لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات عبير > روايات عبير المكتوبة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات عبير المكتوبة روايات عبير المكتوبة


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-04-09, 03:41 PM   المشاركة رقم: 6
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2008
العضوية: 103835
المشاركات: 336
الجنس ذكر
معدل التقييم: زونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 502

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زونار غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زونار المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

وعدنى بأن يدعم امى ولويز الى أقصى حد "

" ألم يزعج هذا الاقتراح أمك ؟ "

ردت بروك بأسى :
" انها لا تستطيع ان تفعل شيئا . فهى لم تتعلم طيلة حياتها سوى ان تكون موضع الاهتمام . واذا ما تزوجت كوريللى , فان الامور ستسير على ما يرام بالنسبة لها ... تماما كما كانت فى الماضى , ومهما حدث بعد ذلك , فان لويز لن تتزوج الا الشخص الذى تحب "

علقت ماجى وقد صدمتها لهجة بروك :
" لكن احدا لا يستطيع ارغامك على الزواج يا عزيزتى "

" لا , غير اننى اصدقه عندما يقول ان امى لن تعرف المصاعب بعد ذلك . عندما اتزوجه سيقوم باجراء كل اعمال الصيانة فى وينترسويت ... ثم ننتقل للعيش هناك "

سألتها ماجى :
" وليليان أيضا ؟ "

"اعتقد انه سيؤمن لها عيشا لائقا فى مكان آخر "

تنهدت ماجى بارتياح لدى سماعها هذا الجواب . وقالت :
" انه محق فى قراره . لقد غرقنا فى الاحاديث بحيث نسينا الأكل . كلى ايتها العزيزة وارتاحى ... هناك هالات سوداء تحت عينيك . لو كنت مكانك لوافقت على الزواج من السيد كوريللى فورا ... لكننى فى عمر لم اعد اخاف فيه من الرجال الخطرين "

اقبلت بروك على الطعام بشغف , بينما ظلت ماجى ترمقها بنظرات متفحصة بين الحين والآخر . وقد تعمدت ان تتحدث عن موضوعات اخرى مسرة , لكن بروك كانت مشغولة فى المسألة التى ملأت حياتها خلال الأيام القليلة الماضية .

فجأة انفجرت بروك بغضب :
" اتمنى لو اننى اضرب نفسى بالحائط كى أهرب منه "

قالت ماجى متعمدة الابتسام :
" لانريد ان يحصل لك ذلك . دعيه يدعوك الى السهرات . انت تستحقين كل الاهتمام . ومع الوقت ستكتشفين ما اذا كنت فعلا غير قادرة على العيش معه "

علقت بروك وانفاسها تكاد تنقطع :
" هذا ما يثير جنونى فعلا . فأنا أشعر بأننى اقترب منه بدون ارادة طالما انا معه . كانت السهرة الأخيرة خطأ بالغا ... فلقد استمتعت بها جدا "

ابتسمت ماجى وهى تقول :
" لست فى العادة خجولة وجبانة يا عزيزتى "

" ربما أخاف من القفص الذهبى . ومهما كان , ان تربية فتاة مراهقة مسؤولية كبيرة جدا "

" أنت تتعاملين مع امثالها فى المدرسة . والآنسة ريتشاردز على ما اعتقد مرتاحة لك "

قالت بروك بنفاد صبر :
" الوضع فى المدرسة مختلف . اعتقد انك معجبة بكوريللى . أليس كذلك ؟ "

" اعترف باننى معجبة به , صحيح انه عنيد . لكنه من معدن طيب أيضا . انه يهتم بابنته , فلماذا لايهتم بك أيضا ؟ لقد ادى بك العيش فى ظل امك واختك الى بناء أفكار غير صحيحة عنك . انت فتاة جذابة جدا . وذات شخصية محببة . الا تعتقدين ان بول لاحظ هذه المميزات ؟ اؤكد لك انه يعرف تماما ما يريد "

" اذن , انت تنصحيننى بالزواج منه ؟ "

اعترضت ماجى بضيق :
" لا تتزوجيه هكذا فقط . عليك ان تعرفيه اكثر . تمتعى بحياتك . ومن الأكيد انه لا يريد ان يسرع فى اجراءات الزواج "

ردت بروك :
" أنا متأكدة انه يفكر بحفلة زفاف كبيرة , وكذلك امى . اما لويز فهى تريد ان تظهر فى قمة جمالها فى العرس "

وافقت ماجى بسرور :
" رائع جدا . متى ستلتقينه مجددا ؟ "

" سيقيم حفلة عشاء مساء السبت المقبل , ويريدنى ان احضرها للتعرف الى اصدقائه "

حدقت ماجى بوجه صديقتها وهى تسأل :
" وهل ستذهبين ؟ "

التمعت عينا بروك وهى تجيب :
" لم أقرر بعد . عندما يتصرف بلطف فانه يصبح جذابا جدا . لكن بينى وبينك انا لست افضل من لويز ، انه يريدنى ، غير اننى ارفض ان يسيطر على ، فانا امرأة تريد الاحتفاظ باستقلالها فى الفكر والعمل . انا لا استطيع ان اتزوج الثروة فقط ، فسوف افقد كرامتى عندها . اما أمى فتعتقد انى عنيدة ومغرورة ، وحتى تعتقد ذلك أيضا "

" ومن الطبيعى ان تتصرف لويز كما تتصرف أمك . ولا شك انك تدركين ان هذا الزواج سيحل العديد من المشاكل ..... بل واعترفت قبل قليل انه رجل جذاب "

تساءلت بروك بدهشة مشوبة بالخجل :
" هل قلت ذلك ؟ اظن انه جذاب فعلا .... لكنه فى الاساس رجل متوحش قاس "

علقت ماجى بحزم :
" اصبح الرجال من هذا الصنف نادرين "

" هناك ايضا خطر ان اهرع إلى ذراعيه رغما عن قناعاتى . لست اعقد الأمور يا ماجى ،لكن هذه هى مشاعرى فعلا "

ظلت ماجى صامتة لعدة دقائق .... ثم قالت :
" لعلكمتأثرة بطريقة لا شعورية باصله الايطالى يا عزيزتى ، حيث مواصفات السحر والعنفوان والقوة الجسدية الطاغية . اعترف انه من طراز يختلف عن نوعية الشبان الذين اعتدت أنت ولويز عليهم ، لكن اياك ان تعتبرى ذلك نقيصه فيه . عيشى حياتك ، تمتعى بكل دقيقة فيها ... فالشباب لا يدوم . اننى اتعاطف معك لكننى لست ضد السيد كوريللى . نصيحتى ان تذهبى إلى سهرة مساء السبت . لن يجبرك احد على الزواج منه ...... ولعلك تكشفين فيه عن مميزات تعجبك وتقربه من قلبك . ومهما كان ، فأنت لن تخسرى شيئا "

توقفت ماجى عن الكلام ، وابتسمت فى وجه صديقتها بلطف وحنان ..... وسرعان ما حلت الابتسامة على شفتى بروك التى استعادت هدوءها وربأطة جأشها بعد جلسة المصارحة هذه .

لا ترفضي


مر الاسبوع باسرع من لمح البصر .وقد أحست بروك انها فعلت حسنا بلقائها صديقتها ماجى . ذلك ان مسألة الذهاب إلى سهرة السبت باتت محسومة فى ذهنها . ومن الطبيعى ان يجعل هذا القرار امها فى قمة السعادة ،وكذلك لويز أيضا . فالاثنتان باتتا تعاملانها بلطف مبالغ فيه بحيث شعرت بروك بالكثير من الاشمئزاز لهذا التغير السريع فى المعاملة .أما بول فلم يفعل شيئا سوى المراقبة والانتظار ،فهذا هو الدور الذى يناسبه تماما فى هذه المرحلة .

اصرت الأم ولويز على مرافقتها إلى السوق لاختيار الثوب المناسب من وجهة نظرهما للسهرة .ومع ان ليليان رفضت بحزم طراز الفستان الذى ارتدته بروك فى السهرة الماضية ،الا أن الفستان اتفقن عليه كان جميلا فعلا . فقد تكارمت امها كثيرا فى الشراء ، وظلت لويز تطرى الاختيار طيلة الطريق . أما بروك فكانت تعتقد بأن الخطط لا تجرى حسب ما تشتهيه هى .....وتمنت لو انها لم تر بول كوريللى أبدا .

قادت بروك سيارتها باتجاه شقة كوريللى وهى ما تزال تشعر بالرغبة فى الهرب من المنطقة كلها . واخذت تتساءل فى سرها عما إذا كان هذا الايطالى الجذاب يملك قدرات عقلية خارقة تسيطر على ضحاياه وتحرمهم من ارادتهم . سبقتها افكارها إلى الشقة الرائعة التى ساهم بول مع المهندس الاصلى فى وضع الخطوط الرئيسية لها . وسرعان ما تذكرت ان اباها كان مهندسا أيضا ،وأنها اجبته بجنون كونه أباها . وكونه مهندسا فى الوقت نفسه.


كان شعرها الاحمر يتطاير بفعل تيار الهواء المتسلل عبر نافذة السيارة . لقد تركته يطول ويطول نزولا عند نصيحة صديقتها ماجى التى اكدت لها ان الشعر الطويل يتناسب مع رشاقة جسمها المتناسق . ان ماجى صديقة رائعة . فهى قد ساهمت فى اكثر من مناسبة فى تثبيت ثقتها بنفسها . واما بروك فباتت الآن منهمكة فى اظهار جاذبيتها الخاصة مستغلة شعرها الاحمر الذى ظلت تعتقد لمدة طويلة انه بشع وغير صالح ابدا .

واخيرا اطلت عليها سلسلة المبانى البيضاء التى يسكن فى احدها كوريللى . خففت بروك السرعة وقد امتلأت نفسها بتوتر مفاجئ مشوب بالتوقعات المثيرة . كانت وكأنها امرأة تتصرف بفعل التنويم المغناطيسى. فقبل فترة قصيرة فقط كانت لا تستطيع تحمل رؤية بول كوريللى أو حتى السماع عنه ..... أما الآن فتبدو مرتبطة به بشكل لا يفسر .

ما ان اقتربت بروك من موقف السيارات حتى شعرت بالدم يجمد فى عروقها لرؤية رجل وامرأة يظهران من المبنى باتجاه سيارة فولفو زرقاء كانت متوقفة هناك. اخذ قلبها يخفق بشدة غربة وتمنت ان تعود فورا من حيث أتت وهى لا تصدق ما تراه عيناها . لم يكف انها جاءت بدون اقتناع ،بل عليها أن تراقب بألم الرجل الذى طلبها للزواج وهو يوصل امرأة أخرى إلى سيارتها بلطف وحنو . لقد عرفت الآن السيارة وصاحبتها ، انها كاثى بينتون بشعرها الأسود الطويل وأناقتها المعهودة . دخلت كاثى إلى السيارة بينما وقف كوريللى يراقبها بلطف واضح .

استغربت بروك سبب شعورها بالصدمة لرؤية كاثى . خاصة وان الصدمة كانت أقسى من كل ما مر فى حياتها . لقد كان بول صريحا معها عندما أخبرها بأن لديه ابنة ..... وهذا يعنى انه عرف العديد من النساء ، والأرجح انهن كن يرمين انفسهم عليه .أما الآن فهو يحاول استغلال امرأة جديدة .... بروك نفسها . تدفقت الدماء بحرارة فى كل شراين بروك وهى تحس بانها طعنت فى صميم كرامتها .لقد اذعنت لمطالب الجميع : امها ولويز وماجى ،فى حين انها تواجه لعبة ذات حدين .ومهما كان الأمر ،سواء دفعتها الأقدار فى هذا الطريق أو ان حظها السئ هو الذى أوصلها إلى هنا ،فانها تواجه رجلا غريبا فى ماضيه وحاضره .

أقلعت الفولفو أخيرا ، وعاد بول متمهلا من حيث أتى .... وبات على بروك أن تتحرك من مكانها المنعزل بدون أن تجيب على تساؤلاتها الخاصة حول موقفها من رؤية كاثى وكوريللى معا . انها لا تحبه فعلا ،ومع ذلك شعرت بأن رؤيتهما معا تشكل مصيبة كبرى جدا . فقد كانت تقول دائما ان بول مصيدة للنساء .... ولاشك انه تخلى عن أم ابنته ، والارجح ان هذه الأم عاجزة الآن عن الانتقام منه .

بعد أن أطمأنت بروك إلى أن بول أصبح داخل شقته الفاخرة ، أدارت محرك السيارة مجددا سارت باتجاه الموقف . وعندها فقط أحست بمشاعر الغضب تطغى على كل أحاسيسها .فكرت بألم عميق : هل يعتبرنى غبية ؟ مجرد فتاة يضيفها إلى اللائحة ؟ انه زواج فاشل قبل أن يحدث !

لم تنتبه بروك إلى السيارة التى كانت تسير خلفها بسرعة ،بل واصلت سيرها بدون أن تدرى إلى أين ويداها ترتجفان غضبا على المقود .لماذا لم يكتف بكاثى ويطلبها للزواج . فهى مناسبة له تماما ، وان كانت لن تمنعه من مطاردة النساء الاخريات .

رغما عنها ، أطلقت نظرة باتجاه شرفة شقته .ولسوء حظها كان بول واقفا هناك يحادث صديقا ،ونظر منطلقا باتجاهها . غضت بصرها بسرعة وهى تتمنى أن يكون قد عجز عن تمييز سيارتها من هذا البعد .

ظلت منطلقة بسرعة بدون أن تعرف إلى أين ستذهب . فقد تحول اشمئزازها إلى نوع من الألم الداخلى الناتج عن شعورها بالخجل الذاتى . كان عليها ان لا تصل إلى هذا الحد . بل كان عليها ان لا تمنحه حتى ولو دقيقة من وقتها . لقد اعتبرت نفسها دائما فتاة ذات إرادة وقوة شخصية ،وها هى الآن ترتكب أخطاء مثلها مثل غيرها من الفتيات .لا شئ يمكن أن يزيل من ذهنها صورة بول كوريللى خارجا مع كاتى بينتون من شقته ،خاصة وان اسميهما مرتبطان فى اخبار الناس حتى عندما كان كوريللى مرشحا للزواج من لويز . ان بول لا يرتبط بأحد .... سوى بشخصيته .

عند تقاطع الطرق ، انعطفت نحو اليمين باتجاه المرفأ البحرى الصغير . لا يمكن ان تصبح ملكا لرجل يقدم على الخيانة بهذه السهولة ! لكنها لا تحبه وهو لا يحبها بالطبع . المسألة اذن مسألة كرامة .

وعلى حين غرة انتبهت بروك إلى ان سيارة اللامبورغينى الفاخرة تلاحقها بسرعة فائقة . فاعتقدت على الفور ان كوريللى يسعى خلفها محملا بالأعذار والأكاذيب والتبريرات . ظلت هى محافظة على سرعتها المعتدلة ، وراحت تتمنى وحود رجل شرطة يلقن هذا الرجل درسا لا ينساه .

ومن حيث لا تدرى ظهر فجأة أمامها كلب صغير رافقته صرخة رعب أطلقها صاحبه من مكان ما قرب الطريق .وبحركة غريزية انحرفت بروك يسارا فى محاولة لتفادى قتل الكلب لم يعد بول كوريللى ماثلا فى ذهنها ، بل حل رعب هائل من جراء الأحداث المتسارعة . عليها أن تعيد السيارة إلى مسارها الطبيعى بعد أن تجاوزت الكلب . لم يكن من المناسب أن تنحرف بهذه الحدة من أجل الكلب ، لكنها تصرفت غريزيا بمجرد رؤيته . لكنها لم تستطع السيطرة على السيارة التى ظلت منطلقة باتجاه الماء . جمدت عينا بروك رعبا وتصلب جسدها بهلع ... لقد حلت المأساة ولم يعد أمامها إلا الصراخ .

" حمدا لله على سلامتك "

سمعت بروك هذا الصوت ضعيفا قلقا ، فعاد إليها وعيها على الفور . كانت ملقاة على وجهها فوق الأعشاب الخضراء ، ويدان قويتان تدلكان ظهرها وكتفيها . لقد أخرجت كل المياه التى ملأت رئتيها .... لكن اليدين كانتا تشعران بالتعب والألم .

بعد وقت قصير ،أدارت رأسها بضعف شديد ،ثم انتظرت حتى اتضحت الرؤية ... فوجدت امرأة منحنية عليها باهتمام شديد . قالت المرأة وهى تمسح الشعر المبلل عن وجه بروك :
" هذا أفضل يا عزيزتى "

فشلت بروك فى اخراج كلمات الشكر من حنجرتها ، واكتفت بالتلفت حولها لتجد الكلب وصاحبه ومجموعة من الأشخاص ورجل شرطة حاملا بيده محضر الحوادث والمخالفات .

" ..... من حسن الحظ أنك كنت موجودا لإنقاذ هذه الآنسة ،ولولاك لانتهى الأمر بمأساة "

سمعت حديث رجل الشرطة وهى عاجزة تماما عن الحراك . انها بحاجة للهواء ، قط عدة أنفاس قوية .كانت شاحبة وضعيفة ومنهكة ،لكنها على قيد الحياة بفضل الرجل الذى قفز مرتين فى الماء لإطلاقها من سيارتها الغارقة .
ولم تستغرب بروك أن يكون هذا الرجل هو بول كوريللى نفسه ، الذى يملك قوة تؤهله للقيام بما يشبه المعجزات . شعرت بيديه تحملانها بلطف ، فاستسلمت له مع انها كانت ترغب فى ان تطلب منه ان يدعها وشأنها . فى هذه الأثناء ضاقت حلقة الناس حولها ، وكل واحد منهم يريد ان يطمئن عليها ويشجعها .... لكنها لم تكن تسمع الكثير ، بل ألقت براسها على كتف كوريللى العريض ، الذى وقف للحظات يستمع إلى ملاحظات الشرطى :
" دع الأمر لى يا سيد . أنت ستأخذ خطيبتك إلى الطبيب الآن بعد أن أنقذتها .فأرجو ان تتصل بى فى وقت لاحق لاكمال محضر التحقيق "

كتب الشرطى اسمه ورقم هاتفه على ورقة صغيرة وضعها فى جيب قميص كوريللى وهو يقول :
" عانيت الكثير من حوادث الانحراف بسبب الحيوانات . قلة من الناس يفعلون غير ذلك ، مع أنهم يعرضون حياتهم للخطر "

سمعت بروك صوت بول العميق وهو يشكر الشرطى على اهتمامه . وعندما ساربها باتجاه السيارة ، دفنت رأسها فى صدره متعبة ومنهكة القوة . لقد أنقذ حياتها من الموت ،وإذا قرر الحصول عليها الآن فلا شئ يمنعه .... الا أنها لا تشعر تجاهه بشئ ،حتى ولا العرفان بالجميل .

همس فى أذنها وهو يضعها بصوت عاطفى وكأنه يخاطب المرأة التى يحبها منذ زمن : " ايتها الصغيرة المسكينة ، ماذا تريدين أن أفعل بك الآن ؟ "

ولأول مرة لم تجد جوابا ، بل اكتفت بالاستلقاء فى مقعدها صامته .وطوال الطريق إلى شقته لم يكن يسمع سوى صدى الريح وهى تعبر النوافذ المشرعة .وعندما حملها مرة أخرى ،استسلمت بشعور المهزوم الضعيف الذى لا يملك حولا ولا قوة .

فتح جيانى الباب ، ثم انطلق فى حديث باللغة الايطالية مع كوريللى الذى حمل بروك إلى غرفة النوم الرئيسية . لم يهتم بول بالغطاء الحريرى فوق السرير رغم ان جيانى حاول ازاحته قبل وضع بروك على الفراش .

وعندما استقرت بروك فى السرير عاجزة خائفة ،ومتوترة من وجودها فى غرفة نوم الرجل الذى يريدها للزواج ..... وقف كوريللى إلى جانبها يكلمها بصوت ناعم هادئ . كانت عيناه غائمتان ، وقد تحول سوادهما إلى ليل عميق ..... عميق .قال بلطف :
" ذهب جيانى لاستدعاء الطبيبة التى تعيش فى نفس المبنى . إنها وزوجها الطبيب صديقان حميمان لى . اعتقد أنك بحاجة لمهدئ يزيل توتر اعصابك .... ثم النوم العميق . سوف أتصل بأمك وأخبرها بدون أن أثير هلعها "

قالت بروك بجفاء :
" أريد أن أذهب إلى البيت "

جاءها صوته آمرا بحزم وقوة :
" لا ، كنت قاب قوسين أو أدنى من الموت .عليك البقاء هنا ،فادريانا تعرف كيف ترعاك وهى قريبة جدا منا . بعد ذلك سآخذك إلى البيت . فلا تخافى يا صغيرتى ، فلست أرغب فى زيادة متاعبك ومخاوفك "

اغمصت بروك عينيها هربا من عينيه الحادتين النافذتين . لكنه ظل قربها ممسكا باحدى يديها المرتجفتين بكلتها يديه إلى ان جاءت المرأة التى اسمها ادريانا .

" بول ، ما هذا الذى أسمعه ؟ "

فتحت بروك عينيها . وجاهدت كى تجلس على السرير . لكن أفكارها لم تكن واضحة ،والرؤية ما زالت غائمة أمامها . فى حين زادت الجمل الايطالية المتبادلة بين الطرفين من تشوش ذهنها المتعب أساسا .كانت المرأة فى أواسط العمر ، وسرعان ما أثبتت أنها قادرة على الاهتمام ببروك على أفضل وجه . بعد قليل غادر كوريللى وجيانى الغرفة تاركين الطبيبة ادريانا مع مريضتها .

قالت ادريانا بصوت عاطفى :
" ايتها المسكينة ، لا شك انها كانت تجربة مرعبة . اعتقد انك فى حالة عصبية سيئة ، لكن الله ستر ان بول كان موجودا . انه سباح ماهر وشجاع أيضا " . صمتت قليلا وهى تتفحص وجه بروك الشاحب ثم اضافت تقول : " اننى هنا لمساعدتك يا عزيزتى . لقد كلمنى بول عدة مرات عنك . أولاسأعطيك دواء لتهدئة الأعصاب ، ثم أغير ثيابك المبللة "

قالت بروك بضعف :
" أشكرك كثيرا "
ردت ادريانا بابتسامة عريضة ، ثم عفكت على عملها تؤديه بتؤدة واهتمام .

ما ان استيقظت بروك فى وقت لاحق ، حتى هبت من فراشها مذعورة وقلبها يخفق بشدة غريبة . رفعت يدها لتغطى وجهها وكأنها تهرب من مشاعرها المرعبة ، بينما نحيبها يملأ الغرفة بنشيج متقطع اختلطت فيه الدموع بالتنهدات والصرخات .... لم تكن تتألم ، وقد زال عنها تشوش الرؤية .... لكنها ما زالت على شفير الانهيار العصبى .

رفعت رأسها عن راحتيها قبل ثوان قليلة من فتح الباب . وعندها انتصبت جالسة فى فراشها وجسدها مشدود كوتر قاس . دخل بول كوريللى بهدوء وخاطبها بصوت لطيف :
" لقد استيقظت خائفة ؟"

ردت بصوت ضعيف متقطع :
"اننى فى حالة أفضل الآن "

اقترب منها قائلا :
" هل تريدين أن أدعو ادريانا ؟ انها لا تمانع ابدا ؟ "

هزت بروك رأسها رافضة وهى تتساءل فى سرها عن الوقت . ثم راحت عيناها تبحثان فى ارجاء الغرفة عن ساعة ما ، لكن دون جدوى .وأخيرا سألته :
" كم الساعة الآن ؟ يجب أن أعود إلى البيت "

رد عليها قائلا :
" انها الساعة الثالثة بعد منتصف الليل تقريبا "

صرخت باستغراب :
" غير معقول "

قرب بول ساعة معصمه من وجهها ليؤكد لها الوقت ، فاشاحت عينيها قائلة :
" اننى لا ارى بوضوح " . ثم اضافت بعد تردد :
" مهما كان الوقت ، فأنا أريد العودة إلى البيت "

كانت ترتجف دون ارادة وقد أفزعتها الاحتمالات التى اخذت تقلبها فى ذهنها .وفجأة انهمرت الدموع الغزيرة على وجنتيها الشاحبتين الناعمتين .

قال بصوت قلق :
" أرجوك لا تبكى "

" أنا متأسفة .... أنا متأسفة "

رفعت يديها تغطى وجهها من نظراته الحادة ... فلم تسمع وقع خطواته وهو يبتعد عنها ثم يعود اليها حاملا كأسا من الماء .
" اشربى هذا "

" لا اريد ان اشرب "

" اشربيه "

قرب الكأس من شفتيها ويده تسند يدها المرتجفة .وعندما انتهت ابتعد عنها قائلا :
" والآن عودى إلى النوم ، وعندما تستيقظين ستشعرين بالراحة التامة "

" اننى خائفة منك "

" انا اعرف ذلك "

" اريد ان اذهب فورا "

قال بحزم وكأنه ينهى المسألة :
" لست فى وضع يمكنك من ذلك الآن "

سألته بالحاح :
" لماذا لم تحضر أمى بعد ابلاغها بالحادث ؟ "

رد بجفاء :
" لم تحضر لان ادريانا اكدت لها انك نائمة وانها ستتولى العناية بك حتى الصباح . والظاهر انها تثق بى اكثر مما تثقين بى انت "

احست بروك بالتوتر يخيم عليهما ، فقررت ان لا تعلق على كلامه . وبعد فترة من الصمت تابع بول قائلا :
" نامى الآن يا عزيزتى .... استلقى بهدوء ونامى . واعدك أننى ساعيدك إلى امك فى الصباح الباكر "

قالت بصوت حاد :
" اننى مستيقظة الآن "
ابتسم بول بهدوء وهو يتأمل وجهها الذى بدأت تعود إليه الوانه الطبيعية .وقبل ان يعلق على كلامها ، تابعت تقول فجأة :
" لماذا طلبت منى الزواج ؟ "

اجابها ببساطة :
" لاننى أريدك زوجة لى "

قالت بمرارة والدم يغلى فى عروقها :
" هذا ليس سببا كافيا . اعرف اننى اناسب خططك ، لكن عندى خططى الخاصة أيضا . وهذه الخطط لا تتضمن الرجل الذى يبدو أنه يريد كل امرأة تقع عيناه عليها "

رد بسرعة :
" ايتها الحمقاء . ليس هناك شئ أبعد عن الحقيقة مما تقولين . سأتركك الآن ، لأننى أسبب لك الازعاج على ما يبدو . ارخى أعصابك وحاولى ان تنامى "

انفجرت صارخة :
" اننى ذاهبة الآن "

وللحظات عادت إليها كل الأفكار والمشاعر التى ملأت نفسها بعد رؤية بول مع كاثى . وتصورت انها ترى ملابس تلك المرأة منثورة فى كل مكان ..... لذلك نهضت من السرير بسرعة واتجهت نحو الباب تريد مغادرة البيت فورا . وما ان وقفت حتى عجزت قدماها عن حملها . لكن ذراعى بول كانتا هناك لاسنادها ، ولم تعد تشعر الا بيديه القويتين حول كتفيها ...... ومع ذلك ظلت تقاومه والغيرة تأكل احشاءها .

قال بغضب :
" اذا واصلت هذه الحركات ستشعرين بالتعب والألم أكثر . من أين جاءت فكرة اننى رجل خائن ؟"

ضحكت بروك عاليا وهى تقول :
" اعتقد انك لم تر كاثى بينتون منذ مدة طويلة ؟ "

همهم بهدوء وهو ينظر إليها :
" انت تغارين اذن "

شعرت بروك انه اصاب منها وترا حساسا ،لكنها لم تهتم لذلك بل قالت بحدة :
" اتركنى من فضلك "

ظل محدقا فيها وهو يقول :
" لماذا اتركك ؟ انت خطيبتى ؟ "

قربها منه أكثر ، لكنها رفعت صوتها بالاعتراض :
" لا اريدك ابدا ، وأفضل العزوبية الدائمة على الزواج منك "

قال ساخرا :
" دعك من هذا الكلام . ماذا عندك ضدى فعلا ؟ "

نظرت إليه بتحد :
" انك رجل مغامر . كل اعمالك وشؤونك غامضة . لست أرغب بوضع لافتة ممنوع اللمس فى عنق زوج المستقبل . لكننى اريده وفيا أمينا .وأنت تعرف ان الأزواج أوفياء حتى فى هذه الأيام "

رد عليها بصوت غاضب :
" اننى اسمعك فلا ضرورة للصراخ . ولماذا لا ؟ انا أيضا يمكن أن أكون وفيا ، فلا تحاولى وضع العراقيل . واذا كنت اريدك زوجة لى ، فليعلم الله انى احاول جاهدا كى اكون زوجا وفيا "

قالت وكأنها تتأسف فعلا لعدم قدرتها على التجاوب معه :
" اننى أسفة ...من المستحيل ان أقبل "

لم يظهر كوريللى اية مشاعر تجاهها ،بل ظل هادئا ،يحدق فيها قائلا :
" اذن تريدين ان أحبك ، أليس كذلك ؟ "

صرخت وهى تبعد عينيها عنه :
" هيا ارحل عنى . دعنى بسلام ارجوك "

حملها بين ذراعيه وسار بها نحو السرير ، فى حين اغمضت هى عينيها وقلبها يخفق بشدة .

سألها بصوت قاس :
" ألا تريدين شيئا آخرا ؟ "

ردت دون أن تفتح عينيها :
" وهل من الضرورى ان تتصرف كالمجانين ؟ "

فتحت عينيها عندما انزلها من يديه . فاكتشفت انها اثارت فيه مكامن الغضب والثورة بكلامها الاستفزازى . ذلك ان عينيه كانتا تقدحان شررا وشفتيه ترتجفان بتوتر ملحوظ ،قال :
" دائما تهربين مثل طفلة صغيرة غبية "
ابتعدت عن يديه وهى تتأوه :
" آه ...... دعك من هذا الكلام "

سألها بالحاح :
" ماذا سيحدث الآن ؟ هل تشكريننى على انقاذى لك ؟ "

" يا لك من مجنون "

كانت بروك تتنفس بعمق وصعوبة عندما ضمها كوريللى بين ذراعيه وغيبها فى عناق طويل حار ، حاول خلاله ان يتصرف معها بنعومة فائقة . وحتى عندما انتهى المشهد ، لم تكن بروك لتدرك ان الذى وقع كان حقيقة ام خيالا . لقد عرفت ان كوريللى رجل شديد السيطرة على النساء اللواتى يتعامل معهن ،وهو قادر على رفعهن إلى الذروة بلمح البصر أو انزالهن إلى الحضيض فورا .

قال لها بجفاء :
" تصبحين على خير أيتها الآنسة . اتوقع الآن ان تستغرقى فى النوم ..... وتحلمى بى "

ردت غاضبة :
" لا ابدا .... لست من النوع الحالم اساسا "

ضحك بصوت ساخر :
" كان عناقا رائعا ...... وانا انتظر لقاءنا المقبل على احر من الجمر "

قالت :
" تصبح على خير يا سيد كوريللى . والافضل ان تواصل صداقتك مع كاثى .... فهذا سيجنبك العديد من المشاكل "

رد عليها بنعومة :
" لقد واجهت المشاكل طيلة حياتى .... ولست على استعداد الآن لخسارة افضل ممتلكاتى على الاطلاق . نامى الآن يا آنسة ، فانا أعرف كيف اتعامل معك "

لم تستطع بروك ان تجيب ، فقد غليتها احاسيسها المتضاربة ..... ولذلك دفنت وجهها المتعب فى الوسائد ، وراحت تستمع إليه يتكلم لوحده بالايطالية . فى هذه اللحظة جاءتها الرغبة بتعلم الايطالية خاصة وانها ممتازة باللغتين الفرنسية والالمانية .

سألها وهو واقف عند الباب :
" لا اظنك تبكين ايتها الصغيرة ؟ "

ردت عليه ساخره :
" اجل ، ابكى عليك . فمن المؤسف ان تعمد بيديك إلى تدمير بيت احلامك "

اجابها بهدوء وهو يغلق الباب :
" لا اظنك تفعلين ..... لست من هذا الطراز "

اجتاحتها رغبة عارمة بقذفه بشئ ما . لقد استطاع فى لحظات قليلة ان يدمر مقاومتها كلها . لم تعد تعرف الصواب من الخطأ ، والحق من الباطل ، والسئ من الجيد . انها تعرف شيئا واحدا فقط ،كوريللى قادر على التأثير عليها بشكل لا يصدق ، وهو لن يتركها بسلام الا اذا دفنت ما حدث معها الليلة فى عقلها الباطنى . لقد جعلها حادث السيارة ضعيفة ومهزومة ، والأخطر من ذلك انها الآن فى شقته فى غرفة نومه بالذات . عليها ان تنام . انها بحاجة للوقت كى تفكر بوضوح . ومن غير المحتمل ان يلاحقها طيلة اليوم.

رتبت الوسادة تحت رأسها واراحت جسدها المنهك . يجب الا تتخلى عن معركتها معه . صحيح انها سريره الآن ، لكن ليس كباقى النسوة ..... فهى مجبرة على البقاء بفضل جبروته وعناده . واستغربت بروك كيف ان افكارها كلها تتركز حول كوريللى فقط ، وكأن الأرض قد خلت الا من هذا الرجل الغريب .

بدأت أجنحة النوم تحوم فوق عينيها وهى غير قادرة على ابعاده عن ذهنها . ستكون معجزة فعلا اذا ما استطاعت ان تهرب منه ..... ولكنها اعتادت منذ طفولتها على الانتصار فى معاركها الحاسمة ، وعندما قرعت الساعة الفرنسية فى القاعة المجاورة معلنة حلول الساعة الرابعة صباحا ، كانت بروك قد اخلدت إلى نوم عميق .

ارجوك اطلق سراحى


ظلت بروك تعاني من آثار الحادث الذى وقع لمدة شهر كامل . وفى نهاية هذا الشهر وصلت لوسيا كوريللي إلى استراليا قادمة من كينيا برفقة أحدى قريبات العائلة .

قال لها بول بصوته الساحر :
" يجب ان تقابليها "

لم يكن بالامكان طيلة الفترة الماضية ان تتهرب منه , وهذا ما جعل ليليان فى قمة السعادة , تماما كما لو ان جدها الاكبر قد عاد الى الحياة . وبات بول يتردد على البيت كثيرا بحيث وجدت بروك نفسها تسأله فى احدى المرات عما اذا كان يحاول التقرب من امها بدلا منها . وحتى لويز كانت تظهر فرحها وسعادتها لوجوده فى البيت بينما هى تنتظر فارس الاحلام الاتى من الارض الانكليزية العريقة . اما بروك فقد كانت مسيرة وغير مخيرة , فالام معجبة جدا بكوريللي وتعتبر ان زواجه من بروك امر لا مفر منه وهو قريب الوقوع .

والغريب ان بول خلال زياراته المتكررة للبيت كان يحضر الزهور والحلوى والشوكولاته , لكنه لم يفتح سيرة الزواج مع بروك ابدا , بل كان يعاملها باللطف نفسه الذى يمارسه مع امها واختها . وحتى فى المناسبات التى خرجا فيها معا لقضاء السهرة , كانت تصرفاته رصينة مؤدبة وليست عاطفية على الاطلاق . لقد اخبرها ثانى يوم الحفلة انه لم يعلم بان كاثى بينتون آتية لزيارته , واكد لها انه لم يدعها للحفلة , بل لم تزر البيت من قبل ابدا ... لكن بروك وجدت صعوبة بالغة فى تصديقه . كما وانها لم تلم كاثي على تقربها منه , فهو ساحر وجذاب وغنى ايضا . ولاشك ان كاثي تحب بول , هذا ما تقوله لويز التى هى صديقة حميمة لكاثي . ومهما كان فإن سحره وجاذبيته وثروته لايمكن ان تترك اثرا على بروك المصممة على مواجهته بصرامة .
منتديات ليلاس
فى احد الايام جاء بول لزيارة العائلة حاملا معه طبقا من الخزف الصينى الذى يعود تاريخه الى القرن السابع عشر , وكان هذا الطبق قد بيع من ضمن ما اضطرت العائلة لبيعه خلال المدة الماضية .

صرخت ليليان وهى تطلب من بروك ان تسكب لها فنجانا ثانيا من القهوة :
" أليس الطبق رائعا ؟ "

ردت بروك بخبث :
" اعتقد ذلك . لكن هذا الطراز لا يعجبنى "

رفعت ليليان رأسها الجميل بنعومة وضحكت قائلة :
" يا لهذه النكات السخيفة . وكما يقول بول انت تفكرين بطريقة مختلفة تماما "

سألت بروك :
" ماذا سنفعل بشأن لوسيا ؟ "

أجابت ليليان ضاحكة :
" ما رأيكم لو اقمنا حفلة بمناسبة حضورها ؟ من الصعب استيعاب العديد من الناس فى الشقة الصغيرة ., بينما وينترسويت قادر على احتضان الجميع خاصة وانها ستقيم هنا عندما لاتكون فى المدرسة "

قالت بروك بمرارة :
" ولكننا لم نتعرف اليها بعد . لعلها ناضجة بما فيه الكفاية , فالجنس اللاتينى ينمو بسرعة , أليس كذلك ؟ قد تكون مختلفة تماما عن توقعاتنا "

سألتها ليليان وقد نفد صبرها :
" وما الفرق ؟ كل الفتيات يحببن الحفلات ! هذا أقل ما يمكن ان نفعله لها بعد كل ما قدمه بول لنا من خدمات , خاصة وانه يحبها جدا . لقد اخبرنى انه رآها مرتين فقط خلال السنوات الاربع الماضية . يا لها من طفلة مسكينة . يبدو ان عمتها امرأة طيبة القلب , لكن لا بديل عن عطف الأم وحنانها . "

التمعت دمعة فى عيني ليليان , مسحتها بيدها واضافت :
" هل حدثك عن ام الابنة ؟ انا لا اجد الشجاعة لسؤاله "

قالت بروك :
" مرة واحدة فقط . واعتقد ان الموضوع مؤلم جدا بالنسبة له "

لم تذكر بروك لأمها ان الطفلة هى ابنة غير شرعية . فالناس يعتقدون . وليليان منهم . انه كان متزوجا من قبل , وهى لا تريد ان تغير اعتقادهم .
وحدها ماجى تعرف التفاصيل , وليس من شيم هذه الصديقة الوشاية أو افشاء الاسرار.

وكما توقع الجميع , مر بول عليهم فى احد الايام وسألهم ما اذا كانوا مستعدين لاستقبال لوسيا وقريبته كارلا من اجل التعارف . وقد اقترحت بروك ان يحضرا جميعا لتناول العشاء فى اليوم التالى . ودعهم بول بعد ان همس كلمات الشكر فى اذنى بروك التى لاحظت ان صوته جذاب مثل طلعته تماما , وانه قادر على اثارة العين والاذن وكل الحواس الاخرى .

رفضت بروك باصرار احضار خدم لاعداد المائدة واصرت على ان تعد كل شئ بنفسها . كانت قد قررت ان لا تجعلها مائدة باذخة , بل عشاء يناسب الظروف الراهنة . اما لويز وليليان فقد هربتا من المطبخ تاركين المهمة على عاتق الاخت الصغرى . فبروك تحب الطهو , وهى مصممة على دراسة فن الطهو على اصوله فى مرحلة لاحقة من حياتها . وبعد نقاش وجدال اتفقت مع امها على قائمة الطعام لهذه السهرة الخاصة . فقد ارادت بروك ان تجعل ابنة بول تشعر وكأنها فرد من العائلة .

قبل حوالى نصف ساعة من موعد حضور الضيوف , ألقت بروك نظرة اخيرة على ترتيبات غرفة الطعام , واطمأنت الى ان كل شئ على خير ما يرام ... خاصة الطاولة الخشبية التى صنعت لتستوعب ما لايقل عن اربعين شخصا , ولتوضع فى منزل وينتر سويت فقط . ونظرت بروك الى المرآة الموجودة فى صدر حائط غرفة الطعام تتأمل شكلها استعدادا للقاء الزوار . كانت ترتدى فستانا أبيض هو البديل الذى اصر بول بلطف ان يشتريه لها مكان الفستان الذى تمزق خلال حادثة الغرق . وفوق الفستان وضعت شالا ابيض اظهر قوامها الرشيق , بينما اعطى شعرها الاخمر المنهمر انعكاسا ساحرا على الابيض الناصع ... هناك شئ آخر مميز عند بول , الا وهو قدرته على الاختيار بذوق رائع.

وقبل ان تبعد بروك نظرها عن المرآة , دخلت عليها امها وهى تصفق بيديها كطفل تلقى للتو هدية قيمة :
" يا لهذه المائدة الجميلة . انت حقا فنانة يا حبيبتى "

ردت بروك :
" شكرا يا امى . انت تبدين رائعة "

اجابت ليليان وهى تتلمس تسريحة شعرها بدلال :
" هذا لطف منك ياعزيزتى . هل تعتقدين ان شعري قصير ؟ "

" ابدا . انه جميل جدا . لايبدو عليك وكأنك تجاوزن الثامنة والثلاثين "

" احمد الله اننى على صحة جيدة , واحصل دائما على حاجتى من النوم . فى العشرين كنت فاتنة , بل حتى اجمل من لويز اليوم . وبالمناسبة , تبدين انيقة جدا هذا المساء . انا اقول ان الحب يضفى على المرأة بريقا خاصا "

لم تشأ بروك ان ترد على امها , خاصة عبارتها الاخيرة . فليليان تبدو سعيدة الليلة , مثل فتاة صغيرة لا تريد ان تخرج من عالم الاحلام الذى تعيش فيه , وليس من الضرورى ان تفسد عليها مزاجها . بعد قليل وصل نيجل وباتريك , فاسرعت لويز بفستانها الازرق لاستقبالهما . وقد جاء هذان الشابان بناء على دعوة من ليليان التى ارادت ان تحفظ التوازن بين الجنس الخشن والجنس الناعم .

دخلت بروك الى المطبخ لالقاء النظرة النهائية على الطعام , فى حين كانت لويز تتبادل الاحاديث المختلفة مع الشابين اللذين وصلا للتو . ثم تبعها نيجل الى المطبخ للسلام عليها , قائلا :
" هل استعدت السيارة يا عزيزتى ؟"

ردت بروك بلطف :
" ليس بعد . لقد تولى بول كل شئ . فالسيارة مصابة باضرار فى المقدمة , وكان من الصعب العثور على قطع غيار لها , فاضطر لطلبها من لندن "
علق نيجل قائلا :
" هذه فوائد ان يكون المرء مليونيرا " . ثم تقدم باتجاه طاولة اعداد الطعام متسائلا :
" لا اظنك اعددت كل هذه الاصناف بنفسك ياعزيزتى ؟ "

قالت بغرور :
" كل شئ في يوم واحد ! الطعام والحلويات وكل شئ "

" وماذا ايضا ؟ "

" صينية اللحمة , خبز بالثوم , الارز المطبوخ والسلاطة على الطريقة الايطالية "

هتف نيجل بحماس :
" رائع . لست فقط طباخة ممتازة , بل ايضا العقل الذى يعمل "

قالت بروك :
" السمك والصدف هما المقدمة " . وفجأة استدارت نحو الباب متسائلة :
" هل تسمع أصواتا ؟ "

انصت نيجل ناحية الباب ثم قال :
" الافضل ان نذهب . وقبل ان ننضم الى المجموعة دعينى ارتب لك الشال ... فالصورة يجب ان تكون مكتملة "

استدارت ببطء , لكنه بدلا من ترتيب الشال وضع كفيه على كتفيها وقال :
" هم .. يا لهذه الرائحة السحرية . ما هو عطرك يا عزيزتى ؟ "

" ان تصرفاتك غير لائقة .. عطرى هو جان باتو "

قال نيجل :
" هذا ما اعتقدت . هل ترتدين سماع ما افكر فيه ؟ "

ردت بروك بحزم وهى تفكر ما اذا كان من الضرورى ان تصرخ فى وجهه :
" لا اريد سماع شئ "

لم يكن نيجل راغبا فى قصر الحديث , فقال :
" حسنا , اراهن على انك تفكرين فى الزواج من كوريللي "

" فى هذه الحالة عليك ان تتركها فورا "

كان الباب مشرعا , وهناك وقف كوريللي حاملا مجموعة من الهدايا , ينظر الى نيجل بغضب ينذر بشرر متطاير .

قالت بروك بنعومة فى محاولة لترطيب الجو المتوتر :
" انا أخطأت ... انا السبب فى ذلك "

قال بول متعمدا اللطف :
" شكرا لك يا نيجل "

ولم يكن نيجل ليحتاج الى اكثر من نظرة واحدة من عينى بول الحادتين , فاتجه الى الباب قائلا :
" لا تتركونا ننتظر كثيرا "

خيم صمت ثقيل للحظات , قطعته بروك قائلا :
" علينا ان ننضم اليهم . هل تسمح لى بالمرور ؟ "

انحنى لها , ثم وضع الاغراض على احدى الطاولات , ولما حازته أمسكها بذراعها بشدة .

سألته وقد أفزعها نظراته الحادة :
" ماذا فى الأمر ؟ "

اجابها بوضوح :
" لا فائدة من العبث مع واتلينغ . لست خطيبتى بعد . لكن من الافضل له ان يبتعد عنك ... واريدك ان توصلى له هذه الرسالة "

أجابته باستغراب :
" انك تمزح ولا شك "

رد بحزم بحيث اضطرت بروك الى التراجع , قال :
" ابدا . انا جاد تماما "

غيرت بروك مجرى الحديث قائلة :
" انها امسية رائعة . فهيا بنا ننضم الى الجميع كى اتعرف الى ابنتك "

" معك حق , هيا بنا "

ابعد يده عن ذراعها فجأة فأحست كم كان سجينا واطلق سراحه .
عليها ان تشكره على الهدايا التى احضرها معه , لكن شيئا ما فى اعماقها كان يمنعها من ذلك .

ثم قال لها بصوت عادى :
" تبدين صارخة الجمال هذه الليلة "

ردت عليه مستعملة الاسلوب نفسه :
" كان اختيارك للثوب موفقا "

وافق بجفاء :
" صحيح . انت الآن جميلة بقدر ما انت عنيدة . هيا بنا ايتها الصغيرة كى اعرفك الى لوسيا وكارلا . فلوسيا بأمس الحاجة الى صديقة تلجأ اليها "

شئ ما فى كلماته حطم الى حد بعيد جو العداء الذى كان مخيما عليهما .
فعندما دخل الى المطبخ منذ قليل , سبب لها على الفور شعورا بالخوف لا يوصف . وخلال لحظات استطاع ان يغير مسار الامور بحيث جرها الى عالم عاطفى خطير . لقد لاحظت من تعابير وجهه انه يحب ابنته ويريد لها كل الخير , وهذا ما توافقه عليه تماما .

كان الجميع ينتظرون فى الصالة الصغيرة ريثما تحضر بروك برفقة كوريللي من المطبخ .

صرخت ليليان بنبرة قلق :
" اخيرا يا حبيبتى . تعالى اعرفك على لوسيا وكارلا "

كانت لويز تقف الى جانب امها بحياء . ثم اقترب بول ليتولى مسؤولية التعريف . لم تستطع بروك ان تخفى دهشتها عندما شاهدت ابنة بول . فقد كانت تتوقع ان ترى امامها نموذجا للجمال الايطالى , خاصة اذا قارنت الابنة بالاب الجذاب . لكن لوسيا كانت ضعيفة , قصيرة القامة , خجولة ... وان اخذت من ملامح ابيها عينيها السوداوين الحادتين وشعرها الاسود الطويل .

قالت بروك مخاطبة الصغيرة بنعومة واضحة :
" كيف حالك يا لوسيا . كنت انتظر هذه اللحظة منذ مدة "

رفعت لوسيا عينيها بخجل وقالت :
" هذا لطف منك ! ابى محق عندما قال انك رائعة الجمال " . ثم التفتت الى لويز وليليان متابعة : " كلكن جميلات "

اخذت ليليان يد لوسيا وربتت عليها بحنان قائلة :
" انك طفلة طيبة "

صحيح ان لوسيا كانت خجولة ومرتبكة بعض الشئ , الا ان كارلا استطاعت ان تندمج فى المجموعة ...ثم راحت تتمعن فى بروك وكأنها تتفحصها من قمة رأسها حتى اخمص قدميها . واخيرا على ما يبدو قررت لنفسها ان بروك غير مناسبة لكوريللي .
وانتقلت الى رفقة الاخرين .

انهمكت كارلا فى اخبار الآخرين عن اللطف الذى احاطها به كوريللي عندما كانا فى كينيا قبل سنوات طويلة . اما نيجل فكان يقف على مقربة من النساء يستمع الى احاديثهن باستمتاع بينما بدا على باتريك الاهتمام بحيوية كارلا وجمالها الخاص . وقد شعرت لويز بنوع من الغيرة من هذه الزائرة الغريبة , ليس لأنها تعلق امالا كبيرة على الشابين بل لانها ترغب فى الاحتفاظ بمعجبيها على طول الخط .

تلقت بروك عدة نظرات قاسية متفحصة من قبل كارلا وهما على طاولة العشاء . لم تكن تلك المرأة الايطالية جميلة كما اعتقد الجميع للوهلة الاولى , لكنها جذابة بشكل لا يصدق وهذا واضح من تقاطيع وجهها المتناسقة .
وسرعان ما اندمجت كارلا فى المجموعة مركزة اهتمامها بنجيل وباتريك ... طبعا بدون ان تنسى بول الذى حظى منها بالتفاتات خاصة تدل على انهما عرفا بعضهما جيدا فى كينيا . ولاحظت بروك ان تصرفات كوريللي ظلت عادية فى مواجهة الجميع . فاذا ما كانت كارلا قد ارادت ان توحى للآخرين بوجود شئ خاص مع بول , الا ان شخصية هذا الاخير جعلت محاولاتها تقف عند حد معين .

كانت اصناف الاطعمة التى حضرتها بروك جيدة فعلا . ولم تدع ليليان فرصة تفوت الا وامتدحت فيها جهود ابنتها وذوقها الرائع . اما كارلا فقد اعترفت وان مجبرة بقدرة بروك على طهو الطعام اللذيذ , لكنها اشارت الى انها هى ايضا طباخة ماهرة . وهنا اقترح نيجل ان تبرهن على اقوالها فى وقت قريب .

وتعم الجميع , باستثناء كارلا , اعطاء اهتمام خاص للوسيا بحيث افسحوا لها مجالا لتناول طعامها بهدوء وفى الوقت نفسه الدخول معها فى احاديث متنوعة عن البلاد الجديدة التى جاءت اليها . وقد كانت لوسيا ترتدي فستانا زيتي اللون انعكس شحوبا على وجهها الصغير , بحيث تساءلت بروك فى سرها عن الاسباب التى منعت كارلا من اختيار ثوب مناسب لتلك الصغيرة تماما مثلما اختارت لنفسها .
منتديات ليلاس
بعد انتهاء الجميع من طعامهم , احضرت بروك القهوة من المطبخ .
وبينما هى توزع الفناجين لاحظت ان بول ينظراليها باعجاب واضح . التقت نظراتهما للحظات .

كانت كل ملامح كوريللي تبتسم لها . وقبل ان تبعد عينيها عنه لشعورها بالاحراج , انتبهت الى ان كارلا كانت ترمقهما بنظرات حادة وكأنها تمزق البسمات المتبادلة بينهما . وهنا نهض بول لمساعدتها فى توزيع الفناجين بينما الجميع مسرورن للسهرة الناجحة جدا .

ما ان حلت الساعة الحادية عشرة حتى بدأ الحضور بالاستعداد للرحيل . وعند الباب اقترب بول من بروك فجأة وعانقها بلطف . كانت الحركة مفاجئة بحيث تضرجت وجنتا لوسيا خجلا , اما كارلا فقد اكفهرت غضبا وشحب لونها على الفور .

وعندما غادر آخر ضيف البيت , همست لويز فى اذن اختها بحماس :
" انها غيرى ... اؤكد لك انها غيرى "

قالت ليليان وهى تنظر الى بول .
" يالها من طفلة مسكينة . لم اشعر بالاحراج فى حياتى مثلما شعرت به اليوم . من يصدق ان لبول ابنة بسيطة ساذجة على هذا الشكل ؟ كدت اعتقد للوهلة الاولى ان كارلا هى ابنته , لكننى تأكدت من خطأى عندما دخلت الى القاعة المضاءة . ولاشك ان كوريللي لاحظ ذلك "

اغلقت بروك الباب الخارجى , ثم توجهت مع امها واختها الى القاعة وهى تقول :
"اعتقد انها كانت حفلة ناجحة , اما لوسيا فهى فتاة حلوة ومتواضعة "

علقت ليليان وهى تطفئ الانوار :
" بل خجولة جدا , بعكس الآنسة كارلا دي كامبو . واعتقد انه من الافضل لك ولبول الزواج بأسرع وقت ممكن "

قالت لويز وهى سارحة فى أحلامها :
" تبدو القصة وكأنها حلم ساحر "

أجابت بروك بحدة :
" حلم غبى ساحر على ما اعتقد "

تنهدت ليليان قائلة :
"ارجوك يا حبيبتى لا ضرورة للثروة . انا متأكدة ان قلبك فى المكان المناسب . فبول سيقدم لنا حياة افضل . كما وان لوسيا الصغيرة ستشعر بالضياع اذا لم يتقدم احد لمساعدتها والاخذ بيدها . فهى لا تستطيع حتى اختيار ملابسها او تسريح شعرها . اقصد ان بول انيق جدا , ملابسه جميلة مميزة وتسريحته عصريه ... بينما لم تستطع لوسيا ان تختار ثوبا يناسب الحفلة "

اعترفت بروك :
" كان من الممكن ان تقدم لها كارلا بعض النصائح , لكن يبدو انها لا تهتم الا بنفسها وببول "

قالت ليليان :
" لو كنت مكانك لتزوجته على الفور . انا ذاهبة الى الفراش الآن , واتمنى يا لويز ان تقدمى يد العون لاختك "

اعترضت لويز وهى تنظر الى يديها الناعمتين :
" بشرك ان لا اقوم بالجلى "

ردت بروك بجفاء :
" هذا يبين لك كم انت جاهلة بشؤون المطبخ .. فنحن نملك جلاية كهربائية "

قالت لويز بدهشة :
" لكننى شاهدتك تجلين يدويا عدة مرات ؟ "

وافقت بروك :
" عندما يحلو لى الامر افضل ان استعمل يدى , بالاضافة الى ان الجلاية تصرف الكثير من الكهرباء عند استعمالها بصفة مستديمة "

لكن لويز لم تسمع شيئا , بل انهمكت بفحص الهدايا التى تركها كوريللي فى المطبخ .

فى صباح اليوم التالى اتصل بول هاتفيا ليقدم شكره على سهرة العشاء الرائعة . وكانت بروك هى التى تلقت الاتصال كونها استيقظت ابكر من امها واختها . وبعد ان تحدث بول اعطى السماعة لكل من لوسيا وكارلا لتقديم الشكر بدورهما . وطوال الطريق الى المدرسة , كانت بروك تفكر فى مشاعر الصداقة المصطنعة التى عبرت عنها كارلا هذا الصباح . ووسط افكارها المتضاربة كان هناك نوع من الارتياح لان كارلا تقيم فى شقة بعيدة عن شقة بول . واستغربت بروك كيف تم اختيار كارلا من بين كل النساء لمرافقة لوسيا الى استراليا . خاصة وانها مرتبطة ببول بشكل أو بآخر.

وراحت بروك تفكر بعمق فى الايجابيات التى ينطوي عليها الزواج من بول , حتى وان كانت غير محبذة لهذه الفكرة . فهى ستكون سيدة بيتها فى وينترسويت , وليليان ولويز ستتمتعان بكل الراحة الممكنة . كما وان بول ملحاح ولن يتخلى عنها بسهولة .

وماذا عن لوسيا ؟ خفق قلب بروك بشدة عندما فكرت بهذه الصبية المسكينة التى تحتاج الى العطف والرعاية والمحبة . ولاشك انها كانت وحيدة بعيدا عن ابيها المشغول دائما . وتساءلت بروك عما اذا كانت لوسيا تعرف تفاصيل حياتها الحقيقة ام ان اباها حور لها الاحداث كي تناسب فهمها وادراكها ؟ وبقدر ما قلبت المسألة فى ذهنها بقدر ما وجدت أنه من الضرورى معرفة المزيد عن ام لوسيا . لربما كانت على قيد الحياة ؟ لربما هى فى مكان ما تخطط للانتقام ؟

مر الفصل الدراسى بسرعة غريبة . وقد اغلقت المدرسة الخاصة التى تعلم فيها بروك ابوابها فى شهر تشرين الثانى , وبات باستطاعتها ان تمضى وقتا اطول مع لوسيا . ففى خلال الشهر الماضى , انشغل بول فى عدة رحلات بعيدة , وقد احست بروك ان كارلا لا تهتم بها بما فيه الكفاية بابنة عمها لوسيا . اذ انها امضت ايامها فى تلبية الدعوات والزيارات المختلفة , بينما ذات السادسة عشرة ربيعا معزولة عن المجتمع والاحداث والناس .

فى الاسبوع الاول من الاجازة اتصلت بروك هاتفيا ببول فى المكتب ., فوجدت انها مثل كل الناس تحتاج الى موعد لمقابلته . وبشئ من الغضب استمعت صامتة الى السكرتيرة وهى تحدد لها موعدا . وكانت على وشك ان تضع السماعة لولا انها مهتمة بلوسيا وتريد ان تساعدها فى وحدتها المزعجة هذه .

دهشت بروك لروعة المكاتب التى تحتلها شركة كوريللي , خاصة وانها تزورها للمرة الاولى . اجلستها السكرتيرة فى غرفة انتظار انيقة ريثما تبلغ بول بحضورها . فى هذه اللحظات شعرت بروك بالاحراج الشديد . الا يمكن ان يعتقد ان هناك املا يرتجى منها طالما انها تهتم بلوسيا الى هذا الحد ؟

وكيف سيتقبل تدخلها فى حياة ابنته ؟ لقد كانت تصرفاته معها خلال الاسابيع القليلة الماضية قائمة على الشأن العملى اكثر من كونها علاقة حب ! لعله ابعد عن ذهنه نهائيا فكرة الزواج منها , فغير موقفه دون ان يضطر الى اعطاء السبب ؟

قطعت السكرتيرة حبل افكار بروك قائلة :
" السيد كوريللي سيراك الآن . اعتذر للتأخير , فدائما هناك شئ طارئ فى هذه المكاتب "

اغلقت السكرتيرة الباب خلف بروك التى توجهت للسلام على بول الذى تقدم للترحيب قائلا :
" لم اتوقع ان تقدمى على زيارتى يا بروك "

" انا لا اصدق اننى هنا . لقد انتظرت اكثر من خمس عشرة دقيقة فى الخارج "

اعتذر منها مبتسما , ثم قادها الى مقعد جلدى وثير بالقرب من النافذة .

قالت بروك وهى ترتب جلستها :
" لا اعتقد اننى شاهدت فى حياتى مثل هذا المكتب الانيق "

جلس بول قبالتها وقال :
" شكرا لك يا آنسة هاول . لا اظنك جئت الى هنا للحديث عن المكتب ؟ ماذا فى الامر ايتها الصغيرة العزيزة , هل جئت لابلاغى باستمرار رفضك للزواج منى ؟ "

رفعت رأسها لتواجه نظراته الساخرة :
" الحقيقة اننى هنا للحديث عن لوسيا "

رد باستغراب :
" عن لوسيا ؟ "

" طبعا الامر فى النهاية يعود اليك "

قال ساخرا :
" كنت اتحرق للحديث عنا نحن , لكنى اظن ان لوسيا تستحق كل الاهتمام "

تنهدت بروك بصوت مسموع :
" يبدو انك عدوانى اليوم "
انحنى نحوها فجأة وامسك يدها بكلتا يديه :
" ابدا . لعلك خيبت ظنى الى حد ما , لست أريد اجبارك على الزواج منى , لكننى اعطيتك الوقت الكافى للتفكير "

هزت بروك رأسها بنفاد صبر وقالت :
" ارجوك يا بول , هلا تكلمنا عن لوسيا ؟ اعرف انك مشغول جدا , لذلك لا اريد ان آخذ من وقتك الكثير "

" حسنا . هيا ابدأى الحديث .. " ثم راح ينقل عينيه عليها الى ان وصل الى قدميها فقال : " ان قدميك جميلتان جدا "

ردت بغضب وقد تجمعت سحب العاصفة فى عينيها :
" انك تبالغ فى اطرائك "

" انت كثيرة العقد يا عزيزتى ... وسوف احلها لك واحدة واحدة . انت امرأة جميلة وجذابة ومرغوبة , ومع ذلك تجدين الامر مفزعا "

قالت وهى تعض شفتها السفلى :
" صحيح ... وخاصة معك انت "

رد بحدة :
" هذا شئ مهم ... ماذا عن لوسيا ؟ "

امتلأت عيناها بالاهتمام والعطف وهى تقول :
" هل تسمح لى بمرافقة لوسيا الى السوق ؟ واذا لم يكن عندك مانع فانا اريد ان اقص لها شعرها ؟ وبما ان الصيف على الابواب فانها تحتاج الى اشياء كثيرة للمناسبات التى قد تدعى اليها " . تمهلت فى الكلام قليلا وهى تراقب تعابير وجهه , ولما لاحظت انه غير غاضب تابعت تقول : " مارأيك بهذه الأمور ؟ "

رفع يدها الى فمه وقبلها بلطف قائلا :
" سوف تكونين اما رائعة "

همست بروك وهى تحس بالنار فى يدها :
" اذن انت لا تمانع "

اجاب :
" طبعا يا حبيبتى . ولا ضرورة للقول ان الأب سيدفع "

سحبت يدها بقوة من بين يديه وقالت :
" ممتاز . سأخبر لوسيا بموافقتك "

قال فجأة وقد تغضن جبينه :
" هناك شئ واحد فقط . الا يمكنك ان تشكرينى ؟ "

وقفت بتوتر وقالت :
" طبعا ... طبعا . شكرا لك "

نهض على قدميه فى مواجهتها وحدق مليا بوجهها الذى تضرج بحمرة الخجل وقال :
" قالت لى لوسيا انها تراك جميلة ولطيفة . انها معجبة بك , واعتقد انها على استعداد لان تحبك ... وبهذه المناسبة ارى انه بات من الضرورى تحديد موعد لزواجنا "

" كنت اتمنى ان تتناسى هذا الموضوع تماما "

رد ببرودة :
" لا تكونى مغفلة ايتها الصغيرة . فأنا اريد عرسا ضخما كى اخبر احفادى فى المستقبل كم ان جدتهم كانت جميلة ورائعة "

ضغط بول بكفيه على كتفيها , فسكنت بين يديه مرعوبة ... ثم سألته فى محاولة لتغيير مجرى الحديث :
" ما اسم والدة لوسيا ؟ واين هى الآن ؟ "

امتلأ وجه بول فجأة بملامح الحزن العميق , لكنه لم يظهر ذلك فى كلامه الواضح :
" اسمها لوسيا أيضا . كانت فى الثامنة عشرة من عمرها عندما ماتت , وما زلت احمل نفسى مسؤولية وفاتها . كنت اريد الزواج منها , لكنها ذهبت بعيدا وانتظرت كي تضع مولودها . لم اعرف مكانها الا بعد فوات الاوان , جاءت الطفلة قبل الميعاد المحدد , وماتت الام قبل ان اصل اليها , اذ كانت تعيش مع زوجين عجوزين عرفا اسمى وعنوانى صدفة فارسلا فى طلبي . لايمكن ان تتصورى كيف شعرت انذاك . مسكينة لوسيا ... كانت تعتقد اننى لا احبها , وكانت تدرك اننى فى طريقى الى النجاح , لذلك لم ترغب فى ان تكون عائقا فى طريقى "

قالت بروك بأسى واضح :
" انا شديدة الأسف "

ثم عادت الى الجلوس فى مقعدها من فعل الصدمة وهى تقول :
" هل تعرف لوسيا هذه التفاصيل ؟ "

" تعرف اننى كنت سأتزوج امها لو انها ظلت على قيد الحياة . اقسم على هذا . صحيح اننى معروف فى القرية بعلاقاتى الكثيرة , لكن احدا لا يشك بشرفي . كانت لوسيا طفلة , ظلا ضئيلا يلاحقنى فى كل مكان , عينين واسعتين تذكرانى بالام التى رحلت . حاولت تناسى الامر , لكن القلق لم يفارقنى . كانت مثل ابنتى لوسيا , حساسة وخجولة ... تعيش من اجل الرجل الذى تحب . ومأساتها الحقيقية انها احبتنى انا "

" لاشك انها كانت شجاعة حتى وهى فى قمة اليأس . هل لها عائلة ؟ "

أجاب بقسوة :
" لم يكن عندها احد ليهتم بها . وهكذا صرت تعرفين قصة لوسيا ... انها قصة غير مسرة على ما اعتقد ؟ "

كان بول حزينا . الرجل الثرى الجبار ذو الوجه الساخر ما زال يعانى من آثار الصدمة . قالت له :
" على الاقل , ابنتك عندها هذا الاب "

" كدت اجن وانا افكر بعد سنوات من رحيل لوسيا كيف انها ماتت وحيدة معزولة , وهذا ما دفعنى للتمسك بابنتى بالحاح . من أجلها صنعت ثروتى , ومن اجل الابن الذى اريد انجابه فى المستقبل ... ولذلك اريد الزواج منك " . تردد قبل ان يتابع :
" انت لست انانية , بل امرأة مليئة بالعواطف والاحاسيس . أريد جوابك الآن , فانا لست على استعداد لمطاردتك مثل كلب الصيد . متى ستتزوجيننى ؟ "

شعرت بروك بالعرب يملأ اوصالها من عينيه الحادتين الغاضبتين . لم تكن قادرة على تحدى بول لكونها لن تتزوجه . فقد كان صوته مليئا بالعنف , ونفسه مليئة بالارادة ... وبدا وكأنه مشمئز من المماطلة والتسويف اللذين تمارسهما بحقه . ووجد بروك ان افضل اسلوب للتعامل معه هو اللين والدبلوماسية , فقالت بصوت لطيف :
" ارجوك يا بول "

قاطعها بغضب وهو يقبض على ذراعيها بقسوة :
" لا أريد رجاءك . كم سيستغرقك الامر للاستعداد للزفاف : شهر , ستة أسابيع ؟"

استطاعت ان تنطق من بين مشاعر الخوف :
" ستة اسابيع "

اطلق سراحها قائلا :
" فليكن ذلك هو الموعد المحدد "

صرخت بروك بعد ان استعدت حريتها ورباطة جأشها :
" اذن هذا هو الموعد المحدد . كوريللي يشتري كل شئ تراه عيناه : أنا , البيت . قطعة أرض ... "

كان الغضب يملأ شرايينها . فها هى ضعيفة أمام الرجل الذى يملك كل شئ ... ويملكها أيضا . وبكل الحنق الذى الذى تختزنه فى نفسها حملت حقيبة يدها وحاولت التوجه الى الباب , لكنه سحبها نحوه بقوة مفاجئة بحيث وجدت نفسها مسمرة بين ذراعيه .

قال بحدة :
" ما الذى يجعلك تتصرفين هكذا ؟ انك مثل الوردة التى تحيط بها الاشواك ؟ فى البداية قلت انك تكرهيننى بشدة ... اما الآن فانت غاضبة لاننى لا اعانقك كما ترغبين "

صرخت وهى تحس بعمق الاهانة :
" اننى لست واحدة من نسائك العديدات "

تقلص وجهه وهو يقول :
" انت امرأتى الخاصة , ومن الافضل لك ان تعرفى ذلك "

وفجأة غابت الدنيا عن ناظريها , اذ اقترب نحوها بسطوة واضحة وعانقها بقوة لم تعهدها من قبل . لم تكن قادرة على المقاومة , فخطوته المفاجئة اربكتها من جهة وجعلتها تغيب فى مشاعر لذيذة من جهة اخرى .
وقد حدث كل شئ بسرعة فائقة بحيث ظلت للحظات ملتصقة به دون ان تستطيع عنه فكاكا . واخيرا ابتعدت عنه لاهثة وقالت :
" لقد وعدت بانتظارى حتى اكون جاهزة "

نظر اليها متمعنا :
" لست مستعدة بعد ؟ "
صرخت دامعة العينين :
" انك لا تحبنى , وانا لا احبك انه زواج فاشل "

تراجع بول الى الوراء كي يتناول سيكارة من على الطاولة وهو يقول :
" وهل تتمنين ان نحب بعضنا ؟"

" لقد اخبرتك من قبل انه من الخطأ الزواج بدون حب "

قال بلهجة من يستجوب شخصا آخر :
" لكنك لا تسمحين لى بذلك . فانا اريد امرأة واحدة وليس ست او سبع نساء كما تعتقدين . دعينى ارعاك وكأنك فتاة صغيرة , واعدك بأننى سأكون عند حسن ظنك "

سألته بحماس :
" هل تتعهد بذلك فعلا ؟ "

" فقط حتى وصولك الى مرحلة اكتشاف الذات "

" اذن سآخذ كلامك على محمل الجد "

ابتسم بهدوء وقال :
" طبعا . ان امك تحب ان تتولى كل الترتيبات بنفسها . وانا اريد ان يقام حفل استقبال الزفاف فى وينترسويت "

تخضبت وجنتا بروك بالدم وهى تتناول حقيبة يدها قائلة :
" اذا كانت عندك قرارات جديدة ,. فدعنى اسمعها الآن رجاء "

رد دون مبالاة :
" يالك من طفلة مسكينة . على كل , انا ممتن لاهتمامك الكبير بابنتى . انها تعتقد اننا غارقان فى الحب ... فارجو ان لا تدمرى لها هذا الاعتقاد "

قالت بروك فجأة :
" وماذا عن كارلا ؟ "

تجهم وجه بول للحظات , ثم عاد الى هدوئه قائلا :
" وما دخل كارلا فى هذا الموضوع ؟ "

سارت بروك نحو الباب وهى تقول :
" ما الذى يجعلها تتمتع بالحقوق التى تمارسها الآن ؟ "

رد ساخرا :
" القليل من الغيرة لن يؤذيك . لكن كيف تكون هناك غيرة حيث لا وجود للمشاعر ؟"

لم تجب بروك على عبارته الاخيرة , واكتفت بالقول وهى واقفة عند الباب :
" سآخذ لوسيا الى السوق اليوم اذا لم يكن عندك مانع . هناك مجموعة من تلميذاتى حضرن لزيارتى من برنتليه وانا اريدها ان تلتقى بهن عندما تكون مستعدة , اذ انها بحاجة الى رفقة فتيات من العمر نفسه . فيما بعد سنناقش ما قررت بشأن اكمال دراستها , مع اننى افضل برنتليه ذات الشهرة المعروفة " . سكتت قليلا كي ترجع خصلات شعرها الى الخلف ثم قالت :
" اعتقد ان حمرة الشفاه زالت عن شفتى , أليس كذلك ؟ "

حدق فيها طويلا ثم ضحك :
" لنقل انه لايبدو عليك انك استاذة مدرسة "

ودعته بسرعة وهى تقول :
" سأعيد وضع احمر الشفاه فى وقت لاحق ... وداعا الآن "

كانت رحلة السوق رائعة جدا لولا انا كارلا اصرت على مرافقتهما , رغم ان لوسيا لم تكن راغبة بذلك بشكل غير مباشر . وهكذا وجدت الصبية نفسها ممزقة بين الانطلاق والارتياح لبروك وبين المعاملة الساخرة التى تلقاها من ابنة عمها . واخيرا قررت بروك ان تفتح الموضوع مهما كان الثمن . فالفستان الذى قاسته لوسيا اخيرا كان رائعا الا انه لم يعجب كارلا التى طلبت اختيار غيره . وعندما ذهبت لوسيا لتغير الفستان , قالت كارلا وهى تجلس فى مقعد وثير :
" يا لها من طفلة ساذجة مسكينة "

ردت بروك بلهجة اقسى مما كانت ترغب :
" يجب ان لا تزعجيها . فيمكن ان تصبح جذابة جدا اذا اعطيناها الفرصة المناسبة "

أجابت كارلا بحدة :
" هذا اعتقادك ! قولى لي , لماذا تفعلين هذا ؟ أمن اجل بول هذا الاهتمام بالابنة ؟"

 
 

 

عرض البوم صور زونار   رد مع اقتباس
قديم 10-04-09, 03:53 PM   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2008
العضوية: 103835
المشاركات: 336
الجنس ذكر
معدل التقييم: زونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 502

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زونار غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زونار المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

قالت بروك بحزم :
" من اجل لوسيا فقط . اننى احبها , خاصة وانها لا تملك السلاح الكافي لمواجهة اناس مثلك . فمع انك ابنة عمها , الا انك تفعلين كل ما بوسعك من اجل تدمير ثقتها بنفسها "

احتقن وجه كارلا بالغضب وهى تقول :
" كلام سخيف .. فأنا اداعبها فقط . اننى لست ابنة عمها , رغم اننى وصلت الى مرحلة كدت ان اصبح فيها خالتها زوجة ابيها "

" انا مسرورة لان الزواج لم يتم , لانك غير قادرة على التعامل معها بحنان ومحبة .
لست افهم كيف جئت معها فى هذه الرحلة ؟ فهى تتكلم باحترام شديد عن عمتها وزوجها واولادهما .
ولاشك انهم قبلوا مرافقتك لها لاعتقادهم بانك ستهتمين بها كثيرا "

سألتها كارلا بتهكم :
" ... وانا غير مهتمة بها ؟ لقد طلب منى بول الحضور شخصيا يا آنسة هاول ... ولعلك لاحظت اننى مستعدة لان افعل كل شئ من اجل بول " . ترددت للحظات قبل ان تكمل ضاحكة : " وكما ترين , عدنا الى الأيام الخوالى "

واجهت بروك التهكم بلهجة واثقة :
" اعتقد انك غير سعيدة على الاطلاق لانه ينوى الزواج منى ؟"

ردت كارلا بحدة :
" المهم متى يحدث الزواج ؟ انت لست من طراز النساء اللواتى يرغبهن بول . كيف تتوقعين ان تتعايشى مع رجل من نار وانت مجرد فتاة لا خبرة لها فى الحياة . لن تكونى قادرة على فهمه واسعاده , بل ستدمرين حياته من أساسها "

أجابت بروك بنعومة رغم ان قلبها يخفق بشدة :
" لا اظن ان بول يرى الامور مثلما ترى انت "

هزت كارلا رأسها بشكل لم تفهم له بروك معنى ., وقالت :
" بول ليس راغبا فيك ,. بل هو طامع للحياة الاجتماعية الراقية . انه يريد هذا البيت الضخم الذى يحمل الكثير من الابهة والعظمة . فمنذ ان كان طفلا صغيرا وهو يحلم بالمجد .
لقد صنع نفسه بنفسه واصبح مليونيرا , ومن هنا خبرته الواسعة .
اصبح الآن الرجل الثري الذى يستطيع شراء كل شئ ... لكنه لم ينس طفولته البائسة . لاشك عندى بانك تملكين شيئا بالمقابل . وانت تعرفين تماما ما هو "

اجابت بروك ببرودة قائلة :
" اذن وافق شن طبقة . انا سعيدة بهذه الصفقة لان بول يملك اشياء كثيرة ليقدمها لى "

سألت كارلا وكأن افعى سامة لسعتها فجأة :
" مثل ماذا ؟ "

ردت بروك بحزم :
" الامر لا يعنيك ابدا "

وعندما شاهدت لوسيا قادمة قالت بصوت خافت :
" اقترح ان نعلن هدنة مؤقتة الآن , فها لوسيا قد عادت , وانا لا اريدك ان تزعجيها .. انت تعرفين ان بول لايحب ذلك "

جمدت كارلا فى مكانها للحظات , ثم هبت على قدميها وقالت بعجرفة :
" اعذرانى الآن , فلقد مللت من هذه الرحلة المتعبة . سأراك فيما بعد يا لوسيا "

ردت لوسيا بعد تردد :
" شكرا لحضورك يا كارلا , سأراك فى الشقة مساء , اذ ان ابى سيحضر لاصطحابنا إلى الأوبرا "

بعد رحيل كارلا جرت الأمور على أحسن ما يرام ، وان كانت بروك لم تستطع ان تنزع من ذهنها صورة كارلا وبول ولوسيا معا فى الاوبرا . فمهما حاولت ان تراقب الايطالى الجذاب ،فهناك دائما امرأة ما إلى جواره . أولا كاثى بينتون واليوم كارلا .... ولله وحده يعلم كم يوجد غيرهما .

انهت لوسيا ارتداء قميص اختارته لها البائعة فى المحل ، ووقفت تنتظر حكم بروك التى قالت بعد تمعن طويل :
" رائع . تبدن فى قمة الأناقة . والآن ما رأيك فى شراء بعض ملابس الرياضة ؟ فنحن نستطيع ان نسبح ونلعب كرة المضرب فى هذه المنطقة .أنا شخصيا لاعبة ممتازة فى كرة المضرب ، وعندنا فى وينترسويت ملعب خاص .... فما رأيك بذلك ؟ كما وأننى أريد أن أقيم حفلة لمجموعة من تلميذاتى وهن فى مثل سنك "
لاحظت بروك ابتسامة لوسيا القلقة ، فقالت تطمئنها :
" لا ضرورة للقلق .سأكون إلى جانبك دائما .أؤكد لك أن الأمر سيكون ممتعا حقا " ثم ادارت رأسها نحو البائعة وقالت :
" انت تعرفين نوعية الملابس التى اقصدها : قمصان وتنانير واحذية تناسب الشابات الصغيرات ، وذات ألوان متناسقة أيضا "

فى هذه الأثناء اقتربت منهما صاحبة المحل التى كانت مشغولة فى مكان آخر ، وقالت بعد تفحص القميص الذى اشترته لوسيا :
" جميل جدا . انه يناسب الشابات الناعمات . وبالمناسبة يا آنسة هاول ، لقد استلمنا للتو بضاعة جديدة أريدك أن تلقى نظرة عليها ... كأنها صنعت خصيصا لك "

ابتسمت بروك ووافقت على القاء نظرة عابرة برغم انها عاجزة عن دفع الثمن المطلوب فى مثل هذه المحلات .صحيح ان ليليان ولويز زبونتان دائمتان للمحل ، لكن بروك لا تستطيع استعمال عبارة " اضيفيه إلى الحساب " مهما كلف الأمر . أما لوسيا فهى غير مضطرة للتفكير بهذه المشكلة ، فبول على إستعداد لدفع ثمن ما تشتريه بدون اعتراض .. وهذا ما تدركه صاحبة المحل المسرورة جدا بخدمة ابنة بول كوريللى الشهير .

بعد الانتهاء من شراء اللازم والاتفاق على موعد وطريقة إرسال الأغراض إلى البيت ، تناولت بروك ولوسيا غداء خفيفا مع فنجان من القهوة فى احد المقاهى . وطوال الوقت كانت لوسيا تحتج محرجة بأنها تأخذ الكثير من وقت بروك ..... لكن هذه الأخيرة أكدت لها انها تستمتع برفقتها إلى حد بعيد .

القى مصفف الشعر ريموند نظرة متفحصة على شعر لوسيا ، التى جلست فى صالون الحلاقة وهى مرعوبة تماما . بينما جلست بروك فى المقعد المجاور وهى تقول :
" الشعر جميل وغزير ، وانا على ثقة من انك ستبرز روعته بشكل ما يا ريموند "

قال ريموند ويداه تنزعان الدبابيس من شعر لوسيا الذى انهمر غزيرا ناعما :
" اولا يجب التخلص من الشعر الزائد . فهذه التسريحة تناسب السيدات المتوسطات فى العمر "

ابتسمت بروك للوسيا التى فوجئت بكلمات ريموند ، ثم قالت لمصفف الشعر :
" لقد التقطت الفكرة سريعا " ثم استدارت نحو لوسيا قائلة : " سأغيب عنك حوالى الساعة تقريبا . ستكونين بأمان بين يدى ريموند فهو أحد أفراد العائلة تقريبا "

قال ريموند :
" بالمناسبة ، كيف حال أمك ؟ كانت التسريحة التى صممتها خصيصا لها جميلة جدا "

ابتسمت بروك موافقة ، ثم نهضت وهى تقول :
" بالنسبة للوسيا ، اعتقد ان القصة المتوسطة الطول التى تبعد الشعر عن وجهها تناسبها تماما "

رد ريموند مازحا :
" دعى الأمور لى أيتها الآنسة الصغيرة "

غادرت بروك صالون الحلاقة وهى تشعر بالاطمئنان والارتياح .فريموند هو الوحيد القادر على إبراز روعة جمال شعر لوسيا . وقد تأكد هذا عمليا عندما عادت بعد ساعة تقريبا لتجد أن ريموند حول زبونته الشابة من فتاة عادية إلى مراهقة جذابة جدا .فوجئت بروك بالتغيير ، بينما لم تسطع لوسيا اخفاء ابتسامة الرضا عن شفتيها .... وحتى ريموند بدا سعيدا جدا بما انجزت يداه .

وفى الطريق إلى البيت ، بعدما لاحظت لوسيا نظرات الاعجاب الموجهة نحوها ، رفعت الشابة رأسها بارتياح وهى تدرك لأول مرة انها تملك جمالا يستطيع أن يلفت الانظار .كما ادركت بروك ان لوسيا بدأت تتصرف وكأنها انسانة جديدة تماما .

العيون نوافذ القلب






أما وقد التزمت بموعد محدد مع بول ، فلم يعد أمام بروك أى مجال للتراجع .كانت وكأنها على متن زورق بخارى لا تملك هى دفته ، يسير بها نحو المجهول بدون ان تستطيع منعه أو حتى التفكير فى المصير الذى ستؤول إليه . وجدت نفسها فجأة فى خضم لا ينتهى من الدعوات . لقد انتشر نبأ خطوبتها ، وبات الجميع راغبين فى التعرف إلى العريس المنتظر . صحيح ان اسمه على كل شفه ولسان ، لكنهم يريدون لقاءه قبل ان توجه اليهم الدعوة الرسمية لحضور حفل الزفاف .

وبصفته الخطيب السعيد الحظ ،كان بول يرافقها إلى كل مكان بدون أن يحاول استغلال وجوده معها ،بل كان يتصرف بكل أدب وفروسية ....... وفى احيان كثيرة بنوع من الحذر .كان الجميع يتصورون ان خطبة بروك وبول مع هذا هى تتويج لاجمل قصة رومانسية فى المنطقة ، وقد تجاوب بول مع هذا التصور وراح يتصرف وكأنه غارق حتى أذنيه فى الحب علنا على الأقل ، لأنه لم يكن يظهر ذلك أبدا وهما لوحدهما .

عادت ليليان مرة أخرى إلى لعب دور المضيفة بعد ان بات تحت تصرفها مبالغ لا تعد ولا تحصى . فإلى جانب الحفلات المنوعة التى اقيمت بمناسبة أو من غير مناسبة . فقد بدأت التحف والأثريات التى بيعت خلال الفترة الماضية تجد طريقها مجددا إلى وينترسويت .وفى هذه الأثناء ، حدد بول موعد الزفاف فى الحادى عشر من شهر كانون الثانى المقبل ، وهو ذكرى ميلاد ليليان . ولم يعد أمام بروك مجال للتراجع ، فكل الذين تعرفهم سعداء بالحدث ..... باستثناء كارلا طبعا .


كانت حفلة الخطبة رائعة جدا ، حضرها ما يزيد عن ثلاثمائة مدعو ، وهو ما لم يحدث حتى فى زمن الجد الأول . وبعد الحفلة انهمك جميع الأهل والأصدقاء بالاستعداد للزواج . لقد انشغلت ماجى بالبحث عن التحف والاثريات التى بيعت ، وراحت تعرض على اصحابها الحاليين اسعارا لا يمكن ان يرفضوها . وكل ذلك من أجل اعادة وينترسويت إلى سابق مجده قبل حلول موعد الزفاف . وإلى جانب عمل ماجى ،كان هناك عشرات من العمال الزراعيين البنائين للعمل فى الحدائق وبعض الغرف الداخلية . هذا بالاضافة إلى مئات الهدايا التى انصبت على البيت قبل الزفاف على عادة اهل استراليا فى هكذا مناسبات .

ووسط دوامة العمل هذه ، اكتشفت بروك فى بول الجانب العملى الذى جعله يقوم بالعديد من القضايا بدون أن تظهر عليه علامات الارهاق والتعب . فهو يرافق بروك إلى كل مكان ، ويوجه ماجى فى سعيها لاعادة التحف ، ويزور وينترسويت كل يوم للاشراف على سير العمل .... بالاضافة الى متابعة شؤون وشجون شركاته واعماله المتنوعة .

تم التوصل إلى تسوية بين ليليان وبول بدون علم بروك التى وجدت انه من غير المناسب الاستفسار عنها ، خاصة وان ليليان ولويز كانتا سعيدتين للغاية وهما تعدان كل ما يلزم للحفلة الموعودة . ومع ان بروك كانت تشعر بالمرارة إلى حد ما ،الا انها لم تظهر مشاعرها هذه علنا ... فبول لا يمكن ان يتحمل غضبها ومشاكلها .

فى الليلة التى تسبق موعد الزفاف ، انعزلت بروك فى غرفتها وغرقت فى نوبة بكاء حادة . وكانت تتمنى لو تبقى هناك إلى الابد ، لولا ان امها وقفت خارج الباب وهى تقول :
" افتحى لى الباب يا حبيبتى "

ارادت بروك ان تصم اذنيها عن صوت امها ، لكنها تعرف ان ليلان لا يمكن ان تتراجع ابدا . لذلك مسحت دموعها بسرعة وفتحت الباب لامها التى كان يبدوعلى وجهها القلق البالغ :
" ابنتى الغالية ! لا تبكى يا عزيزتى ، يجب ان تكونى فى اجمل حلة تمهيدا لحفلة الزفاف "

وبدلا من ان تخفف هذه الكلمات من الجو المأساوى ،ازدادت الحالة سوءا .... وعادت نوبة البكاء إلى بروك التى انطرحت على الفراش وهى تنتحب بشدة . فى هذه الأثناء ، دخلت لويز الغرفة لتشاهد أختها على هذه الحالة ، فصرخت :
" ماذا حدث يا أمى ؟ ماذا فى الأمر ؟ "

ردت ليليان بنعومة :
" لا شئ ، مجرد شعور بالحزن المفاجئ يحدث دائما قبل الزفاف "

توجهت لويز إلى شقيقتها وراحت تمسح على رأسها وهى تقول :
" سيكون زفافا رائعا يا بروك .فستانك وفستانى من صنع افضل المصممين .ولا تنسى ان تعطينى باقة الورد عندما تنتهى مراسم الزفاف"

ابتسمت ليليان :
" لا تقلقى يا حبيبتى . جمالك سيبهر الابصار فى لندن .ارى ان نذهب إلى هناك أولا . فالسفر يعطى المرء متعة ما بعدها متعة ،وقد وعدت بول بزيارة شقيقته فى كينيا .اعتقد ان لديهم املاكا شاسعا هناك .... واغلب الظن انهم لا يعترفون بلوسيا . لقد فعلت المعجزات مع هذه الصغيرة ،فهى تبدو صارخة الجمال هذه الأيام "

نادى لويز أختها :
" بروك ؟ "

جلست بروك فى سريرها تمسح الدموع عن وجنتيها وتقول :
" لا باس الآن ، اذهبا إلى النوم . فأنا أبكى دائما عندما أكون فى حالة من السعادة الغامرة "

كانت يداها ترتجفان ، لكنها حاولت اخفاءهما عن امها واختها . نهضت ليليان وهى تقول :
" اجل . يجب ان نذهب إلى النوم " . ثم سارت نحو ابنتها الصغرى وقبلتها قائلة :
" فليباركك الله يا حبيبتى .اعرف اننى سأبكى غدا ،فنحن عائلة واحدة مترابطة ...."

قاطعتها بروك من بين شهقات البكاء :
" ارجوك يا أمى "

" انت متعبة يا صغيرتى بعد كل ما جرى لك مؤخرا . انزلى الى المطبخ يا لويز واحضرى لاختك كوبا من الحليب "

ابتسمت بروك وهى تقول :
" افضل شيئا ساخنا "

قالت الأم :
" اسرعى يا لويز , فصغيرتى الحبيبة تحتاج إلى شئ يهدئ أعصابها "

" هذا صحيح , فأنا على وشك الانهيار "

جمدت لويز فى مكانها للحظات وقد عقدت الدهشة لسانها , ثم قالت :
" انت تحبينه يا بروك , أليس كذلك ؟ "

انفجر فى داخل بروك كل ما تعتمل به نفسها من غضب وحزن , وقالت :
" طبعا يا عزيزتى . هل أنت متأكدة ان ذلك لا يزعجك ؟ لم يمض وقت طويل عندما كنا نخطط لعرسك أنت "

ردت لويز بلطف بدون ان تتأثر من كلام شقيقتها :
" لم اكن مناسبة لبول , أما انت فقادرة على التعامل معه . انت تعرفين اننى لا اغار منك . اعتقد ان بول مريح كصديق , لكن من الصعب العيش معه كزوجة ... على الأقل بالنسبة لي . كل الناس يحسدونك . لماذا برأيك سافرت كاثي بينتون الى الخارج ؟ لم تكن قادرة على البقاء هنا ومشاهدتك وانت تفوزين بافضل رجل فى المدينة . بول رائع وساحر ... لكننى أحبه اكثر عندما يكون صهرى "

اكدت ليليان كلام ابنتها قائلة :
" امك يا عزيزتى تعيش فرحة لا توصف . عندما اخبرتنى فى بادئ الامر ان بول يريد الزواج منك لم اصدق اذنى , لكننى ارى اليوم ان الامور تسير الى النجاح الباهر . فانت تتعاملين بامتياز مع لوسيا التى تحبك كثيرا , وكل ذلك بسبب خبرتك السابقة كمدرسة . اقسم لك اننى سأحب زوج ابنتى , اساسا لانه حفظ وينترسويت للعائلة . على الشبان المقبلين على الزواج ان يبدأوا حياتهم فى بيت خاص بهم , وليس افضل من وينترسويت لك وله . لا شك ان جدى سيكون سعيدا جدا لهذه الترتيبات "

اغرورقت عينا ليليان بدموع الحزن والفرح , ثم تابعت تقول :
" والآن يا عزيزتى سأتركك تنامين . فأمامنا يوم حافل عند الصباح "
وضعت ذراعها حول خاصرة لويز وقالت بلطف :
" دورك قريب يا حبيبتى ... امك ستتدبر كل شئ "

بدا على وجه لويز نوع من الشك بقدرة امها , وقالت :
" نسيت ان اخبرك ان باتريك طلب منى الزواج "

ردت ليليان وهى تجر ابنتها معها :
" مسكين باتريك ... انه غير مناسب لك على الاطلاق "

اجابت لويز وهى تغلق الباب :
" ستستغربين كثيرا اذا ما حدثتك عن التغيير الذى طرأ عليه "

ضحكت بروك بهدوء عندما وصلتها عبارة لويز الأخيرة .. فهى لم تجد الوقت الكافى لكى تلاحظ كيف ان اختها الكبرى باتت اكثر قوة وارادة خلال الاشهر القليلة الماضية.

غصت الكنيسة بحشد كبير من الأهل والاصدقاء والمعارف اللذين دعيوا الى حفلة الزفاف . كان الوقت بعد الظهر , والطقس مشمس جميل . تهادت الصبايا بازيائهن المتنوعة الجميلة وقد حملن باقات الورود المتناسقة والمزينة باشرطة ملونة . بدت ليليان اصغر من عمرها بسنوات كثيرة , وقد وقفت الى جانبها لويز ثم ايما وجين كارينجي وهما صديقتا الطفولة ... واخيرا لوسيا بثوبها الوردى الرائع . ومن جهة الرجال وقف الدكتور الأنيق اليساندرو بويتو ورجل الأعمال البارز روس ماكلاري ابن الثري الكبير جورج ماكلاري .

فى آخر الكنيسة كانت بروك ترتجف وكأنها تعيش فى جليد القطب الشمالي . وجهها شاحب , متوتر ... واكثر جمالا من اى وقت مضى . اما فستانها فقد سرق انظار الجميع بجماله وحسن تصميمه والتطاريز العديدة التى تزينه . واخيرا حان وقت السير باتجاه المذبح حيث ينتظرها الرجل الذى سيصبح زوجها .

مرت المراسيم بدون ان تفقه بروك اى شئ مما يجرى حولها . كانت مشاعرها مرتبطة بالرجل الطويل الغامض الذى يقف الى جانبها . فهى غير قادرة على الذهاب معه الى الفراش بالرغم من انه اصبح زوجها شرعيا . لم يحن الوقت بعد . اذ انها ما تزال تعانى من صدمة ما اقدمت عليه قبل قليل , من ربط نفسها وجسدها برباط الزوجية مع بول كوريللي .

وقف جنبا الى جنب فى وينترسويت لاستقبال المهنئين الكثر . على وجه بروك ابتسامة صفراء بينما الغصات تمسك قلبها بقبضة من حديد . وظلت على هذه الحالة لعدة ساعات لمحت كارلا خلالها وهى تنظر اليها شذرا فى اكثر من مناسبة . وعندما حانت لحظة فراغ , تقدمت كارلا من العروس قائلة :
" تهانينا ايتها الصغيرة . لقد حصلت على رجل غير عادي كما تعرفين , انا اؤكد ذلك لانه كان لى قبل ان تحصلى عليه "

ردت بروك بعنف وكأنها ترفض الشك بصدق زوجها الجديد :
" اننى لا اصدق كلمة مما تقولين "

فوجئت كارلا بعنف جواب بروك , فقالت :
" لماذا لا تسألينه بنفسك ؟ "

ابتسمت بروك امام الاعين التى تحدق فيها وقالت :
" لا حاجة لذلك . استميحك عذرا يا كارلا , فلوسيا تؤشر لى كي اراها "

وبالفعل كانت لوسيا تحاول لفت انتباه بروك كي تمنع كارلا من الانجراف وراء غيرتها ... فتزعج العروس فى احلى ليالى العمر .

قالت لوسيا :
" هل كل شئ على ما يرام يا بروك ؟ ارجو ان لا يزعجك ما قالته كارلا , فهى غير مدركة لما تفعل الآن "

وقبل ان تجيب بروك , عاد بول الى جانبها , طويلا جذابا ساحرا . اقترب منها هامسا :
" حان موعد ذهابنا يا حبيبتى "

تضرجت وجنتا بروك بالدم وهى تحس ان اللحظات الحاسمة قد دنت . اما لوسيا فقد القت نفسها بين ذراعي ابيها الذى ضمها اليه وعانقها بابوة حانية وراح يكلمها بالايطالية . وبعد لحظات ابتعدت الصبية عن ابيها واقتربت من بروك قائلة :
" اننى فى قمة السعادة لاننا اصبحنا عائلة واحدة الآن "

التمعت عينا بروك بدموع الفرح وهى تلاحظ صدق كلمات لوسيا وسعادتها , وقالت :
" شكرا لك يا حبيبتى "

كان البيت ما زال مزدحما بعشرات المدعوين الذين توزعوا فى الغرف والقاعات حول الموائد العامرة بما لذ وطاب من طعام وشراب , رغم ان الساعة قد قاربت العاشرة مساء تقريبا . وبدا عليهم انهم غير مستعجلين لمغادرة هذا البيت المميز وهذين العروسين الرائعين .

امام اصرار بول , وافقت بروك مسبقا على تمضية شهر العسل القصير فى الخارج . وتم الاتفاق ايضا على ان يمضيا ليلة الزفاف فى شقته , ثم يسافرا فى الصباح الى مدينة سان فرانسيسكو لتمضية اسبوع فقط . ذلك ان التزامات بول العملية لا تسمح له بالغياب اكثر من هذه الفترة . لكنهما سيذهبان فيما بعد فى رحلة طويلة حول العالم يكونان فيها بعيدين عن الاعمال والمتاعب .

ظلت التهانى تنهمر عليهما حتى اقلعها بالسيارة مغادرين وينترسويت . وآخر شئ شاهدته بروك كان وجه شقيقتها لويز الملئ بالسعادة والمحبة , والى جانبها باتريك . عندما اجتازت السيارة البوابة الخارجية , اراحت بروك رأسها وكأنها تنفض عن نفسها متاعب اليوم كله .

قال بول بهدوء :
" انتهى الامر الآن "

اجابت بصوت هستيرى :
" لا , انها البداية الصعبة "

رد بمرارة :
" اهدأى يا حبيبتى . اننا زوجان الآن وانا مرتاح لذلك . لقد وعدتك باحترام كل رغباتك وتلبية كل طلباتك "

ادارت وجهها الى الخارج وهى تسأل :
" متى موعد السفر غدا ؟ "

حدق فيها لثوان قليلة ثم قال :
" ليس باكرا , عند الظهر تقريبا , لقد كنت فخورا بك جدا "

لم تجب بروك على الفور , اذ ان شيئا عاطفيا عميقا فى صوت بول مسها فى الاعماق . ولو ان زوجها حاول لمسها فى تلك اللحظات لكانت انفجرت باكية تنفض دموعها كل ما احتقن فى نفسها خلال اليومين الماضيين .

اغمضت بروك عينيها وكأنها تسجن مشاعرها فى الداخل ... وعندما فتحتهما مرة اخرى كانا قد وصلا الى شقة بول .

خفق قلبها بشدة غريبة , لكنه ظل يتصرف بلطف وحنو , قال لها :
" تعالى ايتها الطفلة الصغيرة قبل ان تتخلى عنى "

ترددت للحظات ثم اعطته يدها , فسحبها من السيارة وضمها الى صدره بلطف وراح يحدق فى عينيها الخضرواين اللامعتين .

قالت :
" ارجوك دعنا نصعد . ان ثوب الزفاف يزعجنى "

رفع احد حاجبيه متسائلا :
" حقا ؟ اننى احبه . فلولا ثرثرتك النسائية لكنت ساحرة الجمال فعلا . قولى لى : لماذا لم تتغيرى ؟ "

ردت بقسوة :
" لم يكن هناك مجال لذلك "

كانت بروك تخشى هذا الرجل , لكنها تخشى اكثر ضعفها امامه . وعندما وصلا الى الشقة سألته هامسة :
" هل عاد جيانى ؟ "

جاءتها ضحكة بول ساخرة عالية وهو يقول :
" ارجوك يا حبيبتى . سوف تصدمينه فعلا بمثل هذا السؤال . فهو يعتقد اننا غارقان فى الحب حتى الاذنين "

أنار بول الاضواء , فسبحت الشقة فى شعاع ملون زادته جمالا اللوحات الموزعة بفن وتنسيق . ظلت بروك للحظات تتأمل هذا المنظر البديع , ثم راحت تزرع القاعة الرئيسية جيئة وذهابا وكأنها تريد الهرب من خيالاتها وافكارها المركزة حول الرجل الواقف يراقبها عند الباب .

انهمرت الدموع غزيرة من عينيها بدون ان تحاول ايقافها او مسحها . انها امرأة متزوجة الآن , وبدلا من ان تتمتع بحياتها الجديدة هاهى ضائعة فى عذاب نفسى اليم . اذ لا مجال لاقامة علاقة عادية مع بول , فهو يريد كل شئ او لا شئ .
قال :
" ماذا بك ايتها الصغيرة ؟"

ردت بدون ان تلتف اليه :
" لا شئ . اننى متعبة فقط "

انضم اليها قرب النافذة وراح يتأمل المدينة الساهرة التى تطل عليها الشقة من علو شاهق . فبدا الى جانبها وكأنه تمثال جميل نحته فنان مبدع .. لكن التماثيل لا تملك مثل هاتين العينين السوداوين , ولا تتكلم بمثل ذلك الصوت العميق الذى يمكن ان يذيب الصخر .

سألها فجأة :
" هل أنت خائفة منى ؟ "

اجابت بروك باستسلام :
" وكيف لى ان اخاف , فأنت زوجى وعلى ان اثق بك ؟"

" اذن استديرى نحوى يا عزيزتى "

اغلقت عينيها عندما احست بكفيه القويتين على كتفيها . سألها بهدوء :
" لماذا هذا التوتر العصبى ؟ هل تعتقدين اننى ساهاجمك مثل البرابرة كما قلت فى احدى المرات ؟ "

قالت بنعومة :
" كلا يا بول "

" اذن افتحى عينيك "

فتحت عينيها لتجده امامها آسرا جذابا مسيطرا . كانت تعتقد دائما انها امرأة عصرية متفتحة , لكنها تكتشف الآن انها مجرد شابة لا خبرة لها فى الحياة . هناك هوة سحيقة بينهما من ناحية الطباع والسلوك . وبقدر ما هى جاهلة فى الشؤون العاطفية , بقدر ما هو سيد وصاحب باع فيها .

كانت ترتجف تحت يديه , لكنها جاهدت كي تظل عينيها فى مواجهة عينيه الحادتين . لمس شفتيها السفلى باصبعه وقال بلطف :
" عندى هدية خاصة لزوجتي . كان يومى رائعا ايتها الصغيرة فلا تفسديه الآن . بعد لحظات ستغرقين فى النوم . غرفتى لك , اما انا فسأنام فى غرفة الضيوف "

مسحت بروك الدموع عن وجنتيها وقالت :
" عندي لك هدية خاصة ايضا , لكننى نسيتها فى هذه الظروف "

رد بمرح :
" لا بأس . انا اتوقع الحصول عليها فى وقت لاحق , وسوف أعتز بها كثيرا "

" لكنك لا تعرف ماهى ؟ "

قال بصدق :
" المهم انها منك , أليس كذلك ؟ "

تراجعت بروك الى وسط القاعة , فى حين توجه بول الى خزانة حائط مخفية خلف احدى اللوحات . ثم عاد بعد لحظات حاملا علبة كبيرة مغطاة بالمخمل الأسود وقال :
" انها تحمل توقيع كارتييه ... فانا لم أشا تقديم شئ عادى لك "

فتح العلبة أمام عينيها المندهشتين , واخرج عقدا من الماس المرصع بالزمرد على اطار من الذهب والبلاتين مع قرطين مماثلين .

همس وهو يعلق العقد والقرطين :
" انها باهرة ... أليس كذلك ؟ "

لم تستطع بروك السيطرة على اضطرابها , فقالت بدون وعى :
" لايمكن ان اضعها ابدا "

رد بصوت عميق هادئ :
" على العكس , ستضعينها الآن . اسمحي لى ان اعلقها يا حبيبتى . استديري ايتها العزيزة , وبعد ذلك يمكنك الذهاب الى غرفة النوم "

لامست اصابعه الدافئة رقبتها وهو يضع العقد , ثم جرها الى المرآة لكى يريها المجوهرات وقد زينت صدرها واذنيها . لم تكن بروك تتخيل ان يستطيع رجل ما ان يقودها كما يفعل هذا الرجل ... زوجها الذى لم يصبح زوجها بعد .

قال بصوت هامس :
" انها اجمل من كل الكلمات . لكن عليك ان تثقبى اذنيك , ويمكننا ان نفعل ذلك فى سان فرانسيسكو . انها اجمل مدن العالم , واظنك ستحبينها خاصة واننى سآخذك الى كل المعالم المهمة فيها . على فكرة اخى يقيم هناك . وفى المدينة جالية ايطالية كبيرة ... واؤكد لك انهم اناس شرفاء وليسوا من المافيا . فى البدء فكرت فى الاقامة هناك , لكن سيدنى تعجبنى اكثر , مع ان المدينتين تتشابهان فى كثير من المميزات "

لم تستطع بروك ان تتجاوب معه , رغم انها تعرف انه يحاول ازالة الكآبة عن نفسها . فهناك اشياء كثيرة تجهلها عنه , اشياء لم تسأله عنها بعد . فقد كان يعيش حياته حتى العمق بينما هى متقوقعة حول ذاتها تحمى البيت الكبير من تجارب العالم . ابعدت يده عن عنقها ببطء وقالت :
" شكرا لك "

رد عليها بتحد واضح , لكن دون غضب :
" الا يمكنك ان تفعلى اكثر من ذلك ؟"

قالت بنعومة :
" ليس الآن . كل شئ جديد بالنسبة لى يا بول . فأرجو ان تقدر ذلك وتصبر ؟ "

وضرب جبينه بباطن كفه وقال مبتسما :
" يا الهى . الصبر ليس من مميزاتى . واتمنى ان لا تطلبى منى الانتظار لمئة سنة ؟ "

" سبق لنا واتفقنا على التفاصيل "

قال بصوت ناعم ساحر :
" معك حق , فأنا لا اريد التنصل من وعودي . على كل , عناق عابر من عروستى ثم اذهب الى فراشي فورا " . وعندما لاحظ ترددها تابع قائلا :
" تعالى اكتشفي الامر بنفسك "

وعندما لاحظ الدموع تترقرق فى عينيها , تجهم وجه قليلا وهو يقول :
" حسنا ايتها الصغيرة ., يبدو ان ضميرى تغلب على " . ثم رفع يدها الى شفتيه وتابع قائلا : "
من اجلك انا على اتم الاستعداد لاعادة ترويض نفسى ... لكننى رجل ضعيف وفضولي , ولايمكن ان انام قبل ان احصل على عناق صغير "

رفعت بروك وجهها نحوه وهى مغمضة العينين ولثوان قليلة شعرت انه نقلها الى عالم آخر لم تعرفه من قبل . لكنها سرعان ما عادت الى هواجسها فابتعدت عنه قائلة :
" ارجوك يا بول "

نظر اليها بمحبة قائلا :
" حبيبتى "

" اريد ان اذهب الى النوم "

رد بصوت متهدج :
" وانا كذلك ايتها العزيزة ... حسنا يا صغيرتى , فعندما تصممين على شئ فلاشك انك تقفين عنده "

ارخى ذراعيه من على كتفيها , لكنها لم تتحرك من مكانها . قال لها وقد لاحظ ارتباكها :
" آمل ان تكونى قادرة على تغيير ملابسك لوحدك ؟ فلست ارغب فى القيام بدور المربية فى ليلة عرسي "

ثم رفعها بين يديه وادخلها الى غرفة النوم قائلا :
" قولى انك لا تقصدين فعلا كل ما قلته الليلة "

عندما انزلها بول من بين يديه الى السرير , راحت تتأمل تقاطيع وجهه الاسمر وهو واقف الى جانبها . فى تلك اللحظات احست انها بدأت تحبه بشكل او بآخر . قالت له بعد لحظات :
" تصبح على خير يا بول "

اجابها بجفاء :
" وانت بخير يا سيدة كوريللي . اذا سمعت صراخا فى الليل فذلك سيكون ناتجا عن كوابيس تصيبنى فاياك ان تذهبي للاهتمام بى , فقد اعتبرها خطوة ايجابية "

امضى العروسان اسبوعا حافلا فى سان فرانسيسكو , واشتري لها بول معطفا من الفرو وحذاء جلديا سميكا لمواجهة موجة البرد هناك . لكن البرودة لم تمنعهما من التسوق والسياحة وزيارة جبل تامالبيس الذى يطل على المدينة بأسرها . كما زارا المطاعم الشعبية المنتشرة على الشاطئ وتناولا فيها الاسماك الطازجة المطبوخة بمهارة , وتجولا فى المعارض والمتاحف والحى الصينى حيث اشتريا الكثير من الهدايا . وقام بول برفقة زوجته ايضا بزيارة صديق فنان يقيم فى شارع الفن القريب من جسر سان فرانسيسكو المشهور .

وفى الليلة التى تسبق عودتهما الى سيدنى , اقام شقيق بول واسمه ماركو حفلة عشاء خاصة على شرفهما فى واحد من المطاعم العديدة التى يملكها فى الحى اللاتيني . وعندما وصل بول وبروك الى المطعم , كان المكان قد ازدحم بالضيوف الذين اتوا لتهنئة العروسين . لم يكن بول يشبه شقيقه ماركو الا فى شئ واحد الديناميكية والطاقة الخلاقة ... والقدرة على جمع الثروات . كان ماركو اقصر من اخيه , لكنه ممتلىء القامة اكثر . سبق له الزواج مرتين , وفى المرتين انتهى الزواج بالطلاق . اما الآن فهو بصحبة شابة شقراء رائعة الجمال كانت تقف الى جواره فى الحفلة .

كان الجو الحماسى يملأ المطعم , وكثيرون يتكلمون باللغة الايطالية مما يظهر عمق العلاقة التى تربط الايطاليين ببعضهم البعض . ولم تجد بروك صعوبة فى ملاحظة انها حازت على رضا الجميع ... ولذلك وجدت نفسها على مائدة واحدة مع ماركو وعدد من الايطاليين . ثم بدأت الحفلة .

هذه هى المرة الأولى التى تتناول فيها بروك مثل هذا الطعام اللذيذ وبهذه الكمية . كانت الاطباق تروح وتجئ مثلما تدور الاحاديث الضاحكة الطريفة على ألسنة الجميع . وعندما حان موعد الرقص , اقترب بول منها داعيا اياها الى الساحة .

قالت مبتسمة :
" لاشك ان ماركو كان كريما معنا , اذ لم يسبق لى ان تناولت مثل هذا الطعام "

" لقد اثرت فيه بجمالك الخلاب ... لكن تذكرى انك زوجتى انا "

وبدون وعى , رفعت بروك يدها وراحت تداعب وجنة زوجها الناعمة . كانت هذه هى المرة الأولى التى تقدم فيها على مثل هذه الخطوة ... لكن التأثير كان سريعا وواضحا :
" اياك ان تلعبى بى يا بروك "

ابعدت يدها عنه بارتباك :
" انا متأسفة "

قال بحدة :
" يجب ان نعود الى الفندق بعد نصف ساعة فقط "

ارادت ان تؤذية عامدة بعد اسبوع من السياحة والفرح و ... الهدوء , فقالت :
" اعتقدت انك مستمتع هنا ... مثلى انا تماما . طلب منى صديقك دينو ان ارقص معه , لقد وعدته برقصة "

سألها وعيناه لا تحيدان عنها :
" وهل تريدين الرقص معه ؟ "

كذبت عليه قائلة :
" طبعا ... طبعا . فالايطاليون راقصون ماهرون بالسليقة "

خاطبها بلهجة تحذير :
" اياك من السير فى هذا الطريق الوعر "

عندما انتهت الموسيقى , اقتربت فتاة شابة رائعة الجمال وامسكت ذراع بول قائلة :
" هل استطيع ان ارقص مع زوجك ؟ "

" لوقت محدد فقط "

وما ان ابتعدت الفتاة مع بول ، حتى اقترب دينو يسأل بروك عما إذا كانت تسمح له بالرقصة التالية . وافقت بروك على الفور وكأنها تريد الانتقام من علاقتها غير الطبيعية ببول . ووسط الساحة ، راح الشاب الايطالى يدندن فى اذن بروك لحنا عاطفيا معروفا . سألته ضاحكة :
" هل هناك شخص ايطالى يجهل الغناء ؟ "

رد مبتسما :
" طبعا ، هناك الكثيرون . ان بول محظوظ جدا لأنه عثر على زوجة جميلة مثلك "

فتحت عينيها الخضراوين بدهشة :
" ألست أبدو غريبة إلى حد ما ؟ "

وافق بحماس :
" طبعا .اذكر ان بول كان يحب دائما ذوات الشعر الأحمر "

" حقا . اخبرنى المزيد عنه ارجوك "

قال دينو وكأنه غير متحمس للحديث عن بول :
" انه رجل عملاق ... فعلا عملاق . وهو يحب اللون الأحمر كما يحب الفنان التشكيلى اشهر لوحة عنده "

ابتسمت بروك وهى تستمع إلى كلام دينو . لكن البسمة ماتت على شفتيها عندما لمحت من فوق كتف رفيقها فى الرقص زوجها وهو بين ذراعى الشابة الجميلة .
انه ينظر إليها بابتسامة ساحرة ، ربما ردا على شئ همسته فى اذنه .وفجأة أحست بأن النيران تأكل أعصابها وشرايينها .فهى لا تريده ان ينظر إلى امرأة أخرى غيرها ... واستغربت من أين جاءها هذا الشعور بالغيرة العمياء .عاد دينو ليهمس فى اذنها اغانيه العاطفية . اما بول فلم يكلف نفسه عناء الالتفات نحوها ولو لمرة واحدة . وفى لحظات تحولت فرحتها فى الحفلة إلى ضيق لم تستطع تفسير اسبابه . ودون وعى منها راحت تسأل دينو عن مختل تفاصيل حياته ، من غير ان تنتبه فعلا إلى أجوبته المطولة .
منتديات ليلاس
وأخيرا جاء بول يطالب بزوجته مخاطبا دينو بجفاء :
"هل تسمح لى الآن يا دينو "

انسحب الشاب بهدوء وهو يقول :
" بالتأكيد يا صديقى العزيز . لقد سحرتنى زوجتك الجميلة الرائعة "

أجاب بول بنعومة :
" شكرا على اهتمامك بها " . ثم التفت إلى زوجته بعد ابتعاد دينو وقال :
" حان وقت الذهاب إلى الفندق يا صغيرتى "

ردت عليه بحدة :
" لا أريد ان امتدح نفسى .... لكنك تغار على "

اجابها بلطف :
" دعك من هذا .لماذا أغار عليك ؟ من سيهتم بامرأة ذات شعر أحمر ..... وقلب كالجليد ؟ "

قالت وهى تخفى غضبها :
" ماركو ينظر نحونا ... فلا ضرورة للشجار أمامه رجاء "

شبك يدها بيده ، وسارا معا باتجاه ماركو وهو يقول :
" لا ....... فقد ينقلب الجميع ضدك "

ابتسم ماركو وهو يحتضن اخاه وزوجته :
" عليك ان تحضر لوسيا فى المرة المقبلة . بل يمكنك ان ترسلها لوحدها لقضاء عطلتها معنا . اشكرك على الفرصة التى اتحتها لى للتعرف إلى نسيبتنا الجديدة ، انها رائعة وتناسبك تماما "

شكرته بروك مبتسمة ، ثم غادرت المطعم يدا بيد مع بول الذى راح يودع الاصدقاء ملوحا بيده الطليقة . وقد اقتصر دورها فى هذه اللحظات على رد الابتسامات للمودعين وهى تسير فى ظل زوجها الطاغى بحضوره وجاذبيته . كانا أمام الناس العروسين السعيدين ، لكنهما ليسا كذلك فى الواقع . وطيلة الوقت كان شعور بالكبت والضيق من جراء حياتها الزوجية غير الطبيعية ينمو بصورة غير معقولة تنذر بأخطار عديدة .

فى طريق العودة إلى الفندق افتعلت بروك جدالا لا معنى له . وكانت تشعر بنوع من الضيق فى صدرها ..... فهى تريد أشياء كثيرة من زوجها بدون أن تعرف طبيعة هذه الأشياء .

لقد تصرف معها بلطف وأدب طيلة الوقت ، وكان صبورا إلى أبعد الحدود ، فماذا تريد أكثر من ذلك ؟ جلس بول بعيدا عنها فى سيارة التاكسى ، تاركا إياها فى حديثها المنفرد ..... ولكنه قبض على يدها بشدة عندما غادرا التاكسى وسارا باتجاه المصعد فى طريقهما إلى الشقة الفاخرة فى ذلك الفندق الفخم .

دخلت بروك إلى غرفة نومها على الفور بدون أن تحاول إغلاق الباب فى وجه زوجها . فاذا كانت العيون هى نوافذ القلب فعلا ، فإن بول يتأرجح الآن على حدود الانفجار الشامل . فهو صاحب كبرياء وكرامة ، ويرفض ان تعامله اى امرأة بمثل هذا الأسلوب .

ألقت معطف الفرو عن كتفيها ، ثم مدت يدها إلى السحاب لتنزله ...... لكنه علق بعناد ولم تفلح كل محاولاتها ، فصرخت بنفاد صبر . قال لها بول الذى كان يقف عند الباب :
" لماذا لا تدعينى أفك السحاب ؟ "

أجابته وهى تواصل محاولاتها الفاشلة :
" شكرا لك ..... لا ضرورة لازعاج نفسك "

علق قائلا :
" سوف تمزقين الفستان"

توترت أعصاب بروك وهى تراه مقبلا نحوها , وقبل أن يمد يده قالت بخوف :
" أرجوك يا بول "

دعك من هذه السخافات "
وبقوم غير متوقعة ، ادارها بعيدا عنه وانزل لها السحب حتى نهايته .

قالت له بسرعة :
" شكرا لك .... هذا لطف منك "

" الن تنزعى الفستان الآن ؟. "

" ليس قبل ان تذهب "

وجه اليها نظرة حادة وقال :
" انت خجولة جدا حسب ما لاحظت ؟ لماذا تحاولين دائما اخفاء نفسك عنى ؟ فانا اعرف كيف هن النساء "

تملكتها موجة غضب عارمة وقالت :
" هذه هى مشكلتك الأساسية "

حذرها بول بصوت حاسم :
" لا ضرورة لمثل هذه الكلمات "

واجهته بتحد وهى ترفع شعرها عن وجهها :
" وما المانع ؟ "

" لأن الكلام غير صحيح ، وانا لا اطيق سماعه . هل ستعمدين إلى التشهير بى طيلة العمر لأننى أب لطفلة غير شرعية ؟ لم احب لوسيا ، لكنها احبتنى بعمق " . حدق بها والغضب يشرقط من عينيه ، ثم اضاف :
" اذهبى إلى النوم ايتها الصغيرة الغبية فأنا لا أريد أن ألمسك ابدا "

اجتاحتها رغبة فى ايذائه كما اذاها فى كلماته الاخيرة :
" انا سعيدة لهذا الموقف ...... فلست استطيع تحمل لمساتك ابدا "

قال :
" اعرف ذلك ، فأنا لم أتزوج من اجل الحب "

صدمتها كلماته بشدة ، بحيث لم تجد نفسها الا وهى تسقط على الأرض غائبة عن الوعى . وعندما استفاقت بعد قليل وجدت نفسها بين ذراعى بول ، الذى سألها بصوت قلق :
" ماذا حدث ؟ "

نظرت اليه بعينين ضعيفتين :
" لست أدرى ! لااشعر باى شئ على الاطلاق "

رفعها الى السرير وهو يقول :
" لقد اثرت الرعب فى قلبى . اعترف اننى اردت جرحك ...... ولذلك فأنا أعتذر "

ردت بضعف :
" أنا أعتذر أيضا . لقد أمضينا اسبوعا رائعا ، ولست أدرى لماذا أثرت كل هذه المشاكل الليلة "

قال بهدوء :
" انتهى الأمر ، لعلنا اجهدنا انفسنا فى هذه المدينة ،فأنا ألاحظ انك متعبة جدا "

قالت بدون ان تترك يده :
" لقد احببت رحلتنا هذه . ارجوك لا تغضب يا بول ، فأنا لا أثير مشكلة اوسيا أمامك دائما . كيف يمكن ان أفعل ذلك وأنا أحب ابنتك كثيرا ؟ انها فتاة طيبة القلب ، وأريد ان اساعدها وأحميها واؤمن لها حياة سعيدة مريحة "

سألها بلطف :
" اين قميص النوم ؟ "

" انه معلق فى الخزانة "

" سأحضره لك "

جلست فى مكانها وهى تقول :
" أصبحت فى وضع أفضل ، وعلى أن أغسل أسنانى ووجهى قبل النوم "

عاد إليها بقميص النوم الفاخر الذى اشترته لها امها خصيصا لشهر العسل وقال :
" سأتركك الآن ..... تصبحين على خير "

همست وقد شعرت انه يبتعد كثيرا :
" تصبح على خير يا بول .... هل انت غاضب منى ؟ "

نظر إليها مليا ثم قال :
" لا ، لست غاضبا منك "

قالت بنفسها بأسى : " يا لى من فتاة تافهة ، لقد اثرت غضبك لأسباب غير معلومة " ، كانت تصرفاتها الليلة طفولية ساذجة ، أثارتها تلك المرأة التى راقصت زوجها فى السهرة .

وسواء اعترفت بذلك ام لم تعترف ، فان شعورها بعدم الاطمئنان هو السبب فى كل متاعبها ؟ فشهر العسل هو وقت للمحبة والحنان ..... وقد حقق لها بول كل رغباتها ، وكان فعلا محبا ورقيقا للغاية .

قال وهو يغلق الباب خلفه :
" اذا احتجب إلى ، فنادينى بسرعة "

ذهب وتركها وحيدة فى اضطرابها وخوفها .... انها متعبة ، متعبة ، متعبة !

وكما يحدث عادة بعد ليلة من المفاجآت والمشاكل ، غطت بروك فى نوم متقطع قلق تخللته الاحلام والكوابيس المزعجة . لم تكن لتعترف حتى داخليا بانها مرتاحة إلى وجود زوجها . وفى الوقت نفسه لم تنس اعلانه صراحة انه تزوجها بدون ان يحبها . فى البداية كانت الاحلام متناثرة تضم اشخاصا وامكنة واحداثا لا علاقة تربط فيما بينهما على الاطلاق . ثم اتضح الحلم ، وعاد بها إلى اللحظات التى سبقت حادث الغرق الذى تعرضت له فى المرفأ . اخذت تحس وكأنها تعيش المغامرة مرة أخرى ، وبشكل حقيقى جدا . فضاق نفسها بشدة وراحت تنتفض فى فراشها محاولة الخلاص من عذاب الحلم . كل أبواب السيارة مغلقة باستثناء الباب المجاور لها ، ومع ذلك لم تستطع الخروج منه . انطلقت صرخة رعب هائلة منها وهى تقاتل من اجل نسمة هواء منعشة فى ذلك الكابوس الثقيل . فجأة أضاء نور ساطع الغرفة المجاورة لغرفتها ، ثم دخل بول مسرعا وقال لها بعد أن ايقظتها صرخة الرعب أيضا :
" ماذا بك بحق السماء ؟ "

ردت بصوت واهن :
" انه كابوس مرعب "

اضاء بول نور الغرفة ، ثم اضاء ايضا مصباحى الطاولة المجاورة للسرير واقترب منها بلطف وهدوء . قالت له :
" آسفة لازعاجك فى هذا الوقت "

اجاب :
" لم أكن قد نمت بعد "

رفعت يديها نحو رأسها وهى تسأل :
" كم الساعة الآن ؟ "

" الوقت المعتاد الذى تستيقطين فيه ...... لقد تجاوزت الثالثة صباحا "

كانت عيناها تعكسان الخوف العميق الذى ما زالت تشعر به من جراء الكابوس . اقترب بول وجلس على حافة السرير قائلا :
" بماذا كنت تحلمين ؟ "

رفعت يدها تبعد الشعر عن جبينها ، فامسك بها بلطف وكأنه يحاول اعطاءها دفعة من القوة والارتياح . قالت وشفتاها ترتجفان بشدة :
" كنت أحلم بحادث الغرق "

ولكا شاهدها وقد اشرفت على البكاء ، صاح قائلا :
" لا تبكى "

فاجأها صوته الحاد ، وقالت :
" لا اظنك تعتقد اننى احاول جرك إلى فراشى "

" سواء حاولت أم لم تحاولى ، فانك تلعبين بالنار "

قالت وهى تحس النار تحرق وجهها :
" لا يمكن ان اكون بلا حياء إلى هذا الحد "

اجابها بحدة :
" حتى مع زوجك ؟ هل تريديننى ان اذهب ام ابقى ؟ والارجح اننا سنذهب الى النوم فورا "

جمدت عيناها فى عينيه وكأنها منومة مغناطيسيا وقالت :
" هذا أفضل "

غابت البسمة الساخرة عن شفتيه ورد بغضب :
" ترفضيننى ايتها المخادعة . وانت تتشوقين إلى "

صاحت بألم قاس :
" اذن ها أنا بين يديك "

وعلى حين غرة رفعها بين يديه قائلا :
" لا داعى للصراخ . ليس الآن يا صغيرتى ، بل فى يوم آخر ، انا استطيع ان اخرج من داخلك المرأة الناضجة المحبة ، لكننى لن أفعل ذلك وأنت فى هذا الحالة المزرية
توقف للحظات وهو يتأملها وتابع :
" انت جميلة جدا ومرغوبة جدا ..... فقط يجب أن تتعلمى معنى الحب أولا "

قالت وهى تريح رأسها على صدره العريض ، وفى الوقت نفسه تحس ذراعيه القويتين تسندان جسمها :
" حاول ان تتذكر انك لا تحبنى كما قلت "

سألها بجفاء :
" أنا لا أحبك ؟ يا لك من فتاة جاهلة "

ثم وضعها على السرير وسحب ذراعه من تحت رأسها قائلا :
" يوما ما ستهمسين فى أذنى الكلمة التى اتوق إلى سماعها . من أجل تلك اللحظة انا اضبط اعصابى بهذا الشكل .... وايضا لأقنعك باننى مختلف تماما عن الصورة التى رسمتها لى فى مخيلتك "

ردت والنعاس يغالب جفونها :
" ارجوك ،دعنى لوحدى "

" لو فعلت ذلك الآن لما استطعت النوم ابدا "

انحنى بول نحو زوجته وقبلها فى جبينها ، ثم وقف للحظات يتأمل وجهها المتعب . واخيرا احكم وضع الغطاء عليها وهو يقول :
" ايتها المرأة ، لااريدك ان تكونى الزوجة ، الضحية "

- دائما كنت لى






خلال الأسابيع القليلة التى تلت شهر العسل ، لاحظت بروك تغيرا واضحا فى تصرفاتها ، وشعرت كأن انسانة أخرى تختلف عنها تماما تولد من جديد . ومع انها لم تكن تتمتع بأوقات مرحة ومسلية ، الا انها كانت فى احسن حالاتها . فقد حل فصل الصيف باشعته الحارقة ، وسرعان ما تلونت بشرتها باللون البرونزى الجميل الذى تناسب مع عشرات قطع الملابس والمجوهرات التى أغرقها بول بها . كما وان رحيل ليليان ولويز فى جولة حول العالم لم يشعرها بالفراغ ، اذ كانت هناك لوسيا تؤنس وحدتها وترافقها فى معظم روحاتها وغدواتها . وبكلمة واحدة ، كانت بروك فخورة جدا كونها زوجة بول كوريللى وسيدة وينترسويت فى آن واحد .

شهد البيت الكبير الكثير من الحفلات واللقاءات الاجتماعية . ولكنها لم تكن مجبرة على القيام باعمال البيت وحدها ، فهناك إلى جانب لوسيا كل من جيانى والجنيناتى اللذين كانا يحضران ثلاثة أيام فى الأسبوع . ومع الوقت راحت بروك تكتشف ان اعمال زوجها الواسعة تبتلع معظم وقته ، فهى لا تعرف متى يغادر عند الصباح أو متى يعود عند المساء . وادركت ان السعادة الاكبر التى يحصل عليها بول هى وجوده بالقرب من زوجته الجميلة الشابة وابنته التى بدأت تخرج من قوقعتها وعزلتها . ومع انه كان محط انظار النساء فى كل الحفلات ، الا انها باتت اقل غيرة من قبل ..... فهذا الرجل هو زوجها الذى يسعى جاهدا من اجل سعادتها ، ولن يسمح لاى شئ بتعكير صفو بيته.

شاهدت بروك وهى فى غرفة نومها سيارة كارلا تعبر البوابة الامامية للبيت , فاحست بانقباض خفيف فى صدرها . والواقع انها لم تستطع الارتياح لوجود كارلا , رغم ان تصرفات هذه الاخيرة منذ انتهاء شهر العسل كانت طبيعية وصحيحة ومحترمة . فقد قررت ان لا تعود الى كينيا بعد الزواج , بل تريد البقاء فى استراليا التى وجدتها مريحة ومسلية على الاقل لمدة سنة . الفكرة الاولى التى خطرت على بال بروك عند سماعها بهذا القرار ان هذه الفتاة الايطالية ما زالت تسعى وراء بول . ولكنها لم تستطع شيئا حيال ذلك . فبما انها قريبة العائلة فقد كانت بروك مضطرة الى دعوتها لكل الحفلات واللقاءات التى كانت تقام فى وينترسويت او خارجه .

لم تكن كارلا مدعوة هذا الصباح , ومع ذلك هاهى داخل البيت . وعلى عجل سرحت بروك شعرها , واسرعت لتقابل الزائرة فى المدخل الرئيسى . وعندما التقتا قالت كارلا بنوع من التحدى :
" صباح الخير يا عزيزتى "

" كيف حالك يا كارلا . كم انا سعيدة برؤيتك "

اجابت كارلا بحدة :
" دعك من هذا الكلام ايتها الصغيرة , انت تعرفين وانا اعرف اننا لا نحب بعضنا بعضا "

سألتها بروك على الفور :
" اذن لماذا انت هنا ؟ "

رفعت كارلا حاجبيها بلا مبالاة وقالت :
" جئت اعيد ولاعة بول التى نسيها فى الشقة مؤخرا ولم يعد لاخذها ... انها ولاعة ثمينة كما تعرفين "

فى هذه اللحظة اطلت لوسيا على السلم , لكنها توقفت فى منتصف الطريق عندما شاهدت كارلا , ثم قالت وهى تنظر الى بروك :
" كيف حالك يا كارلا ؟ "

ردت كارلا ساخرة :
" كيف حالك ايتها القطة الصغيرة ؟ اقتربى منى . فأنا لن آكلك "

قاطعتها بروك بجفاء :
" هل ترغبين فى مشاركتنا بفنجان من القهوة , فأنا ولوسيا كنا نستعد لذلك ؟ "

قالت كارلا :
" لا مانع ابدا " . ثم اضافت وهى تنقل بصرها فى اللوحات والتحف التى تملأ القاعة :
" اننى الاحظ تغييرا ملحوظا فى البيت مقارنة مع آخر مرة شاهدته فيها ؟ "

ردت بروك بارتياح :
" هذا صحيح , فبول ينفق الكثير على البيت "

اخفت بروك مشاعرها المتأججة فى صدرها كى لاتعطى غريمتها مجالا للشماتة بها . فكارلا امرأة صعبة المراس وخطيرة , وهى لا تخفى ابدا مشاعرها تجاه بول . ومع ان بروك مطمئنة الى ان زوجها لا يشعر بشئ تجاه قريبته , الا ان كل الاحتمالات واردة طالما ان العلاقة الزوجية الشرعية بينهما لم تأخذ مجراها الطبيعى بعد .

قالت لوسيا فى محاولة لكسر حدة الموقف :
" هل اخبر هارييت بطلباتنا ؟ "

ابتسمت بروك بلطف قائلة :
" اجل يا عزيزتى , سوف نتناول القهوة على الشرفة , فهناك الطقس ابرد "

هزت لوسيا رأسها موافقة وتوجهت الى المطبخ مسرعة . فى حين التفتت بروك الى كارلا قائلة :
" تفضلى الى الشرفة . وارجو ان تعطينى الولاعة الآن "

فتحت كارلا حقيبة يدها وهى تقول :
" طبعا ... ها هى , فأنا لا اريد الاحتفاظ بها , فهذه مسؤولية كبيرة نظرا لقيمتها الباهظة "

قالت بروك بهدوء بعدما لاحظت ان الولاعة هى تلك التى قدمتها لزوجها فى احدى المناسبات :
" انها قيمة جدا , ذهب من عيار 18 قيراط "

وبينما هى تضع الولاعة فى جيب سترتها , اذ بكارلا تقول بسخرية :
" لا تغضبى يا عزيزتى . انت فتاة حلوة ومتزوجة شرعا من بول , لكنك لن تستطيعى تلبية احتياجاته , او لنقل انك لا تحاولين ؟ "

حدقت بروك مطولا بالمرأة التى تقف امامها , ثم قالت وقد شحب وجهها :
" هل تريدين القول ان بول يزورك باستمرار ؟"

" هذا صحيح تماما "

ردت بروك وهى لا تصدق اذنيها :
" اننى لا اصدق , فذوقه اعلى من ذلك بكثير "

هاجمتها كارلا بلهجة ساخرة :
" الاصح انك لا تريدين التصديق . ان زواجكما ليس طبيعيا , أليس كذلك ؟"

جمد الدم فى عروق بروك وهى تقول :
" ان ما تقولينه يا كارلا خطير جدا . لست ادرى لماذا تتكلمين هكذا , ولن اكون مراعية بعد اليوم ؟ بل اقول لك انك شخص غير مرغوب فيه فى هذا البيت "

ابتسمت كارلا بلا مبالاة وقالت :
" يالك من فتاة ساذجة . فعلى الرغم من ذكائك ومركزك المرموق فى المجتمع , فانك متعطشة الى حب زوجك . صحيح انه يعطيك الثورة الطائلة لتلعبى دور سيدة البيت الكبير ... لكن الواقع مؤلم ومبك فعلا "

تعمدت بروك الكلام بهدوء , وان كانت تتمنى لو ترمى غريمتها خارج البيت بلمح البصر :
" ولماذا ابكى واتألم ؟ زوجى يعاملنى بلطف وتفهم , لوسيا الصغيرة سعيدة جدا بعيدا عنك , وانا غير ضعيفة امامك ! لا اريد ان اطردك الى الخارج ., لكننى اتمنى ان ترحلى على الفور ... فنحن لا نناسب بعضنا ابدا "

ألحت كارلا فى الكلام متجاهلة طلب بروك :
" ايتها العروس الحزينة ... اننى سعيدة لهذا الحديث الممتع " . تمهلت للحظات قبل ان تتابع : " لا ضرورة لطردى , سأذهب من تلقاء نفسى "

ثم اطلقت ضحكة مجلجلة قبل ان تنهض وتسير باتجاه السلالم , ثم الى خارج البيت .

ظلت بروك واقفة هناك تراقب رحيل كارلا الى ان جاءها صوت لوسيا من الخلف :
"هل ذهبت ؟ "

" طلبت منها شخصيا ان تذهب "

قربت لوسيا مقعدا خشبيا من بروك وقالت :
" انا سعيدة . والآن نستطيع تناول القهوة بمفردنا . كانت كارلا دائما صانعة مشاكل , حتى ان آنا لم تكن تحبها ابدا . صحيح ان ابى دفع تكاليف رحلتها , لكن كان من المفروض ان تعود منذ مدة "

" حسنا , دعينا نتناول القهوة "

كان عليها ان تخفى عن تلك الصغيرة البريئة ما يعتمل فى داخلها من حقد وغضب , لذلك قالت :
" ما رأيك بدعوة كيت وميليسيا بعد الظهر ؟ لقد نظف جياني حوض السباحة ويمكننا ان نطلب من هارييت اعداد غداء سريع لكن ؟ "

ظهرت بشائر الفرحة على وجه لوسيا التى هتفت :
" هل استطيع فعلا "

ردت بروك بعطف وحنان :
" ليس من الضرورى ان تطلبى . هذا بيتك بقدر ما هو بيتى , وانا اريد رؤيتك سعيدة بين صديقاتك "

فى هذه الاثناء وصلت هارييت حاملة صينية القهوة , وقالت عندما وجدت ان الضيفة قد رحلت :
" هل تريدان القهوة فى الغرفة الشمالية ؟"

هزت بروك رأسها بهدوء :
" اجل , شكرا لك يا هارييت . ما رأيك بتناول القهوة معنا ؟"

تناولت هارييت مقعدا وقالت بسرور :
" لن ارد طلبكما . والآن ماذا اسمع عن مجئ بعض الضيوف بعد الظهر ؟ "

ردت لوسيا وهى تدور حولها :
" صديقتان فقط يا هارييت "

اجابتها هارييت مبتسمة :
" اننى اسأل فقط كى اعد الطعام اللازم ... فلا مشاكل فى هذا البيت "

لقد كان هناك شئ ما يشغل بال سيدة البيت , لكن هارييت لم تجد من المناسب طرح الاسئلة فى هذا المجال .

حل بعد الظهر وجاءت الصديقتان كيت وميليسيا لزيارة لوسيا . وبينما الفتيات الثلاث ملتهيات فى حوض السباحة , دخل جياني ليعلن لبروك ان السيدة سيمونز جاءت فى زيارة للأسرة . نهضت بروك مضطرة لترحب بالزائرة غير المتوقعة وتمضى معها بعض الوقت فى احاديث متنوعة . وبعد حوالى الساعة تقريبا تلقت اتصالا هاتفيا من صديقتها ماجى التى يبدو انها احست بما يشغل العروس الجديدة . اذ لم يمض وقت طويل الى الاتصال , حتى كانت تصعد سلم وينترسويت للقاء بروك .

قالت بروك مرحبة :
" اننى سعيدة جدا لهذه الزيارة يا ماجي "

قبلت ماجى وجنتى صديقتها وقالت بصوت متلهف :
" صوتك على الهاتف لم يعجبنى . والآن هيا اخبريني بمشاكلك . فليليان ولويز ليستا هنا , وانا صديقة حميمة وحافظة اسرار ايضا "

قالت بروك وهى تفكر :
" انك اكثر من طيبة معى يا ماجى . على فكرة , لوسيا تود ان تشكرك على الهدية الجميلة التى تلقتها منك "

قالت ماجي بلطف :
" لا داعي لذلك ابدا , فقد شكرتنى هاتفيا قبل ايام . انها فتاة طيبة وجميلة , وانت تحسنين معاملتها كثيرا "

ردت بروك :
" الامر سهل , فهى بحاجة الى من تنتمى اليه وتبنى معه علاقة متينة . لقد استطاعت اقامة علاقات صداقة مع عدد من تلميذاتى . انهن فى حوض السباحة الآن , وهارييت تعد لهن طعاما خاصا ..... لكننى لااستطيع التمتع بالاكل معهن ؟"

قربت ماجى كرسيها من مقعد بروك وهى تقول :
" وما السبب فى ذلك ؟ "

سرحت بروك بنظرها بعيدا ثم قالت :
" زارتني كارلا هذا الصباح . ومع ان لقاءنا كان قصيرا الا انها ازعجتنى للغاية ... فطلبت منها مغادرة البيت فورا "

بدا الاهتمام على وجه ماجي التى علقت قائلة :
" اننى لا ارتاح لتلك المراة . فهى جذابة جدا , وهناك شئ ما فى شخصيتها "

اجابت بروك بجفاء :
" بل دعينا نقول اشياء كثيرة غير واضحة "

حثتها ماجي على الحديث بقولها :
" اذن حدثينى . هل الامر متعلق ببول ؟ "

نظرت بروك الى صديقتها بحزن :
" اجل . هل اقدم لك شيئا قبل مواصلة الحديث ؟ "

هزت ماجي رأسها :
" لا , فقط اخبرينى بما يثقل قلبك وعقلك "

" هل الامر واضح الى هذا الحد ؟"

" اننى اعرفك تمام المعرفة . لقد حاولت كارلا الاساءة اليك , اليس كذلك ؟"

ضمت بروك يديها الى بعضهما وراحت تحدق بهما وهى تقول :
" لعلها كانت تقول الحقيقة العارية . لا استطيع ان اخبر احدا غيرك يا ماجي , لكننى غير قادرة على تحمل المزيد ... ان زواجى ليس على ما يرام , واظن ان كارلا تعرف "

صرخت ماجي وهى غير مصدقة :
" ايتها الطفلة العزيزة , انا اعرف ان زوجك يحبك حبا جما "

" لا يا ماجى "

" اذا لم يكن يحبك فعلا فهو يستحق اكبر جائزة فى التمثيل "

تنهدت بروك قائلة :
" كل الايطاليين بارعون فى التمثيل "

عادت ماجى تتساءل :
" هل تقصدين ان كارلا تدعى ان بول مهتم بها ؟ "

اجابت بروك بصوت متهدج :
" اجل . انت تعرفين يا ماجي ان زواجى هو زواج مصلحة وليس زواج عاطفة . ومنذ البداية كان يريد منى بعض الاشياء ... "

قاطعتها ماجي :
" يريدك انت "

" انه يريد بيتا وعائلة "

" وماذا فى ذلك "

انفجرت بروك وقد اعياها الصبر :
" اننا لا نمارس حقوقنا الزوجية "

نهضت ماجي من مقعدها وقد فاجأها كلام بروك :
" لكن من هو صاحب هذه الفكرة يا عزيزتى ؟ من المؤكد انه ليس بول ؟ اذا لا يمكن تكوين عائلة وكل من العروسين ينام فى غرفة منفصلة "

قالت بروك بلهفة :
" اريده ان يحبنى اولا يا ماجي ... فهو لم يذكر كلمة الحب امامى ابدا "

" وهل استعملتها انت ؟ "

انتفضت بروك باستنكار :
" طبعا لا . وسأكون غبية اذا فعلت . الا تلاحظين ان النساء يحمن حوله دائما ... فلماذا ارمى نفسى عليه ايضا ؟"

اجابتها ماجي بجفاء :
" نصيحتى لك ان تفعلى اذا ما اردت الاحتفاظ بزوجك "

همست بروك بضيق :
" تتكلمين وكأن الامر فى منتهى البساطة "

ردت ماجي بلطف :
" هو بسيط جدا اذا كنت تحبينه فعلا . فهل تشعرين بالحب نحوه يا عزيزتى ؟ "

هزت بروك كتنفيها بحيرة :
" لست ادرى . اننى اشتاق اليه عندما يكون غائبا , واحب نظراته وصوته واغانيه التى يرددها من اجلي . انه رجل مدهش , يدور فى كل الانحاء , ويعمل فى كل الاوقات دون ان يشعر بالتعب . انه يحب لوسيا وهى متعلقة به .. لكنه يعاملنى وكأننى اخته الصغري "

صرخت ماجي غير مصدقة :
" يا الهى , يبدو ان الوضع كله سئ للغاية . قولى ما تريدين يا عزيزتى , لقد شاهدت بول وهو ينظر اليك ... ولو ان رجلا نظر الى مثل نظرته اليك , لامضيت بقية عمرى فى سعادة طاغية "

" وماذا لو ان ما تقوله كارلا صحيح ؟"

" حتى الآن لم تقولى لى ما حدثتك به "

ارتجفت شفتا بروك قبل ان تجيب :
" لا اعتقد انه يستحق الاعادة مجددا , لكنه كان كافيا لهز اعصابى . ولا استطيع ان ازيله من فكرى ابدا "

بدا على وجه ماجي الاهتمام الكبير , ثم ربتت على يد بروك قائلة :
" يظهر من كلامك انك تحبين زوجك حبا جما . واذا كان ذلك صحيحا , فيجب عليك ان تحاولى انجاح زواجك . خاصة واننا جميعا نعتبره زواجا ناجحا . كل منكما يشكل جبهة لها مميزاتها الخاصة ... ولا اعتقد ان بول لم يحاول التقرب منك "

حدقت بروك بوجه صديقتها مستغربة :
" وهل انا مجنونة لكي اهتم بما اذا كان يحبنى ام لا ؟"

واجهتها ماجي بتحد :
" اظنه يحبك . اسمعى جيدا يا عزيزتى . لا تستطيع اى امرأة ان تبقى زوجها خارج غرفة نومها , هذا اذا كانت فعلا تريد لزواجها ان يستمر . النصحية الوحيدة التى اقدمها لك هى ان تتجاهلي كارلا وتحاولي غزو قلب زوجك . هناك نار تشتعل فى داخلك فلماذا لا تدعيه يراها ؟"

ردت بروك بهدوء :
" لربما حصلت على اكثر ما اريد ... فبول رجل غير عادي على الاطلاق "

قالت ماجى وهى تريد الترويح عن صديقتها :
" أليست هذه هى الحقيقة ؟ صحيح ان كارلا جرحت كرامتك , ولكننى اتجاهلها تماما لو كنت مكانك "


" كانت تملك ولاعة بول , وهى الولاعة التى قدمتها له بعد عودتنا من اسبوع العسل "

ردت ماجي بغضب :
" اغلب الظن انها تغير منك . ولربما حصلت على الولاعة بطريقة غير مباشرة , ولعلها اخذتها عندما كانت فى الحفلة الاسبوع الماضى "

قالت بروك بلهجة جادة حزينة :
" وهذا يعنى ان بول لا يهتم بهديتى اليه . لا استطيع ان اغير طبيعتى يا ماجي . اعرف ان الزواج مسألة مهمة , وان متطلباته كثيرة , ولكننى ارفض بصراحة ان اشارك زوجى حياته بدون قناعة "

علقت ماجي قائلة :
" هذه طبيعة بول ايضا . ان كرامته تمنعه من ان يقع فى احابيل امرأة مثل كارلا . لا يمكن ان تواصلى استجوابه ليلا ونهارا لمجرد كونه جذابا . ومن المؤسف انك لا تملكين ثقة اكبر بنفسك . انك رائعة الجمال هذه الايام , ولن يتطلب الامر منك كثيرا كي تحصلي على قلب زوجك . انا متأكدة انك لم تحاولى حتى "

" كلا لم احاول لاننى اعتقد ... الامر غير مهم فى اية حال "

راقبتها ماجي بتمعن ثم قالت بهدوء :
" خذي بنصيحتى ايتها العزيزة ... وارتدى الليلة اجمل قميص نوم عندك "

عندما حان وقت النوم , كانت بروك قد وصلت الى حالة من الارهاق يرثي لها .

فقد ظلت صامتة طوال العشاء , فى حين راحت لوسيا تراقبها بقلق بدون ان تجرؤ على سؤالها عما بها . كان بول قد اتصل هاتفيا ليبلغ زوجته انه سيتأخر فى العودة الى البيت , لأن المهندسين سيعقدون اجتماعا طارئا لبحث بعض المشاكل المتعلقة بمشروع البناء الذى ينجزه فى احدي ضواحي المدينة . تلقت بروك المكالمة بقلق غريب , لكنها لم تحاول ان تستوضح منه اكثر . فهذه هى النتيجة الطبيعية لزواج من هذا النوع ... ومع ذلك فقد اضطربت اعصابها لمجرد التفكير بما سبق وقالته كارلا لها .

بعد ان آوت لوسيا الى فراشها , قرع جرس الهاتف فرد عليه جياني . وعندما استفسرت بروك عن الهاتف قال الخادم الامين ان احدا لم يرد بل وضعت السماعة من الطرف الآخر على الفور. بعد عشر دقائق قرع الهاتف مرة اخرى فتناولته بروك هذه المرة . احست ان هناك انسانا ما على الطرف الآخر غير راغب بالحديث . وعندما همت بوضع السماعة تناهت الى اذنيها قهقهة ناعمة ساخرة ... ثم اغلق الخط .

سألها جياني الواقف الى جانبها :
" هل هناك ما يسئ يا سيدتى ؟ "

" مخابرة سخيفة يا جياني "

اكفهر وجه الخادم وهو يقول :
" هكذا اذن . دعينى اهتم بالموضوع شخصيا يا سيدتى "

هزت بروك رأسها مبتسمة :
" شكرا لك يا جياني "

" انا بالخدمة يا سيدتى , هل تريدين شيئا آخر ؟"

" لا , اعتقد اننى سأذهب الى فراشي مثل لوسيا . تصبح على خير يا جياني , فانت تجعل الحياة سهلة فى هذا البيت "

انحنى جياني باحترام شديد ثم قال :
" انا سعيد برأيك هذا . هل سيعود سيدي قريبا ؟ "

قالت باقتضاب :
" لا اظن ذلك "

لم تنفع مواقف جياني الطيب فى ازالة التوتر والضيق عن نفسها .

فاذا لم تخدعها اذناها , فان تلك الضحكة هي لكارلا . لقد سمعتها تطلق مثل هذه الضحكة فى احيان كثيرة . هل اتصلت لمجرد السخرية منها . كي تؤكد لها ان الوضع غير سليم ؟

واخيرا قررت ان تستحم , لعل الماء الدافئ ينعشها ويبعد عنها الافكار المتضاربة التي تضج فى رأسها . وضعت كمية من صابون الحمام الوردي اللون , ثم انزلقت فى الحوض عندما وصلت الرغوة والفقاقيع الى اطرافه الداخلية . وهناك حاولت ان تريح جسدها واعصابها , لكن افكارها ظلت تدور حول كارلا وبول .

وفجأة سمعت صوت بول ينادي من الخارج :
" حبيبتي ؟ " فانتصبت فى مكانها , ثم عادت لتخفي جسدها فى الماء .

" أين انت يا بروك ؟ "

كان صوته ملحا وآمرا . ولا شك انه دخل عبر الباب الجانبي , لانها باتت تسمع وقع قدميه فى غرفة نومها .

ردت قائلة :
" اننى فى الحمام "

انزلقت اكثر فى الماء كي تخفي جسدها عن عينيه وهي تشعر بالخجل الشديد لانه سيدخل عليها خلوتها .

وعندما دخل قال بنعومة ومحبة وهو يسند ظهره على طرف الباب :
" من قال ان اللون الزهري لا يناسب ذوات الشعر الاحمر ؟ "

تضرجت وجنتا بروك بالدم وقالت :
" سأكون معك بعد قليل ؟ "

" طبعا يا عزيزتى , فأنا انتظرك على أحر من الجمر . كان يوما متعبا , لكن وجودك هنا يجعل العودة الى البيت هى السعادة بعينها "

صرخت بضيق وقد شعرت بعينيه وكلماته تثير مشاعرها واحاسيسها :
" ارجوك دعني لوحدي "

قال وعيناه تلمعان ببريق غريب :
" اعرف انك خجولة جدا , لكننى زوجك ولا اظن ان هناك ما يمنع وجودي هنا "

بدأت اعصابها تتوتر وهي تقول :
" هناك ما يمنع طبعا "

ظل للحظات يحدق فيها , ثم قال ضاحكا :
"عليك بالاسراع , فانت تعرفين اننى اكره البقاء وحيدا "

وما ان غادر الحمام , حتى هبت بروك واقفة من الحوض تنشف جسدها بمنشفة وردية اللون كانت بمتناول يدها . وكم كانت دهشتها كبيرة عندما لاحظت انها لم تحضر معها قميص النوم او حتى روب الاستحمام .

" ماذا يؤخرك يا عزيزتي ؟"
ومع الصوت دخل بول الحمام مجددا . كان قد خلع ربطة عنقه والسترة , وفك بعض ازرار القميص بحيث بان الشعر الكثيف فى صدره .

قالت له فورا :
" لقد عدت ابكر مما كنت اتوقع ؟ "

اقترب منها ينشف لها شعرها وهويقول :
" هل من الضرورى ان تكلميني بهذا الاسلوب ؟ كان يوما متعبا مرهقا , وقد اشتقت اليك كثيرا "

همست بتعب :
" ارجوك ابتعد عني "

قال لها :
" اهدأى الآن "

ثم حملها بسهولة بين ذراعيه وادخلها غرفة النوم ليضعها على السرير الواسع . وكانت طيلة الوقت تنظر اليه بعينين خائفتين وكأنها حيوان أليف يواجه وحشا مرعبا .

قال بدون ان يحاول الاقتراب منها :
" ما هذا التعبير على وجهك ؟ مما انت خائفة حقا ؟ "

ردت بسرعة محاولة اخفاء اضطرابها :
" لعلي اشعر بالبرودة قليلا "

تحول هدوء صوتها الى لهجة غاضبة ساخرة :
" تبدين جذابة ومغرية "

وفجأة حانت منها التفاتة عابرة الى الغرفة , فوجدت انه احضر معه باقات عديدة من مختلف انواع الزهور فقالت :
" شكرا لك . انها لطيفة وجميلة "

اقترب منها قائلا :
" ها قد لاحظت وجودها . هل تشعرين بالخجل ؟ "

قالت بارتباك :
" انا لست مناسبة لك يا بول . انت تعرف حقيقة مشاعرى , ولا استطيع ان اتقمص ما لست احسه "

رد عليها وهو يجلس الى جانبها فى السرير :
" انا اعرف ما تحدثيننى به فقط . هل هناك شئ غريب , شئ تريدين ان تخبريني عنه ؟"

قالت بصعوبة بعد ان لاحظت عينيه تتأملان وجهها وكتفيها العاريتين بشغف :
" ابدا ... ابدا , لا شئ على الاطلاق "

اجابها بلطف :
" اخبرني جياني انك كنت مضطربة ومتوتة . اما الآن فانت تشعين كوردة رغم اننى لم المسك بعد . هذه الورود لكلانك تفضلينها وتحبينها "

اشاحت بوجهها عنه وهى تريد الهرب منه :
" انا آسفة يا بول ... اننى لا اناسبك ابدا "

وافق بمرارة :
" حتى الآن نعم , ومهما كان الامر فانت لى ولست فى وارد التخلي عنك ابدا "

" لكن الصفقة عقدناها ... انا غير قادرة على اعطائك اى شئ ... ابدا "

قال ساخرا :
" ارجوك , دعينا نتخلى عن الدراما للحظات . ما لا تستطعين اعطائى اياه سآخذه بنفسى . انا اعرف انك لا تحبيننى , لكنك ستحبين ابننا "

لم تجب بروك على الفور , لكنها تحركت عندما اقترب منها , وقالت :
" لا اعتقد انك نسيت وعدك "

قال بصوت قاس ساخر :
"عانيت الامرين من هذا الوعد . لقد اثرت غضبي كثيرا ... كل هذه النار وهذا الجليد . انت رائعة , وكل ما اريده هو ان احبك , ومع ذلك تواجهيننى بهذا الموقف الغريب . انت لا تستطيعين اعطائى شيئا .. يا لك من طفلة غبية بينما انا اريد امرأة ناضجة "

احست بالغيرة تنهش قلبها , فقالت بمرارة :
" انك تمزح ولا شك ؟ اقصد كم امرأة تحتاج فى اليوم الواحد ؟"

انتفض بحدة :
" انت مجنونة بلا شك ؟"

نظرت اليه بحدة قائلة :
" لست مجنونة على الاطلاق . انت تعتقد نفسك ذكيا ومراوغا , لكننى اكتشفتك اخيرا يا بول كوريللي "

ظل للحظات يحدق في عينيها بحدة , وقد تقلصت عضلات وجهه غضبا ثم قال :
" انت مجنونة فعلا "

وبحركة غاضبة ابعدها عنه فوقعت على السرير كأنها كومة من القش ثم قال :
" لا املك صبرا كبيرا دائما , والافضل ان توضحى اقوالك فورا "

ابتعد عن السرير قليلا وتابع قائلا :
" والان ماهى هذه الثرثرات والشائعات التى اثارت غضبك الى هذا الحد ؟"

قالت بغضب :
" اريد ان ارتدى قميص نومى اولا "

رد بسخرية :
" ولماذا ؟ "

" توقف عن هذه اللهجة يا بول "

" هذا بيتى أليس كذلك ؟ واذا اردت ان انظر الى زوجتى فسأفعل . لا اعتقد انك تريدننى ان اغادر البيت ؟ وحتى لو اردت فلن افعل . والآن يا آنسة هل تودين اخبارى عن حقيقة تصريحاتك الاخيرة ؟ "

قالت وفمها يرتجف بشدة :
" ارجوك . انا اقول دائما انك تعرف كيف تجعل المرأة تعاني وتتعذب ؟ "

اقترب منها مجددا وهو يقول بلهجة ساخرة :
" حقا . اعتقد اننى كنت لطيفا جدا فى التعامل معك "

قاطعته صارخة :
" اذن افعل ما اطلبه منك : اذهب ودعني لوحدي "

" ابدا "

وفجأة ادركت انه ابعدته عنها ما فيه الكفاية , وانه قد وصل الى نقطة اللاعودة فى نفاد صبره وغضبه .

واصل بول كلامه قائلا :
" لقد جربت كل الوسائل الممكنة من اجل تلبية احتياجاتك . والآن حان دورك لتلبية احتياجاتي "

اخذ قلبها يخفق بشدة , وهى تقول :
" واذا لم استطع ؟"

وقف الى جانبها وبدأ فى فك ازرار قميصه , ثم قال :
" مهما كان الامر فنحن رجل وامرأة يربطنا الزواج "

همست بعد ان لاحظت اصراره العنيف :
" سوف اقاومك بكل ما اوتيت من قوة "

استلقى الى جانبها يضمها الى ذراعه قائلا :
" قاومينى يا حبيبتى ... فالأمر لم يعد مهما "

ظلت ذراعاه حولها الى ان خارت قواها , ولم تعد قادرة على المقاومة .

وماهى الا دقائق حتى تحولت الرغبة فى المقاومة الى رغبة فى المشاركة والحب والحنان .

قال لها بصوت متهدج :
" انت لى , دائما كنت لي , قوليها ايتها الحبيبة "

كان قلبها يخفق بشدة واعصابها مشدودة كالوتر , لكنها استطاعت القول :
" لا "

" مهما كان , فعيناك تقولان العكس . سأتركك فورا اذا اردت ذلك "

" ايها القاسى ... "

قاطعها بضمة قوية قائلا :
" انت تقولين ذلك ! انت التي عذبتني يوما بعد يوم وليلة بعد ليلة , قولي انك تحبينني وتريدينني "

قالت بصوت ضعيف هامس :
" اجل "

وهكذا بدأت الحياة بينهما , جميلة مثيرة ومليئة بالعواطف الملتهبة الرائعة


- أنت جوهرة حياتي


استيقظت بروك متأخرة فى صبيحة اليوم التالي لتجد نفسها وحيدة فى السرير . وكم كانت دهشتها كبيرة عندما أحست بالوحدة والفراغ لغياب بول ... وراحت تتساءل فى سرها عن السبب الذى منعها بالامس من الاعتراف لزوجها بحبها الكبير العميق . انها مشتاقة اليه , وها هي تتحسس الوسادة والغطاء حيث كان يرقد قبل قليل .

ستتصل به هاتفيا على الفور , تتكلم اليه , تعترف له بحبها واشتياقها .

كانت العواطف تجتاح نفسها وتدفعها الى التفكير فيه كل لحظة . تمطت بروك فى سريرها بكسل وارتياح وهى تتذكر تفاصيل الليلة الماضية . كان بول عنيفا فى البداية , لكنه تحول الى اللطف والحنان فور سقوط الحواجز بينهما . وهي الآن تريده معها باستمرار , وستظل تريده حتى يتوقف قلبها عن الخفقان . لم يعودا شخصين غريبين متخاصمين , بل اصبحا روحا واحدة وقلبا واحدا وجسدا واحدا ... ومن الضرورى ان تتصل به على الفور لتأكيد هذه الحقيقة .

التمعت عيناها بالفرحة وهى تقفز من فراشها مسرورة مرتاحة . غطت جسدها بقميص نوم خفيف , ثم فتحت النافذة لتستنشق الهواء العليل الآتى من الحدائق الشاسعة الخلابة . ولأول مرة منذ اشهر ترى جمال الحدائق من منظار جديد ملئ بالامل والتفاؤل . لقد اصبحت كارلا وكلامها وثرثراتها بعيدة كل البعد , وباتت نفسها مطمئنة الى حب زوجها وتعلقها به .

خبأت بروك شعرها خلف قبعة من البلاستيك ودخلت الى الحمام لأخذ دوش منعش . فاليوم يحمل المثير من المفاجآت , وفى المساء سيحضر بول الى البيت مشتاقا ... أجل , بول زوجها الحبيب .

وكما هو متوقع , لم تستطع بروك ان تعثر على زوجها فى مكتبه اذ كان جواب السكرتيرة الدائم انه توجه الى احدى العمارات قيد الانجاز بدون ان يحدد موعد عودته الى المكتب . وابلغتها السكرتيرة انه دعي الى تلك العمارة لمعالجة بعض المشاكل العالقة , وانه بامكانها الاتصال به هناك اذا كان الامر ضروريا وملحا . لكن بروك قالت ان الامر غير ملح وانها ستنتظر زوجها على العشاء . كانت تريد فقط ان تقول لبول انها تحبه , وانها سعيدة ... وقد ظهرت سعادتها على شكل ابتسامات وزعتها على كل الذين التقت بهم فى البيت هذا الصباح المشرق .

مضى كل شئ على ما يرام هذا النهار . فقد حمل بريد الصباح رسائل من ليليان ولويز تتحدثان فيها عن تفاصيل رحلتهما , والاماكن التى زارتاها , والاشياء التى اشترتاها , والحفلات التى اقامتاها .

بدت التفاصيل مملة لبروك , لكنها ولاشك مناسبة لطبيعة امها التى اعتادت فى حياتها نمطا محددا من العلاقات الاجتماعية الراقية .

كانت بروك تجلس فى الشرفة تتمتع باشعة الشمس المنعشة , وفى الوقت نفسه تراقب لوسيا فى حوض السباحة ... عندما قرع جرس الهاتف . لم تعرف من الهاتف , لان جياني هو الذى تولي الرد , لكنها عندما شاهدت تعابير وجهه بعد لحظات ادركت ان شيئا ما حدث وصاحت بلهفة :
" بول ؟ "

اسرع جياني لاسناد سيدة البيت التي هزها الموقف وهو يقول :
" ارجوك يا سيدتى , يقولون انه نقل الى المستشفى لمعالجة اصابته .
كان هناك حادث عارض , وقد اسرع لمساعدة احد العمال فاصيب ايضا . والحقيقة اننى لم اسمع جيدا ما حدثني به السيد كولينز لان الحادث اضاع صوابي . السيد كولينز هو المشرف على العمل ... وللوهلة الاولى اعتقدت "

قاطعته بروك قائلة :
" لا ارجوك يا جياني "

نزعت بروك نظاراتها الشمسية , فبدت عيناها الخضراوان فزعتين غائرتين وقد زاغت نظراتهما , تابعت تقول وشفتاها ترتجفان :
" يجب ان اذهب الى المستشفى حالا يا جياني . وعلينا ان نبلغ لوسيا بالخبر . انا خائفة جدا . لماذا لم تتركنى ارد على الهاتف ؟ "

" طلب منى السيد كولينز ان انقل لك الخبر بلطف . لقد كان هو نفسه مضطربا وعليه القيام بأعمال كثيرة عاجلة "

همهمت بروك بصوت خافت :
" لا بأس يا جياني , أننى أفهم الوضع . لقد استيقظت سعيدة هذا الصباح وحاولت كثيرا الاتصال به . ارجو ان تطلب من بوب تجهيز السيارة , ثم عد الى فراشك كي ترتاح من وقع الصدمة , فأنا اعرف كم انت مرتبط بزوجى . سوف اتصل بك من المستشفى , ولعل اصابته غير خطيرة . اتمنى من الله ان يكون بخير ... لاننى لا استطيع العيش بدونه "

نظر جيانى الى حوض السباحة قائلا :
" وماذا عن لوسيا الصغيرة ؟ "

" سوف اخبرها الآن , ويمكنها ان ترافقنى الى المستشفى ... فلاشك انها تريد رؤية ابيها "

ثم نادت على لوسيا , التى التفتت نحوهما وهي تلوح بيدها فرحة وسعيدة .

قال الخادم الأمين :
" لماذا لاترتاحين قليلا , واتولى انا مهمة ابلاغ لوسيا ؟ "

انهارت بروك فى مقعدها وهى تتنهد :
" آه يا الهى ! "

وضع جياني يده على كتف بروك لمواساتها , ثم سار باتجاه الحوض وهو ينادي على لوسيا بالايطالية . وعندما وصل اليها , مد يده لمساعدتها على الخروج من الماء ... وبعد ذلك رأته بروك وهو يحتضن الفتاة الصغيرة التي أجهشت ببكاء حاد .

قالت بروك بنعومة عندما وصلت لوسيا الى جانبها :
" ايتها الصغيرة الحبيبة . يجب ان نستعد للذهاب الى المستشفى ,. انك تريدين مرافقتى , أليس كذلك ؟ "

" طبعا ... طبعا "

حاولت لوسيا ان تضع على وجهها قناعا من الشجاعة , لكن بروك استطاعت ان تلمح في عينيها خوفا عميقا وتوترا ملحوظا .

كان جو الوجوم فى البيت يعكس نفسه بوضوح على وجه بروك . فقد كانت تضبط اعصابها كي لا تنفجر بالبكاء امام هارييت التى راحت تهتم بلوسيا وجياني المتوتري الاعصاب . لم يكن بول فى حالة خطيرة , لكن الافكار السيئة ظلت تراودها وترعبها حتى وهى ترتدي ثيابها بسرعة . من غير المعقول ان يخطف الموتبول منها وهى فى بداية السعادة ؟ انها تحبه بشغف , ومع ذلك لم تقل له الكلمة التى انتظرها طويلا . ولو حدث مكروه له لاقدر الله , فهي لن تسامح نفسها طيلة الحياة . لم يعد يعنيها شئ فى الكون سوى بول . لقد كان يريد طفلا منها , ويريد محبتها ومشاركتها فى كل شئ ... اما هي فظلت تتجاهله رغم انه اغرقها واغرق عائلتها بالهدايا القيمة المتنوعة . حتى انها اتهمته زورا بعلاقة ما مع كارلا فى الوقت الذى تعرف فيه انه مخلص لها حتى الموت . لعل ما حدث الآن هو عقابها ؟ ولعلها ستبقى وحيدة فى وينترسويت مع وريث بول الوحيد ... لوسيا ؟ لقد احبت لوسيا ولاشك , لكن حبها لبول اعمق بكثير ...انه الحب الاكبر فى حياتها , وبدونه ستعيش وحيدة حزينة كل ايامها الباقية .

انهمرت دموع غزيرة على وجنتيها فاسرعت تمسحها بظاهر كفها كي لا تفضح حزنها امام الأخرين . عليها ان تكون القوية فى البيت , على الاقل حتى الوصول الى المستشفى . فلوسيا ليست الا طفلة متعلقة بابيها , ولا شك انها تعانى الامرين الآن . كم تتمنى لو انها تكلمت شخصيا مع السيد كولينز , فالارجح انه يعرف تفاصيل اصابة بول ... فقد تكون جراحة داخلية ؟ عند هذا الحد من التفكير , اطلقت بروك تنهدة الم واسرعت الى حيث ينتظر الجميع .

كان السير كثيفا طيلة الطريق , واكثر من مرة شعرت بروك برغبة عارمة لاطلاق صوتها بالصراخ ضد كل السائقين ورجال المرور . لكنها لم تفعل ... فقد خيم الصمت عليها وعلى لوسيا وكأنهما سارحتان فى افكار عميقة بعيدة . لا شئ يقال الآن ... مجرد الانتظار والترقب والدعاء .

فلم تكن تتصور ان تجد بول الشامخ الممشوق القوام طريح الفراش جريحا














وجد السائق مكانا للتوقف قريبا من المدخل الرئيسى للمستشفى , فأسرعت بروك الى مكتب الاستعلامات للاستفسار عن مكان وجود زوجها . حولتها الموظفة هناك الى ممرضة أخرى طلبت منهما ان تتبعاها .

أمسكت بروك يد لوسيا بحزم وسارتا معا خلف الممرضة بخطواتها الواسعة الواثقة . وادركت بروك على الفور ان الممرضة تقودهما الى جناح الطوارئ , وهذا يعنى ان بول لم ينقل بعد الى غرفة خاصة . ومع المضى قدما وسط الاصابات العديدة الموجودة فى ذلك الجناح , بدت على لوسيا علامات التأثر والاضطراب مما دفع بروك الى الضغط على يدها بشدة فى محاولة لتشجيعها وتهدئة أعصابها .

قالت الممرضة فجأة :
" انتظراني هنا من فضلكما "

استدارت الممرضة نحوهما وابتسمت مشجعة , ثم اشارت عليهما بالجلوس فى مقعدين مجاورين ... ففعلتا بانصياع تام وابصارهما شاخصة الى الباب المجاور . مضت عدة دقائق , قبل ان يطل عليهما رجل متوسط العمر قائلا:
" السيدة كوريللي ؟ "

قفزت بروك واقفة وقلبها يخفق بشدة لدى سماعها النداء وواجهت الطبيب بشجاعة مصطنعة متسائلة :
" كيف حال زوجى الآن يا دكتور ؟ "

تنهد الطبيب وهو يرفع النظارات عن عينيه قائلا :
" اعتقد ان عليك ايتها السيدة توجيه الدعاء والشكر لله العلي القدير لانقاذه زوجك . انه بخير الآن , لكننى اود ابقاءه قيد المراقبة ليوم او اثنين . فمن الافضل مراقبته لانه مصاب بجروح فى الرأس . لاوجود للكسور مثل تلك التى أصابت العامل المسكين ... فقد ذهب زوجك لمساعدته عندما اصيب هو الاخر , لكنه انقذ حياته فى النهاية "

ردت بروك بلهفة :
" هل استطيع رؤيته يا دكتور ؟ " . ثم تذكرت انها فى لهفتها نسيت لوسيا فأردفت تقول : " هذه لوسيا ابنة بول "

هز الطبيب رأسه تأدبا وقال :
" للحظة واحدة فقط , ثم سآمر بنقله الى غرفة خاصة . لقد استعاد وعيه لفترة قصيرة ثم عاد الى غيبوبته . لا وجود لعلامات تدل على اصابة الدماغ , وعلينا فقط الانتظار حتى يعود الى طبيعته . اما العامل الآخر فاصابته غير خطيرة نسبيا , ولكنه يعانى من آثار الصدمة لانه يعتبر نفسه مسؤولا عن الحادث ... ولا اعتقد انه سيشفى تماما حتى يشاهد زوجك مجددا على قدميه . والآن ارجوكما لحظة واحدة فقط , فانا اعرف انكما ستعشران بالتحسن بعد رؤيته . لقد اضطررنا الى حز بعض الشعر لوضع الضمادة على رأسه " .

خفق قلب بروك بشدة عندما شاهدت بول مطروحا على طاولة الجراحة ورأسه محاطا بالضمادات الطبية . كان رأسه مائلا الى الجهة الاخرى وقد شحب وجهه تماما بحيث بانت عظامه تحت الجلد المشدود .

لم تستطع بروك ان تحبس تنهدة ألم وهى تشاهد زوجها الجريح . ثم اقتربت من الطاولة لتتمعن جيدا فى الوجه , فى حين اتخذت لوسيا موقعها من الجهة الاخرى .

قال الدكتور بصوت خافت :
" الجرح فى الرأس سطحي . وتقدير الاشعة يؤكد ان كل شئ على ما يرام . مع ذلك يجب مراقبته . انه رجل محظوظ جدا وقوته الجسدية ساعدته كثيرا فى تحمل الاصابة . سأذهب الى البيت الآن ولكننى سأظل على اتصال هاتفى مع المستشفى . ولا داعى لأن تقلقا ابدا "

أجابته بروك بالنيابة عنها وعن لوسيا :
" لا نستطيع منع القلق . نحن نشكرك يا دكتور لانه بين ايد امينة "

جاهدت بروك طيلة بقية اليوم والليلة كي تعيش على الأمل الذى أعطاه لها الدكتور . صحيح انه بين ايد امينة , فقد عرفت فيما بعد ان طبيب زوجها هو واحد من اشهر جراحى الاعصاب فى استراليا , ومع ذلك لم تستطع ان تغمض لها عين , اذ ظلت تتوقع ان يقرع جرس الهاتف بين لحظة واخرى . وفى النهاية راحت تردد فى سرها : " كل شئ سيكون على ما يرام ... كل شئ سيكون على ما يرام "

استيقظت بروك صباحا وهي تعاني من صداع حاد . كان البيت في حركة هرج ومرج , ولذلك تناست متاعبها لتسيطر على الجو كله . بعد ذلك اتصلت بالمستشفى حيث تلقت أنباء سارة تقول ان حالة زوجها مستقرة وانه استعاد وعيه خلال الليل , ثم سألت عن امكانية زيارته ومواعيد الزيارة .

فى هذه الاثناء كان الجميع محلقين حولها وعيونهم شاخصة مترقبة .

سألتها لوسيا :
" كيف حاله الآن ؟ "

رددت بروك الرسالة التى تلقتها من المستشفى ... ثم انفجرت باكية .

قالت هارييت وهي تربت على كتفها :
" رويدك الآن ... سوف اعد فنجانا من الشاى . انا على ثقة ان كل شئ سيكون على ما يرام "

أحست بروك بموجة عارمة من الارتياح تجتاح جسدها , فأمسكت بيد لوسيا التى قالت بحنان :
" سوف ابقى هنا عندما تذهبين لزيارة ابى ... فلاشك انه يريد رؤيتك على انفراد "

" ما هذا الكلام ؟ سنذهب لرؤيته معا , واذا كان وضعه جيدا سنسمح لجياني برؤيته ايضا "

انحنى جياني لبروك معربا عن امتنانه وقال :
" اشكرك يا سيدتى , لقد صليت كثيرا , ولاشك ان العلى القدير استجاب لدعواتي "

مضى الوقت بطيئا من جراء ازدحام السير , لكنهما وصلتا الى المستشفى اخيرا , واصرت لوسيا على ان تدخل بروك اولا . كان بول قد نقل الى غرفة خاصة فيها كل مستلزمات الراحة . ومع ان عينيه كانت مغلقتين , الا انه سمع وقع خطواتها فقال على الفور :
" بروك "

وعندما حاول الجلوس فى سريره أسرعت اليه بروك وهي تقول بلطف :
" لاتفعل يا بول . ارجو ان تظل مستلقيا "

اعترض بصوت واهن :
" ولماذا أظل مستلقيا ؟ "

نظرت اليه بعينين ظهرت عليهما آثار السهر والقلق , قائلة :
" انت الآن فى المستشفى بعد ان اصبت بضربة قوية على رأسك . كيف حالك الآن ؟. ارجوك لا تتحرك , ستؤذى نفسك اذا فعلت . لوسيا فى الخارج تنتظر دورها لرؤيتك . لقد سببت لنا حالة من الفزع لاتوصف "

جاهد بول كي يخرج صوته قويا ثابتا :
" ارجوك ايتها الصغيرة . سأرى لوسيا بعد لحظات . والآن اخبرينى لماذا انت فى هذه الحالة ؟ "

" انت تعرف , لقد كنت فى غاية القلق والتوتر"

احاط وجهها بيديه وقال :
" تعالي الى صدري "

" قد يسبب لك ذلك الألم الشديد "

قال وهو يضمها الى صدره بحنان ورفق :
" ايتها المغفلة الصغيرة ... تعالي "

همست وهي ترتاح بين ذراعيه :
" انني احبك "

سألها وعيناه تحدقان فيها :
" هل تحبينى فعلا ؟ "

اجابت :
" حتى الموت .... وارجو ان تسمح لي ان اعبر لك عن حبي عندما تعود الى البيت "

ابتسم بلطف وهو يقول :
" طبعا ... طبعا . انا آسف لاننى سببت لك الخوف يا زوجتي الصغيرة الجميلة . يبدو عليك وكأنك مررت في حالة من الضياع والتشتت , أو بمعني آخر أزمة صغيرة عابرة "

ردت عليه بصوت متهدج :
" بل أكبر أزمة فى حياتي . يجب ان استدعي لوسيا , فهي قد عاشت الظروف الصعبة نفسها ايضا "

قال دون ان يرفع عينيه عن وجهها :
" ادخليها يا حبيبتى , فأنا مشتاق لرؤيتها . واذا ما سارت امورى على ما يرام فسأكون فى البيت غدا صباحا "
قالت بروك بحماس وهي تستدير نحو الباب :
" آه كم أتمنى ذلك "

دخلت لوسيا متوترة خائفة , ولكنها عندما شاهدت أباها جالسا بشكل طبيعى , عادت الروح الى نفسها وألقت برأسها على كتفه قائلة :
" الحمد لله على السلامة يا أبى "

وبالفعل خرج بول من المستشفى في اليوم التالي , بعد ان اكد الطبيب لبروك ان كل شئ على ما يرام . كان بول قادرا على تذكر الحادث , حتى اللحظة الحاسمة التي ابتعد فيها مع العامل المصاب عن منطقة الانهيارات الخطرة . لم يعد هناك سبب للقلق , وقد استغل بول الساعة الاخيرة من وجوده فى المستشفى للاطمئنان على صحة العامل الذى كان موجودا معه فى المبني نفسه . وكم كانت راحة العامل كبيرة لرؤية رب عمله سليما معافي , وان كان يعرف ان عليه الاجابة على عدد من الاسئلة الهامة عندما يماثل الى الشفاء .

ظل الهاتف يرن فى البيت طيلة النهار . بعض الاصدقاء الذين كانوا يريدون مواساة بروك على مصابها تحولوا الى التهنئة عندما علموا ان بول قد عاد الى البيت بخير وسلامة . وعند الظهر تلقى جياني مخابرة كارلا , فأشار بعينه الى بروك يعلمها بهوية المتصلة ... وعندها أصرت ربة البيت على أن تجيب بنفسها .

أخذت بروك السماعة بحزم قائلة بصوت واضح :
" هنا بروك يا كارلا "

قالت كارلا بحدة :
" متي سيعود بول الى البيت ؟ "

" اليوم "

" هل انت جادة ؟ "

ردت بروك بهدوء :
" اقصد ان هناك اشياء اخرى اود ان اوضحها لك . لقد حاولت التلاعب بنا , وفشلت , زوجي عائد بعد الظهر الى البيت ويمكنك التحدث اليه فى اى وقت تريدين . ولأنه رجل محترم وقريب لك , فهو مجبر على الرد عليك ... لكن ليس اكثر من ذلك . ولا اعتقد يا كارلا انك ستضطرينني الى ابلاغه بكل آكاذيبك ؟ والآن ارجو ان تعذريني , فلدى اشغال كثيرة فى البيت ... فنحن نعيش جو الاحتفال والفرح هنا "

حاولت كارلا ان تقاطعها قائلة :
" لكن يا بروك ... "

ردت بروك وهي تشعر بالنص والتشفى :
" وداعا يا كارلا "

تناول الجميع الغداء وسط اجواء من الفرحة العامرة . فجياني كان يبدو وكأنه عاد فى العمر عشرين سنة الى الوراء , اما لوسيا فلم تتوقف عن الكلام واطلاق النكات وكأنها تحاول التعويض عن اليومين الماضيين . فى هذه الاثناء كانت بروك تتأمل الجميع بهدوء , بحيث بدت وكأن القلق والتعب قد استهلكا كل قوتها .

لاشئ يهم الآن طالما ان بول خرج من الحادث سليما , وها هو على رأس الطاولة يوزع ابتساماته فى كل اتجاه . وتساءلت بروك فى سرها : " تراه يعرف كم كان قلقها كبيرا عليه ؟ "

عندما حان موعد النوم , ارتدت بروك قميص نومها الحريرى بعد ان وضعت قطرات من عطرها المفضل على معصميها وخلف اذنيها . لقد ظل بول ينظر اليها بشكل غريب طيلة السهرة , لعله لم يصدق اعلانها الصريح عن الحب ؟ لعله اعتقد ان كلامها كان بتأثير الصدمة والخوف ؟ والحقيقة ان كل شئ كان سيتغير لو حدث مكروه لبول , فهو العمو الفقري للبيت والعائلة . الجميع يعتمدون عليه , حتى ليليان ولويز فى جولتهما حول العالم .

ترددت قليلا امام باب غرفته قبل ان تدخل بخجل :
" بول ؟ "

استدار نحوها متسائلا :
" نعم يا حبيبتى ؟"

خفق قلبها بشدة وهي تقول :
" هل تريد مني شيئا ؟"

رد بنعومة :
" اريدك الى جانبى , كي تنهي اعترافاتك أمامي "

" انت تعرف الآن كل أسراري "

" اعرف انك قلت لي انك تحبينني , ولكنني أريد التأكد مما اذا كان هذا الحب وليد اللحظة الطارئة حين شعرت بعدم الاطمئنان ... ام انك تقصدين ذلك فعلا ؟ "

لم تستطع الاجابة على الفور , بل شعرت بغصة خانقة فى حنجرتها منعت عليها حتى التنفس .... فراحت ترتجف دون ارادة , ثم قالت بعد لحظات :
" استغرب ان لا تصدقنى بعد كل الذى حصل ؟ "

قال آمرا :
" اقترب مني . لعلي لا اجرؤ على تصديقك ؟"

سارت بروك نحوه وكأنها منومة مغناطيسيا , ثم جلست على حافة السرير بالقرب منه تماما . سألها وهو يدير وجهه نحوها :
" هل أنت نادمة لزواجك مني ؟ "

" كلا ... لقد اخبرتك "

" اسكتي يا حبيبتي . لقد انتظرتك زمنا طويلا , وقد حان الوقت لترددى عبارات الحب على مسمعي حتي زمن طويل أيضا "

" وهل ستكون حياتنا كلها سعادة فى سعادة ؟"

قال وهو يتنهد بعمق :
" أنت تحبيننى , ومع ذلك تشعرين ببعض الشك تجاهي ؟ "

قالت بتردد :
" أليس لي الحق في ذلك ؟ "

" لايحق لك أبدا . هل تعتقدين اننى ابحث عن غيرك طالما أنك معي دائما ؟ "

أغمضت عينيها وهي تقول :
" لكنك لم تقل لي ابدا انك تحبني "

" انت يا حبيبتى لا تفهمين الكثير من العادات الايطالية . ففي الحياة أشيائ لا نسيطر عليها . لقد اردتك منذ ان وقعت عيناي عليك لأول مرة , ولاشك اننى صبرت طويلا الى ان حققت رغباتي "

" أرجوك , ضمنى الى صدرك "

" ألن تقاتلينى ؟ "

" قلت لك اننى احبك "

" أرغب فى التأكد يا حبيبتى . فأنا أريدك روحا وقلبا وجسدا ايتها العزيزة الغالية . هيا افتحى عينيك , اود ان ارى اعماق نفسك "

حدقت فيه بعينين غائمتين ساحرتين :
" ماذا يمكن ان أقول لك أكثر مما قلت ؟ "

" يمكنك ان تفكري بأشياء كثيرة . هل تستطعين العيش من دوني ؟ "

تهدج صوتها وهي تقول :
" مستحيل . قبل وقوع الحادث حاولت ان اتصل بك هاتفيا . كنت اريد ان اعبر لك عن حبي , واخبرك عن الاشياء الكثيرة التى تعلمتها منك ... لكنك لم تكن موجودا . ثم جاء الخبر المرعب . عندها ظنت للوهلة الأولى اننى خسرتك فى اللحظة نفسها التي وجدت فيها حياتي معك "

رد عليها بسرعة :
" لا تقولي لي مثل هذه التعابير اذا كنت لا تقصدينها "

حدقت فيه بتوسل :
" لكنها الحقيقة المطلقة . انا لا استطيع ان اخفى عليك شيئا بعد الآن .. بل لا ارغب فى اخفاء اى شئ .. أننى اسعى للوصول الى نفسك مهما كلف الامر . أريدك لى وحدى , سواء كنا على انفراد او بين الناس او حتي عندما يكون عندنا أولاد ... كل ما استطيع تقديمه هو ملك لك "

التمعت عينا بول ببريق الأمل وهو يقول :
" لو تعرفين كم هو تأثيرك علي ؟ في حياتي كلها لم تأسرني امرأة مثلما فعلت انت . لقد ضعضعت توازني منذ اللحظة الاولى للقائنا , واعتقد اننى كنت ابحث عنك طيلة حياتي ... ابحث عن المرأة التي تحمل صفاتك . وحتي عندما وجدتك , جابهتني بالرفض المطلق القاسي "

ردت بروك بلهجة الاعتذار والاسف :
" لا استطيع تخيل تلك الايام , دائما كنت انظر اليك كرجل مغامر , لكنني رغبت فى حبك لي لوحدي . نساء كثيرات رمين انفسهن عليك بدون ان يحفظن كرامتهن وكبرياءهن لقد شاهدت تصرفاتهن , ولم اكن اريد ان أكون واحدة منهن . ما كنت لاتحمل الحياة لو انك عاملتنى بأسلوب مهين غير مقبول "

ضمها الى صدره بحنان وهويقول :
" ايتها الصغيرة المغفلة . حاولت جهدي كي اراقب طريقة تصرفي معك . فأنت جوهرتي الغالية ... ولاشك انك تعرفين ذلك الآن ؟ "

ردت بلطف :
" لم اكن اعرف من قبل , حتى اننى كنت اغار من كارلا "

صرخ باستغراب شديد :
" كارلا ؟ "

اجابت مبتسمة :
" اجل كارلا , فقد ذكرت لى امورا كثيرة واعادت الى الولاعة الذهبية التى اهديتك اياه "

نظر اليها بتمعن قائلا :
" هكذا اذن . للأسف لم أخبرك عن الولاعة فى وقتها , لقد تركتها فى مكان ما ولم اعد أتذكر أين ... ومع ذلك كنت أمل ان اجدها فى اى وقت , واؤكد لك اننى لم استعمل الولاعة فى مكان آخر خارج البيت "

" انتهى الامر الآن يا حبيبى ... انا اصدقك "

" يجب ان تصدقى لان كارلا صاحبة مشاكل معروفة , ليس دائما لكن فى بعض الاحيان "

قالت بروك :
" انها كذابة كبيرة "

" حسنا , انها كذابة كبيرة . وماذا يهمنا فى الامر؟ فنحن لن نراها كثيرا , وسترجع الى كينيا فى اقرب وقت ممكن . كان عليك ان تخبريني بأنها تزعجك كي اتولى امرها بنفسى "

قالت بصوت هامس دافئ :
" بول ... خذني بين ذراعيك يا حبيبي "

" حتى آخر العمر ايتها العزيزة الغالية "

والتقت عيناه السوداوان بعينيها الخضرواين في عناق حار يحمل فى طياته كل معاني الحب والأمل والمستقبل ...

منتديات ليلاس


( تمت بحمد الله )وللامانة منقولة ارجو ان تعجبكم

 
 

 

عرض البوم صور زونار   رد مع اقتباس
قديم 10-04-09, 08:10 PM   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2008
العضوية: 107705
المشاركات: 578
الجنس أنثى
معدل التقييم: جين استين333 عضو على طريق الابداعجين استين333 عضو على طريق الابداعجين استين333 عضو على طريق الابداعجين استين333 عضو على طريق الابداعجين استين333 عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 436

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
جين استين333 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زونار المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

القصة رااااااااااااااائعة جدا يسلموووووووووو..^^

 
 

 

عرض البوم صور جين استين333   رد مع اقتباس
قديم 10-04-09, 09:06 PM   المشاركة رقم: 9
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2008
العضوية: 101656
المشاركات: 70
الجنس أنثى
معدل التقييم: zoubaida عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 23

االدولة
البلدGermany
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
zoubaida غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زونار المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

ktir hilwa merciiiiiiiiiiiiiiiiiiii

 
 

 

عرض البوم صور zoubaida   رد مع اقتباس
قديم 10-04-09, 11:56 PM   المشاركة رقم: 10
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2008
العضوية: 66257
المشاركات: 8
الجنس أنثى
معدل التقييم: dr.poshi عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 11

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
dr.poshi غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زونار المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

3an gad 7elwa aweeeeeeeeeeee
teslam edak :):)

 
 

 

عرض البوم صور dr.poshi   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مارغريت واي, اثنان على الطريق, margeret way, روايات, روايات مكتوبة, روايات رومانسية, روايات عبير, روايات عبير المكتوبة, روايات عبير القديمة, عبير, عبير القديمة, wake the sleeping tiger
facebook




جديد مواضيع قسم روايات عبير المكتوبة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 12:03 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية