كاتب الموضوع :
نور الهدى4
المنتدى :
الارشيف
الفصل الرابع
في أحدى الأزقة المثيرة للاشمئزاز، و التي لا يكاد المرء أن يتقرب منها حتى يتهرب من الرائحة الكريهة المنتشرة، من الأطفال دون سن الثالثة عشر، اللذين أما امتهنوا السرقة أو التسول، في نهاية الزقاق اقترب ( اشدي) من محل متهالك تم تعويض الباب فيه بقطعة من القماش من أرخص الأنواع بها الكثير من الفتح الصغيرة مما تدل على أنها لم تستبدل من زمن، دخل (اشدي) المحل، و انتظر فترة على تعتاد عيناه على الظلام، قبل أن يقترب من كهن قائلا له :
- لقد أتيت في موعدك؟.
ابتسم (اشدي)، هو يلتفت إلى الرجل، قائلاّ:
- كيف حالك يا عمي؟.
ابتسم (رامرايوس) قائلاَ:
- عمك؟؟.... أنا في عمر أخيك الكبير لو كان لديك واحد؟.
أطلق (اشدي) ضحكة صافية، هو يربت على كتفه قائلاَ:
- طبعا... فمازالت النساء تجري ورائك.
قاده (رامرايوس) العجوز، إلى طاولة وضعت بها بعض السائل عشبي ساخن، قائلا:
- أشرب هذا يا (اشدي)، فهو سوف يعطيك الشباب الدائم.
التقط أشدي القدح، و هو يغمز له بعينه، مازحاَ:
- لقد أعطيتني سرك يا عم.
ضرب (رامرايوس) الطاولة بغضب قائلا له:
- بل أخاك.... أخاك الكبير.
ردد (أشدي):
- حسنا.... حسنا... أخي الأكبر.
التزما الصمت ، هو هما يشربان السائل العشي، مر الطعم، قبل أن يقول (رامرايوس):
- ما الذي جئت من أجله إلى (سروة)؟.
وضع (اشدي) القدح على الطاولة، هو يقول:
- لقد جئت لأراك!.
ضحك (رامرايوس)، و هو يقول من بين ضحكاته:
- اختر دعابة غير هذه فأنا أعرفك جيداَ.
توقف عن ضحكته، و مال إلى الأمام ، هو يقرب بوجهه بوجه (اشدي)، سائلاَ:
- ما الذي احضر إلى هنا يا (اشدي).
أجابه (اشدي) بجدية أكبر:
- أريد ما هو ملك لوالدي.
تراجع ( رامرايوس) بجدعه إلى الوراء، هو يقول:
- كنت أظن أنك نسيت أمرهما.
أجابه:
- كيف يمكنني أن أنسى ما كان حلمي؟.
قال ( رامرايوس):
- لقد كانا ملك لوالدك.
شبك ( اشدي) أصابع يديه، و هو يقول:
- و الآن حان الوقت لأطالب بهما.
ابتسم (رامرايوس) بحنان، قبل أن يتجه إلى دولاب، و يركع و يسحب من الفراغ الموجود تحت الدولاب صندوقا، طويلاَ: قائلا:
- كنت انتظر هذه اللحظة التي استطيع أن أعيد الأمانة التي أتمنها والدك لدي.
حمل الصندوق بجهد، قبل أن يصنع على نفس الطاولة، التي بها المشروب، و هو يقول له:
- خذ أمانتك يا (أِشدي).
التقط (اشدي) الصندوق بشغف، عندما استعد إلى فتحته، أوقفه ( رامرايوس) بأن أمسك يده، قائلاَ:
- حافظ عليهما جيدا.
فتح (اشدي) الصندوق القديم، فخرج بريق لامع منه، قبل أن يفتحه كله، و هو ينظر إلى السيفين المصنوعان من البلاتين، المرصعان بالأحجار الكريمة من مقبضيهما، كان السيفان قد أخذا عقل ( أشدي)، حاول أن يقول شيء، لم خرس تماما عندما سمع صوت (نارا) تنادي عليه و على أختها المختطفة.
*********
ركضت (نارا) كالمجنونة، في شوارع مدينة (سروة) الغير ممهدة، تنادي بمرة باسم شقيقتها، و مرة باسم (اشدي)، لم تكن تعرف أين تتجه، أو إلى أين أخذ الفارسان شقيقتها، و أين اختفى (اشدي)، كادت كل الأفكار تفتك برأسها، و هي تركض، إلى أن ترتطم بجسد ضخم ، كاد أن يوقعها أرضا، لما أمسك بها (أشدي) بذراعها و هو يشدها إليه قائلاَ:
- إلا تنظرين إلى أين تذهبين؟.
تطلعت إليه (نارا) بدهشة إليه، و إلى عضلات صدره، قبل أن تنفض عنها دهشتها، و تمسك به من معطفه قائلاَ، بثورة:
- لقد أخذوا شقيقتي.... لقد أخذوها.
عقد حاجبيه، و هو يسأله باستغراب:
- من أخذها.
صرخت فيه:
- كيف لي أن اعرف أيها الأحمق... لقد اختطفوها.
تراجع قليلا، كي تهدأ، قبل أن يقول:
- اختطفت.
ثم امسكها من رسغها، و أخذ يجري إلى مكان الإبل ، و هي يقول:
- متى حدث هذا.
أجابته و هي تلهث ورائه:
- قبل قليل.
أسرع خطاه، و هو يقول لها:
- لم يبتعدا كثيرا... سوف نحلق بهم ... لا تقلقي.
ساعدها بركوب الإبل، سأله:
- هل تعرفين كيف تجعلين الإبل يركض بسرعة؟.
أجابته حائرة، و هي تمسك بالإبل بقوة:
- لا أعرف كيف أقوده، شقيقتي هي من كانت تقوده دائما.
أجابه هي يمتطي إبله:
- حسنا.... شقيقتك ليست هنا الآن، عليك أن تقوده بنفسك.
سألته، هي ما تزال تحاول التماسك:
- كيف.
أجابها، و هو يركل الإبل التي تمتطيه بمؤخرته بقوة، قائلاَ:
- هكذا...
لم يكد يركله، حتى أطلق الإبل صيحة، و أسرع خطاه، فصرخت (نارا)، التي لم تصمد سوى دقائق على ظهر، قبل أن تقع، و الإبل يكمل سيره مبتعداَ عنها، و صل إليها (أشدي)، هو يقول لها:
- ربما كانت فكرة سيئة أن أركله هكذا...
لم يكن يهتم إليها بقدر اهتمامه بالإبل، فكمل قوله و هي مازال ينظر إلى أبله الذي ابتعد كثيراَ، و هي ما تزال على الإبل:
- يا ترى كم سيكفل حصولي على أبل آخر في سرعته.
تطلعت إليه (نارا) باستغراب، قبل أن تخرج دبوساَ من شعرها، و تسدده في رجله، هي تقول:
- أيها الأحمق كدت أموت بسببك.
تألم (أشدي)، و أبعدها عنه، قائلاَ لها:
- هل جننت؟... ماذا تفعلين؟.
صرخت له:
- لقد كدت تقتلني بفعلتك هذه، ... يركل الأيل لكي يسرع... ماذا تظن أنني سوف أتعلم ركوبه في ثانية .... أيها الأحمق؟.
تطلع إليها باستغراب، فربما هذه المرة الأولى التي يراها غاضبة، تنهد قليلا، قائلاَ:
- أعطيني يدك.
تراجعت، مسائلة:
- ماذا؟.
مد يده لها قائلاَ:
- هيا أعطيني يدك... سوف تركبين معي.
تراجعت أكثر، قائلة:
- اركب معك ... هل جننت؟.
تنهد بصبر، ثم قال:
- هل تريدين عودة شقيقتك أو لا؟.
أجابته:
- بالطبع أريد..
ما أن أنهت جملتها على رد عليها:
- أذا اركبي معي و بسرعة... و إلا فأنها سوف تبتعد أكثر و ربما لا نعثر عليها أبداَ..
ترددت قليلاَ، ثم أعطيته يدها، فسحبها بقوة لدرجة أنه وجدت نفسها تطير و كأنه لا وزن لها، و تستقر خلفه على ظهر إبله، ففكرت ما مدى قوته، أنه يبدوا قوياَ جداَ بالنسبة له، في جين ركل هو الإبل قائلاَ لها:
- تمسكِ بي جيداَ.
أطاعته، أنهى جملته، و وجدت الإبل يركض بسرعة و تزيد سرعة مع كل ركلة يركلها له (أشدي).
********
كانت (حريمي) تجلس باسترخاء، في بركة وضع فيها اللبن بدل الماء، حيث أن اللبن يصفي الجسد من الشوائب، لقد كانت تهتم بجسدها و جمالها كثيراَ، لدرجة أنها تطلب من الكهنة في معابدها، أن يبتكروا لها أفضل الوصفات، حتى تبقي بشرتها نظرة دوماً، دخل عليها فرعون قائلاً:
- أمازالت تمارسين طقوسك؟.
سألته، لقد تنبهت إلى أنه يسخر منها:
- ماذا تريد الآن؟.
اقترب منها بهدوء شديد، قبل أن يقوم بإمساكها بقسوة من ذقنها ، محذراً إياها:
- احترسي أيها السيدة، إذا سمعكِ أحداً تتحدثين معي بهذه الطريقة، ماذا سيفكر؟.
أبعدت يده عنها، و هي يقول بحدة:
- أبعد يدك القذرة عني؟.
أطلق فرعون ضحك ساخرة، قبل أن يقول لها:
- كم يعجبنني عندها أراك غاضبة؟.
كتمت غضبها، و هي يشاهده في طريقه إلى خارج الغرفة، قائلاَ:
- لا تتعبي نفسك يا حلوتي، ... فستظلين عجوز في نظري.
قبل أن يخرج قال لها و هو يبتسم، و كأنه تذكر شيئا:
- على فكرة... أنا أبحث عن عروس رابعة لي.
اتسعت ابتسامة و هو يكمل:
- بالطبع سوف تكون أجمل مني يا حلوتي..
خرج من الغرفة، و هي تسمع صدى ضحكاته الساخرة، و كاد الدماء تنفجر من وجهها، هي تتذكر كل كلمة قالها لها، و قالت تحدث نفسها:
- أنت لم تعرفي بعد يا الأخرق....
خرجت من البركة، و هي تقول:
- سوف أريك من أكون أنا أيها الطفل الأحمق.
أسرعت ترتدي ملابسها، تهم بالمغادرة، لكن صوت خادمتها، أبلغتها أن الوزير في انتظرها في غرفة الاجتماعات، فذهبت إليه، و هي تسأله:
- هل من جديد؟.
أومأ برأسه قائلاَ:
- الحملة التي أطلقتها على هاتين الفتاتين جذبت أغلب المحاربين الموجودين في المدينة بسبب ذلك الاحتفال، قم أن الجائزة الموضوع على رأسيهما يسيل لها لعاب أفضل المحاربين.
سألته بصرامة:
- هل من جديد؟.
بلع ريقه، فهو يعلم أنها إذا كررت سؤالها، هي غاضبة، فأجبها بسرعة:
- نعم... هناك أخبار من أن أحد المحابين استطاع أن يقبض على إحدى الفتاتين.
تطلع إليه ، همت بالمغادرة قائلة له :
- جيد.
سألها قبل خروجها:
- ماذا لو لم تكن هي المعنية؟.
أجابته دون أن تلتف له:
- هل يحتاج هذا إلى السؤال،...... اقتلها.
قالتها، و غادرت غرفة الاجتماعات، تاركة الوزير، يسبب اللحظة التي ورطة نفسه فيها مع هذه المرأة الأفعى مثلما دائما يسميها...
********
|