لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > المنتدى العام للقصص والروايات > القصص المكتمله
التسجيل مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله خاص بالقصص المنقوله المكتمله


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (2) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-05-09, 03:21 PM   المشاركة رقم: 6
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2006
العضوية: 13121
المشاركات: 14,020
الجنس ذكر
معدل التقييم: dali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسي
نقاط التقييم: 4990

االدولة
البلدCuba
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
dali2000 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : dali2000 المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

الجزء الخامس


- هل هذا منزل عبد الرحمن محمد صالح؟
- نعم إنه هو...
- هل السيد عبد الرحمن "أبو صالح" موجود؟
- كلا هو في الخارج الآن... هل هناك ما نقوله إذا عاد؟
- نعم ... أنا سالم عبد الله... من قسم شؤون المرضى في مستشفى الصحة النفسية ... أبلغيه يا سيدتي...

صمت الصوت لبرهة جمدت فيها الدماء في عروقي... تابع بأسي:
- إن ابنته المقيمة لدينا في المستشفى قد انتحرت...
ابتلعت ريقي بصعوبة وأنا أجيبه...
- وهل ماتت...؟
- يؤسفني إبلاغكم بذلك... إنها موجودة في ثلاجة المستشفى... نرجو سرعة استلام جثمانها...
شهقت بجزع وأنا أسأله:
- كيف انتحرت ... لماذا؟ أرجوك أجبني بصراحة أنا شقيقتها.
- سيدتي نحن لا نعطي معلومات لأحد... إذا حضر والدها إلى المستشفى سيعلم كل شئ... مع السلامة...

خفقان عنيف يتسلل إلي قلبي حتى خلت أنه سينفجر داخل ضلوعي... النبضات تتسارع في جسدي كله... يداي... قدماي... أسفل عنقي ورأسي... كأنني قنبلة موقوتة على أهبة الانفجار ... سال العرق البارد على جسدي المرتجف بغزارة ثم بدأت معالم البيت تدور أمامي حتى سمعت صرخة الخادمة:
- أحلام...
قبل أن أغيب عن الوعي...
صحوت في المستشفي ومن حولي شقيقتي بدرية وزوجة أبي وإحدى الممرضات...
تناولت بدرية بدرية وهي تهمس:
- حمداً لله على سلامتك يا أحلام...
هتفت برهبة:
- هل ماتت ندى؟
نكست بدرية رأسها وتطوعت زوجة أبي بالإجابة:
- نعم يا أحلام... لقد ماتت ندى يرحمه الله... ولا ندري كيف؟ يرجع الأطباء أنها ربما تناولت جرعة دواء زائدة بقصد الانتحار أو إحدى المريضات قد دست لها هذه الجرعة بقصد أو بدون قصد...
سألتها...
- وهل انتهى الموضوع عند هذا الحد؟
- في هذه الأمور من يحاسب من ؟ أبوك لا يريد الفضائح... فرفض تشريح الجثة أو فتح في الموضوع.
- لكن من قتل ندى؟
- ادعي لها بالرحمة والمغفرة... وإذا أردت الحقيقة فإن موتها خير لها من حياة كهذه بلا هدف...
امتلأت عيناي بالدموع وأنا أردد داخل نفسي" موتها خير لمن... لك أنت ولأبي... أنتما المستفيدان الوحيدان من موتها... لقد قتلها أبي ألف مرة قبل أن تغتالها جدران المستشفي المخيفة... قتلها أبي قبل أن تموت تلك الميتة البشعة و كأنها قطة مشردة بلا عائل، ربما انتحرت وربما قتلها أحد... كلا... كلا أيها العالم إن أبي هو القاتل الحقيقي وقد قتل أمي قبل أن يقتلها ويشرد أهلها ويضع لنهايتها ألف علامة استفهام..."

اهتز جسدي وأنا أنتحب وأبكي بعنف وبدرية شقيقتي تضمني وهي تبكي، وزوجة أبي ترمقنا صامتة حتى دخل أبي الحجرة... لدخوله صمت ورائحة... صمت حبس الدموع داخلي ورائحة أرهبتني، قال بجفاء:
- هيا يا أحلام ... كفاك دلالاً وتمارضاً...
ثم مخاطباً الجميع:
- هيا اخرجن جميعاً... أطفالكن بالانتظار..هيا ...

خرجت متحاملة على نفسي وجرح كبير يتوطن أعماقي ليسيل حقداً وكرهاً وصديداً من الأحزان... وندى لحقت بأمي وانتهت كلمة " لا حول ولا قوة إلا بالله" وخمد صوتها إلى الأبد... هل أنت مستريح الضمير يا أبي... هل تنام بعمق دون أن يؤرقك خيالها الحبيب وهي تصرخ وتتوسل إليك أن تبقيها في البيت مع أخوتها ولا تذهب بها إلى المستشفى؟ هل تنام دون أن يقض مضجعك عذاب الضمير ونداء الأبوة الساكن في قلب ك لأب طبيعي يحس ويشعر..؟

تغيبت عن مدرستي عدة أيام فوجئت خلالها بزيارة زميلاتي المعلمات وبرفقتهن وضحى ووالدتها... لم يفاجئني سؤال زميلاتي قدر ذهولي مما وصلت إليه العلاقة بيني وبين وضحى تلميذتي الرقيقة وبيتهم الذي لا يبرح ذاكرتي... قدمت لي والدة وضحة هدية من السمن البلدي المعروف بجودته، وصفيحة معدنية مملوءة عن آخرها بالتمر اللذيذ. شكرتهم وأنا أتصنع الهدوء لكنني انهرت في لحظات وبكيت... بمجامع نفسي وانكسار قلبي... هالني الحنان الذي رأيته في عيون من لا يعرفني... الحنان الذي افتقدته في حياتي منذ ولدت... الحنان الذي بعثرني... شتتني ثم أسال دموعي... أصعب شئ في حياتي الحياة أن تجد ما تبحث عنه بعد أن يئست تماماً من وجوده وانتفت حاجتك إليه، كالفقير الذي يحصل على ثروة بعد أن أصيب بمرض قاتل لا شفاء منه... ضمتني أم وضحى إلى صدرها وهي لا تنفك تواسيني بكلماتها التي تنزل كالبلسم على جراحي. ولكن ندى من منكم يعرفها... أنها لا تشبه أي أحد آخر... إنها بالضبط كقطرات الندى رقيقة لطيفة وعمرها قصير...

ودعوني بعد أن أعطتني وضحى كتاباً عن الصبر والإيمان بالله... كتيب صغير لا يزيد عدد صفحاته على العشرين صفحة. شكرتها ودموعي لا تزال عالقة بأهدابي... ابتسمت هامسة:
- هل تعرفين من هو مؤلفة؟
قلبته في يدي وأنا أهمس بدوري...
- كلا... من ؟
ضحكت بفخر وهي تقول:
- إنه أخي سعد...
هتفت غير مصدقة...
- معقول... أخوك سعد يؤلف كتباً...
تابعت ضحكتها قائلة:
- نعم ولديه أكثر من خمسة مؤلفات.
سألتها وأنا أشير للكتيب:
- مثل هذا؟
أجابت:
- نعم صغير لكنها مفيدة... ثلاثة مؤلفات في الشعر واثنان في الشؤون العامة كهذا الكتاب وكتاب آخر يتحدث عن التفاؤل والتشاؤم.
سألتها بفضول:
- أي مادة هو يدرسها للطلاب؟
أجابت:
- يدرس مادة الرياضيات...
ثم تابعت مبتسمة:
- لقد درس في الجامعة في الرياض وسكن في سكنها بعيداً عنا حتى أتم دراسته ثم طلب التعيين في قريتنا ليكون قريباً منا أنا وأمي، فليس لنا أحد غيره... وسأهديك كل كتبه حينما تعودين إن شاء الله إلى المدرسة، فهمي كتب ممتعة خاصة شعره، فهو شاعر رائع يكتب الشعر كأنه يعزف...

أعجبني منظر الفتاة وهي تتحدث عن أخيها بانبهار شديد. كانت عيناها تبرقان بأضواء خاطفة ووجهها يتورد وعنقها يرتفع ورأسها يطول ليعلوه الفخر والكبرياء... إنها تحب أخاها وتبجله لدرجة الجنون... تساءلت في سري... ترى هل هو يستحق كل هذا؟

استلقيت على فراشي ضائعة بعد أن ذهب الجميع ومضت لحظات أحاول فيها جمع شتات نفسي فلا أستطيع ... أشعر بأنني أشلاء ممزقة في كل ركن تقبع قطعة مني وجزء من أحاسيسي ومشاعري... رباه... ألهذا الحد تأثرت بانتحار شقيقتي... إن موت أمي لم يشكل لي صدمة كهذه ولا دموعاً حارقة كدموعي عليها... هل كانت أغلى من أمي على نفسي أم أ، حياتها القصيرة والظلم الذي حاق بها زاد من إشفاقي وهلعي عليها؟ هطلت دموعي بغزارة لتبلل وسادتي ... رفعت يدي لأمسح الدموع، ففوجئت بالكتيب الصغير... قرأت عنوانه بشرود " الصبر والإيمان بالله" فتحت أول صفحة بتردد... ذهلت... كان هناك إهداء بخط اليد ، عبارة صغيرة لكنها معبرة...

" حين تغيب الشمس وتتكثف الغيوم ويحل الظلام فانظري إلى فوق... إلى السماء... دعاء وابتهال... تسقط نقطة ثم ينهمر المطر بغزارة لتتبدد الغيوم وتشرق الشمس... هكذا هي الحياة ... مصابك تتضاءل أمامه أية كلمة عزاء، لكني آمل أن يخفف هذا الكتاب من بعض أحزانك..."
تحياتي .. سعد

انهمرت دموعي مجدداً حارقة ... مرة ... معجونة بالعذاب والألم، فهذا غريب يحس بآلامي... بغربتي الداخلية... بشجوني الطاغية فيعزيني ويواسيني... هو يعلم تماماً أن الفقد هو أعظم مصيبة تستحق التكاتف والتعاضد وإلغاء المسافات. فالحزن حق مشاع للكل.. فيه يجتمع الناس من كل بقاع الأرض أقارب وأباعد أحباء وغراء لا فرق، فالكل في المأساة سواء... نحن لا نسأل المعزين لماذا يعزوننا وهم أغراب عنا لكن السؤال المهين نوجهه لأقرب الأقارب... لماذا يا أبي؟ أيضيرك كلمة مواساة أو ضمة حنان...؟ هل تنقص من قدرك دمعة مشتركة أو لمسة عزاء؟ هل ما زلت متحجر القلب فاقد الأحاسيس...؟ فقدنا أسرتنا الواحد تلو الآخر دون أن تدمع عيناك أو يرف لك جفن أو تتغير حياتك و لو قيد أنملة ، بل على العكس ماتت أمي فودعتها غير آسف لتحل محلها زوجتك الجديدة... منعت شقيقتي بدرية من الزواج مرة أخرى وحبستها في بيتها مع أطفالها وأنت تفتتح شركتك غير آبه بالحطام الآدمي الذي يتكسر تحت قدميك ... أودعت ندى مصحة الأمراض العقلية وأنت تستقبل مولودتك الجديدة وكأن هذه بتلك... ويتفرق أهل البيت وأنت سادر في غيك، مستمتعاً بحياتك التي لم ينقصها شئ... والآن ندى تموت... بل تنتحر... هكذا بكل بساطة دون أن تتعذب بموتها أو تذرف دمعة شفقة أو رثاء، بل طويت هذه الصفحة السوداء من حياتك وكأنها لم تكن. واستعجلتني أن أشفى من حزني... أنت مخطئ يا أبي، فالحزن هو المرض الوحيد الذي لا شفاء منه بل أنه يتغلغل في الذاكرة ويتعمق في الوجدان ليتحول إلى بؤرة صديدية تسيل أحزاناً ومرارة وكلما عبرت الذكرى أو لاح وجه المحبوب ولو من وراء الغيوم.

وجدت نفسي لا شعورياً أتعاطف مع هذا الشاب سعد... لقد أحس بي كما لم يحس بي أقرب الناس واستشعر حيرتي وعذابي فكتب كلماته تلك مواسياً ومعزياً. إنه شاعر ولا ريب... فلا يكتب كلمات كهذه سوى شاعر من طراز رفيع وإنسان قبل أن يكون شاعراً...

قلبت صفحات الكتيب وأنا أقرأه بلهفة ... تدريجياً تخففت من أحزاني ووجدت سلواي... أحسست بأن كلماته الرقيقة موجهة لي فقط، تحثني على الصبر والنسيان. وقصص عديدة لأناس واجهوا مرارة الفقد بشجاعة خارقة... احتفظوا بصور أحبائهم داخلهم كطاقة تدفعهم على الاستمرار والعطاء، وعاشورا حياتهم وكما أراد الله من حياة...

غفوت تلك الليلة والكتاب بين ذراعي وكلماته تفترش أرض أحلامي...




وللقصة بقية....................

 
 

 

عرض البوم صور dali2000   رد مع اقتباس
قديم 04-05-09, 03:22 PM   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2006
العضوية: 13121
المشاركات: 14,020
الجنس ذكر
معدل التقييم: dali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسي
نقاط التقييم: 4990

االدولة
البلدCuba
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
dali2000 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : dali2000 المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 



الجزء السادس


خطبت بدرية شقيقتي الأرملة أم الأطفال الخمسة... لم يكن في هذا الأمر ما يدهش أو يريب. فبدرية جميلة متألقة لا تبدو عليها سنها التي تربو على تسع وثلاثين سنة بل تبدو أقل من ذلك بكثير رغم جراحها وعذاباتها المتوالية ومشاكل أولادها التي لا تنتهي ... ليست المرة الأولى التي تخطب فيها شقيقتي بل كثير من المعارف تقدموا لخطبتها، فهي بالإضافة لجمالها وأدبها خلوقة وخجولة ترضى بالقليل وتقنع بأي شئ... لكن أبي رفضهم جميعا لا لعيب فيهم، لكن الأرملة والمطلقة في عرف أبي لا تتزوج مطلقا مرة أخري، بل تدفن مع أولادها حتى تموت... لكم شعرت بالمرارة والأسى وأنا أراها تذبل أمام عيني وأبي يخنق أحلامها ويغتال أي أمل لها في حياة سعيدة متكافئة.

همس لي شقيقي صالح وعيناه تتألقان من وراء زجاج نظارته:
- لقد حضر لي اليوم في المدرسة عبد الله شقيق أحمد زوج بدرية الراحل.
بذهول تساءلت:
- وماذا يريد؟

كنت اعرف تماما أنه لا أملاك لزوج شقيقتي الراحل لينازعها أشقاؤه عليها... أيضا هو لا يريد أطفال شقيقه ليربيهم، لأنه متزوج كما اعلم ولديه أطفال... إذن... تكلم شقيقي صالح:
- قد لا تصدقين ما أقول... لقد حضر ليخطب بدرية مني... أبلغني أن زوجته قد توفيت منذ شهور طويلة، ولن يجد أما لأطفاله خيراً من بدرية، أيضاً هو سيكون أباً وعماً لأطفالها في الوقت نفسه... ما رأيك؟
خفضت رأسي فتابع قائلاً:
- إنه أنسب رجل لها... فهو ليس عربيداً كشقيقه الراحل بل موظف بوظيفة مرموقة ورجل محترم ويقدر الحياة الزوجية... وبدرية لن تعيش طوال حياتها وحيدة...
قاطعته قائلة:
- وأبي...
تنهد وهو يقول:
- نعم إنه يعرف رأي أبي ففي الموضوع وأنه رفض زواجها أكثر من مرة لذلك لجأ لي في البداية لأمهد له الطريق فهو ليس كأي رجل يتقدم لبدرية إن له ظروفه الخاصة... ما رأيك؟

كادت الابتسامة الساخرة تشق طريقها إلى وجهي لولا أني خفت أن أجرحه وأعذبه باختيار أبي لحياته فكيف بمن لم يستطيع الصمود في وجه أبي حين اختار له مصيره وفرض عليه زوجته بالقوة، أن يقنعه بزواج بدرية مرة أخرى... إن الرجل موقف، ومن لم يستطع الصمود مرة لن يستطيعه أبداً. هل بإمكانك يا صالح الوقوف أمام أبي وإعلانه رأيك بكل صراحة في زواج بدرية أم أنك ستخنع وتخضع أمام نظراته اللاهبة وقبضته الأسطورية فتتراجع حينها وتنسي كل شئ حتى نفسك؟ إن حياتك التي صنعتها لك أبي تبدو كالثوب الواسع الفضفاض الذي لا يليق بك فلا هو ضاق ليحتويك ولا أنت تمددت ليتواءم معك فعشت كالضائع الحائر في حياة ليست لك ولست لها... كنت تريد أن تعمل طياراً فاختار لك المهنة الأسلم التدريس، كنت تريد سلمى ابنة الحيران الحلوة التي أحببتها بمجامع قلبك كزوجة لك، لكن أبي اختار لك هدى ابنة عمك الصامتة الكئيبة، فتزوجتها رغماً عنك وعشت معها وحب الأخرى يحول بينكما... وأنجبت منها وما زلت. ومضيت في حياة بلا طعم ولا زوج لمجرد رضا الأب الذي لا يرضي ولن يرضي... أخي الحبيب إذا استطعت أن تغير حياتك ولو بمقدار ذرة فتقدم بشجاعة لتدافع عن حق بدرية في الزواج والحياة مرة أخرى... أعلم حزنك الدامي، أعلم انكسارات قلبك الخفية، أعلم صراعاتك الداخلية ، أفهم مشاعرك تماماً لكن عفواً أخي، فلن تستطيع حيال بدرية شيئاً... أتذكر ليلة زواج سلمى حبيبتك السابقة بعد زواجك بشهور ... أتذكر دموعك التي مزقتك قبل أن تهطل على خديك بغزارة... هل تذكر تلك الليلة الكئيبة التي قضيتها في حجرتي باكياً منتحباً تنقلب على جمر لا ينطفئ أبداً... ثم أردت تسمية طفلتك الأولى باسمها، فرفض أبي وأسماها هو على اسم أمه... ثم عندما طلقت سلمى من زوجها بعد أن عجزت عن التواؤم معه ربما لحبها الكبير الذي عجزت أن تنساه، ناقشت أبي في الزواج للمرة الثانية منها فرفض أ[ي وشتمك ثم طردك من البيت لتأتي في الغداة تقبل رأسه وتطلب منه السماح رغم أن كل شئ من حقك ولست مطالباً بالرضوخ لأي كان ولو لأبيك... لكنك رضخت وأحنيت رأسك للعاصفة مرات ومرات حتى أضحي انحناؤك عادة ورضوخك واجباً وصمتك دائماً فتلاشت شخصيتك حتى اختفت ... فكيف يا أخي الحبيب ستطلب من أبي أن يوافق على زواج بدرية وهو الرافض له دوماً... وممن ... منك أنت العاجز حتى عن المطالبة بحقوقك... العاجز عن النطق... العاجز حتى عن البكاء قهراً وألماً... دعك من هذا أخي ودع بدرية تواجه مصيرها بمفردها، فأن شاءت صمتت وتركته يخطط لها مصيرها كما أراد ويريد دائماً...

أفقت على صوت شقيقي يسألني:
- أحلام ... لم تردي ... ما رأيك؟
نظرت إليه بإشفاق وأنا أهمس:
- رأيي أن تبتعد أنت ولا تتدخل... دعه هو يطلبها رسمياً من أبي ويقنعه بظروفه لو شاء...

زوبعة كبيرة كادت تطيح برؤوسنا جميعا حينما تقدم عبد الله رسميا للزواج من بدرية... صرخ أبي وشتم ثم هدد وتوعد ثم هدأ قليلاً، فأرسل في طلب بدرية... جاءت المسكينة ترتعش من رأسها حتى أخمص قدميها... سألتها قبل أن يراها أبي:
- هل تعرفين أن عبد الله شقيق زوجك المرحوم أحمد قد تقدم لخطبتك؟
فتحت عينيها بدهشة حقيقة ثم تألق وجهها بسرور لم تستطع إخفاءه... أشفقت عليها من قسوة الأب ومرارة الأيام... سألتها بحنان عجزت عن إخفائه:
- هل ستقبلين به يا بدرية؟
أشاحت بوجهها خجلاً ثم رفعت شعرها إلى الوراء بحركة لا شعورية... ابتسمت ثم أجابت بخفر لا يتناسب مع وضعها كأرملة وأم لعدد من الأطفال...
- الرأي لأبي فإن وافق فأنا موافقة...
ويحي...إنها تريد الزواج... إنها ترغب في حياة جديدة تذوق فيها طعم السعادة المفقودة ... تود أن تحس ولو لأيام بأنها أنثى لها رجل مثل بقية النساء لا آلة تعمل بالضخ تطبخ وتغسل وتربي وتنام على دموع تبلل وسادتها كل ليلة... أبي لا تحطم أحلامها... أبي أتوسل إليك أن تراعي الله في حقها بالحياة كبقية البشر... أبي يكفيك جرائمك الماضية فلا تضف لها جريمة بشعة كهذه، أن تذبح روحها التواقة للسعادة والحياة، أبي أبتهل إليك أن تمنحها فرصة جديدة هي تواقة إليها... فرصة تثبت لك فيها جدارتها بالحياة خارج أسوار الألم ولو لسنوات... فرصة تحلم فيها أنها امرأة كأية امرأة أخرى من حقها أن يكون لها مشاعر وأحاسيس وظل رجل تتكئ عليه في عراكها مع الحياة لا كأنثي العنكبوت هي وصغارها والعالم... أبي أعطيها الحلم ... الحلم فقط... وصدقني فلن تخسر شيئاً، بل على العكس ربما يكون ما تفعله تكفيراً عن السنوات التي دفنتها فيها حية في قبر هو بيتها الصغير ودوداً ينهشها همّ أطفالها وطلباتهم التي تنتهي ولن تنتهي... أبي ارحم شبابها وضعفها وامنحها حلما لن تندم عليه... لن تندم عليه أبداً.

ابتلعت لساني خوفاً واستسلاماً ولم أنطق بحرف واحد حينما طلب أبي من بدرية الذهاب إليه في المكتب...

مضت نصف ساعة وضعت يدي فيها على قلبي حتى خرجت بدرية... بدرية التي دخلت غير تلك التي خرجت... دخلت وعاصفة من المشاعر السعيدة تصطخب في أعماقها... دخلت والأمل يخالط بريق عينيها والحلم يلون خطواتها الراقصة بألوان المستقبل، وآمال لا يحدها المستحيل... بيد أنها تبدلت خلال نصف ساعة فقط لا غير ... خرجت وقد كبرت عشرة أعوام على الأقل ... بادية الشحوب والاضطراب... اختفى من عينيها البريق ومعه الأمل، وبقيت نظراتها منطفئة كامدة كعيني لعبة في محل ألعاب خاسر... لا روح ... لا وجود... لقد حطمها أبي...

أسرعت إليها لأضمها إلي صدري... بادرتني قائلة وشفتها السفلي ترتجف بشدة:
- لقد رفض أبي... رفض أبي زواجي...
انقبض قلبي وأنا أسألها بهمس:
- وهل سترضخين له... هل سترفضين الزواج من عبد الله؟
اغرورقت عيناها بالدموع وهي تحاول منعها بقوة جبارة كيلا تبدو ضعيفة أمامي ثم قالت بصوت متهدج:
- أنني أم يا أحلام وأولادي لهم الأولوية في حياتي دائماً وهم رسالتي الأولى والأخيرة فلن أتخلى عنهم من أجل أي رجل كان.
قاطعتها مشفقة:
- إنه ليس أي رجل... إنه عمهم وسيرعاهم كأبيهم الراحل تماماً فلن تتخلي عنهم مطلقاً... أهذا رأيك حقا يا بدرية أم هو رأي أبي؟

أجهشت بدرية بالبكاء رغماً عنها فأخذتها بين ذراعي وأنا أشاركها البكاء بمرارة... إنه ليس ظلماً فقط يا أبي... كلا ... بل أفظع ... إنه إعدام حلم... قتل حياة... بعثرة وجدان وسحق كرامة... امتلأت رغماً عني رغبة في التحدي والجموح... إنها معركة وجود أو عدم وجود... انتصار للإنسانية قبل أي شئ ... همست لها برقة:
- بدرية إذا أردت رأيي الحقيقي فيجب أن تصمدي وتحاربي للنهاية، فهذا الأمر ليس جريمة أو عيباً نحاول إخفاءه... إنه حق ولن يضيع حق وراءه مطالب...
تنهدت بدرية وصدرها يضج بالنحيب المكتوم:
- أنا لا أريد شيئاً يا أحلام غير أولادي والصحة والستر فإذا رفض والدي أي شئ فلن أجرؤ على معارضته لأن الأمر برمته لا يستحق...
هتفت حانقة:
- بلى يستحق...و يستحق... ويستحق...
ثم نهضت واقفة وأنا أقول:
- أنا سأناقشه في هذا الأمر.
قبل أن تمتد يد بدرية لمنعي من الذهاب... سمعت صوت أبي الجمهوري وهو يقول:
- في أي شئ ستناقشينني يا أحلام؟
فتحت فاهي لأتكلم... لكنني عجزت عن النطق... كرهت ضعفي وخنوعي... حاولت استجماع شتات نفسي وأنا أقول:
- أبي .. إن من حق بدرية أن تتزوج ... لتجد رجلاً إلي جوارها يساعدها في الحياة ويساندها... ويربي أطفالها... ثم إنه عم أطفالها وليش غريباً...
بدأ أبي متمالكاً نفسه وهو يقول:
- إن الأرملة تبقى لتربي أطفالها بعد وفاة زوجها وتكرس حياتها لهم...
صرخت بحدة وقد تخلى عنى حذري:
- لكن هذا ظلم يا أبي... إنك تدفنها وهي على قيد الحياة...
ثم أحسست بصفعة قوية على صدغي أطاشت صوابي... وصفعة أخري وأخري سقطت على أثرها غير قادرة على الكلام ولا الصراخ ولا حتى البكاء...

 
 

 

عرض البوم صور dali2000   رد مع اقتباس
قديم 04-05-09, 03:23 PM   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2006
العضوية: 13121
المشاركات: 14,020
الجنس ذكر
معدل التقييم: dali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسي
نقاط التقييم: 4990

االدولة
البلدCuba
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
dali2000 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : dali2000 المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 



الجزء السابع



قالت صباح ضاحكة:
- غريبة... ألا تلاحظن التغير الذي حدث لي... ملابسي الجديدة... ابتسامتي المثيرة... وجهي المشرق... تباً لكن من نساء لا يهمهن إلا الطبخ والنفخ...
التفت الجميع إليها... قالت فوزية وظل ابتسامة يتراقص على شفتيها:
- بالطبع نحن نلاحظ كل شئ... لكنك كما أنت دائماً صفراء ذابلة كورقة شجرة في الخريف... لم يتغير فيك شئ سوى هذا القميص الجديد... من أين ابتعته؟
التقطت صباح كوباً ورقياً من السفرة الممتدة وعليها بعض المعلبات والمأكولات البسيطة لتقذف به فوزية التي تفادته في اللحظة الأخيرة قبل أن تقول:
- ألم أقل إنكن تافهات... ألا يهمك سوى هذا القميص ابحثي عما وراء القميص...
قالت فاطمة إحدى زميلاتنا ضاحكة:
- وما يكون وراء القميص؟ إنه جسد أعجف أعوج ليس فيه ما يغري حتى على النظر إليه...
قالت عواطف جادة:
- ماذا هناك يا صباح؟ هل هناك خبر جديد...
ابتسمت صباح بعذوبة وهي تهتف:
- لقد خطبت البارحة... تقدم صديق أخي لخطبتي والزواج في الإجازة الكبيرة.
صرخت إحدى الزميلات:
- أخيراً تحقق حلمك يا صباح... العقبي لنا إن شاء الله.

تلقت صباح التهنئة من الزميلات... بينما كنت صامتة واجمة... فقد كانت آثار الضرب المعنوية لا تزال تدمي قلبي وتجرح روحي وإحساسي... أبي يتجرأ ويضربني وأنا في هذا السن... شابة... متعلمة... وأعمل ... لمجرد أنني قد نطقت بكلمة حق؟ إنها آلام لا أقوى على احتمالها...

تعاودني الذكرى البشعة نهاري وليلي... في غدوي ورواحي... وبدرية شقيقتي وزوجة أبي يحاولن إلى فراش وتهدئتي رغم أنني كنت صامتة تماماً بلا حركة ولا نظرة ولا صوت، فالتمزقات داخلي، أصمت أذناي عن سماع أي شئ يحدث حولي...

أفقت على ضحكات الزميلات ونظراتهن المرحة نحوي... قالت صباح:
- ألم تسمعيني... لقد قلت لماذا لم تهنئيني يا أحلام... أم إنها غيرة النساء؟
ابتسمت مرغمة وأنا أبارك لها الخطوبة...
ضحكت صباح بجذل قائلة:
- العقبي لك يا أحلام... سأعزمك على حفل زفافي وإياك أن تتخلفي عن الحفل، فأنا لا أسامح الغيورات. ثم سأقنع زوجي بعد حفل الزفاف أن ينقلني إلى الرياض، فهو كما أخبرني أخي علاقاته كثيرة ووساطته جيدة فأبتعد عنكن إلى الأبد...
تابعت وهي تقهقه:
- أتخيلكن في رحلة الذهاب والإياب اليومية بدوني... وأنا في مدرسة إلى جوار منزلي عش الزوجية السعيد...
قالت فوزية ساخطة:
- هذا إن استطاع نقلك... وضعي تحت إن عشرة خطوط حمراء لأنه لن يستطيع...
وقبل أن يتسنى لصباح الرد عليها التفتت إلي فجأة قائلة:
- ما بك يا أحلام... تبدين شاحبة واجمة... هل أنت بخير؟
كادت الدموع تطفر من عيني لكنني تماسكت بصعوبة وأنا أنهض قائلة:
- لا شئ يا فوزية... مجرد تعب بسيط سيزول إن شاء الله...

خرجت إلى فناء المدرسة الطيني... كان الجو غائماً والأرض موحلة إثر سقوط الأمطار ليلة البارحة على القرية كما علمت... بعض الطالبات يتفرقن في الفناء فرادى ومجموعات...

وقفت أستشعر غربة شديدة تهز كياني بعنف... أين أنا؟ وما الذي جاء بي إلى هنا؟ وإلى أين أسير؟ من غربة إلى غربة... من بيت أفتقد فيه نفسي ولا أشعر بالحنان أو الرعاية أو الانتماء إلى هجرة بعيدة لا تشبهني ولا تمت لي بصلة...روابط هشة مع الزميلات... شفقة مع قليل من الحنان للتلميذات...مقت شديد للمكان والرغبة في الفرار بأسرع وقت وبأية وسيلة... لكن متى وكيف؟ وأبي أهدر إنسانيتي وذبح كرامتي من أجل كلمة حق، إذن ماذا سيفعل حين أطلب منه أن يتوسط لنقلي من هذا المكان؟ أن يرحم غربتي وعذابي... وأخطار الطريق اليومية مع جميع الاحتمالات، لكنه لا يشعر ولا يحس سوى بزوجته وأطفاله منها... هذا إذا كان لدية ذرة إحساس...

- أبله ... لقد جلبت لك ما وعدتك به...
انتبهت على تلميذتي وضحى واقفة أمامي وفي يدها مظروف كبير...
- أهلا وضحى... وكيف حال أمك؟
- الحمد لله ... أمي تسلم عليك كثيراً... هل نسيت يا أبله؟
- ماذا يا وضحى...
- لقد وعدتك بأن أهديك كتب أخي سعد... إنها معي ... تفضلي يا أبله...

أخذتها منها بيد مرتجفة ... المفروض ألا يراني أحد من زميلاتي وأنا آخذ شيئاً من تلميذاتي فربما يفسرنه أي تفسير عدا الحقيقة... طويتها بسرعة أسفل ذراعي وأنا أمشي نحو الفصل... لقد نسيت أن أشكر وضحى على هديتها... اكتشف هذا متأخراً...
حينما غدوت وحيدة في فراشي سألتني زوجة أبي عما إذا كنت أريد شيئاً. نفيت أي حاجة لي وأنا أنفرد بنفسي في الحجرة...

فتحت المظروف لتطالعني الأغلفة الملونة للكتب... ثلاثة دواوين شعر" عينيها" ... اسم الديوان... ترى عيني من يقصد سعد؟ هل توجد فتاة في تلك القرية تستحق أن يتغزل أحد بعينيها... ضحكت في سري وأنا أتخيل تلميذاتي واحدة واحدة... عبطا بعينيها الكبيرتين الفارغتين في غباء شديد... الشقحاء بعينيها المملوءتين دوماً بالقذى، منيرة إنها مصابة بالحول... والجازي، العنود، حصة وجواهر و... ليست هناك واحدة تملك عينين ملهمتين... فكيف بشاعر مثل سعد أن يكتب شعراً دون ملهمة... دون أساس من الواقع. ربما قد اختار عيني إحدى الممثلات أو المطربات المشهورات... لكنه قد عاش فترة في مدينة الرياض ربما رأى خلالها إحدى فتياتها الجميلات...

حانت مني التفاتة نحو المرآة الكبيرة في حجرتي... تساءلت هل عيناي تعدان من العيون الملهمة... ولم لا؟ لأول مرة أرى جمالي في عيون ذاتي... نعم إنني أملك عينين رائعتين حالكتي السواد ورموشاً طويلة غزيرة وجسداً رائعاً فتاناً وشعراً أسود مسترسلاً.. لقد كانت أمي جميلة.. جميلة رغم جنونها وأورثتنا الجمال الذي لم تتمتع به بينما قتلها جنونها الذي انتقل إلى ندى شقيقتي الراحلة... دمعت عيناي لذكراهما ... سقطت دمعة على الكتاب الذي نسيته في حضني... تناولته من جديد " عينيها" قلبت الكتاب في يدي ففوجئت بصورته على الغلاف الأخير... إنه وسيم ... لا يشبه وضحى سوى في الأنف المستقيم فقط... ملامحه تشي بالطيبة والوداعة... نصف ابتسامة توحي بالغموض توجت شفتيه... تناولت الكتاب الثاني.. " صدى الوجدان" اسم الديوان الثاني... اسم جميل يعكس مشاعر طافحة بالحب والخير والأمان ... " إليك أنت" الديوان الشعري الثالث... أغلفة براقة لامعة بخط كوفي جميل بنفس الصورة الخلفية للشاعر... الكتاب الرابع يحمل عنوان " التفاؤل والتشاؤم" كتاب من القطع الصغير بغلاف عادي بدون صور على الإطلاق... واسمه مكتوب بخط دقيق أسفل الكتاب " سعد عبد الله".

تري كم يبلغ من العمر؟ إنه يكبر وضحى بعشر سنوات على الأقل كما سمعت من زميلاتي المعلمات... إذن سنه لا تقل عن الثامنة والعشرين من العمر... إنه صغير على أن يكون له خمسة مؤلفات، وشاعراً أيضاً... قرأت قليلاً في ديوانه الشعري الأول " عينيها" كان بجمل يتحدث عن الحب والعذاب والوداع والهجر.... ترى هل عاش حباً في حياته؟ وإلى ماذا أودى هذا الحب ؟ لقاء أم فراق... يصعب أن تعبر تلك الكلمات المضمخة بالألم والأحزان إلا لرجل عاش الحب حتى المرارة!!

قررت أن أقضي سهرتي مع أحلام ورؤى ذا الشاعر العذب الكلمات.. قررت أن أخوض معه بحار المشاعر والأحاسيس على أكتشف في النهاية من يكون وإلى أي حائط من جدران الحزن يتكئ... أخذت أجمع بقايا المظروف والشريط اللاصق للكتب لأودعها سلة المهملات لأفاجأ بورقة صغيرة وردية اللون تلتصق بالشريط، نزعتها برفق وقلبي يخفق بقوة... إنها أبيات شعر لا غير... أبيات مكتوبة بخط رائع منمق عرفت فيه خطه الذي كتب به إهداءه الماضي. تناولت الورقة بيد مرتجفة وأنا أقرأ أبيات الشعر المنثور...

ظلام حالك... جدران رطبة... رائحة طينية تعبق بالأجواء،
ظهر القمر... غاب الخواء...
لحظة .... نظرة .... أحداق وأنواء...
يا هل ترى كلنا كنا سواء؟
العشق يقتل صاحبه... إذا لم يجد له دواء...

انتقل الارتجاف من يدي إلى سائر جسدي... ترى ماذا يقصد من هذه الأبيات؟ أحسست بحرارة شديدة ترتفع من أسفل قدمي حتى رأسي...

تري هل يشير إلي ذلك اليوم العاصف الممطر في بيتهم الطيني القديم... وتلك النظرة الخاطفة التي لا تعني أي شئ... ترى هل يقصد بأنه أحبني لأول وهلة؟ كلا... غير معقول... هل من المفترض أن أضع حداً لكل هذا... نعم... فالتمادي يشجعه على المزيد... لكنه يجب أن يفهم أن الإهداء الأول قبلته لظروفي النفسية السيئة وأن صمتي إزاءه كان إكباراً وتقديراً وليس تواطؤاً وانحناء... إن عدم رفض الشئ لا يعني قبولة بكل تأكيد فبين هذا وذاك درجات بكل الألوان... في ضعفنا الإنساني نتقبل المواساة والتكاتف الإنساني وتكون كلمات العزاء كبلسم يشفي الجراح، تقربنا من الشخص لكن ليس إلى حد الاستغلال... إلى الحد الذي يمكن فيه فعل كل شئ وأي شئ وفي أي وقت...

هل جن هذا الرجل ليرسل لي اعترافه في قالب شعري مبطن بالألغاز...؟ أم أنني قد ظلمته وقد كان يتعامل معي ببراءة....؟ لكن أين البراءة في كلماته الصريحة المباشرة والتي اخترقتني بحرارتها اللاهبة... لو علم أبي بهذا الذي يحدث لدفنني وأنا على قيد الحياة ... رباه ماذا أفعل ... وكيف أتصرف؟ إن التساهل يؤدي إلي مزيد من التعدي ومحاولة كسر الحواجز... سأوقفه عند حده ليس خوفاً من أبي بل أحتراماً لأخلاقي وكرامتي وحيائي ... فلست أنا من يسقطها شاب بهذه السهولة وتقع في الفخ كأية حشرة قذرة... كلا أنني رغم وطأة عذاباتي الخاصة تبقي لي مبادئي وقيمي التي لا يمكن أن أتعداها أو أسمح لأي كان بتجاوزها أو خدشها، ولست غريرة أو ساذجة لأقع صريعة أبيات من الشعر أو تدير رأسي وتفقدني قدرتي على التفكير الصحيح... وضحى؟؟... كلا لا دخل لوضحى في شئ فهي مجرد فتاة بسيطة تحبني وتحاول إدخال السعادة على قلبي بشتي الطرق التي تستطيعها...هو الوحيد المسؤول عن أفعاله... هو من يجب أن أؤدبه ليعرف أصول الاحترام والتقدير... مزقت الورقة الوردية الصغيرة وأنا أغلي غضباً واشمئزازاً.... قلتها من بين أسناني: حسناً .. حسنا أيها الشاعر القروي سأعرف كيف أؤدبك...

 
 

 

عرض البوم صور dali2000   رد مع اقتباس
قديم 04-05-09, 03:27 PM   المشاركة رقم: 9
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2006
العضوية: 13121
المشاركات: 14,020
الجنس ذكر
معدل التقييم: dali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسي
نقاط التقييم: 4990

االدولة
البلدCuba
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
dali2000 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : dali2000 المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 



الجزء الثامن


حلم غريب هزني حتى النخاع... حلمت بأمي... بوجهها الحبيب، معالم الحزن المرتسمة في عينيها السوداوين عدا أنها في الحلم كانت ترتدي وشاحاً أبيض على رأسها، كانت تبكي في الحلم وتنتحب وتشد يدي بقوة عجيبة، وعلى لسانها كلمة واحدة ترددها بما يشبه الهمس... لا تتركيه... لا تتركيه... أمي من هو؟ ويطل وجه شقيقتي ندى تضحك وهي تخفي وجهها بيديها... ندى... ندى... أمي...

وينتهي الحلم العجيب وقلبي يقفز بدقاته السريعة حتى خلته سيخرج من مكانه والعرق الغزير يبلل جسدي وثيابي... أمي ... ندى... هل كان حلماً ذلك الذي عشته بكل كياني أم واقعاً مخيفاً أشبه بالحلم؟

وسط حيرتي وذهولي سمعت صراخاً قوياً يصدر من الطابق السفلي في بيتنا. ازداد هلعي وأنا أقفز الدرج قفزاً لأرى ماذا يحدث ففوجئت بالمنظر الرهيب الماثل أمامي... أبي يضرب زوجته بكل عنف وقسوة وأولادها متعلقون بها... هي تصرخ وهم يبكون... هالني مرأي أبي، لقد تحول في لحظات من إنسان إلى شيطان... انتفخت أوداجه وأعمى الغضب بصيرته فنبتت له قرون وذيل الشيطان... إنه لم يكن أبداً في مثل حالته هذه... في يده عصا غليظة يهوي بها على كل ما يستطيعه من جسد زوجته... وقد نال الأطفال نصيبهم غير العادل... كانت الساعة التاسعة صباحاً من يوم الخميس المفترض أنه يوم عطلة للجميع، فماذا يحدث أمامي... أسرعت بغير تفكير إلى أبي أحاول انتزاع العصا الغليظة من بين يديه، فدفعني بقوة من أمامه وهو يطلق سيل شتائمه علي وعلى المرحومة أمي وسابع جد في عائلتنا... صراخها الذي تحول إلى أنين يمزق أعصابي ويفتتني... إنها لم تكن قريبة من قلبي في يوم ما لكنها تعيش معي في بيت واحد وبيننا روابط مشتركة أولها التكاتف والتعاون غير المنظور وليس آخرها أولادها الذين أخوتي... من واجبي كإنسانة لها شعور وإحساس وتجري في عروقها الدماء أن أنقذها أو على الأقل أقول كلمة حق من باب أضعف الإيمان... خرج صوتي مبحوحاً محشرجاً وأنا أهتف:
- أبي... أتوسل إليك.... من أجل الأطفال اتركها... إنك تقتلها.
ثم اندفعت وأنا أبكي لأحول بينه وبينها، فانهالت العصا الغليظة على يدي في ضربة مزقت شراييني وأحالتني إلى شظايا... رباه إذن ماذا فعل هذا الضرب المركز بزوجة أبي.
سقط أحد أخوتي الصغار مغشياً عليه بين أقدام أبي فهدأت أنفاسه أخذ يستعيد ذاته شيئا فشيئاً...

تكومت زوجة أبي على نفسها كخرقة بالية غير قادرة حتى على التنفس مما حدا بي إلى مغالية آلام يدي والهرع لإنقاذ أخي الفاقد الوعي... أسرعت إلى صيدلية المنزل لأحضر صندوق الإسعافات الأولية، وخلال لحظات من محاولة إنقاذه أفاق الطفل باكياً مرتعباً... ضممته إلى صدري وأنا أسمع أبي يصرخ وهو يركل زوجته بقدمه...
- أنت طالق... هيا هاتفي أخوتك ليحضروا ويأخذوك.
ثم صفق الباب وخرج...

تعاونت مع الخادمة في إسعاف الأطفال ووالدتهم وتهدئهم... كانت الأم محطمة تماماً بلا ضلع واحد سليم وقد توقفت عن البكاء، وبدت كالغائبة عن الوعي. تصرفت بسرعة فهاتفت شقيقي صالح وأبلغته ما حدث بإيجاز...

ساعة وكنا في المستشفي المركزي بعد أن روى صالح للأطباء قصة خيالية عن سقوط الأم من الدرج حينما داهمتنا نوبة دوار طارئة ثم تبعها بعض الأطفال خوفاً على والدتهم...

أيضا اتصل صالح بأشقاء زوجة أبي ليكونوا إلى جوارها في المستشفي... وما إن انتهي من المكالمة حتى التفت إلي قائلاً:
- هيا يا أحلام... لقد انتهي دورنا عند هذا الحد...
صرخت قائلة باستنكار:
- ونتركها وأطفالها بهذا الحال المزري؟
تكلم صالح بهدوء:
- لا تنسي لقد طلقها أبي... ثم حينما يعلم أبي بأمرنا ماذا سيكون الحال؟... أعتقد سيكون أسوأ من حال زوجته...
- لكننا لا نعلم حتى الآن لماذا فعل بها ما فعل وطلقها أيضاً...
- أرجوك يا أحلام... أبعدينا عن هذه المشاكل برمتها...وستعرفين كل شئ في حينه... هيا ... ولا تنسي عندما يسألك أبي أن تخبريه بأن أشقاء زوجته هم الذين أخذوها من البيت... هيا...

وقفت في الظلام ألتقط أنفاسي... البيت خاو على عروشه وقد هدأت العاصفة التي كادت تطيح به قبل قليل وتهز بأركانه... وتلاشى الصراخ والضجيج وصوت العصا الغليظة وهي تهوي على أجساد ضعيفة لتمزقها...

لكن بقيت الأشلاء ورائحة القسوة تعبق بالمكان برائحة كريهة أصابتني بالغثيان. فمهما يكن نوع جريمتها يا أبي فليس هكذا يكون العقاب... أسلوب همجي بدائي يتساوى فيه الإنسان ذو العقل والإدراك مع الحيوان الأعجمي الذي لا يملك عقلاً... عودة إلى قرون الجهل والظلام كإنسان غجري لا يملك سوى قوته... المصيبة ليست في ضرب المرأة بل الأفدح منها هم الأطفال الأبرياء ونفوس تتمزق بلا رحمة ولا شفقة... كيف سيواجه هؤلاء الأطفال المستقبل... بقلوب كسيرة وجروح غائرة لا تندمل فرغم شبابي واشتداد عودي أشعر بالوهن في عظامي بعد هذه المعركة غير المتكافئة. يداي وقدماي ترتجفان بشدة وجسدي متهاو وآلام شديدة في ذراعي... لكن آلامي النفسية أكبر وأقسى... فكيف سيكون حال الأطفال وأمهم تضرب أمامهم ومن أبيهم وكلاهما رمز كبير لقيمة كبرى لا يستهان بها... إن ما حدث أمامهم سيبقى عالقاً في ذاكرتهم أبد الدهر يغذيهم ألماً ومرارة ويفقدهم الأمان في حياتهم القادمة... كانت مشاعري دوماً حيادية تجاه زوجة أبي وأطفالها ولا روابط عاطفية من أي نوع كانت تربطني بهم بيد أن الضربة الأخيرة كانت قاصمة، ففجرت ينابيع الأحزان داخلي فأحسست فعلاً بأن زوجة أبي مهيضة الجناح، فلم يحدث طوال حياتي معها أن مستني بشئ ما أو أوغرت صدر أبي عليّ أو فتحت المشاكل من أي نوع... كما أنها لطيفة معي اجتماعية متفاعلة وليست كأمي، أيضاً هي جميلة خلوقة وتصغره بكثير ولم يسبق رأيت بينهما خلافاً أو خصاماً إلا فيما ندر وباستتار نوع ما... لكن ما حدث أمامي فاق كل عقل وكل تصور وتعدى كافة الحدود... أيقظني رنين الهاتف من تأملاتي... وما إن رفعت السماعة حتى فوجئت بها... إنها زوجة أبي... تدافعت الكلمات في جوفي فلم أدر ماذا أقول... أخيراً نطقت... حمداً لله على سلامتك... كيف حالك الآن؟
بصوت واهن مرتجف أجابت:
- الحمد لله ... أحسن ... اطمئني... الأطفال أيضاً بخير... أين والدك الآن؟
- لا أحد في البيت سواي...
تهدج صوتها ثم بكت وهي تقول:
- صدقيني يا أحلام ...أنا مظلومة وبريئة، مما يتهمني والدك به... لست أنا من تفعل هذا أبداً أبداً حتى ولو فيه موتي ... أنت تعرفيني جيداً ثم إنني زوجة وأم لخمسة أطفال...
قاطعتها بجزع:
- أنت تعرفين أن سخان المياه في حمام حجرتي قد انفجر منذ فترة قليلة... فاتفق والدك مع سباك لإصلاحه... السباك حضر اليوم صباحاً بعد خروج والدك من البيت وطلب أن يدخل لإصلاح عطل السخان لأن لديه موعداً آخر بعد ساعة...

حاولت أن أطلب والدك هاتفياً، لكنني لم أجده فاضطررت، لإدخال السباك وتواريت أنا وبعض الأطفال في المطبخ لحين انتهاء الرجل من عمله وأيضاً لتناول طعام الفطور. بعد فترة حضر والدك وفوجئ بوجود الرجل في البيت وفي حمام حجرة النوم... طرده لكنه لم يعطني أي مجال لأتكلم ... لأدافع عن نفسي... عن أطفالي والخادمة يشهدون بأنني لم أقابله ولم أر حتى هيئته... فقد فتحت له الخادمة الباب وأوصلته إلى المكان بنفسها... إنني مظلومة يا أحلام...

وانتحبت بعنف على الطرف الآخر من الهاتف ... لم أستطع مواساتها والتخفيف عنها، فكل كلمات البشرية تتضاءل أمام ظلم الإنسان وتجبره وقسوته... لقد قتلها بظنونه وسحق كرامتها وكبرياءها بقدميه ثم جاءت ثالثة الأثافي فطلقها بدون أي ذرة عقل أو تفكير... ألهذا الحد يصل أبي في إلغاء والعقل والمنطق والاحتكار لشريعة الغاب في المحاكمة والتصرف؟ ألهذه الدرجة يفتقد أبسط مقومات الاتزان والثقة بالنفس...؟ لقد عاشت معه أكثر من خمسة عشر عاماً... ألم يتأكد خلالها من إخلاصها وطهارة ذيلها ونقاء سريرتها.. ألم يعلم أية امرأة هي خلال كل تلك السنوات..؟ إن عاماً واحداً من العشرة تبين حقيقة الإنسان وأصالة معدنه وطيبته أو خبثه فكيف بسنوات طويلة بحلوها ومرها وأطفال خمسة وحياة حافلة بالأحداث المتنوعة... أيلصق بها هذه التهمة البشعة من أجل شك... سوء نية؟ يا له من جبار معتوه... ألم يفكر، ألم يتدبر... ألا يسأل من حوله... ألا يتحرى الحقيقة والصدق من الكذب؟ إنه يختال بقوته، بصحته، بقدرته على فعل كل شئ دون أن يحاسب على شئ... لكن لا يا أبي، فالقوة ليست في البطش، واليد العليا القوة في الحنان والرحمة، في التفكير العقلاني ... في الاتزان .... التروي... والحكمة...

انتشلني صوتها البعيد من أفكاري...
- أحلام... هل تصدقينني؟
- بالطبع يا أم بدر أصدقك... وأتمنى لو أن أبي تأني وفهم الأمر على حقيقته قبل أن يفعل ما فعل... لكن اطمئني فالحق لا بد أن يظهر... شمس الحقيقة لا تغيب طويلاً...

كلمة أخذت أرددها بيني وبين نفسي بعد أن انتهت مكالمتي مع زوجة أبي، ثم هاتفت أخي صالح وأبلغته بكل ما حدث... سألته النصيحة قال إنه سيحاول إفهام أبي حقيقة الأمر...

لم أضيع الوقت، أسرعت إلى الخادمة وسألتها عما حدث صباحاً، فحكت لي كل شئ بالتفصيل كما روته زوجة أبي... يالها من زوجة بائسة مظلومة... لو كنت مكانها لفرحت بالتخلص من أبي وسجنه البغيض ذي القضبان الحديدية المتهالكة وأسرعت بالفرار إلى مكان آخر في العالم لا أراه فيه.. لكنها أم وللأمومة حسابات أخرى لا أعرفها...

تضاعف إحساسي بالحنق تجاه أبي... فلم أدر شعوري الطبيعي تجاهه... هل هو ود... أم حقد... تقدير... أم تحقير... احترام وإجلال... أم مقت وازدراء؟ لم أعرف مشاعري الحقيقية تجاهه لكنها بكل تأكيد تختلف عن مشاعر أية فتاة تجاه والدها...

لن أحادثه في أمر زوجته ولن أٌف أمامه بخنوع أترافع عنها ليرحمها ويعيدها إلى زنزانته الحقيرة... لن أعيش موقف الذليلة المهانة أسأله الصفح والغفران لإنسانة بريئة مظلومة هو يعرف أكثر من أي شخص آخر مقدار عفتها ونزاهتها. لن أسقط في نظر نفسي مرتين... مرة بدفاعي عن شخص فتها برئ والأخر بالتوسل لظالم لا يعرف الرحمة... شمس الحقيقة لا تغيب طويلاً بي أو بدوني كل شئ سيظهر وتتجلي الحقيقة الساطعة...

رأيته يدخل البيت بهدوء... وسحب من الظلام قد تكثفت في وجهه الشاحب ... شعور بالإشفاق حل داخلي تجاهه بعد أن رأيته يحادث الخادمة مطولاً ثم ينكس رأسه بأسي... تبخر غضبي منه فاقتربت غير عابئة برفضي السابق ... وقفت خلفه صامتة... رفع رأسة تجاهي ... بادرته قائلة:
- إن أم بدر مظلومة يا أبي... إنها لا يمكن...
قاطعني بهدوء مثير...
- أعرف يا أحلام... أعرف...

 
 

 

عرض البوم صور dali2000   رد مع اقتباس
قديم 04-05-09, 03:28 PM   المشاركة رقم: 10
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2006
العضوية: 13121
المشاركات: 14,020
الجنس ذكر
معدل التقييم: dali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسي
نقاط التقييم: 4990

االدولة
البلدCuba
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
dali2000 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : dali2000 المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

الجزء التاسع


طوال الطريق في رحلتنا إلى المدرسة وأنا أفكر ... لم أنتبه لصباح وكلامها الكثير عن خطيبها... أغلب الزميلات كن نياماً... وأنا غارقة في لجة من الأفكار العميقة التي تقودني إلى وديان سحيقة... لقد هزتني الأزمة الأخيرة بين أبي وزوجته وأوضحت لي أشياء ما كنت اعرفها وخبايا يصعب علي الاطلاع عليها لولا هذه الطاقة من الضوء.. إن أبي غيور شكاك وانفعالي.... لقد كاد يقتل زوجته وطلقها وحطم أطفاله وهدم البيت على من فيه لمجر شك... فقط وهم ... إذن ماذا يفعل حينما يعلم بقصة هذا الشاعر الذي يطاردني ويحاول نسج خيوط خفية من الحب المتبادل معي... المشكلة ليست في الشاعر وإنما في عدم ممانعتي لذلك وتقبلي للأمر بسهولة شديدة وكأنني أرحب به... فكتابه الأول الذي بعثه مع شقيقته كان يحمل أولى الرسائل وترمومترا لقياس مدى استجابتي... لقد فاق رد فعلي كل توقعاته، فقد كانت استجابتي مذهلة... تقبل وصمت... الصمت في أعرافنا يعني القبول والرضا فتمادى أكثر وأرسل كتبه كلها مع كلمات شعرية تعبر عن الحب من أول نظرة وربما لو صمت هذه المرة لجاء بنفسة ليحادثني... ويحي... ماذا يظن بي هذا الشاب... ترى هل يعتقد أنني فتاة مستهترة من بنات المدن الوقحات الخليعات اللاتي يعاكسن الشباب بسهولة ويسر كما يشربن الماء؟ ترى هل يعتقد أنني فتاة لاهية ضائعة تستجيب لأول رجل يطرق بابها؟ كلا... يجب إفهامة الحقيقة... وتعريفه حقاً من هي أحلام ومن هو والدها...

أفقت على هزة من يد صباح وهي تقول:
- أحلام... هل نمت... هيا فقد وصلنا المدرسة...

دخلت وأنا مثقلة بأفكاري... مقيدة بأوهامي... مشتتة النفس... ممزقة الأهواء... وقفت أمام المرآة أصلح هندامي كعادتي كل صباح حين وصولنا للمدرسة... كانت المرآة عبارة عن قطعة زجاج مكسورة مثبتة بمسمار صدئ على الجدار الطيني... كنت أرى فيها نصف صورتي وإذا انحنيت قليلاً أرى فيها صورتي كاملة إلى حد ما... ابتسمت وأنا أتذكر معاملة أبي لزوجته حينما أعادها إلى البيت... لم أتصور أبداً أن يعيدها بهذه السرعة المذهلة... أيضاً هي كيف تنسى كل شئ وتعود معه، وكأن شياً لم يحدث، وكأن جسدها يتحطم على يديه ولا كرامتها تبعثرت بين قدميه... وأطفالها تمزقوا لغياب عقله واتزانه... إنه لم يحترم عشرتها معه ولا قدر سنوات سعادتهما سوياً... ونسف الماضي ورصيد الحب بلحظة شك واحدة وأطاح بكل شئ في غمضة عين فكيف تأمن لحياتها معه بعد ذلك...؟ وكيف تحمي عشها من الانهيار تحت أية هفوة أو أي اشتباه من هذا النوع...؟ لكنها سعيدة بعودتها... سعيدة رغم آلامها النفسية والجسدية وهو يعاملها بمنتهى الرقة والاحترام...

ترى هل هي تحبه لدرجة أن تغفر له كل زلاته وهفواته، أم أنها تريده لأجل أطفالها، أم لأن لا معيل لها غيره، فقد توفي والدها وتفرق أخواتها كل في بيته. هل هو بالنسبة لها مجرد أب وسكن ومال أم أن الأمر أكبر من ذلك بكثير...؟ امرأة أخرى في نفس سنها وجمالها ما كانت تعود إليه ولو بذل الدنيا تحت قدميها فما فعله بها كثير...

أكبر من قدرة أي إنسان على التسامح والغفران وأقوى من قدرته على النسيان ما فعله سحق كرامتها وكبريائها كامرأة وشك بأخلاقياتها وتربيتها كابنة أسرة عريقة واستهانة بدورها وعاطفتها كأم... فأية بشاعة أكثر من هذه وأية تضحية كبرى هي مقدمة عليها... لكن أملي ألا يخيب أبي رجاءها وألا يجعل تضحياتها تذهل سدى وأن يتمسك بها كما تتعلق هي به... لكنني لم أسأل نفسي أبداً هل يحبها أبي؟ لقد آمنت بهذا كشيء مسلم به فقد تزوجها على أمي ونسينا تماما حينما تزوجها... ثم أتي بها لتعيش على أنقاض بيت المرحومة أمي، وكان يقدرها وينظر لآرائها بعين الاحترام والإجلال حتى أنها قد غيرت كثيراً من أقدارنا أنا وأخوتي، فما كان شئ أن يتم إلا وكان لها اليد الطولى فيه لكن الحدث الأخير زلزل كل معتقداتي وأجبرني على الانحياز فقد اتضح أنها في حياة أبي شئ مملوك لا تقدير له لا احترام، لا رأي له ولا صوت... كقطعة أثاث... أو كجهاز كهربائي أو مقعد... شئ تبقي قيمته بقدر ما يفيد، ثم يلقي به في أقرب سلة مهملات... مسكينة هذه المرأة، فبقدر ما أشفق عليها وأرثي لحالها فإنني أكره ضعفها وخضوعها وأتمني لو استطاعت الإمساك بزمام الأمور يوما ما... لكن يبدو أن أبي فيه سحر ما يسلب فيه نساءه من إرادتهن ويجعلهن طوع بنانه...

ابتسمت لصورتي في المرآة... فاجأني صوت صباح:
- ألن تكفي عن استعراض جمالك في هذه المرآة المكسورة؟ لقد انتظرتك طويلاً...
ابتعدت وأنا خجلة بينما تابعت صباح قائلة:
- أخبريني بصراحة... هل تقدم أحد لخطبتك؟ فإنني أراك ساهمة غير طبيعية حتى أنني في السيارة استشرتك في أمور كثيرة ولم تردي علي إطلاقاً...
اغتصبت ابتسامة وأنا أقول:
- سأحاول يا صباح أن أرد على استشارتك ونحن في طريق العودة إن شاء الله... عن إذنك الآن سأحضر الدرس القادم...

وما إن سرت خطوات حتى طلبتني المديرة وأخبرتني بأن زميلتي عواطف غائبة ويجب أن أحل محلها الحصة الأولى...

دخلت الفصل واجمة فقد رأيت وضحى بين الطالبات ترمقني وفي عينيها بريق. ترى ماذا يدور بمخيلتها عني...؟ هل تتبني فكرة أخيها عني بأنني فتاة سهلة منحلة، أم تقدرني وتحترمني؟ لكن كيف يتطرق الاحترام إلى نفسها وشقيقها يبعث لي برسائل حب... كلا... لن أسمح له بالتمادي... اشتعل الغضب في عيني ولم أدر كيف أدافع عن نفسي ولا متى وأين؟ ما إن جلست على المقعد في الفصل حتى اقتربت مني وضحي... كانت خجلة، خائفة، نظراتها غير طبيعية وكأنها تخفي شيئاً ما، سألتها وأنا أتحاشى النظر إليها:
- كيف حال أمك يا وضحي؟
- الحمد لله .
- هل تذاكرين دروسك جيداً... فالاختبارات على الأبواب...

أطرقت ولم تجب... التفت إليها فجأة دست في يدي شيئاً ما وعادت إلى مقعدها... اضطربت بشدة وأنا أنظر لبقية الطالبات، لكنهن لم ينتبهن إلى ما حدث... دق قلبي بقوة وأنا أتفحص هذا الشيء الذي أعطته لي وضحى في غفلة من زميلاتها... كان دفتراً وردي اللون بتفرعات خضراء صغيرة، ينتهي بأسلاك دائرية فتحت أول صفحة ليندفع الدم ثائرا إلى رأسي ويحتقن وجهي بشدة، فقد كتب الشاعر بنفس خطه الأنيق كلمات واضحة لا تحتاج إلى تفسير:

إلى أ.ع
امنحيني لحظات فقط
وسأمنحك العمر كله
الأربعاء – الرياض- 9 مساء ت 4776234

إنه وبكل جرأة ووقاحة يعطيني موعداً هاتفياً في الرياض، حيث سيكون هناك على هذا الهاتف الساعة التاسعة مساء يوم الأربعاء المقبل... يا له من معتوه أبله... لكنه محق في طلبه... فكل الشواهد تدل على قبولي واستسلامي وترحيبي بأي شئ... امتلأت نفسي غضباً وغيظاً كدت أمزق الدفتر وألقيه في سلة المهملات أمام وضحى وبقية الطالبات لكنني خفت الفضيحة ، فأدني الأشياء التافهة هنا تعظم وتكبر حتى تغدو على لسان أهل القرية بأسرها، يتناقلها الصغار قبل الكبار... الرجال والنسوة... كتمت غيظي داخلي وأنا أغلي كمرجل من شدة الغضب وفي أعماقي يتردد سؤال كيف أرد له الإهانة بأعظم منها وأبين له كيف يعامل بنات العائلات المحترمة...؟

فلو أن شاباً ما رأي شقيقته وضحى ولو بطريق الخطأ لقتله هذا الشاعر الرومانسي وقد نسي كل مؤلفاته الخمسة وآراءه الكاذبة بالحب والعواطف ... فكيف يريد لغيره ما لا يريد لنفسه؟

سألتني إحدى الطالبات:
- أبله ... متى سيكون اختبار مادة القواعد؟
رفعت وجهي المحتقن بشدة... تلجلجت قبل أن أرد:
- نهاية هذا الأسبوع سأحدد لكن الموعد...

أنت أيضا أيها الشاعر الأحمق نهاية هذا الأسبوع سيكون موعدك معي... إنها فرصة لي لألقنك درساً لن تنساه مدى الحياة وستتوب بعدها ولن تعترض لأية فتاة حتى ولو بدأت هي بالمطاردة، فدرسي أيها الشاعر كبير... كبير بحجم خطتك وعظيم بعظم خطيئتك وقاس كقسوة إهانتك، وسترى إن شاء الله... ابتسمت الطالبات وهن ينظرن باتجاه الباب... تابعت نظراتهن لأرى زميلتي فوزية ضاحكة وهى تقول:
- أحلام... أين كنت؟ إنني أقف هنا منذ دقيقة أتأملك وأنت غارقة في أحلام اليقظة...
ثم اقتربت هامسة:
- هيا اخرجي ... فقد بدأت حصتي...

خرجت بعد أن وضعت الدفتر الصغير داخل دفتر التحضير الكبير الخاص بي... وحالما انفردت بنفسي وخلت حجرة المعلمات منهن عدا اثنتين يتلحفن بعباءتهن وينمن باستغراق شديد ... فتحت الدفتر الصغير.. طالعتني رسالة الشاعر الثالثة والتي سأجعلها الأخيرة... تخطيت الصفحة الأولى " الموعد" إلى الصفحات التالية.

كانت أشعاراً مطولة وخواطر جميعها تتحدث عن الحب من أول نظرة والعشق والهيام... كلها رسائل غرام مغلفة بأسلوب شعري راق... ربما تكون مخطوط كتابه المقبل، لكن ماذا يهدف من إرساله لي؟ عن علاقته بي تتطور بشكل خطير وإذا لم أضع حداً لها فإنها ستشكل خطراً يقضي على حياتي ومستقبلي.

عدت إلى بيتنا ذلك اليوم ممزقة حائرة، تتناهبني الهواجس وتفتتني الظنون... ترى هل حكت وضحى لزميلاتها ما يحدث بيني وبين شقيقها على سبيل المباهاة... فهم في تلك القرية النائية يفتخرون بأي شئ له صلة بالعلم والتحصيل حتى ولو كانت علاقة أخيها بحارس المدرسة... ترى هل تكلمت تلك الفتاة الصامتة ووشت عيناها بما لم يستطع لسانها أن ينطق به؟ فتلاقفته الطالبات لينتقل من ثم إلى الأهالي ثم إلى معلمات المدرسة ومديرتها فينظرون لي شزراً مع أنني لست بخاطئة ولا مجرمة، لكنها القوانين والعادات القبلية التي تفخر بشاب من هذا النوع وتعد عمله بطولة تستحق الإشادة وتنظر للأنثي بتحقير وإهانة ورغبة في وأدها وهي على قيد الحياة... ترى هل أسرت وضحى لصديقتها المقربة باستسلامي وخضوعي... وكيف كنت أتقبل خطابات الحب برغبة ولهفة دون ضيق أو غضب .. حنقت على نفسي وقتها... لو ثرت مرة واحدة فقط، لو رفضت استلام أي شئ من شقيقها لمجرد انه رجل... لو مزقت الدفتر الأخير وألقيته في سلة المهملات أمامها لربما تغيرت نظرتها لي وازداد تقديرها وإعزازها لي... لكن الآن وفي هذا الموقف الذي لا أحسد عليه ستكون سمعتي سيئة ونزاهتي مشكوكاً فيها وكرامتي مجروحة....

فحتى ذلك الوقت الذي سأنتقم فيه لكرامتي لن أنظر في عيني وضحي المتسائلتين ولن أحادثها بكلمة وسأتحاشى كل ما من شانه فتح حوار جانبي معها...

فوجئت بطرق على باب حجرتي... طرق خفيف ناعم لكنه مسموع... فتحت الباب برقة، كانت الخادمة تنبئني بمن يطلبني على الهاتف... أسرعت بالنزول إلى الطابق الأرضي حيث الهاتف وأنا أتوقع شقيقتي بدرية التي كثيراً ما تحادثني راغبة في الفضفضة والتخفف من أحزانها ومسؤولياتها الجسيمة... فلا صديقة لها سواي... وهي تمثل لي كل شئ .. الأم والشقيقة و الصديقة والابنة وأحبها كمل لم أحب بشراً سواها ولا حتى أمي....

التقطت السماعة ضاحكة:
- أهلا بدرية...
فاجأني صوت واجم... ثقيل ... بارد...
- لست بدرية يا أحلام... أنا صباح....
- أهلا صباح ... كيف حالك... هل أنت مريضة؟
جاءني صوت بكائها على الطرف الآخر ... حاراً ... يائساً... موجعاً.
- صباح ... ما بك؟
قالت ونشيجها العالي يخترق أذني:
- لن أحضر في الغد يا أحلام، أبلغي السائق ألا يمر علي...
- ماذا حدث يا صباح؟
انتحبت مرة أخرى وهي تقول:
- لقد فشل مشروع زواجي وانسحب خطيبي إلى الأبد... لقد مات يا أحلام ولن أتزوج أبدا... أبدا...

 
 

 

عرض البوم صور dali2000   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
رواية أنثى العنكبوت للكاتبة قماشة العليان كاملة
facebook



جديد مواضيع قسم القصص المكتمله
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t110272.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 24-05-10 12:29 AM
Untitled document This thread Refback 15-08-09 11:53 PM


الساعة الآن 12:18 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية