لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات احلام > روايات احلام > روايات احلام المكتوبة
التسجيل مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات احلام المكتوبة روايات احلام المكتوبة


285 - انين الذكريات - هيلين بروكس ( كاملة )

الملخص ـ أنا أعمل عندك ـ وإن يكن؟ أنت غير مرتبطة وأنا أيضا. هذا هو الشيء الوحيد المهم لم يكن

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 21-08-09, 09:38 AM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Mar 2008
العضوية: 66854
المشاركات: 2,022
الجنس أنثى
معدل التقييم: safsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 585

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
safsaf313 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي 285 - انين الذكريات - هيلين بروكس ( كاملة )

 


الملخص







ـ أنا أعمل عندك

ـ وإن يكن؟ أنت غير مرتبطة وأنا أيضا. هذا هو الشيء الوحيد المهم

لم يكن لوكاس رب عمل عادي بل رجلا جذابا، يستحيل مقاومته، لا سيما حين أعلن لكيم بوضوح أنه يريدها في حياته إلى الأبد.

لكن هل ستتمكن كيم من تجاوز تجربة زواجها الفاشل؟ وهل ستنسى المأساة الحقيقية التي عاشتها وما زالت تحمل آثارها حتى اليوم؟ وهل سيصبر لوكاس حتى تتخذ قرارها؟ منتديات ليلاس

 
 

 

عرض البوم صور safsaf313   رد مع اقتباس

قديم 21-08-09, 09:41 AM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Mar 2008
العضوية: 66854
المشاركات: 2,022
الجنس أنثى
معدل التقييم: safsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 585

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
safsaf313 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : safsaf313 المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

1ـ في شباك المال




ـ كيم، لا أظن أبدا أن خطواتك هذه صائبة، صدقيني. يكفي ما لديك من مشاغل وأنت تعرفين ذلك.

أجابت كيم بتبات:" ليس لدي خير آخر، يا ماغي"

حدقت ماغي كونوواي في صديقتها بعجز:" ولكن.."

ولم تجد ما تقول.
منتديات ليلاس
ـ اسمعي، أرجوك أحضري ميلودي بعد المدرسة. لا أظنني سأتأخر كثيرا عن الخامسة مساء، لكنك تعرفين كيف تكون المقابلات المتعلقة بالعمل. فقد يؤخرونني فترة.

قالت ماغي بكدر:" لا بأس"

عانقتها كيم وقالت بحرارة:" شكرا، لا أدري ماذا كنت سأفعل من دونك"

بقيت كيم تفكر في جملتها الأخيرة وهي تخرج من شقة ماغي الفسيحة المريحة إلى الهواء القارص. لم يكن مظهر ماغي يشبه الملائكة بشيء، فهي بدينة بقدر ما هي طويلة، ذات شعر أشعث جعد أحمر اللون، والنمش يغطي كل إنش من جلدها، لكنها رغم ذلك كانت ملاكا. هذا ما حدثت به كيم نفسها بصمت وهي تسير إلى موقف الباصات. أما كيف كانت ستتمكن من اجتياز السنتين الماضيتين العاصفتين من دون مساعدة ماغي وروحها المرحة، فهذا ما لم تكن تعرفه.

وصلت إلى موقف الباصات مع توقف الباص. وعندما جلست، أخذت تنظر إلى خارج النافذة دون أن ترى شيئا، غفلة عن شاب وسيم المظهر يجلس أمامها ويبدو أنه لم يستطع تحويل عينيه عن جمالها الأشقر.

لقد دخلت ماغي حياتها كمربية أطفال من دون أجر غالبا. وهي صديقة وناصحة ومساعدة في أمور كثيرة. الشيء الحسن الوحيد الذي اكتسبته من علاقتها بغراهام، عدا ميلودي بالتأكيد، هو تعرفها إلى ماغي.

غراهام... وتوتر فم كيم الممتلئ الناعم وضاقت عيناها البنيتان للذكرى قبل أن ترغم أفكارها على التحول عن ذلك الشبح المفزع في ذهنها.

لم يكن هذا وقت التفكير في غراهام فأمامها مقابلة عمل هامة..لقد فهمت أن المنافسة لأجل وظيفة سكرتيرة رئيس مجلس الدارة والمدير التنفيذي في شركة " كين الكتريكال" الكهربائية ستكون عنيفة، وعليها أن تكون صافية الذهن، مركزة الأفكار منذ البداية.

أنزلها الباص بعد ربع ساعة في ضواحي كمبريدج خارج المبنى الضخم الذي تحتله شركة "كين الكتريكال"، وما هي إلا خمس دقائق حتى كانت واقفة في مكتب الاستقبال أمام الموظفة الجميلة ذات الشعر الرائع والقوام الرشيق، تشره لها أن لديها موعدا مع السيد لوكاس كين في الساعة الثانية والنصف.

ألقت الفتاة من عينيها المكحولتين نظرة شاملة على هذه المرأة الطويلة المحتشمة الواقفة أمامها، ثم قالت بلطف تهكمي وابتسامة متكلفة:" حسنا، يا سيدة ألن. تفضلي بالجلوس لحظة ريثما أخبر سكرتيرة السيد "كين" أنك هنا"

احمر وجه كيم قليلا تحت نظرات الموظفة المتفحصة:" شكرا".

كان معطفها الشتوي جيدا، لكنه ليس جديدا، وكذلك كان حال حذائها وحقيبة يدها. أما طقم الموظفة فكان من تفصيل مصمم شهير وكان شعرها مقصوصا في أحد أغلى صالونات كمبريدج.

لكنها لن تدع هذه الفتاة، أو أي شخص آخر يؤثر فيها سلبا، كانت تحدث نفسها بذلك وهي تغوص في الجلد الناعم الوثير. قد لا ترتدي ملابس حديثة الطراز، لكنها سكرتيرة ممتازة، كما تقول شهادات التوصية.

رفعت رأسها فجأة وأخذت تحدق أمامها، ويداها في حضنها وركبتاها بجانب بعضهما البعض باحتشام، عندما دخل بوقار، رجل طويل أسمر يحيط به ما يمكن تسميته بحاشية.

وجدت نفسها تحدق في ظهر هذه الشخصية بنفور ولم تعرف إن كان السبب هو عدم اللباقة في تقويم موظفة الاستقبال لها، أم لأنه بدا لها أن المحيطين بهذا الرجل يتهافتون للظفر بانتباهه.

فكرت بطيش في أنه يعرف جيدا كيف يؤثر في الموجودين عندما يدخل إلى أي مكان وهو إلى ذلك واثق من أهميته إلى درجة الغرور! لشد ما كانت تكره التزلف والنفاق والخنوع... هذه الصفات التي ترافق دوما الثراء والسلطة في بعض المناطق.

كانت الجماعة متجهة إلى المصاعد في الناحية البعيدة من مكتب الاستقبال بحماسة مكبوتة. أما الرجل القائد فبدا غائب الذهن عنها.

كانت عينا كيم مركزتين على ظهره، ووجهها يعبر عن مشاعرها بوضوح بالغ عندما التفت ونظر إليها مباشرة ما صدمها وأدهشها.

جذب انتباهها عينان زرقاوان فضيتان قويتان استوعبتا بنظرة سريعة شاملة كل ما فيها، قبل أن تتمكن من محو ما علا ملامحها من تعبير سلبي.عند ذلك رأت حاجبيه الأسودين يرتفعان بازدراء لاذع... وكانت الرسالة واضحة.

لقد أدرك ما كانت تفكر فيه، أدركه ونبذه، كما نبذها هي أيضا بإظهار ازدرائه الذي جعل وجهها يتضرج احمرارا. ولم تستطع أن تلومه، لم تستطع. فقد كانت فظة غير مهذبة وذلك بشكل لا يغتفر.

وقبل أن ينفتح باب المصعد بجزء من الثانية، أخذت أفكارها تتسارع، ولكن كان الوقت قد فات على أي تصرف عدا النظر إليه، إذ اختفى المصعد الذي انطلق به وانتهى كل شيء.

عادت تغوص في مقعدها ولكنها كانت متصلبة الجسم. كم كان ذلك محرجا! وأغمضت عينيها لحظة قصيرة وابتلعت ريقها بصعوبة، ثم نظرت إلى موظفة الاستقبال التي كانت تتحدث في الهاتف. ما الذي ظنه بها يا ترى؟

راحت الآن تنظر إلى موظفة الاستقبال من دون أن تراها إذ استمر ذهنها في تحليل كل لحظة من هذه المسرحية الصغيرة التي حدثت بشكل غير متوقع. من تراه يكون؟ من الواضح أنه شخصية هامة...أتراه أحد مديري الشركة؟

خطرت لها فكرة فظيعة استبعدتها في الحال بحزم. لا، ليس هو... ليس لوكاس كين. فهذه كارثة لن ينقذها منها سوى الحظ، وإلا فقدت كل شيء.
ـ يا سيدة ألن.

تنبهت كيم من تأملاتها الكئيبة لترى امرأة طويلة تقف أمامها مادة يدها:"مساء الخير. أنا جين وست سكرتيرة السيد كين. هلا أتيت معي..."

نهضت كيم تصافح اليد الممدودة قائلة:" شكرا"

وعندما سارتا إلى المصعد، رنت كيم إلى المرأة بطرف عينها. كانت جين وست السكرتيرة التي على طالبات العمل أن يتمثلن بها. فإذا كانت هذه بنفس الكفاءة التي تبدو عليها، فسيكون النجاح صعبا. ولم يساعد هذا ثقة كيم بنفسها مثقال ذرة.

في المصعد قالت جين بابتسامة مهذبة:" السيد كين متأخر قليلا. لقد أصابنا الذعر مرات عدة هذا الصباح"

أومأت كيم تبادلها الابتسام: " هل هذا أمر عادي؟ أعني الذعر؟"

نظرت جين إليها بعنف:" نعم مع الأسف. على سكرتيرته أن تعتاد على ضغط العمل معظم الوقت، وأن تكون حازمة تعرف ما عليها أن تفعل. هل سيكون هذا مشكلة بالنسبة إليك؟"

أن تعتاد ضغط العمل وأن تعرف ما عليها أن تفعل؟ لقد كانت هذه حياتها في

السنوات الثلاث الأخيرة... بل قبل ذلك أيضا...

ـ لا، لا هذه ليست مشكلة

فقالت جين بابتسامة دافئة:" هذا حسن. لقد عملت مع السيد كين في السنوات العشر الأخيرة، فلم أشعر لحظة واحدة بالضجر. الأمور لم تكن سهلة دائما، والوظيفة ليست دائما من التاسعة حتى الخامسة، لكنه رئيس منصف جدا، هل فهمت قصدي؟"

لم تفهم، في الواقع، لكنها أومأت :" هل يمكنني أن أسألك لماذا تركت العمل؟"

ـ طبعا. وهو سؤل منطقي

كان باب المصعد قد نفتح، فتبعت كيم المرأة الطويلة في الممر، وهي تقول لها:" سأتزوج، وزوج المستقبل يعيش ويعمل في اسكتلندا. لديه عمله الخاص، وقد تعرفت إليه في شركة كين الكتريكال. في الواقع، إنه أحد عملائنا، ولهذا ليس من المعقول أن ينتقل إلى هنا"

قالت كيم من كل قلبها:" تهاني"

شكرتها جين، وعندما فتحت بابا وأشارت إلى كيم بالدخول قالت بهدوء:" كنت قد تخليت عن أمل لقاء أحلامي، ولكن من قال إن الحياة تبدأ في الأربعين كان صادقا"

إذن جين في الأربعين، وكان واضحا أنها امرأة كرست حياتها لعملها في شركة "كين لكتريكال"

ـ هذا هو مكتبي

كانتا واقفتين في غرفة فسيحة مزخرفة بشكل بديع تغطي أرضها سجدة سميكة ومؤثثة بآخر طراز من الأثاث المكتبي ومعداته. وأشارت جين إلى باب خلف مكتبها:" وخلف هذا غرفة استراحتي الخاصة. أما السيد كين فلديه جناحه الخاص المؤلف من مكتب وغرفة استراحة وملابس وغرفة جلوس صغيرة، ينام فيها أحيانا عندما يكون ضغط العمل بالغا"

ـ هذا حسن

أبقت كيم وجهها جامدا، بينما تاهت بها الأفكار. أفضل ما يمكنها أن تأمله هو أن تجتاز الدقائق العشرين من دون أن تبدو بمظهر الحمقاء. كان وضحا أنه يبحث عن سكرتيرة شخصية تأكل وتشرب وتنام وتتنفس العمل في شركة كين الكتريكال. ولكنها لا تستطيع أن تكرس نفسها إلى هذا الحد ولديها ميلودي.

لقد كتبت بوضوح تام في الطلب أن لديها طفلة في الرابعة. بهذا ذكرت نفسها وهي تخلع معطفها وتجلس ثم تنظر إلى المرأة التي دخلت إلى مكتب مخدومها.

عادت تنظر حولها في أنحاء هذه الغرفة المترفة، فدار رأسها. وتساءلت عما إذا كانت ستصل إلى هذا الحد، فالتفكير في الراتب الضخم الذي يستحقه هذا المركز، هو الذي دفعها إلى إرسال أوراقها بعد أن رأت الإعلان في آخر أيلول، منذ أربعة أسابيع.

بقيت ثلاثة أسابيع لا تسمع خبرا، ثم تلقت رسالة، تقول إن الاختيار وقع عليها مبدئيا وعليها أن تحضر إلى المقابلة يوم الاثنين في الثلاثين من تشرين الأول، في الساعة الثانية والنصف من بعد الظهر، أي اليوم وفي هذه الدقيقة بالذات، فليساعدها الله. وفتحت جين الباب باسمة:" سيدة ألن؟ سيراك السيد كين الآن"

علمت حين دخلت من الباب، من شخصية الجالس وراء المكتب. أقرت بأن حدسها أنبأها بذلك منذ أن تلاقت عيناها بهاتين العينين الفضيتين الباردتين في البهو الأسفل. إنه يبدو حقا من ملوك المال... كان ذلك باديا في مشيته ومظهره ولفتته، وحتى في الطريقة التي اشتبكت فيها عيناه بعينيها بازدراء متغطرس وعدم اعتبار.

ـ السيدة ألن..

لدى اقترابها، نهض شخص طويل عريض الكتفين من خلف مكتب ضخم رمادي اللون. ولكن شمس الخريف التي كانت تتسرب من النافذة خلفه أعمت عيني كيم لحظة وحولت لوكاس كين إلى ما يشبه ظل أسود. وعندما وصلت إلى الكرسي الموضوع أمام المكتب، طرفت بعينيها ومن ثم بدا واضحا إلى حد مقلق بكل طوله البالغ مئة وتسعين سنتمترا.

ـ أهلا وسهلا

كان يبتسم وهو يصافحها، لكنها حتما ابتسامة التمساح. بدا واضحا أنه أدرك من تكون حين رآها في الأسفل، وكان ينتظر هذه اللحظة بشيء من الاستمتاع.

ـ تفضلي بالجلوس، سيدة ألن.

علمت أنها لن تستطيع أن تتكلم بوضوح إلا بعد لحظة أو اثنتين أي ريثما تتمالك نفسها، لأنها لم تشأ أن تتلعثم أو تضطرب فتجعله يشمت بها. وهكذا ابتسمت بهدوء، ثم غاصت برشاقة في المقعد الوثير. وأراح هذا، على الأقل، ساقيها المرتجفتين! في البهو لم يكن هناك وقت لتحدق إلى ما وراء هذه النظرات القاسية التي سمرتها مكانها، أما الآن، بالإضافة إلى الاضطراب والصدمة اللذين جعل قلبها يدق كمطرقة الحداد، رأت لوكاس كين جذابا وشكل مقلق. لم يكن وسيما، فوجهه الخشن الذي يبدو وكأنه قد من الصخر، وجسمه المهيب بعضلاته القوية، يظهران رجولة عدوانية خالية من الرحمة. ولكن كان فيه ما هو أبعد من مجرد الشكل الحسن.

ـ هل تدركين أنك واحدة من أربع مرشحات في القائمة النهائية؟

سألها بجمود دون أن ينظر إليها، وعيناه على أوراق على مكتبه.

كان شعره حالك السواد ومقصوصا بشكل جعله يبدو بالغ الخشونة والصرامة. ثم رفع رأسه، وأرغمتها عيناه الفضيتان المظللتان بأهداب سوداء على أن تجيب:" نعم. أعرف هذا، سيد كين"

ـ ما الذي برأيك جعلني أختارك من بين المرشحات الأخيرات الممتازات؟

كان سؤاله رقيقا متمهلا ولكن فيه نبرة أخبرتها بأنه لم ينس أو يصفح عن تلك الحادثة الصغيرة في مكتب الاستقبال. كان لديها الجواب عن هذا السؤال بالضبط وقد تدربت عليه أثناء دراستها إدارة الأعمال في الجامعة وردت على سؤال كهذا، في المقابلة لآخر وظيفة وذلك منذ سنتين. ولكن الآن، أمام وجه لوكاس كين المتفحص الساخر بقسوة، ثار في صدرها شيء حار ملؤه الهزء وأجابت ببرودة:" التفكير في ذلك وموازنته وأخذه في الاعتبار يعود ليك أنت، يا سيد كين"

ازدادت برودة العينين الفضيتين، إذ كان واضحا أن تهجتها لم تعجبه:" أحقا؟"

وكان جوابه ناعما متفحصا يخفي تحته حدة جعلته أشبه بفولاذ مغلف بالمخمل.

لقد توقع جوابا عاديا، كما أدركت من الدهشة القصيرة البادية في عينين الفضيتين. لكنها لم تكن تقوم بأي نوع من الألاعيب مع هذا الرجل. فإذا أراد أن يجري مقابلة عادية غير معقدة، فلا بأس، وإلا فلن تسمح للوكاس كين أو أي شخص آخر أن يرهبها. حدق فيها لحظة أو اثنتين، فأرغمت نفسها على ألا تخفض بصرها، عند ذلك نقر على زر الاتصال الداخلي.

ـ نعم، يا سيد كين؟

بدا صوت جين طبيعيا ما جعل كيم تريد أن تنهض وتهرع إلى المكتب الخارجي

ـ أحضري قهوة يا جين لي وللسيدة ألن

كانت كيم شبه متأكدة من أنه سيخبر جين أن المقابلة انتهت، أو سيطلب من جين أن تريها باب الخروج... لقد توقعت كل شيء إلا أن يطلب القهوة لها وله. تلهفت إلى أن تمر بيدها على شعرها، لكنها خافت أن يؤثر ذلك على ضفيرتها اللامعة الملفوفة على قمة رأسها، مدركة أن ذلك العقل الحاد سيميز توتر الأعصاب خلف هذه الحركة.

ـ أم لعلك تفضلين الشاي؟

وكانت عيناه المتألقتان قد عادتا تحدقان إليها

أجابت بحذر، وبصوت حيادي:" بل القهوة. شكرا"

ـ قهوة إذن، يا سيدة ألن..

كان صوته مميزا إلى حد بالغ.. بهذا أخذت تفكر وهي تراه يتخذ جلسة مريحة في مقعده الجلدي الفسيح متكئا قليلا إلى الخلف، ثم واضعا ساقا على ساق، مقوما إياها بعينين لا تطرفان. سألها برقة:" هل العمل هو محور حياتك؟"

كان هناك جواب واحد فقط يمكنها أن تعطيه لمثل هذا السؤال، ألا وهو الإيجاب.

ـ عملي في غاية الأهمية بالنسبة إلي يا سيد كين، نعم

وأضافت بينها وبين نفسها أنه ليس بالضرورة لأجل الأسباب التي يظنها هو.

قال مفكرا:" وأرى أن درجتك في الجامعة كانت الأولى، وهذا يعني أنك كنت مجتهدة للغاية"

لم تستطع أن تقرأ شيئا من لهجته أو من وجهه، لكنها لم تستطع أن تمحو الحذر من صوتها وهي تقول:" نعم أظن ذلك"

رأت الفم الحازم يلتوي قليلا، وكأنه كان يستمتع بنكتة قالها. لكن صوته بدا هادئا وهو يتابع:" إذا كنت تنوين أن تستغلي مؤهلاتك الممتازة في العمل فلماذا تزوجت فور تخرجك من الجامعة، ولماذا سارعت إلى إنجاب طفل بعد أشهر؟ هذا لا يبدو مفهوما، يا سيدة ألن"

يا للوقاحة! فكرت في نكتة ساخرة تجيبه بها، ثم تتجاهل سؤاله الذي اعتبرته تطفلا، ولهذا كان صوتها باردا وهي تجيب:" سواء أكان ذلك مفهوما أم لا، فهذا ما حدث، يا سيد كين، وهو شأني وحدي"

شعرت بالغثيان.. لا بأس، فقد واجهته بجواب جيد ومناسب، وهي لم تعد تريد وظيفته على أي حال!

توقعت جوابا جارحا.. شيئا يلسعها ويعيدها إلى مكانها، ولكنه استقام في جلسته وعاد يختم الأوراق وهو يقول بصوت عملي:" هل تعرفت إلى زوجك في الجامعة؟"

ـ نعم

كان جوابا مختصرا للغية، لكنه لم يرفع بصره.

ـ وأرى أنك أصبحت أرملة بعد أقل من ثلاث سنوات. لا بد أن ذلك كان صعبا عليك.

لم يكن لديها ما تقوله، فبقيت صامتة، لكنه لم يتوقع تعليقا، كما يبدو، لأنه تابع على الفور:" هذا يعني أن ابنتك كانت في الثانية من عمرها عندما أصبحتما أسرة دون رجل؟"

ـ نعم

ـ هذا صعب

لأول مرة كان صوته العميق الأبح أثر واضح من لحرارة فأثار ذلك أعصابها إنما لم تدر لماذا، وانتبهت فجأة لى عرض كتفيه وعضلاته البادية.

اضطربت أفكارها، وما لبث لوكاس كين أن رفع رأسه، وضاقت عيناه إزاء وجهها المضطرب وسألها بهدوء:" هل يزعجك أن نتحدث عن ذلك"

أومأت كيم.. فهذا آمن الخيارين إذ شعرت بالسرور لسوء فهمه سبب اضطرابها.

ـ أظنك تتفهمين اضطراري إلى السؤال عما إذا كان لديك ترتيب خاص لابنتك فيما لو اضطرك عملك للغياب عن بيتك عدة أيام؟ ظروف كهذه هي عادية في هذا المكتب.

ـ نعم لدي ذلك

وبدا شعور بالولاء في عينيها البنيتين الواسعتين أمام التفهم البادي في عينيه اللتين كانتا تتأملانها بدقة رغم عدم انتباهها لذلك. وقالت بسرعة:" بقيت ميلودي عامين كاملين في حضانة للأطفال قبل أن تبدأ بالذهاب إلى المدرسة في أيلول، وقد أحبتها كثيرا. والمدرسة تقدم ناديا للأطفال بعد انتهاء الدراسة اليومية فيبقى مفتوحا حتى الخامسة والنصف وذلك لمساعدة الأبوين العاملين. ولكن إذا لم أكن موجودة لأستلمها، فهناك صديقة طيبة تسكن قريبا مني ولا تعمل، فإذا اضطررت إلى رحلة عمل، فسيسر ماغي أن تأخذها عندها مهما طال غيابي.

ـ يا لها من صديقة حسنة!

كانت جملة هادئة لا تعبير فيها ولكن كيم شعرت بأنها تتضمن نقدا بلهجة ناعمة. ضاقت عيناها ونظرت بعنف إلى الوجه الرجولي الخشن أمامها، ثم قالت: " نعم، إنها كذلك، وأنا محظوظة جدا بصديقة مثل ماغي"

ـ أليس لديك أقارب يعيشون قربك؟

ـ لا. كان زوجي وحيدا لوالديه وهما الآن في الستينات من العمر. أبوه مريض الصحة لهذا نادرا ما يغادران اسكتلندا، حيث يعيشان.

ـ وأسرتك؟

لم تعرف ما شأن هذا بوظيفتها

ـ ليس لدي أقرباء

ـ لا أحد أبدا؟

بدا عليه عدم التصديق نوعا ما. ففكرت في أنها لا تلومه.

ـ تيتمت وأنا صغيرة، فعشت فترة مع عمة عجوز ما لبثت أن ماتت وتركت ميراثها لأفراد أسرتها فوضعوني في ملجأ للأيتام.

برقت عيناه الفضيتان لحظة، بينما تابعت تقول:" المفروض أن يكون لدي أقرباء في مكان ما، لكن لا رغبة عندي في اقتفاء أثر أي منهم. لقد كونت حيتي الخاصة بالشكل الذي أحب"

عاد يتكئ إلى الخلف وعيناه لا تبارحان وجهها:" فهمت"

ولكن ما الذي فهمه بالضبط، فهذا ما لم تكن واثقة منه.

ـ بعد موت زوجك، اشتغلت في شركة كيرتس وبراكلي، صح؟ ثم أفلست الشركة منذ أربعة أسابيع

كان قد عاد يقرأ أوراق الطلب، فشعرت براحة للخلاص من نظراته الشبيهة بأشعة الليزر فقالت:" وهذا ما دفعني إلى تقديم طلبي هذا عند رؤيتي الإعلان"

ـ السيد كيرتس، كما يبدو، يهتم بك كثيرا لأن شهادته فيك رائعة.

وهي تستحقها فلطالما عملت ساعات إضافية، وما أكثر ما استدعوها في العطلة الأسبوعية إلى المكتب. لم يكن بوب كيرتس يشعر بأي وخز ضمير وهو يستغلها إلى أقصى حد لكن الراتب كان جيدا والشركة قريبة جدا من حضانة ميلودي.

كان بوب كيرتس رقيقا لطيفا معها، ولم تجد في إدارة مكتبه الصغير أي إجهاد. وعندما أدركت أن لوكاس كين ينتظر جوابها، قالت:" كانت شركة عائلية لطيفة"

فجاءها الرد الجاف بينما اشتبكت عينا النسر في عينيها:" كين الكتريكال ليست شركة عائلية لطيفة. أتظنين نفسك قادرة على الانتقال من مرحلة إلى أخرى؟"

ما قاله لم يكن مزعجا بل طريقة التلفظ به، ما لمس فيها وترا حساسا، فأجابت بسرعة وإيجاز:" لم أكن لأضيع وقتك أو وقتي سدى في تقديم الطلب لأجل هذا العمل لو لم أكن قادرة عليه"

رأت حاجبيه الأسودين ينعقدان وفمه يتوتر. لكن جين اختارت تلك اللحظة بالذات لتدق الباب ثم تدخل بصينية القهوة فشعرت كيم بسرور لم تشعر بمثله في حياتها قط. كانت تعلم أنها متوهجة الوجه، وأن لهجتها ليست أبدا لهجة تستعملها موظفة نحو رئيسها العتيد، لكن لوكاس كين، السبب.. فهي لم تقابل قط مثل هذا الرجل الشامخ المتغطرس غير المبالي.

ـ هل لديك سيارة، سيدة ألن؟

ـ ماذا؟

كانت قد عادت لتجلس على الكرسي بعد أن تناولت فنجان قهوتها من جين ورفعته إلى شفتيها عندما فاجأها هذا السؤال فأجابت من دون وعي:" سيارة؟"

كانت لهجتها تنبئ عن صبر مبالغ فيه، والواقع أنها أخذت نفسا عميقا وأرغمت نفسها على عدم الرد بحدة. وبدلا من ذلك قالت بهدوء وبرودة:" لا، ليس لدي سيارة"، سيد كين"

ـ لكنني أراك اجتزت امتحانا بالقيادة. هل أنت سائقة موثوق بها؟

كانت عيناه الآن أشبه بنقطتين ضيقتين من الضوء الفضي:" ربما علي أن أسأل إذا كنت سائقة كفؤة؟"

ـ أنا كفؤة وموثوق بها معا. أدخلتني ماغي في بوصلة تأمينها، ولهذا يمكنني استعمال سيارتها متى شئت

ـ آه، ماغي ذات العون الدائم

لم تعجبها لهجته على الإطلاق، وفتحت فمها لتجيبه، ولكنه قال: " إذا قُدمت إليك هذه الوظيفة وقبلتها فستوضع سيارة تحت تصرفك. لا أحب أن تنتظر سكرتيرتي الباصات فتصل متأخرة"

حدقت فيه وهي لا تعرف ما عليها أن تقول. وفكرت بتعاسة أيقول لها هذا لكي تتعرف إلى ما ستخسره عندما يرفضها؟

ـ وسيكون لك بدل ملابس

تابع كلامه برقة وقد تأمل ملابسها لحظة وهذا ما ذكرها بأن طقمها ليس بجودة طقم جين. وتابع:" لدينا هنا في انكلترا مناسبات تحتاجين فيها إلى ارتداء ملابس سهرة، ولكن أثناء الرحلات إلى الخارج يجب أن يكون لديك مجموعة بديعة من الملابس"

إذا كانت وجنتاها قد احمرتا من قبل، فهي تعلم الآن أن وجهها كله أصبح كالشمندر. واعترفت بأنه نبهها إلى وضعها بلباقة كافية، لكن شراء الملابس هو آخر ما تفكر فيه منذ موت غراهام، والواقع أنها لا تتذكر أنها اشترت شيئا جديدا منذ ذلك الحين، والسبب بكل بساطة هو عدم قدرتها على دفع ثمنها...

ـ نعم، فهمت.

أرغمت نفسها على قول هذا من بين شفتين جافتين ثم ابتلعت جرعة من قهوتها الساخنة، وهي تفكر في أنه لا يعرف أبدا كيف يعيش الجزء الآخر من الشعب.

وظللت عينيها بأهدابها الكثيفة كيلا يرى الغضب فيهما، في السنتين الماضيتين كانت تستلقي في سريرها مفكرة في الحسابات والديون التي لا تنتهي.

كان زواجها كابوسا، لكن موت غراهام بعد حفلة صاخبة كشف عن ديون رهيبة. ولأنها كانت غبية في بداية زواجهما وقعت الأوراق من دون أن تطرح الكثير من الأسئلة؟ والراتب الذي كانت تعتقد أنه منتظم كالساعة، لم يكن له وجود.

ليس هذا فقط، بل استدان من أصدقاء ومن كل من يقبل أن يقرضه نقودا لتمويل عمل فاشل.

أدركت، عندما حملت بابنتها ميلودي، أن ثمة شيء فظيع. العاشق الوسيم الساحر المتألق العينين أيام الجامعة استحال إلى شخص لم تعد تعرفه، لكنها عزت ذلك إلى ضغط العمل، والحمل الذي لم يكن يريده.. فقد حملت بعد معاناتها من التهابات في معدتها جعلت حبوب منع الحمل عير فعالة.. وقتذاك عزت ذلك إلى كل شيء إلا إلى السبب الحقيقي، ولأنها كانت تحبه، كانت تجد له أعذارا.. ويا لها من حمقاء، حمقاء! وطوال هذا الوقت كانت الديون تتكوم، ديون تكافح الآن لكي تدفعها، شهرا بعد شهر.

وكانت ماغي رائعة فقد سامحتها يوم الجنازة بالمبلغ الذي استدانه غراهام منها، ولكن الكثيرين لم يكونوا بهذه الشهامة. كانت كيم ممزقة على الدوام، فهي تريد أن ترتدي ميلودي ملابس حسنة، وتتناول طعاما جيدا، وتعيش في بيئة سعيدة. وقد أخذت تكافح بمشقة لكي تحسن الغرفة الصغيرة التي استأجرتها منذ الجنازة، وكانت الديون تتناقص ببطء لا يصدق.

ـ هل أفهم أن بإمكانك، إذا حصلت على الوظيفة، أن تباشري العمل على الفور، يا سيدة ألن؟

كانت كيم من الاستغراق في مستنقعات الماضي بحيث بدا الارتباك في عينيها وهي ترفعهما لتقابلا عيني كين

ـ نعم... أنا.. آه، نعم

وهزت نفسها إذ عليها أن تتمالك ذاتها وتتصرف كسكرتيرة قديرة.

سألها برقة:" وهل ستقبلين الوظيفة إذا عرضت عليك؟"

حدقت إليه مرة أخرى ومعدتها تتقلص لأنها شعرت بأنه يعبث بها. وهي التي أصبح لديها من ذلك... التحايل، والخداع.. ما يكفيها الحياة بطولها.

ـ آه آسف، كان يجب أن أذكر الراتب قبل الآن

وبصوت بالغ الهدوء ذكر رقما يعادل ثلاثة أضعاف ما كانت تقبضه في شركة كيرتس وبراكلي.

نظرت إليه فاتحة فاها ذهولا، وشعرت بالسوء لذلك. لكن الذهول منعها من أن تفعل سوى ذلك.

فقال بابتسامة ساخرة:" أنا أحب إعطاء الأفضل لأحصل على الأفضل، سيدة ألن. ولكن إذا اشتغلت عندي فستستحقين كل فلس... فأنا أريد ولاءً كاملا، وإخلاصا لا نقاش فيه لشركتي. هل فهمت ما أعنيه؟"

كانت ملامحه ساخرة، لكن كيم لم تكن مهتمة بذلك فقد راح ذهنها يحسب بسرعة ما يعنيه هذا المبلغ لها، فضلا عن السيارة وبدل الملابس.. لكن الوظيفة لم تعرض عليها بعد. وعادت إلى الواقع مصدومة.

ـ أظن.. أظن أنه يحق لك أمام هذا السخاء أن تتوقع التزاما كاملا من سكرتيرتك، سيد كين

ـ أحقا؟ هذا حسن. وأخرا، تقاربت وجهتا نظرنا

كان صوته عميقا هادئا.. مضت لحظة لم تفهم فيها ما يعني بهذه الكلمات. ثم، عندما صدمها ذلك التلميح إلى أن وجهتي نظرهما لم تتقاربا إلا الآن، تورد وجهها.

جالت نظراته فوق وجهها المتورد، وشعرها المكوم فوق رأسها، مبرزا لون عينيها البني الغمق ثم وقف فجأة ودس يدين في جيبيه وهو يستدير لينظر إلى خارج النافذة الواسعة، ثم قال وصوت شارد:

ـ أنت لم تجيبيني عن سؤالي يا سيدة ألن.

ـ لم أجب؟

كان ذهنها يدور. وللحظة لم تستطع أن تستوعب ما يقول.

ـ لقد سألتك عما إذا كنت ستقبلين الوظيفة إذا عرضت عليك

حدقت إلى الجسم الكبير الواقف أمامها، وجزء منها يقر بأنه أحد أطول الرجال الذين قابلتهم في حياتها، وأكثرهم إثارة للاضطراب، ثم وجدت نفسها تقول:" نعم، سأقبلها، يا سيد كين، إذا عرضتموها علي"

جمد لحظة ثم استدار ببطء ينظر إليها وهي ما زالت جالسة.

يا لها من امرأة رائعة الجمال! خطرت له هذه الفكرة فوجدها مزعجة. رائعة الجمال إنما يحيطها حينا جو من الضعف والحذر، وطورا جو من الصلابة الفولاذية. وكان واثقا من أنها كتمت عنه أشياء كثيرة تحاول أن تخفيها. فما قالته جعله يشعر أنها لا تعتبر طفلتها سوى ملحق في حياتها، لكن هذا كان تقويما سطحيا، وهذا ما زاد في انزعاجه.

تبا لكل هذا، فهو لا يعرف شيئا عنها، وحياتها الخاصة لا تهمه. كل ما يهمه منها هو أن تؤدي عملها. ساورته هذه الفكرة فازدادت شفتاه توترا. أي شخص قد يظنه عرض عليها العمل بينما عليه في الواقع مقابلة امرأتين أخريين، إحداهما ستصبح على ما يبدو جين الثانية...

ـ شكرا لحضورك سيدة ألن. وسنتصل بك خلال يوم أو يومين.

كان هذا طردا واضحا فنهضت كيم على الفور، وإذا بها لا تدري ماذا تفعل بكوب قهوتها.

ـ اسمحي لي...

وعندما دار حول المكتب، تملكها التوتر إذ شعرت بنفسها وكأنها قزمة أمام طوله وعرضه. ولكنها لم تتعود هذا الشعور فهي طويلة، وهذا ما جعلها تشعر بالارتباك.

وعندما مد يده يأخذ منها الكوب، حاولت ألا تلامس أصابعها أصابعه. وكان من القرب منها بحيث شمت رائحة عطره الغالي لثمن، فكان تأثيرها في أعصابها الحساسة كافيا لكي تتراجع بسرعة فكادت تقع على الكرسي خلفها.

لو حدث هذا لكان عظيما جدا.. فهو كل ما تحتاجه. أما كان سيعجبه أكثر أن تقع على وجهها أمامه؟ وهكذا وقفت بثبات ورسمت على شفتيها ابتسامة متوترة وقالت بهدوء:" وداعا، سيد كين. سأنتظر اتصالكم"

لكنهما يعلمان بالضبط قراره وتملكتها المرارة وهي تفكر في ذلك بصمت.

ـ وداعا يا سيدة ألن

كانت كلماته لاذعة نوعا ما.. من الواضح أنه لاحظ تراجعها اللاإرادي عن موقفها السلبي فلم يعجبه ذلك.

وزاد شعورها بالبؤس والمذلة من احمرار وجهها.

بدت لها الخطوتان أو الثلاث التي تفصلها عن الباب كأميال، ولكنها أخيرا أصبحت في مكتب جين، وعندئذ تملكتها الحيرة لأن كل شيء هنا بدا طبيعيا. لقد عانت لتوها من أكثر التجارب التي عرفتها في حياتها إثارة للأعصاب بينما جين هنا تطبع على آلتها الكاتبة وكأن شيئا لم يحدث. ووجدت كيم نفسها تنظر إلى جين باحترام جديد وهي تودعها وتهرب إلى المصعد.

ما الذي جعلها تقول إنها ستأخذ الوظيفة إذا عرضوها عليها؟ عندما نزل بها المصعد، نظرت إلى صورتها في مرآة الجدار بذعر. حسنا، إنها تعرف السبب.. إنه المال القذر! وابتسمت بضعف فبادلتها الفتاة القاتمة العينين التي كانت تنظر إليها في المرآة، الابتسام.

وهذا لا يعني أن موافقتها كانت مهمة... فاحتمال تقديم لوكاس كين الوظيفة لها، كاحتمال رحلة إلى القمر.

لم تعرف كيف يستطيع أحد أن يعمل مع مثل هذا الرجل. إنه بارد جدا، وأكثر قسوة وسيطرة من أن يكون إنسانا. لكن المال يقهر. وأغمضت عينيها لحظة تفكر في ما سيحل ببقية ديون غراهام إذا كان لديها راتب كالذي ذكره لوكاس كين. بإمكانها عندئذ أن تنتقل مع ميلودي من هذه الغرفة الشبيهة بالكهف التي أرغمتا على تسميتها بيتا، وهناك أيضا سيارة كما قال.. وسيكون ركوبها ممتعا.

توقف بها المصعد ففتحت عينيها. كفاها أحلام يقظة! دخلت الردهة ثم سارت بعزم نحو الباب البعيد دون أن تنظر يمينا أو شمالا. هذا لن يحدث..

سوف تحصل قريبا على عمل آخر وفي النهاية ستتخلص من هذا العبء الرازح على كاهلها. كما أن لديها ميلودي. وفكرت في وجه ابنتها الصغير الحلو وشعرت بفيض من الحب يغمر كيانها، مبددا كل آلامها. نعم، لديها ميلودي، ومقارنتها بلوكاس كين وكل ملايينه جعلها تشعر بأنها أغنى امرأة في العالم.

***

 
 

 

عرض البوم صور safsaf313   رد مع اقتباس
قديم 21-08-09, 09:44 AM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Mar 2008
العضوية: 66854
المشاركات: 2,022
الجنس أنثى
معدل التقييم: safsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 585

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
safsaf313 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : safsaf313 المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

2ـ من أمن للرجال...





ـ كانت المقابلة كارثة مطلقة، إذن؟ لا بأس يا عزيزتي، تابعي نحو وظيفة أخرى.سأستعيد السيارة من الكاراج غدا، وبهذا يمكنك أن تستعمليها إذا شئت يوم الجمعة فلديك مقابلة أخرى، أليس كذلك؟

وكانت ماغي تحدثها متكلفة البشاشة.

أومأت كيم وأجابت ببشاشة مماثلة:" الوظيفة ستكون في مكتب المحاسب في زاوية الشارع الذي أقيم فيه، وبهذا لن أحتاج إلى سيارة. مكتب المحاسب سيكون أقرب من شركة كين الكتريكال."

ـ تماما.

ـ كما أنه مكان صغير.. إنه عبارة عن ثلاثة أو أربعة مكاتب، وبهذا يكون المكان أكثر إلفه من شركة كبيرة مثل شركة كين.

ـ حتما.

وضعت كيم فنجان القهوة من يدها فجأة، وأخذت تحدق في عيني صديقتها الزرقاوين:" أواه، يا ماغي كل تلك النقود، والسيارة.."

ـ لا تنسي أن لوكاس كين سيكون معها.

فقالت كيم بتعاسة:" كان بإمكاني أن أحتمله. إذا كان ذلك يعني الانتقال من غرفتي إلى بيت من أجل ميلودي، فيمكنني أن أحتمل أي شيء"

وضعت ماغي يدها على ذراع صديقتها بعطف:" أعلم هذا. ولكن كل شخص يراكما معا ولو لدقيقة واحدة، يدرك أن لدى ميلودي ما لا تستطيع شراءه أموال الأرض. هناك أطفال كثيرون لديهم حدائق وغرف مليئة بالألعاب، ومع ذلك طفولتهم تعيسة جدا لأن أبائهم لا يهتمون بهم مثقال ذرة"

ابتسمت كيم للوجه الأمومي:" شكرا يا ماغي. أنت لا تقدرين بثمن"

ـ قولي هذا في أذن "بيت" وبصوت عال.

ـ ظننتك ستتحدثين إليه في العطلة الأسبوعية؟ وتخبريه بشعورك؟

قالت كيم هذا بهدوء، متناسية متاعبها للحظة.

هزت ماغي كتفيها السمينتين بكآبة:" كنت سأتحدث، لكنه يشعر بوعكة صحية... لعلها الأنفلونزا.. وكنت أنا مشغولة على كل حال، ولهذا لم يكن الوقت مناسبا"

ـ المشكلة أنه لا يعلم كم هو محظوظ.

قالت كيم هذا بقوة، وهي تنهي آخر قهوتها بجرعة واحدة ثم تضع الفنجان على المنضدة.

ـ كنت أفكر بالشيء نفسه. إنه يعلم أنني هنا دوما في انتظار عودته. إنه يرى نفسه بطلا أو ما شابه، بينما أنا ماغي الطيبة الموثوق بها التي لا عمل لها سوى انتظاره.

قالت كيم ضاحكة:" قد توقظه صدمة قصيرة مفاجئة.. أنا واثقة من أنه يحبك يا ماغي"

ـ آه، ولكن كم يحبني؟ لا أستطيع الانتظار إلى الأبد، يا كيم.

ـ يجب أن أذهب إذ سرعان ما تخرج ميلودي من النادي. اتصلي بي فيما بعد إذا أحببت أن نتحدث.

حتى لو كان الحديث نواحا على "بيت"؟

ـ طبعا، وإلا ما نفع الصداقة؟

وجدت كيم نفسها تركض آخر مئة ياردة رغم عدم وجود حاجة تستدعي ذلك، فم زال أمامها بعض الوقت. إلا أنها تحرص دوما على أن تكون هي أو ماغي قبل الوقت لإحضار ميلودي.

كانت عينا ميلودي الكبيرتان البنيتان الكثيفتا الأهداب تبحثان عنها منذ اللحظة التي خرجت فيها الطفلة من المدرسة. وعندما أشرق الوجه الصغير، وأخذت اليد الصغيرة تلوّح لها بحماسة بالغة، شعرت كيم بغصة في حلقها بسبب الحب القوي البادي على الوجه الصغير.

اندفعت ميلودي قاطعة الملعب لترتمي بين ذراعي أمها المفتوحتين:" " أمي، إحزري ماذا؟ سأكون مريم في مسرحية عيد الميلاد وسأرتدي ثوبا أبيض وأضع في شعري شرائط ملونة. اختارتني السيدة جونز خصيصا"

ـ هذا رائع حبيبتي

ـ قالت إن بإمكانها أن تثق بأنني لن أكون غبية. كيري شامبرز كانت غبية جدا اليوم.

استمر الحديث طوال الدقائق العشر التي استغرقها سيرهما إلى البيت القائم في شارع كئيب.

كانتا تعانيان من الضجيج في مكان قامتهما ولكن أكثر ما يضايق كيم هو العفن والرطوبة والعتمة التي كانت معها دوما في حرب ضروس.

لم يكن الأمر بالغ السوء في الصيف، لكن السنتين اللتين أمضتاها في هذا البيت كانتا جحيما.

جعلت كيم بيتها جميلا مشرقا بأقل ما يمكن من النفقات، صانعة ستائر حمراء متألقة وغطاء سرير ملائم ووسائد للأريكة والسرير الذي تنام عليه مع ميلودي، وبسطت عدة بُسط فوق " الموكيت" الرث، ولكن لا شيء استطاع أن يخفي حال المبنى المزري.

عندما وصلتا إلى البيت، أخذت كيم تحضر وجبة العشاء، ولكنها وجدت نفسها تستعيد ذكرى كل دقيقة من تلك المواجهة مرة بعد مرة.

كان الأمر مهزلة.. وضاقت عيناها وأخذت تقطع الجزر بعنف.

فمنذ اللحظة التي التقت فيها عيناها بعيني لوكاس كين في البهو قرب مكتب الاستقبال، تضاءل حظها في النجاح. وفي اللحظة التي رأته فيها جالسا خلف ذلك المكتب، كان عليها أن تستدير على الفور وتعود أدراجها خارجة ورأسها مرفوع. لكنها بدلا من ذلك... وصرفت بأسنانها وهي تنهال على جزرة أخرى لتلاقي مصير سابقتها.

بدلا من ذلك، جلست تجيب عن أسئلته الشائكة وكأنها كانت تريد حقا وظيفته الغالية، وتركته يعبث بها.

لا... لا، لم تفعل ذلك، فقد جادلته لأنها أرادت حقا تلك الوظيفة. أو بالأحرى، ما سيوفره لها ولابنتها مركزها كسكرتيرة لرئيس مجلس إدارة شركة كين الكتريكال.

لكن ذلك ما كان ليحدث. وأضافت قطعتين من صدر الدجاج إلى الخضار ثم وضعت القدر في الفرن.

لكن بالرغم من الراتب الضخم إلا أنها لا تستطيع أن تتصور نفسها تعمل مع لوكاس كين.

كانت الساعة الثامنة من ذلك المساء، عندما رن الهاتف في الردهة في الطابق السفلي.. طرقت إحدى الطلبات باب كيم لتخبرها أن شخصا يدعى لوكاس كين يسأل عنها. عندما سمعت كيم ذلك وجدت نفسها متلهفة إلى الرد عليه.

ـ السيدة ألن تتحدث

لم تشأ أن يبدو صوتها لاهثا، لكنها رجت أن يعزو ذلك إلى نزولها من الطابق الأعلى حيث تسكن.

ـ هنا لوكاس كين، سيدة ألن

كان الصوت العميق الأبح المسيطر نفسه، واستطاعت أن تتصوره بعينيه الفضيتين الباردتين كالثلج وفمه المتوتر الصلب في الوجه الجذاب، جالسا خلف ذلك المكتب الضخم في مكتب خال.

وكان هو يقول متابعا:" أرجو ألا أكون قد قاطعتك... أليس لديك ضيوف؟"

ضيوف؟ عندما تكون هي وميلودي في غرفتهما الصغيرة لا يبقى هناك مجال لقطة حتى.

ـ لا، يا سيد كين. ليس عندي ضيوف

وكان صوته هذه المرة أحسن، فقد تمالكت نفسها. قال بصوت بارد موجز يشبه شخصيته:" هذا حسن، أنا أتصل بك لأعرض عليك الوظيفة يا سيدة ألن. هذا إذا لم تكوني قد غيرت رأيك، طبعا"

ـ أنا... أنت..

حدثت نفسها بصمت بأن تتمالك نفسها إذ من الواضح أنه يبحث عن سكرتيرة تستطيع أن تربط كلمتين مع بعضهما البعض:" هذا رائع، يا سيد كين"

ـ أنت تقبلي ذن؟

ـ نعم، نعم. لقد قبلت وشكرا جزيلا

أرغمت نفسها على عدم الثرثرة، وسحبت نفسا عميقا قبل أن تقول ببطء:" متى تريد مني أن أبدأ يا سيد كين؟"

ـ حسنا، هذه نقطة في صالحك، يا سيدة ألن. بإمكانك البدء على الفور لأن جين متلهفة للحاق بخطيبها لتشرف على ترتيبات الزفاف الذي سيكون في الربيع. وحتى لو... لو كنت سريعة التعلم، فلا بد أن يستغرق تعودك على العمل أسابيع عدة

والآن، أتراها أحست بنبرة تهكم في صوته، أم أن لديها عقدة الاضطهاد تجاه هذا الرجل؟

أخذت تتساءل عن ذلك قبل أن تسأله:" أتريد مني أن أبدأ غدا"

سألته هذا بهدوء لم تكن تشعر به، فأجاب:" كنت سأقترح يوم الاثنين، حتى أمنحك وقتا لاتخاذ ترتيبات بالنسبة لابنتك. ولكن إذا تمكنت من المجيء إلى المكتب غدا فسيكون هذا ممتازا. جين تصل عادة حوالي التاسعة، ولذا يمكنك المجيء في أي وقت بعد ذلك"

لم يكن في صوته أي أثر لإحساس أو مشاعر. ونقص الإنسانية هذا يشعرها بالارتباك. فبصفتها سكرتيرته الشخصية، فستعمل بالقرب من هذه الآلة الرهيبة. فهل بإمكانها احتمال ذلك؟ أخذت تتساءل بحدة قبل أن تعود وتنعت نفسها بالحماقة.

عليها ألا تضيع فرصة العمر وقالت بهدوء:" سأكون هناك، يا سيد كين"

ـ هذا حسن. سأطلب من هيئة الموظفين أن تكتب العقد، وترتب أمر سيارة تسلم إليك غدا وبهذا يمكنك العودة بها إلى البيت. أتحبين لونا معينا لها؟"

كادت تقول له (لون؟) لكنها كبحت نفسها وقد أخذت يداها ترتجفان بينما سيطر عليها مزيج من الحيرة والبهجة لسرعة تغير ظروفها. قالت ورأسها يدور:" لا أدري.. الأمر مفاجئ نوعا ما"

قال بصوت أشد برودة:" هل تفضل ابنتك لونا معينا؟"

أجابت بضعف:" الأزرق"

ـ الحمد لله أنها لا تفضل الوردي الصارخ، فقد تعترض شركة(البي.ام.دبليو). فليكن اللون الأزرق إذن. وسأطلب أن يثبتوا فيها مقعدا للطفلة، طبعا. تصبحين على خير، يا سيدة ألن.

فأجابت بسرعة ورأسها يدور:" تصبح على خير وشكرا لإعلامي بالأمر بهذه السرعة"

ـ بكل سرور

قال هذا برقة ونعومة. ورغم أن كيم حدثت نفسها بأن جوابه رسمي تماما، إلا أن شيئا ما في لهجته الناعمة أرسل في داخلها إحساسا. إنه رجل ساحر جذاب.

أتراها جنت؟ كيف تصف رجلا مثله بالساحر والجذاب. لوكاس كين هو رئيسها الجديد، وتلك الفكرة الأخيرة ليست ملائمة وهذا أقل ما يقال فيها، كما أن الآلات ليست ساحرة وجذابة، قد تكون قوية مسيطرة، ومخيفة أحيانا ولكنها لن تكون أبدا جذابة وساحرة.

بقيت واقفة لحظة ثم، عندما خف اضطرابها قليلا، واستوعبت تماما ماذا تعنيه هذه الوظيفة الجديدة لها، أخذت تصعد السلم درجتين في كل مرة، ثم اندفعت إلى داخل الغرفة، فأيقظت ميلودي من نومها العميق، وأخذت ترقص معها في أنحاء الغرفة محتضنة جسد ابنتها النحيل بين ذراعيها.
منتديات ليلاس
طلع الصباح متألقا. استيقظت كيم على عالم بلوري مشرق، ونظرت إلى الخارج حيث السطوح البيضاء المتلألئة وقلبها يغني.

إنها بداية جديدة لامعة، حتى الجو أثبت ذلك، وهي ستبدأ البحث عن مكان جديد للسكن. ربما شقة صغيرة مع حديقة، أو منزل صغير، فهي ستجني ثروة صغيرة، وسيصبح بإمكانها تسديد بقية الديون، وبعدئذ تعود حياتها ملكا لها مرة أخرى. آه، ما أجمل الحياة!

بعد أن نامت ميلودي مرة أخرى، اتصلت بماغي تزف إليها البشرى.

وصلت كيم أمام المبنى الضخم فيما كانت جين وست توقف سيارتها في المكان المحجوز لسكرتيرة المدير التنفيذي. فسارت المرأتان إلى مكتب الاستقبال معا.

ـ متوترة؟

كانت جين تبتسم بعطف وحرارة وهي تقول ذلك، فبادلتها كيم الابتسام بضعف:" قليلا، بل كثيرا في الحقيقة. وظيفتي السابقة لا تقارن بهذه الوظيفة البالغة النفوذ"

ـ لا تقلقي، ستكونين بأحسن حال

راحت جين تنظر إليها عن قرب، وعندما دخلتا المصعد وانغلق الباب عليهما، قالت بصوت خافت:" المفروض ألا أخبرك بهذا في الحقيقة، ولكن كان هناك عشرات النساء اللاتي سعين وراء هذه الوظيفة.. وكان لدى بعضهن مؤهلات أفضل مما لديك، لكن لوكاس اختارك أنت، وهذا يعني أنك الأفضل لهذه الوظيفة.

أدركت كيم أن جين أرادت بكلامها هذا أن ترفع معنوياتها ولكن كان لهذا تأثير معاكس. وكل ما استطاعت أن تقوله، عندما وقف المصعد وخرجتا منه هو:" أنت لا تسمينه لوكاس؟ في حضوره"

قالت جين ضاحكة:" بل أناديه لوكاس. ستجدينه مختلفا جدا عن صورته بين الناس، حين تعرفينه، وهو إلى ذلك يكره الرسميات حين يكون بمفرده. ولكن، طبعا، أمام زملائه وعملائه في العمل، يُدعى دوما السيد كين والآنسة ويست، وفي حالتك السيدة ألن"

ـ هذا حسن!

ـ صدقيني إنه رئيس جيد، وإلا لما بقيت معه عشر سنوات

سألتها كيم متوترة:" كم.. كم عمره؟"

ـ إنه في السابعة والثلاثين. وقد استلم العمل حين كان في الخمسة والعشرين بعد أن مرض أبوه. استلم لوكاس العمل بعد أن أمضى في الشركة أربع سنوات منذ ترك الجامعة. ولكن حين استلم المسؤولية، كان من الكفاءة، بحيث قرر أبوه أن يتقاعد ويسلمه الشركة نهائيا، ومنذ ذلك الحين بدأ العمل يزدهر أكثر فأكثر.

فتحت جين باب مكتبها، وخفضت صوتها وهي تنظر إلى الباب الموصل بين المكتبين، ثم أضافت:

ـ التراب يستحيل بين يديه إلى ذهب، ولكن ما لا يمكن إنكاره هو أن لديه ذهنا عمليا حادا. كما أن منافسيه لا يرون الساعات الطويلة التي يمضيها في العمل. إنه يستحق كل نجاح وصل إليه. لم أعرف شخصا مجدا في العمل مثله.

ـ تعجبني حفلات التكريم والأوسمة، يا جين، ولكن عندما تنتهي هذه النغمة، ألفت النظر إلى أن منظفي المكتب قد ضغطوا خطأ على زر الاتصال الداخلي.

كان الصوت جافا للغاية. ولكن عندما نظرت كيم إلى جين، لم تر أثرا للخجل أو الارتباك عليها، وهي تقول:" خلاصك كان معجزة، يا لوكاس. دقيقة أخرى وكانت أذناك ستبدآن بالاحتراق لتنصتك على الآخرين"

ـ تعلمين جيدا أن أذني لا يمكن أن تحترقا يا جين، هل أفهم من كلامك أن السيدة ألن معك؟

ـ نعم إنها هنا

ـ إذن أحب أن أتبادل معها كلمة، قبل أن تبدئي بملء ذهنها بمائة مسألة ومسألة. أحضري أيضا كوبا من القهوة السوداء عندما تصبحين جاهزة لذلك.

ـ سآتي حالا

وابتسمت جين لكيم بمرح وهي تشير إليها بأن تذهب إلى مكتب كين. ووجدت كيم نفسها تفكر مجددا في أنها لا يمكن أن تماثل جين في استرسالها على سجيتها مع لوكاس كين المنيع.

خلعت معطفها بسرعة، وسوت شعرها اللامع الناعم المنظم بشكل ضفيرة أنيقة، ثم أخذت نفسا عميقا واتجهت إلى الباب وفتحته ثم دخلت إلى مكتب لوكاس كين

ـ صباح الخير. إذن فأنت لم تغيري رأيك؟

كانت العينان الفضيتان المدمرتان في انتظرها. وبالرغم من استعدادها لهذه المقابلة، أخذ قلبها يخفق بعنف، وحدقت في هذا الجسم الكبير الجالس خلف المكتب، وقالت بدهشة:" أغير رأيي؟ لا، بالتأكيد يا سيد كين. لقد أخبرتك بأنني سأكون هنا في الصباح"

فسألها بنعومة وعيناه تضيقان إزاء احمرار وجهها:" وهل تفين بوعودك دائما؟"

ـ نعم. هذا ما أفعله

كان في كلماتها عدوانية خفيفة لاحظها لوكاس بتسلية خفية، لكن صوته لم يكشف عن شيء من شعوره وهو يقول:" هذا حسن، سيدة ألن، لأننا، في هذه الحالة، سننسجم معا تماما"

ووقف وهو يتكلم، فأرغمت نفسها على ألا تظهر أية ردة فعل على الإطلاق عندما جثم على جانب المكتب:" سنستلم السيارة الزرقاء عند الساعة الرابعة. وهذا يمنحنا وقتا كافيا تتآلفين فيه مع أجهزة التشغيل والتحكم في الآلات، وإلقاء الأسئلة المتعلقة بها"

ـ شكرا

ولم تعرف ما تقوله غير ذلك.

ـ سيسر اللون ابنتك حين تراه.

عند ذلك نظرت إليه بحدة، لكن لوجه الجذاب كان خاليا من أي تعبير، وكذلك صوته وهو يتابع:" في الأسابيع الثلاثة التالية ستتعلمين كيف هذا يعمل المكتب"

طرفت بعينيها الواسعتين، لكنها لم تقترف غلطة الاندفاع في الكلام، والتوت شفتاها قليلا وهو يتابع:" هل أوفر قليلا من الوقت وأضع بعض القواعد لمصلحتنا نحن الاثنين؟"

كان الهدف من وراء هذا السؤال على ما يبدو هو التأثير في النفس لا الحصول على جواب، ومع ذلك، بدا لها، بشكل ما، متوقعا.

ـ كما ذكرت أمس، أتوقع لا بل أطلب ولاء كليا من أولئك القريبين مني، وأقل من ذلك غير مقبول. بصفتك سكرتيرتي ومساعدتي الشخصية، ستكونين على علم بكل المعلومات السرية المتعلقة بالعمل وبحياتي الخاصة معا، وأتوقع منك أن تكوني حذرة متحفظة مع الأمرين.

كان قد أشار إليها بالجلوس، عندما جلس على حافة المكتب، وكانت الآن شاكرة لهذا، بعد أن شعرت بأنها مأخوذة بمغناطيسية هذا الرجل الذي أصبح الآن رئيسها. نعم، رئيسها. وابتلعت ريقها بصعوبة قائلة:" طبعا، ياسيد كين"

ـ بل لوكاس.

ومال إلى الخلف قليلا، فأظهرت أشعة الشمس خلفه مدى سواد شعره.

ـ الأمر الثاني الذي عليك أن تتعلميه هو أن الرسميات كلها تتوقف عند ذلك الباب.

وأشار إلى الباب الموصل بين المكتبين خلفها:" أنت عيناي وأذناي في هذه المؤسسة وخارجها. وعليك أن تكوني حليفة عليها أن تكون صريحة داخل هذه الجدران الأربعة وتعطيني رأيها"

فسألته بحياد حذر يخفي اضطراب أعصابها:" وإذا كان رأيي يتماشى مع رأيك"

صمت لحظة ينظر إليها بعينيه الثاقبتين، ثم ابتسم أول ابتسامة حقيقية تراها منه:" أنا لا أريد منك أن توافقيني، بالضرورة، ولكن إذا لم توافقيني، أتوقع أن تكون تعليقاتك منطقية ومبنية على معرفة صحيحة. لدي ما يكفي من المتملقين، ولا أريد شخصا آخر يا كيم"

كانت هده هي المرة الأولى التي يلفظ فيها اسمها الأول، فشعرت، ويا للسخافة، بأن ذلك ترك داخلها تأثيرا ما. كان قريبا جدا منها. راودتها هذه الفكرة فحدثت نفسها بحدة بأنها تتصرف كتلميذة مدرسة وليس كامرأة ناضجة في السادسة والعشرين.

ولكي تحارب الضعف، أرغمت نفسها على مبادلته الابتسام وهي تقول بصوت مرح:" هل يمكنني أن أذكرك بقولك هذا في المستقبل؟"

اتسعت الابتسامة التي حولت ذلك الوجه الرجولي العدواني الصلب إلى ملامح أنيسة حلوة المعشر. وكانت هي تنظر إليه مفتونة حين قال:" لدي شعور بأنك ستفعلين ذلك سواء شئت أن أبيت"

قال هذا بتكاسل قبل أن ينزل عن المكتب بحركة واحدة، ثم يعود فيجلس على كرسيه وراء المكتب الضخم:" لاحظي كثيرا، قولي قليلا، وكوني يقظة في الأسابيع القليلة التالية يا كيم. يسرني أن تكوني معنا"

ـ شكرا لك.

وكان هذا طردا صريحا فنهضت بشيء من الاضطراب، آملة ألا يبدو توترها جليا.. فقد كان أكثر الرجال الذين عرفتهم شغلا للبال، ولكن عليها أن تجد طريقة تواجه بها شعورها.. فهذه الوظيفة فرصة لا تعوَّض. هذه الفكرة مكنتها من مغادرة مكتب لوكاس بخطوات متزنة ورأس عال ووجه جامد.

وطمأنت نفسها إلى أن لديها جين لتخفف من تأدية دور سكرتيرة لوكاس كين وذلك لمدة أسابيع قليلة، وبعد ذلك...

أخذ قلبها يخفق فتملكها الغيظ من نفسها لتوتر أعصابها هذا. ستصبح لاحقا كما يريدها أن تكون... آلة كفؤة هادئة قادرة، تدير مكتبه بنظام. بمكانها أن تفعل ذلك، فالوقت الذي أمضته مع غراهام، عدا النتيجة المشئومة بعد موته، جعلها تدرك أن لديها طاقات خفية لم تكن تعلم بوجودها.

تذكرت اليوم الذي اكتشفت فيه أنها ليست مفلسة فحسب، بل غارقة في الدين. لكنها اجتازت ذلك، وصنعت لنفسها ولميلودي حياة مقبولة، ومن الآن فصاعدا ستصبح أفضل ثم أفضل. إنها مسئولة الآن عن مصيرها ومصير ابنتها.. والعهد الذي قطعته على نفسها بجانب الضريح المحفور حديثا، ما زال قائما، وهو ألا تثق برجل مرة أخرى، فقد تعلمت درسا صعبا، لكنها حفظته جيدا.

إنها الآن مستقلة.. مستقلة بشكل رائع يجعلها سعيدة محظوظة.. ولا شيء، لا شيء يمكن أن يقنعها بخلاف ذلك. وهذه الوظيفة ستضمن لها الأمان المادي، وهي فرصة العمر لها.

سكرتيرة لوكاس كين؟ ونظرت إلى الباب المغلق، الذي تسمع من خلفه أصوات خافتة. ستسعى جهدها لتكون أفضل سكرتيرة له.

 
 

 

عرض البوم صور safsaf313   رد مع اقتباس
قديم 21-08-09, 09:46 AM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Mar 2008
العضوية: 66854
المشاركات: 2,022
الجنس أنثى
معدل التقييم: safsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 585

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
safsaf313 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : safsaf313 المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

3ـ بداية التحدّي




في الأسابيع التالية، عملت كيم كما لم تعمل قط ووضعت ملاحظات بكل ما أخبرتها جين به وكانت تأخذ كل مساء إلي بيتها رزما من الأوراق ثم تجلس إلى ما بعد منتصف الليل، تستظهر عن ظهر قلب كل ما فيها. درست كل ملف، وكل شركة، وكل شخص لعب دورا في حياة لوكاس كين العملية حتى أصبح في رأسها من المعلومات أكثر مما لدى جين.

إحدى صديقات ميلودي كانت تعيش قرب المدرسة، فاتفقت كيم ما والدة الطفلة على أن تدفع لها أجرا لقاء أن تحضر إليها ميلودي في الساعة الثامنة صباحا، لتستطيع كيم أن تكون في الشركة عند الساعة الثامنة والنصف يوميا.
منتديات ليلاس
تصورت كيم، في اليوم الأول، أنها ستكون بمفردها في المبنى، لكن سيارة لوكاس الفارهة كانت مركونة عندما أوقفت هي سيارتها.

كان قد وقف بباب المكتب عند وصولها وأخذ يحدق فيها لحظة ساخرا، ولكن عدا عن طلبه كوبا من القهوة، أمضى النهار بطوله من دون تعليق.

جاء عيد الميلاد وابتلعت كيم ريقها قليلا وهي ترى هدية العيد السخية من لوكاس وقد كانت شيكا مصرفيا... وفي الأسبوع التالي من شهر كانون الأول انتقلت مع ابنتها إلى كوخ جميل صغير مؤلف من غرفتي نوم وقريب من مدرسة ابنتها.

وحل يوم الاثنين من أسبوعها الثالث في الشركة، وهو اليوم الأول الذي لن تكون فيه جين موجودة لتسندها.. ووجدت كيم نفسها متوترة كطفل يدخل إلى المدرسة في يومه الأول.

مكّنها بدل الملابس من الشركة من أن تشتري بذلات أنيقة وبلوزات وبعض الزينة ما أظهر بشكل رائع الصورة التي ينبغي أن تكون عليها سكرتيرة لوكاس كين. وكانت كيم تعلم أن الطقم الرمادي والبلوزة الوردية الحريرية تلائم بشرتها الصافي.

ومع ذلك، كانت عيناها البنيتان الناعمتان واسعتين قلقتين نوعا ما وهي تتفقد ضفيرتها المرتبة، وغرتها الكثة المستقيمة التي تصل إلى قمة حاجبيها.

قالت بنعومة تحدث صورتها، في المرآة:" لا شيء تغير في اليومين الماضيين. فقد اشتغلت طوال الأسبوع الماضي ولم تساعدك جين إلا قليلا، وهذا يعني أن بإمكانك مواجهة أي شيء"

وكان عليها، بعد دقيقة أو اثنتين، أن تذكر نفسها بهذه الكلمات.

اعتادت في الأسابيع الماضية، على تحضير قهوة لوكاس فور وصولها إلى المكتب، لكنها الآن، عندما فتحت الباب، بعد أن قرعته، أدبا، كالعادة، لم يكن ذلك الثري البالغ الأناقة الذي تعودت عليه هو الذي رفع بصره إليها من وراء المكتب.

بدا واضحا أن لوكاس كان نائما حتى اللحظة التي أيقظته فيها، وحين استقام في جلسته وحدق إليها بعينين كليلتين، تصاعدت خفقات قلبها. ولم يكن ذلك لأن شكله المشعث يثبت أنه نام بملابسه.

كان قد خلع، في الساعات الأخيرة، سترته وربطة عنقه، فبدت عضلاته القوية.

لقد نجح.. نجح بكل تأكيد. وجمدت كيم مكانها، واهتزت الصينية بين يديها بشكل خطر. فقد كان.. حسنا، كان مختلفا، كما اعترفت بصدمة صامتة. إنه، في ملابسه، موهوب الجانب فياض الرجولة، أما بنصف ملابسه.. لا عجب أن جين قالت لها إن مرور النساء الفاتنات في حياته هو بسرعة سيارات السباق لأن العمل يأتي عنده في المقام الأول.

هذا لا يعني أنه يتملص منهن بالطبع، كما قالت جين، ذلك أن الدائرة التي يعيش فيها لديها التفكير ذاته... وهذا عامل مساعد. ولم يكن لوكاس قط من ملاحقي الشقراوات الغبيات، فهو يطلب الذكاء كما يطلب الجمال. وكل النساء يعتبرنه جذابا لا يقاوم.

لم تنطق حينذاك بأي تعليق رغم أنها حدثت نفسها بأن كلمة ( لا يقاوم) ليست الكلمة التي تخطر ببالها حين التفكير في لوكاس كين. أما الآن، فبإمكانها أن تفهم ما الذي يجذب مثل أولئك النساء إليه. رأت في استلقائه هذا كل تلك الجاذبية البدائية التي أحست بها مرة أو اثنتين.. حسنا، بل أكثر من مرة أو اثنتين.

ـ رباه! كم الساعة؟

بدأت العينان الفضيتان تصفوان، واحتل الصوان مكان لون الدخان في عينيه.

ـ الثامنة والنصف

كان جوابا مختصرا لكنه كل ما استطاعته قبل أن تتمالك أحاسيسها.

ـ هل تلك قهوة؟ أنت ملاك.

عاد يستند إلى الخلف في كرسيه، وأخذ يتمطى باسطا عضلاته المفتولة قبل أن يأخذ في تمسيد شعره إلى الخلف، وهذان الأمران لم يفلحا في حفظ توازن كيم.

ـ لقد أمضيت هنا معظم العطلة الأسبوعية. وصفقة " كلاركسن" انفجرت في وجهنا وكنا بحاجة إلى وقت لنحلها.

ـ هذا صحيح

وضعت القهوة والبسكويت على المكتب أمامه، راجية ألا يكون وجهها محمرا خجلا.

ـ لكنني قلمت أظافره.

وتناول قطعة بسكويت وأكلها بنهم قبل أن يتناول أخرى. فسألته بحذر:" متى أكلت آخر مرة؟"

بدا الشرود في العينين الثاقبتين عادة :" أكلت؟ لا أتذكر. أظن يوم السبت"

ـ هل تحب أن تأكل شطائر باللحم؟

فحدق إليها باهتمام:" شطائر باللحم؟ لا تخبريني بأن بإمكانك أن تجهزي هذا في لحظة، يا كيم!"

قالت بصوت جاف:" تقريبا. هنالك رجل في زاوية الشارع، وشطائر اللحم هو اختصاصه"

ـ أريد إذن ست شطائر مع صلصله.

مال برأسها وكأنها تتصور ما كانت جين ستفعله في نفس الظروف، ثم أرغمت نفسها على التوجه إلى الباب وهي تقول من فوق كتفها:" سأتأخر عشر دقائق أو نحو ذلك"

تأخرت ربع ساعة، وعندما قرعت باب مكتب رئيسها ودخلت، كان قد تحول إلى شخصيته المعتادة وذلك بفضل الحمام وغرفة الملابس في جناحه الخاص. ولكن بالرغم من بذلته النظيفة وقميصه الأزرق الباهت وربطة عنقه المناسبة، لم تر كيم فيه إلا صورة ذهنية لعضلات رائعة. ولم يخفف عنها أن شعره ما زال رطبا ووجهه الحليق الآن أكثر ارتياحا من العادة.

ناولته الطبق وهي تحاول أن تبدو جامدة قدر إمكانها:" إنها ست شطائر محشوة. وهي ساخنة"

ـ تتكلمين كما تتكلم أمي.

أمه؟ وضاقت عيناها، ثم ابتسمت بعذوبة زائفة:" لا تقل لي إنك من أولئك الرجال المرتبطين بأمهاتهم"

قالت ذلك بهدوء بعد أن فكرت فيه طويلا ولم تجرؤ على أن تنطق بذاك الجواب اللاذع الذي خطر لها.

ـ لا أظن ذلك.

وكان ينظر إليها وعيناه تلمعان، ولكن تلمعان بماذا، هذا ما لم تعرفه كيم.

ـ كانت أمي امرأة رائعة، ومناسبة لأبي بشكل مثالي، ولكن.. لا، لا أظن ذلك.

وأخذ قضمة من شطيرته وأغمض عينيه متلذذا

ثم سألها مستنكرا تقريبا:" كيف حدث أنني لم اشتر شطائر اللحم هذه من ذلك الرجل من قبل؟"

ـ لأنك لم تطلب!

نظر إليها بحدة، ثم قال ببطء:" وهل عليّ أن أطلب فقط؟"

كان عليها أن تعلم أنها لا يمكن أن تنتصر عليه في حرب الكلمات! وكانت واعية، باضطراب، إلى أن شيئا ما قد تحول في الدقائق الأخيرة.. شيئا كان يغلي في الأعماق منذ اللحظة التي وقعت فيها عيناها على لوكاس كين... شيئا لا يمكن... لا يجب التعبير عنه.

ـ سأحضر لك فنجان قهوة آخر.

وأسرعت تغادر المكتب قبل أن يجد وقتا يأخذ فيه قضمة أخرى.

ارتسمت على شفتيه ابتسامة باهتة. هناك أكثر، أكثر بكثير بالنسبة للسكرتيرة الجديدة الكفؤة الرائعة الجمال من مجرد تقابل الأعين. لقد عرف ذلك منذ البداية، وهذا هو السبب في أنه اختارها من بين مرشحات أكثر خبرة.

لكن هذه الفكرة لم تعجبه فاستحالت الابتسامة إلى تقطيب وهو يحدث نفسه بحدة بأنه اختار كيم لأنها أنسب المرشحات. أما المؤهلات والخبرة فهي ليست بالضرورة كل ما تتطلبه علاقات العمل. يجب أن يكون هناك لمعان ف ي الشخصية، وشيء لا يمكن وصفه وإنما يحدثك بأن أي اتفاق سيكون صحيحا مثمرا، فهو لا يرغب أبدا في سكرتيرة شاردة الذهن بطيئة الفهم ولهذا اختار كيم. كما أن مؤهلاتها جيدة بشكل لا بأس به، وكذلك خبرتها. هكذا كانت جين... فلطالما استمتعا بمشاجرات حقيقية في زمنها، كما طمأن نفسه بحزم، متجاهلا صوتا خافتا صادقا يقول له إنه يقارن الجبن بالطباشير.

شعر بعدم الارتياح فجأة لهذه الأفكار، ثم حول أفكاره إلى ملف كلاركسن الموجود أمامه، صارفا من ذهنه كل تفكير في كيم بذلك التركيز الذي لا يرحم والذي كان سبب نجاح شركة كين الكتريكال في العقد الأخير.



***

أمضت كيم وقتا أطول بكثير حتى استطاعت أن تحبس أفكارها غير اللائقة، وعندما نجحت بذلك، صممت على ألا تسمح لتلك الأفكار بالانطلاق مرة أخرى. بإمكان لوكاس كين أن يتبختر حولها كيفما شاء، من دون أن تهتز منها شعرة..

اضطرت إلى الاعتراف بأن فيه شيئا ما.. شيئا مغريا للغاية... وقد أراحها، في الواقع، أن تعترف بذلك وتظهره إلى العلن.. كان جذابا إلى حد بالغ... وهو من الرجال الأثرياء الذين تحيط بهم السلطة والهالة وهي غير مضطرة إلى الشعور نحوه بالمودة، ما دامت تحترم حدة ذهنه العملي وتستمتع بعملها، فهذا كل ما تريده. أما طراز حياته، والطريقة التي يقود بها علاقاته الشخصية، فلا شأن لها بها مع أنه يجسد كل ما تكرهه في الرجال في ذلك المجال.. لكن لا يعني أن ليس بإمكانها العمل معه. إنه يراها جزأ من أجهزة المكتب، وليس امرأة، وهذا يشكل كل الفرق.

وعندما أوقفت سيارتها أمام بوابة المدرسة، كانت قد استراحت إلى هذا التعليل. وسارت في الممشى ثم وقفت مستندة إلى الباب الخشبي الكبير فيما بدأ الثلج بالهطول.

عندما ظهرت ميلودي مع اثنتين من زميلاتها كان الثلج قد تحول إلى رقاقات سميكة بيضاء بعثت البهجة في نفوس الأطفال.

تقدمت ميلودي نحوها متراقصة والحماسة في وجهها:" أمي، السماء تثلج حقا. هل يمكننا أن نصنع في الحديقة رجل الثلج؟"

ـ ربما غدا، إذا كان الثلج كافيا.

كانت ميلودي تثرثر بثقة وحيوية فحمدت كيم الله لأنها لا تتذكر الأشهر الأخيرة الفظيعة بعد موت غراهام. لم تشأ أن تطيل التفكير في زوجها الراحل، وركزت أفكارها على ابنتها، فأخذت تسألها عن يومها. ولكن عندما نامت ميلودي في سريرها، وهدأ الكوخ، أخذت الذكريات تتدفق عليها بالرغم عنها.

لقد ظنت أنها مغرمة بغراهام.. كانت واثقة من أنها تحبه.. لكن المثل الذي يقول إنك لا تعرف الشخص إلا بعد أن تعاشره، كان صحيحا فيما يتعلق بزوجها..

الشاب الوسيم اللامع، ووحيد والديه العجوزين، أفسده الدلال منذ الطفولة. حاول والداه أن يمنحا ابنهما كل ما يطلبه رغم مواردهما المحدودة حتى أنهما موّلا عمله بعد تخرجه من الجامعة مما استفد آخر فلس يملكانه.

لم تكن واعية حينذاك إلى ذلك.. وبعد موت غراهام برز كل شيء إلى الضوء.

لم تكن تعلم أنه مدمن على الكحول، وكان غراهام بارعا بارعا في إخفاء إدمانه. وعندما عرفت ذلك، كانت حاملا بميلودي.

كان عمل غراهام قد فشل حالما بدأ تقريبا... وكانت هذه نتيجة محتومة لقلة الوقت والجهد اللذين بذلهما فيه... وعندما علم بعجز والديه عن مساعدته، أخذ يستدين، مستغلا كل ما لديه من ظرف وجاذبية. وكان دوما يحصل على ما يريد بجاذبيته التي لم يكن يستطيع أحد أن يقاومها.

رفعت كيم بصرها فجأة عن عملها...

لا يستطيع أحد مقاومة جاذبيته.. هذه الجملة جعلتها تدرك فجأة لماذا أخذت تفكر بغراهام بعد أشهر من صرفه من ذهنها.

( يبدو أنهن لم يستطعن مقاومة جاذبيته) هذه الكلمات هي نفسها التي قالتها جين في وصف نيكولاس.

زمت كيم شفتيها بقوة، وضاقت عيناها البنيتان القاتمتان وهما تنظران إلى غرفة الجلوس المريحة دون أن تريا شيئا. ربما ( كلهن) لا يستطعن مقاومة جاذبية نيكولاس كين، ولكن هنا امرأة تلقت لقاحا قويا ضد هذا المرض، برغم أنها لم تفكر في أنه أول رجل حرك مشاعرها منذ موت غراهام. والآن بعد أن أدركت هذه الحقيقة وما تمثله من خطر، ستكون على حذر. وهذا لا يعني أنه يهتم بها على المستوى الشخصي، وكادت تضحك عاليا وهي تتصور لوكاس كين القاسي البارد يميل إلى سكرتيرته. لكنها لا تريد أن تنجذب إلى أي رجل مرة أخرى خصوصا إذا كان يماثل غراهام في طباعه.

لم تخبر أحدا عن آخر سنة أمضتها مع غراهام وما عانته فيها من إذلال على يديه، لن تخبر أحدا أبدا فهي ليست مضطرة إلى ذلك. فهي غير مسئولة من أحد، وهذا ما تريده. ميلودي هي الشخص الوحيد الهام في حياتها وبإمكانها، بفضل هذه الوظيفة الجديدة، أن تمنحها لها. لا شيء، لا شيء أبدا يجب أن يتدخل في ذلك، وعادت عيناها إلى التركيز على المعطف الأحمر الصغير بين يديها وشفتاها متوترتان.





***

لم تتوقع منه أن يترك الأمر دون كفاح، لكنه أدهشها للمرة الثانية عندما تحرك بالسيارة دون كلمة أخرى، مندفعا من الموقف بعنف جعل السيارة تهدر.

ـ وخلافا للمفهوم القائل بعدم ذكر الميت بالسوء، أحب أن أقول إن من حظك أنك تخلصت من السيد ألن.

إنه لعلى صواب. وأطلقت ضحكة غريبة: "أعرف هذا"

ـ كيف حدث ذلك؟

نظرت إليه لحظة، إلى ذلك الوجه الخشن العابس وهو يركز على الطريق أمامه، غير واثقة مما سألها ثم عاد يسألها فجأة:" كيف مات؟ لم تذكري في طلب العمل سوى كلمة ( متوفى)"

ـ مات في حادث

لم تشأ أن تستمر في الكلام. وانتبهت إلى عينيه النفاذتين مسمرتان على وجهها، رغم أنها عادت تنظر أمامها مرة أخرى. وعاد يسألها بصوت بعث الاضطراب فيها:" حادث سيارة؟"

ـ لا.

كان وعي كيم موجها إليه وإلى اليدين السمراوين القديرتين ورائحته. مهما كان نوع الكولونيا التي يستعملها يجب أن تمنع لخطورتها على حالة النساء الذهنية. ولكن ربما لن يكون تأثير الرائحة نفسه على شخص آخر.

ـ قطع غراهام شريانه عندما سقط على واجهة متجر.

مضت نصف دقيقة ينتظر فيها المزيد... ولم تستطع كيم احتمال مزيد من الضغط، فأكملت قولها بفتور:" كان ثملا"

ـ الحادث المعتاد؟

فقالت بصوت جامد:" نعم"

ـ والآن تريدين أن تتحدثي عن شيء آخر.

أرادت أن تتحدث عن شيء آخر منذ اللحظة التي صعدت فيها إلى السيارة! وكبحت نفسا مرتجفا وأخفت يديها المرتجفتين في حجرها: " إذا لم يكن لديك مانع"

أومأ ببطء:" حدثيني عن ابنتك"

ـ ميلودي؟

قالت هذا مجفلة وهي تنظر إليه، وقابلت عينيها البنيتين الواسعتين لحظة، ولكن أهدابه الكثيفة السوداء أخفت ما فيهما من تعبير.

ـ إنه اسم غير عادي. هل هو من اختيارك؟

زدت حرارة رجولته من اضطرابها في هذه السيارة الفخمة المقفلة مرغما إياها على الاعتراف:" كان مخاضا طويلا وعسيرا"

ولم تضف أن غراهام كان في الخارج في حفلة شرب وصخب، ولم يأت إلى المستشفى لا في الصباح التالي" إحدى الممرضات كانت بالغة اللطف معي. وكانت من جمايكا، واسمها..."

أكمل لها الجملة:" ميلودي"

أومأت قائلة بهدوء: " لكنه يناسب ميلودي. فهي طفلة سعيدة، تضحك وتغني دوما"

كان في صوت كيم حرارة وحلاوة، وهي تتحدث عن ابنتها، بشكل لم بعهده لوكاس فيها من قبل، وفجأة، كان هو من يريد تغيير الموضوع. فقال بهدوء:" أنا واثق من أنها كذلك. والآن دعيني أدخل في الهدف الرئيسي من هذا الاجتماع قبل أن نقابل " جيم كلاركسن" وابنه"

أخذت تستمع بهدوء وهو يوضح الأمور، لكنها في الداخل كانت من الاضطراب بحيث لم تستوعب سوى نصف ما قاله.

تمنت لو أنها لم تأخذ هذه الوظيفة قط. فالبرغم من الراتب المغري، والسيارة، فقد تمنت لو أنها لم تخط خطوة إلى شركة كين الكتريكال. كانت تعلم مكانها مع بوب كيرتس. كان صاحب عمل لا يرحم، ولا يخجل من استغلال الناس لمصلحته الخاصة. لكنه كان سمينا أصلع ومتوسطا في السن، ولم يهتم يوما بطرح سؤال شخصي عليها.

تحرك لوكاس قليلا في مقعده الجلدي فشعرت بأعصابها تتوتر. كان بوب يشتري بذلاته جاهزة، وغالبا رخيصة الثمن. ولم يكن يرتدي قميصا حريريا، بينما لوكاس... حتى في ملابس السباحة تبقى حوله هالة الثراء تلك.

تصورها للوكاس في بذلة السباحة كان كافيا ليصبغ وجهها بالاحمرار، فتمنت لو ينسب ذلك إلى حرارة جو السيارة، هذا إذا لاحظ ذلك.

وقد لاحظ ذلك، والشعور الذي تملكه في المصعد عاد فاكتسحه مرة بقوة متجددة قبل أن يرغم نفسه على الهدوء. لابأس، فهي مضطربة كقطة على سطح صفيح ساخن، بهذا كان يحدث نفسه بعنف. لكن الشيطان وحده يعلم ما حدث لها أثناء زواجها. على الأقل ذلك الحشرة ميت الآن. وتنفس ببطء وهو ينظر أمامه بعينين ضيقتين مرغما نفسه على التركيز على حالة الطريق. إنها سكرتيرته، وهي لا تريد غير ذلك. وماضيها لا يؤثر فيه إلا بقدر ما قد يؤثر في عملها.

ساد الصمت بقية الرحلة إلى المطعم التي لم تكن مريحة على الإطلاق. وإلى أن اتجهت سيارتهما إلى الموقف خلف المطعم، كانت أعصاب كيم قد شارفت على الانهيار. وخرج لوكاس من السيارة ثم كان عند بابها يفتحه لها قبل أن تتحرك في مقعدها. وعندما نزلت من السيارة، تنفست الصعداء بصمت.

كانت تعرف مطعم فونتيلا، ولكن لم يحدث قط أن غامرت بدخوله.

ـ ارفعي رأسك.

لم تكن منتبهة إلى عيني لوكاس عليها أثناء سيرهما نحو الباب الرائع المؤدي إلى داخل المبنى. لكن عندما نظرت إليه، تابع يقول:" جيم طائر عجوز ماكر، ولكن عندما يحط على الأرض يصبح في منتهى اللطف، وابنه مثله. وستحبينهما"

ربما، ولكن التعرف إلى رئيس شركة كلاركسن انترناشيونال ليس هو ما يهمها، بل ذلك الرجل الأسمر الكبير الحجم الذي بجانبها. فقد أحدث، لسبب ما، تأثيرا بالغا في عقلها وجسدها لم تستطع التحكم فيه بالمنطق أو قوة الرادة. وكان يزداد سوأ مع مرور الوقت.

أحبت كيم جيم كلاركسن وابنه روبرت. كانا رجلي أعمال حاذقين وبنفس عناد لوكاس إذا اتصل الأمر بالتجارة، ولقد أحست على الفور بأن الرجال الثلاثة تعاملوا سويا في الماضي وهم يحبون بعضهم بعضا.

تملكتها الدهشة وهي ترى الحديث لا يخلو من المزاح رغم ارتفاع سخونته أحينا، وبالرغم من أنهما اثنان مقابل واحد، كان لوكاس متمالكا نفسه وهو يدير الأمور ببراعة وهدوء إلى أن حصل على معظم ما يريد. وكان واضحا أن هذا لم يغب عن جيم كلاركسن عندما ودع الأربعة بعضهم بعضا في موقف السيارات، وجيم يقول لها وهو يصافحها:" إنه ماكر، السيد كين هذا. لكنك تعرفين هذا طبعا"

ـ هذا بالضبط ما قله عنك، يا سيد كلاركسن.

وابتسمت كيم للرجل العجوز الأبيض الشعر وهي تقول هذا فقهقه ضاحكا وقد بدا الإعجاب واضحا في عينيه بالمرأة الرائعة الجمال الواقفة أمامه.

ـ الإطراء سيوصلك إلى كل ما تريدين، يا عزيزتي.

كان لوكاس يقف جانبا ينظر إليهما بعينين تعكسان لون السماء الماطرة فتقدم يمسك بمرفق كيم وهو يقول:" سأتصل بك غدا، يا جيم، بعد أن ينتهي المحاسب من مراجعة بعض الأمور"

ـ وداعا يا سيدة ألن.

ومد روبرت يده لها مصافحا وهو يقول ذلك ما جعل لوكاس يؤجل مغادرته:" لقد سرني التعرف إليك"

قال لها هذا برقة بالغة والدفء في عينيه.

ـ وأنا كذلك.

فتح روبرت فمه ليقول أكثر، لكن لوكاس سحب كيم بسرعة، وسرعان ما وجدت نفسها في لسيارة وهو يغلق الباب بعنف.

كان عمله هذا يقارب الفظاظة. وأخذت تنظر إلى رئيسها وهو يدور حول السيارة متجها إلى مقعده، ولم تستطع أن تقرأ شيئا في وجهه الجامد. ولكن ربما كان متجها للعودة إلى المكتب لسبب ما.

ـ سارت الأمور بشكل حسن.

كانا قد خرجا لتوهما من موقف السيارات وكانت قد ردت على تلويح روبرت لها بيده، وهو يقف بجانب السيارة المرسيدس الرائعة، وبالرغم من مضمون كلماته الإيجابي، كانت لهجته تنبئ وشيء مختلف. فقالت موافقة بأدب:" نعم. هذا ما رأيته"

قال بجمود:" يبدو أنك انسجمت جيدا معهما"

ـ كنت على صواب. إنهما طيبان للغاية.

أومأ بحنكة ولكن دون تعليق.

أطالت التحديق في جانب وجهه الصلب، شاعرة بأن فيه شيئا فاتها، ولا تعرف ما هو بالضبط.

كان الأمر هو نفسه عندما عادا إلى المكتب. فقد توارى في مكتبه بعد أن أعطاها بعض الإرشادات، مراجعا الملاحظات التي دونتها وقت الغداء. لكنه بدا شاردا بشكل ما، وبما يقرب من الضيق.

لم تهتم كيم بالأمر لأن المشاعر التي تملكتها طوال النهار أرهقتها ذهنيا وجسديا. فأصبحت بحاجة إلى كل ذرة من التركيز لكي تحول الاختزال الذي أخذته وقت الغداء إلى طباعة أنيقة. والواقع أن الطعام الممتاز لم يساعد على تخفيف مشاعر التعب لديها وهذا ما جعلها تهفو إلى غفوة بعد الغداء.

وعند الساعة الرابعة والنصف، أخذت رزمة أوراق ودخلت بها مكتب لوكاس ووضعتها على المكتب.

فقال دون أن يرفع بصره:" شكرا"

ـ سأعود بعد عشر دقائق عندما تجد وقتا لتوقع الرسائل، فهي على وجه الأوراق.

فقال بصوت جامد وهو لا يزال مطأطئ الرأس:" هذا حسن"

قبل أن تصل إلى الباب تذكرت أنها لم تذكر له تقرير سكرتيرة المدير المالي الذي استلمته لتوها فوضعته مع الأوراق، فالتفتت بسرعة والكلمات على شفتيها، وإذا بالكلمات تتجمد وهي تراه ينظر إليها متأملا.

تقابلت أعينهما وبقيت كذلك دهرا، فضة لامعة مع لون بني قاتم، ثم تحولت عيناه إلى خصلة من الشعر أفلتت من ضفيرتها الأنيقة في مؤخرة رأسها.

قال بذهن شارد تقريبا:" ألوانك غير عادية أبدا. شعر أشقر مع مثل هاتين العينين الداكنتين"

ـ لون شعري طبيعي

قال برقة:" أعلم هذا. بإمكاني تمييز ذلك"

طبعا بإمكانه التمييز بعد كل ما عرف من شقراوات. هذه الفكرة أزعجت كيم، ولكي تغطي اضطرابها، وجدت نفسها تثرثر:" ميلودي لديها نفس لون الشعر والعينين"

فأومأ برأسه ببطء وقال برقة:" إنها الجينات الوراثية. ربما لدى أحد والديك نفس الألوان"

أرادت أن تبتلع ريقها، وشعرت بغصة، لكنها تنفست بعمق:" إنها أمي. أنا لا أتذكرها لكن لدي صورتها. كان أبي أشقر هو أيضا ولكن عينيه زرقاوان"

ـ هذا حسن

بقي وجهه جامدا، فلم تكن بحاجة إلى أن تشعر بأي خطر من أي إغراء، ولكنها شعرت بذلك بالفعل. أخذت توصي نفسها بأن تتماسك، فهذا حديث محترم وهي تتصرف كمعتوهة.

ـ سوف... سوف أعود بعد دقائق لأجل الرسائل إذن.

ـ ماذا؟

وحملق فيها رئيسها الذكي القاسي البارد بنظرات فارغة لحظة، ثم أومأ فجأة:" نعم. افعلي ذلك يا كيم"

ثم أحنى رأسه وخرجت. ولكنها لم تتذكر إلا في مكتبها أنها نسيت أن تخبره عن التقرير المالي الذي ينتظره. حسنا، لن تعود إليه.. فهو سيجده بنفسه، كما حدثت نفسها وهي ترتجف.

مضت عشر دقائق قبل أن يرن لها الجرس الداخلي، فأخذت الأوراق التي ناولها إياها، ونظرت في عينيه عندما قاله لها بهدوء:" اجلسي لحظة، يا كيم. هناك شيء أريد أن أقوله لك"

ماذا تريد الآن؟ جلست برزانة على حافة الكرسي قبالة المكتب، وركبتاها مضمومتان معا وعلى ملامحه الحذر.

ـ بصفتك سكرتيرتي الخاصة، تعرفين كل أسرار العمل التي لا يعرفها غيرك من الموظفين.

كان صوته ثابتا هادئا. ولم تعرف ما إذا كان عليها أن تجيب. لكنها قالت:" نعم، طبعا"

ـ ستجدين أن الناس سيحاولون الوصول إليها من خلالك لأسباب مختلفة، بعضها هام والبعض الآخر ليس كذلك. وأحيانا سيتقربون إليك على مستوى شخصي، لكن جين وجدت أن من الأفضل أن تتوخى الحذر وتنفرد بنفسها أثناء العمل وتقصر صداقاتها على أولئك الذين لا علاقة لهم بشركة" كين الكتريكال"

ما الذي يريد أن يصل إليه؟ وسألته بدهشة:" لكنني ظننت أن خطيبها عميل لشركتنا؟"

طرف بعينيه لحظة:" الشذوذ يثبت القاعدة"

نظرت إليه بارتباك. هل هذا كل شيء؟

ـ الأمر هو، يا كيم...

وسكت لوكاس لحظة وعيناه مثبتتان عليها، فشعرت، كما شعرت مرارا من قبل، وكأن عقله ينظر في عقلها مباشرة متفحصا منقبا عن أفكارها الخفية ومخاوفها.

ـ نعم؟ ما هو الأمر؟

ـ أظن أنك ربما ستتلقين مكالمة هاتفية من روبرت كلاركسن.

ـ روبرت كلاركسن.

ونظرت إليه كأنه مجنون:" ولماذا يتصل روبرت كلاركسن بي؟"

ـ أليس ذلك واضحا؟

كان صوته خشنا ولا بد أنه لاحظ ذلك لأنه عاد إلى طبيعته الهادئة حين قال:" لقد أعجب بك. عندما ذهبت إلى استراحة السيدات بعد الغداء سألني عنك"

فوجئت كيم تماما، وارتباكها البريء ارتسم على وجهها.

ـ ولكن...لكنني لم...أقصد..

ـ أنت لم تلحظي ذلك.

قال هذا بسخط خفيف، فقالت وقد أحست بانتقاده:" لا لم ألحظ. كنت هناك بصفتي سكرتيرتك وقمت بعملي، هذا كل شيء"

ومن ذا الذي يلحظ شخصا آخر في وجود لوكاس؟ وصدمتها خطورة هذا التفكير وبعثت الاحمرار إلى وجهها.

ـ هذا شيء يستدعي المديح تماما. حسنا، سيتصل روبرت بك في المستقبل القريب، ويدعوك إلى الغداء أو العشاء.. أو إلى موعد، بما أن شركة " كين الكتريكال" وشركة " كلاركسن" مشتركتان في مفاوضات دقيقة حاليا...

ـ أتظنه سيحاول استغلالي للحصول على منفعة؟

قالت هذا بجفاء لأنه يظن بأنها من الغباء بحيث تتحدث مع أي كان عن أسرار الشركة! كيف يجرؤ؟

ـ ليس بالضرورة.

ـ ماذا إذن؟

لم تستطع منع صوتها من الارتفاع فقد كانت غاضبة جدا.

ـ كنت أشير فقط إلى أشياء معينة.

كانت عيناه عنيفتين ضيقتين، لكن السخط منعها من أن تبالي.

ـ أنا أشتغل عندك ولديك الحق في أن تطلب الولاء الكامل والحذر بالنسبة إلى كل ما يتعلق بالعمل. ولكن ليس لك الحق في أن تحدد لي من أخرج معه.

قالت هذا بتوتر وقد شحب وجهها.

لم يكن لديها النية في الخروج مع روبرت كلاركسن.. بل لم يكن لديها النية في الخروج مع أي شخص. ولكن، إذا ظن لوكاس كين أنه يمتلكها روحا وجسدا، فليصحو من سباته. يا الغطرسة هذا الرجل!

قال غاضبا:" ولا أنا سأحاول ذلك"

ردت عليه ثائرة:" ولكن هذا بالضبط ما كنت تحاوله لتوك"

ساد بينهما صمت مشحون، ولكن رغم غضبه البالغ، بقي وجهه هادئا. لقد لاحظ طوال فترة الغداء اللعينة تلك، كيف كان روبرت يبذل جهده كله لكي يؤثر فيها. وكانت هي تبادل روبرت الابتسام بطريقة لم تستعملها معه قط. ولم تجفل عندما لمس روبرت ذراعها وساعدها في ارتداء معطفها. تبا لذلك.

كان يحارب مشاعره طوال فترة بعد الظهر، وهي مشاعر جديدة ومزعجة للغاية. كان دوما مشهورا بأنه رجل منطقي.. رجل حرص على أن تكون حيته حرة منظمة ويريد أن تكون علاقاته كذلك.

المشكلة الأبدية، الحب والغيرة... كان يجد دوما مثل هذه الأمور مزعجة ولا فائدة منها فكان يتجنبها كما يتجنب الوباء. إنه يحب النساء اللاتي يفكرن كالرجال من ناحية العواطف.. أو مثله على الأقل. دون ارتباط، ومستقلات، مستعدات للفراق عندما تنتهي العلاقة دون دموع ولا روابط.

وما زال يفكر على هذا النحو... تبا لذلك. لا شيء تغير. لا شيء.

قال بصوت كالثلج وعيناه ثقابتان كالفولاذ:" لا حجة بك لإثارة أعصابك. كل ما في الأمر أنني أحذرك، لقد عملت معي ثلاثة أشهر ولم يحدث أمر كهذا بيننا من قبل"

وعندما انتهى من الكلام نهض وسار نحو الباب وفتحه وهو يقول:" ربما عليك أن تتأكدي من أن تكون هذه الرسائل في البريد الليلة"

إنه يصرفها كما يفعل الناظر مع الولد الحسن السلوك!

نهضت واقفة وقبضتاها تشدان الأوراق التي تمسك بها ثم أرخت أصابعها عنها قليلا.

أرادت أن تمر بجانبه بعدم اكتراث وغطرسة رافعة رأسها، لكن الغضب الذي سيطر على كيانها جعلها لا تنتبه ولم تعرف ما إذا كان كعب حذائها قد اشتبك بالسجادة، أم أن ساقيها كانتا ترتجفان. إلا أنها كانت على وشك أن تنبطح عند قدميه... ثم أوشكت أن تقع عندما وصلت إلى الباب.

انتشرت الرسائل من يدها وهي تحاول أن تستعيد توازنها، وإذا بيدين قويتين تحيطان بها وتضمانها إلى صدر رجل قوي العضلات.

دار رأس كيم وتشوش ذهنها بحيث لم تقم بأي حركة للتملص منه. كما بدا أن لوكاس جمد مكانه، ثم أنعدها عنه قليلا لكي يتمكن من النظر في وجهها:" هل أصابك أذى؟"

أصابها أذى؟ إنها لا تعرف ماذا جرى لها، وهو يحتضنها بذلك الشكل. كان يمكن أن تكسر قدمها دون أن تنتبه.

كانت تعلم أن عليها أن تقول شيئا... فهي لا تستطيع الاستمرار في النظر إلى وجهه... ولكن كل أحلامها في الأشهر الماضية تجمعت الآن.

كانت يداها قد استقرتا على صدره العريض، فشعرت بخفقان قلبه تحت أناملها، ورقة قماش قميصه الأزرق تحت يديها.

كان قلبها يخفق دافعا الدم بعنف في أوردتها مرسلا دقات قلبها إلى عنقها ما خنق الكلمات التي أرادت أن تقولها لتنهي هذا الأمر بسرعة دون مزيد من الارتباك. كانت تحس بقوته الجسدية، وقوة عضلات ذراعيه تحت راحتيها. ولكن بدلا من أن يجعلها هذا تقفز مبتعدة، كما كان ينبغي أن تفعل، زاد ذلك من عدم قدرتها الغريبة على الحركة.

ـ كيم؟

كان ذلك تمتمة رقيقة تقرب من الهمس، ثم أحنى رأسه وحك أنفه في شعرها الذهبي وهو يحركها بين ذراعيه مرة أخرى ويقول بصوت متوتر:" لا بأس، أنت بخير"

كان يعلم أنها تتوقع منه أن يعانقها، بل تريده أن يعانقها. لكنه لم يفعل.

شعرت وكأنما غمرها فيض من الماء البارد، فتملصت منه في اللحظة التالية، ومضت، مجروحة المشاعر، تلملم الأوراق المتناثرة. وعندما حاول أن يساعدها، قالت:" يمكنني أن أتدبر أمري جيدا شكرا"

جمد على الفور، ثم قال بشيء من التوتر:" طبعا يمكنك ذلك".

لم تشعر قط من قبل، حتى عندما كان غراهام في أسوأ حالاته، بهذا الإذلال الذي تشعر به الآن.

أنهت جمع الأوراق واستقامت وقد توهج وجهها وبان الخزي في عينيها ما جعلها تتصلب في وقفتها. ثم قالت بألم وهي تنظر إلى لوكاس:" سأحرص على أن تذهب هذه الرسائل إلى البريد الليلة"

كان قد ابتعد قليلا عن الباب، فخرجت منه بسرعة وسمعته ينغلق خلفها ما زاد في تصلب أعضائها، كان كل ما تريده هو الهرب.

وضعت الرسائل في مغلفاتها بسرعة كبيرة بحيث لم تهتم بدقة طيها أو أي شيء آخر. ثم بدلا من أن تتصل بالمحاسبة لتعلمهم بأن بريد السيد كين جاهز للتسليم، أخذته بنفسها، وهناك تلكأت لحظات لتتحدث إلى سكرتيرة المدير المالي قبل أن تعود إلى الطابق الأعلى.

عندما دخلت إلى مكتبها كان لوكاس يتحدث في هاتفه الخاص، فدارت في المكتب تجمع أشياءها ومعطفها، وتحرص على أن تترك كل شيء منظما. ثم خرجت إلى المصعد وكأن الشيطان يلاحقها.

لم تتعود قط أن تخرج دون أن تلقي عليه تحية المساء، ولم يحدث أن خرجت قبل الخمسة فالساعة الآن هي الخامسة إلا ربعا... ولكن هذا كله غير مهم. فإذا كان عليها أن تواجه لوكاس الليلة، وتنظر إلى هاتين العينين الساخرتين وتلمح فيهما المعرفة بضعفها، ستنهار. إنها تعلم هذا.

ولم تسمح لأول دمعة ساخنة بأن تسيل على خدها، إلا بعد أن أصبحت آمنة في سيارتها، وانطلقت مبتعدة عن الشركة.

 
 

 

عرض البوم صور safsaf313   رد مع اقتباس
قديم 21-08-09, 09:48 AM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Mar 2008
العضوية: 66854
المشاركات: 2,022
الجنس أنثى
معدل التقييم: safsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 585

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
safsaf313 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : safsaf313 المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

4 ـ إنذار القلب



بعد صنع رجل ثلج مع ميلودي، وتحضير حساء حار وكعك طري مدهون بالزبدة، شعرت كيم بتحسن قليل.

وقفت عند الحوض تغسل أواني الشاي بعد أن أرسلت ميلودي إلى غرفتها لترتبها، فاعترفت بأنها تصرفت بشكل بالغ الحماقة لأنها وقفت هناك كشخص فقد إدراكه، وراحت تحدق في وجهه. ولكن ربما لم يكن يعلم ما تفكر فيه!

ذلك أنها هي نفسها لم تدرك ذلك إلا بعد أن أحجم عن معانقتها.

تنهدت بخفة وهي تنظر من النافذة إلى الحديقة الخلفية بعينين لا تريان، وبادلها الرجل الثلجي التحديق بعينين لا تطرفان.

الشيء الجنوني هو أنها لم تكن تريد منه أن يعانقها، خاصة في وضح النهار. كان هذا آخر ما تريده، فحتى لو لم يكن لوكاس كين رئيسها، لما فكرت في أن تنشئ معه علاقة ولو بعد مليون عام... لا هو ولا غيره. وخصوصا هو. فهو رجل مستبد، وبالغ القوة جسديا وذهنيا، وبالغ القسوة والبرودة والسخرية. وهو جذاب للغاية، بذلك حدثها صوت ضئيل في داخلها، ومدفوعا بضميرها الصادق.

آه.. مهما يكن... وغطست يديها في ماء الصابون الساخن، غاضبة من نفسها ومن لوكاس كين ومن العالم أجمع. لم تعد تفهم نفسها، وتلك هي المشكلة، أو ربما لم تعد تثق بنفسها. فهو لم يتقرب إليها... وفي الواقع، أظهر بوضوح، بعد ظهر ذلك اليوم، أنها لا تجذبه أكثر مما تجذبه ورقة خس... وهكذا عليها أن تتقبل فكرة أن المشكلة كانت مشكلتها هي وحدها.. وخفف هذا الإدراك عنها قليلا.

لسبب ما، كان تأثير لوكاس فيها أكثر من تأثير أي رجل آخر من قبل.

وجمدت يداها مرة أخرى وشردت عيناها. عليها إما مواجهة الحقائق وكبح مشاعرها الحمقاء، والحرص على ألا يتكرر ما حدث بعد ظهر هذا اليوم، وإما ترك العمل. كان الأمر بهذه البساطة. وإذا هي تركت العمل، فسيكون معنى ذلك الوداع للراتب الرائع، والوداع للسيارة، وربما أيضا الوداع للبيت، لأنها غير واثقة على الإطلاق من أنها ستحصل مرة أخرى على وظيفة كهذه. أيمكنها حقا أن تجد تبريرا لسلب ابنتها ميلودي ما بإمكانها أن تعده لها من مستقبل لامع؟ لمجرد أنها تجد رئيسها أكثر الرجال جاذبية منذ نزل آدم إلى الأرض؟ لا، ليس بإمكانها ذلك.

وعادت تغسل الأطباق بشكل آلي. عليها أن تذهب إلى العمل غدا وكأن شيئا لم يحدث. لقد اشتغلت ثلاثة أشهر وبإمكانها أن تتابع ذلك، على العقل أن يسيطر على الأمور.

كان رنين جرس الباب راحة لها من أفكارها، لكن حاجبيها ارتفعا وهي تذهب لتفتح الباب. لا يمكن أن يكون القادم سوى ماغي، لكن صديقتها نادرا ما تأتي دون إنذار مسبق. أتراها تشاجرت مع "بيت" مرة أخرى؟ يبدو أن الأمور تتجه من سيء إلى أسوأ، وهي تعلم أن ماغي قد قرب صبرها من النفاد بسبب عدم تمكنه من التصميم على الزواج. يا للرجال! وفتحت كيم الباب مقطبة الجبين.

أساس مشكلتها الحالية والحقيقية كان واقفا أمامها... ومضت لحظة لم تستطع أثناءها إلا الوقوف جامدة تحدق في وجه لوكاس وهي تقلد سمكة في الحوض، فتفتح فمها ثم تغلقه من دون سبب. وسمعته يقول ببرودة:" آسف لقدومي إلى بيتك بهذا الشكل، لكنني حاولت الاتصال بك منذ قبل السادسة. أظن أن الجو وتساقط الثلج مؤخرا قد عطل بعض خطوط الهاتف"

وحدقت إليه بجمود. لم تسمع رنين الهاتف منذ دخولها إلى البيت، وإن يكن نادرا ما يرن في الواقع.

سألها بصبر:" هل يمكنني الدخول؟"

فهتفت:" ماذا؟"

ثم تداركت نفسها وقد احمر وجهها: "آه، نعم. طبعا تفضل بالدخول"

بدا أسمر، كبير الحجم بشكل لا يصدق في البهو الصغير المدهون بلون القشدة. وعندما أشارت له بالدخول إلى غرفة الجلوس، أبقت بينهما مسافة، ثم انتقلت إلى الناحية الأخرى من الغرفة حالما تمكنت من ذلك، مبتعدة عن وجوده المثير لاضطرابها.

كان يلبس معطفا قاتم اللون فوق بذلته فزاد ذلك من تأثير مظهر الرجولة الفياضة منه، ما جعلها تتلعثم:" ألا... ألا تتفضل بالجلوس؟"

شكرها، ثم فك أزرار معطفه وجلس على الكرسي الذي أشارت إليه واضعا ساقا على أخرى بشكل رجولي تماما. ظنت أنها بحاجة إلى أربع عشرة ساعة على الأقل قبل أن تستطيع مواجهته مرة أخرى.

الذكرى المحرقة لما حدث بينهما بعد الظهر، وخفقان قلبها العنيد أخرسها تماما. لماذا هو هنا؟

وإذا بلوكاس يجيب عن السؤال الذي لم تتلفظ به قائلا بهدوء وبصوت جامد:" كنت أبحث عن التقرير المالي الذي أحضرته كلير اليوم. لقد وضعت عليه ملحوظة أطلب فيها منك أن تتثبتي من رقمين فيه، وافترضت أنك أجلت ذلك إلى الغد، لكنني عندما بحثت عنه على مكتبك لم أعثر عليه. وأنا بحاجة إليه لكي أنهي العمل عليه الليلة مع ملف كلاركسن "

ـ التقرير المالي؟ كان مع الأوراق التي أخذتها إليك بعد الظهر.

فقال بنفس الصوت الفاتر:" أعلم هذا. لقد نظرت فيه ووضعت الملحوظة ثم أعدته إليك مع الرسائل التي ستُرسل الليلة"

تابعت التحديق فيه، لكن ظنا فظيعا أخرسها عن الكلام.

لم يتغير التعبير في عينيه الفضيتين، كما لم يتكلم مرة أخرى. ولكن، بشكل ما، ورغم مظهره الهادئ الجامد، أدركت أن الظن نفسه ساوره. فسألته بفتور:" هل أنت واثق من أنك أعدته إلي؟"

فأومأ بالإيجاب.

ـ و... ولم تجده؟

فهز رأسه.

شعرت بالغثيان، وانقلبت معدتها رأسا على عقب. وقالت بتعاسة:" أنا لم.. لم أره"

ـ ماذا يعني هذا؟

أخافتها فداحة هذه الغلطة الشنيعة. لم يكن تفكيرها قويما عندما وضعت الرسائل في أغلفتها وهذا يعني أنها ربما وضعت التقرير في واحد منها. كان التقرير سريا ويشكل وثيقة لعدد من العملاء. فإذا وضع التقرير خطأ في إحدى تلك المغلفات...

لم تحاول كيم المراوغة، بل جذبت نفسا عميقا لم يخفف من عنف خفقان قلبها:" لا بد أنني أرسلته خطأ مع إحدى تلك الرسائل، أنا آسفة للغاية يا لوكاس"

ـ هل لديك فكرة في أية رسالة؟

أرادت أن تغمض عينيها وتعتصر يديها، أو على الأقل أن تتأوه بصوت عال، لكنها هزت رأسها والحزن في عينيها وهي تكرر:" أنا آسفة كثيرا... أنا آسفة حقا... لا عذر لمثل هذا الإهمال. وأنا طبعا، سأستقيل على الفور"

ـ أنا لا أريد منك أن تستقيلي، يا كيم، بل أن تفكري وتخبريني في أي رسالة وضعت ذلك التقرير اللعين

ـ لا أدري.

وجاء قولها هذا بما يشبه النحيب:" قد يكون في أي واحدة منها"

لم يعد صوته جامدا: " بما في ذلك الرسائل الموجهة إلى تيرنرز و بريدون؟"

ـ نعم.نظرت إليه بعجز. كيف أمكنها أن تكون عديمة المسؤولية، ومهملة هكذا؟ إنها النهاية، عليها أن تستقيل، حتى ولو لم يطلب منها ذلك حاليا، فهو لن يثق بها مرة أخرى أبدا.

عبثا حدثت نفسها بأنها كانت تعاني من أسوأ نوبة من الذعر عرفتها في حياتها، وأن السقوط بين ذراعيه ولو للحظات قصيرة، سبب لها من المشاعر ما لم تكن تتصور أنها ستشعر بها مرة أخرى... أو في الحقيقة، لم تشعر بمثلها قط، لأن غراهام، حتى أثناء أيامهما المرحة في الجامعة، لم يلهمها قط مثل هذه المشاعر.

لو يرغب لوكاس كين في سماع كل هذا، حتى لو استطاعت أن تخبره به، وهذا مستحيل بالطبع... وهي تفضل الشنق على ذلك، والغرق، والتقطيع إربا إربا.

ـ ماما.

عندما رأت كيم ابنتها واقفة عند العتبة، انتبهت إلى لوكاس وهو يرفع رأسه بحدة، لكنها سارت مجتازة الغرفة وهي تقول برقة:" لا بأس، يا حبيبتي، أنهي ترتيب غرفتك، وسأصعد إليك بعد دقيقة"

ـ لقد أنهيت ذلك.

كانت ميلودي قد أحست بشيء ما في الجو، فلم تقبل الابتعاد دون أن تحتج، فقالت تقاطع أمها وهي تنظر إلى العينين الفضيتين قائلة بصراحة الطفولة:" مرحبا. أنا ميلودي ألن"

ـ كيف حالك يا ميلودي؟ أنا لوكاس كين.

قالت ميلودي باهتمام:" أمي تعمل عندك"

أجابت كيم بلهجة غير عادية أثارت انتباه ميلودي:" هذا صحيح يا حبيبتي. اذهبي الآن واستعدي لأخذ حمامك"

ولسبب ما لم تستطع كيم تفسيره حتى لنفسها، لم تشأ لابنتها أن تتحدث إلى هذا الرجل. أومأت ميلودي التي تراجعت خطوة إلى الردهة لكن طبيعتها الودود وفضولها الطبيعي كانا أكثر مما تحتمل، فرفعت صوتها تخاطب لوكاس:" لقد صنعنا رجلا من الثلج وأكلنا كعكا بالزبدة مع الشاي. هل رأيت رجل الثلج؟"

ـ لم أره بعد لكنني أحب أن أراه. ربما بإمكانك أن تريني إياه بعد أن تنهي حمامك

قال هذا باسما وهو يبتسم لهذه الصورة المصغرة الفاتنة عن أمها الرائعة الجمال.

كان الأمر يخرج من يد كيم:" أنا لا أسمح لميلودي بأن تستحم بنفسها"

قالت هذا بسرعة، وهي تتمنى أن يذهب. فقد ذهبت الرسائل إلى البريد وليس بإمكانها أن تفعل شيئا الليلة لكي تصلح الوضع. ستستقيل، وتذوق الإذلال والتحقير وكل ما سينزله بها من عقاب غدا. لكنها لا تستطيع أن تحتمل رؤيته في بيتها، أو متحدثا إلى ابنتها. ذلك يجعله إنسانا... أكثر مما ينبغي.

ـ يمكنني أن أنتظر.

تحدتها عيناه الفضيتان لقول المزيد، فعلمت كيم أنه قرأ أفكارها مرة أخرى.

ـ ولكن لا بد أنك مشغول جدا...

فكرر قوله بنعومة:" يمكنني أن أنتظر"

ـ هل تحب الكعك بالزبدة؟

بدا واضحا أن ميلودي قررت أن حديث الكبار قد طال أكثر مما ينبغي:" بقي لدينا بعض الكعك ويمكنك أن تأخذ واحدة إذا شئت"

رفع لوكاس بصره من وجه ميلودي الحلو القاتم العينين إلى وجه أمها المذعور. ولاحظت هي أن فمه ملتويا وعينيه الفضيتين تلمعان بتسلية خفية وهو يقول بجد بالغ:" أنا أحب الكعك بالزبدة كثيرا. وبما أنني لم أتناول الشاي بعد، فهذا يبدو لي عظيما"

( عظيم) إنها ليست الكلمة المفروض أن يستعملها. ونظرت بعجز، إلى ميلودي، ثم إلى لوكاس الذي كان يبادل ابنتها الضحك، فأدركت أن هذين الحاذقين قد أخرجاها من حسابهما.

تمتمت بضعف:" ألم تأكل بعد؟"

فقال ساخرا:" لا يا كيم. لم آكل"

لم تصدق هذا! أي شيء في العالم جعلها في هذا الوضع؟

أخذت تسأل نفسها بقنوط وأضافت:" لدينا حساء ساخن وخبز وكعك بالزبدة والمربى"

استطاعت أن تقول هذا بشيء من الوضوح بالرغم من الشعور بالاختناق:" ولكن بإمكاني أن أحضر عجة أو بيتزا إذا شئت"

ـ بل حساء وكعك بالزبدة هو ما يعجبني.

كان يتحدث معها لكنه يبتسم لميلودي أثناء ذلك وهذا ما خطف أنفاس كيم.

رأت أن تعد طعام لوكاس قبل أن تأخذ ميلودي إلى الحمام، لكنها لم تشأ أن تترك ابنتها مع رئيسها. لم تشأ لهما أن ينسجما مع بعضهما البعض... أن تحبه ميلودي. كانت أفكارها تتسارع، فهي تريده منفصلا تماما في ذهنها. تملكها الذعر ولم تجرؤ على التساؤل عن السبب. كل ما كانت تشعر به هو أن هذا ضروري.

ـ أتريدين أن تأتي لتساعديني على أن نجهز الصينية للسيد كين؟

وبالرغم من رقة صوت الأم، أدركت ميلودي أنه طلب وليس سؤالا، فأومأت مطيعة.

انتبه لوكاس إلى ما تعنيه كيم بقولها ( السيد كين)، لكن عينيه تابعتا الابتسام للفتاة الصغيرة:" شكرا يا ميلودي، وأنا متشوق إلى رؤية رجل الثلج فيما بعد"

ـ كن مرتاحا وسأحضر لك قهوة حالا.

فاجأتها ذكرى حية لغراهام وهو يجرع نصف زجاجة فودكا، ثم يستغرب لماذا رفضت أن يأخذها مع ميلودي في السيارة إلى المتاجر. وقد انتهى ذلك بمشاجرة عنيفة، وضربها.

ـ كيم؟

لا بد أن شيئا من أفكارها بدا على وجهها، لأن صوت لوكاس كان شديد الاهتمام، فأدركت كيم أنها كانت تحدق إليه دون أن تراه. أحذت تغمغم بأنها نسيت موقد الغاز مشتعلا ثم هرعت إلى الردهة بسرعة مغلقة الباب خلفها.

وبينما راحت ميلودي تثرثر أثناء تسخين الحساء والكعك بالزبدة، كان عقل كيم يغلي. لن يظن أنها غير كفؤة وحسب، بل أنها مهملة في بيتها أيضا. فهي تترك الغز مشتعلا.

أرسلت ميلودي إلى الطابق الأعلى لتبدأ بخلع ملابسها ثم أخذت الصينية إلى غرفة الجلوس. اعترفت بصمت، وهي تدير مقبض الباب بأن الأمر سخيف حقا، ولكن الطريقة السهلة التي انسجم بها لوكاس مع الطفلة أزعجتها. وهو يزعجها دوما، لكنها لم تتوقع أن يعرف كيف يتحدث إلى الأطفال. كانت تظنه، مع الأطفال، أكثر برودة مما هو مع الكبار. لكنه كان مع ابنتها دافئا سهلا وقد تبددت كل صلابته الطبيعية، ولم يعجبها ما جعلها تشعر به.

عندما دخلت إلى الغرفة، كان لوكاس قد خلع معطفه وسترته، وأرخى ربطة عنقه. وعندما نظرت إليه جالسا مسترخيا أمام مدفأة الحطب، شعرت برعشة شملت كيانها.

ـ ما أجملها، كونها نارا حقيقية.

وكان صوته عميقا منخفضا وعيناه لا يُسبر غورهما.

أومأت كيم بتوتر، وهي تراه يستقيم فيي جلسته فشعرت بما يشبه الذعر وعيناها تتسمران على قوته وصلابته وقالت بتوتر:" أصحاب البيت السابقون لم يحبوا التدفئة الصناعية، وحذونا نحن حذوهم"
منتديات ليلاس
واحمرت وجنتاها وهي تناوله الصينية:" بوجود التدفئة المركزية البيت دافئ للغاية، لكن منظر النار مريح للغاية في ليالي الشتاء"

أدركت كيم أنها تسرع في كلامها. لكنها كانت من الاضطراب بحيث كان كلامها معجزة.

رائحتها أشبه برائحة التفاح والورد وبودرة الأطفال. أخذ لوكاس يفكر بذلك فيما جسده يتجاوب مع قربها منه بجوع وشغف بالغين، لكنه أبقى صوته هادئا وهو يقول:" هذا يبدو رائعا. شكرا"

ـ هذا أقل ما يمكنني عمله، في هذه الظروف.

انتبهت إلى أن هذا ليس ما كانت تنوي أن تقوله تماما، أو بالأحرى تنبهت لرد فعله على كلماتها البريئة... فقد رفع حاجبيه ساخرا، والتوى فمه مشيرا إلى أنه أخطأ في تفسير جوابها المهذب ما جعلها تفر هاربة من الغرفة كفأرة مذعورة.

حسنا، ما أحسن تصرفه هذا! واستندت إلى الباب الذي أحكمت إغلاقه وقد تملكها القنوط والانزعاج لعدم كفاءتها. إن الأحوال بينهما تتحول من سيء إلى أسوأ.

لم تخفف ميلودي كثيرا من سوء الوضع عندما جلست في حوض الحمام وأخذت أمها تساعدها في غسل شعرها، إذ قالت: " أنا أحب لوكاس"

كان هذا بيانا واضحا. وكانت ميلودي معتادة على البيانات الواضحة ونادرا ما كانت تغير رأيها.

فقالت كيم بصوت بالغ الهدوء:" السيد كين يا حبيبتي، يجب أن تدعيه السيد كين"

غضنت الصغيرة أنفها بحيرة:" ولماذا؟"

ـ لأن.. لأن هذا من باب التهذيب لأنه رئيس ماما.

ـ أنا إذن أحب السيد كين. وأنت يا ماما؟ هل تحبين السيد كين؟

ـ طبعا أحبه. هل تريدين البيجاما برسوم الدببة، أم برسوم الأزهار، هدية الميلاد من العمة ماغي؟

نجحت في إلهاء الطفلة، فقد كان هذا اقتراحا هاما يستدعي التفكير.

مضت عشر دقائق قبل أن تقود كيم ميلودي كملاك في بيجامتها المزينة بأزهار زرقاء صغيرة إلى غرفة الجلوس لتحيي لوكاس تحية المساء، ولكن كان لدى لوكاس وابنتها رأي آخر.

ـ أعجبتني بيجامتك.

كان هذا أول ما قاله لوكاس لميلودي، وما كان لأي شيء آخر أن يزيد احترامه في عيني ميلودي.

فاشتبكت عيناها الداكنتان الكبيرتان بالعينين الفضيتين:" اشترتها لي العمة ماغي. وبابا نويل اشترى لي خفي هذا وهدايا كثيرة كثيرة"

لوى لوكس وجهه بشكل مضحك:" يا لك من محظوظة. فهو لم يحضر لي شيئا"

ضحكت ميلودي بشكل تآمري:" هذا لأنك رجل كبير يا للغباء!"

ـ هل هذا هو السبب؟ لقد استغربت ذلك.

ازدادت ميلودي ضحكا. واقتربت لتقف بجانبه واضعة يدها على ركبته:" يمكنك أن تأخذ إحدى حبات الشوكولا التي عندي إذا شئت. عندي علبة كبيرة وأمي تسمح لي بواحدة فقط كل ليلة لأنها لا تريد أن تتسوس أسناني"

ـ يا لأمك الحكيمة!

كان لكل ذلك وقع الإنذار في ذهن كيم، ولكن قبل أن تستطيع قول شيء، كان لوكاس قد انحنى وحمل ميلودي يضعها على ركبتيه وهو يقول بصوت كالهمس:" ما أريده منك حقا هو أن تريني رجل الثلج فهل هذا يناسبك؟"

ـ نعم.

ولفت الطفلة ذراعيها حول عنقه تبادله الهمس:" اسمه لسيد ثلج. أنا أسميته بذلك"

ـ ليس هناك ما هو أحسن من هذا الاسم.

لم يعجب هذا كيم، لم يعجبها البتة. كانت قد مشطت ضفيرتها، وارتدت بنطلون جينز وكنزه قبل أن تذهب إلى الحديقة مع ميلودي. والآن ربطت إلى الخلف شعرها الكث، وقالت بصوت حاد:" أري السيد كين رجل الثلج، ثم إلى السرير يا حبيبتي"

فقال بصوت هادئ:" بل لوكس. يمكنك أن تناديني باسمي لوكاس يا ميلودي"

شيء ما في لهجته جعل قلب كيم يخفق.

ـ لكن ماما قالت...

والتفتت ميلودي إلى أمها مشوشة الذهن، فسألها لوكاس بنعومة:" نعم؟ ماذا قالت أمك؟"

ـ قالت إن علي أن أدعوك السيد كين لأن هذا أكثر تهذيبا..

فقال لوكاس بنفس النعومة:" ماما على حق. ولكن بم أنني طلبت منك أن تناديني لوكاس، فهذا عمل مهذب. اتفقنا؟"

ـ اتفقن

وأخذت تتلوى بسرور، مفتونة به بشكل واضح، أما كيم فأخذت تصرف بأسنانها غاضبة. ماذا يظن نفسه وهو يرابط هنا يأكل كما يشاء ويعاكس إرشاداتها لابنتها؟ ثم تذكرت سبب زيارته فتلاشى غضبها بالسرعة التي أتى بها.

لقد اقترفت غلطة لا تغتفر، ولديه كل العذر في أن يقتحم بيتها كالعاصفة هذه الليلة. لكنه، بدلا من ذلك، يبدو هادئا متعقلا بشكل محير. لم تكن تعلم ما سيقوله لها عندما يصبحان بمفردهما. لكنها لن تخطئ موقفه أمام ابنتها لأنها مدينة له بشيء من حرية التصرف.

بقيت تكرر هذا لنفسها بينما كان يقف، ثم يلف ميلودي بمعطفه قبل أن يخرجوا، هم الثلاثة، لزيارة السيد ثلج. وكانت ذراعا ميلودي تطوقان عنق لوكاس، لكن كيم رفضت طلب ميلودي أن يقرأ لها لوكاس حكاية قبل النوم.

ـ لا حكاية هذه الليلة يا حبيبتي.

واستلمت ميلودي من لوكاس حالما أصبحوا في أسفل السلم بعد عودتهم إلى البيت، ثم ناولته معطفه بابتسامة متوترة وهي تتابع:" أنا والسيد كين لدينا حديث خاص وهام عن العمل، ولهذا عليك أن تعدي مما بأن تكوني فتاة طيبة وتذهبي للنوم رأسا"

ضمت ميلودي شفتيها باستياء وهي تنظر إلى لوكاس من تحت جفنيها، لكنها عندما رأت الصلابة على وجه أمها، أذعنت ببشاشتها المعتادة.

توقفت كيم عند باب غرفة الجلوس لحظة قبل أن تفتحه شعرة بالغثيان. ثم سوت كنزتها، ومسحت يديها العرقتين ببنطلونها. إذا كان سيصيح بها أو يصرخ، أما ما كان فعل ذلك على الفور؟

عندما دخلت، كان عند النافذة، فقفز قلبها عندما التفت إليها:" لديك ابنة فاتنة. إنها فخر لك"

ـ شكرا لك.

وقفت كيم عند الباب، لا تدري ما إذا كان عليها أن تجلس أم تبقى واقفة. كان هذا بيتها... قصرها الصغير، لكنها شعرت وكأنها ضيفة فيه. كيف جعلها تشعر بذلك؟

ـ ألا تتذكر أباها أبدا؟

لم يكن هذا ما توقعت أن يقوله. وقرأ هو جوابها في إظلام عينيها المخمليتين. ربما ما كان له أن يذكر زوجها مرة أخرى. اعترف لنفسه، لكنه يريد أن يعرف المزيد عن هذه المرأة المتحفظة العسلية البشرة الذهبية الشعر، ولديه شيء يمكنه أن يستغله الليلة وهو شعورها بالذنب بسبب ضياع التقرير. لم يشعر بالندم لأنه فكر في هذه الطريقة، إذ في الأيام الأولى لالتحاقه بشركة الأسرة، كان أبوه قد علمه أن يبحث دوما عن نقطة الضعف في الخصم، ثم يستفيد منها، فوجد في نفسه استعدادا طبيعيا لمثل هذه القسوة.

وكيم هي خصم. وهو لا يعرف تماما كيف حدث ذلك، لكنه كان يعلم هذا بالغريزة. فقد رأته، لسبب ما، عدوا لها، وكان هذا يتعاظم أكثر فأكثر مع كل يوم يمر. ودست يديها في جيبيها:" أبوها؟ لا. إنها لا تتذكر غراهام"

ـ تعالي واجلسي، يا كيم.

وأشار إلى الأريكة بينما عاد إلى كرسيه. ومرة أخرى بدا وكأنها الضيفة وهو رب المنزل.

جلست على حافة الأريكة، ولكن عندما جذب كرسيه نحو الأريكة، جعله هذا قريبا منها للغاية فابتعدت في جلستها، وقالت بصوت رسمي متوتر:" أنا آسفة جدا بالنسبة إلى التقرير، يا لوكاس. إذا كان في المغلف الخطأ فأنا أعلم أي ضرر سيسبب لك هذا... ولهذا ما زالت استقالتي قائمة"

حدق إليها لحظة وهو يميل إلى الأمام ومرفقاه على ركبته. كان حريصا على ألا تلمسها، ولكن عطرها الدافئ ملأ الجو حوله، وكانت حواسه ترى كم تبدو أصغر سنا وشعرها منسدل على كتفيها على سجيته لكن المظهر خداع. فقد كان يشعر بتوترها واضحا.

قال بصوت هادئ عميق أبح قليلا، وبلكنة خفيفة ما سبب الارتجاف لأعصابها:" التحقت بشركة" كين الكتريكال" حال تخرجي من الجامعة. وكنت ما أزال غرا ساذجا لكنني كنت حريصا"

وابتسم لها. فأرغمت نفسها على مبادلته الابتسام وإن لم تتجاوز ابتسامتها شفتيها. وجدت مستحيلا عليها أن تتجاهل رجولته الفياضة.

ـ كان أبي رجلا انكليزيا حذرا أما أمي فكانت امرأة كولومبية مندفعة سريعة الغضب. وهكذا كان علي أن أتعلم كيف ألطف من جينات أمي المتفجرة، وأنحو نحو أبي في طبعه. وقد نجحت في معظم ذلك.

أومأت كيم. إذن لكنته هذه من أمه.

أدرك لوكاس أنه استحوذ على انتباهها، فعاد يقول:" على كل حال، في أول سنة لي في العمل عند أبي، كانت جينات أمي تسيطر. وأنا أفضل هذا التعبير كعذر على حماقة وجهل الشباب. فأقدمت على مجازفة كبيرة للغاية. ولم يكن ثمة ضرورة لها كما أظن، ولكن ربما شعرت بالحاجة إلى إثبات ذاتي. لا أدري. وعلى كل حال، كانت تلك غلطة هائلة كادت تدمرنا، تبدو غلطتك بالمقارنة معها، شيئا ضئيلا تافها ولم أقترف تلك الغلطة مرة أخرى قط"

كان ينظر إليها مقربا وجهه منها، وعيناه تتفحصان وجهها، ثم قال برقة فائقة:" وأنت لن تقترفي مثل هذه الغلطة بعد الآن، يا كيم"

ولأمر ما، أحست بأنه يتحدث عن أكثر من غلطتها بالنسبة إلى التقرير.

سحبت نفسا عميقا، وغالبت دموعا مفاجئة أوشكت أن تسيل من عينيها:" يسرني أن تفكر بهذا الشكل، لكنني أدرك أن هذا مربك لك جدا"

قالت هذا بفتور، وحرصت على أن تبقى ملتصقة بقضية اليوم، رافضة الاعتراف بأي مضمون خفي في ما يقول.

ـ أنا لا أرتبك بسهولة.

وابتسم وقد التوى فمه، دون وعي منه، بشكل ساحر فانحبست أنفاسها.

وهجنار المدفئة، والقوة والدفء والجاذبية التي لا تقاوم والمستمدة قوتها من مغناطيسيته السمراء، كل ذلك كان مغريا للغاية، خطرا للغية، فقفزت كيم، مثيرة دهشتهما معا، قائلة:" قهوة. سأحضر القهوة"

ـ رائع.

كان صوته طبيعيا وهو يقف بدوره ويمسك بيدها من دون أن يظهر على وجهه الغضب الذي شعر به لأنه أحس بها تتصلب مرة أخرى للمسته:" انسبي ذلك إلى زيادة الخبرة، يا كيم. تعلمي، خذي الإيجابي من الأمر ودعي السلبي، ولا تدعيه يعيقك"

كان يتكلم عن أكثر من مجرد العمل. فترددت ثم رفعت رأسها تقابل عينيه بحذر:" قول ذلك أسهل من فعله"

ـ ممكن

شعر بها ترتجف قليلا، فكبح دافعا قويا كان يحثه على أن يأخذها بين ذراعيه معانقا.. صدمته قوة مشاعره، فهو لم يصعب عليه قط التفريق بين المتعة والعمل، بل كان يزدري في الماضي الجمع بينهما.

بدا وكأن حرارة يديه تسربت إليها وسرت في أعصابها وكل كيانها فألهبت جسدها بتيار كهربائي غريب. ماذا سيكون شعورها عندما يعانقها شخص مثل لوكاس كين؟ تخلت عن مقاومة هذه الفكرة التي كانت تتملكها معظم الليالي. إنه يعرف كيف يحرك مشاعر أي امرأة وذك باد في عينيه، في جسده، وفي طريقة سيره وحركاته حتى...

سحبت يدها من يده، مخفية هذه الحركة بضحكة قصيرة متوترة:" هذا لن يجهز القهوة"

يبا للقهوة. وابتسم لها متهكما:" هل يمكن أن أساعدك؟"

أسدل أهدابه الكثيفة السوداء يخفي عنها مشاعره، وكان صوته منضبطا وهو يعود إلى الجلوس:" لا ضرورة للسرعة"

لا ضرورة للسرعة؟ عندما أصبحت في المطبخ، أراحت جبينها على جانب الخزانة البارد، وأخذت تتنفس بعمق لعدة ثوان. وكانت ساقاها ترتجفان ويداها ممتلئتين شوقا من لمسته.

ربما لم يكن مستعجلا، لكنها تريده أن يخرج من بيتها في أسرع وقت ممكن.

كان خطرا. وابتعدت عن الخزانة إلى النافذة تنظر منها إلى حيث كان رجل الثلج يقف بصبر في عالمه الأبيض المتجمد. وتذكرت كيف تعلقت ميلودي بلوكاس وهو يتحمس لما صنعتاه.

خطر جدا جدا! وضاقت عيناها، وشعرت بشيء بالغ البرودة يطفئ الحرارة في داخلها وهي تحضر القهوة.

لو أن غراهام لم يمت حينذاك، لتركته خلال أسابيع، إن لم يكن أيام، على كل حال. ذلك أن شتائمه لها عندما كان يسكر ازدادت فحشا. وحادثة التسوق جرت قبل موته بيوم واحد. كانت حينذاك قد علمت أن نهاية زواجهما وشيكة فهي لن تجازف بتعريض ميلودي للخطر.

لم تعد تحبه في تلك المرحلة. وبقيت أشهرا تمقته ولكنها بقيت معه لأنه هددها بإيذئها وإيذاء ميلودي فيما لو تركته.

وذلك الصباح حين ضربها قطع آخر خيط يربطها بذلك الزواج. صادف أنها هي التي كانت في خط النار حينذاك، وسوف تكون ميلودي في المرة التالية، وهذه الفكرة محبطة بالنسبة لها..

ولكنها لم تعد مضطرة إلى المغادرة، فقد مات غراهام. وبالرغم من كل ما كشفه موته، شعرت بقوة، وبعزيمة على بدء حياة جيدة لابنتها. والحياة الجيدة تعني ألا تعرض ميلودي للخطر مرة أخرى.. ألا تسمح لشخص ثالث بأن يقتحم حياتهما. الأصدقاء شيء آخر، فقد كانت ماغي صديقة رائعة. ولكن، رجل....

لقد ارتكبت خطأ فظيعا في اختيار زوجها، وليس بإمكانها أن تثق بأن ذلك لن يحدث مرة أخرى.

لقد أحبت ميلودي لوكاس، وربما كان لطيفا ودودا معها بسبب حادثة التقرير المالي. لكنها لن تجرؤ على أن تسمح لمثل تلك العلاقة بأن تنمو بينهما.

ستفعل أي شيء لأجله، وتقوم بأي شيء يستدعيه العمل.. فهي مدينة له بذلك على الأقل.. لكنها ستبقيه بعيدا عنها. قد يجعل الأشياء مربكة أحيانا، ولكنها ستجتاز ذلك إذا اقتضى الأمر.

أومأت بحدة لهذه الصورة الذهبية الشعر التي عكستها النافذة، ثم أنزلت الستارة المعدنية فجأة وأخذت تعد صينية القهوة وقد زمت فمها بحزم ما جعله يختلف تماما عن شكله الطبيعي الناعم.

 
 

 

عرض البوم صور safsaf313   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أحلام, أنين الذكريات, helen brooks, دار الفراشة, روايات, روايات احلام, روايات احلام المكتوبة, روايات رومانسية, the irresistible tycoon, هيلين بروكس
facebook



جديد مواضيع قسم روايات احلام المكتوبة
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 01:17 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية