب وراءها ، و سمعت من وراءه ضحكات سيدة المنزل التي كانت تطلقها برضى و سرور...
وقف غارث غاردنر في منتصف غرفة المرسم ، و يداه في جيوبه يتحدث إلى بليندا:
-ماذا سنفعل بخصوص الموضوع؟ لقد دفعت عمتي إلى هذه النهاية أليس كذلك؟
-لا بد أنني في نظرك مصابة بداء عصبي سيد غاردنر ، و لكنني لم أصل إلى هذا المستوى من الجنون. لا بد أنك لم تأخذ فكرة عمتك على محمل الجد؟
-و هل تأخذينها أنت؟
-بالطبع. لا...
-هل لديك أصدقاء شبان؟
-واحد أو إثنان.
-هل هناك واحد خاص؟
-ربما ، على كل ماذا يعني لك هذا لو أن عندي صديق؟
و إبتسم بسخرية و إتكأ على حافة النافذة:
-أريد أن أعرف مدى المنافسة التي سوف أواجهها ، و كم من منافس يجب أن أتغلب عليه لأكسب "الجائزة".
-لا تهتم ، فالإتفاق لاغي ، بالنسبة لي لم أفكر به أبدا. إعطني فقط ستة أشهر هنا و هذا كل ما أطلبه. و بعدها سأجد مكانا آخر أعيش فيه.
-و تتخلين عن المال؟
و عضت شفتها و لم تجب. و أخذ يتجول في الغرفة ، يحدق بالصور غير المكتملة ، و الرسمات البدائية المنتشرة على الأرض ، و التي أخذ يرفسها برجله ليديرها أو ليزيحها لينظر إليها. و التقط بعض طين الخزف ثم رماه من يده و نظفها بمنديله. ثم تقدم إلى جانبها يراقب ضربات فرشاتها على اللوحة.
-هل هذا ما تفعلينه طوال اليوم؟ تستغلين عمتي كممول لك ، تقدم لك كل إحتياجاتك ، و ليذهب كل العالم إلى الجحيم؟
-أنا مدرسة ، إنني أدرس الفنون في مدرسة محلية كبيرة ، لهذا ترى أن لدي بعض من التفكير ، مع صغره ، و لكنه كاف لأن أكسب معيشتي و أهتم بنفسي حتى النهاية.
-نهاية ماذا؟
-نهاية أيامي حتى لا يضع السرج على ظهري رجل.
-بكلمة أخرى ليس لديك النية أن تلتزمي برغبات عمتي؟ و في هذه الحالة لن تحصلي على مالها. كم أنت بحاجة لهذا المال؟
كم هي بحاجة لهذا المال؟ بحاجة إليه كثيرا ، و بيأس. من أجل والدتها و ليس من أجلها شخصيا. و لكن لو قالت له الحقيقة ، سيعتبر أن ذلك بمثابة وضعه أمام أمر واقع ليتزوجها ، و ليريح والدتها من متاعبها المالية الكبيرة.
عليها أن تعترف أنها بحاجة إلى المال. و لكن ثمن الوصول إليه كان أكبر من أن تتحمله ، حتى و لو كان سيريح والدتها من الحمل حتى لا تعمل بعد الآن.
و لكنها تعلم أن عليها أن لا تدفع هذا الرجل ليكون مجبرا على الزواج منها أبدا. إنه قاس و لا رحمة في قلبه ، هكذا قالت عمته ، و صلب في مبادئه ، و ما عليها إلا أن تنظر إليه لتعرف هذا. و إذا اقتنع بتنفيذ أمر ما فلن يتردد في الوسائل التي توصله إليه. و إذا كان بزواجه منها سيقوم بعمل خير لوالدتها ، فلن يتردد بالزواج منها. و لكن فكرة الزواج من هكذا رجل أرعبتها. لذا قررت أن تلعب أوراقها بمهارة. فقالت:
-إنني أريد المال برغبة كبيرة.
-لمن تريدينه؟
-و لمن غيري؟ سيكون مالي ، و سأحتفظ به! سأستخدمه لدفع عملي ، و لكي أتحمل المنافسة ، سأصرفه على الثياب ، الثياب المكلفة الجميلة ، و سأشتري سيارة ، ليس سيارة صغيرة بل كبيرة ، و أتباهى بها على زملائي في المدرسة...
و تحرك عن النافذة ، و وقف في وسط الغرفة ينظر إليها قائلا:
-شكرا آنسة هامر لأنك قلت لي هذا... و أيضا لإظهار جزء من شخصيتك لي ، و التي أبقيتها مخفية عن عمتي.. ماذا قالت؟ حلوة.. مرحة ، جميلة المظهر ، ذكية و عطوفة؟ يا إلهي ، لا تعرف عنك سوى القليل لتقوله لي! و قد أستخدم كلمات بدائية لأصفك. كلمات مثل جشعة و و محبة للمال و أنانية بكل ما في هذه الكلمات من معنى!
و التقت عيناهما ، عيناها واسعتان غير مصدقتان ، و عيناه ضيقتان فيهما إزدراء ، و خرج من الغرفة. إذا.. ها هو الآن يحتقرها لجشعها و أنانيتها و هو تماما ما قصدت إليه ، لن يتزوجها بعد الآن بالتأكيد. و هذا ما أرادته.
و اختار غارث قسما منفصلا من المنزل لأستخدامه الخاص ، غرفة نوم كان يستخدمها في الماضي ، و غرفة جلوس كانت تعرف بغرفة الإحتفالات. و غرفة الطعام الكبيرة التي رفضت بليندا أن تشاركه بها.
و هناك غرفة أصغر منها ملاصقة لغرفة جلوسه اقترحت السيدة دونيكان أن تستخدمها كغرفة طعام و أصبح مفهوما أن بليندا إضافة إلى المرسم الذي تشغله ، سوف تستخدم الغرفة الملاصقة له كغرفة نوم.
كما أن هناك مطبخ كبير في الناحية الخلفية للمنزل ، و على الرغم من أنه مزود بأحدث الأدوات إلا أنه لا زال يحتفظ بطرازه القديم. و تم الإتفاق على أن يستخدمانه مشاركة و بالتساوي. و قال غارث إنه سيحضر طعامه بنفسه ، مما أدهش بليندا ، إلا أنه أجاب أنه يفعل هذا عن قصد حتى يزيل أي حاجة للمرأة في حياته. فاحتجت عمته قائلة:
-لا لزوم لهذه الفظاظة..
و سألته بليندا و قد ظنت أنها تمكنت منه:
-و ماذا بشأن الغسيل؟
-أستخدم الغسالة ، أو الأفضل أن أرسل ملابسي إلى المصبغة ، فتعود إلي نظيفة و مكوية و موضبة ، أفضل من عمل أية إمرأة ، و أية زوجة...
فقالت بليندا:
-يا إلهي من ستتزوجك سيكون أمامها مهمة صعبة ، سوف تمزق نفسها لتستطيع العيش بمستواك...
و أجابها:
-لن تتزوجني أية إمرأة.
و تدخلت عمته:
-غارث! ستغير رأيك. يجب ذلك ، و إلا سيثقل هذا ضميرك لما تبقى من حياتك ، لأنك عامدا متعمدا ستحرم هذه الفتاة من إستلام الهبة التي حضرتها لها.
-و أنت يا عمتي عامدة متعمدة حضرت لي فخا لتدفعيني للزواج ، و لن تستطيعي إنكار هذا!
-لن أنكره ، و طبعا فكرتي تناسب ما في ذهنك ، فأنت بحاجة إلى ترويض أيها الفتى ، و إمرأة وحدها ، جميلة و كاملة تستطيع...
-لا تقولي هذا يا عمتي ، ليس هناك من لها هذه الصفات في هذه الأيام ، و بالتأكيد لن تكون فنانة قادرة على ادعاء مثل هذه الصفات الحميدة القديمة الطراز...
و لم تتابع العمة الموضوع ، و لكن بليندا كانت تعرفها جيدا لتعلم أنها مستاءة من تصرفات حفيد أخيها غير المحتملة ، و لكن هذا أسعدها. فلم تكن تريد أن تتزوج هذا الرجل. و عزت نفسها بأنها لو لم تحصل على المال ، فإن أمها لن تستفقد الراحة المالية لأنها لا تعرفها أصلا.
و تركتهما السيدة دونيكان لوحدهما ، فقال غارث:
-آمل أن تتذكري الأوقات التي أستخدم فيها المطبخ آنسة هامر..
-لا تقلق سيد غاردنر. سأتذكر، فعقاب النسيان سيكون فظيعا!
و ضحك و تحول وجهه الوسيم القاسي القسمات إلى وجه دافئ. و كان لهذا التحول تأثيره على سرعة نبضات قلب بليندا. و فكرت: الرجل من جنس البشر على كل الأحوال! و لكن هذه المظاهر البشرية لم تدم طويلا و عاد إلى سخريته عندما قالت له:
-ليس لدي نية الصدام معك بأية طريقة. في الواقع سأكون مسرورة لو تدبرنا أمرنا بحيث لا نلتقي حتى على مسافة للكلام.
-هل وجودي ثقيل عليك؟ إذا الشعور مشترك آنسة هامر! أرجوك أن تبقي بعيدة عن طريقي ، فأنا رجل مشغول دائما ، و لا أستطيع إبقاء باب مكتبي مقفلا و أنا في مثل هذا المركز و سأمضي معظم امسياتي في غرفة المطالعة على مكتبي. و كل ما أطلبه منك الهدوء ، و إذا كنت ستشاهدين التلفزيون أو تستمعين للراديو ، فأخفضي الصوت قدر المستطاع ، و سيكون كل شيء على ما يرام.
و إبتسمت متحدية:
-و إذا لم أفعل؟
و قطب محدقا بعينيها الزرقاوين الواسعتين فأردفت:
-لن تستطيع طردي... أليس كذلك؟
-أستطيع أن أقابل الأذى بمثله آنسة هامر ، فلدي وسائلي الخاصة. و قد أكون أكره النساء ، و لكن معرفتي بهن أكبر مما تعتقدين. فلا يزال لهن مكان في حياتي ، مع أن هذا المكان صغير . و إذا احتجتهن للعمل ، أستخدمهن ، و إذا احتجتهن للمتعة ، أعرف أين أجدهن. إذاً.. إذا أزعجتيني زيادة أو دفعتيني زيادة ، فيجب أن تعرفي ماذا ستتوقعين...
و إبتسمت له بعذوبة:
-لقد أخفتني سيد غاردنر ، لقد جعلتني أرتجف.
و تقدم نحوها خطوة بطيئة متعمدة ، فأسرعت للخروج و أغلقت الباب وراءها ، ثم فتحته ثانية و قالت:
-أحيانا أكون إجتماعية جدا ، فأقيم الحفلات الصاخبة للعديد من أصدقائي. و معظمهم فنانون ، و عندما تستحوذ عليهم روح الحفلة ، لن تستطيع إسكاتهم.. أنا آسفة.
و أغلقت الباب ، ثم فتحته ثانية لتقول:
-سنرحب بك دوما إذا انضممت إلى حفلاتنا.
و أقفلت الباب و هربت إلى غرفتها قبل أن يتمكن من الرد.
يوم سفر السيدة دونيكان قالت لابن أخيها إن السيدة هوغند التي تنظف المنزل ستستمر بالحضور مرتين في الأسبوع و لكنه قال:
-لا لزوم لها ، فأنا قادر على أستخدام المكنسة الكهربائية.
-هنا أكثر من دفع ماكنة كهربائية أيها الفتى فوق السجاد. و إذا لم تأتي السيدة هوغند ، فستترك الأمور لبليندا لتجد نفسها تنظف و تنفض الغبار و تلمع الأثاث. و أنا أعرف طرق الرجال.. يقصدون عملا و يبدون بشكل حسن ، و لكن بعد ذلك... و عاملا الحديقة سيستمران في عملهما ، أجرة الثلاثة مع المحامين و سيرسلون لهم أجورهم كل أسبوع.
عند البوابة ، و الخادمة ليديا تنتظر في السيارة ، التفتت إليهما غامزة:
-كل ما عليكما أن تفعلا ، هو أن تتعلما كيف تعيشان معا ، و هذا هو الزواج في الحقيقة.
و ضحك ابن اخيها عاليا و قال:
-لقد قلت لك من قبل ، أنت عجوز ماكرة. و لكن ليس كل حيلك ستنجح ، فلست مستعدا لتغيير عادات حياتي ، بأن أغير معاملتي للنساء و أحمل أعباء زوجة لمجرد أن انقاد إلى حبك للخير الذي في بعض الأحيان تقوده العاطفة فقط.
-أنت عنيد يا غارث. و لكنني أعند منك ، أنا أحب القطط ، و أنت لا تحبها ، و مع ذلك فأنت مصمم أن تستفيد منك القطط ، أليس كذلك؟ و هل ستضع استفادة القطط من الثروة قبل مصلحة هذه الفتاة؟ لا أصدق يا غارث. أعرفك و أنت طفل ، و أنت لست شريرا كما تحاول أن تبدو. إنه ليس شريرا يا بليندا ، حقيقة!
و ضحكت بليندا:
-سيلزمني الكثير لأقتنع بهذا!
-استمع إليها يا غارث ، لقد بدأت بتمزيق صفحات كتابك. لقد قابلت أخيرا من هي ند لك. و لن تجد سهولة في إكتسابها كما تعتقد.
و قال ببرود:
-لن أحاول حتى أن أفعل.
عند البوابة عانقته و طلبت منه أن ينحني لتقبله. و قبلت بليندا و الدموع في عينيها:(redroses309)
-لقد كنتي لي كالحفيدة يا عزيزتي ، لقد كنت عجوزة مزعجة و كنت لطيفة معي ، و شعرت معك بأنني أصغر عمرا. استمري في رسمك و المال الذي ستحصلين عليه مني سيساعدك كثيرا يا عزيزتي.
و هزت بليندا ، رأسها و لم تستطع أن تتكلم فتابعت العجوز قولها:
-قد لا تريني ثانية ، و أنت أيضا يا غارث. دعوني أركما معا. ضع ذراعك حولها. دعوني ارى كيف يبدو منظركما معا لأحمل الصورة في ذهني إلى الجهة الثانية من العالم.
و ببطء محاولا عدم إظهار ضيقه ، أطاعها ، و استجابت بليندا عندما لمسها: (منتديات ليلاس)
-عانقها يا غارث ، لمرة واحدة ، لأجلي أن يا ولدي العزيز ، سأكون مسرورة أكثر مما أستطيع التعبير عنه..
و تمتم:
أنت عجوز ماكرة.
و استدار لبليندا و وضع ذراعاه حولها و جذبها نحوه و وضعت يداها حوله ، وبقيا هكذا ، و بدا لبليندا أنه وقت طويل ، طويل لجعل جسدها حارا و يرتجف إلى أن احترق وجهها(redroses309) بالإرتباك ، ثم الغضب.
لم يكن هناك لزوم لهذة الإطالة ، فلم يكن هذا ما طلبته السيدة دونيكان. لا بد أنه يفعل هذا لمجرد إزعاجها ، و قد نجح. و لكنها علمت أن عليها أن لا تظهر الإنزعاج ، ليس أمام السيدة العجوز التي من الممكن أن لا يرياها ثانية.
و عندما تركها آخر الأمر ، استدارت بليندا مبتعدة عنه بإتجاه العجوز و هي تبتسم ، لتشاهد سرور إيلين الزائد. و قالت العجوز:
-ستة أشهر! كم كنت غبية! كان يجب أن أشترط ثلاثة فقط. هذا ما سيستغرقه الأمر بينكما. لقد أصبحتما في منتصف الطريق إلى الحب بالفعل!
و قالت بليندا بسرعة: منتدى ليلاس
-سيدة دونيكان.. إنه ليس...
و لكن ذراع غارث حول وسطها اشتدت عليها محذرة ، و قال مبتسما:
-قد تكونين على حق يا عمتي إيلين... قد تكونين على حق تماما.
و لوحت العجوز بيدها مترددة ، و أطالت النظر إليهما ، قبل أن تخرج نهائيا من حياتهما...


**************************

 
 

 

عرض البوم صور redroses309   رد مع اقتباس
قديم 23-09-09, 07:59 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 64394
المشاركات: 246
الجنس أنثى
معدل التقييم: redroses309 عضو على طريق الابداعredroses309 عضو على طريق الابداعredroses309 عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 217

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
redroses309 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : redroses309 المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 


الفصل الثاني
عدو النساء

ما أن ابتعدت السيارة عن الأنظار ، حتى أفلت غارث ذراعه من خصر بليندا ، و ابتعدا و أخذا يحدقان ببعضهما.
و تساءلت بليندا في نفسها ، ماذا تنتظر؟ عرض صداقة.. هدنة.. غفران ، غفران عن ماذا؟ ماذا فعلت بحق السماء؟
لم يبدو شيء في عينيه السوداوين المتفحصتين يريحها ، أو يلطف من إضطرابها. بل كان هناك تفحص غير متحيز و غير شخصي لوجهها تبعه تفحص لشكلها. هل يحاول أن يقرر كيف يصنفها ، في سبيل أن يقرر كيف سيستخدمها في المستقبل؟ و بأية صفة.. للعمل.. أو للتسلية؟... هذان هما الوظيفتان التي قال إنه ينظر إلى المرأة من خلالهما في حياته. هل تتناسب مع نظرته للأشياء أم أن عليه أن يخلق لها تصنيفا جديدا يناسبها؟
و استدار نحو المنزل و أخذ يقرأ بسخرية الكلمات المنقوشة على أعلى مدخله و المطلية بالذهب:
-من قدر له أن يدخل هذا البيت عليه أن يتخلى عن عدوانيته و أن يفرد جناح الإلفة و المحبة.
و نظر إليها بسخرية قائلا:
-هذا مدعاة للسخرية ، أليس كذلك؟ رسالة كتبت منذ عقود من الزمن و لكن و كأنها وضعت هنا خصيصا لنا... حسنا آنسة هامر المنزل لنا ، لك و لي.. هل نطيع أمر السيد... لا بد أنه سيد من كتب هذا ، فلا يوجد إمرأة تستطيع التفكير بهذا الكلام.. الذي كتب هذا الكلام منذ مئة سنة أو أكثر ، رجل مسالم ، كتبها بماء الذهب كأمر موجه لكل الداخلين؟ و هل سنعيش بتوافق تحت السقف القديم "لبراين ثورب"؟
-لن أراهن على ذلك سيد غاردنر.
-بصراحة ، و لا أنا كذلك.
و نظرت بليندا إلى المنزل بعيني من يملك ، أو بالأحرى نصف مالك ، و لم تتمالك أن تخفي شعورا بالفخر. فماذا يهمها حتى و لو أن حصتها في الملكية لن تدوم أكثر من ستة أشهر؟ فلو أنها عاشت هذه الستة أشهر بكامل حيويتها ، و رسمت كما لم ترسم من قبل ، لأصبحت هذه الفترة القصيرة من حياتها تاريخا لن تنساه أبدا.
و لم تشاهد بليندا غارث لبقية ذلك اليوم. المنزل كان كبيرا ، و توزعا ، كل في جناح خاص له. و كان من السهل أن يمضي شخصان مختلفان في حياتهما أياما طويلة دون أن يلتقيا ، حتى و لو كانا يعيشان داخل نفس الجدران.
مع أن اليوم كان الأحد و بليندا عادة تبقى في الفراش إلى وقت متأخر ، إلا أنها ذلك الصباح إستيقظت باكرا ، و أرتدت ثيابا عادية ، و ركضت نحو المطبخ لتحضر طعام الإفطار. و هنأت نفسها لأنها استطاعت أن تسبق وجود غارث في المطبخ ، و حضرت بعض الكورنفليكس و الحليب مع السكر و جلست إلى طاولة المطبخ الخشبية الكبيرة لتتناولها.
و دخل غارث بعد بضعة دقائق ، و أظهر الإمتعاض لوجود رفقة معه في المطبخ. و رفع حاجبيه و قال بأدب مصطنع:
-أعتقد أنك على وشك الإنتهاء من طعامك آنسة هامر.
-آسفة ، و لكنني لم أنته بعد ، فلم أصنع قهوتي.. لقد حضرت مبكرا سيد غاردنر!
-لا.. بل أنت من تأخرتي آنسة هامر.
و نظرت إلى ساعتها ، و وجدت أنه غير مخطئ ، و دفعت كرسيها بقوة فأوقعتها على الأرض ، و أقفلت الكتاب الذي كانت تقرأه ، ثم جمعت أطباقها و وضعتها في المغسلة ، و قالت:
-سأغسلها فيما بعد.
ثم خرجت.
-و ماذا عن قهوتك؟
-لن أتناولها..
-لا تتصرفي و كأنك ضحية. تناولي قهوتك.
و أرادت أن ترفض شاكرة. و لكن لماذا لا تتناول قهوتها؟ و بينما هي منهمكة في تحضير القهوة ، وقف غارث ينظر إلى الحديقة عبر النافذة. ثم صبتها و إنتظرت و هي جالسة على الطاولة لتبرد. و أخذت تراقب غارث و هو يحضر إفطاره. محاولة التظاهر بأنه غير موجود. رائحة البيض و اللحم المقلي ، أثارت شهيتها ، و لم تستطع إبعاد نظرها عن الطبق الذي حضره. و لكنها استطاعت في النهاية أن تغرق ذهنها بالكتاب أمامها ، منتظرة القهوة لتبرد.
-هذا مضر لك..
-و ما هو؟
-القراءة و أنت تتناولين الطعام. فهذا يتعارض مع عملية الهضم.
-أنا لا أتناول الطعام ، لقد إنتهيت ، و القهوة ليست طعاما.
-إنها جزء من وجبة طعام.
و ابتلعت ما تبقى من القهوة ، و كادت تشهق للسعتها الحارة في حنجرتها ، ثم غادرت الطاولة. و بينما هي تفعل ، أخرج كتابا من جيبه و فتحه أمامه كما كانت تفعل:
-هذا مضر لك. ستقول لك هذا عملية هضمك طوال الصباح!
و انفجر ضاحكا و هي تستدير لتنصرف.
صباح الأثنين ، اصطدما مرة أخرى في المطبخ عند الإفطار. و حدق بفستانها المرتب الجميل ، و بوجهها المزين بدقة ، و بشعرها الطويل الأشقر المضموم بضفيرتين إلى الخلف ، و على الرغم من ألوان ثوبها الزاهية ، إلا أنها كانت تبدو كمعلمة تماما. و بدا أن مظهرها قد أدهشه. هل يعتقد أنها غير محترمة تماما لأنها لم ترتدي ثيابا عادية للمدرسة؟ لو أنه سألها لكانت قالت له إنها تحتفظ بمظهرها كفنانة للأمسيات و العطلات.
و تناولا الطعام بصمت ، و نظر إلى طعامها العادي ، و نظرت بدورها إلى طبقه من البيض و اللحم. و لاحظ نظرتها فإبتسم و قال:
-هل ترغبين في شيء منه؟
و هزت رأسها بالنفي ، فأردف:
-إذا توقفي عن التحديق ككلب يجلس على رجليه ينظر بتوسل..
-بإمكاني أن أحضر نفس الطعام لو شئت. و لكنني أراعي رشاقتي.
-و من لا يفعل هذا؟
هذا الرجل يبدو واثقا بنفسه ، و لا يحتاج إلى أحد ، و خاصة إلى إمرأة. و لا يجب عليها أن تنجذب إليه. يجب أن تجبر نفسها على كراهية تصرفاته المسيطرة.. لا أن تنجذب لها...
و جمع أطباقه و وضعها في المغسلة و قال:
-لا تلمسيها آنسة هامر سأغسلها عندما أعود في المساء!
-لن ألمسها أبدا. فأنا لست خادمتك ، و لا مستأجرة في هذا المنزل ، فأنا أملكه... معك.
-أوافق معك.. لذا أتنمى بما أنك شريكة لي في.. هذا... المشروع ، أن تقومي بحصتك من الواجب و تبقيه مرتبا و نظيفا بطريقة متمدنة...
-و ماذا تظنني؟ أظنك تعتقد لأنني فنانة ، فأنا أكره النظافة و النظام ، و أتمرغ بالأوساخ و الفوضى.
-أنت قلتي آنسة هامر.. و ليس أنا.
-و لكن هذا ما عنيته بقولك.
-و أفترض أن عليك المشاركة بالعناية به أيضا ، للمحافظة عليه و إصلاحه عند الضرورة.
-و هل تعني.. ماليا؟
-و ما سواه؟
-و لكنني...
-و لكنك ماذا؟ لا بد أنك تتقاضين مرتبا؟ المعلمون هذه الأيام رواتبهم ليست سيئة. أليس كذلك؟
-الصغار لا يدفع لهم جيدا.
-و لكنك تعيشين هنا دون دفع إيجار. و لا مصاريف عندك سوى الطعام و الملابس ، و الأدوات الخاصة بنشاطك الفني؟
-أنا.. أنا أساعد والدتي.
-أتعنين أنك ترسلين لها المال؟
-أجل.. نصف مرتبي.
-فهمت.. أليس عندك والد.
-والدتي أرملة. والدي توفي منذ ثمان سنوات ، بعد سنة من ولادة شقيقي.
-إذا.. أنتم ثلاثة في العائلة؟
-لا.. بل خمسة ، فلدي شقيقتان واحدة في الحادية عشر و الأخرى في الثالثة عشر ، لذا لا مكان لي في البيت لأنه صغير. و عندما حصلت على وظيفة المدرسة هنا ، لم تأسف والدتي على رحيلي ، فقد أصبح المكان أوسع لمن بقي.
-و هل تعيش والدتك على مساعدتك فقط؟
-إنها تعمل دواما كاملا في مخزن حكومي ، و مع ذلك فالمال الذي تكسبه لا يكفيهم ثمن ملابس و طعام ، ناهيك عن إيجار المنزل. و هكذا فأنا مضطرة لمساعدتها. لا حاجة بك للقلق سأدفع ما يتوجب علي هنا. و لن أكون عبئا عليك ، و كشريكة ، يجب أن أدفع نصف الفواتير.
-يا فتاتي العزيزة ، من الواضح أن العبء المالي الذي يطوق عنقك لا يتركك في وضع تستطيعين الوفاء بهذا الوعد. من الآن و صاعدا ، و طالما كان ذلك ضروريا سأدفع الفواتير بنفسي. و لنكن صريحين ، ستكونين عبئا على رقبتي.
و صرخت به و هو يخرج من المطبخ:
-لن أكون عبئا عليك ، لن أكون أبدا طالما أنا حية.
و نظر إليها و هو يبتعد:
-لن أراهن على هذا أبدا.
في المدرسة ، و في غرفة الفنون ، أخبرت بليندا صديقها المدرس براد ، عن هبة السيدة دونيكان لها ، فأخذ يصفر ، و عندما قالت إنها تتشارك المنزل مع حفيد أخ السيدة دونيكان قال براد:
-لوحدك؟ أنتما فقط؟ أعتقد أنك تعرفين ماذا سيقول الناس؟
-ليقولوا ما يريدون.. سيكونون على خطأ تماما.
-و لكن الناس سيتوصلون إلى إستنتاجات خاصة مهما أنكرتي و سيكون أمرا واقعا أنك تعيشين معه.
-لو عرفت الرجل لعرفت كم سيكون مضحكا هذا الافتراض. إنه ليس إنساني حتى. إنه يكره الزواج أكثر من أي شخص آخر.
-و هل يكره النساء؟ و مع ذلك يسكن مع إمرأة في منزل واحد؟
-إنه منزلنا معا. سيضطر إلى العيش معي ستة أشهر على الأقل... لأن...
و توقفت عن الكلام ، فلا تستطيع أن تقول حتى لبراد الشرط الذي فرضته إيلين دونيكان ، و تابعت القول:
-لأنني بعد ذلك سوف أبحث عن مكان آخر أعيش فيه.
-و لكن لماذا يا بليندا؟ لا يمكنك طلب أكثر من هذا ، منزل قديم و جميل ، و فيه كل ما هو فاخر!و هو ممتاز لفنانة مثلك!
-لا فرق عندي! سوف أتركه.
و سمعا صوت أقدام في الممر تنبئ ببدء موعد التدريس ، فقالت له:
-أنت لم تزرني بعد؟ ليس لدي عمل هذا المساء. أتحب أن تزورني؟
-الليلة؟
-أجل.. تعال حوالي السابعة.. سيكون الساكن الآخر قد تعشى و إختفى في غرفة مكتبه.
و لكن عندما وصل براد ، لم يكن غارث قد تعشى ، حتى أنه لم يكن قد عاد إلى المنزل بعد. و على الرغم منها ، أخذت تفكر به ثم بدأت تقلق. و وبخت نفسها على إهتمامها به. ليس من شأنها ما يفعله غارث غاردنر في أوقات فراغه فلا بد أنه تعشى في المطعم ليوفر على نفسه عناء تحضير العشاء بنفسه.
و بدلا أن تستقبل براد في جناحها ، أخذت تجول معه في المنزل ليشاهده. و ضحك عندما قرأ الكتابات المتعددة فوق الأبواب ، و أعجب بالأثاث الأثري ، و بالآنية الصينية الرائعة ، و بالرسومات المعلقة على الجدران ، و أخذ يتفحصها آملا ، و هو يمزح ، أن يكتشف قطعة أصلية بينها لرسام مشهور.
-هل أنت مدركة أن بعض هذه الأشياء ثمينة جدا؟
-أنا شريكة في المكان فقط ، و لا أملكها ، و بالنسبة لي فهي لا تزال ملك للسيدة دونيكان ، و لكن حتى لو أن في نيتها أن نتشارك في هذه أيضا ، فلن يهمني الأمر. سأنتقل من هنا بعد بضعة أشهر. أتذكر هذا؟
-لا بد أنك مجنونة!
و دخلا المطبخ لتحضير القهوة و أخذ ينظر من حوله ، إلى كومة الأطباق في المغسلة:
-هل استخدمتها أنت أم شريكك؟
-لم أستخدمها أنا.
-ألن تكوني فتاة لطيفة و تغسليها؟
-لن أجلب لنفسي وجع الرأس؟ لقد قال أن أتركها ، و هكذا سأفعل.
و أنهت صنع القهوة ، و طلبت من براد أن يحملها إلى فوق ، و أطفأ سيجارته في منفضة على الطاولة و حمل الصينية عنها. و وقف عند باب المرسم.
-واو...!إنه فاخر!.
و وضع الصينة على الأرض ، إذ لم يكن هناك ما يضعها عليه. الطاولات كانت مغطاة بالفراشي و أدوات الرسم و أوراق الرسومات النصف منتهية. و بينما كانت بليندا تصب القهوة و هي جاثية أخذ برد يتجول و هو يشعل سيكارة أخرى ، قائلا:
-ألا تحبين أن يشاركك هذا المرسم فنان مناضل آخر ، صديق و زميل و أسمه براد سترونغ؟ ستفسدين نفسك لو عشتي في هذا الجو المترف طويلا.
-طالما لدي والدة و شقيق و شقيقتان يعيشون في ظروف صعبة ، لا أظن أنني سأفسد نفسي..
-إذا فلن ترغبي في مشاركتي هذا الدلال.
فابتسمت له و قالت:
-لا يمكن هذا يا براد.
-ألن يوافق الأخ الأكبر؟ هل هو متزمت ، مسقيم مثلك؟
-لا أعرف شيئا عن أخلاقه. كل ما أعرفه أنه يكره النساء ، و عنده "كره" خاص لي على الأخص.
-لا بد أنه رجل من حجر. فتاة جميلة في المنزل ، تملك الجاذبية حتى قمة رأسها ، و لا يستطيع أي رجل ، أن يقاومها ، و مع ذلك يتجاهلها؟
-إنك مخطئ ، فهو يعتبرني وباء ، إزعاج يجب أن يحتمله لفترة معينة.
-و إلى متى؟
-إلى أن أجد لنفسي مكان آخر.
عندما غادر براد ، حوالي العاشرة ، لم يكن غارث قد عاد بعد. أطباق فطوره كانت لا تزال حيث هي. من السخافة أن رجلا في مثل مركزه يجب أن يغسل أطباقه بنفسه. و بينما هي تغسل فناجين القهوة. قررت أن تغسل أطباقه ، و إلا ستبقى كل الليل كما هي. و أخذت تغسلها ، و عند إنتهاء آخر طبق سمعت صوت المفتاح يتحرك في قفل الباب. و أحست بشعور لص يضبط في مسرح الجريمة فوضعت الطبق من يدها و استدارت و وقفت و ظهرها إلى المغسلة و كأنها تخفي آثار الجريمة.
و بدا تعبا و هو يدخل المطبخ ، و تحركت عيناه منها نحو المغسلة. و حملته رجلاه نحوها و عندما وصل إلى مواجهتها قال:
-ماذا تفعلين هنا في هذا الوقت من الليل؟
-كنت... كنت أنظف فناجين القهوة.
-أطباق إفطاري.. لقد إعتقدت هذا... ألم أقل لك أن تتركيها؟ قلت لك سأنظفها بنفسي..
-الوقت متأخر سيد غاردنر. و فكرت أن أنظفها عنك. إعتقدت أنك ستكون تعبا...
-أنا تعب فعلا... لقد عملت إلى وقت متأخر. و لكنني أتأخر عادة في عملي و دائما أكون تعبا، و لكنني معتاد على هذا ، و معتاد أيضا على تنظيف أطباقي بنفسي حتى و لو بعد منتصف الليل.
-إعتقدت.. أنك ستكون مسرورا. فعلت هذا للمساعدة...
-في المستقبل ستساعديني في ترك أشيائي دون أن تمسيها آنسة هامر ، و بأن تسمحي لي بأن أدير حياتي كما أريد و بالبقاء بعيدا عن طريقي بالكامل. فأنا قادر على تدبير نفسي دون تدخل إمرأة أو مساعدتها و سأستمر هكذا.. هل فهمتي؟
-أجل فهمت جيدا أنك ناكر للجميل ، غير متمدن ، رجل لا يحتمل لا يعرف معنى كلمة "الأدب". و لا أعرف كيف أن عمتك كانت تفخر بك. و لا أعرف كيف أحبتك. أنت أكثر مخلوق كريه لا يطاق قابلته في حياتي. أفضل صفاتك أنك تكره المرأة ، لأن أية إمرأة قد تميل إليها ستكون حكيمة إذا استدارت عنك و هربت منك في الإتجاه المعاكس...

و وضعت يدها على خدها المحترق ، ثم على رأسها التألم ، ثم على فمها ، لأنها الطريقة الوحيدة لمنع تدفق الإهانات لهذا الرجل الذي يقف و يداه في جيوبه ، ينظر إليها بعينين تضيقان حتى كادتا أن تختفيا. و قال:
-أظن أنك يا آنسة هامر كنت تعملين. هل تدخنين و أنت ترسمين؟ و هل تدخنين و أنت تغسلين الأطباق؟
-أنا لا أدخن سيد غاردنر ، لقد كان عندي زائر.
-رجل بالطبع. شخص يدخن. مثل المدخنة كما أعتقد. لأن المنزل كله عابق برائحة الدخان.
-أجل إنه رجل. و هو يدخن ، و بما أنه ضيفي ، لا أستطيع عمل شيء بهذا الخصوص.. إنه زميل لي.
-فنان آخر؟ يدرس في نفس مدرستك؟ إذا كان جيدا مني أن أتأخر في الحضور إلى البيت؟ و كأنني كنت أعرف أنك تمتعين نفسك!
و أعطى الكلمة تركيزا ذا معنى جعلها تغضب.
-إذا كنت تفكر في إتجاه معين ، فأنت مخطئ.
-لا أعتقد إنني مخطئ في مثل هذا الوقت من الليل! أنا عادة أذهب إلى ما تأخذني أفكاري إليه. و هي تقودني إلى أماكن شقية و تعطيني أفكارا غريبة.
-على كل... ضميري مرتاح... فهذا بيتي كما هو بيتك. و إذا كنت تظن بي مثل هذه الظنون ، لماذا لا تكتب إلى عمتك الكبيرة و تخبرها كم أنا دون أخلاق ، و إنني أعطي المنزل سمعة سيئة ، و أنك ستطردني...
و وضع يداه على كتفيها:
-سأطردك.. خارج المطبخ.. أنت تعبة كثيرا ، و لا تعرفين ماذا تقولين ، و بالكاد قادرة على الوقوف على رجليك.
و حركها بالقوة نحو الباب ، و لكنها قاومته و حاولت تخليص نفسها... بينما كانت ذراعه تمسك خصرها تشتد عليه و عندما التفتت مستديرة وجدت نفسها تواجهه ، كان قريبا جدا منها حتى شعرت بأنفاسه على جبينها. و التقى الغضب في عينيها بالغضب في عينيه ، و أخذا يحدقان ببعضهما ، و بدا منصدما بقربهما من بعض بنفس قوة صدمتها.
و أجفلها الشعور بأنهما معا متلاصقين و خائفين ، و مع أنها جذبت نفسها من قبضته بيأس ، فقد أحست بشعور عميق يغمرها برغبة لأن تتلاقى معه في عناق يماثل ما جرى بينهما يوم سفر عمته.
و بينما هي تصعد السلم نحو غرفتها أطل من باب المطبخ و صاح:
-شكرا لك على تنظيف صحوني...
و لكن يبدو أن السيد غاردنر كان يفكر بطريقة مختلفة ، فهو يرفض أن يلقي بالا للإشارات المتكررة بأن بليندا لا ترغب في رفقته ، ففي مساء اليوم التالي بينما كانت مستغرقة في رسم منظر ريفي ، دخل عليها المرسم ، و لكنها لم تحييه ، بل شعرت بالتوتر و هو يقترب منها. عندما يقترب هذا الرجل تشعر بتجاوب مخيف و غير إرادي بداخلها ، و ما عليه سوى أن يدخل نفس الغرفة التي تتواجد فيها حتى يحدث لها هذا.
و وقف إلى جانبها يراقبها. و كان عليها أن تحارب التوتر الذي يسببه لها وجوده ، لأنها لا تستطيع أن تكون متوترة و أن ترسم في نفس الوقت.
و بعد برهة قال:
-أنت تغشين.
و نظرت إليه متسائلة. فأشار إلى صورة فوتوغرافية للمنظر الذي تقوم برسمه:
-أنت تقومين بنسخ هذا.
-إنه ليس غشا. لقد كان يعتبر هكذا في الماضي ، و لكن الآن يدعى التصوير الواقعي.
-كلمات جيدة.. و لكنه لا يزال غشا.
-إنه ليس غشا. و لماذا يكون غشا أن تنسخ صورة فوتوغرافية بدل أن تسافر إلى الريف و ترسم نفس المنظر؟ بطريقة ما سيظل الأمر "نسخا". في كلا الحالتين أنا أنقل المنظر كما أراه ، لا كما التقطته الصورة.
-و هل أنت فنانة تجارية؟
-بطريقة ما.. ربما.. و لكن ليس من سوء بهذا الأمر.
-إعتقدت أن الفن التجاري ينظر إليه الأصليون على أنه فن سيء.
-في الأيام القديمة ، كان على الفنان أن يكون له سيد ، شخص مستعد لدعمه ، و مثل هذا الشخص عادة ما يصر على أن يظهر في الرسم حتى و لو ضمن مجموعة من الناس. و مثل هؤلاء صعب إيجادهم في مثل هذه الأيام ، لذا فعلى الفنان أحيانا أن يرسم من أجل المال ، فعلينا أن نعيش ، و هكذا حلت الروح التجارية مكان الرعاية و الإحسان ، و أصبح الفن التجاري محترما.
-إنه تزويق جميل للكلام ، و لكنني فهمت ما تعنين.. و هل تحبين تعليم الفن للأطفال؟
-أحبه كثيرا.. تقول لطفل "ارسم". بعضهم يرسم و البعض لا يعرف كيف يبدأ ، فتقول له أرسم صديقك ، أو أمك. و هذا الأمر يدفعهم للعمل.
-حتى و لو كانت النتيجة رديئة؟
-لا يهم.. فعلى الأقل هي بداية.و لكنني أفضل تعليم الأكبر سنا. ففي الصف الخامس استطاعوا إما تحقيق مستوى فني أو الإنسحاب. و تستطيع تطوير نوع خاص من التفاهم معهم ، و التحدث إليهم على قدم المساواة ، فالمعلم و التلميذ قد يكونان على نفس المستوى من الذوق الفني.
-تجعلينني أبدو جاهلا. و يبدو عليك أنك أستاذة ماهرة.
و احمر و جهها و شكرته على تقديره غير المتوقع. فقال لها:
-لو طلبت منك ، هل بإمكانك أن تعلميني الرسم؟
و تطلعت نحوه لتلتقي بنظرته المتسائلة ، و قررت أن تتجنب ردا مباشرا:
-سيكون ذلك تحديا. معظم الناس ممكن تعليمهم. و هذا يعتمد على ما لديهم من خيال.
-ألا تعتقدين أن لدي خيال؟
-لقد بدأت أشك.
و ضحك عاليا ثم وقف خلف اللوحة التي كانت تعمل بها ، و نظر إلى وجهها ، ثم ترك عيناه تسرحان ببطء فيها ، و تحركت بإضطراب تتساءل عما سيقول:
-إذا أنا لا أملك الخيال... أستطيع أن أتخيلك دون صعوبة لا ترتدين...
-حسنا حسنا... لديك مخيلة. و هذا يعني إنني أستطيع تعليمك أن ترسم و تلون أيضا.. و لكن سعري مرتفع للدروس الخصوصية.
و تحرك ببطء ليقف إلى جانبها: -أنت تغرينني بأن ألزمك بتعليمي. و ربما بعد حصص الدرس أستطيع أن أعلمك شيئا بدوري.
و حركت رأسها حتى غطى شعرها وجهها المتورد ، و تابع:
-أتذكرين الوضع بيننا آنسة هامر؟ إنه وضع متفجر. و أنا أحذرك بأن لا تشعلي الفتيل ، فعندما يبدأ الإشتعال سيكون من الصعب ، إذا لم يكن من المستحيل ، إطفاءه. و لن يكون لديك من تلجأين إليه أو مكان تهربين إليه.
-لقد إعتقدت أنك تكره النساء سيد غاردنر...
-أكره النساء... أجل.. فالمرأة ليس لها مكان دائم في حياتي... و لكنني لا أنكر أنهن مفيدات أحيانا...
و ابتعد عنها و أخذ يتجول متفرجا على رسوماتها ، كل واحدة متطورة أكثر من غيرها ، و قال:
-نتائج أعمالك تذهلني. هل لديك نصير غني كما تسمينه.
-إنها السيدة دونيكان عندما كانت هنا ، لقد كانت دوما تدعمني. مع إنني كنت أعيد إليها ما تدفعه حتى آخر قرش. و الرد على سؤالك ، نعم ، حاليا...
-أوه و هل هو رجل أم إمرأة..
-إنه رجل.
-لا تقولي من هو.. سأصفه أنا.. إنه رجل رمادي الشعر ، يميل إلى السمنة. محفظته منتفخة ، و لديه زوجة غير متفاهمة معه. و لذا هو يدعمك...
و قالت بغضب ، و شعرها يتطاير و هي تدير رأسها بقوة:
-ماذا تظن بي بالضبط؟
-فنانة ، بأخلاق الفنانين. و لا تطلبي مني أن أصفهم ، فوصفي لهم قد يزعج إحساسك.
-أنت مخطئ بالنسبة لي سيد غاردنر.. مخطئ.. مخطئ!
-حسنا... لقد أوضحت وجهة نظرك... لقد إعتقدت للحظة أن الآنسة الحلوة بليندا هامر ، لديها نقطة ضعف مثلنا جميعا.
-و هل لديك نقطة ضعف سيد غاردنر؟... لا أعتقد أبدا!
-يوما ما آنسة هامر ، هذا الإنفجار بيننا سيحصل لا شك... و أنت من سيشعل عود الثقاب و ليس أنا... حسنا من هو هذا الثري الذي يساعدك ماليا؟
-عمتك لها صديقة زوجها يمتلك مطعما في المدينة ، و لقد شاهدت رسوماتي و أقنعت زوجها بأن أعرضها في مطعمه ، و أعتقدت أن رسوماتي ستبرز المطعم و تعطيه نكهة خاصة. و الرسومات معروضة للبيع ، و كل رسم معلق عليه سعره ، و بما أن المكان لا يرتاده سوى الأثرياء فإن البيع سائر على ما يرام.
-إنها طريقة ممتازة لدعم مدخولك.
-و لم لا؟
-و لم لا.. بالطبع.. و كيف تأخذين رسوماتك إلى المطعم.. تستأجرين تاكسي؟
-لا.. فلديهما ابن يتولى أمر المبيعات ، ضمن أشياء أخرى.
-آه.. إذا هناك رجل في المسألة.
-ليس بالطريقة التي تظنها.
-إنك تكررين القول بصورة دائمة حتى بدأت أصدق. ما أسم المطعم؟ ليس...
-إنه جيميز.
-آه.. نويل جيميز ، الأبن الذي يدير الأمور الإجتماعية ، العشاء و الإجتماعات الراقصة ، و ما إلى ذلك.
-و هو من يوفر لي النقل.
-و هل هو التالي على لائحة صداقاتك؟ أم أنه ، لماله ، هو رقم واحد و صديقك في المدرسة رقم أثنين؟
-ليس عندي أفضلية بالترتيب.
و ابتسمت و نظرت إليه ، لتجد بإندهاش أنه ينظر إليها بشيء من الغضب!
-صغيرة و شابة و بريئة ملعونة! أنت لست أفضل من بنات جنسك!
وجدت أن من غير المفيد إنكار اتهاماته ، لذا عادت إلى فرشاتها و رسمها ، و ليفكر كما يريد.
-بما أن علاقتنا علاقة غريبة ، و بما أن عمتك تظن أننا نتحرك و لو ببطء نحو حالة الزواج.. فهل لي أن أسألك كما سألتني عن وضع حياتك العاطفية؟
-أجل... يمكنك هذا... أنت تعلمين أنني عدت حديثا من الأرجنتين... كان هناك إمرأة ، جميلة و ذكية و صديقة مقربة لي. و عندما غادرت كانت مستاءة جدا، إذ كان علي أن أتركها ، و هذا ما أغضبها.
يدها التي كانت ترسم الغيوم في سماء اللوحة أرتعشت و أعطت الغيوم لونا أغمق مما كانت تنوي ، ثم توقفت و أرجعت الفرشاة بطء إلى الطاولة ، و أخذت تنظف يدها بقطعة قماش مغموسة بالمنظف.
-إذا.. أنت لست في الحقيقة من كارهي النساء الذي تتظاهر بأن تكون؟
-لقد قلت لك إن النساء ليس لهن مكان دائم في حياتي.
-إذا لقد كانت..
-هذا ليس من شأنك آنسة هامر.
-آسفة. لم يكن لدي حق لأسألك. أتمنى لو أن عمتك لم تمنحني نصف هذا المنزل ، و أتمنى لو أنها لم تضع هذا الشرط المستحيل... و أتمنى .. أن أغيب عن الوعي لستة أشهر و أستيقظ لأجد القصة كلها منتهية!
-حسنا لو قررتي أن تمضي الستة أشهر بسبات و نوم ، فسيكون لديك خيار جيد مع من تمضينه ، أليس كذلك؟ من يا ترى من بين صديقيك هو المحظوظ؟ أهو الفنان الفقير أم الثري؟ و لمعرفتي بالنساء ، أراهن على الأخير بكل مالي. فلديه الكثير ليقدمه لك.
و مر أسبوعان من أًصل الستة أشهر ، و كان أواخر آذار ، و الربيع مقبل بكل ما يحمله في الجو ، و الحياة البرية و البراعم المتفتحة ، و في عقول و قلوب بني البشر. و أمضت بليندا ساعات و هي تقف عند نافذة مرسمها ترسم الحدائق التي تحيط بالمنزل ، و رسمت العاملان في الحدائق و هما يعملان بنشاط و كأنهما يتسابقان مع الموسم ، و رسمت السيدة هوغند ، العاملة بالتنظيف. و رسمت مرة رسما جميلا لغارث ، يداه في جيوبه ، و هو يتحدث إلى أحد عمال الحديقة.
و نزل غارث في صباح أحد الأيام إلى المطبخ لتناول الإفطار و في يده حقيبة.(منتديات ليلاس) و نظرت إليها بليندا بدهشة ، تحولت دون تفسير إلى خيبة ، ثم إلى إنزعاج. فقد كان مسافرا... و لكن إلى أين؟ إلى الخارج ثانية؟ و كم من الوقت؟.
-سأسافر لبضعة أيام.
بضعة أيام... قلبها الذي غاص بين ضلوعها عاد إلى الطواف ثانية و هو يخرج الفقاعات مثل زجاجة فارغة رميت إلى البحر ، و في هذه الزجاجة رسالة ، رسالة هامة ، و لكن لأنها كتبت بالرموز لم تستطع حل رموزها.
-مسافر إلى لندن... مؤتمر في المركز الرئيسي.
-لقد قالت لي السيدة دونيكان أنك تعمل لدى مؤسسة أميركية.
-أجل..
-و مكتبها في لندن؟
-هذا سؤال جيد... لم يكن يجب أن أقول المركز الرئيسي فقط بل المركز الرئيسي لإنكلترا. مكتب أميركا في نيويورك.
-لقد قالت السيدة دونيكان إنك ستنشئ مصنعا جديدا هنا.
-أجل.. في الواقع فرع جديد للشركة. و أنا رئيس هذا الفرع هنا. سنتخصص في صنع الترانزستورات للكوابل البحرية.(redroses309) يبدو عليك التأثر...
-فعلا... أنا متأثرة جدا.
-ألا تعتقدين أنني أملك الموهبة؟
-لم أقل هذا.. فأنت... بارع و ذكي.
-و ما هي المقدمات التي أوصلتك إلى هذا الإستنتاج؟
-حسنا... يبدو... عليك الذكاء.
و ضحك عالي ، و قال:
-لا أعلم هل أعتبر هذا إطراء أم إهانة.
-إنها الحقيقة... و لم أعني بها إهانة.
و أنهيا طعامهما بصمت ، و غسل أطباقه ، و عندما ذهب وقفت إلى المغسلة تغسل أطباقها. كانت تحب أن تودعه ، و لكنها لم تعرف كيف ، و لم تكن تعرف حتى إذا كان يريدها أن تفعل. و ساد صمت قصير ، و ظنت أنه ذهب ، و استدارت لتجده واقفا ينظر إليها من الردهة. و قال:
-إلى اللقاء بليندا.
فابتسمت ، و قلبها يتراقص. بكلمة واحدة حطم حاجزا ما بينهما ، و أجابته:
-إلى اللقاء يا غارث.
و إبتسم لها.
و أقفل الباب وراءه ، و تمنت لو أنها سألته متى سيعود.


***********************

 
 

 

عرض البوم صور redroses309   رد مع اقتباس
قديم 23-09-09, 08:01 PM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 64394
المشاركات: 246
الجنس أنثى
معدل التقييم: redroses309 عضو على طريق الابداعredroses309 عضو على طريق الابداعredroses309 عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 217

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
redroses309 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : redroses309 المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 



الفصل الثالث
على حافة الجحيم



عادت بليندا من مدرستها إلى بيت مهجور. شعرت بالفراغ و كأنما هو نوع من المشاعر و ليس واقعا. و علقت معطفها في الردهة ثم تطلعت نحو السلالم و الأبواب المغلقة ، تستمع إلى الصمت. لو أنها تستطيع رسم الفراغ. فكيف سيبدو؟ صفحة بيضاء؟ و لكن لا يوجد شيء إسمه فراغ...
من حولها كان هناك أشياء تذكرها بالحياة و بالحركة ، و بالسيدة دونيكان التي كانت تعيش هنا كانت تملأ المكان. تذكرها بنفسها و هي تطير إلى مرسمها عندما تطلب منها السيدة دونيكان أن ترى رسوماتها...
الفراغ...؟ و أخذت ترتعد. كيف للمكان أن يكون فارغا في وقت يتواجد غارث فيه في كل مكان من حولها. وقع أقدامه على السلم ، وجوده في المطبخ معها ، وقع صوته و هو يتكلم في المرسم؟ هل أصبحت متعودة على هذا الرجل حتى أنها "تفتقده" بالفعل؟...
لم تكن تشعر بالجوع... فصعدت إلى مرسمها لترسم... ربما بالفرشاة و الألوان تستطيع الخروج من هذه الكآبة التي أثقلت ساقيها ، و أطاحت بشهيتها.
و مرت بغرفة نوم غارث ، و نظرت عبر الباب النصف مفتوح. الغرفة تتخبط في الفوضى ، و السرير غير مرتب. كم ستبقى على هذا الوضع؟ حتى السيدة هوغند لا تستطيع التعاطي مع غرفة بهذه الفوضى. و هكذا ، و هي تشعر مثل مجرم مبتدئ ، يرتعد من توقع أن يلقى القبض عليه ، يتطلع حوله يفتش عن طريق للهرب عندما تدعوه الحاجة للنجاة بحياته ، و دخلت الغرفة!
علاقة ثياب ملقاة على الأرض ، مدت يدها لتلتقطها و كأن لها أسنان على وشك أن تعضها. و التقطت بنطلونا ملقى على السرير ، و طوته و وضعته على رف ، ثم القت فوقه سترة. و نظرت إلى الخزانة. هل ستجرؤ على فتحها؟ و بما أنها قد بدأت فيما تعمله ، لم يكن امامها بديل آخر.
و وضعت البذلة بين باقي الثياب ، و الحذاء بين الأحذية الأخرى. و علقت ربطات العنق في مكانها المخصص. الفراش... هل تمتلك الشجاعة الكافية لترتيبه؟ و هل ستتحمل النتائج مهما كانت؟ هذا السرير لا يمكن أن يبقى دون ترتيب ، إلى وقت لا تعلم مدته ، ربما أسبوع أو عشرة ايام؟ بيجامته زرقاء اللون ، و طوت بنطلون البيجاما و فتشت عن السترة ، يبدو أنه لا يرتدي السترة عند النوم...
عندما أنهت ترتيب السرير ، نظرت من حولها ، و شعرت و كأنه في الغرفة ، يراقبها عبر مرآة طاولة الزينة ، أو مرآة الخزانة ، أو من المرآة الطويلة المثبتة إلى الحائط. كان و كأنه في كل مكان من حولها ، و استدارت لتركض هاربة من الغرفة... من قوته... من الشعور به.. من سيطرة وجوده... و بينما هي تنظر إلى سريره لبضع لحظات ، لم تستطع أن تنكر بأنها تتوق إلى عودته...
و مرت ثلاثة أيام ، و لم يعد بعد ، و لم يتصل ، و لم يرسل جوابا ، و لا حتى بطاقة ، و لكن لماذا يتصل بها؟ إنها إنما تشاركه المنزل فقط بسبب نزوة من عمته الثرية...
مساء يوم الجمعة أنهى أطول أسبوع أحست به بليندا ، و جاء براد إلى المنزل لزيارتها. و جلس في المرسم يراقبها و هي تعد الرسمات التي سترسلها إلى العرض في المطعم... كان يجلس إلى طاولة و يداه تمسكان بأطرافها يرقب السماء و الغروب و الشمس تتحول من برتقالية إلى حمراء داكنة.. و قالت بليندا آمرة:
-أبقى كما أنت... لا تتحرك.. سأرسمك.
و ابتسم ، و لم يتحرك ، و قال:
-فنان يرسم فنانا.. سأرسمك يوما ما ، و أنتقم لنفسي. و لكن للأسف الطريقة التي أحب أن أرسمك بها ، لن تسمحي لي بها.
-أحضر لنفسك موديلا محترفا ، فأنا فنانة مألوفة لك ، و لن أنفعك..
و وضعت اللمسات الأخيرة على رسمتها ، و قال براد:
-إنني أرسم الموديلات طوال الوقت. و أرغب أن أرسمك. و لن أخبر أحدا أعدك بهذا. و سأضع الرسم فوق سريري و أحدق به عندما أستلقي عليه.
و سمعا صوتا عند الباب ، صوت سعال خفيف ، و أوقعت بليندا القلم من يدها. إنه غارث... و احمر وجهها لدرجة الإحتراق ، و امتد هذا إلى كل جسدها. كم من السخف أن تشعر بالذنب هكذا ، و هما جالسان فقط لا يفعلان شيئا.! و لكن كم سمع غارث مما كانا يقولانه؟
يبدو أنه الكثير.. فعيناه بدتا باردتان ، و قال براد:
-مساء الخير!
و وضعت بليندا الرسم من يدها و سارعت لتقدمهما لبعض. و تركهما و خرج.
و قال براد:
-يا إلهي قد يعتقد أي إنسان أنك زوجته و قد ضبطنا في وضع مشبوه!.. في المرة القادمة عندما يكون حارس طهارتك مسافرا لا تدعيني لزيارتك يوم رجوعه.
و التقط معطفه و خرج... و لحقت به إلى السلم:
-براد، الأمر ليس كما تصورت. أنت تتخيل الأشياء!
-قد أكون فنانا ، و لكنني أبقي مخيلتي تحت السيطرة التامة ، و ما أشاهده بعيني لا أستطيع الشك فيه. هذا الرجل يعتقد أنه يمتلكك!
لم يهمها كم سمع غارث ، فليس من حقه أن يدخل إلى مرسمها دون دعوة منها ، و لا أن ينظر إليها و إلى ضيفها و كأنهما في أحضان بعضهما. و ما شأنه بكل هذا؟
-براد إنه يكره النساء لقد قلت لك هذا...
و لكن براد دخل سيارته و ابتعد... و جاءها نداء من الطابق العلوي:
-آنسة هامر!...
-نعم سيد غاردنر؟
-لقد دخل أحدهم غرفتي؟
-أجل سيد غاردنر... لا سيد غاردنر. لقد رتبتها و رتبت الفراش و..
-أنا لا أذكر أنني اعطيتك الإذن لترتبي الفراش.
-لا... لم تفعل سيد غاردنر ، و لكنني لم أتحمل المرور أمام غرفتك و رؤية الفوضى فيها لمدة أسبوع أو أكثر...
-كان بإمكانك إدارة رأسك ، أو إقفال الباب.
-في المرة القادمة سأفعل.. في المرة القادمة لن أهتم أبدا لو رجعت تعبا أو جائعا من رحلتك لتجد الفوضى بإنتظارك.. في المرة القادمة ، لو تعلمني متى ستعود ، لن أكون حتى في المنزل!
-و أين ستكونين؟ في منزل صديقك ، و الأوضاع معكوسة؟ و هل سيكون هو من يرسمك ، كما يتوق لأن يفعل؟
-هذا أمر يخصني لوحدي ، و ليس لديك الحق لتستمع لمحادثتنا.
كان عليها أن تكون غاضبة ، و إلا لانفجرت بالبكاء. لقد تطلعت بشوق لعودته ، و مع ذلك فهاهما يتشاجران ثانية ما أن وطأت قدماه المنزل ، و صرخت به:
-ماذا ذهاك! ماذا ذهانا؟ ألا نستطيع أن نلتقي ، و لو بعد أسبوع ، و نكون مرحين مع بعض؟ حسنا.. أنت لا تحب النساء. أنسى إنني إمرأة. تخيل بأنني من الجنس المختلط. بأنني غير موجودة ، أي شيء تحبه ، و لكن لا تستمر بالصياح في وجهي ، و إتهامي ، و كأنك تصفعني...
و ركضت نازلة الدرج نحو المطبخ. و تبعها ، و لكنها وقفت عند المغسلة تنتحب ، و تقدم نحوها و وضع يداه على كتفيها:
-بليندا؟
و جففت دموعها فتابع:
-أن تطلبي من رجل أن ينسى بأنك إمرأة ، أمر مستحيل.
-إذن من الأفضل أن أرحل.. أليس كذلك؟ بما أن من الواضح أنك لا تتحمل وجودي في المنزل؟
و أخذ يتجول في المطبخ:
-إذا رحلتي.. فأين ستذهبين؟
و أجابت:
-سأجد لنفسي مكانا.. غرفة... سرير في غرفة...
-و تتخلين عن كل هذا؟... أليس من الأفضل أن أرحل أنا..؟
-و لكن.. و لكن سيكون هذا خطأ. خطأ بالكامل. إنه في الواقع منزلك ، و ليس منزلي ، أجل.. إنه منزلك. لقد أشركتني عمتك به بدافع الرعاية... لا أستطيع العيش هنا بمفردي... لقد اكتشفت ذلك هذا الأسبوع.
-هل شعرتي بالوحدة؟ أتحبين رفقتي؟
و أرادت أن تعترف ، و لكن سيكون هذا نهاية كل شيء ، لن تسطيع أن تبقى هنا لو اعترفت. و تابع كلامه و هو يغادر المطبخ:
-يجب أن نفكر بشيء نفعله حول هذا الأمر...
اليوم التالي كان يوم السبت ، و بعد الظهر أتى نويل جيميز ، ليأخذ اللوحات. و دعته بليندا للدخول ، و لم يكن قد دخل المنزل من قبل. و عندما رأى الكتابات فوق الأبواب ضحك و أخذ يقرأ إحداها:
-الكلب صديق... مخلص و صادق... و هو أفضل من إمرأة مستغلة.
و وضع ذراعه حول خصر بليندا و جذبها نحوه قائلا:
-و هذه المرأة تستغلني. فأنا أقدم لها فرصة ، دون مقابل ، لتبيع لوحاتها لزبائن أثرياء ، و ماذا تعطيني في المقابل؟ حب مصلحة؟
و بينما هما في هذا الوضع ، نزل غارث السلم. و تبادل نويل معه إنحناء التحية ، و تجاوزهما غارث و دخل غرفة جلوسه ، و سألها نويل:
-أين هو مرسمك؟ فوق أم تحت؟.. تعالي يا حلوتي و أريني أين هو.. و سأفعل ما تبقى...
كانت الرسومات موضوعة في كومة فوق بعضها ، و بينما أخذ نويل يقلبها معجبا بكل واحدة منها ، تركته بليندا لتحضر الشاي في المطبخ ، و دخل عليها غارث و توقف مستديرا ليعود أدراجه ، و لكنه غير رأيه ، و قالت له بليندا:
-يوجد فنجان شاي إضافي.. هل تحب أن تأخذه؟
-لا ، شكرا ، أفضل أن أصنع واحدا لنفسي.
-و لكن لماذا؟
و تجاهل كلامها و حضر لنفسه صينية ، قفالت بمرارة:
-أنا آسفة لأن أصدقائي لا يعجبونك ، و لكن العقد لا ينص على أن تصنف زواري و أن لا تمنحهم فرصة الدخول إلى هذا المنزل القديم الفخم.
و لم يتحرك لسخريتها ، و غرق أكثر بالصمت فقالت صارخة:
-من تظن نفسك لتعامل كل من أدعوه بمثل هذا الإزدراء؟ أنتظر حتى تأتي بشخص ما إلى هنا.. سوف أعامله أو أعاملها ، و كأنها النفاية التي تنتظر أن يلتقطها عامل التنظيفات!
و أخيرا استطاعت أن تغضبه ، و لكنها جفلت من الغضب الذي أثارته. و استدار ليواجهها:
-أنظري يا فتاة... لا أهتم أبدا كم من الرجال تدعينهم إلى المنزل. فعمتي لم تعينني حارسا لك. أنت كبيرة كفاية لتعرفي ماذا تفعلين.. و إذا كانت طريقتك بالحياة العبث مع رجل بعد الآخر ، إذا تابعي طريقتك... و من أنا لأمنعك من التمتع؟ و لكن لا تهاجميني مثل كلبة متوحشة صغيرة ، و كأنما تسببت لك بإصابة ، أخرجيني من ذهنك ، فأنا لا أهتم بك ، و لا أهتم بالتطفل عليك. اعتبريني شخص حيادي، و غير مهتم ، و غير مبال بك إطلاقا.
و أرتجفت شفتاها ، و احمرت عيناها و صاحت بصوت جاف:
-أنا لست هكذا ، أنا لا أعبث مع الرجال. و أعتقد أن عليك أن تعتذر. يجب أن تعرف أنني لست هذا النوع من الفتيات.
-كل الدلائل التي شاهدتها حتى الآن تشير دون شك إلى العكس. أما بالنسبة للإعتذار... لن أعتذر و لو على حياتي! فأنت من بدأ الصدام!
و خرج من المطبخ...
كانت اللوحات ، تباع في مطعم جيميز بأسعار أعلى مما كانت ستحصل عليه لو عرضتها عبر قنوات عادية. نويل لم يكن يسمح لها بتعليق الكثير منها في غرفة واحدة. علقا أربعة في قاعة المطعم الكبيرة. و ثلاثة عند المدخل الواسع ، و أربعة أخرى على حائط مدخل غرفة المؤتمرات.
بعد الإنتهاء قال نويل:
-لقد قمت بواجبي و وزعت عمل صديقتي و سأجلس الآن و أمتع نفسي بإنتظار أول زبون يدفع المال لإحدى قطعها الفنية...
و تأبطت بليندا ذراعه و قالت:
-و الرسامة المحظوظة تحصل على شيك ضخم.
و رد عليها:
-أما أنا ، رجل الأعمال القنوع ، فأحصل على مبلغ عمولة أقل.
-تسطيع قبض عمولتك طالما تبيع لي اللوحات.
-و لكنني أرد الأرباح إلى العمل يا حلوتي ، هكذا يصر والدي... و لكنني أفعل هذا و أنا مسرور. سأدعوك إلى العشاء ، و لكن أمامنا ساعة قبل الموعد ماذا سنفعل؟
-سنجلس في غرفة الاستقبال بالطبع.
و أحست و هي تقول هذا بعدم الإرتياح ، فلماذا يظن الجميع أن الفنانات لا أخلاق لهن؟
-و أضيع ساعة مع فتاة جميلة في غرفة الاستقبال؟ ماذا تظنين بي؟ إضافة إلى أنني أريد أن أخطبك!
-لا تكن سخيفا يا نويل... و لا تتحدث بخفة عن مسألة جدية كهذه.
-و من يتحدث بخفة؟ تعالي معي لنسير في الحديقة ، نحن في شهر نيسان و قد حل الربيع. و أنت تعرفين ما يقال عن الربيع و عن الشبان. و أنا أرجو أن يكون للربيع نفس التأثير على الشابات أيضا!
الحدائق حول المطعم كانت مليئة بالزهور ، و الأشجار بدأت تطرح البراعم ، و شمس المساء كانت دافئة ، و قال لها نويل:
-تعالي إلى الخلف ، المكان أهدأ هناك.
و وجدت تلة خضراء تمتد صعودا من المطعم ، و تسلقاها معا.
و أخذ نويل يدها و قال:
-كنت أعني ما أقول.. يا حبيبتي!
-أنت لا تحبني يا نويل!
-لا أحبك؟ أحب النظر إليك ، أحب عينيك الحالمتين. أحب ابتسامتك ، شعرك ، و... و كل ما فيك... ماذا تريدين أكثر؟ أستطيع توفير الأمان لك ، و مستقبل مؤمن ، و كل المال الذي تريدينه ، و مرسم يتغلب على كل الفنانين. هذا بالإضافة إلى معارض خاصة بك.
و ابتسمت له:
-آسفة يا نويل... أنا لا أهتم بالزواج.
الزواج! الكلمة أعادت إلى ذهنها وجهه البارد و الوسيم ، كلما نظر إليها أوصل ساقيها إلى حالة شاذة من الضعف ، و حجم ذاتها إلى حجم طابع بريد. و جذبت يدها من يد نويل... و قالت:
-على كل الأحوال.. لا تعرف شيئا عني ، عن حياتي ، عن خلفيتي... و قطب جبينه و قال:
-و ما نوع خلفيتك؟
-الفقر... والدة أرملة مكافحة لتربي شقيقي و شقيقتي...
-هل هذا كل شيء؟ تزوجيني و سأسكب المال في حضنها إلى أن تعتقد أنني مجنون!
-آسفة يا نويل.. إنه لطف منك ، و لكنني لا أستأهل... سأكون صفقة خاسرة لك.
-أعتقد أنني أنا الحكم في هذا. فلدي الخبرة الكافية.
و حاول إقناعها ثانية و هما يتناولان العشاء. و انهمك السقاة بإرضاء ابن صاحب المطعم ، و الفتاة التي يعيرها كل هذا الإهتمام المحبب. و تمتعت بليندا بوجبتها ، و هي تعلم أنها بعد رفضها عرض نويل ، سيمر عليها زمن طويل لن تتمتع به بمثل هذه الضيافة.
و لكنها قللت من أهمية إصرار نويل ، إذ قال لها:
-إنها المحاولة الأولى. و عروض الزواج مني ستتبع في اوقات متلاحقة!
و أجابته بإبتسامة عنت بها تلطيف كلماتها:
-ستضيع وقتك سدى...
و قررت بقدوم نهاية الفصل الدراسي أن تقيم حفلة في منزلها. و وعدها براد أن يحضر للحفلة عددا كبيرا من الفنانين من كلا الجنسين ، و عندما دعت نويل وعد بإحضار عدد من الضيوف أيضا. و حذرتهما قائلة:
-إنها حفلة يحضر كل ضيف فيها طعامه ، فلست طباخة ماهرة ، و ليس لدي الوقت الكافي لتحضير الطعام.

بعد المدرسة ، و قبل أن يحضر غارث إلى المنزل. أخذت بليندا ترتب المكان بسرعة و تعيد ترتيب المقاعد ، و تبعد الآنية الصينية الفاخرة. فمع أنها تنوي كبح جماح فضولهم ، إلا أن الفنان عندما يرى شيئا جميلا ، لا تستطيع ضمان أن لا يتناوله متفحصا.
و فتح الباب ، و دخل غارث ، و ذهبت بليندا لتستقبله ، مترددة بخجل فقد كانا لم يتبادلا الحديث منذ أكثر من أسبوعين.
-غارث؟ سأقيم حفلة هذه الليلة... هل... هل تحب أن تنضم إلينا؟ سأرحب بقدومك كثيرا.
-شكرا لك.. لا أستطيع.. فأنا حيوان غير إجتماعي ، و أنا لا أختلط مع أقراني بسبب متطلبات العمل.
و شعرت بخيبة الأمل ، و لكن ماذا كانت تتوقع؟ قبول مرحب ، و كأنما هو واحد من ضمن حلقة أقرانها؟ من المؤكد أنه سيختلط مع أقرانها كما يختلط الأسد مع قطيع من الغزلان!
-هذا يعني أنك ناسك؟
-لن أذهب بعيدا إلى هكذا إدعاء ، لنقل إنني متعصب حول الناس الذين أختار لأن أكون إجتماعيا معهم.
-و أصدقائي ليسوا من الصنف الجيد بالنسبة لك؟
-أصدقائك ليسوا أصدقائي. و أصدقائي ليسوا أصدقائك. لنترك الأمر هكذا.
-كيف استطاعت عمتك أن تظن أننا سنستطيع العيش ما تبقى من حياتنا معا في سلام!
-من المستحيل حدوث هذا.. أليس كذلك؟ لقد وصفتيني بأنني اكثر شخص بغيض قابلته في حياتك.
و عضت على شفتها... و ناقشته ثانية.. دائما تجادل:
-و لماذا يجب أن تكون دائما مزعجا؟
و لكنه لم يرد ، و نظر إليها لثواني ، ثم استدار و ابتعد.
في البداية حضر إثنا عشر شخصا ، و بتقدم الأمسية وصل عدد أكبر ، و أحضر الجميع طعاما ، و أحضر بعضهم أطباقا و أكوابا من الممكن التخلص منها. و فتحت بليندا ، و فتاة أخرى ، علب السندويشات ، و الحلوى ، و البسكويت و وضعتاها في الأطباق.
و امتلأت غرفة طعام بليندا بالرجال و النساء بعضهم يجلس على المقاعد القليلة و البعض الآخر على الأرض أو يتكأون على الجدران ، و أحضر أحدهم مسجلة أدارها و جذب نويل بليندا من مكانها على الأرض و بدأ الرقص معها ، و لم تمض ثوان حتى انضم الأخرون لهما ، و توقفوا عن الرقص ليتناولوا الطعام و استمرت الموسيقى تصدح بصوت مرتفع ، و أرتفعت أصوات الضحك و الحديث لتتغلب على صوت الموسيقى.
و غادر أول ضيف الحفلة عند الواحدة بعد منتصف الليل. و لم يخرج آخر ضيف قبل الثانية. و عرض نويل على بليندا أن يساعدها في تنظيف المكان ، و لكنها عرفت أن ذلك حجة ليبقى معها على انفراد ، و في الردهة أخذها بين ذراعيه و قال:
-لقد قلت هذا من قبل.. و أقوله مجددا... هل تتزوجيني؟
-لا يا نويل.. لقد قلت لك...
و لكنه أسكتها بضمها إليه بقوة ، و سمعت صوت حركة في أعلى السلم ، فجذبت نفسها مبتعدة عن ذراعي نويل. و استدارت مذعورة ، و حدقت إلى أعلى السلم ، و لم ترى سوى ظل ، إختفى فورا...
هل سمعها غارث؟ هل شاهدهما؟ و دفعت نويل إلى الباب.
-لدي مدرسة غدا.. و لن أستطيع التدريس إذا تأخرت ، أرجوك إذهب. لقد تمتعت بوقتي.. شكرا لك.
و حاول جذبها ثانية ، و لكنها لم تستجب. و عندما ذهب ، جلست على الدرج و هي تعبة.. هل تنظف المكان الآن؟ غرفة الطعام لا تهم ، و لكن المطبخ... لو أن غارث يراه كما هو الآن...
و على الرغم من الأطباق الورقية و الأكواب البلاستيكية ، فإن العديد من الصحون و الأكواب الزجاجية جرى إستخدامها. و لن تسمح لنفسها بأن تترك حتى سكينا واحدة دون تنظيف.
ظهيرة اليوم التالي شعرت بالإرهاق ، و بألم حاد في رأسها و ضعف في ساقيها. و عزت ذلك لعدم نومها كفاية في الليلة السابقة. و عرض عليها براد أن يتولى آخر صف لها ذلك اليوم. فقبلت العرض و عادت إلى المنزل. و لكن بدل أن ترتاح بدأت بتنظيف غرفة الطعام.
و قبل أن يعود غارث ، صعدت إلى مرسمها و هي تشعر بإزدياد الألم في رأسها ، و كل ما تحتاجه الآن هو الدفء. و سمعته يصل ثم يدخل غرفة نومه. و تسللت بدورها إلى غرفة نومها ، و خلعت ثيابها و دخلت الحمام لتغتسل. و أراحها الحمام قليلا ، و لكنه لم ينعشها تماما. ثم عادت إلى غرفة النوم و أرتدت ثياب نومها ، و تذكرت بأنها نسيت زجاجة الماء الساخن لتضعها في الفراش.
و هبطت نحو المطبخ لتحضر الزجاجة ، فوجدته جالسا إلى الطاولة ، و قد وضع جريدة المساء أمامه ، يتناول طعامه. و وقف عندما رآها قائلا:
-لقد إعتقدت أنك تناولت وجبتك ، و إلا لتركت المطبخ لك.
-أرجوك إبقى حيث أنت.. أنا... لست جائعة.
-و هل تعشيتي في الخارج؟ ربما في مطعم جيميز؟
-لا.. أنا ذاهبة إلى الفراش.. فأنا تعبة.
-تبدين بالفعل شاحبة ، مع إحترامي لك ، التأخر في السهر لا يناسبك... فهو يوتر النساء، ناهيك عن إفساد الجمال...
-لست أهتم.. لست جميلة زيادة لأفسد جمالي...
-أنت تعلمين أن هذا ليس صحيحا.
و ساد صمت هنيهة ، و بعد أن ملأت زجاجة الماء الساخن قالت متحدية:
-و ماذا تعرف أنت عن مشاعر النساء؟
-أكثر ما تتخيلين.. فأنا لم أعش حياة رهبانية.
-ما تعنيه أنك استخدمتهن لحاجاتك الأنانية. ثم رميتهن.
-نحن نتكلم باشياء خطرة. و بلباسك هذا تبدين عرضة للتهجم. كل فلسفة تحرر النساء في العالم ، و التي تعرضينها علي الآن ، لن تحميك لو قررت أن أرمي كل تحفظ جانبا ، و أستخدم قوتي لأحطم كل حواجزك. ثم أنفذ ما قلتيه : أستخدمك لحاجاتي الأنانية ، ثم بعد ذلك أرميك...
و أمسكت بزجاجة الماء الساخن المطاطية و لفت يديها حولها ثم ركضت خارج المطبخ. و في الفراش حاولت أن تنام ، و لكن ألم الرأس كان يضربها و كأنه المطرقة على الجدار. و على الرغم من حرارة كيس الماء فقد إرتجفت.
و بعد برهة ، تسلل صوت إلى حلمها. و تبين لها بعد أن استفاقت تماما أنه صوت موسيقى تصخب عاليا حتى كادت تهز المنزل ، منبعثة من غرفة جلوس غارث ، و لا بد أن الباب مفتوح.
كان يعلم أنها نائمة. و يعلم أنها تعبة من الليلة الماضية.. إذا لماذا يفعل هذا؟.. للإنتقام؟.. طريقة دنيئة للإنتقام من الصوت الذي صدر عن حفلة أمس؟
كان وجهها يحترق ، و هي تقف شعرت أن ساقيها ضعيفتان ، و صرخت من أمام الباب بكل عزمها:
-أرجوك يا غارث.. أخفض الصوت!
لم يكن بإمكانه أن يسمعها ، فصوت الموسيقى مرتفع. و يجب عليها أن تنزل ، إذا استطاعت قدماها أن تحملاها. و عاد الألم إلى رأسها ، و أخذت تستند إلى درابزين السلم خطوة خطوة و يدا فوق يد و قدما فوق قدم.
و لم يرد عليها أحد عندما قرعت الباب. و أدارت المقبض و خطت إلى الداخل. لم يكن هناك. لقد أدار الصوت إلى أقصى إرتفاعه و غادر الغرفة. و بينما هي تنسحب من الغرفة ، سمعت حركة عبر الردهة و كان واقفا عند باب المطبخ ينظر إليها بسخرية... و قال:
-لقد عرفت الآن مدى الإزعاج. لقد عرفت كم هو مستحيل النوم في ظل أصوات تصخب و ترتفع.
و أمسكت بليندا بالباب لتتكأ عليه ، و نبضات قلبها تصخب ، و شفتيها جافتان ، و توسلت إليه قائلة:
-أرجوك يا غارث.. أرجوك أطفئ الصوت!
و بقي واقفا.. واقفا فقط.. في مواجهتها ، و ذراعاه متشابكتان و ظهره على حافة الباب. و استمر الصوت يصخب من خلفها و جسدها يرتجف ، و رأسها يتحرك من جانب إلى جانب صارخة:
-أرجوك.. أرجوك يا غارث.. أنا آسفة عن الليلة الماضية.. لن يحدث هذا ثانية ، أعدك!
-لا أصدقك!
سخريته ، أخلاقه التي لا ترحم.. قلة شفقته جعلت رأسها يسقط على صدرها و جسدها يرتخي.. و أخذت عيناها تتوسلان إليه و كأنها تقول:
"أعطني بعضا من قواك ، احملني ، أمسك بي..." و سحبت نظرها عنه.. ماذا تحاول أن تظهر؟ حاجتها إليه؟ حاجتها لحبه؟ و احتبس نفسها في حلقها. بطريقة ما يجب عليها الابتعاد عنه ، و عن الصوت المصم داخل الغرفة هذه.(منتديات ليلاس) ستعود إلى فراشها و ستدفن رأسها في الوسادة و تغطي أذنيها.. لا يمكن لها أن تتوسل إلى برودة هذا الرجل الذي لا يحتمل..
و أمسكت بمقبض الباب لتدعم نفسها ، و خطت إلى الأمام و لكنها ترنحنت و بقي يراقبها... هل يظن أنها تمثل عليه؟ و قال لها دون مبالاة:
-لقد قلت لك.. سهر الليالي لا يناسبك.. و ما يبدو عليك الآن هو البرهان.
-غارث أنا مريضة... لست تعبة... بل مريضة.
و بقي غير مصدق لها. بقي حيث هو ، و ذراعاه متشابكتان. السلم كان بعيدا عنها ، و هي تحتاج للعون.. العون.. ممن؟ ليس من غارث غاردنر.
و تحركت قدماها ببطء و تحركت ساقاها معهما. و وصلت إلى أول السلم.. ثم إنهارت ، و وضعت يداها على أذنيها و صرخت بضعف و يأس. صوت الموسيقى كان يدفعها للجنون، و الرجل الساخر اللامبالي يمزقها بتصرفاته ، نصفها يكرهه و نصفها الآخر يريد عونه ، قوته أن تلفها بالمساعدة...
-ألن تكملي صعودك؟
و لم تستطع الإجابة لأنها كانت تبكي...
-ماذا تحاولين أن تفعلي ، أن تجعليني أشعر بالأسى عليك؟ أنت فنانة؟ أنت ممثلة!...
كان و كأنه يتحداها أن تكمل طريقها صعودا على السلم ، على هذا الجبل... و شدت على درابزين السلم ، و جذبت نفسها لتقف على رجليها. و لكنها ترنحت و وقعت... و تحرك كالبرق. و أصبحت بين ذراعيه دون حراك... ضعيفة و ترتجف. و رفعها و تحرك بها نحو غرفة الجلوس ، و ضغطت رأسها على صدره لتمنع صوت الموسيقى الداوي.(redroses309) و شعرت بالأمان عندما أطفأ الصوت. و شعرت في لحظة بأنها خارج الزمن.
و حملها برفق إلى غرفتها ، و وضعها في السرير ، و وضع الأغطية فوقها.. و عندها فقط لاحظت أنها لم تكن ترتدي روب المنزل.. و إنحنى فوقها ، و وضع يده على جبينها ، و ربت على شعرها:
-هل تقبلين إعتذاري؟.. لو أنني علمت...
-لقد قلت لك...
-أنا آسف.. هل تريدين أن أتصل بالطبيب؟
-لا.. شكرا لك...
-إذا لم تتحسني في الصباح.. سأستدعيه..
و سألته بقليل من القلق:
-أين أنت ذاهب؟..
هل استطاع أن يسمع نبرة الخوف في صوتها؟
-لأحضر لك بعض الحليب ، و أقراص دواء لتخفيض حرارتك.
كان البخار يتصاعد من الحليب عندما قدمه لها ، و ساعدها على الجلوس ، و سوى الوسادة من خلفها لترتاح عليها ، ثم قال لها:
-لقد كنت أبلها.. كنت غاضبا منك ، و الغضب أعمى عيناي عن الحقيقة.
و ابتعد عنها نحو النافذة و جذب الستارة لينظر إلى الخارج.
-بليندا؟ ألا تنوين أن تضعي حدا لبؤس صديقك و تتزوجيه؟
-من؟ نويل جيميز؟ إذا لقد سمعت ما قاله؟
-و كيف لي أن لا أسمع؟ لقد منعتيني من النوم بنجاح لساعات و كنت أتجول في المنزل أتساءل ماذا سأفعل عندما نظرت و شاهدت منظركما المؤثر ، و سمعت عرضه للزواج منك.
-لا.. لا أظن أنني سأتزوجه.
-و لماذا لا؟ ماذا تأمل فتاة بمركزك أن تنال أكثر؟ أم أن السبب براد؟
-أنا مولعة بكليهما..
-مولعة؟ ما هذه الكلمة مثل الحليب و الماء. لا تولعي بي أبدا ، أتسمحين؟ لا أستطيع تحمل ولعك.
إذا هو ينذرها ، يعلمها بأدب أن عليها أن تستثنيه عندما يتعلق الأمر بالزواج ، و لكن كلماته التالية أدهشتها:
-لو تزوجتك كما ترغب عمتي.. فماذا ستفعلين بالمال الذي سيعود إليك؟
و أعادت رأسها للوراء ليغرق في الوسادة ، و أخذ منها كوب الحليب الفارغ ، ثم وقف ينظر إليها ، ماذا ستفعل بالمال؟ ستعطيه لأمها. و لكن هذا شيء يجب أن تحتفظ به في مطلق الأحوال لنفسها يجب أن لا يشعر أبدا بأنه مجبر بالتضحية لأجلها بزواج من غير حب لا معنى له.
-ألم أقل لك؟ سأصرفه على نفسي أشتري به الأشياء التي طالما رغبت فيها.
و أدارت وجهها لتنظر إليه ، و أدركت من التعبير الذي كسى وجهه أنها ببطء و تأكيد تدفعه بعيدا عنها ، و تابعت:
-كل قرش منه سأصرفه على نفسي.. على نفسي فقط.
-شكرا لإبلاغي بهذا
و توجه نحو الباب... و أغمضت عينيها و قالت:
-هل صدمتك أنانيتي؟
-لقد أصابتني بالغثيان!
-و لكن ألا أتصرف بهذه الطريقة كامرأة؟ ألا أؤكد هكذا ما تؤمن به؟ ألا أبرر كرهك للجنس الآخر؟
و فتح الباب و هو يقول:
-استدعيني ليلا لو احتجت إلي...
و لم تحتجه ليلا... بل تاقت إليه.. و لكنها لم تستدعه...


**************************

 
 

 

عرض البوم صور redroses309   رد مع اقتباس
قديم 23-09-09, 08:04 PM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 64394
المشاركات: 246
الجنس أنثى
معدل التقييم: redroses309 عضو على طريق الابداعredroses309 عضو على طريق الابداعredroses309 عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 217

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
redroses309 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : redroses309 المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

الفصل الرابع
عطش الحب

لازمت بليندا الفراش في اليوم التالي. و عندما حضر غارث ليراها قبل أن يذهب إلى عمله قالت إنها تشعر بأنها أحسن حالا ، و مد يده ليلمس جبهتها فبادرته:
-ليس هناك حرارة... و لا لزوم للطبيب!
-و الطعام؟... هل تستطيعين تدبير أمرك؟.. لقد أحضرته لك..
-لطف منك أن تهتم بي يا غارث...
و هز كتفيه و خرج... و بدت و كأنها بعيدة عنه أكثر مما مضى. لن تستطيع لوم أحد لهذا سوى نفسها.
-سوف تمضي السيدة هوغند النهار معك إلى أن أعود ، لقد رتبت الأمر معها.
و مر اليوم ببطء ، و اتصلت السيدة هوغند بالمدرسة و إعتذرت عن بليندا. و بوجودها في المنزل ، لم تحتج بليندا إلى شيء ، فهي لا تزال شابة و عندها أطفال تربيهم ، و عاملت بليندا و كأنه من أطفالها ، حتى أمها لم تدللها هكذا من قبل:
-يجب أن أعتني بفتاة السيد غارث الجميلة.. تعليماته أن أبقى بين يديك.
-و لكن ، سيدة هوغند ، أنا لست...
و توقفت عن الكلام فلم تكن ترغب في أن تزعزع ثقتها. لقد دعاها "بفتاته الجميلة". و كيف له أن يصف الفتاة التي تشاركه المنزل؟ أكان يضع في ذهنه هذا عندما سألها عما ستفعل بمالها إذا تزوجته؟ و في الواقع ، كم من الوقت يستطيعان الإستمرار في العيش معا هكذا دون إثارة الأقاويل؟ و تابعت ردها على السيدة هوغند:
-أنا لست مريضة كثيرا... إنه إلتهاب خفيف ، و سوف يمر...
-علي أن أستدعي الطبيب إذا ساءت حالتك... هكذا قال السيد غاردنر!
عندما وصل غارث إلى المنزل ، أبكر من المعتاد ، صعد فورا إلى غرفتها. و كانت السيدة هوغند هناك ، تأخذ صينية الشاي. و جلس غارث على طرف السرير ، و أخذ يدها الساخنة و قبلها. فابتسمت السيدة هوغند و تركتهما و خرجت.. و سألته بليندا:
-و لماذا فعلت هذا؟
-إنه نوع من التغطية يا حبيبتي! فأنت فتاتي ، و الأكثر من هذا أنت خطيبتي ، و التقاليد تفرض هذا ، فنحن نعيش معا.. أليس كذلك؟
-لا تكن سخيفا يا غارث ، لنفترض أن عمتك سمعت بهذا ، فماذا ستقول.
-سترسل لي طالبة صور حفلة الزفاف.
-لن يكون هناك زفاف... لا يمكن. لا تستطيع الزواج مني.. فأنت لا تحبني!
-و هل يجب أن يكون الحب دائما من شروط الزواج؟
-بالطبع.. و كيف تفكر بطريقة أخرى؟
-كم عمرك؟ أثنان و عشرون؟ أم ثلاثة و عشرون؟ و لا تزالين في هذا العمر تحلمين بالحب الرومانسي مثل المراهقين؟
-منذ متى يعتبر الزواج عن حب حلم المراهقين فقط. الزواج دون حب لا يمكن أن ينجح... أتذكر الكلمات المنقوشة فوق الباب في الردهة: "غبي هو الرجل الذي يتخذ زوجة في حياته ، فيوم زفافه هو يوم مماته".
و ضحك ، ثم دخلت السيدة هوغند ، فانحنى غارث و قبل خد بليندا ، و دفعته بغضب عنها ، و لكن بإبتسامة عذبة على وجهها ، لأن السيدة هوغند كانت تراقبهما. و اضطرت لأن تقول:
-ستلتقط العدوى.
و ابتسم بكسل:
-قد أحب ذلك.
و قالت السيدة هوغند:
-هل هناك شيء آخر سيد غاردنر؟
و اجابها بالنفي ، و شكرها على عنايتها "بفتاته" فتنهدت:
-عمتك ستكون مسرورة جدا... هذا ما كانت تريده تماما.. أن تتزوجا.
و رن جرس الهاتف في الردهة و خرج معها ليرد.. و عندما عاد كان وجهه مكفهرا ، و كأن ما جرى بينهما لم يكن ، و قال بجفاء:
-صديقك رقم واحد.. أم هو رقم أثنين ، براد سترونغ ، يريد أن يعرف إذا كان يستطيع زيارتك؟
-الأفضل لا.. قد يلتقط العدوى.
و عندما عاد ، قال:
-أبلغت الرسالة ، و استقبلها بإستياء و عدم تصديق. أنت تعاملين أصدقاءك الرجال بقساوة أليس كذلك؟ أنا سعيد أنني لست واحد منهم!
-و لكنك قلت للسيدة هوغند إنك صديقي...
-هذا يسعدها ، فأخلاقها من الطراز القديم.. هل تريدين بعض الطعام؟ لا لزوم للامتعاض.. فأنا طباخ ماهر ، لو كنت رئيس طباخي جيميز ، لتضاعف عدد زبائنهم.
فابتسمت و قالت ساخرة:
-حسنا... أرني أسوأ ما عندك.
و نظر إليها متوعدا:
-أسوأ ما عندي أفضل من أحسن ما عندك ، أيتها الفتاة.
و لم تستطع إنكار هذه الحقيقة ، و أكلت كل ما قدمه لها بشهية.
و عندما أخذ الصينية علق قائلا:
-الطبق الفارغ أفضل إطراء للطباخ.
و قالت ضاحكة:
-هذا شيء لن أعرفه أنا أبدا...
و أخذ يضحكان ، و رن جرس الهاتف ، و وقف ممتعضا ، و خرج ، ثم عاد فورا:
-صديقك رقم أثنين: نويل جيميز ، يأسف لسماعه بمرضك و يسأل إذا كان يستطيع زيارتك.. نفس الرسالة السابقة؟
-أجل.. أرجوك..
فتنهد و قال:
-لم أكن أعتقد بأنني مدير الفرع الرئيسي ، و الذي ينحني لي كل الموظفين و يرتجفون و ينادونني يا سيدي ، سألعب يوما دور الحاجب لمدرسة فنون شابة غير معروفة.
و عندما عاد قال:
-لقد بلغت الرسالة.. و لكنه لم يوافق.. توقعي حضوره بعد عشر دقائق.
و نظر إليها ساخرا:
-بقليل من المكياج و تسريح شعرك قد تقنعينه بالإنضمام إليك ، و لكن يجب أن تفسحي له مكان في السرير لأن الأسرة الإفرادية ليست مريحة لشخصين.
-و كيف تعرف؟.
-أعرف بالممارسة...
و خرج ، فصاحت به:
-غارث... غارث... الأمر ليس كما تعتقد!
و حضر نويل ، و انحنى ليقبل رأسها ، و جلس قربها على السرير ، فابتسمت له و قالت:
-نويل أنا أريد ن أستفيد منك.
-أطلبي كل ما تريدينه يا حبيبتي! أنا في خدمتك! متى تريديني...؟
-توقف عن المزاح يا نويل و استمع : يوم السبت ، سأكون قد تحسنت ، و كنت وعدت أولاد صفي بأن أخذهم إلى الريف في نزهة ، و تمرين للرسم أيضا...
-و كيف أستطيع المساعدة؟
-هل تأخذنا بسيارتك ، إنها كبيرة...
-و ماذا أفعل أنا و أنتم ترسمون؟
-تجلس و ترتاح... و ستبدو جميلا حتى أنني قد أرسمك...
-شكرا للمديح.. حسنا سآخذكم.. و لكن العدل عدل.. يجب أن تقدمي لي معروفا بالمقابل
و أخرج علبة كبيرة من جيبه و فتحها ، و بدا فيها خاتم ماسي ضخم يلمع بشكل لا يصدق في العلبة المخملية، و قال:
-البسي هذا.
-و لكننا لسنا مخطوبين يا نويل.
-لقد قلت لك إنني لجوج.. هيا إلبسيه يا حلوتي!
-آسفة يا نويل...
-هل أستعجلك؟ حسنا.. سأنتظر!
-و لكنك ستأخذنا إلى الريف يا نويل ؟ أرجوك؟
-عندما تنظرين بهاتين العنين الواسعتين ، كيف لرجل أن يرفض؟
-شكرا..
-ألا أستحق أكثر؟
-إنني مريضة و هذا يجعلني ضعيفة.
فضحك و وقف:
-سأراك يوم السبت. في أي وقت؟ الساعة الثانية؟
و بعد أن خرج دخل غارث... و لا حظ وجهها المتورد فسألها:
-هل حددتما الموعد؟
-بالطبع لا.. و لكنه قدم لي خاتم الخطوبة.
و رفع يدها لينظر إليها فقالت:
-لقد أعدته إليه.
-إنك فتاة طيبة ، كم تحبين أن تبقي رجلك معلقا.(redroses309) أشكر الله إنني لست واحد منهم.
في الصباح التالي كانت لا تزال في السرير عندما دخل غارث ، بعد أن قرع الباب أولا.
-هل أنت أفضل الآن؟
-أجل شكرا لك. سأخرج من الفراش اليوم. و غدا أعود إلى عملي.
-و هل هذا أمر حكيم؟ و هل هو ضروري؟ على كل غدا آخر يوم في الدراسة ، أليس كذلك؟
-أجل إنه ضروري ، فمعلمين آخرين يتولون حصصي ، و هذا ليس عدلا لهم. على كل ، يوم السبت وعدت أن آخذ مجموعة من الأولاد إلى الريف ليرسموا ، و يجب أن أرتب أمر اللقاء بهم و ما إلى ذلك.
-و من سيوصلكم إلى هناك؟
-سيوصلنا نويل...
-سيمثل دور الأب؟ يتمرن منذ الآن على رعاية الأطفال.
-هذا لطف منه...
-لطف كبير أن يساعد فتاة يحبها.
و قطبت جبينها و أخذت ترتب الشراشف و هي تقول:
-مع السلامة.
-أنت تعرفين كيف تجعلين الرجل يشعر بأنه غير مرغوب فيه.. أليس كذلك؟
أحضر رجل البريد رسالة من السيدة دونيكان تقول فيها :
-أخبريني عن أحوالك يا بليندا. لقد كتبت لغارث و لكنه لم يرد ، كيف حالكما معا؟ هل خطبتما؟ لقد مضى شهران ، و بقي أربعة فقط لتستفيدا أو تستفيد القطط! أنا واثقة أن بإمكانك تحطيم حواجزه ، مع أنني أعترف أنها صلبة".
"أنتي جميلة جدا يا عزيزتي. و لك طبع جميل.. كيف يستطيع أن يعيش في نفس المنزل معك و لا يقع في حبك؟ أنت جزء من خطتي ، و أعلم أنني عجوز مزعجة ، لا بد أن طباعه أصعب مما تصورت ، بما أنه قادر على أن يقاوم سحرك حتى الآن! اكتبي لي ، و أتمنى أن تكون أخبارك جيدة... عمتك المحبة.. إيلين دونيكان"...
و بعينين دامعتين طوت الرسالة ، ثم استغرقت بالرسم ، لونت قليلا ، ثم رسمت قليلا ، و تجولت في البيت على غير هدى...
كان باب غرفة جلوس غارث مفتوحا ، فأدخلت رأسها عبر الباب بحذر و كأنه داخل الغرفة.
جلست في مقعده المفضل ، و أمالت رأسها على وسادة المقعد ثم دفنت رأسها فيها و كأنها تعانقه. و تركتها منزعجة من أفكارها و مشاعرها ، و سارت نحو الغرفة. على حافة المدفأة ،(منتديات ليلاس) كانت هناك صورة ملونة لإمرأة في أوائل الثلاثينات من عمرها ، طويلة نحيلة ، و جذابة ، و كانت تبتسم ، عند الزاوية هناك كتابة جميلة الخط و منمقة:
-"إلى غارث من لوسيا.. سأفتقدك".
إذا هذه هي الفتاة التي تركها هناك ، إنها لا تشبهني ، و مررت يدها على شعرها الأشقر الطويل ، و نظرت إلى شعر المرأة القصير البني المتجعد ، و تفرست بملابسها ، أنيقة و مكلفة ، مع لمسة من عالم الأزياء ، ثم قطبت جبينها و قد تذكرت طريقة لبسها.
بعد دوام المدرسة ، اتصل بها براد و سألها إذا كان بمقدوره زيارتها ، و كانت تشعر بالسأم ، فلماذا لا يزورها؟ و قال:
-سأحضر بعد عشر دقائق.
و استقبلته في غرفة طعامها ، فجلس و أشعل سيجارة و نفخ دخانها و فتح حقيبته و أخرج بعض الرسومات و قال:
-هذه بعض الأعمال التي قام بها الأولاد في صفك. متى ستعودين إلى المدرسة؟ غدا؟ هذا جد. لقد قلق الأولاد الذين ستأخذينهم في الرحلة.
-آمل أن لا تمطر ، أنت تعرف الريف ، لا يمكن الحصول على طقس جيد هناك في مثل هذا الوقت من السنة.
-إذا أمطرت دعيهم يرسمون المطر... المطر الحقيقي ، إنه تمرين جيد.
الساعة بلغت الخامسة و النصف ، و في أي دقيقة قد يحضر غارث و براد لا يزال هنا. و لكن لماذا عليها أن تهتم إذا وجد غارث براد هنا؟ إنها ليست تابعة له!
لا بد أن غارث قد لاحظ رائحة دخان براد ، و بدلا من أن يصعد مباشرة إلى غرفته كما يفعل دوما ، دفع باب غرفة جلوسها. و أحنى رأسه لبراد بالتحية ، و نظر إلى بليندا بغضب ، ثم نظر إلى الرسومات المنتشرة على الطاولة و خرج ، تاركا الباب مفتوحا.
و عندما غادر سألها براد:
-لماذا فعل هذا؟ ماذا كان يظن أننا نفعل؟ نقوم بخيانته؟
-براد.. إنني لست متزوجة منه.
-قد يظن أي شخص آخر أنك متزوجة منه. لا أستغرب أن يقوم بتقييدك إلى الباب ، و بدلا من أن يكتب أمامك "إحذروا هذا الكلب" يكتب "إحذروا هذه الإمرأة" إنها لي...
و ضحكت بليندا:
-لك أفكار غريبة يا براد. لقد قلت لك إنه يعترف بنفسه بأنه يكره النساء.
-ليس هناك رجل طبيعي يكره النساء يا عزيزتي ، و خذي كلامي على محمل الجد ، هذا الرجل طبيعي تماما...
-إنه لا يطيق رؤيتي!
-ما بالك؟ لست واقعة في حبه؟
و احمرت وجنتاها ، فبراد يلاحظ بدقة كبيرة.
-أحبه؟ أستطيع أن أحب قطعة من الصخر بسهولة أكثر. إنه مصنوع من الصخر...
و جمع الرسمات و هو يقول:
-سأذهب عند أهلي لقضاء الأعياد.
ثم سار نحو الردهة و عاد ليقول:
-ألن أحصل على قبلة وداع؟
فأجابته:
-آه منكم أيها الرجال و من العناق.
و تقدمت نحوه و عانقته قليلا ، فقال:
-أيجب عليكي أن تكوني جذابة هكذا؟ لولا ذلك لما غازلك الجنس الآخر.
بعد أن حضرا وجبة عشائهما ، أخذ غارث طعامه و ذهب إلى غرفة الطعام. و أرادت أن تسأله لم هو غاضب منها؟ و ماذا فعلت له هذه المرة؟ و لكن الجو المتوتر بينهما منعها من السؤال.
بعدما أنهت غسيل أطباقها ، مرت من أمام غرفة الطعام بصمت ، فتقدم نحو الباب و قال:
-من سمح لك بدخول جناحي الخاص أثناء غيابي!
و احمر وجهها... كيف عرف؟ هل ملأ الغرفة بأجهزة تجسس؟
-و لكنني... لم...
-بل دخلتي.. لدي دليل أنك دخلتي...
و لحقت به إلى الداخل.. و مد يده إلى وسادة صغيرة موضوعة ، على الطاولة و قال: -الدليل رقم واحد.
و أشار إلى شعرتين شقراوين طويلتين متعلقتين بالمخمل الأزرق. و نظر إلى شعرها و نظر إلى الشعرتين:
-إنها لك.
-أنا آسفة.. و لكني لم أفعل شيئا خاطئا.. إنني فقط ...
فقط ماذا؟
هل عانقت الوسادة ظانة أنها أنت؟.. لقد جلست هنا فقط!
-و لكن لماذا؟ لديك جناحك الخاص.
-لقد كنت ضجرة... لا يوجد أحد أتكلم معه ، و لا شيء لأعمله. و أنا لن أمانع لو دخلت إلى غرفتي. فليس لدي شيء أخفيه ، فأنا أثق بك و عليك أن تثق بي.
-أوافق... و لكنني لا أحب أن تنتهك أملاكي على يد...
-تابع كلامك.. قلها.. قل على يد إمرأة ، و خاصة إمرأة تكرهها.
-يا فتاتي العزيزة.. أنا لا أكرهك... إنني فقط...
-إنك لا تهتم بي... و كأنني لا أعرف هذا!
و استدارت لتبتعد ، و لكنه أمسك بيدها و جذبها إليه.
-هل يهمك أن لا أهتم بك؟
-الأمر فقط.. أن لا أحد يحب أن يتجاهله الأخرون ، و أن يعامل و كأن الأمر لا يهم إذا كان موجودا أم لا...
-و لكن... لديك أصدقاء شبان كثيرون "يهتمون" بك. فلماذا تهتمين إذا لم أفعل أنا؟
و سحبت يدها منه و قالت بغضب:
-لقد قلت إنني آسفة ، لن يحدث هذا مرة ثانية.
و رد عليها:
-لقد سمعت هذا القول من قبل.
-لقد أغلقت باب غرفة نومك ، حسنا ، أقفل أبواب كل الغرف، فأنا لا أهتم!
و استدارت لتركض صاعدة السلم ، و رمت نفسها على الأريكة في مرسمها ، و حدقت في السقف ، كم ستسطيع تحمل الصدام معه؟ لقد قالت عمته "حطمي حواجزه" و لكن كيف لأية إمرأة أن تجد طريقة لأختراق دفاعاته الصلبة؟
صباح يوم السبت ، بعدما تناول غارث إفطاره ، حضرت لنفسها بضع سندويشات و بعض الكعك ، و زادتها قليا إحتسابا للطوارئ. كانت ستلتقي الأولاد عند باب المدرسة ، فقد وعد نويل أن يلتقي بهم هناك. و رن جرس الهاتف ، و كان نويل المتكلم ، و كان صوته ملئ بالإعتذار و الأسف:
-آسف حبيبتي... هذا المؤتمر يجبرني على البقاء. والدي غائب ، لذا يجب أن أبقى... ثم هناك عشاء سيتبع المؤتمر ، و من واجبي أن أكون موجودا ، أكره أن أخذلك. ربما تستطيعين إستئجار باص؟ و إلا عليك بإلغاء الرحلة.. آسف يجب أن انهي المكالمة...
و جلست بليندا على السلم و وضعت رأسها بين يديها. ماذا ستفعل؟ هل تخيب أمل الأولاد؟ و سمعت وقع خطوات وراءها ، و تنحت لتسمح لغارث أن يمر. فقال لها:
-آسف ، لقد سمعت حديثك هل خذلك نويل جيميز.
-ليس الذنب ذنبه.
-أنا لا أقول أن الذنب ذنبه... كنت فقط أنوي عرض المساعدة ، و لكن...
و استدار ليعود أدراجه ، و لكنها ركضت وراءه و هي تصيح:
-غارث!
و وقفت أمامه:
-أرجوك.
و وضعت يدها على ذراعه
-هل ستساعدني؟ سيكون رائعا لو أنك أخذتنا.
-الأطفال سيخيب أملهم إذا لم يذهبوا.. سآخذك من أجلهم فقط...
و سقطت يدها عن ذراعيه.. من أجلهم فقط... و ليس من أجلها. حسنا! ماذا كانت تتوقع منه؟ و ابتسمت:
-إذا تغذيت الآن.. أجل.. ما رأيك بتناول الشاي؟
و ركضت نازلة السلم نحو المطبخ و هي تصيح:
-سأصنع بعض السندويشات لك...
-سأصنعها بنفسي...
-كما تحب... لقد صنعت إبريقا من القهوة..
-سأصنع واحدا لي...
و عضت شفتها ، أليس هناك شيء يرغب في مشاركته معها؟
و جلس المراهقون الخمسة ، ثلاث بنات في الثالثة عشرة ، و صبيين في نفس العمر ، في السيارة على أحضان بعضهما. و ساد الهرج و الضحك في المقعد الخلفي لسيارة غارث. و كانت المرة الأولى التي تركب فيها بليندا في سيارة غارث. و قالت هذا ، فرماها بنظرة غريبة ، مقطبا:
-من النادر أن أسمح لإمرأة أن تجلس بقربي ، المقعد الأمامي لم يستخدم بعد.. و يجب أن يستخدم...
-أتفكر بأن تتخذ لنفسك صديقة ، و لكن لديك واحدة ، أليس كذلك؟
-و ماذا تعنين؟
تلك الصورة في غرفة الجلوس.. لوسيا.. التي تشتاق إليك.
و إبتسم قائلا:
-ظننت أنك لم تسترقي النظر في ذلك اليوم عندما دخلتي الغرفة.
-لو علمت عمتك بأمرها ، لما وضعتك في هذا الموقف السخيف المتعلق بي! لماذا لم تكن صادقا معها؟ لماذا لم تخبرها عن صديقتك التي تركتها تنتظر؟
-هذا ليس من شأنك! على كل أنا مصنوع من حجر ، أليس هذا رأيك! لذا فما نفعي لأية إمرأة؟
-لقد سمعت ما قلته لبراد!
-ألم تقصدي أن أسمع؟ كم من المؤسف أنني لست قطعة من الصخر المنحوت. لكنت وقعت في حبي بسهولة أكثر... أليس هذا ما قلتيه؟
-و ما نفع وقوعي في حبك؟ مكان قلبك يضيع فيه نهر جوفي!
و إبتسم غارث إبتسامة ساحرة..
و وصلوا إلى الوادي حيث يقصدون. كتل من الصخر المستطيل تقبع بروعة على ضفتي النهر. و ركضت البنات نحوها ليستكشفنها ، و أخذ الصبيان يضحكان و يلاحقانهن ، مهددان بدفعهن إذا لم يسرعن في سيرهن ، و وصلوا إلى الجانب الآخر من النهر.
و أمسك غارث بيد بليندا.
-تعالي... سأتأكد من وصولك إلى الضفة الثانية دون أن تقعي في الماء الجاري.
و خاضا إلى أول صخرة ، ثم إلى الأخرى ، تاركا لها الوقت لتدوس على الصخر المنزلق من الماء ، و صاح أحد الصبية:
-ادفعها في الماء يا سيدي.
-إذا لم تحسن تصرفها سأفعل!
و مضيا في طريقهما ، صخرة خلف صخرة ، و كانت بليندا مسرورة لأن غارث يمسك بيدها عندما كانت قدمها تنزلق مرة بعد مرة.
و عندما وصلا إلى الضفة الأخرى ، رفعها غارث و طوق خصرها بذراعه و أمسك بها قريبة منه للحظات قطعت أنفاسها. و تمتم قائلا:
-لا أريدك أن تقعي إلى الخلف...
و بينما ساروا جميعا ، انزلقت يده نحو يدها و أمسكها و كأنه لا ينوي أن يدعها تهرب من قبضته. و لأنها لم تكن ترغب في أن تترك يده ، كان من المستغرب أنه يرغب في أن يمسكها ، و سارت إلى جانبه ، و وجهها يعبق بالسعادة ، و ألوان عينيها تماثل ألوان النبات و الشجيرات و الأزهار من حولها.
كان يوما ممتازا للرسم و التلوين. و تجمع الفريق حول بليندا التي أخذت تشير إلى تباين الظلال و الشمس ، و كان فوقهم الصخور العالية ، و العشب الأخضر اللامع يحاذي المياه ، و شرحت لهم ، ما يفعله الماء و الريح عبر العصور في أماكن محددة من الصخور ليشكلها بأشكال غريبة ، مثل تلك الصخرة التي تماثل الأسد الجاثم ، لمن لهم الخيال ، و إبتسمت بسعادة لغارث الذي وقف يراقبها و يستمع. و قالت لهم:
-تستطيعون رسم و تلوين أي شيء تحبونه. نفذوا ما ترسمونه بطريقتكم الخاصة ، و حاولوا أن تتذكروا كل ما علمتكم في المدرسة حول "النظرة الخاصة" عوضا عن التطلع فقط. إذا كنتم تتطلعون إلى شجرة ، لا تنظروا فقط إلى أوراقها و أغصانها ، بل إلى المسافات بين هذه الأوراق و الغصون ، تستطيعون في الواقع أن ترسموا هذا الفراغ بدل الشجرة نفسها. و ستكون النتيجة مهمة...
و تفرقت المجموعة ، غير بعيد ، و أخرجت أدوات الرسم الخاصة بها و تجول غارث قليلا ، ثم قرر أن يستكشف الوادي بعمق أكثر. و خاب أمل بليندا ، فقد تمنت لو أنه بقي معها ، و لكن روحه الاستقلالية لا تتركه يستقر في مكان واحد ، و هذا ما سيعذب أية إمرأة قد يتزوجها في يوما ما.
و بدأت الغيوم تتجمع في السماء ، ثم تتكثف ، و لكنها لم تلاحظها. كما لم تلاحظ أن غارث قد رجع ، و جلس على مسافة قريبة منها يحدق بها.
كانت تسمع ضحك البنات و الصبيان و هم يتجولون بعض الأحيان مفتشين عن منظر أجمل. و استلقى غارث ليرتاح على كوعه ، و هكذا استرعى انتباهها. و حضرت بسرعة ورقة رسم جديدة و بدأت ترسمه ، و هو ثابت في مكانه مثل الصخور التي تحيط به ، مستغرق في أفكاره. و حاولت أكثر من أي شيء آخر أن تلتقط في رسمها الذكاء الذي يشع من عينيه ، بينما كانتا تجولان في المكان ثم تستقران ثانية عليها. و عندما أنهت الرسم خبأته بين الأوراق الباقية. و تنهدت دون قصد فنظر إليها، ثم وقف و انضم إليها و أخذ قلبها يتجاوب خافقا.
-يبدو أنك تحبين عملك.
-إنه حياتي...
-التدريس أم الرسم؟
-الأثنان معا. أحب أن أفتح عيون الأولاد على الأشياء من حولهم. ليس الجمال فقط ، بل الحزن أيضا ، الظلال كما ضوء الشمس أعلمهم الفن ، أعتقد أن هذا يعلمهم الحياة نفسها.
-إذا أنت لست فنانة عصرية ، أعني تلك التصميمات الغامضة و الألوان التي لا معنى لها؟
-بالطبع أنا فنانة عصرية. و لكنني لم أترك الفن التقليدي. كل منهما لديه شيء يعطيه للآخر.
-مثل الرجل و الإمرأة؟
-طبعا.. و لكنك لن تستطيع تصديق هذا لكرهك الأعمى للمرأة!
-أعترف أن لدي قناعات معينة.
-أنت صعب المراس!
-حسنا.. لقد عشتي معي لفترة شهرين الآن ، و يجب أن تكوني تعرفينني الآن جيدا..
-أنا لم "أعش معك" و أنت تعرف هذا.
-و لكن زملاءك لا يعرفون هذا. ماذا تعتقدين أنهم يظنون؟
-لا أهتم بماذا يفكرون! كل العالم يتوقع أن يكون تصرف الفنان شاذا ، و ماذا عن زملاءك؟
-إنهم لا يعرفون شيئا عن حياتي الخاصة. و هم يعتقدون أنني أعيش وحيدا.. لقد.. وصلتني رسالة من عمتي..
-و أنا كذلك.
-أعتقد أنها قالت نفس الشيء لك... متى الزفاف؟
-تقريبا... ماذا ستقول لها؟
-لا شيء... لن أرد على رسائلها.
-هكذا قالت. أظن أن هذا أمر ردئ منك. إنها عجوز رائعة...
-اكتبي لها عن كلينا ، و أخبريها أننا نتقدم بنجاح. قولي لها إننا نمسك بخناق بعضنا أكثر من الأول. لو كتبت أنا فماذا سأقول؟ هل أقول إن لديك اثنان على الأقل يحبانك و يتوسلان إليك للزواج منك؟
-هذا كلام خاطئ... فهما لا يحباني بالمعنى الذي تقصده.
-لا؟..
-لا.. إنهما مجرد أصدقاء.
و ضحك... و عاد الأولاد بسرعة بعد أن بدأت قطرات المطر تتساقط ، و ساعدها غارث بتجميع أدواتها و نظر من حوله:
-لنجد مكانا نلجأ إليه.
و قال صبي يدعى كنيث:
-هناك مغارة هناك.
و تبعه الجميع و وصلوا إلى المغارة. و كانت المغارة مظلمة و لا يوجد معهم ما يشعلونه. فتجمعوا معا قرب فتحتها ، و كان هناك بعض الحجارة التي جلسوا عليها و تناولوا الطعام و الشاي و هم ينظرون إلى المكان و قد غرق بالمطر. و إلى النهر الذي تسارع تدفقه كثيرا ، و الأغصان التي أنحنت بفعل ثقل المطر. و شعرت بليندا بإرتجاف من البرد مفاجئ... فتقدم نحوها و جذبها إلى قربه واضعا ذراعه حول خصرها. فحاولت أن تبتعد عنه ، و لكنه قال لها بصوت خفيض:
-إذا لم يكن هناك شيء أستطيع إعطاؤه لك ، فعلى الأقل سأعطيك بعض الدفء من جسمي. دعيني أقول لك سرا. أنا لست من حجر. لدي مشاعر و حرارة ، و عاطفة.. أنا من دم و لحم.
و إرتجفت ثانية ، ليس من البرد ، بل من شعورها بقربه منها ، و من ضغط جسده عليها. و للود المثير في صوته. و لكنها قالت محاولة أن تسخر:
-لن تستطيع خداعي.
-هل هذا تحدي.
-لا...
و شدها إليه أكثر و حاولت أن تبتعد ، و لكن متأخرة ، فقد وجدت نفسها بين ذراعيه ، و لفترة قليلة ، ثم جذبت نفسها مبتعدة عنه. و بجهد تمالكت نفسها ، و قالت للآخرين محاولة إيجاد جو تستطيع التوازن فيه:
-المطر بدأيخف لذا لنحاول أن نركض ، لا تتركوا شيئا خلفكم.
و أوصل غارث الأولاد واحدا واحدا إلى منازلهم ، و تلقى شكرهم و لوح بيده مودعا لكل منهم. و تمتم كنيث لهما و هو يضحك:
-حظا سعيدا سيدي ، آنستي.
و شكرته بليندا بإبتسامة ، و لكن عندما ذهب التفتت إلى غارث:
-سيعتقدون الأولاد أن هناك شيئا بيننا و سيقولون لأباءهم ، و...
-ظننت أنك قلتي إن الأمر لا يهمك؟ على كل هناك شيء بيننا... كمية ضخمة من المال.
و نظرت بليندا من نافذة السيارة ، و لاحظت أن الطريق الذي يسيران عليه لا يقود إلى منزلهما.
-أين أنت ذاهب؟
-لنتعشى...
-و لكن... بهذه الثياب؟
-و ما بها هذه الثياب؟
-وجهي... و شعري...
-هيا.. مشطي شعرك ، و ضعي بعض المكياج... و لكن ليس من أجلي ، أنا واثق أن نويل جيميز سيحبك كما أنت.
-أتأخذني إلى جيميز؟ لا أستطيع الذهاب إلى هناك...!
-و لماذا لا؟ إنه أفضل مطعم في المدينة. و أفضل مكان هو ما يناسب المرأة التي إختارتها عمتي لي لأتزوجها.
-لا تكن غبيا هكذا يا غارث ، فنحن لن نتزوج...
-ها قد وصلنا...
و أوقف السيارة ، ثم رافق بليندا إلى المطعم ، و بينما هما يدخلان وضع ذراعه حولها و جذبها نحوه. و كان نويل يقف في الردهة. و اتسعت عيناه بالدهشة ، ثم انقلبت إلى عدائية عندما شاهد غارث ، و لكن لتعلمه ضبط أعصابه في عمله ، إبتسم لهما إبتسامة زائفة... و أحنى غارث رأسه و قال لها هامسا:
-خلصي نفسك من هذا الموقف.
و زجرته بنظرة من عينيها ، فابتسم لها إبتسامة ساخرة. و رفع نويل يده مرحبا:
-أهلا بليندا... كيف كانت الرحلة؟ من أخذك ، أحد الأباء؟
-لا.. لقد أخذنا غارث.
-أوه.. هذا جيد.. عذرا يجب أن أذهب.. تمتعا بوجبتكما. سأعطي تعليماتي لرئيس السقاة ليخدمكما.. هذا أقل شيء أقدمه لفتاتي الجميلة!
و تناولا طعامهما ، و كانت الخدمة ممتازة و الطعام شهي. أفضل ما يمكن أن يقدم هذا المطعم الفاخر. و كان غارث يحاول جهده أن يرضي الفتاة التي ترافقه.
و علمت بليندا سبب ما يقوم به.. لمجرد إزعاج نويل... الذي كان يتجول في المطعم ، و في إحدى المرات و هو يمر ، وضع غارث يده على يد بليندا ، و سألهما نويل ، كمدير للمطعم ، إذا كانا يتمتعان بطعامهما. و أجابه غارث بكل كبرياء رجل الأعمال الناجح:
-بشكل ممتاز سيد جيميز! سنعود أنا و بليندا إلى هنا مرة أخرى!
و تركهما و ذهب. و التفت إليها غارث :
-هل نذهب إلى المنزل يا بليندا؟
و بينما هما يغادران توقف غارث لينظر إلى لوحات بليندا. و حدق بكل واحدة منها عن كثب متفحصا. و ظهر نويل و وقف عند طاولة الاستعلامات. فتقدم غارث نحوه و أومأ برأسه محييا ثم دفع فاتورة العشاء. و قال:
-أحب أن أشتري واحدة من هذه اللوحات.
-و لكن يا غارث... أستطيع أن أعطيك واحدة.. لا حاجة لأن...
-أعطني لوحة المنظر الطبيعي ، أرجوك.
و التفت إلى بليندا:
-و هل أقبل هدية من الفتاة التي أسكن معها؟ حبيبتي.. يجب أن يكون الأمر معكوسا. يجب أن أعطيك أنا الهدايا، لكل ما تقدمينه لي... من لطف..
و أعاد النظر إلى وجه نويل.
-كم ثمنها سيد جيميز؟
و ذكر له نويل الثمن و تحرك نحو الجدار ليحضر اللوحة ، و أخرج غارث دفتر شيكاته و قال:
-سأضاعف المبلغ.
و تمتمت بليندا و هي تجذب أكمامه:
-غارث.. لا حاجة لذلك.. اللوحة لا تستأهل كل هذا.
فابتسم لها ، ثم أخذ اللوحة التي غلفها له نويل.
-أنت متواضعة كثيرا يا حبيبتي! لا يجب عليك أن تقللي من قدرك هكذا.
هل أستطاع نويل أن يلاحظ السخرية في صوته و الزيف في قوله؟
و لاحظت على وجهه الاضطراب و البؤس... و كان غارث قد خرج...


****************************

 
 

 

عرض البوم صور redroses309   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليليان بيك, حياتي احترقت, lilian peake, رومنسية, روايات, روايات مترجمة, روايات مكتوبة, روايات رومانسية, روايات رومانسية مترجمة, روايات عبير المكتوبة, the impossible marriage, عبير الجديدة
facebook



جديد مواضيع قسم روايات عبير المكتوبة
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t119989.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
ظ†ظˆظٹظ„ ظ„ظ† ط§ط¹ظٹط´ This thread Refback 05-08-14 09:48 AM
ظ†ظˆظٹظ„ ظ„ظ† ط§ط¹ظٹط´ This thread Refback 04-08-14 05:08 AM
ظ†ظˆظٹظ„ ظ„ظ† ط§ط¹ظٹط´ This thread Refback 02-08-14 09:31 AM
ط­ظٹط§طھظٹ ط§ط­طھط±ظ‚طھ ظپظٹظپظٹط§ظ† ظ„ظٹ ط±ظˆط§ظٹط§طھ This thread Refback 01-08-14 01:59 PM


الساعة الآن 04:28 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية