لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات عبير > روايات عبير المكتوبة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات عبير المكتوبة روايات عبير المكتوبة


534 - عيناك لا تكذبان - دوريس هولت - دار ميوزيك ( كاملة )

الملخص - نظمت حياتى يا دان .وأنت لست جزءا منها . سألها بابتسامة صغيرة : -

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (3) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-04-09, 11:36 AM   3 links from elsewhere to this Post. Click to view. المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2008
العضوية: 103835
المشاركات: 336
الجنس ذكر
معدل التقييم: زونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 502

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زونار غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : روايات عبير المكتوبة
Newsuae2 534 - عيناك لا تكذبان - دوريس هولت - دار ميوزيك ( كاملة )

 

الملخص








- نظمت حياتى يا دان .وأنت لست جزءا منها .

سألها بابتسامة صغيرة :
- هل أنت متأكدة ؟

- يجب أن أعيش حياتى وهى لا تتفق مع حياتك .

أخذ يضحك

صاحت فى غضب :
- لا تضحك ! لماذا ؟ لماذا تتبعنى وأنت تعرفنى بصعوبة ؟


المقدمة







حب أم شفقة سؤال عذب كاسى طويلا وكاد يفقدها الحب الكبير



الذى تحلم به .


كانت تعلم بأن هناك فرقا كبيرا بين الحقيقة والأحلام . وبأن الأحلام


نادرا ما تتحقق ولكن ستثبت لها الحياة أنها عادلة . وأن لكل إنسان


فرصة ذهبية للسعادة يجب أن يغتنمها وإلا فلن يكون هناك مجال


للندم .

الفصل الأول







هناك من يبكى .
كان الصوت واضحا تماما حتى ظنت كاسى فى البداية أنها تحلم . هل هناك شخص ما ؟ هل هذا صوتها ؟ لكنه صوت مختنق بشكل غريب . ازداد سيل الدموع ، وجاهدت كاسى حتى تستعيد صفاء ذهنها . حل الفزع مكان الفضول عندما تحققت أن الدموع تسيل من عينيها .



وضعت يدها على وجهه . لم يكن تشعر بالألم فمها جاف . ولسانها ملتصق فى حلقها . حاولت أن تدير رأسها لكن بدت لها هذه الحركة مستحيلة . لماذا لا تستطيع أن ترى بينما هى مستيقظة ؟


سألت بعناء حيث خرجت الكلمات من فمها بصعوبة :
- هل عيناى مفتوحتان ؟ أنا لا أرى شيئا !


تملكها الخوف . ثم تحول خوفها إلى رعب شديد .


أمرها صوت رجل :
- صه لا تتحركى .لا تفزعى . إذا كنت ترين ظلاما . فذلك لأنك معصوبة العينين .


جنبها الصوت المطمئن ألا تستسلم لصدمة عصبية .


- أنت فى المستشفى . كل شئ بخير .


- لكنى لا أرى شيئا .


قال الطبيب إنه سيخلصك من هذه الأربطة قريبا .أنت مصابة بارتجاج فى المخ ولا يجب أن تحركى رأسك . ولا ذراعيك أيضا . أنت تتعرضين لحقن متواصل .


ثم أمسكت يديها يد مجهولة :
- لماذا ؟ ما هذا ؟


- لقد تعرضت لحادث . سيكون الطبيب هنا حالا . سيطمئنك على حالة جروحك . لا تقلقى .


ابتعد الصوت :
- لا تتركنى .


حاولت السيدة الشابة أن ترفع ذراعها لكنه أجبرها على أن تخفضها :
- لن أتركك . انظرى . إنى ممسك يدك . وهكذا تعرفين أننى بجانبك .


- أوه ! تذكرت لقد كنت فى الشارع الضباب .


- لا تفكرى فى شئ الآن .


لقد استعادت ذاكرتها إنها تسمع صوتها يصرخ فى أذنيها . وهذه الضوضاء للزجاج المحطم . أقمشة تتمزق وفجأة ثقب أسود :
- يا إلهى هل هناك وفيات .


انتهت كلماتها ببكاء جديد
- لا ليس هناك وفيات
كان صوت الرجل هادئا وعذبا . شعرت به يمسح أنفها
أضاف بلمحة سخرية :
- إنى أمنعك من البكاء حتى تستطيعى مسح أنفك بنفسك .

- إنى عطشى .

- سأحضر لك الماء . هل ستخافين إذا تركتك لحظة ؟

أمسكت يدها ذراع الرجل الغريب:
- لا ترحل

- لن أغيب وقتا طويلا . الوقت الذى تعدين فيه حتى عشرين .أعدك بذلك .

تركت ذراعه . أطرقت كاسى منتظرة أن يفتح الباب لكن لم تسمع شيئا لابد أن الباب قد فتح . واحد . اثنان . ثلاثة . أربعة . خمسة . ثم جاءها صوت قاس . نسيت أن تكمل العد .

سألت الممرضة فى عصبية :
- لماذا تركتها بمفردها بحق السماء ؟

- أسف . كانت عطشى .

- يجب أن تشرب بالتقطير .

- سأهتم بذلك بينما تستدعين الطبيب يا سيدتى .

تبعت كلماته فترة صمت . ثم شعرت كاسى من جديد بيـد الرجـل الغريـب علـى ذراعها :
- كاسندرا ؟

- كاسى . الجميع يدعوننى كاسى .

- حسن جدا . كاسى تستطيعين أن تشربى . سأعطيك الماء بينما تستدعى الممرضة الطبيب . سأضع الأنبوبة فى فمك . خذى جرعة وراقبى إذا كنت تستطعين البلع .

احتفظ الرجل بصوته الهادئ . كان الماء باردا ولكن كان على كاسى أن تبذل جهدا كبرا لكى تستطيع البلع . نزع من فمها الأنبوبة .لعقت شفتيها :
- هل تريدين امتصاص قطعة ثلج ؟

همست مجهدة :
- نعم من فضلك .

- احترسى حتى لا تبتلعيها .

فتحت فمها قليلا .ووضع قطعة الثلج فى فمها . شعرت بالرطوبة فى فمها :
- هل أنت طبيب

- لا أنا دان ماردوك .
شعرت كاسى بخيبة أمل عندما سمعت هذه الإجابة . جاءها صوت غريب آخر :
- صباح الخير يا أنسة فارو . أنا الدكتور ماسترس .

صاحت كاسى :
- أرجوك .انزع هذا الرباط من فوق عينى .

أجاب الطبيب بهدوء :
- ليس قبل غد . هناك قطع على جبينك . وجفناك متورمان . لا بد أن تبقى ممددة أربعا وعشرين ساعة . سأعطيك شيئا لتنامى .

- لا ! ماذا بى ؟ يداى أيضا مربوطتان .ولا أشعر بساقى يا إلهى ! هل ما زال لى ساقان ؟

كان الفزع يملأ صوتها :
- بالتأكيد . لا تقلقى ، أنت بخير .

- أود أن أصدقك . أين الرجل ؟ أين أنت ؟

- أنا هنا يا كاسى

جاءها الصوت من الجانب الأخر من السرير . أمسكت ذراعه .
- الطبيب يقول الحقيقة . كانت جراحك كثيرة . ولكن ساقيك موجودتان .

سألها الطبيب :
- هل تتألمين .

قالت فى توسل والدموع فى صوتها :
- لا .إنى أشعر بالغثيان ، أريد أن أرى وجهى .

قال دان :
- أخبرها إذن يا دكتور ، من حقها أن تعرف .

دمعت عينا كاسى من جديد

قال الطبيب بصوت جاد وفى نفس الوقت مطمئن :
- أنسة فارو ، أنسة فارو اهدئى ، وإلا سأضطر أن أعطيك مهدئا . لا أنوى إخفاء الحقيقة عنك . هناك قطع غائر فى وجهك . ولكننا سنبذل قصارى جهدنا حتى لا يظهر هذا القطع إلا بصعوبة .هناكأيضا أضلع مكسورة وارتجاج فى المخ .

- لكن ....لماذا كل هذه الأربطة ؟

حاولت أن تمد يدها إلى الرجل الذى يدعى دان

- اصطدمت سيارتك بشاحنة كانت تنقل ألواحا زجاجية . طار واقى سيارتك بفعل الحادث بضعة أمتار أخرى . وكنت الآن فى عدادالموتى .

أمسكت يد دان بيدها بقوة . مما جعلها تشعر بالاطمئنان

استطرد الطبيب :
- أفضل ما تفعلينه هو أن تنامى .

ابتعد ليترك المكان لممرضة وفى يدها حقنة . أمسكت الممرضة ذراع كاسى ورفعت الرباط وأدخلت بسرعة سن الحقنة فى الوريد .

قال الطبيب :
- أعتقد أننا سنرفع الرباط الذى يغطى عينيك غدا .

على الفور فحص القطوع المنتشرة بفخذيها وساقيها . واستغرق فى انتزاع قطع الزجاج الغارزة فى جسدها . كيف ستتصرف عندما تكتشف كل هذا ؟

هز الطبيب ذو الشعر الرمادى رأسه . هذه السيدة الشابة لديها قدر كبير من الحظ لأنها نجت بحياتها .

تمتمت كاسى وهى تفكر فى الشاحنة التى داهمتها :
- سيدى . هل أنت هنا ؟

أجاب نفس الصوت الهادئ بالقرب منها :
- لن تكونى بمفردك يا كاسى . نامى الآن .

- منذ .... متى ... وأنا هنا ؟

- أربع وعشرون ساعة . أخبرت والدك. سيأتى لزيارتك خلال أيام

- كيف ...؟

- وجدت اسمه وعنوانه فى الدفتر الخاص بك .

ربت برفق على جبين كاسى
- لكن من أنت ؟

جاهدت كاسى لتظل متيقظة لتسمع الإجابة . ولكن جاء فعل المهدئ سريعا . وغاصت فى نوم عميق .

استيقظت فجأة عندما شعرت بشئ ما فى مواجهة فمها .كانت تشعر كأن مئات الأبر تخترق جسدها . انفلتت من فمها صرخة ألم . شعرت أن جفنيها ملتصقان . قامت بمجهود كبير حتى تفتحهما . ورأت إطار النافذة وستارة منخفضة .عادت إلى البكاء .

خلال دموعها لاحظت كاسى زجاجة بها سائل معلقة فوق سريرها . وأنابيب مخترقة ذراعها .وأدارت رأسها ببطء . كانت ممرضة واقفة مائلة نحوها .

حدثتها بصوت مرح :
- ها قد استيقظت ! هل حلقك جاف ؟ سأبلل شفتيك بقطعة قطن مبللة .

فتحت كاسى فمها لتتحدث . ولكن لم يخرج من فمها أى صوت .وأخيرا تمكنت من ان تقول :
- ماء

وضعت الممرضة أنبوبة فى فمها .

كان الماء لذيذا ومنعشا ! شعرت كاسى أنه ينتشر فى كل جسدها . سحبت منها الأنبوبة ، فتحت عينيها .ابتسمت إليها الممرضة .إنها جميلة . جميلة جدا .

سألت كاسى :
- ما الساعة ؟

حركت يدها لتنظر فى ساعة معصمها ولكنها رأت أن يدها قد تحولت إلى يد شوهاء مليئة بالجروح والخطوط السوداء . لا يمكن أن تكون هى يدها : قصت أظافرها الملونة بقسوة ، وأصابعها مقوسة كأنها ممسكة بشئ غير مرئى .

تنهدت فى ألم :
- أوه !

حاولت أن تحرك يدها الأخرى ولكن أسرعت الممرضة ومنعتها :
- الساعة الثانية . سأنتهى من عملى حالا .

نظرت كاسى إلى الممرضة بدهشة .لقد تملكها الفزع : يداها تشوهت إلى الأبد . يداها الجميلتان اللتان تقدمان زجاجات العطور فى إعلانات التليفزيون . الأصابع الطويلة الرقيقة التى تفرد الكريم على وجوه الموديلات الحسان تشبه الآن أصابع ساحرة شريرة . على الفور تبهت كاسى إلى جسدها العارى تحت الملاءة .بآهة ألم حاولت أن ترفع عن نفسها الغطاء .

-أريد أن أرى . أرجوك

قالت الممرضة بصوت هادئ :
- بالتأكيد .لكن لاتتحركى . لقد قام الجراح بعمل رائع .

رفعت الغطاء . لم تسمع كاسى شرح الممرضة نظرت إلى الأربطة على صدرها والقطوع العديدة فى كل أنحاء جسدها .رجف قلبها بشدة فى صدرها . رفعت عينيها فى تضرع إلى السيدة ذات الملابس البيضاء

تأوهت :
- إننى ... مغطاة بالجروح .

رفعت يدها إلى وجهها حيث شعرت برباط آخر . وهمست :
- هل الأمر خطير ؟

أجابت الممرضة :
- اشتهر الجراحون بعمل الكثير من الأربطة باستثناء جرح واحد فى الجانب الأيسر من وجهك فإن وجهك سليم وليس به خدش واحد .

اهتز صوت كاسى من شدة الفزع :
- لاأصدقك . أريد أن أرى .

- ليس لدى مرآة . لا بد أن تصدقينى . الدكتور ماسترس لن يتأخر فى المجئ ليراك . وسيرافقه السيد ماردوك . هل تريدين المزيد من الماء ؟

أغلقت كاسى عينيها .وأدارت رأسها على الوسادة .سالت الدموع من جفنيها المتورمتين على خديها فبللت الوسادة .


شعرت كأنها عجوز مكسورة . وأن الحياة قد انتهت . كيف تستطيع إدارة ندوة عن الجمال بهذا الوجه . هاتين اليدين المليئتين بالندبات ؟

منذ سبع سنوات وهى تعمل لدى بيت التجميل صيحات عالمية .وكانت من أفضل ممثلاته . كان نيل هاملتون - رئيسها - رجلا متخصصا . ردد لها مرارا ان وجهها المثالى ،وقوامها الرائع هما ما يجعلان منها الموديل الأكثر تقديرا .

منذ سنوات طويلة عاشت كاسى حياة قاسية . هجر والدها البيت بينما كانت صغيرة ، ثم ماتت أمها عندما كانت فى السنة النهائية من دراستها . كان عليها أن تجد ما تصرف به على عيشها .عملت فى كثير من الأعمال الصغيرة قبل أن تعمل فى محل كبير فى قسم مستحضرات التجميل . وفى هذا المكان قابلت من ساعدها فى العمل لدى صيحات عالمية .

كانت كاسى دائمة التشكك فى نفسها على الرغم من إعجاب الجميع بسلوكها . وشخصيتها القوية وخاصة جمالها الآخاذ : طويلة وممشوقة القوام ، شعرها بنى فاتح ومائل للصفرة ينسدا على كتفيها ،حاجباها وأهدابها داكنة بطبيعتها . وعيناها البنيتان تتناسبان تماما مع لون شعرها . وجهها البيضاوى وأنفها دقيق ،شفتاها ممتلئتان وجذابتان ؟

قبل أربع سنوات اقتحم والدها حياتها . اختفى كل الحقد والكراهية التى كانت تشعر بها تجاهه بسبب غيابه الطويل عندما اكتشفت أنه رجل ضعيف ،فاتن بدون شك ، أدركت لماذا أحبته والدتها إلى هذا الحد .

- آنسة فارو . هل أنت بخير ؟

أجابت كاسى :
- نعم ، بخير جدا

أراحت رأسها على الوسادة ،كانت خائفة وتشعر بالوحدة .

بعد عدة لحظات اختفت الممرضة الشابة ذات البشرة الحمراء كثمرة الخوخ .وجاءت مكانها أخرى . كانت كاسى ممددة ، ساكنة على سريرها . فريسة لأفكار مؤلمة كجراحها . هل ستجد فى صيحات عالمية وظيفة حيث لا يلزم أن تقابل العملاء ؟ إنها لا تعرف شيئا فى العمل على المكاتب .

دخل الطبيب وقف عند سريرها . نظر إلى السيدة الشابة فى ود من خلف نظارته الطبية :
- صباح الخير . أنا الدكتور ماسترس

- هل أنت صاحب هذه الخياطات الرائعة

دهشت كاسى من مرارة كلماتها

- رائعة ليست بالصفة المناسبة ؟ لقد خيطنا جراحك بقدر ما استطعنا .

الجراح ليس فى قلبه رحمة . وشعرت كاسى بالكراهية تجاهه .دار حول السرير وجلس بالقرب منها .

غادرت الممرضةالحجرة فى صمت :
-لن ترى شيئا بما أنى لم أنزع الأربطة . سأفعل خلال بضعة أيام .

- هل هى بهذه البشاعة ؟

كانت هذه أصعب الكلمات التى نطقت بها كاسى

- كان من الممكن أن يصبح ألامر أكثر سوءا

- لديك قطع غائر فى الجانب الأيمن ينطلق من منبت الشعر حتى أعلى عينك . وينزل فى ميل حتى أذنك .قطع جزءا من خدك ،وكذك جزءا من شحمة الأذن.

أدارت كاسى رأسها نحو الطبيب وهى تشعر برغبة عارمة فى البكاء .

استطرد الطبيب :
- يحب أن ننتظر عدة أشهر قبل أن نفعل أى شئ لكنى فى رأيى يستطيع جراح تجميل ماهر ان يعيد وجهك إلى حالته الطبيعية .
تحدث الطبيب بلهجة حازمة

قالت :
- والباقى ؟ يداى ؟

- ستستعيدين قدرتك على استخدام يديك .

- ولكن الندبات .

- ستختفى مع الوقت ولا تشكى فى ذلك .

لاحظت كاسى أن الطبيب بدأ يفقد صبره لكن تبا . إنها هى أيضا تحتاج ليديها حتى تعيش .
- رمبا تظن أننى تافهة يا دكتور ، ولكن فى عملى جسدى يعنى الكثير .إنى أعمل لبيت مستحضرات تجميل و..

توقفت عن الحديث . إنها لاتستطيع أن تعترف له بأنه على الرغم من السبع سنوات التى قضتها فى هذا العمل ستفقد بالتأكيد وظيفتها .

نهض الطبيب :
- أفهم يا أنسة فارو .أصر السيد ماردوك أن يتولى العناية بك دكتور كليمونس .قمة فى جراحات التجميل . تستطعين أن تتحدثى معه عن باقى الجروح.

- باقى الجروح ؟

- لقد فعلنا ما نستطيع لكن ...

- لكن ؟

ثار جنونها عندما توقف عن الحديث :
- هناك جروح غائرة فى أنحاء متفرقة من جسدك نتيجة لارتشاق قطع الزجاج .
يا إلهى ! يا إلهى ! وماذا أيضا ؟

راحت كاسى فريسة لفزع شديد


- أنت محظوظة لأنك ما زلت على قيد الحياة يا آنستى ... أوصلك السيد ماردوك إلى هنا قبل أن يصفى دمك .URL="http://www.liilas.com"]منتديات ليلاس[/URL]


مرة أخرى تحدث الجراح بلهجة المتخصص


قالت كاسى بصوت مهتز :
- أشكرك لأنك قلت كل شئ .


لم يكن الوقت مناسبا حتى تسأله عن الرجل الذى أنقذ حياتها . ربما تتاح لها الفرصة آجلا .


ذهب الطبيب .دخلت الممرضة وخفضت الضوء .قبلت كاسى أن تتناول المسكن . لكنها رفضت أن تتناول أى منوم . ثم نظرت عبر النافذة ورأت السماء تظلم شيئا فشيئا .... انعكست إنارة الشوارع على النوافذ الزجاجية . ما زالت السيدة الشابة تجد الغروب لحظات شجن . إنها الساعة التى تجتمع فيها الأسر فى نهاية اليوم . ولكن كانت كاسى تكره كل ما يشير إلى النهاية .


قفل الباب بدون صوت أدارت كاسى رأسها . رحلت الممرضة توا .حسنا لقد قالت لها إنها لا تحتاج إلى أحد وأكدت لها الممرضة أنه لا يجب أن تغادر الحجرة .


فتح الباب من جديد وأطلقت كاسى تأوها معترضة . لحظات الاختلاء بنفسها نادرة جدا . دخل رجل وأغلق الباب خلفه . رأت كاسى - بشكل غير واضح - رجلا طويلا ذا شعر أسود واقفا بالقرب من سريرها .


خيم صمت غريب .كان الاثنين لا يعرفان ماذا يقولان ؟


لاحظت كاسى هيكل زائرها المؤثر : إنه عريض المنكبين ، قميصه الأبيض مفتوح . كان من الصعب القول بأنها تراه جميلا . كانت عيناه سوداوين مثل شعره .كانتا مثبتتين على عينيها .كأنه يريد أن يقرأ أفكارها . إنه يشبه حطابا أكثر منه طبيبا ولكنه لا بد أن يكون طبيبا .


أخيرا سألته :
- هل أنت الجراح الذى عالجنى ؟


- لا أنا دان ماردوك


جذب انتباه السيدة الشابة صوته أكثر من اسمه. إنه الصوت الذى طمأنها عندما كانت على عينيها العصابة .فتحت عينيها الواسعتين .

سألته :
- من أنت ؟

نظر إليها مفكرا :
- هل أستطيع الجلوس ؟

أشارت كاسى نعم برأسها مندهشة من السؤال . تبعته بنظراتها بينما ذهب ليتخذ مجلسا له على أحد المقاعد . إنه رجل متناسق فى كل شئ .صوته يتوافق مع عينيه ، مع مشيته .اقترب وجلس عاقدا ساقيه .
بدأ يحرك قدمه . من الواضح أنه ينتظرها تتحدث بصبر كبير.

قالت كاسى :
- هل ستشرح لى من أنت ؟ لا اتركنى أخمن أنت دكتور .

- خطأ . أنا الذى اصطدمت بمؤخرة سيارتك وجعلتك تصطدمين بالشاحنة التى كانت تنقل الزجاج .

نظرت إليها عيناه السوداوان بشدة منتظرة منها أى رد فعل .

سألته بصوت مهتز من شدة الغضب :
- ماذا أقول لك ؟ شكرا . لأنك حطمت حياتى ؟

- أنا حريض على أن تعرفى ذلك يا كاسى . ليلة الحادث كنت أقود السيارة بحرص شديد ... لم ألاحظ سيارتك إلا قبل أن أصطدم بها بقليل . كان هناك ضباب كثيف .

قالت كاسى :
- كان الضباب كثيفا جدا .لست مخطئا وجدت صعوبة فى الدوران .

من الظاهر أنه خرج معافى من الاصطدام

أضاف ماردوك :
- لو تحلى كل منا ببعض التعقل لما وقع هذا الحادث .

نظرت إليه بإهتمام وهى تسأل نفسها إذا كان واجهته الصعاب فى حياته مرة . ألم تعطه الحياة كل ما يريد ؟ فجأة . تمنت أن تراه يرحل .كانت على وشك البكاء .

- هل سألت نفسك إذا كنت سأقيم دعوى تعويض ضدك يا سيدى ؟
لماذا طرحت عليه مثل هذا السؤال ؟

- لم أفكر فى ذلك . وأنت ؟

أغلقت عينيها محرجة وفتحتهما . وثبتت نظرتها فىعينى الرجل :
-لا

سالت الدموع على وجنتيها ، كانت غير قادرة على السيطرة على عواطفها .

- سيكون والدك هنا خلال يوم أو اثنين يا انستى .. كان يود أن يصل اليوم ولكن أغلق المطار بسبب الضباب .

- شئ لطيف منك . هل علم صاحب العمل؟

نعم لقد حدثته عبر التليفون .كان على سفر إلى لوس انجيلوس لكنه سيحضر لزيارتك عند عودته .

أغلقت كاسى عينيها . قال :
- أصيبت سيارتك بشدة . أخشى ألا تستطعين إصلاحها .
من حسن الحظ أننا وجدنا حافظتك وأوراقك الشخصية .

رأت ماردوك يخرج منديل من جيبه ويضعه فى يدها
سألها بهدوء :
- هل ستستطيعين .

إنه نفس الصوت الهادئ الذى طمأنها ليلة الحادث . مسحت أنفها بصعوبة . أخذ ماردوك المنديل من يدها :
- دعينى أقوم بذلك .

مسح عينيها برفق ثم أنفها .كانت حركته حانية .

- أخبرنى الطبيب أنك أنقذت حياتى . لأنك أحضرتنى إلى المستشفى . أشكرك على ذلك .

ابتسم إليها وقال :
- وهل أخبرك أيضا أن دمى يجرى فى عروقك ؟ من حسن الحظ أن لديك بطاقة تشير إلى فصيلة دمك . إنها مماثلة لفصيلة دمى .

همست :
- إنى مدينة لك إذن .

مال نحوها .كاد وجهه يلمس وجهها :
- لا يا كاسى لا أريد أن تشعرى بالدين نحوى .

همست :
- لكنى كذلك . شكرا . لست أدرى ماذا أقول لك غير ذلك .

- لا تقولى شيئا .

كان صوت ماردوك أجش ووجهه جادا .
- عندما أخرجتك من السيارة عرفت على الفور أنك ستكونين إنسانا مهما بالنسبة لى . أريد أن يزداد تعارفنا يا كاسى .

نهض من جديد . ظل ينظر إليها بعينين لامعتين .ثم طبع قبلة حانية على جبينها .كانت شفتاه دافئتين . ابتسم مرة أخرى .

همست كاسى :
- أنت مجنون ! أنا لاأعرفك

قهقه ضحكة ساخرة وبدا إعجابه بها فى عينيه :
- على أية حال ليس هناك ما يسبب قلقك . سيعتنى بك الأطباء والممرضات جيدا أثناء غيابى .أسرعى فى الشفاء والخروج من هنا .

نظرت إليه كاسى وهو يمضى دون أن ينبس بكلمة .

الفصل الثانى







شعرت كاسى أن هناك سكينا يغمس فى صدرها . لم تكن ترغب إلا فى شئ واحد . أن تفر من صورة وجهها المنعكسة فى المرآة ولكن أبت ساقاها أن تستجيب . مالت إلى الأمام . وفحصت عينيها الذهبيتين ، وتظللهما الهالات الزرقاء .ثم شاهدت الرباط فوق جبينها .أغلقت عينيها .وتعلقت بالحوض حتى لا تسقط تأوهت :
- يا إلهى



صاحت الممرضة ذات البشرة الحمراء بعد أن فتحت باب الحمام :
- أنسة فارو ! ستقتلينى خوفا لا يجب أبدا أن تنهضى من سريرك .


- مضت خمسة أيام وأنا راقدة فى السرير . بما أن على أن أعيش بهذا الوجه فإن لى الحق فى أن أرى ماذا يشبه .


أجابت الممرضة :
- تحدثت إلى الدكتور . ستستحمين غدا . أعتقد أنك ستشعرين بتحسن . سنخبئ جبينك تحت شعرك أرجوك يا آنسة. السيد ماردوك سيغضب كثيرا إذا علم أنك ..


- ماذا فعلت له بحق السماء ؟ لقد أخرجنى من سيارتى ولم أره أبدا قبل الحادث .


كانت كاسى حزينة تماما لدرجة أنها كانت غاضبة من العالم أجمع .


قالت الممرضة :
- لا يهم . هذا الرجل يدفع لى حتى أعتنى بك . وهذا ما أفعله . أعرف ما تشعرين به يا آنسة فارو .


صاحت كاسى :
- مستحيل ... إنى أعمل فى مجال التجميل . انظرى إلى وجهى ! انظرى إلى يدى ؟ أستطيع أن أخفى جسدى ولكن ليس كل هذا .


همست يائسة وقد لمعت الدموع فوق خديها :
- أرجوك ساعدينى حتى أعود إلى السرير.


الآن حملقت كاسى فى السقف وهى مستلقية فى سريرها .لم تكن تتخيل أبدا أنها ستشعر يوما ما أنها هرمت وأصبح عمرها قرنا من الزمان .انهارت الحياة التى أرست قواعدها فى صدمة واحدة اتصل نيل من لوس انجيلوس حيث ذهب ليفتتح فرعا جديدا .أخبرها أنه سيعود إلى بورتلاند فى نهاية الأسبوع . وأنه سيمر ليراها .


أضاف :
- يؤسفنى أنك لم تحضرى الاجتماع . لقد حدث شئ لا يصدق . تعرفين هذه العارضة التى حاولت الحصول عليها جنيفر كاويلد هذه الفتاة ذات الشعر الأسود والبشرة النحاسية ؟ إنه حسنا . لقد حصلت عليها ! ستكون عارضة رائعة لأدوات التجميل .

فكرت كاسى بمرارة : حتى طبقة ثقيلة من كريم الأساس لن تفلح فى إخفاء عيوب وجهها . كانت ممددة فى صمت . يغلفها اليأس كالمعطف الضيق .

جاء إيدى فارو بعد الظهر ومعه باقة ورد ضخمة . الوقت القليل الذى عرفت فيه كاسى والدها سمح لها أن تكتشف أن والدها محب لمظاهر العظمة : سيارة فارهة ، شقة واسعة ، هدايا فخمة ... وديون باهظة . يجد صعوبة فى دفعها .

ابتسم عندما رأى ابنته :
- ما الذى حدث لك يا عزيزتى ؟

أحيانا كان ضعف وحساسية والدها يحطمان قلب كاسى . كان إيدى فارو غير جدير بتوفير احتياجاته وعلى الرغم من ذلك لقد أجزلت له الطبيعة العطاء فمنحته وجها صبوحا وقواما ممشوقا .

- صباح الخير يا أبى . هل أبد إلى هذا الحد من السوء .

أجاب بصراحة :
- أسوأ مما كنت أتوقع . ولكن أدعى هذا المدعو ماردوك أنك فى حالة لا بأس بها ، وأنه لا داعى من أن أسرع بالمجئ إليك . لقد نسى أن يخبرنى أنك تشبهين العائدين من الحرب .

قالت كاسى بصوت متكسر :
- - أشكرك بشدة .

التفت إيدى عندما شعر أن هناك من دخل الحجرة

ابتسم إلى الممرضة قائلا :
- هل تستطيعين أن تضعى هذا الورد فى زهرية يا جميلتى .

مد يده بالباقة إلى السيدة الشابة واضعا يده على ذراعها . توردت بينما حملق إليها كأنه لا يستطيع أن ينزع نظرته من عليها

قالت مبتسمة :
- سأذهب لأحضر زهرية جميلة .

أجابها إيدى :
- بسرعة .

ابتعدت الممرضة فى دلال . قالت كاسى بصوت جاف :
- أنت لا تضيع فرصة دون أن تمارس هوايتك فى إغواء النساء . فى ظروف أخرى كانت ستضحك من سلوك والدها .

أجابها :
- المغازلة فن يا كاسندرا . أنا ...

قاطعته رافعة يدها وقد نفذ صبرها. إنه حقا رجل جذاب ، بشرته برنزية بفعل شمس هاواى حيث ذهب فى رحلة مع آخر صديقاته ، شعره الأسود الذى خطه الشعر الأبيض يمنحه سحرا ووقارا . ورثت عنه كاسى عينيه الذهبيتين وقوامها الفارع . حمدت الله على أن لها نفس الطابع الرصين الذى كانت تتمتع به أمها .

قال إيدى :
- إذا كنا لاعبين حاذقين فسيمكننا الاستفادة من هذا المدعو ماردوك . إذا كنت قد فهمت جيدا فهو من اصطدم بسيارتك أى محكمة بمجرد أن تراك ستستنتج أن حياتك العملية قد دمرت .

قالت كاسى بعصبية :
- اصمت . لن تكون هناك قضية . الأخطاء متبادلة . كان هناك ضباب كثيف مساء الحادث ، وكانت الرؤية منعدمة ، وكنت مجهدة ومسرعة للعودة إلى البيت بالإضافة إلى أن الشرطى قد طلب منى تقليل السرعة .

قال إيدى فى عناد :
- هذا لا يمنع أن يكون الشرطى قد طلب من ماردوك نفس الشئ .

أذعنت كاسى :
- هذا صحيح . لكن ليس هذا سببا كافيا لمقاضاة الرجل . يمكنه أن يحول القضية ضدى . هل فكرت فى ذلك ؟

- أنت تفتقدين الواقعية . رجل فى مركزه لابد أن يكون لديه تأمين ضخم .

ازداد غضب كاسى :
- ماذا تقصد يا أبى ؟ لقد طلبت منك ألا تتدخل فى حياتى .

قال إيدى بصوت حازم :
- لا تغضبى ... لست فى حالة تسمح لك باتخاذ قرار . دان ماردوك رجل ثرى

صاحت بصوت منكسر :
- أبى . أنا قادرة تماما على الاهتمام بشؤونى بدونك و ... بالمناسبة أريد أن أقول لك : أريدك أن ترد إلى الخمسمائة دولار التى استعرتها منى العام الماضى .

أخذ إيدى يضحك :
- أنت تشبهين أمك عندما تغضبين .

أجابت كاسى :
- دع أمى فى سلام . كانت طيبة تجاهك . وأنت تعرف ذلك تماما . لا أستطيع أن أتجاهل ما لى عندك من مال . قد أفقد وظيفتى .

- سبب آخر حتى ...

- لا لدى تأمين . لقد أنقذ دان ماردوك حياتى ولن أجرجره أمام المحاكم.

سألها إيدى فجأة مفعما بالأمل :
- يبدو أنك معجبة به يا صغيرتى . ربما كان لديك مشروعات أخرى .

أجابت كاسى بصوت أكثر هدوءا :
- أنت تغضبنى حقا بهذه الكلمات . أفضل أن تذهب وتأتى لترانى فيما بعد . بالمناسبة ، ماذا ذهبت لتفعل فى سياتل ؟

- أعمال ... وحب . واحدة من صديقاتى تمتلك بيتا هناك . وحرصت على دعوتى .

- كان يجب أن تعمل بالتمثيل .

- هل كان يجب على ذلك ؟ إنى ممثل بالفطرة . الحياة ليست إلا سلسلة من المسرحيات ، وإنى أمثل فى كل واحدة منها لكنى أعشق طفلتى الوحيدة .

- كيف تأكدت من ذلك ؟

- من ماذا ؟ من أنى أعشقك ؟

- لا من أننى طفلتك الوحيدة . أليس لدى أخوات وإخوان فى جميع أنحاء العالم ؟

قال إيدى بصوت ميلودرامى :
- من يعرف ؟ من يعرف البذور التى نبذرها على طريق الحياة .

قاطعته كاسى :
- إلى اللقاء يا أبى . وشكرا على الورد .

تأخرت الممرضة فى العودة ، وأدركت كاسى أن والدها قد نجح فى احتجازها عند السلم . أخذت تفكر فى دان ماردوك لم تره منذ بضعة أيام لكنه يتصل بها فى كل مساء . لقد حدثها عن نفسه : عائلته تمتلك استثمارات فى أعمال الأخشاب بالقرب من بند ، وهو موجود هناك للتفاوض مع أحد المشترين . سألها إذا كان أبوها قد جاء ليراها . وإذا كان لديها أخبار عن صاحب العمل. أخبرته أنها لا تحتاج إلى ممرضة خاصة لكنه أصر .

عندما اقترب المساء نظرت كاسى عبر النافذة محاولة تذكر وجه دان ماردوك : إنها تتذكره بالكاد بملامحه لكنها ترى بوضوح فى ذاكرتها كتفيه العريضتن ، وهيئته الرياضية . قالت فى نفسها إنه رجل جذاب حقا .

أثناء حديثهما التليفونى كان يحدثها بلطف . يجيب عن أسئلتها ولا يطرح عليها أى سؤال . هل هو مهتم بها ؟ هل يشعر بالذنب ؟ جزء منها تمنى لو لم يتصل مرة أخرى ،وآخر كان يترقب رنين التليفون .

لم تقابل كاسى أبدا رجلا مثل دان ماردوك لكنها تمنت لو لم تره على المدى البعيد . إنها ليست فى حاجة إلى شفقته







كانت تشعر بالفزع كلما فكرت فى صورتها : عيناها المظللتان بالسواد ، وجهها المتورم تحت الأربطة . يداها المشوهتان . أخبرها الجراح أنها لا تستطيع أن ترتدى المايوه ولا فساتين السهرة المكشوفة كما يجب أن ترتدى ملابس ذات أكمام طويلة .

فتح الباب وأغلق بهدوء . استمرت كاسى فى النظر إلى النافذة ومسحت عينيها . لابد أن الممرضة ذات البشرة الحمراء قد انتهت من فترة خدمتها . لن ترى هذه الفتاة وهى تهتم بها . همت بفتح فمها لتطلب منها ألا تضئ النور عندما استنشقت عطرا رجاليا : شعرت بوخزه فى قلبها عندما تعرفت على صوت دان ماردوك .

- صباح الخير يا كاسى

أدارت رأسها . نظرت إليه بعينين دهشتين ، ثم أخفت يديها بسرعة تحت الملاءة لكن قامت بحركة سريعة فشعرت بألم فظيع فى أذنها .
- صباح الخير

صمت :
- هل أستطيع الجلوس ؟

أجابت :
- تفضل .

- شكرا

أخذ مقعدا واقترب من الفتاة . اضطرت هذه الأخيرة إلى النظر إليه : كان يرتدى بنطلونا بنيا ، وقميصا لونه بيج وحذاء بنيا . لم يكن فى ملابسه ما يلفت نظرها ولكن وجهه الأسمر وملامحه الحادة

لمعت عينا كاسى الذهبيتان بلمعة تحد عندما تقابلتا مع عينيه السوداوين . ظلت متحفظة : إنها لا تعرف ما سبب شعورها بأنها تحتاج إلى أن تحمى نفسها منه .

- صباح الخير مرة أخرى يا كاسى . لماذا أنت متكدرة هذا المساء ؟ هل كان يومك سيئا ؟

أرادت أن تجيبه : نعم كان يومى فظيعا : لكن هذا من الوقاحة

قالت بصوت مرتفع :
- اسفة . لم أكن أدرى أننى أبدو متكدرة .
شعرت بانحباس الكلمات فى حلقها .

اقترب منها دان وقال :
- لا طائل من التقيد بقواعد اللياقة يا كاسى . إذا كان يومك سيئا فأجيبى : نعم كان يومى سيئا.

يا إلهى إنه يقرأ أفكارى
انفجرت :
- إيه حسنا . كان يومى بشعا وغدا سيكون أسوأ .

- حسنا . شئ طبيعى أن يشعر المرء بالكراهية . لكن لا تدعيها تتغلغل إلى أعماقك . سيكون من الأسهل أن تدعينى أشاركك فيها .
أجابت على الفور :
- ماذا تعرف عن ذلك ؟ هذه هى المرة الثانية التى أراك فيها .

- فى هذه الحياة ولكن ليس فى الأخريات .
أجابها بنفس الصوت الهادئ . ولكن كانت عيناه تلمع بالمكر وابتسم ثم انفجر فى الضحك .

- ألم تشعرى أبدا بأن ما تفعلينه قد فعلته من قبل . أنك قابلت شخصا أو شيئا بالفعل ؟ هذا الشعور لا يستمر إلا لحظات لكنه شعورعميق . هذا ما شعرت به عندما شاهدتك . ربما نزلنا نهر النيل معا مثل مارك أنطونيو وكليوباترا . فكرى ، هل أنا غريب بالنسبة لك ؟

أدهشها هذا السؤال الأخير . لقد انتابها بالفعل هذا الشعور الغريب بأن هذا الرجل ليس غريبا عنها .

- إذا كنت قد عرفتك فى حياة سابقة فربما كنت أرنبا وأنت غزالا.

- لا . إذا كنت أنا غزالا فأنت كنت زوجتى .

لمعت عينا دان بابتسامة ساخرة بينما شعرت كاسى بالانفعال : رجل فى مثل سحره وجاذبيته لا يمكن أن يكون وحيدا حتى لو لم يلبس خاتم زواج .

كانت تريد أن تقول له إن حديثهما قد اتخذ منعطفا شخصا جدا ، وأنها لا تقدر سخريته . غاصت عيناها فى عينيه الداكنتين وفجأة ابتسم لها . قال بصوت عذب :
- لك فم جميل جدا يا كسى فارو .أحب أن أراك تبتسمين فى أوقات كثيرة .

تهللت أسارير كاسى بعدغضبها وقالت :
- لا تحاول إغوائى يا أيها الـ دون جوان . لقد أكدت لك بالفعل أننى لن أرفع ضدك قضية .

لمعت عيناه بالغضب

أضاء دان المصباح المجاور لسريرها : شعرت كاسى أنه غاضب للغاية . حملقت فى عينيه الداكنتين يائسة .قال :
- نستطيع أن نقيم علاقة طيبة يا كاسى .

كان وجه دان صارما لدرجة علتها ترتعش ،وعلى الرغم من صعوبة تنفسها وارتعاشها استطاعت أن تقول متظاهرة برباطة الجأش :
- لا يوجد أى علاقة بيننا يا سيد ماردوك .

قال بصوت حان :
- أوه بلى ! إننى منجذب إليك بقوة ... عمرى أربعة وثلاثون عاما . وأنت المرأة الأولى التى أشعر تجاهها بهذا الشعور الغريب . بمجرد أن تعرفيننى أكثر ستدركين أننى لا أعرف المجاملات العابرة



أدارت كاسى رأسها على الوسادة . تأوهت من الألم ثم قالت :
- أنت لا تعرف شيئا عنى و ....

- إنى أعرفك.

مال نحوها ، رفع شعرها وجذبه إلى الخلف :
- شعرك جميل أيضا . فى شقتك رأيت صورا لك وأنت تقدمين أدوات التجميل . سرقت واحدة .

- هل .. هل دخلت إلى شقتى ؟

بقيت كاسى مشدوهة .كم كانت دهشتها كبيرة .

- بالتأكيد . وإلا كيف وصلت حاجياتك إلى هنا ؟
ضحك عندما رأى حيرتها .

- اعتقدت أن جودى أحضرتها قبل أن تقلع .إنها مضيفة طيران وتسكن بالقرب ...
تكسر صوتها . كانت تجد صعوبة فى تصديق ماردوك .

قال دان بتلقائية :
- رأيت جودى . ساعدتنى على اختيار ما تحتاجينه . قالت لى إنك لم تدفعى الإيجار بعد . دفعت للشهر القادم وبذلك لن يكون لديك مشكلة .

- أنت وقح ! أسكن هذه الشقة منذ ست سنوات ولم أطرد مرة لأنى تأخرت فى سداد الإيجار منتديات ليلاس

- أدركت جيدا أن المالكة ستصبر قليلا بعد علمها بظروفك لكنى فضلت الدفع مقدما . بالمناسبة لماذا تخفين ذراعا ؟ هل تشعرين بالبرد ؟

- لا . نعم

كانت غير قادرة على التفكير وهذا الرجل يجلس بجوارها ، ينظر إليها دون أن يرفع عينيه عنها . ابتسم إليها . همس إليها وهو يربت على كتفها :
- أنا متأكد أنك ستكونين بخير وستخرجين من هنا بسرعة وسأصحبك إلى بيتى .

كادت كاسى تفقد وعيها تحت ملمس يده وفجأة ردت :
- ماذا ؟ ماذا ؟

اعترتها الدهشة . أخذ دان يضحك ناظرا إليها . أرادت أن تبقى يده على كتفها :
- سأصحبك إلى منزلى بالقرب من بند . أنت غير قادرة جسمانيا ومعنويا على أن تقيمى بمفردك . لدينا منزل كبير على بعد ربع ساعة من المدينة بالسيارة. ستحبين المكان .

- اصمت . نحن لم نعد فى العصور الوسطى أيها الفارس . نحن فى القرن العشرين .عندما أخرج من المستشفى سأعود مباشرة إلى شقتى يجب أن أنتظر ستة أشهر قبل أن أعهد بوجهى إلى جراح التجميل . أريد أن أعرف إذا كان التأمين سيغطى تكاليف الجراحة . وإذا كنت سأحتفظ بوظيفتى .

توقفت عن الحديث : ضلوعها المحطمة تمنعها من التنفس بشكل طبيعى . إنها غير قادرة على الحديث طويلا . لم ينتهز الفرصة ليتحدث .على العكس لقد انتظر فى صبر ، أصابعه مضمومة حول معصم السيدة الشابة .

قالت كاسى :
- لا تنظم حياتى . ليس شهرا ولا أسبوعا ولا يوما . والآن اتركنى بمفردى يا سيد ماردوك . إننى فتاة كبيرة قادرة على الاعتناء بنفسها بمفردها .

نظرت إليه فى تحد .

ابتسم وشعرت بالدماء تتجمد فى عروقها . حملقت إليه كاسى وقد وقعت فريسة للخوف ، ذلك لأن ابتسامتها كانت تحمل سخرية إرادة وإعجاب . وانتابها شعور غريب بأنها إذا هربت منه فسيتتبعها حتى نهاية العالم .

قال بهدوء :
- أحب فكرك المتحرر . كما أحب تحفظك مع الرجال وحذرك منهم هناك نضارة داخلية وجمال يجذبنى إليك .
ابتسم

قالت كاسى وهى كاذبة طبعا :
- للأسف . أنا غير معجبة بك على الإطلاق .
كان ذلك كأنها تعوم ضد التيار .

- لكنك لا ترفضين ، وكنت تتمسكين بذراعى الليلة الماضية .أود أن أقبلك ... هل تسمحين لى ؟

لمعت عيناه الداكنتان ووثب قلب كاسى لم تستطع أن تجيبه .

مال إليها قائلا :
- كم أنا محظوظ

قبلها بلطف . إنها المرة الأولى التى تشعر فيها بهذه الرقة وهذا الاهتمام . وعندما لم تعرتض كرر دان القبلة ، وبدأت السعادة تتسرب إلى قلبها . شعرت برغبة فى أن تحتضنه حتى لا تفقده

رفع رأسه ونظر إليها . أدارت عينيها . قال :
- أترين ! نحن لا نتحكم فى قدرنا يا عريزتى .

قبل جبهتها بلطف ورحل .

بقيت كاسى برهة تحملق فى الباب المغلق
قالت فى نفسها مفكرة : لقد بدأت أصدقه .
الفصل الثالث







أخذ نيل هاملتون يروح ويجئ فى الغرفة بعصبية وقال :
- إذا أنشأنا مكتبا جديدا فسنخبرك يا كاسى . فى انتظار ذلك سأدفع لك تعويضا . يعلم الله كم كلفنى ذلك؟



كانت لهجة نيل غاضبة إلى حد كبير.


فكرت كاسى فى صمت أنا وأنت نعلم جيدا أن وجهى هذا لا يصلح للعمل فى بيت موضة . لمعت عيناها بالحزن القاسى : إنه حتى لا ينظر إليها .


- ستأخذ جينيفر مكانك . الحمد لله كم أنا محظوظ بلقائى بهذه الفتاة سأرسلها إليك حتى تعطيها بعض النصائح .


تحملت كاسى نظرات صاحب العمل المحملة بالعداء واستجمعت كل شجاعتها لتواجه هذا الرجل :
- لا تعتمد على مساعدتى يا نيل . سأترك بورتلاند .


- ترفضين مساعدتى بعد كل ما قدمته إليك ؟


- نعم . تماما كما ترفض مساعدتى للتشوهات التى حدثت لى لسوء حظى . ستعلم جينيفر بمفردها مشقات المهنة .كما فعلت من قبلها .


ارتفع صوت كاسى على الرغم من محاولتها الاحتفاظ بهدوئها . كانت ممزقة بين الغضب والكراهية .تلك المشاعر التى لم تتطلب إلا أن تخرج .


قال هاملتون بنبرة فاترة :
- سأدفع لك مقابل الساعات التى تقضينها مع هذه الشابة . إنها ذكية وتتعلم بسرعة بالإضافة إلى أنك ستحتاجين لشهادة خبرة إذا كنت ستحاولين البحث عن عمل جديد .


- لا داعى للابتزاز يا هاملتون . إنك رجل أنانى أبله . سنتنكس أعمالك من هنا إلى خمس سنوات . لأنك غير قادر على مواجهة الشرق .كل ما تفلح فيه هو مراقية الفتيات الجميلات . والآن أخرج من هنا .


بدا الغضب على وجه نيل ربما هو بضربها . لقد أصابته كلماتها كأنها صفعة :
- وأنت ؟ من أنت يا كاسى فارو ؟ إنك لست سوى فتاة مشوهة . لن يفلح أى مكياج فى مواراة ندباتك . لن تعملى أبدا فى بيت لمستحضرات التجميل .


صاحت كاسى :
- اخرج ! اذهب ! اذهب .


نهضت على مرفقها وكبحت صرخة وهى تشعر بألم هائل يخترق رأسها . أخذ كل شئ محيط بها يدور . سقط رأسها على الوسادة .


قال هاملتون وهو يلوح بقبضة يده :
- ستندمين على ذلك يا كاسى .

جاءها صوته بعيدا ، لم تسمع صوت الباب وهو يفتح . سأل دان مقتربا من السرير :
- تبا ... من أنت أيها السيد ؟

نظر إليه دان شزرا محاولا كبح ثورته حتى لا يضربه

- إننى مديرها السابق والأخير فهى غير صالحة للعمل فى بيت لمستحضرات التجميل

أمسك دان كتفى هاملتون وجعله يدور حول نفسه وهو يقول :
- سيدى هل تعلك أنك تواجه خطر أن تفقد بعض أسنانك ؟

رأى هاملتون الشر فى عينى دان . خلال بضعة ثوان كادت كاسى أن تفقد الوعى هل دان ونيل يتشاجران ؟

حاول نيل أن يحرر نفسه من قبضة يدى دان القويتين بينما دفعه دان إلى باب الخروج بقوة ريح ثائرة .

لم تسمع كاسى صوت الباب وعاد إليها دان عيناها مغلقتان ، يداها مضموتان تحت الملاءة . لم تكف عن ترديد كلمات نيل : مشوهة ... مشوهة ... مشوهة .

لم ترغب إلا فى شئ واحد :أن تغرق فى النسيان . لم تنصفها الحياة ،أى إحباط ويأس تشعر بهما . سالت الدموع على خديها .دموع نابعة من أعماقها المحطمة .

تحركت لتعطى ظهرها إلى الباب .. تحركت الملاءة من فوق كتفيها وعلى الرغم من حزنها أمسكتها ورفعتها حتى رقبتها .

النحيب يمزق حلها ، ويهز صدرها وكل جسدها .لأول مرة فى حياتها كانت محطمة وضائعة .

جلس دان إلى جوارها :
- كاسى . لا تبكى .هذه ليست نهاية العالم . كفى عن البكاء .

كان يحدثها بصوت مفعم بالود واللطف ولكن لم تستجب كاسى . إنها فريسة للخزى والإهانة التى سببها لها حديث نيل .دفعت عنها يده التى وضعها على كتفها على الرغم من آلام صدرها .

قالت منتحبة :
- اذهب . اخرج من هنا ! لا تنظر إلى .

أخفت وجهها تحت الملاءة .

- موافق ! لن أنظر إليك إذا كنت تريدين ذلك . لكن لا تبكى . هذا الوغد لا يستحق . لا تعذبى نفسك لأنك فقدت وظيفتك .

ربت على كتفها فى حنان .

أجابت كاسى بصوت يهزه البكاء :
- لا يهمنى العمل .... لا يهمنى هذا الجبان .

- ماذا إذن ؟ اصمتى هل تردين أن تقعى فريسة للمرض بسبب بكائك هذا ؟ دعينى أساعدك يا كاسى .

صاحت :
- لا تقلق بسببى . لست بحاجة إليك ... ولا لأحد .

حاولت أن تتخلص من يده ولكنه أصر على محاولة تهدئتها .
- أنا لست قلقا عليك ....لكنك أنت القلقة ... هل كان هذا الرجل حبيبا لك ؟

رفعت الغطاء عن وجهها :
- ليذهب إلى الجحيم ! لا ! حتى لو كان آخر رجل على وجه الأرض لم أكن لأحب هذا الجبان أبدا .

بدون أن تشعر حل الحزم مكان الغضب .

- حسنا ...كنت أعرف أنك لا تفضلين هذا النوع من الرجال .

- ولا أنت يا سيد دان .

- يجب أن تتعلمى يا جميلتى أن تتقاسمى أحزانك وآلامك مع شخص يحبك . مما يسهل عليك الأمور . الآن أخبرى فارسك ما الذى يضايقك بخلاف أنك فقدت عملك .

- إذا كنت تفكر فى المشاجرة من أجلى فانس ذلك يا فارسى أستطيع أن أربح المعركة بمفردى .

- لا أشك فى ذلك يا جميلتى لكن سيكون الأمر أسهل إذا حاربت إلى جانبك .

نظرت إليه شزرا وقالت :
- بالمناسبة أنا لست جميلتك .

مال نحوها وقبلها
- توقف

انفجر ضاحكا .

- كنت أفضل ألا أعرفك أبدا يا سيدى .

استمر دان فى الضحك ولمعت عيناه بالمرح .
- لقد حدث ما قدر له أن يحدث .

أدارت رأسها نحوه فابتسم إليها :
- لا تتحدث أبدا عن أن هناك حياة سالفة تقابلنا فيها . وإذا كان هناك حقا شئ من هذا القبيل فبالتأكيد كنت أنا كليوباترا وأنت الثعبان الذى وخزها .

تحدثت كاسى فى غضب وانفجر دان فى الضحك من جديد .
- أعشق ذلك .

صاحت كاسى مبتسمة رغما عنها :
- انا سعيدة لأن ذلك يفرحك .أنت أجرأ رجل قابلته فى حياتى

أخرج دان منديلا ورقيا من العلبة الموجودة فوق الطاولة ومسح عينى السيدة الشابة

أجاب ساخرا :
- أشكرك لقد استحققت على الأقل اجتذاب انتباهك . حسنا .لقد تخطينا العقبة الأولى .بقى لنا أن نتخطى التاليات .

- أى عقبة ؟

- اصمتى واسمعى . سأذهب إلى مكتبك وأحضر حاجياتك .

- لا طائل من ذلك ستتولى جودى هذا العمل وستتخلص لندا ماكنيس السكرتيرة من المكتب .

أمسك دان سماعة التليفون وسألها :
- ما رقمك ؟

أخبرته بالرقم وضربه على الفور :
- لندا ماكنيس من فضلك . صباح الخير يا لندا .أنا دان ماردوك خطيب كاسى فارو . عندما سمع اعتراض كاسى وضع يده على السماعة :

- ألا تعلمين أنها مخطوبة ؟ إنى مندهش لأنها لم تخبرك . لقد قررنا أن نتزوج فى القريب العاجل . لندا من فضلك ضعى أشياء كاسى جانبا ، وسأحضر لأخذها مع راتبها . شكرا جزيلا . نعم أنها بخير . إنى أعتنى بها . إلى اللقاء .

وضع دان السماعة

انفجرت كاسى قائلة :
- ليس ... ليس لديك الحق فى قول ذلك ! نحن لسنا مخطوبين .لقد تعرفنا بصعوبة .

ابتسم دان أمسك يد كاسى :
- هل تريدين أن أوخزك .

منعت نفسها من الضحك
- دان توقف أنت ترى أننى لست فى حالة تسمح لى بالمزاح . أريد أن أكون شريرة . اذهب ودعنى أتالم وحدى .

- يمكنك أن تكونى شريرة الأسبوع القادم ولكن ليس اليوم ولا غدا .

- لماذا الأسبوع القادم ؟

- لأنى لن أكون هنا سأذهب إلى اليابان مدة عشرة أيام سيكون لديك كل الوقت لتكونى شريرة أثناء غيابى .

- هل سأوحشك ؟

شعرت كاسى أن مشاعر غريبة وقوية تنتابها . نظرت إلى دان . صوت إرادتها يناديها بأن تطرده . وعندما أراد احتضانها صاحت معترضة :
- لا
قبل وجنتها . قال مهدئا :
- صه .... صه ... هل أخيفك ؟ أنا لا ألهو يا كاسى . عندما أريد شيئا ما فإنى أحصل عليه .

ارتعشت كاسى من فرط صراحته . نظر إليها دان فى عينيها وقال :
- هذه الفترة من الابتعاد ستمنحك وقتا لتفكرى فى . لا أريدك أن تتسرعى ولكن عندما أعود أريدك أن تتخذى قرارا .

بحثت كاسى فى رأسها المشوش عن أجابة . حركت رأسها يمينا وشمالا فوق الوسادة وعلى شفتيها كلمة لا . ولكن لم يخرج أى صوت من فمها . وأخيرا قال دان :
- الآن سأتحدث مع الطبيب . وبعد ذلك سأنقل أشياءك إلى الشقة .

ترك كاسى وسار بثقة حتى الباب حيث ابتسم إليها قبل أن يختفى فى الردهة .

بقيت كاسى لحظة طويلة تردد ما قاله : عندما أريد شيئا فإنى أحصل عليه : تنهدت :
- يا إلهى لم أكن فى حاجة إلى ذلك .

يجب أن يرحل دان إلى اليابان يوم الاثنين .مساء الأحد ذهب ليزور كاسى زيارة أخيرة

- عند عودتك سأكون قد خرجت من المستشفى . شكرا على كل شئ . لا تعتقد أننى لم أقدر ما فعلته من أجلى لكنى تعودت أن أتصرف بمفردى . لقد فعلت ذلك دوما .

فى ذلك المساء كانت كاسى جالسة فى مقعد بالقرب من السرير .كانت هذه هى المرة الأولى التى لا يراها فى السرير .

أجابها متجاهلا ما قالته :
- عند عودتى سنطلب من الطبيب أن يضع تقريرا عن صحتك . ثم سنذهب إلى بند هذا المكان سيعجبك.

- دان لا تعاود ذلك . لقد سئمت من ان تخطط من أجلى . لقد قلت لك مرات كثيرة . لا أعتقد أنك أبله .

- أنا لست أبله يا كاسى . إننى عنيد . هذا كل ما فى الأمر .أمى تمتلك بيتا فى بند ،وبما أنها تسافر كثيرا فإنه سيكون ممتازا بالنسبة لك.

جلس دان إنه مفعم بالرجولة والوسامة . لمس يد كاسى التى أخفتها فى جيب ردائها .
- لماذا تخفينها دائما ؟

أمسك يدها ، ثم لمس فى لطف الندبات المنتشرة فى يدها

- أنت ترى جيدا
نظرت إليه غاضبة . وحاولت أن تسحب يدها لكنه أمسكها .

- المظهر له شأن كبير إذن وأهمية بالنسبة لك .

- أنت تعتقد أننى فتاة تافهة وغبية . أليس كذلك ؟ لكن هاتين اليدين هما اللتان يسرتا لى العيش خلال السبع سنوات الماضية . اعتنيت بهما كأنهما عيناى .انظر إليهما الآن ! كيف أستطيع أن أقدم بهما علبة كريم أو زجاجة طلاء أظافر ؟

- أنا لا أراهما كذلك .

اندهشت كاسى لصوته الحزين . ازدردت ريقها وأدارت وجهها .

تبا ! لماذا يظهر لها كل هذا اللطف ؟ لقد ظهر فى حياتها نوا ، وهو يحمل لها من التعاون والتفهم أكثر من أى أحد قابلته بعد وفاة والدتها .

- سأعود بعد عشرة أيام لأخرجك من هنا .

أسندت كاسى رأسها إلى ظهر المقعد . مما أضطرها إلى أن ترفع عينيها نحو دان .

همس إليها :
- انهضى .أريد أن أراك واقفة على قدميك قبل رحيلى .

أذعنت كاسى دون أن تدرى لماذا . لكنها استطاعت أن تقف مستقيمة وعيناها مثبتتان فى عينى الرجل .تورد وجهها ، خفضت رأسها لتخفى اضطرابها . رفع هامتها بإصبعه . فعادت عيناها لتلاقى عينى دان .

قال إليها فى لطف :
- إنى حريص على أن أراك تقفين إلى جوارى . الآن ضعى رأسك فوق كتفى ، وعلى الفور سترين مدى الراحة التى ستشعرين بها .

لم تحاول كاسى المقاومة . أسندت رأسها على كتفه واستسلمت لشعور جديد عليها . شعور بالحماية والدفء .

فتحت عينيها . ماذا يحدث ؟ إنها لا تريد أن تعتمد على هذا الرجل ولا على أى أحد غيره .

قال وهى تحاول الابتعاد عنه :
- لا . لا تتحركى . هل تعرفين ماذا تشبهين ؟ إنك تشبهين عصفورا يضرب بجناحيه . أمامك عشرة أيام ستعرفين خلالها إذا كنت أحببت قربى أم لا .

همس بالقرب من أذنها :
- لم تبد أى أمرأة حتى فى أحلامى أعذب منك يا جميلتى .

ابتعد عنها ببطء
- اعتنى بنفسك أثناء غيابى .

همست فى تردد :
- وأنت أيضا .

الفصل الرابع








- هل تشعرين حقا بتحسن ؟



ابتسمت كاسى إلى صديقتها جودى :
- لا . وقد تضطرين لاستدعاء الطبيب .


تنهدت جودى ومدت يدها بالعصير إلى كاسى :
- اشربى هذا العصير وقولى لى ما هو شعورك وقد عدت إلى بيتك ؟


- لم أكن سأستطيع البقاء فى المستشفى يوما آخر ولا حتى ساعة . شكرا لأنك اعتنيت بالنبات .إنه رائع .


جالت كاسى ببصرها فى شقتها بينما كانت ممددة فى كسل على أريكتها :


- عفوا


انكمشت جودى فى الجانب الآخر من الأريكة . إنها فى أجازة من عملها .
- لا طائل من أن أؤكد لك أنك محظوظة فأنت تعرفين ذلك .


كانت جودى شقراء ذات ابتسامة ودود وحيوية واضحة . إنها جميلة بحق وقد علمتها كاسى أن تبرز جمال عينيها السوداوين الواسعتين .وبشرتها التى لا تشوبها شائبة .


- إنى محظوظة لأنى ما زلت على قيد الحياة ولكنى من ناحية أخرى أعانى من مشكلات .ما زلت أجد صعوبة فى أن أصدق أن نيل تخلص منى بعد سبع سنوات من العمل معه .


- نيل هاملتون هذا الوغد ! كان يغار من مهارتك. وعندما صددت مغازلته لك أشعلت غضبه . وانتظر الفرصة حتى يلقى بك خارج مكتبه .


- إن معه حقا . لم أعد أستطيع أبدا أن أقوم بعملى .


بدت جودى مستاءة :
- لن تستطيعى الآن . ولكن لم ليس آجلا ؟ هناك العديد من النساء اللاتى لديهن عيوب فى وجوههن وأيديهن .


- أنت لطيفة يا جودى ولكن نيل لا يفكر كذلك .


وضعت كاسى يدها على خداها تلقائيا . شعرت بالتواء معدتها عندما فكرت فى أن تذهب وتقابل أناسا طلبا للعمل. هل ستعود إليها ثقتها بنفسها وقدراتها ؟


- سنرى آجلا ولكن ليس الآن . سيدفع لى التأمين تكاليف عملية التجميل . وقد دفع دان مصاريف المستشفى .أحتاج إلى أن أغير مهنتى .


- اتفقنا . إنى أفهم تماما .ماذا تريدين أن تعملى ؟ هناك شركات أخرى لمستحضرات التجميل وقد قلت لك ذلك .
أجابت كاسى بحزم :
- لم أعد أرغب العمل فى مجال الدعاية .

- لكن ... فكرى فى هذا العمل وخبرتك به .

- ستنفعنى هذه الأشياء ربما يوما ما ولكن ليس الآن .

انتهت جودى من شرابها ونهضت :
- هل تريدين كوبا آخر ؟

- ولم لا ؟

أغلقت كاسى عينيها بينما كانت صديقتها تعد كوبا من الكوكتيل .

خروجها من المستشفى . حديثها مع دكتور ماسترس الذى أصر على أن تبقى فى المستشفى عشرة أيام بناء على طلب دان .لقد أنهكتها عودتها إلى منزلها . فتحت عينيها لترى جودى التى وقفت أمامها والكوب فى يدها .

قالت بغضب :
- يجب أن أفلت من سطوة هذا الرجل .

قالت جودى وهى تجلس على الأريكة :
- أعتقد أنك تتحدثين عن المدعو دان ماردوك .

ضمت ساقيها إليها ونظرت إلى صديقتها .
استطردت كاسى :
- هذا النوع من الرجال لا يستهوينى .لا أحب المتسلطين .

- إذا عرفت رجلا يلبسنى الحرير وينزهنى فى سيارة فاخرة ويصطحبنى فى رحلات فسأسمح له أن يتصرف كأنه أكثر الرجال تسلطا على وجه الأرض .

انفجرت كاسى فى الضحك :
- لقد كان لك بالعل أصدقاء متسلطون . تذكرى هذا اليونانى الذى ألغى سفره إلى نيويورك بسببك .

قالت جودى متأففة :
- إنه ثقيل الظل كاد يخنفنى بإلحاحه .

ضحكت كاسى من جديد :
- بالمناسبة يا عزيزتى جودى . هل تستطعين أن توصلينى غدا إلى جراج لأرى السيارات القديمة المعروضة للبيع ؟ لقد تحطمت سيارتى ، ولا يسمح لى التأمين بأن أشترى واحدة جديدة .

- بالتأكيد .ربما نجد سيارة لسيدة عجوز لا تستخدمها إلا فى الذهاب إلى الكنيسة فى الآحاد.

انتهت جودى من شرابها . ووضعت الكوب فوق الطاولة :
- بالمناسبة . لدى موعد مساء غد .إنه جذاب بشكل مذهل طويل ، أسمر ، له شارب ،عيناه زرقاوان .سأدعوه لتناول الشاى فى المنزل .

- أتمنى ألا يكون متزوجا .

- لا .إنه ليس كذلك . إنه صديق يعمل فى شركة أخرى للطيران .إنه لا يرتدى خاتم زواج .

قالت كاسى ساخرة :
- هذا لا يعنى شيئا . بالمناسبة . هل تعرفين أحدا يستأجر شقتى بضعة أشهر .

- ما هى نياتك ؟

- سأرحل إلى ساليم أو كورفالى .إنها ليست بعيدة تماما .بما أنى ليس لدى الموارد التى تساعدنى على الإقامة هنا . الحل الوحيد هو أن أؤجر الشقة من الباطن .

- متى سترحلين ؟

- فى أسرع وقت ممكن . السبت إذا وجدت سيارة .

اعترضت جودى:
- هل ستقودين السيارة يوم السبت ؟ أنت ضعيفة كالقطيطة . وما بالك بإزدحام حركة المرور يوم عطلة نهاية الأسبوع .

- لم أعد أريد رؤية أحد . ولا لندا ولا الأناس الذين عملت معهم . وخاصة مجموعة الأصدقاء الذين كنت أذهب معهم إلى الشاطئ فى الصيف . لن أستطيع تحمل شفقتهم . أريد أن أكون بمفردى بعض الوقت .

أجابتها جودى :
- اتفقنا . اتفقنا ... تبا ! إنى أتخيل ما تشعرين به من حزن لكن دعينى أوصلك بالسيارة أينما شئت . سأساعدك فى إيجاد مكان تقيمين فيه . سأعود بالطائرة أو بالأتوبيس . دعينى أتولى أيضا أمر تأجير شقتك .إنى أفكر فى جلين .

- جلين؟

لمحت كاسى الدموع فى عينى صديقتها لكنها لا تحتاج إلى الشفقة . تجاهلت بعدم ملاحظتها .

سألتها جودى:
- أليست فكرة ممتازة ؟

- ممتازة إذا فلحت .

- والآن سأمضى يا كاسى . أمامنا يوم قاس غدا . ملأت الثلاجة لكى تجدى شيئا تأكلينه إذا شعرت بالجوع . لقد أوحشتنى .

أجابت كاسى بصوت منكسر :
- وانت أيضا . شكرا على كل شئ .

لوحت إليها مودعة :
- لا عليك . يحدث كثيرا أن أساعد آنسات محطمات . إلى الغد .

قالت كاسى فى مرارة :
- آنسات محطمات .

بعد رحيل دان إلى اليابان تأكدت كاسى بعد تفكير طويل أن إقامة علاقة مع دان أمر مستحيل .إنها تريد أن تهرب من انجذابها إليه على الرغم من هذا الشعور الجميل الذى تشعر به كلما كان بالقرب منها . فى حالتها هذه لا تستطيع أن تكون جميلة فى عينيه . إنه سيضحى بالتأكيد مقتنعا بأنه السبب فى الحادث .ويريد تصحيح خطئه . لا شئ يستطيع أن يقنع كاسى بأن تعيش فى الفيلا التى تمتلكها والدته .

فى هدوء شقتها أغلقت كاسى عينيها . واستعادت صورةجسدها فى المرآة فى المرة الأولى التى شاهدت فيها نفسها بعد الحادث . الندبات الغائرة المنتشرة فى صدرها وكتفيها ، والجروح الحمراء التى تغطى ذراعيها . وعندما رفعت شعرها رأت القطع البشع الذى يبدأ من منبت شعرها ويخترق خدها ليختفى خلف أذنها .

فى البداية اعتقدت كاسى أن هذا الجسد ليس لها . وبعد ذلك انخرطت فى البكاء على جسدها الرشيق الناعم الذىلم تكن تشوبه شائبة لى الماضى . إنها لم تكن تعرف قيمة هذا الجسد الجميل ، وبشرة وجهها الحريرية . لقد كان نعمة كبيرة لم تقدرها حق تقديرها . كان صوان ملابسها ممتلئا بالفساتين ذات الأكمام العارية . والتحات الواسعة . إنها لن تلبس بعد ذلك بالتأكيد .عندما شاهدت جسدها أدركت بفزع شديد أنها لن تستطيع إقامة علاقة حب برجل .

أفاقت من أفكارها على رنين التليفون .

- كاسى .أنا لندا .اتصلت بالمستشفى وأخبرونى أنك قد عدت إلى المنزل . أردت أن أقول لك صباح الخير . وأعرف عن أخبارك . سأمر عليك هذا المساء ما لم يزعجك ذلك .

- شكرا . لأنك فكرت بى لكن ... يجب أن يزورنى أبى هذا المساء كما إننى فى شدة التعب ... ألن نستطيع أن نرى بعضنا بعضا يوما آخر ؟

- بالتأكيد . أريدك أن تعرفى شيئا .فتيات المكتب وأنا لم نقدر الطريقة التى فصلك بها المدير آسفة يا كاسى .

هذا لطيف ... لكن ربما يكون ذلك شيئا طيبا بالنسبة لى . فهذا سوف يضطرنى للبحث عن عمل آخر .

- تماما مثلما قال السيد دان إنك بشكل أو آخر ستتركيننا بعد زواجك . بالمناسبة متى سيكون ؟

- إنه .... إننا لم نحدد التاريخ بعد . شكرا لأنك اتصلت يا لندا سنتقابل قريبا بالتأكيد . إلى اللقاء .

غضبت كاسى بشدة من دان لقد اضطرها لمسايرة كذبته

سألتها جودى وهى تقود شاحنة لنقل الأخشاب :
- متى قررت الذهاب إلى نيوبورت ؟

- لست أدرى .نيوبورت مكان ذو مناظر طبيعية خلابة . أستطيع أن أقضى هناك أسبوعين أو ثلاث قبل أن أبحث عن عمل . أريد أن أختلى بنفسى .

شعرت كاسى بتحسن منذ أن وجدت اتجاها جديدا لحياتها . كان المقعد الخلفى من السيارة محملا بالملابس .والكتب وتليفزيون محمول صغير . كانت النافذة المفتوحة وشعر جودى القصير يطير فى الهواء . عقدت كاسى حول رأسها وشاحا يخفى أذنيها

صاحت جودى :
- انظرى إلى اللافتة شقة للإيجار .

سلكت الطريق المؤدى إليها . وبعد نصف ساعة رفعت اللافتة . لقد أستأجرتها كاسى . يدير محطة الخدمات والمتجر فى نيوبورت زوج محال إلى المعاش . يمتلك نفس الزوج مجموعة شقق ذات طابق واحد تقع بين الأشجار . اختارت كاسى آخر شقة وهى بعيدة عن الأخريات . بها حجرة كبيرة وحمام ذو طابع ريفى لكنه مريح وقريب من شاطئ البحر .


قالت جودى بعد أن أفرغت السيارة من محتوياتها :
- أود لوأبقى معك أسبوعا لكنى سأذهب بالحافلة إلى بورتلاند . ربما أقابل فتى وسيما ، عريض المنكبين ،فارع القوم .

- أخبرتك بالفعل .إننى لا أريد أن أسمع أى حديث عن دان ماردوك .

بقيت جودى حتى صباح الاثنين . ذهبت الصديقتان إلى نيوبورت بالسيارة . من هناك استقلت كاسى سيارة أخرى إلى كورفالى .بعد ما اشترت ما تحتاج إليه من المتجر عادت كاسى إلى شقتها وأدخلت السيارة الجراج . أفرغت ما اشترته وشعرت بالتعب .كانت سعيدة فى النهاية لأنها استطاعت أن تتمدد دون أن تعمل حسابا لأحد .

مضى الثلاثاء والأربعاء بسلام .

استمتعت كاسى بالشمس فى كسل أمام شقتها . قامت بنزهات قصيرة . وقرأت ثلاث روايات . ذهبت إلى المدينة لتشترى الجريدة وبعض الفاكهة متجنبة كل من يقابلها .

على العكس كان الخميس يوما عصيبا بالنسبة لها . على الرغم من كل محاولاتها لم تستطع أن تنسى أنه يوم عودة دان من اليابان .

أخيرا أقنعت نفسها بأنه ممثل ماهر ، وفكرت فيه باحتقار عندما فكرت أنها كانت ستقع فى حبه لو تعرضت لتأثيره أكثر من ذلك لابد أنه إيدى فارو جيد واحدة لا تكفيه

فى نهاية الأسبوع ذهبت كاسى إلى المدينة وعادت منها دون أن تشعر بالتعب . اكتشفت متجرا للمواد العذائية .

لم يلاحظأحد الفتاة النحيلة التى ترتدى بنطلون جينز كالح اللون وقميصا فضفاضا ملتفحة بوشاح وقبعة رخوة تسقط على عينيها .كان الجو حارا . إنها بداية شهر سبتمبر ، بدأت الدراسة ولم يعد يأتى السياح إلا فى عطلات نهاية الأسبوع .

بهدوء خططت كاسى لحياتها المستقبلية . خلال بضعة أسابيع ستذهب إلى ساليم أو كورفالى لترى فرص العمل .فى انتظار ذلك قررت أن تكرس وقت فراغها فى تفصيل ملابس تستطيع بيعها فى أحد المحال . كانت تنوى فتح واحد على الشاطئ .

الملابس المحاكة يدويا تباع بأسعار مرتفعة . وكانت كاسى خياطة ماهرة . كانت تحب التفصيل وتعرف كيف تضع لمساتها الشخصية عليها . فى كل يوم كانت تقضى أوقاتا طويلة فى تصفح المجلات الخاصة بالموضة . والآن قد أصبح لديها هدف فأصبحت الحياة مضيئة . لقد توصلت إلى نسيان العينين السوداوين وسحرهما .

مساء الأحد رحل السياح . وعاد الهدوء إلى المدينة والشاطئ . مشت كاسى عدة كيلومترات . استعادت ثقتها فى نفسها ،وبفضل التدريبات والتغذية السليمة أصبح جسدها أكثر قوة . تغلبت على صدمة الحادث كما صمدت والدتها وقت هجر زوجها إيدى لهما . وكما صمدت كاسى نفسها وقت وفاة والدتها .

يوم الجمعه استقلت سيارتها . وذهبت إلى المدينة للتسوق . اشترت أيضا رواية . وعدة مجلات . فى المساء - بعد أن أخذت دوشا - استرخت فى سريرها لتقرأ روايتها الجديدة .

انخرطت فى القراءة فلم تسمع طرقات الباب .طرق الباب من جديد فنهضت .
سألت ممسكة بثوبها :
- نعم . من هناك ؟

- لك تليفون .

ربطت كاسى حزام ثوبها . وألقت نظرة إلى نفسها فى المرآة للتأكد من أن جبهتها وأذنيها مختفية . لابد أن هناك شيئا خطيرا جعل جودى تتصل بها فى هذا الوقت المتأخر من الليل . فتحت البا . وضعت يدها على فمها . وجحظت عيناها من المفاجأة .كان دان واقفا أمامها يداه فى جيبى سترته القطنية .

نظر إليها بعينيه السوداوين وقال فى هدوء :
- نزلت بالشقة المجاورة لك . وأريد بعض السكر .

الفصل الخامس








صاحت كاسى فى دهشة :
- دان



- كاسى عزيزتى


كان صوته هادئا بشكل غريب كصوته الذى هدأها به عندما استيقظت فى المستشفى وعيناها معصوبتان .


هزت رأسها قائلة :
- ماذا تفعل هنا ؟


دخل دان وأغلق الباب واستند إليه
قال ببساطة :
- جئت لأسترد جميلتى .


قالت كاسى ناظرة إليى فى قلق وحزم فى نفس الوقت :
- دان اسمعنى . أجد صعوبات كافية لكى أسترد قواى .ولكى أجد عملا جديدا . لكى أستعيد حياتى ... نظمت حياتى يا دان وأنت لست جزءا منها .


ترك الباب وتحرك بخفة .يبدو أكثر طولا وقوة


سألها بابتسامة صغيرة :
- هل أنت متأكدة ؟


- يجب أن أعيش حياتى وهى لا تتفق مع حياتك .


أخذ يضحك .


صاحت ناظرة إليه فى غضب :
- لا تضحك . لماذا ؟ لماذا تتبعنى ؟ أنت تعرفنى بصعوبة


قال مفكرا ممسكا بخصلة من شعرها الأشقر:
- أعرفك بصعوبة ؟ هذا صحيح . إننى أعرفك منذ وقت قصير لكن هذا يكفينى حتى أتاكد من أنك ذكية ولديك شخصية قوية و ....لن اصاب بالسأم منك حتى بعد مليون سنة .
أضاءت عيناه بلمعة مكر .


- إذا كنت تبحث عن فتاة جدية لمغامراتك فانسانى . فأنا لست من ذلك النوع .


رفع هامتها بإصبعه مجبرا إياها على النظر إليه وقال :
- صدقينى يا كاسى .لم أفكر أبدا فى استغلالك .


رأته كاسى يقترب إليها بتلقائية . وضعت يدها على صدره دافعه إياه لكنه نجح فى أن يقبلها .


قالت بصوت منكسر :
- دان أرجوك .
أحاط رقبتها بيده وحاول أن يبعد شعرها عن وجهها . صاحت بصوت حاد :
- لا . لا تفعل

ابتعدت وأدارت وجهها .ربت على شعرها

بادرها قائلا :
- كاسى . تعرفين أننى لم آت إلى هنا من أجل ليلة متعة . أريدك أن تشفى وتستعيدى قوتك لكننى لن أكون لطيفا دائما هكذا يا جميلتى .

- كف عن مناداتى هكذا ... أرجوك

أمسك متفيها وأجبرها على أن تستدير إليه . همس فى أذنها :
- منذ بضع أسابيع لم أتوقع أن أقابل امرأة تشغل كل تفكيرى . هل يزعجك أن تكونى أنت هذه المرأة ؟ وهل يؤلمك إذا احتضنتك هكذا ؟
أحاطها دان بذراعيه .

همست كاسى :
- لا . هناك منطقتان يتركز فيهما ألمى .

- لا تنزعجى يا عزيزتى .

لم تستطع كاسى أن تفر هذه المرة .ناداها صوت داخلى : أنت ترتكبين حماقة . أنت تنغمسين أكثر فأكثر .كونى عاقلة وقولى له أن يرحل .

فجأة حملها دان بين ذراعيه . اعترضت ولكن دون جدوى . أراحها على أحد المقاعد الوثيرة .

- يداك باردتان جدا .
أخذ يحك يديها حتى دب فيهما الدفء

أمسك يديها فى حنان وسألها :
- لماذا أنت منزعجة إلى هذا الحد يا عزيزتى ؟ لم أكن لأوذيك أبدا .

خلع سترته ووضعها على المقعد المجاور
جحظت عينا كاسى من شدة القلق .

- إنى أتضور جوعا . أتمنى أن يكون هناك شئ يؤكل فى الثلاجة .

اتجه مباشرة إلى المطبخ . أخرج الخبز ، والبيض ووضعها على الطاولة .

سأطهو بيضا مخفوقا .

راقبته كاسى مبتسمة بينما يكسر البيض . اندهشت لطبيعية الموقف . لا يبدو دان غريبا عن هذا المكان .سألت نفسها من جديد : ما الذى يجعلها تولى هذا الرجل كل هذه الثقة ؟ إنه يتصرف بطبيعية وتلقائية .

بعد لحظات عاد فى يده المقلاة التى أفرغ محتوياتها فى الطبق وابتسم فى فخر وهو يقول :
- كعادتى أفشل عندما أحاول إثبات مهارتى المطبخية . يبدو أن اليوم هو يوم السعد بالنسبة لى .

قسم البيض . ووضع نصفه فى طبق آخر . وتقدم نحوها .
قال منحنيا فى احترام :
- تذوقى يا سيدتى النبيلة .

لم تستطع كاسى الرفض .
أجابت :
- شكرا يا سيدى النبيل . لو أنك تحسن استخدام السيف كاستخدامك المقلاة .

ضحكت وقد زال عنها التوتر . فى الحقيقة إنها لم تشعر أنها فى حالة طيبة كالآن .

سألها دان :
- هل تريدين المزيد ؟
أمسك طبقه بين يديه

- لا .فى البداية لم أكن أنوى الأكل منه ولكن رائحته زكية .فلم أستطع المقاومة . أعتقد أنه يجب أن تعد شرائح الخبز .

- أعددتها بعد أن انتهيت من طهى البيض .أعطينى طبقك.

- لا شكرا . لا أريد . تصرف كأنك فى بيتك


























عندما انتهى من طعامه غسل الأطباق ورصها فى المطبخ .أضاء دان التليفزيون الصغير وجلس على راحته :
- سنرى نشرة الأخبار بعد ذلك سأتركك لتنامى . غدا سنذهب لنتسوق . سنعد عشاء شهيا

- هل تنوى أن تبقى هنا طويلا ؟

- لست أدرى . هل سئمت وجودى ؟

قالت فى نفسها : على العكس : لكنها أجابته :
- لم أفكر فى ذلك بعد . لكن بالمناسبة كيف عثرت على ؟جودى هى الوحيدة التى تعرف أين أكون بالإضافة إلى أنها لا تجهل أننى لا أريد أن يعرف أحد مكانى .

- لقد نقضت عهدها لكن لا تغضبى منها .

استطرد ضاحكا :
- لقد جلست أمام بيت منزلها وهددتها بأن أخبر جلين أننى زوجها ! إنها حيلة صغيرة

قالت مبتسمة :
- ما فعلته ليس صوابا . هل أجرت شقتى من الباطن .

- نعم مدة ستة أشهر .وبعد هذه الفترة تستطيعين العودة إليها .

ساد الصمت عندما جذبت الأخبار انتباه دان بينما شغلت كاسى بالتفكير عن متابعة الأخبار .وأخيرا قالت لتقطع هذا الصمت :
- ماذا عن رحلتك ؟

- رائعة حتى الوقت الذى علمت فيه بعد اتصالى . أنك غادرت المستشفى .

تمتمت دهشة وسعيدة لأنه اتصل من هذا المكان البعيد :
- هل اتصلت بى من اليابان ؟

- أنت تعرفين أننى اتصلت بك . لماذا لم تنتظرى عودتى حتى تغادرى المستشفى ؟. بضعة أيام أخرى من الراحة لن تؤذيك .

لم تتأثر كاسى بالقوة الهادئة المنبعثة من ملامح وجهه الصارمة وأجابت :
- لم أكن بحاجة إلى أذنك حتى أغادر المستشفى .كما أننى لست بحاجة الآن إلى أن أعرف منك ما يجب أن أفعل .

نظر إليها مبتسما ، ثم ضاحكا . أضافت :
- هناك شئ آخر بك يدهشنى للغاية . إنك تضحك لأتفه الأسباب .

دون أن يجيبها اقترب من وجهها وقال :
- أحب عينيك . تشبهان عينى القطة : ذهبيتان . ذات مرة رأيت قطة ذات عينين مستديرتين تحدهما أهداب ذهبية .

ارتعشت وتورد وجهها من جديد . شعرت بالدفء والسكينة اللذن شعرت بهما ذات ليلة فى المستشفى عندما احتضنها بين ذراعيه .

يا إلهى ماذا تفعل ؟ لو كانت قابلته قبل ذلك لأخذت رأسه بين يديها وضمته إلى قلبها . لأحبته .تحبه ! أوه لا .كاسى تحبه إذن . أنها لم تتخيل أبدا أن يكون سحره بهذه القوة . بقيت ساكنه وهى تعرف أنه يسمع قلبها يدق بشدة .

همس إليها :
- كم أنت نبيلة يا سيدتى النبيلة . لو لم أكن فارسا شريفا لأختطفتك .

صاحت :
تختطفنى ؟ ألست ميلودراميا بعض الشئ أيها السيد النبيل ؟

- يبدو أنك تريدين تهدئة عواطفى الجامحة بالمزاح وعلى الرغم من ذلك هل تصدقيننى إذا أخبرتك أننى لم اشعر بالسعادة قط كما أشعر بها الآن ؟
كانت كلماته مفعمة بالصدق حتى إنها أجابته دون تفكير :
- نعم أصدقك .

- وانت

اعترفت :
- لست حزينة تماما .

نسيت كاسى كل شئ عندما نظرت فى عينيه . لم تعد تهتم بشئ سوى بأن تبقى عينيها معلقتين بعينيه .
- أنت تشبهين القطة الصغيرة ذات العينين الذهبيتين .

أمسك يد كاسى ووضعها على وجهه . كان لهذه اللمسة البسيطة أثر كبير على كاسى . فقد غمرها حنان واسع لهذا الرجل الذى يبدو فى كثير من الأحيان قويا ومحبا للسيطرة . قبلها باحترام . همس :
- لا داعى حتى نذهب بعيدا

غاص بعينيه فى عينيها الذهبيتين . خلال اللحظات السحرية نسيت كاسى خوفها من أن تخضع لهذا الرجل . لقد استسلمت للإحساس اللذيذ بأن هناك من يحبها ويدللها . أغمضت عينيها وشعرت بـ دان ينهض .عندما فتحتهما كان واقفا أمامها ينظر إليها . قبل يدها .

- سأطفئ التليفزيون والأنوار . وبذلك لن يكون عليك فعل أى شئ قبل أن تنامى . طابت ليلتك يا جميلتى .

- طابت ليلتك يا سيدى .

بمجرد أن رحل زفرت فى أسف . استلقت على سريرها وأراحت رأسها على الوسادة . وفجأة فتح الباب من جديد .

قال دان :
- لا تخافى . إنه أنا . السرير ليس جاهزا فضلت أن أنام على المرتبة بالقرب من سريرك .

أقفل الباب واتجه نحوها فى الظلام . سمعته كاسى وهو يخلع ملابسه فى الظلام . سمعته فى صمت وقلبها يدق بشدة . ويداها مقفلتان على الغطاء فى عصبية

- أوه كم أنا متعب . أشعر كأننى مشيت كيلو مترات

همس :
- قبلينى وتمنى لى ليلة سعيدة

قبلها برفق . ثم استلقى على ظهره فى هدوء .
الفصل السادس








استيقظت كاسى راقدة على جانبها وذراعها خارج السرير . أول شئ لاحظته وجود سترة دان ملقاة على المقعد . استدارت حتى تراه نائما . فى جزء كبير من نومها كانت كاسى فريسة للقلق والتوتر حتى تعبت . وغلبها النوم .لم تجد إجابة على الأسئلة التى تشغلها .



كانت كاسى معتادة على النهوض مباشرة فور استيقاظها . قامت ببطء ووضعت قدميها على الأرض .على الفور تحرك دان ونظر إليها .


ابتسم إليها
- آسفة لم أرد إيقاظك .


- إنى مستيقظ بالفعل .


ارتعشت كاسى عندما رأته مستلقيا على ظهره يشيع قوة ورجولة . كانت هذه هى المرة الأولى التى تشعر فيها كاسى بمثل هذا الانجذاب الشديد نحو رجل . كانت هذه هى المرة الأولى أيضا التى تكون فيها عاشقة .URL="http://www.liilas.com"]منتديات ليلاس[/URL]


تمدد دان وعقد ذراعيه خلف رأسه . فى هذه اللحظة أرادت كاسى أن تربت على شعره الأسود الكثيف . كانت رغبتها فى ذلك قوية , ولتفر منها وضعت قدمها الأخرى على الأرض ونهضت


قال لها دان بينما ذهبت إلى الحمام :
- أعطينى منشفة يا عزيزتى , سأذهب لأخذ دشا فى شقتى .


ألقت إليه بمنشفة من خلال الباب الموارب ثم صفقته . سمعته يضحك , وتخيلت تعليقه الساخر . إنه يعرف أننى منجذبة إليه .


نظرت كاسى إلى نفسها فى المرآة . ليس لديها ما تهديه إليه . خبرتها فى الحب قليلة . إنه يستطيع أن يعثر على فتاة على ذوقه بين اللاتى يحمن حوله , لماذا هى إذن ؟ لقد انتهت كاسى إلى أن اقتنعت بحياة الوحدة , وهى ليست حمقاء لتلقى بنفسها فى مغامرة ليس لها مستقبل .


خلعت ملابسها , ونظرت إلى نفسها فى المرآة , على الرغم من ندباتها كانت قوية , رشيقة وفى صحة جيدة . وقفت تحت الدش وفتحت الماء الساخن .


عندما خرجت من الحمام عاد دان من شقته . وقف عند عتبة الباب مبتسما : كان شعره نديا , وذقنه حليقا . لقد استعد بينما كانت كاسى تأخذ دشا وترتدى ملابسها , وتتزين .






لم يكن لدى كاسى فكرة عما ستنتجه من أثر بنطلونها الجينز الذى يبرز جمال ساقيها الطويلتين , قميصها الأخضر المتناسق مع شعرها , وعيناها الذهبيتان . نظر إليها دان بإعجاب .

تحققت كاسى من أن مظهرها فى حالة جيدة .

ٍسألها دان :
- هل تنتمين إلى هذا النوع من النساء اللاتى يكتفين بقدح قهوة للإفطار ؟

- أسفة لأنى سأخيب أملك لكننى ألتهم الطعام التهاما فى الصباح .

قال :
- حسنا . أعرف مكانا حيث يقدم أنواعا رائعة : بسكويت , لحم بارد . من الأفضل أن تأخذى سترة خفيفة . هناك نسمة باردة هذا الصباح .

وضعت كاسى وشاحا حول رأسها , وارتدت سترتها . غادر الاثنان الشقة . اتجه دان إلى سيارة كبيرة لونها رمادى . تماما كما ظنت إن سيارته فخمة . مقاعدها ذات فراش وثير وفاخرة إنها لم تتخيله أبدا يقود سيارة حديثة .

سألته كاسى بينما تحركت السيارة سالكة طريق الجنون :
- هل ذهبت إلى هذا المطعم كثيرا ؟

- نعم انا واخوتى كنا نأتى إلى هنا مرات عديدة فى السنة .

أراد كاسى أن تسأله عن إخوته لكن قبل أن تفكر فى الطريقة التى تصيغ بها سؤالها بادرها دان :
- ربانى أخواى الأكبر منى . مات أبى عندما كنت فى الرابعة عشرة . أخى الأكبر يكبرنى بأربع عشرة سنة , والأخر باثتنى عشر سنة . كنت مدللا جدا بطريقة ما . ثلاثتنا كان يعمل فى استثمار الغابات ولكن بما أنى الأصغر كانوا يتركون لى القليل من العمل .

طرحت كاسى سؤالا أخيرا :
- هل لأخويك أطفال ؟

- نعم زوجة هانك أنجبت سبعة خلال ست عشرة سنة زواج ! فريد لديه خمسة .

سألته كاسى :
- ألا تحب الأطفال ؟

بلى بالتأكيد ! يالها من فكرة إنى حتى أريد الكثير من الأطفال .

أمام المطعم , أوقف السيارة أمام الباب وأبطل المحرك . التفت نحو كاسى :
- هل أنت ابنة وحيدة ؟

- نعم . بما أنى كذلك فقد كان على رعاية أمى المريضة , وأبى عاشق النساء . كنت أود أن يكون لى أخ أو أخت يتقاسمان معى هذه المسؤولية .

أمسك دان يدها :
- لا أعتقد أنك بحاجة إلى ذلك , فإنك قوية . أشعر بالخجل , لأنى تحدثت عن طفولتى . أنا على الأقل كان لى أخوان وزوجتاهما .

أمسك سترة كاسى على المقعد الخلفى . سحبت كاسى يدها . ونظرت عبر النافذة . الرقة والرعاية التى يظهرها دان تجاهها جعلتها تشعر بالحساسية والحزن .

سألته :
- هل سنذهب لنأكل ؟

مرت بلسانها على شفتيها نادمة على أنها تحدثت عن نفسها . ثم بحركة عصبية أصلحت الوشاح على شعرها , لتتأكد أنه يخفى أذنيها .

بعد الإفطار عادا إلى نيويورك . ترك دان السيارة فى ساحة انتظار , وتنزها فى الحى التجارى , وشاهدا معروضات الحوانيت فى لحظة ما توقفت كاسى أمام متجر صغير , لتنظر إلى الداخل . إنه خاو وبه أرفف خشبية . قالت لنفسها إنه يتناسب مع الطراز الذى تريده ولكنها لاحظت لافتة كتب عليها مبيع فعدلت عن التفكير فيه .

قال دان مازحا :
- هل تنوين فتح حانوت لبيع أدوات الصيد ؟

صاحت كاسى ضاحكة :
- أدوات الصيد ؟ يا لها من فكرة ! أريد فتح حانوت للملابس ...لقد قررت - مهما حدث - أن تستفيد من هذا اليوم . ستفكر فى المستقبل أجلا.

سارت معه جنبا إلىجنب وحدثته عن مشروعاتها : ستفصل الملابس خلال الشتاء لتبيعها خلال الربيع . سمعها دان باهتمام .
- تعرفين الحياكة إذن .

أوقفها فجأة :
- لكنك تتمتعين بكل الخصال الحميدة ،جميلة ، مستقلة ،ذكية ، موهوبة ومفعمة بالطموح .

جمد وجه كاسى . بدت حزينة على الفور . أدرك دان أنه قال ما كدرها .

- ماذا هناك ؟ لماذا هذا الحزن فجأة يا كاسى .

- لا شئ . لا تهتم بذلك .

عادت إلى السير ويداها فى جيبى البنطلون .

فجأة تنبهت إلى الندبة التى فى وجهها . عندما وصلت أمام السيارة . انتظرت أن يفتح دان الباب .دزن أن ينطق بكلمة شغل المحرك وانخرط فى حركة المرور . اتخذ طريق الساحل . بعد عدة كيلو مترات اتخذ طريق رملى يؤدى إلى الشاطئ وأوقف السيارة .امتد المحيط الهادئ أمامهما .

- أريد أن أعرف لماذا بعدت هكذا فجأة ؟

تشبثت يدا دان بعجلة للقيادة ، ولمعت عيناه بين جفنيه .

أجابت كاسى بنبرة فاترة :
- أكره المداهنة .

قال دان :
- المداهنة ؟ أنا أقصد بصدق كل كلمة أتفوه بها .

أجابته :
- كاذب

- لا تقارينى أبدا بـ إيدى فارو ولا بأى شخص على شاكلته .

أدركت كاسى أن رفيقها غاضب . لم تجد قوة حتى تفر من قبضة اليدين الممسكتين بكتفيها .
- أعرف ما فى رأسك القذر

نظر إليها بعينيه نظرة ثبتتها فى مقعدها :
- لقد أخبرتك بالفعل : كف عن التدخل فى حياتى يا دان ليس لديك الحق فى ...

- بلى لدى الحق . وأنت تعرفين تماما أن تقبلى بذلك أولا مشكلتك هى أنك جد مغرورة

- هذا خطأ وكف عن تحليلى .

- أنت تخشين أن أكتشف ما يختفى تحت مظهرك الجميل . أفكارك مسممة بالأفكار النسائية التى تدعى بأن المرأة يجب أن تعيش حياة مختلفة عن حياة الرجل .ألا تقاسمه أحلامه وطموحاته وألا تتزوج ! ألا تخجلين من أن تعترفى بأن رعايتى لك فى المستشفى كانت تسعدك . ذلك يجعلك تؤمنين بأنك ضعيفة وغير مستقلة ؟ لقد تصرفت بمفردك وقتا طويلا ، وتندمين على عدم ارتباطك وخاصة اليوم بعد حادثك .

- هذا ليس صحيحا . أنا قادرة على أن أعيش كما أنا

وضع دان يده على فمها .فأجبرها على ابتلاع كلماتها . لم يكن هناك أى رقة فى هذه الحركة .لقد أراد فقط أن يمنعها من الكلام . هزت رأسها لتخلص فمها .

احتضنها بشدة رافضا أن يحررها متجاهلا جهودها لتتحرر من قبضته .

وأخيرا استسلمت لحضنه فقبلها بحنان بالغ : دق قلبها بشدة . لم تعرف هل ذلك بسبب الخوف أم أن قلبها يرقص فرحا . إن قبلته تمس أعماقها وتغلفها بالحنان : اعتراها خوف مباغت أن تفقد سيطرتها على الموقف .فعادت إلى أرض الواقع .

همست :
- دان ! لا ! أرجوك .

نظر إليها باهتمام وقال :
- ليس لديك وجه جميل فقط . إنى أحب عصابة رأسك وعنقك الجميل ، قوامك الرشيق ، شعرك اللامع وخاصة أعشق عينيك : إنها تعكس مشاعرك وفمك .. لم تتحقق لى سعادة مثل التى أشعر بها عندما اقترب من شفتيك وأرتشف أعذب القبلات

سالت دمعة على خد كاسى مسحها دان بلطف . همست :
- أنا لا أفهمك . أنا لا أفهمك على الإطلاق .

- أنا نفسى لا أفهم نفسى .. أعرف ببساطة أننى تعس عندما أكون بعيدا عنك . أنا لا أشعر بنفسى إلا عندما أكون معك . لقد عرفت هذا الإحساس منذ الليلة الأولى فى المستشفى .

- لا يمكن أن تكون قد انشغلت بى بهذه السرعة .

أجاب بابتسامة على شفتيه :
- بلى

صمتت . لقد أصابتها كلماته بالاضطراب .
قالت :
- إذا أرادت أن تعرف فإننى أسفة على أنى اعتبرتك كاذبا

أخذها بين ذراعيه وسألها :
- هل أنت متأكدة

تعلقت به وابتسمت
- عزيزتى .هيا نتزه على الشاطئ .

مشيا خلال ساعات التقطا القواقع التى قذف بها الموج إلى الشاطئ أثناء الليل . أحيانا كانا يتكلمان .وأحيانا أخرى كانا يصمتان . لفحت الشمس الغاربة بشرتهما فحولتها إلى اللون البرونزى . فى لحظة ما أدرك دان حاجة رفيقته إلى الراحة .ووجد مكانا فى مخبأ عن رياح الشمال تحت صخرة ضخمة . وهناك استلقيا وبدأ يتبادلان الاعترافات

وعلى الرغم من ذلك حدث ما كدر صفاء هذا اليوم السعيد .

أغمضت كاسى عينيها واسترخت تماما بينما داعب دان شعرها الذهبى ، وامتدت يده لتنزع العصابة التى تخفى تشوهات جبهتها . فتحت كاسى عينيها فزعة وأمسكت العصابة بشدة .

استولت الدهشة على دان .إنه لم يفعل ما يزعجها إلى هذا الحد . تلألات عيناها بالدموع .أرادت أن تفسر له . أن تشرح له سبب ذعرها .إنها لا تريده أن يرى تشوهاتها .مرت سحابة أمام الشمس . ارتجفت كاسى . مدت يدها إليه ففتح ذراعيه .تشبثت به وقلبها يخفق بشدة .

- لا عليك يا عزيزتى . كل شئ على ما يرام .

فاتتهما وجبة الغذاء قررا أن يعودا مبكرا لوجبة العشاء . ذهبا إلى المدينة للتسوق . عندما عادا إلى البيت وضع دان السلتين الممتلئتين بالطعام ولوازم المطبخ .

سألته كاسى :
- هل أستطيع أن أساعدك فى إعداد شئ ما .

- لا شئ على الإطلاق .. إننى أنا من سيتولى الطهى هذا المساء . لست بحاجة إلى صبى طباخ .

ابتسم إليها مازحا . ردت إليه كاسى الابتسامة سعيدة بالسلام الذى سكن بينهما . لكن هل حقا سلام ؟ إنها تشعر بالاضطراب أمام هذا الشخص القوى قلبا وقالبا .

قال لها بحنان :
- اذهبى أنت لتأخذى دشا . سيكون طعام سيدتى جاهزا لنقل خلال ساعة . يجب أن أخذ دشا أنا أيضا وأغير ملابسى فإنى لا أريد أن أضيف الرمل إلى مكونات السلطة .

ابتسم إليها دان بينما كانت تتجه إلى الحمام . تحت دش الماء الدافئ قالت كاسى لنفسها إنها ليست فتاة مراهقة تجرى وراء قصة حب رومانسية ولكنها اعترفت فى قرارة نفسها أن دان هو الرجل الأول الذى يخفق له قلبها . وإذا كانت قد وقعت فى حبه فذلك لأنه على الرغم من قوته فهو مرهف الحس . هناك شئ بداخله يجعلها تشعر بالرغبة فى ضمه بين ذراعيها كالطفل . تأوهت : يا إلهى ! هل تجرؤ على أن تحب هذا الرجل ؟

بعد أن انتهت من حمامها اختارت كاسى ثوبا هنديا أزرق وأخضر بكم طويل ثم جففت شعرها وصففته بعناية حتى أصبح لامعا وناعما . سرحته بطريقة تخفى ندية خدها الأيمن .وأخيرا وضعت طبقة رقيقة من كريم الأساس على وجهها ولونت شفتيها ،وبعد أن انتهت ترددت قليلا قبل أن تخرج .

تقدمت فى الحجرة الفسيحة . صفر دان فى إعجاب مؤكدا ما عكسته المرآة إلى عينى السيدة الشابة



كان منشغلا فى تقطيع الخضراوات لكنه وضع سكينه وتقدم نحوها وقبل جبينها قائلا :
- رائع ! رائحتك زكية . هذا أفضل من الثوم والبصل .
اقترب منها حتى يستنشق عبيرها .

قالت ضاحكة متمنية ألا يلاحظ اضطرابها :
- أتمنى ذلك .

تبادلا ابتسامة سعيدة

قال دان :
- تحاولين إغوائى . هل تنوين الرقص هذه الليلة ؟

أجابت مازحة :
- أفضل الرقص على غسيل الأطباق .

- لا تتحركى إذن حتى آتى . اجلسى .

أجلسها فى أحد المقاعد . وأحضر لها عصيرا فاتحا للشهية . ثم توجه إلى الحمام

سألت كاسى نفسها وهى ترتشف كوبها .كيف يتقابل شخصان غريبان ومختلفان من حيث الماضى وأسلوب الحياة . ويستطيعان أن يتوافقا إلى هذا الحد ؟ إنهما كالمتزوجين . إنها لا تستطيع تحمل هذه الفكرة وهى التى تعتبر نفسها مشوهة .

قالت لنفسها بصوت منخفض : هدئى من روعك ، واهتمت بما أعده دان فى المطبخ : طماطم مقطعة ، شرائح من الخضروات وشرائح اللحم تنتظر الشواء . على الطاولة طبق تفوح منه رائحة لذيذة لا تعرفها كاسى . فى اللحظة التى جذبت فيها الطاوبة إلى وسط المطبخ ظهر دان وهو يجفف شعره . كان يبدو مشغول البال .

- لا أستطيع أن أتخلص من فكرة أننى أنا وأنت عشنا موقفا مشابها .

دهشت كاسى من جديته فى هذا القول ، قالت :
- أنت تمزح .

- لا يا حلوتى .

اختفى من جديد فى المطبخ ثم عاد وشعره ندى , ولكن مصفف .
- أشعر أننا نعرف بعضنا منذ زمن طويل .

ابتسمت كاسى وقالت مازحة , لتخرجه من انشغاله :
- لابد أنك أحد ضحايا حبى .

وقد نجحت كاسى فى ذلك , لأن دان قد ابتسم لها . حملقت فيها عيناه الداكنتان . أصر على أن تبقى جالسة فى مكانها بينما تولى هو إعداد العشاء . وضع شرائح اللحم على الشواية . وأثناء طهوها أعد السلطة وقطع الخبز , ثم دهنه بالزبد .

سألته كاسى بفضول :
- أين تعلمت أن تطهو هكذا ؟

- فى أحد المعكسرات عندما كنت فى السادسة عشر , وستحبين الأرز الذى أطهوه .

قهقهت كاسى .

أثناء العشاء تحدث دان عن طفولته . عما تعلمه فى معسكر الكشافة حيث يتدرب الصبية على أن يكونوا رجالا .

تبادلا الابتسامات , وقضيا أوقاتا سعيدة فى السهر والضحك كأنهما صديقان , تألقت كاسى ولمعت عيناها البنيتان بالسعادة . وعلت شفتيها ابتسامة لم تفارقها طوال سهرتهما .

فرغا من الطعام , وأعادا النظام إلى المطبخ معا , لم تتوقع كاسى أن يكون دان مرتبا ودقيقا إلى هذا الحد . لقد وضع كل شئ فى مكانه .

سألها متفحصا وجهها فى الضوء الخافت :
- ماذا سنفعل الان يا سيدتى النبيلة ؟

- ما الذى تقترحه يا سيدى العزيز ؟

فجأة شعرت بأنها صغيرة جدا أمام هذا الرجل المفعم بالرجولة .

نظرت إليه بعينيها الواسعتين .

قال وهو يقترب منها :
- أود أن أقبلك .
الفصل السابع








قبلها دان على عنقها دون مبالاة بأذنها المجروحة ولمست شفتاه ندبة خدها .



صاحت وهى تدفعه :
- دان لا


نهرها :
- أنت تتفوهين بهذه الكلمة كثيرا .


ثم همس :
- شعرك رائع ورائحته زكية ، إنه يذكرنى بالشلالات فى غابة غنية لم تطأها قدم إنسان .


- دان ... أرجوك


همس :
- أحبك يا كاسى لماذا تحبين أنت عذابى بالابتعاد عنى .


بدأت كاسى تضعف .ربتت على شعره الأسود
قالت لنفسها مهما كان المستقبل فإنها لن تحرم نفسها من سعادة هذه اللحظات


- عزيزتى .


نظر إليها دان بعينين يماؤهما الحب والشوق إلى أن يحتويها ويمتلكها إلى الأبد ... ارتعشت وهمست :
- دان عزيزى
خرجت هذه الكلمة من أعماقها


- حقا عزيزك ؟
لمعت عينا دان بالفرحة . تنبهت كاسى فجأة . هل تفوهت حقا بهذه الكلمة ؟ زفرت وخبأت وجهها فى صدره .


همست :
- نعم أنت حبى


قال وهو يداعبها :
- أنت فتاة عنيدة . لقد انتظرت لقاءك منذ زمن بعيد .


إنها اللحظة السحرية التى تعترف فيها بحبها على الرغم من كل ما تحمله فى صدرها من آلام .بل إنها أسعد لحظة فى حياتها . وهذا الرجل الذى جمع كل ما تتمناه أى أمرأة فى رجل حياتها إلى جوارها يهدهدها كأنها طفلة مدللة .


همس إليها :
- أريد أن يطول الليل وأبقى معك .


همس إليها بكلمات الحب التى لم تسمعها أبدا . كلمات أنستها جراحها وندباتها . جعلتها تشعر بسعادة غامرة أثملتها فغابت عن كل حقيقة إلا حقيقة واحدة هى أن كليهما قد خلق للآخر






استيقظت كاسى من نوم عميق . كانت بين ذراعى دان تخلصت من حضنه بحذر ونهضت فى الظلام . سارت نحو الحمام واحتجزت نفسها بداخله قبل أن تضئ الأنوار . استندت إلى الباب وتركت عينيها تعتادان على النور . ثم نظرت إلى نفسها فى المرآة . فزعت عندما اكتشفت صورتها : شعرها أشعث قد كشف عن ندباتها وما قطع من أذنها .نظرت إلى باقى جسدها حيث انتشرت الندبات .

اغرورقت عيناها بالدموع .

ابتعدت كاسى عن المرآة . وأخذت دشا وارتدت ثوبا بكمين طويلين . عندئذ شعرت بالأمان .نظرت من جديد إلى نفسها فى المرآة . أخذت الفرشاة وسرحت شعرها حول وجهها .

الآن قد أخفت عيوبها .

اطفأت نور الحمام . وعادت إلى الغرفة . فجأة شعرت بالعصبية .إن دان مستيقظ .
- كنت أعتقد أنك نائم يا دان

- لقد استيقظت عندما تركتنى .

ابتسم إليها ونظر إليها بحب ثم احتضنها :
- لماذا تركتنى يا حبيبتى . هل كنت متعجلة ؟ آسف .

ربتت كاسى على خده . إنه أكثر الرجال أمانة ووضوحا . إنه لا يتظاهر ولا يخفى شيئا .لكن كيف تؤكد له أنها قد وقعت بدون أمل فى حبه ؟ لو فقط قابلته قبل الحادث ؟ والآن إنها لا تستطيع أن تقرأ الاشمئزاز على وجهه عندما يكتشف ما بها من تشوهات

- دان هذا هو أجمل يوم فى حياتى ؟

كان هذا الشعور الذى انتابها غريبا . إنها تريد أن تهبه السعادة . لم يستطع أى رجل قبل ذلك أن يعبر الحواجز التى أقامتها حول نفسها بقصد الحماية .

إن دان أيضا يحتاج إليها .وكانت كاسى فخورا بذلك .

ضمت رأسه إلى صدرها وربتت على شعره الأسود . أرادت كاسى أن يمتد بهما الوقت وهما على هذا الحال دون أن يتكلما . إنها لا تشعر بأى خجل فى وجود هذا الرجل بين ذراعيها ... على العكس إنها تجد فى ذلك طبيعية بالغة .

ابتعد دان قليلا لينظر فى عينيها .
قال بصوت حازم :
- أعتقد أنه يجب أن نعود غذا ، يجب أن أستأنف عملى . ألا تعتقدين أن الأجازة قد طالت ؟ سنمر على شقتك ونأخذ حاجياتك التى ستحتاجين إليها .
أنا لم أقل أبدا أننى سأذهب إلى بند . لدى مشروعات للست سنوات القادمة .والآن وقد نجحت جودى فى تأجير شقتى سأستطيع دفع إيجار شقة أخرى .

- إنها تؤجرها يا عزيزتى . إنه أنا من دفع الإيجار لمدة ستة شهور وبإقامتك فى بند ستعوضينى عما دفعت .

نظرت إليه وسألته :
- لماذا أخبرتنى أنها أجرتها ؟

كانت كاسى غاضبة حقا
- فكرى يا حبيبتى ... أنا لم أحدد شيئا .

استطرد بصوت واثق :
- لقد قلت إننى اهتممت بشقتك . إنى متأكد من مشاعرى أريد أن أتزوجك .وأعيش معك باقى حياتى لكنى لا أريد أن أتعجلك فى إتخاذ قرارك .أريدك أن تكونى متأكدة تماما من أنك تريدين الارتباط بى . وكذلك تتاح لنا الفرصة للتعارف أكثر .كل ما أطلبه هو أن تأتى معى إلى بند وأن تتعرفى على أسرتى وترين طريقة حياتى وبعد ذلك ستقررين إذا كنت تريدين ربط حياتك بحياتى . لا أعتقد أننى أطلب منك الكثير بذلك .

تصاعدت دموع العاطفة إلى عينى السيدة الشابة :
- لماذا أنت كذلك ؟ لماذا أنت طيب ومتفهم بينما أبدو أنا بغيضة ؟ هذا ليس عدلا يا دان . ليس لدى ما أهبه لك . وأنت لقد وهبتنى كل شئ إنك تسعد أى امرأة تقترن بها .أنا لست .... أنا لست حتى جميلة .

- أنت كما أنت يا كاسى : مستقلة ،ذكية ّومفعمة بالعواطف الجميلة التى تفتخر بها أى امرأة .... بالاضافة إلى أنك بدأت تؤمنين بأننا قد عشنا معا حياة سابقة . كيف أستطيع ألا أحب أميرتى ؟
احتضنها بشدة

قالت :
- دان أنت تعرف أن هذا لن يستمر .

- سيستمر حبنا قرونا وقرونا .

الفصل الثامن








غادرت كاسى محطة الخدمة جالسة أمام عجلة قيادة سيارتها الصغيرة وسلكت طريقها . نظرت إلى مرآة السيارة فرأت سيارة كبيرة زرقاء تتبعها . كان يجب أن تشعر بالارتياح لأن دان خلفها ولكنها فى الحقيقة كانت غير مرتاحة . تركت سيارتها وأغلقت الشقة وردت المفتاح إلى المالك . وبعد ذلك طلبت من عامل الصيانة التأكد من سلامة ضغط عجلات السيارة والزيت . عندما أردات كاسى أن تدفع أخرج كارت الائتمان فلم تستطع أن تفعل شيئا .



كان عليها ان تشعر بالعرفان لأن دان يتكفل بها . فى الحقيقة كان سلوكه يبدو لها غريبا ومحيرا . إن ما يخيف كاسى حقا هو الاستقلال .


خفضت كاسى عينيها نحو يديها على عجلة القيادة . ما زالت الندبات واضحة للغاية على الرغم من التدليك اليومى بالدهانات الخاصة بالنسبة لها - التى كانت تتباهى بيديها ذات الأصابع الطويلة الرقيقة وأظافرها المقلمة بشكل جميل - تجد فكرة أن تجلس مع دان وأصدقائه إلى مائدة واحدة فكرة غير محتملة .


على الرغم من أنها قد قبلت بينها وبين نفسها بصفة مبدئية أن تذهب إلى بند وأن تتعرف على عائلته . إنه جنون محقق ليس فقط لوجهها ويديها المشوهتين لكن لأنها وقعت فى فخ لن تخرج منه إلا جريحة القلب .


على حدود بورتلاند أوقفت السيارة فى ساحة انتظار أمام محل للوجبات السريعة . توقف دان بجوارها . نزل من سيارته وفتح لها الباب . بقيت جالسة تنظر إليه دون أن تتفوه بكلمة .


- ماذا بك ؟ هل تعبت من القيادة ؟


ولأول مرة تواتيها الفرصة لتقول الحقيقة :
- نعم . إنى جائعة ولكن ليس لهذا هو السبب توقفت ...أنا لا أريد الذهاب إلى بند.
أرادت أن تبكى لكنها قالت لنفسها لو فعلت لقتلتك .


- لا تنشغلى يا عزيزتى .... هيا نأكل شيئا . وسنتناقش فى ذلك آجلا .
صفق دان باب السيارة الصغيرة .


كان قلب كاسى يدق بشدة .


فى متجر الوجبات السريعة جلست على مقعد عال بينما ذهب دان ليطلب الوجبات . عاد ومعه صينية محملة بالهمبورجر والبطاطس المقلية والمشروبات . جلس فى مواجهة السيدة الشابة



ابتسم إليها ابتسامة حانية ودافئة جعلتها غير قادرة على الحديث . اكتفت بالنظر إليه ثم - لتخفى اضطرابها - أخذت تأكل كأنها كانت ستموت جوعا . ثم جالت ببصرها فى المكان : حتى تتجنب النظر إلى عينى دان ولاحظت وجود سيدة جميلة جالسة على مقعد ليس بعيدا عنهما . نظرت السيدة إلى دان ومالت على صديقتها لتهمس إليها يشئ . ثم أخذت الاثنتان تنظران إلى كاسى التى - لأول مرة فى حياتها - لم تجرؤ على مواجهة نظرات السيدتين . أدارت بصرها . كان الأمر أقوى منها ، شعرت أن نظرات الفتاتين قد شلتها عن الحركة .

شعرت بموجة تمرد تعتريها . اضطرت إلى أن تبتسم وتمد يدها إلى دان على الفور ، أخذ يدها بين يديه دون أن يرد لها الابتسامة .
- ماذا يحدث يا حبيبتى ؟

كانت قريبة من الخوف . يا إلهى ! إنه يقرأ أفكارى كأنه يقرأ فى كتاب مفتوح .وعلى الرغم من ذلك قررت أن تواجه الموقف وضحكت ضحكة مصطنعة .
- هناك فتاتان تلتهمانك بعيونهما . لا بد أنهما يعرفانك .

- الفتاة ذات الشعر الأسود المجعد ؟ لا ، إننى حتى لم أقابلها .لا تهتمى بها .

وضع قطعة بطاطس فى فم كاسى . ثم قطعة أخرى فى فمه ، على الفور نسيت كاسى الفتاتين ورغبتها فى الاستقلال . نسيت كل هذا أمام هاتين العينين السوداوين اللتين تنظران إليها . بمجرد أن أصبحت بمفردها فى سيارتها بدأت تسوق الحجج حتى لا تذهب إلى بند . وصلت إلى منزلها ،ركنت سيارتها أمام البناية . توقف دان بالقرب منها . اتجها معا إلى شقتها .أخرج دان المفتاح وفتح الباب كأنه فى بيته ، إنه كذلك بما أنه دفع الإيجار .

قال :
- أسرعى وخذى حماما والبسى على راحتك . لدى بعض المكالمات الهاتفية التى يجب أن أجريها .

خلع وشاحها وربت على خدها

أخرجتها هذه الحركة عن شعورها . صاحت :
- تبا ! كف عن معاملتى كأننى طفلة .

لمعت عيناها الذهبيتان من شدة الغضب ... اندهشت هى نفسها من انفعالها

قال فى هدوء :
- لا تنفعلى هكذا .

- سأنفعل كيفما شئت .

- إذا تصرفت كطفلة فستعاملين كطفلة .
فى هذه المرة كان قد فقد هدوءه وتكلم بنبرة غاضبة .

اختفت كاسى فى الحمام . أقفلت الباب بالمفتاح وقد عقدت العزم على قطع صلتها بـ دان .

أخذت حمامها بينما كانت فريسة لأفكار مجنونة . جففت جسدها وقررت أن تجذب شعرها إلى الخاف .وأن ترتدى هذا الفستان قصير الأكمام الذى فصلته الصيف الماضى وأن تضع قرطا فى أذنها اليمنى . أرادت أن تظهر ما بها من ندبات .حتى هذا الوقت كانت قد تصرفت كالعبيد . هل خضعت حقا لـ دان ؟ لقد كشفها لنفسها عندما اكتشفت طبيعتها الحقيقية .

- يا إلهى . إننى حمقاء .

صاحت بصوت عال وهى تجفف شعرها . وتحيط به وجهها . قالت لنفسها : أعلمى يا كاسى أنك غبية ، سيكون من الأفضل أن تموتى عن أن تظهرى أمامه بهذا الثوب . وشعرك مسحوب إلى الخلف .
وأخيرا توجهت إلى حجرة المعيشة ترتدى بنطلونا من القطيفة .وقميصا مناسبا .لقد استعادت ثقتها بنفسها . إنها تعرف أنها جذابة . إنها تحتاج إلى أن تثق بنفسها . أثناء ذلك أعد دان القهوة وضع القدحين فوق الطاولة بالقرب من الأريكة .نظر إلى كاسى مبتسما وقال :
- هل تريدين قهوة ؟

أمسكت القدح الذى مد به يده إليها وجلست فى أحد المقاعد .شعرت أن هناك حاجزا قد أقيم بينهما .

تحدثت بهدوء وشعرت بالفخر لسماع صوتها الحازم يقول :
- لن أذهب إلى بند معك . سأدفع لك ما دفعته للإيجار .

- مم تخافين يا كاسى ؟
تمدد دان فوق الأريكة وخلع حذاءه ومد ساقيه كأنه فى بيته .
- لست خائفة . مم سأخاف ؟ أحب حياتى التى أحياها ! هذا كل شئ .

وضعت قدحها على الطاولة : حتى لا يرى دان ارتعاش يديها
- بلى أنت خائفة من أن تعتمدى على ، من أن تتزوجينى

رددت معاندة :
- انا لست خائفة . ببساطة لا أرغب فى الارتباط بعلاقة قد لا يحالفها الحظ فى الاستمرار .

أجاب دان بأدب مصطنع :
- لست موافقا . إذا رغب رجل وامرأة حقا فى الارتباط يستمر زواجهما .

- لا أريد أن أعيش معك على الاطلاق . أريد أن أفهمك إننى لست راغبة فى إقامة علاقة مستمرة معك .

- هل تتخيلين أننى ربما أكون مثل والدك عاشقا للنساء ؟ تعرين يا كاسى أن الجروح غير المرئية هى الأكثر إيلاما .

تيبست كاسى وقالت :
- هل تقصد أن أبى رسخ فى ذهنى أفكارا سيئة .

اعترف دان :
- هذا أمر محتمل .

- ربما على أية حال قد علمنى شيئا : إذا كسر أنفك فلا تغضب إلا من نفسك .

كانت كاسى تغلى من شدة الغضب . لماذا لم تفكر فيما ستقوله لـ دان حتى تقنعه ؟.

- أعتقد أنك تضعين الحصان أمام العربة يا عزيزتى .أنا لم أطلبك للزواج .

جلست كاسى مشدوهة .تورد وجهها . نظرت إلى دان الذى كان مبتسما ، وعيناه تلمعان لمعة شيطانية .أرادت أن تقذف بقدح القهوة فى وجهه ولكن فى هذه اللحظة تماما نهض .

- إذا كنت تحبين الاحصائيات يا حبييتى فإليك واحدة . أغلب الزيجات تفشل بسبب الملل . تسأم الزوجة زوجها والعكس صحيح هذا لا يمكن أن يحدث لنا .
لاذت كاسى بالصمت . ثم رفعت عينيها نحو دان
غمز لها فلم تستطع أن تمنع نفسها من الابتسام :
- اذهب إلى الجحيم يا دان . إنه حديث جاد .

قال مجبرا إياها على النهوض من مقعدها :
- بالتأكيد يا عزيزتى . جاد تماما مثلما أنا متعب . أريد أن ارتاح قليلا إننى لم أنم جيدا هذه الليلة . دعينا نستريح وبعد ذلك نستأنف الحديث .

تمدد على الأريكة . كانت كاسى هى الأخرى متعبة فوجدت أن فكرته لا بأس بها . ذهبت لتستريح ولكن هيهات ، للمرة الألف أخذت تسأل نفسها عن القدر الذى ساق إلى طريقها هذا الرجل فى ليلة ضباب .

فى المساء عندما سألها دان إن كانت تريد تناول العشاء فى مطعم فرفضت كاسى بهز رأسها :
- لدى حساء وطعام معلب ، إذا كنت تستطيع الاكتفاء بطعام بسيط .

- لست صعب الارضاء . سخنى العشاء بينما أضع السيارة فى الجراج . سنسافر بسيارتى إلى بند .

- دان . أريد أن أقود سيارتى الخاصة .

- هذه حماقة . لدى سيارتان أخريان فى المنزل .

- أنا لا أفهمك

قاطعها :
- حسن . إذا كنت لا تفهميننى فلن تقابلنا مشكلة السأم ولن تشملنا الاحصائيات الخاصة بالزواج .


ذهبت كاسى وأحضرت ماكينة الخياطة التى وضعتها فى الدولاب لتبتعد قليلا عن المناقشة .

كانت تتوقع تعليقا ساخرا ولكن اكتفى دان بالعبث فى صندوق الخياطة . أخرج قطعة قماش قطنى مقلم أحمر وأزرق ووضعها أمامها .
- من الممكن أن يصبح هذا قميصا ؟

-لا
انفجرت كاسى فى الضحك وأخذت من يديه قطعة القماش ووضعتها فى الصندوق .

اقترب منها :
- ما الذى يناسبنى بين كل هذا حتى تقصى لى قميصا ؟

- أنت تمزح ! هل سترتدى قميصا فعلته بنفسى ؟

- بالتأكيد . ألا تصدقينى أبدا ؟ سأصاب بشد عضلى بدون شك عندما سأنزل ماكينة الخياطة لكننى أريد أن أخوض المخاطرة من أجل قميص .... ومن أجل قبلة .
استطرد :
- إنك ستصبحين أكثر جمالا عندما تتقدمين فى العمر

- لا ...

- صه ! أعرف أنك لا تريدين أن أشير إلى جمالك لكننى سأتحدث عنه .

أمسك يدها فى رقة .

- ذقنك يشوكنى إنك رجل فريد على أية حال !

ربتت على حده فى حنان , ثم أرادت أن تبتعد لكنه منعها من ذلك ممسكا ذراعها . انفجرت كاسى فى الضحك . لا لم يكن هذا ممكنا , هذه الضحكة هذه السعادة ليست حقيقية ! لكن كم هو جميل أن تكون بين ذراعي دان ! أن تمزح معه كالمراهقين .

صاح عاقدا حاجبيه :
- سأعلمك كيف تطيعين سيدك .

- أنبأتك يا دان أننى حصلت على دورة فى الفنون الحربية .

- تقصدين أنك لن تترددى فى أن ..

- أن أدافع عن نفسى .

بدت عيناها كبقعتين من الذهب الصافى . ابتعد بينما تظاهرت بانها تدافع عن نفسها .

- يا لها من امراة قوية !

أخذت كاسى وجه دان بين يديها . إنها لم تشعر قبل ذلك بهذه السعادة وبهذه الحرية .

- صغيرى المسكين يكفينى أن أقبلك قبلة صغيرة حتى تشعر بالأمان .

وأخيرا خرجت كاسى عن كل تحفظ .

قال :
- قبلة أخرى .

- انتظر ...

نظرت إليه فى مكر ثم أخذت تدغدغه , واخذ يضحكان من جديد .

قال :
- توقفى ! توقفى عن ذلك كاسى .
لقد حدث تحول غريب فى حياة كاسى منذ أن قابلها هذا الرجل الساحر . على الرغم من الظروف السيئة التى جمعتهما إلا أنها تشعر بسعادة لم تشعر بمثلها قط . هذه هى المرة الأولى التى تشعر فيها بانها قريبة إلى شخص ما إلى هذا الحد . نظر فى عينيها :
- أريدك لى زوجة , وصديقة ورفيقة ..

كان صوته أجش يدل على ما شعر به من عاطفة .

- عزيزتى .. أريدك أن تكونى زوجة لى . أنت أيضا تحتاجين إلى ذلك . دقات قلبك تكشف عن ذلك .

همست فزعة :
- ليس الآن .

- سيكون ذلك كما تريد سيدتى . حبيبتى أنظرى إلى هل تريدين أن تكونى زوجة لى ؟

أجابت والدموع فى عينيها :
- أنت تعرف أنه نعم .

- سنخضع لطلباتك يا عزيزتى لكن يجب ان أخلصك من خوفك .

نهض دان وجذبها برفق , وقادها إلى الأريكة حتى تستريح .

عندما وصلا إلى بورتلاند كانت الأمطار تنهمر بشدة . كانت كاسى سعيدة ,. لانها لن تضطر إلى أن تقود السيارة بنفسها . ذكرتها ستائر المطر والضجيج بمساء الحادث .

تركت يد دان عجلة القيادة وأمسكت ذراع رفيقته .

قال لها :
- اقتربى .

إنه حلم أن تكون مع مثل هذا الرجل ! ربما يكون ذلك ما زاد من قلقها :
إن الأحلام نادرا ما تتحقق . كانت معجبة بملامح وجه رفيقها . وحاجباه معقودان مركزات فى القيادة . قالت فى نفسها : أحبك يا دان . لا أريدك أن تكون حلما . أريد أن يكون كل ذلك حقيقة .

- ربما سيزورنا والدك .

أيقظ صوت دان السيدة الشابة من أفكارها .

- أشك فى ذلك . لقد اخبرته أين سأكون ؟ لكن يجب ان يشعر بالذنب بعد ما قاله لى .. كتبت كلمة ل جودى ستكون الوحيدة من بين صديقاتى التى سأفتقدها .

- جودى فقط ؟

- جميع الأخريات علاقات عمل . ليست لدى النية لكى أراهم من جديد .

قال دان موافقا على كلامها :
- من يأسف على مثل هؤلاء الأصدقاء ؟

استندت كاسى إلى كتفه .

- حدثنى عن بند . هل والدتك هناك الآن ؟

- لا إنها فى نيويورك مع إحدى أخواتى . أمى تعشق المسرح إنها تقضى مع عمتى وقتهما فى برودواى أو فى لندن .

- لندن ؟ لترى المسرحيات ؟

- ليس لكى ترى المسرحيات فقط . إن لديها أصدقاء هناك . عمتى بولا عكس والدتى وأختها الأخرى . إنها صعبة التخلى عن جذورها !

عرفت كاسى من نبرة دان المحبة كم يحب عمته بولا .

- هل سأراها ؟

التفت نحوها دان وقال :
- عمتى بولا سيدة مختلفة قليلا . إنها مربية نحل .

- عمتك تربى النحل ؟

- أمر غريب أليس كذلك ؟ لديها حديقة مليئة بخلايا النحل . إنها تتاجر فى العسل ولقد فتحت عدة متاجر تحمل اسمها فى بورتلاند : عسل العمة بولا إنها تمتلك علامة مميزة .

- أنت تمزح .

انفجر دان فى الضحك وقال :
- لا , أنا لا أمزح على الإطلاق .

- هل هى متزوجة ؟

- مات زوجها منذ عشرين عاما . ليس لديها أطفال وتدعى أننى ابنها ! إنها تشتاق لمعرفتك .

كلماته الأخيرة جعلت كاسى تشعر بالعصبية ., سألت دان بصوت حاد :
- لماذا ؟

- تشتاق لتتعرف عليك , لإنها تحبنى . تريد أن تتحقق من صحة ما قلته عنك .

صاحت كاسى فى غضب :
- دان ! انت لم تحك ما دار .. بيننا لأسرتك .

- بلى بالتأكيد ., قلت لهم إننى أريد الزواج منك . لماذا كنت سأخفى عنهم ذلك ؟

كان بنبرته بعض التغطرس .

- لأننا .. لم نقرر شيئا بعد .

- بلى . إذا عارضت ما قررته فسأفقد احترام عائلتى لى .

- لا أدرى على الإطلاق متى تمزح ؟ أنت تسخر منى ! لا أعرف كيف أتصرف أمام أناس يقيموننى .

- إنى أمزح . ستحبين عمتى بولا تماما كما أنها ستحبك . أول شئ تفعله سيكون أن تحضر لك كتابا فى فن الطهى . إنها تستبدل السكر بالعسل فى كل أطباقها .

ابتسم إليها دان .

- أين تسكن أنت ؟

جاء هذا السؤال توا على ذهن كاسى .

- فى كوخ بالقرب من مكان العمل فى الغابة . أعيش هناك من وقت لأخر . أحيانا أعيش فى المنزل . كلبتى تعيش هناك وأذهب لكى أراها .

استطردت كاسى :
- من الذى يهتم بالمنزل فى هذا الوقت ؟

عمتى بولا فى جزء من الوقت . وأنا فى جزء أخر . أمى تزرع بعض أنواع الخضروات فى هذا المسكن .

قالت كاسى :
- أعشق المنازل حيث توجد النباتات .

كان المشهد رائعا . يخترق الطريق الغابة . ومنطقة مساكن للهنود .

انحرف ادن ناحية الشمال واتخذ اتجاه مدينة تدعى " مدراس " شعر بعصبية رفيقته المتزايدة فأخذ يكلمها عن المنطقة .

قال :
- لم يعد البيت بعيدا . المكان يرى هنا . نحن قريبان جدا من جبل " باكور " لدى صديق ينظم جولات الجو جميل جدا هنا والثلج ناعم جدا . بالمناسبة هل تتزحلقين عن الجليد ؟

- قليلا . لست ماهرة .

- هناك حلبات لكل المستويات .

أمسك دان يد السيدة الشابة . يبدو أنه يريد أن يعطيها بعض الشجاعة التى تنقصها . بقيا صامتين حتى وصلا إلى " بند " إنها صغيرة بالمقارنة إلى " بورتلاند " .

ضحك متفاخرا :
- هذا هو شارعنا الرئيسى .

وجدت كاسى المدينة ساحرة . اخترقا الشارع ليجدا نفسيهما على الطريق مرة أخرى .

- إننا نسكن خارج " بند " على شاطئ النهر . لقد وصلنا يا عزيزتى .

سحبت كاسى يدها , وأصلحت الإيشارب على أذنيها .

الفصل التاسع







سلك دان طريقا ضيقا يقطع حقلا ممتدا من التبن تنمو به أشجار عالية , وبعد ذلك اخترق براري مسورة حيث يرعى فرس ومهر فى الحشائش . ركض هذا الأخير نحو السور ليرى السيارة المارة , ثم عاد إلى أمه . عبر دان بعد ذلك قطعة أرض كثيفة الأشجار تنتهى حدودها عند حدود مرج . فى هذا المكان يقبع منزل ضخم بالحجارة البنية . سلك بعد ذلك طريقا ضيقا تحفه الأشجار الصغيرة ينتهى بممر مبلط .



شعرت كاسى بخيبة أمل . لقد تخيلت أن عائلة دان ستكون فى استقبالها لكن الباب الضخم ذا المقابض المزخرفة كان مغلقا .


كان لون اعلى البيت على الرقم من تأثره بمرور السنين جميلا ومناسبا تماما للبيئة المحيطة . طريق ثان يحيط بالبيت يؤدى إلى الجراج . ولكن ترك دان السيارة بالخارج .


نظرت كاسى إلى صديقها وقالت :
- إنه جميل جدا . هذا المكان يبدو هادئا .


أمسك دان يدها وقال :
- كنت اعرف أنك ستحبينه يا عزيزتى . الشمس هنا لتستقبلنا .


خرج من السيارة , وفتح الباب للسيدة الشابة . دخل الاثنان إلى المنزل . وجدا نفسيهما فى صالة كبيرة فى الدور الأرضى تؤدى إلى حجرة الطعام . كانت حجرة الطعام مزينة بلوحات جميلة من الطبيعة , كان يوجد مدفأة ., أرائك وثيرة , طاولة وكراسى .


فى الردهة المجاورة ساعة حائط ضخمة أسفل سلم خشبى , الأرض الخشبية ملمعة براقة تحت السجاد الصوفى دليل على عراقة المسكن . كان على أية حال تماما مثلما وصفه لها دان . إنه يعكس الرفاهية , والذوق الطيب والهدوء .


قاد دان كاسى إلى مطبخ واسع به نوافذ واسعة , طاولة مستديرة , وكراسى ذات ظهر مستقيم , موضوعة بطريقة تجعل الجالس إليها يرى النهر .


حتى الآن لم يتفوه دان بكلمة :
- سأطلعك على الطابق العلوى .















أمسك يدها وسبقها إلى السلم الكبير المؤدى إلى الغرف . كان باب الغرفة الأولى مفتوحا . والشمس تغطى السجادة البنية الموضوعة أمام النافذة . فى وسط الغرفة سرير كبير مغطى بمفرش صوفى مقلم احمر وأزرق , إنه مكان ظهرت به , لمسات رجولية . الأثاث داكن وثقيل , الكراسى مكسوة بالجلد . هناك بابان . واحد يؤدي إلى الدولاب والثانى إلى الحمام . هذه الغرفة تتناسب مع دان .

سألته كاسى :
- هل هذه غرفتك ؟

- غرفتنا ؟

أجابها دان بسؤال أخر . غاصت كاسى بعينيها فى عينى دان الداكنتين وهزت رأسها . فكرت فى أن الصمت هو أفضل إجابة دفعها دان برفق لتعبر ردهة تؤدى إلى غرفات أخرى .

- هناك أربع غرف فى الطابق الأول . ثم شقة صغيرة فوق الجراج للضيوف . هنا حجرة أمى لكن كما تعرفين نادرا ما تكون فى البيت . هذه غرفة صغيرة تصلح تماما لتكون حجرة للخياطة . فى الجنب توجد غرفة أخرى . ستقيمين فيها فى انتظار أن تشاركينى غرفتى بعد الزواج .

فتح دان بابا وابتعد ليدع كاسى تدخل . كانت الحجرة فسيحة , ومربعة الحوائط ., مدهونة باللون الأبيض . الأرض مفروشة بسجادة خضراء , وطاولات وكراسى بيضاء . السرير مفروش بغطاء هندى موشى بزخارف حمراء مع وسادات مناسبة . على الأرض أصص نباتات عطرية .

قالت كاسى فى إعجاب :
- إنها رائعة .

ابتسمت إلى دان ابتسامة مشرقة فاحتضنها .

- أحب أن أراك فى منزلى .

- كنت أعتقد أنه منزل والدتك .

ابتسم إليها معاتبا. ربت على خدها فى رفق .

- دان ماردوك . يا لك من مراهق .

- لكنك انت دائما اميرتى الجميلة .

أخذ يضحك محتضنا كاسى . كل نظرة وإشارة من دان تكشف عن عاطفة غامرة يكنها دان ل كاسى وهى تكاد تنصهر تحت نظراته .

لم يكن لديها رغبة إلا فى شئ واحد . أن تبقى بالقرب منه تشعر بنبضات قلبه التى تعبر لها ببلاغة لا تصل إليها الكلمات . رأت نفسها فى عينيها .

- أحبك يا جميلتى . أحبك .

أجابت كاسى مضطربة :
- وأنا أيضا .

كانت الدموع تلأتلأ فى عينيها .

سمعا صوت سيدة :
- كوكو دان ! إنى أنتظرك منذ وقت طويل .

قال دان مفسرا إلى كاسى :
- إنها عمتى بولا إنى مندهش , لأنها لم تصعد حتى تفاجئنا فى وضع غرامى , إنها متشددة بعض الشئ , ولكن بها صفة حميدة وهى إنها مباشرة فى تصرفاتها .

شعرت كاسى بالقلق وتبين دان ذلك فربت على كتفها حتى يطمئنها .

استطرد :
- إنها تلاحقنى منذ وقت طويل حتى أتزوج فتاة طيبة . ستحكى لك فى البداية تاريخ العسل .

كانت سيدة تنتظر أسفل السلم . ذات شعر رمادى , عيناها واسعتان ولها ابتسامة مشرقة . ترتدى بنطلون جينز , وتى شيرت مطبوعا عليه العمة بولا كلها من العسل .

استقبلها دان بقبلة حانية على وجهها . اضطر إلى أن ينحنى فهى تصل إلى صدره بالكاد .

قدمهما لبعضهما :
- عمتى بولا . كاسندرا فارو ولكن ندعوها كاسى .

- صباح الخير يا كاسى . يا إلهى كم هى طويلة ورشيقة وشعرها وعيناها بلون العسل .

مدت العمة بولا يدها لتصافح صديقة ابن أخيها . لمعت عيناها بالسرور .




قال دان مرحا :
- كنت اعرف أنك ستقولين هذا .

- لماذا تأخرت فى اصطحابها إلى هنا يا عزيزى ؟

- لقد جئت بأسرع ما استطعت يا عمتى الصغيرة .

هزت العمة بولا رأسها فى رضا . نظرت كاسى إلى دان خلسة , ورأت أنه سعيد باستقبال عمته الحار .

قالت :
- هيا بنا نشرب القهوة ., سنتعرف أكثر ل دان هنا صديقة صغيرة ستغضب لانه لم يذهب ليسلم عليها بعد اسمها سالى ولها أجمل عينين زرقاوين فى العالم .

سارت كاسى إلى جانب العمة بولا وتبعهما دان بعد لحظات .

فتح الباب فظهر كلب أسود كبير وأسرع نحو المطبخ . وقف لحظات عند الطاولة المستديرة ونظر إلى كاسى فى فضول . كانت العمة بولا محقة , هذه الكلبة لها عينان زرقاوان مدهشتان .

قال دان بصوت حازم :
- قولى صباح الخير ل كاسى يا سالى .

تقدمت الكلب عدة خطوات . جلست , ورفعت فمها وتأوهت ثم نظرت إلى دان وقفزت فى سعادة .

ربتت كاسى على ظهرها وقالت :
- صباح الخير يا سالى .

سألت وهى تضع يدها على رأس الكلبة الكبيرة :
- ما سلالتها ؟

أجاب دان :
- إنها كلبة من الكلاب التى تجر الزلاجات فى سيبيريا . اسمها سوفسكايا لكننا سميناها سالى .

أعرفت لماذا ؟ إن اسم سالى أسهل .

أحضرت العمة بيا القهوة والأقداح ووضعتها على الطاولة .

سألت دان :
- هل ستشرب القهوة معنا ؟

- بالتأكيد . بشرط أن تقدمى لى واحدة من كعكاتك اللذيذة ., وبعد ذلك سأذهب لأفرغ محتويات السيارة .URL="http://www.liilas.com"]منتديات ليلاس[/URL]

أخذ دان مقعدا وجلس وظهره إلى النافذة .

- كيف حال فريد وهانك ؟ هل لديهما الكثير من العمل ؟


- نعم , إنهما مشتاقان للمجئ لرؤية زوجة اخيهما القادمة .

شعرت كاسى بالتوتر , شدت الوشاح إلى أذنيها .

لاحظ دان ذلك ونظر إليها بحنان عندما ارتجفت يداها وهى تمسك بقدح القهوة . فى هذه اللحظة لاحظت أن العمة تتفحص ندبات يدها . سحب يدها بسرعة ووضعتها فوق ركبتها .

- كل العائلة دفعة واحدة , هل أنت مستعدة لمواجهة ذلك يا عزيزتى ؟

خفضت كاسى عينيها . هكذا . لقد اصطحبها دان إلى هنا , ليقدمها لأسرته والمقابلة ستكون هذا المساء . لم يكن لديها أى خبرة عن العائلة وخاصة إذا كانت عائلة مترابطة مثل عائلة دان . ثبتت نظرها على دان رغم أنها لا تراه . إن رأسها يموج بالأفكار .

فجأة . رن جرس التليفون . ذهب دان إلى الطرف الأخر من المطبخ ليجيب . فى طريقه ربت على كتف كاسى فشعرت بالدموع تتصاعد إلى عينيها .

قالت العمة بولا لتزيل الصمت وعلى شفتيها ابتسامة أشرقت وجهها المجعد وعينيها الماكرتين :
- كنت أنتظر هذا اليوم بفارغ الصبر . كنت أعرف أن دان سينتهى بالتعرف على الفتاة المناسبة تماما مثل أبيه وأخويه . فى هذه العائلة يختار الرجال زوجاتهم بعد تفكير ناضج , ثم يقعون فى حب عميق , لقد وجد دان المراة التى تلزمه .

نظرت كاسى إلى السيدة العجوز طويلا قبل أن تسألها :
- كيف تأكدت أننى الفتاة التى تلزمه ؟ أنت لا تعرفين شيئا عنى قد أكون واحدة من المعجبات اللاتى يدرن حوله ..

- عندى ستون عاما يا صغيرتي , إننى لم أولد بالأمس . إذا كنت مجرد فتاة ممن يدرن حوله - كما تقولين - لما اصطحبك دان إلى منزل أمه .

تكلمت العمة بولا بصراحة . نظرت إليها كاسى بدهشة بينما كانت تهم بالحديث . عاد دان وجه كلامه إلى السيدة الشابة :
- هانك بحاجة إلى عدة أيام . يجب ان أذهب . إنى سعيد بتعرفك على عائلتى وستكونين معها أثناء غيابي .

أجابت كاسى :
- لدى العديد من الأشياء التى يجب ان أفعلها كما يجب ان أخيط أنت تعرف هذا جيدا .

قدمت العمة بولا الكعك بالتفاح , وتناولوا الحديث عن مشروعات كاسى . بدت العمة بولا ودودا بشكل جعل كاسى تنسى اللقاء المرتقب مع باقى عائلة دان .

سألت السيدة العجوز :
- هل تريد المزيد من الكعك يا دان ؟ هناك الكثيرمنها فى الثلاجة طهوتها اليوم . هل تعتقد أن أربع كعكات كافيات ؟

رددت كاسى فى دهشة :
- أربع ؟

انفجر دان فى الضحك :
- هناك اثنا عشر طفلا وسبعة كبار , ويكون العدد تسعة عشر بك يا عزيزتى
قالت العمة بولا :
- يجب أن تأتى لوسى وماريان مع هيلين .

نظرت إليها كاسى فى حيرة .

سألها دان فى دهشة :
- هل عادت ؟

ثم التفت إلى كاسى وشرح لها :
- لوسى أخت هيلين وهكذا يكون العدد عشرين . من الأفضل أن تصنعى كعكة أخرى يا عمتى بولا.

مر بعد الظهر بدون أى حادث . عادت العمة بولا من منزلها - كانت تسكن فى المنزل المجاور - ومعها كعكات وضعتها فى الفرن . أفرغ دان السيارة من محتوياتها وساعد كاسى على ترتيب حاجياتها . كانت سعادتها فى أن تكون بجانبه , وكان ذلك هو الشئ الوحيد الذى يزيل خوفها . بالإضافة إلى أنها كانت مشغولة بما سترتديه هذا المساء وتسريحة شعرها , شعرت أنها فتاة مراهقة تستعد لأول حفل لها .

أخذت دشا وغسلت شعرها جيدا , ثم جففته بالمجفف . نظرت إلى نفسها فى المرآة , وبدت سعيدة بالنتيجة , بدت المشكلة فى اختيار ما سترتديه , فتحت الدولاب وهمت باختيار الفستان عندما طرق دان الباب ثم دخل .

أخذها بين ذراعيه قال :
- رائحتك ذكية . جئت لأقول لك أن ترتدى ملابس قديمة . لابد أن الأطفال سيطلبون اللعب بالكرة .

- دان . أريد أن أضربك لما ورطتنى فيه ! وأنا ..

أسكتها دان بقبلة خاطفة .

- ما الذى يزعجك ؟ أنت لست خجولا ! امرأة قادرة على عمل الإعلانات أمام مئات الأشخاص . لا تخشى مواجهة واحد وعشرين شخصا معظمهم من الأطفال .

- إنه ليس نفس الشئ يا دان . إنه أمر جديد . لم يكن من الواجب ان آتى . ستعتقد عائلتك أننى أثرت عليك حتى ترتبط بى بعد الحادث .

اعترض دان :
- هذه هى أحمق الكلمات التى سمعتها على الإطلاق ! هل تعتقدين أننى أحتاج إلى موافقة عائلتى لاختيار المرأة التى سأعيش معها ؟ أود أن تقدرك عائلتى وأن تحبينها . ولكن لن يغير رأيهم أى شئ فى مشاعرى .

احتضنها دان برفق وعلى الفور ذاب خوفها وقلقها كالثلج تحت الشمس . همست :
- إنى أشعر ببعض الخجل .

- لا داعى لهذا الشعور . سأكون معك وسيمر كل شئ بخير .

نظرت إلى عينيه محاولة أن تستمد منهما شجاعتها . فرأت فيهما إما الغضب أو الحب.

- سأحاول ..

- غدا , سيذهب الأطفال إلى المدرسة , ولذلك لن يتأخروا كثيرا هذا المساء , والآن اذهبى وارتدى بنطلون جينز , وبلوفر . سيكون الجو باردا بمجرد غروب الشمس . سأبقى حتى أساعدك فى اللبس .

صاحت كاسى :
- اخرج من هنا يا دان و إلا سأنادى على العمة بولا .

غادر الغرفة .

عندما نزلت كاسى السلم بعد عدة دقائق كانت ترتدى بلوفر أصفر وبنطلون جينز , وحذاء أصفر مناسب , وعلى شعرها عصابة من الحرير .

دخلت المطبخ بينما كان دان يفرغ محتويات كيس فى أطباق من الكارتون . نظر إليها تاركا الكيس يسقط على الأرض . ثم فتح ذراعيه واستقبل كاسى التى جرت إليه .

- أنت تشبهين الكتكوت فأنت رقيقة وناعمة مثله .
قبلينى وعلى الفور ساعدينى فى وضع الطاولة على الشرفة .

فردت كاسى مفرشين على الطاولتين ثم وضعت الشوك والسكاكين .

سألت دان بعد أن انتهت :
- هل هذا كل شئ ؟

- سنعد القهوة فيما بعد . لدينا بعض الوقت حتى يأتى الجميع , وأود أن أقضى هذا الوقت معك .

أمسك دان ذراع السيدة الشابة وقادها إلى حجرة المعيشة . غرق الاثنان فى جو من السحر . كان الأمر كأنهما كانا معا دائما . نسيت كاسى كل الأسئلة المحيرة وكفت عن التفكير مستسلمة لنشوة القرب من هذا الرجل .

أمسك يدها وجلس معها على الأريكة . ثم احتضنها وأخفى وجهه فى شعرها الذهبى .

بادرته :
- دان .. كيف بقيت أعزب حتى هذا الوقت ؟

كدت اتزوج ذات مرة ,وفى الوقت الذى حدددناه لإتمام الزواج رن لى إنذار خطر . تظاهرت لحبيبتى بأننى لست ثريا , ففرت على الفور وهجرتنى , لانها ترفض الزواج من عامل بسيط .

ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتى دان . نظر إلى كاسى .

- وجرح قلبك يا عزيزى ؟

ضحك مهدهدا كاسى بين ذراعيه وقال :
- ليس تماما . كنت صغيرا جدا عندما حدث ذلك . كنت أعتقد أننى أملك العالم .

- فى هذه الفترة من فترات الحياة عندما يعتقد المرء أن هذا العالم ينتمى إليه ويستطيع أن يفعل فيه ما يريد . لقد أحسنت فى مكياجك هذا المساء . أنت جميلة .

نظر إليها بشدة وعيناه تلمعان بالمكر . تبع الندبة التى فى خدها ولأول مرة يلمس أذنها المجروحة تحت شعرها .

تيبست كاسى فى مكانها لكنه قبلها رغم كل شئ , لم تقاومه كاسى ولم تخش أن يكتشف باقى ما تخفيه من ندبات . كان ضربا من الجنون أن تستسلم للمساته على هذه الأريكة . لكنها فقدت كل قدرة على المقاومة . وشعرت أنها تسبح فى فضاء لا نهائى .

فجأة فتح باب المسكن .

- أوه , أوه يا دان ! أحتاج إلى المساعدة لحمل الكعكات .

زفر دان , انفجرت كاسى فى الضحك وانتزعت نفسها من حضنه .

قال :
- المرة القادمة ذكرينى بأن أغلق الباب بالمفتاح .
أصلحت كاسى من هندامها وأعطته مجلة .

- ما عليك إلا أن تقرأ يا دان . سأذهب لمساعدة عمتك .

قال دان فى سعادة وهى تغادر الحجرة :
- حسنا !

عندما رأت كاسى السيدة الشابة وهى تحمل الكعكات فى يدها بصعوبة سألت نفسها : كيف استطاعت الوصول إلى هنا . لكنها وصلت على اية حال .

- كنتما فى وضع غرامى . أليس صحيحا ؟
ازال دان أحمر الشفاه عن شفتيك . هذا الولد لن يتركك فى سلام حتى تتزوجينه , وسيجبرك على البقاء فى غرفة النوم خلال أسبوع ! فعل والده ذلك مع زوجته . كانت حاملا فى هانك فى اليوم التالى لعرسهما .

توردت كاسى لهذا الحديث الصريح .

- إيه يا سيدتى . دان لم يخبرنى باسمك .

- بلى لقد أخبرك به , العمة بولا . لا تخشى من رفع الكلفة بيننا . الجميع يناودننى العمة بولا .

ضحكت عينا السيدة العجوز وأحاطت خصر كاسى بذراعها .

- سأفعل أنا أيضا . وكذلك اعتبرك قريبة لى .

قال دان خلف السيدتين :
- أتصور أنكا تتآمران على .

التفتت كاسى . سالته فى براءة تامة :
- هل قرأت المجلة كلها يا دان ؟

ربت على ذراعها . ردد مقلدا صوتها :
- نعم قرأت المجلة بأكلمها . هل تريدين أن أذهب إلى بيتك لاحضر باقى الحلوى يا عمة بولا ؟

- سأرافقك . كاسى تحتاج إلى أن تصلح من مكياجها . وبعد ذلك تتركها وشأنها يجب ان تكون جميلة هذا المساء .

ربتت كاسى على خد دان ابتسمت إليه ابتسامة ماكرة .

قالت وهى تمضى :
- استمع إلى نصائح عمتك .



الفصل العاشر







كانت كاسى فى المطبخ مع العمة بولا عندما سمعت الكلبة تنبح وأبواب سيارة تصفق . ارتفع صوت امرأة يأمر :
- أحمل الدجاج إلى المطبخ يا جون . جيم وجولى أمسكا الطفل ولا تقتربوا من سالى . لا تهرب يا جوستان . هناك الكثير الذى يجب ان تحمله .



تركت كاسى نفسها لتسقط على مقعد . إن ساقيها لا تستطيعان أن تحملاها . قالت لنفسها : ابتسمى يا كاسى . لا تكشفى عن انفعالاتك . تظاهرى بالهدوء . تبا ! كفى عن التوتر لك كل الحق فى أن تكونى هنا . إن دان هو من أراد ذلك . تشجعى يا كاسى . تشجعى !


على الرغم من ذلك نظرت إلى العمة بولا نظرة كلها قلق .


قالت الاخيرة لتشجعها :
- اعتمدى على يا كاسى . هذه سكين ابدئى فى تقطيع الكعكات الصغيرات ست قطع والكبيرة ثمان .


وضعت الحلوى على الطاولة .


بعد قليل قالت السيدة العجوز :
- هذه مارجى واطفالها الخمسة . إنها أم مثالية .


أمسكت كاسى سكين المطبخ . كانت سعيدة , لأنها لديها شيئا تفعله .


سمعت صوت دان . لقد وعدها بأن يكون معها .


صفق باب المطبخ . دخل خمسة أطفال فى نفس الوقت .


قالت العمة بولا :
- يا صغار ضعوا الطعام على الطاولة فى الشرفة .


اندفع الصغار . سمعت صوت المرأة الحاد للمرة الثانية :
- اذهبوا لتلعبوا فى الخارج يا أطفال ! لا تقتربوا من النهر , وراقبوا جاين جيدا , وعندما تبدوءن مباراة الكرة أحضروا لى الصغير .


لم يسعف كاسى الوقت لترسم فى خيالها صورة صاحبة هذا الصوت . سيدة قصيرة شعرها أسود وقصير , دخلت إلى المطبخ مبتسمة , مرتدية بنطلون جينز , وقميص مربعات وحذاء رياضيا .


نظرت إلى كاسى بعينين ضاحكتين فلم تستطع كاسى إلا أن ترد لها ابتسامتها .


- أنت كاسى ؟


أجابت العمة بولا بسعادة :
- بالتأكيد . منذ ان رأيتها عرفت أنها الفتاة التى خلقت من أجل دان . لو رأيتهما مع بعضهما هو أسمر وهى شقراء مثل العسل .


تقدمت مارجى نحو كاسى بابتسامة لطيفة :
- أنا مارجى زوجة فريد . أنا سعيدة جدا بلقائك . انتظرت هذه اللحظة طوال اليوم .

احتضنت كاسى بحنان ثم ابتعدت , وما زالت الابتسامة على شفتيها .

صاح دان عائدا من الشرفة :
- هيه ! مارجى أرى أنك قد تعرفت بالفعل على زوجة المستقبل .

احاط كتفى زوجة اخيه بذراعيه .

- نعم , حدث ذلك بالفعل . كيف حالك يا دان ؟

- طيب جدا يا صغيرتى مارجى وأنت ؟

قبل جبينها .

- حسن .

صاح رجل دخل توا :
- هيه ! اترك زوجتى أيها الصبى .

كان هذا الرجل أقصر من دان ولكنه قوى البنيان مثله . شعره أسود , وبه بعض الخطوط من الشعر الأبيض . وله شارب .

صاحت مارجى وهى تقترب نحوه :
- عزيزى ! لم أتوقع ان تصل مبكرا . ألم تمر على البيت لتبدل ملابسك . أعطينى معطفك وأخلع رابطة عنقك ولتكن على راحتك .

- أردت ان اكون جميلا لمقابلة كاسى .

قالت بصوت ماكر :
- لا تحتاج لأن تكون جميلا من أجل كاسى . فأنت لى .

مد اخو دان يده مصافحا كاسى :
- أنا فريد .

- اهلا فريد . سعيدة جدا لمقابلتك .

- انا سعيد . لأن هذا الصبى الشيطانى قد وجد أخيرا من تشاركه حياته ! أهلا عمة بولا كيف حالك ؟ ماذا أعددت لنا من طعام شهى ! لا يوجد فى بيتنا طعام !

قالت العمة بولا ضاحكة :
- أنصت إلى . لو كنت مكانك يا مارجى لما طهوت أى طعام . فى هذه اللحظة وصلت هيلين وأسرتها .

اقترب دان من كاسى وسألها :
- هل كل شئ على ما يرام يا عزيزتى ؟

أجابت بكل صدق :
- تماما .

كانت هيلين سيدة طويلة , شعرها مائل للون الرمادى . استقبلت كاسى بلطف , ولكن ليس فى نفس حرارة ماجى .

أطفالها يعشقون العم دان . قالت إن هانك زوجها لديه كثير من العمل وهم مضطرون للعشاء بدونه . كانت أختها معها . إنها شقراء مدت إليها كاسى يدها لتصافحها لكنها لمستها بالكاد .

اختفى قلق كاسى تماما , وأدركت أنها لم تكن على صواب عندما خشيت من استقبال عائلة دان . التى أثبتت أنها عائلة طيبة وودود .
سار الحديث فى جو عائلى جميل . كانت كاسى تتحدث إلى فريد والسيدتين فى سعادة بينما ذهب دان ليلعب الكرة مع أولاد اخويه . ثم عاد بهم لتناول العشاء . أثناء العشاء كان دان يربت على يدها أو على خدها . ينظر إليها كأنه يريد أن يظهر لعائلته كم يحبها .

بعد العشاء . عاد الأطفال للعب ونهضت كاسى لتساعد العمة بولا فى تنظيف المائدة.

قالت لها العمة بولا :
- لا تتحركى . تحدثى مع مارجى بينما تأكل جاين . ستساعدنى هيلين ولوسى .

بكت ماريان .
- أريد أن تلعب أمى معى .

نظرت إلى كاسى ببغض .

قالت مارجى :
- لا تبكى يا عزيزتى . اجلسى على المقعد العالى فى المطبخ وراقبى أمك وهى تساعد العمة بولا .

ثم ابتسمت مارجى . ونظرت إلى فريد بعينين مشرقتين .

شعرت كاسى بالحنان الذى يربطهما . وقبل فريد زوجته بحب .

هذان الزوجان متحابان بل إن كليهما يعشق الآخر ودان أيضا سيكون زوجا محبا , وأبا واعيا . إنه يرغب فى كاسى وهى لاتشك فى ذلك . لكن الحب ؟ هل من الممكن أن يكون قد احبها فى هذا الوقت القصير ؟ لا يجب الخلط بين الشفقة والشعور بالذنب . وبين الحب .

فى نهاية السهرة جمع فريد ومارجى أطفالهما وذهبا . وعدت مارجى بأن تعود لترى كاسى فى غياب دان . أخذت هيلين أطفالها فى سيارتها الكبيرة عندما وصل زوجها . قال الأطفال إلى اللقاء ل كاسى , ثم قبلوا والدهم قبل أن يرحلوا مع هيلين .

شعرت كاسى بالارتياح , لأن عائلة ماردوك عائلة مترابطة . راقبت هانك وهو يتقدم نحوها .

كان طويلا مثل دان , ولكنه أكثر نحافة يضع نظارة . قال :
- آسف على التأخير . كان هناك عطل فى قطاعة الخشب . واضطررت للانتظار حتى أعرف إذا كان عطلا جسيما .

مد يده ليصافح كاسى مبتسما :
- أهلا كاسى . أعتقد أنك عانيت من الضوضاء . هكذا تقول العمة بولا إن الضوضاء تكون حيث يكون الاطفال .

- لا إنهم فى غاية الظرف .

احتضن دان كاسى وقال محدثا أخاه :
- تعال إلى المطبخ يا هانك لقد احتفظت لك ببعض الطعام .

بعد أن رحل هانك بعد ساعة تقريبا كانت كاسى مقتنعة بأن هانك لا يقدر وجودها فى المنزل .

عندما جلس إلى طاولة الطعام تحدث مع دان عن العمل وكانت هناك مشكلات بسبب العقود الاجنبية . ويجب ان يعود دان إلى اليابان لتسوية هذه المشكلات . أثناء ذلك تحدثت كاسى مع العمة بولا فى المطبخ . ثم عادت هذه الأخيرة إلى بيتها . عادت كاسى إلى غرفة المعيشة حيث لم يوجه لها هانك كلمة واحدة باستثناء تحيته لها قبل أن يرحل .

بعد رحيل أخيه أعلق دان الباب .






إيه حسنا . كيف كان الأمر؟

- مؤثر . حتى هذه الليلة لم أتعرف على عائلة كبيرة العدد مثل عائلتك . أعتقد أننى أفضل أن أكون بمفردى مع العمة بولا أو مارجى .

قال فاتحا ذراعيه :
- أو معى . تعالى إلى يا أميرتى .

استطرد :
- الباب مغلق بالمفتاح ولن يأتى أحد ليزعجنا هذه المرة .

- دان . أنا لا أصدق .

أسكتها بقبلة ثم همهم " لا تصدقى شيئا " ثم ابتسم إليها منتصرا .

صاحت :
- هذا ليس من العقل يا دان .

انتزعت نفسها من بين ذراعيه وابتعدت .

- ليس من العقل ؟

قالت :
- لا يجب ان نتمادى فى ذلك . لا أريد حملا غير شرعى .

- تريدين أطفالا. أليس كذلك يا كاسى ؟. حتى لا يطردك أفراخ أخى من العش .

توجهت إلى حجرة المعيشة ودان يتبعها . قالت :
- أريد أن انشئ أسرة فى يوما ما . لكن ليس الآن . لابد أن أجرى عملية تجميل أولا . كما أنه ليس لدينا ما نقدمه لطفل .

أجابها بصوت اجش :
- تبا . ماذا تقصدين ؟ نحن متحابان . سنكون أبوين متازين .

انزل من فوق سحابك يا دان . نحن متعارفان بصعوبة .

أمسك ذراعها واجبرها على أن تجلس على الأريكة وقال :
- أنت تكذبين ليس هذا هو السبب . ما زلت تخشين الارتباط .

فى الماضى كانت تهرب من نظراته أمام اليوم فهى غير قادرة على ذلك , تحشرج صوتها , وارتعشت ساقاها , إن دان يقول الحقيقة . استندت إلى الوسادات مضطربة . كانت تعرف أنها غير قادرة على المقاومة . ستجد نفسها بين أحضان دان ضعيفة وخاضعة مرة اخرى .

استطرد :
- لست أفهم لماذا لا تريدين أطفالا على الفور يا عزيزتى ؟

احتضنها . نظرت إلى عينيه فقرأت فيها الحنان .

- لست على استعداد لمحاربتك .

شعرت بوخز فى قلبها .

- أحبك يا أميرتى .

رفع هامتها بإصبعه وقبلها فى حنان .

لاذت كاسى الصمت . ذلك لأنها لا تعرف بماذا تجيب . لقد قال دان الحقيقة فهو يحبها بالفعل . لقد أصابهما شئ يفوق العادة منذ اللحظة الأولى التى رأيا بعضهما . ابتسمت إليه . كل ما يهمها الآن أنها معه .

أسندرت رأسها الأشقر إلى كتفه .

- هل سمعت هانك وهو يتحدث عن المشكلة المتعلقة بعقد اليابان ؟ يجب ان أسافر غدا .

- كم من الوقت ؟

- خمسة أو ستة أيام . ستكونين بخير هنا .

العمة بولا تسكن إلى جوارك . وطلبت من مارجى ان تأتى لتراك .

قالت كاسى مترددة :
- هل أنت متأكد أنه يجب على أن أبقى ؟ أفضل أن أعود إلى شقتى . لا أعتقد أن هانك يستحسن فكرة وجودى هنا .

- هانك رجل عملى جدا . إنه لا يقرر شيئا إلا بعد دراسة . فهو لا يعيش إلا للعمل ولاطفاله . لا أريد القول بأنه غير سعيد مع هيلين . إنها زوجة طيبة . فهى تأخذ منه القليل من الوقت . لها اهتماماتها الخاصة : الرحلات , الجولف .. هانك محب للعمل .

أما فريد وأنا فمصنع الخشب بالنسبة لنا مجرد وسيلة للعيش . فهو ليس الحياة . حياة فريد هى مارجى إنه يحبها بشدة . لقد أحبها دائما . وأسال نفسى ماذا سيفعل إذا حدث شئ لزوجته .

رفعت كاسى رأسها :
- تتكلم كأن شيئا سيحدث لها ...

- واجهت مارجى مشاكل صحية . أرادت أن يكون لها خمسة أطفال إنها أم رائعة .

أجابت كاسى :
- تبدو مارجى فى صحة طيبة . عيناها البراقتان , وضحكتها المشرقة .

- إنها بخير الآن . وأنا سعيد لأنها أعجبتك .

اجتذبها دان نحوه بشدة .

- أريد أن أحتجرك بين ذراعي وأسمع دقات قلبك .

- دان عزيزى . لا يجب ان ..

انتزعت نفسها من بين ذراعيه ونهضت قائلة :
- سأعود خلال لحظات .

ذهبت إلى غرفتها , وتوجهت نحو الحمام , وأغلقت الباب خلفها .

قالت لنفسها بصوت مرتفع :
- إنه محق فى رغبته فى الزواج . سيكون زوجا , وأبا ساحرا , إنه أنا من يتشكك . سأصاب بخيبة الامل ما لم ينجح زواجى ,. أخرجت رداء للنوم من الدولاب . قبل أن ترتديه نظرت إلى نفسها فى المرآة . كم تخشى أن تثير اشمئزاز دان بكل هذه الندبات التى شوهت جسدها الجميل .

اغروقت عيناها بالدموع وادارت ظهرها إلى المرآة وارتدت الثوب .
سرحت شعرها بشكل يخفى أذنها وخرجت إلى غرفتها , واقفلت كل الأضواء إلا ضوء الأباجورة المجاورة لسريرها .

بعد لحظات دخل دان فى هدوء .

قالت عندما رأته :
- أنت جميل ورائحتك ذكية .

ابتسم إليها :
- يجب أن أكون جميلا فى عينى حبيبتى .

- حسن .

كان الضوء خافتا جدا .

- لماذا أطفأت كل الأنوار . أريد أن أرى وجهك الجميل .

قالت :
- ماذا ؟

- لا أريد أن يغيب عنى ملامح وجهك . ما الذى تخفينه يا كاسى ؟
لماذا تخجلين من أن أراك ؟
شعرت كاسى أن كلماته سكينا يغمس فى قلبها .

- لا . ليس هذه الليلة يا عزيزى .

همس :
- تعرفين أن هذا لن يستمر . يجب ان يكون حبك قويا بالقدر الكافى حتى تقبلى أن تزيلى كل ما بيننا من حواجز . أريد أن نكون واحدا . لا يوجد أى أسرار بيننا .

لم تجب كاسى بشئ . كانت غير قادرة على الحديث . اغروقت عيناها بالدموع ونزلت على خديها . ربت على خدها فشعر بدموعها .

همس :
- لا ياعزيزتى . لسنا مضطرين لتسوية هذه المشكلة هذه الليلة . أنت متحفظة دائما لكن لايهم , سنتحدث فى ذلك عند عودتى .

زادت هذه الكلمات الحانية حزن كاسى .

قالت بصوت متكسر :
- أمهلنى بعض الوقت .

عادت تبكى فى صمت . هل هذه هى المرة الأخيرة التى سيكون فيها معها ؟

وقعت فريسة لقلق عميق . أخذت تقبله بحب .

همس دان :
- الحب الجميل هو الذى ينمو ببطء حتى يصل إلى الاعماق .

أقفلت كاسى عينيها . وقالت : أريد حبك يا دان وليس شفقتك . لا أستطيع رؤية الاشمئزاز فى عينيك .

جلس دان فى سيارته ينظر إلى كاسى . فى عينيها قرأ القلق :
- كل شئ سيكون على ما يرام . أليس كذلك ؟



هزت رأسها ثم زفرت . بحثت عيناها عن عينى رفيقها :
- كل شئ سيكون بخير يا دان لكنك ستوحشنى .


- وأنت أيضا ستوحشيننى .


- هل ستذهب إلى هذه الأماكن ... مع الجيشا ؟
لمعت عينا كاسى بالمكر وهى تنظر إلى وجه دان


- هل ستغارين
ابتسم إليها


قالت كاذبة :
- ولا قيد أنملة .


ضحك فى سعادة وصافح يد السيدة الشابة . ثم سلك طريق المطار حيث سيستقل طائرة صغيرة إلى بورتلاند .
- ستعتنى العمة بولا بك . أنت تخشين النوم بمفردك فى الليل تستطعين أن تأتى وتنامى فى حجرة أمى .


- أعرف . لقد اقترحت على ذلك لكننى لا أخشى الوحدة .


- لقد طلبت من فريد أيضا أن يمر عليك من وقت لآخر .


نظرت إليه كاسى فى دهشة :
- لماذا ؟


- أريد أن أتاكد من أنك ستكونين محاطة بهم يعتنون بك يا حبيبتى .


- شكرا لاهتمامك بى . ولكن لا أجد طائلا فى إزعاج فريد . لن تغيب أكثر من خمسة أيام على أية حال .


- ستكون أطول ايام فى حياتى . كنت أود أن أصطحبك معى .


- وأنا أيضا .


ركن دان السيارة فى ساحة انتظار المطار الصغير
- هل ستأتين ؟


هزت رأسها .قالت وهى تعلم أنها تخشى البكاء أو الانهيار عند رؤية دان وهو يرحل :
- لا أحب لحظات الوداع فى مكان عام . لا ترهق نفسك فى العمل واعتن بنفسك .


ابتسم إليها ثم احتضنها . أقفلت كاسى عينيها . لقد اعتمدت عليه كثيرا فى الأيام الماضية ! لم تكن تعرف أبدا أنها تحتاج إليه إلى هذه الدرجة .
أحبك لا تنس ذلك يا دان

- أحبك أنا أيضا يا كاسى .

تبادلا قبلة طويلة
- يجب أن أذهب الآن .

خرج دان من السيارة وأخذ حقيبته من على المقعد الخلفى . جلست كاسى أمام عجلة القيادة .مال إلى نافذة السيارة وقبلها للمرة الأخيرة .

- أحبك يا دان
لم تقل ذلك أبدا بصوت عال . ابتعد واختفى دون أن يلتفت خلفه .تبعته ببصرها . حتى اختفى . رنت كلماته فى أذنها " أحبك "

انتظرت حتى تقلع الطائرة الزرقاء الصغيرة وتتخذ اتجاه الشمال الغربى حتى ترحل .

أمضت كاسى فترة بعد الظهر هادئة فى الحجرة التى وضعت فيها ماكينة الخياطة . أخذت قميصا من دولاب دان واتخذته موديلا حتى تفصل له واحدا جديدا .أرادته قميصا جميلا واختارت له قماشا قطنيا خفيفا لونه أزرق . انتهت من القميص تقريبا إلا الكولة البيضاء التى ستضيقها فيما بعد . سمعت نباح سالى ثم باب سيارة يصفق .

نظرت عبر النافذة ثم نزلت لتفتح الباب .
- أهلا فريد

- كيف حالك يا كاسى ؟

- بخير وكيف حال مارجى ؟

ضحك :
- بخير أيضا . والآن وقد انتهينا من التحيات الرسمية لنفكر فى شئ جاد . هل لديك أى عصير طازج ؟

ضحكت كاسى بدورها وذهبت إلى المطبخ . إنها تحب فريد كثيرا .إنها المرة الثالثة التى جاء فيها ليطمئن عليها منذ رحيل دان .
- عصير برتقال ؟

- بكل سرور . مارجى تخبرك أنه ستمر لتراك غدا . إنه اليوم الذى تذهب فيه جاين إلى الحضانة .

- لست مضطرا للمجئ كل يوم يا فريد . إننى بخير .

- لا تقلقى يا كاسى . هذا أقل شئ أستطيع أن أفعله من أجل أخى الصغير ... هل تحبينه ؟ هل تحبينه حقا ؟

كانت هذه هى المرة الأولى التى يطرح عليها فريد سؤالا شخصيا . نظرت إليه طويلا قبل أن تجيب :
- نعم أحبه

ربت على يدها :
- أنا سعيد لذلك .. إنى سعيد بذلك حقا .

ثم شرب العصير جرعة واحدة ونهض قائلا :
- سأسرع. لن آتى غدا لدى الكثير من العمل طوال اليوم .

رافقت كاسى فريد حتى الباب .ابتسم إليها ابتسامة تشبه ابتسامة دان فوثب قلب السيدة الشابة فى صدرها .

قال عند عتبة الباب :
- بالمناسبة لقد اتصل أخى . طلب منى أن أخبرك أنك أوحشته .

- فريد ! بحق السماء ! لماذا لم تخبرنى على الفور ؟ هل حدثك عن العمل ؟

نعم . انتظم كل شئ .سيكون هنا بعد غد .

- على أية حال سيتصل من بورتلاند حتى أذهب لأخذه .

بقيت عند عتبة الباب تراقب سيارة فريد وهى تبتعد .سوف يعود دان خلال يومين . ماذا سيحدث ؟ إنها لا تستطيع أن تحيا مع هذا الخوف أكثر من ذلك .

فى اليوم التالى عندما جاءتها مارجى أطلعتها كاسى على القميص المنتهى متسائلة :
- هل تعتقدين أنه سيعجبه ؟

- بالتأكيد . سيعجبه لأنك أنت من فصلته ! إنه يحبك حقا يا كاسى .لم أكن أتوقع أبدا أن يحب دان إلى هذه الدرجة .

- نحن لم نتعارف منذ وقت طويل . أنا لست متأكدة من أن شعوره نحوى حب حقيقى . أحيانا أستيقظ فى قلب الليل وينتابنى شعور بأننى فى عالم خيال بعيد عن الواقع .
حملقت كاسى فى الفضاء

سألتها مارجى :
- هل هناك ما يزعجك ؟

أعاد هذا السؤال كاسى إلى أرض الواقع
- كيف توجهين لى هذا السؤال بعد ما نظرت إلى .

نقلت مارجى قدح القهوة من يد إلى أخرى
- أنت تولين وجهك اهتماما كبيرا . لم يلاحظ أى من أطفالى الندبة التى فى وجهك . وليس أمامك سوى بضعة أشهر تتحملين فيها هذه الندبة . قال لى دان إن جراح التجميل يستطيع إخفاءها تماما .

كان صوت مارجى مفعما بالأمل .

هزت كاسى رأسها :
- لدى ندبة طويلة من كتفى الأيمن حتى ركبتى . صدرى وبطنى وكل جزء من جسدى به قطوع بغيضة . أى رجل - حتى دان - يستطيع أن يحب امرأة لها هذا الجسد .

نزلت دموع كاسى على خديها . منذ الحادث أصبحت دموعها سهلة الانهمار .

تبادلت السيدتان نظرة مؤثرة .

أخيرا قالت مارجى :
- انت مخطئة . إذا كان هناك رجل يحبك بصدق فلن يهتم بنواقصك . الحب الحقيقى يصنع من التفاهم ، الثقة والعفو . الحب الحقيقى هو التسامح فهو يقبل حساسية وضعف الإنسان .

قالت كاسى :
- شكرا يا مارجى على هذه الكلمات الطيبة .

ولكن ما زال اليأس يقرأ فى عينيها
- لا بد أن أواجه هذه المشكلة فور عودة دان .
خفضت بصرها وحدقت فى قدحها

- أعطت الفرصة لـ دان يا كاسى . صدقينى آل ماردوك أناس أقوياء . عندما يحبون فإنهم يحبون بكل روحهم

- أوه يا مارجى إذا رأيت صدرى ستفهمين ؟

شحبت كاسى كانت هذه هى المرة الأولى التى تفضى كاسى بيأسها .

- وإذا رأيت صدرى أنا ... يا كاسى .
تحدثت مارجى بصوت هادئ ليس به شائبة حزن .

- ماذا تقولين يا مارجى ؟
بدت الحيرة على وجه كاسى .

- لا تنزعجى إلى هذا الحد يا كاسى . أجريت لى عملية استئصال منذ أربع سنوات . لن يكون لى أطفال بعد ذلك .

استطردت وعيناها تلمعان بالثقة :
- زاد اقتراب فريد بى منذ ذلك الحين . لأن كلينا يثق فى الآخر .

- ماذا أقول لك يا مارجى ؟

ابتسمت كاسى خلال دموعها .فى هذه اللحظة تبكى من أجل مارجى وليس من أجلها .

- لا تقولى شيئا .... يجب أن أذهب لكى أحضر جاين .أود أن تصبحى زوجة أخى زوجى يا كاسى .

ذهبت وغسلت قدحها ووضعته فى مكانه . عيناها تعكسان حنانا حقيقيا .

أجلا فى المساء ذهبت كاسى إلى العمة بولا . تناولت السيدتان العشاء فى هدوء وهما تتحدثان .وعادت كاسى إلى البيت قبل الليل . غدا سيعود دان . هذه الفكرة سكنت ذهنها . لقد قال لها سنتحدث عند عودتى .

وقعت فريسة للأفكار السوداء .أغلقت الأبواب وصعدت إلى غرفتها ونامت . فى نهاية المساء اقتنعت بأن قصة حبها ستنتهى بعد عودة دان .منعها ذهنها المشوش من النوم الهادئ .

شعرت أنها متعبة وعصبية فى نفس الوقت .إنها تعيش مأساة حقيقية .كانت تريد أن تبكى .

ارتدت الروب وجالت فى المنزل .
أطعمت سالى ورتبت المجلات ثم ذهبت لتنام .

فى صباح اليوم التالى فى ساعة مبكرة سمعت صوت سيارة تتوقف أمام الباب .. صفقت أبواب السيارة بعنف .

أسرعت كاسى نحو الباب .صعد فريد والعمة بولا درجات السلم بسرعة . فتحت لهما كاسى

تمتمت السيدة العجوز :
- صغيرتى .

تسمرت كاسى فى مكانها :
- عمة بولا ، فريد ، ماذا يحدث ؟

قال فريد فزعا :
- تعرضت طائرة دان للاختطاف .هناك مجنون على متن الطائرة يهدد بنسفها ما لم تتوجه إلى كوبا .

قالت كاسى متعلقة بمقبض الباب :
- قنبلة ... فى طائرة دان ؟

قال فريد :
- كان ذلك فى جريدة اليوم

سألت العمة بولا :
- ألا يمكن توجيه الطائرة إلى كوبا ويرحل هذا المختل ؟

بدت عجوزا جدا هذا الصباح . خداها نديا بالدموع . وشعرها الذى تهتم به دائما أشعث هذا الصباح .

قال فريد :
- ليس لدى الطيار القدر الكافى من الوقود . سيضطر للنزول .

كادت كاسى أن تفقد وعيها . رأتها العمة بولا وهى تترنح فأمسكتها .

سألت كاسى بصوت مهتز:
- هل أنت متأكد من أنها ليست مزحة ؟

أجاب فريد متأكدا :
- إنها ليست مزحة .هذا المختل يستحق أن ...

ضرب الباب بقبضة يده .حاولت كاسى أن تتماسك وأتجهت نحو السلم .
- سأذهب إلى بورتلاند .يجب أن أكون هناك .

قالت العمة بولا :
- ابقى هنا سيذهب فريد . سيتصل بنا بمجرد أن يصل إلى شئ لن يكون هناك داع لوجودك فى بورتلاند .

قالت كاسى معترضة :
- يجب أن أذهب . فريد هل ستأتى ؟

- هناك طائرة تنتظرنى فى المطار . تم تغيير طرق الطيران الدولى . لكن يمكننا النزول فى مطار خاص . ثم نذهب إلى المطار الدولى بالسيارة .

أثناء رحلتهما إلى بورتلاند لم تكف كاسى عن التفكير فى كلمات دان : أنت حبيبتى وأنا أميرك . لقد كنا معا منذ آلاف السنين . سنكون معا سنولت جميلة أخرى ؟

هل هذه هى نهاية حياتهما المشتركة ؟ هل سيكونان معا فى مستقبل بعيد أو على كوكب آخر ؟ سجن الخوف كاسى وأحاطها بإحكام . دفعت عن ذهنها فكرة أنها لن ترى دان أبدا بعد ذلك وهيئته القوية . وسحر عينيه .

كادت أن تفقد عقلها من التفكير . نزلت من الطائرة وساقاها لا تقويان على حملها ثم صعدت إلى السيارة التى ستقلهما إلى المطار الدولى . أخبرهما السائق أن الطائرة البوينج 747 توجد على بعد خمس وثلاثين دقيقة من المطار . ركب قرصان الجو من هونولولو وأخبر الطيار على الفور نياته .

قال السائق :
- هذا كل ما أستطيع أن أخبرك به . السلطات صامته .

كانت كلمة ماردوك هى كلمة السر التى سمحت لهما بالمرور من بوابة المطار التى خصصت للسلطات وللطوارئ .وهناك أدخلا إلى صالة خصصت لأسر المختطفين . لم يفد العاملون فى شركة الطيران فريد بأى معلومات . لا أحد يريد الحديث أو الادلاء بمعلومات غير مؤكدة . الجميع ينتظرون يبتهلون ويبكون . مر نادل يحمل المشروبات

هزت كاسى رأسها رافضة عندما قدم إليها قدح قهوة .لكن أخذ فريد زجاجتى كوكاكولا وأعطاها واحدة
- اشربى وإلا لن تستطيعى أن تقفى على قدميك .

وقعت كاسى فريسة للخوف . سمعت قلبها يدق فى صدرها .

خلال سفرها من بند إلى بورتلاند ثم إلى المطار لم تفكر كاسى مرة واحدة فى وجهها ولا فى الوشاح الذى نسيت أن تضعه على رأسها . لمست خدها وتبعت بإصبعها الندبة دون أن تدرى .فجأة ارتفع صوت فى الصالة .فزعت كاسى ثم جلست لترى بشكل أفضل الشاشة .

- نحن على اتصال بالمطار لننقل آخر أخبار البوينج 747 المختطفة وعلى متنها مائة وثلاثة وأربعون فردا بالإضافة إلى الطاقم . مطار بورتلاند مغلق وتحولت رحلات الطيران إلى فانكوفر وسيتل .طبقا لآخر المعلومات من برج المراقبة يحاول الطيار إقناع المختطف بالنزول إلى بورتلاند لتزويد الطائرة بالوقود .

ارتفعت الهمسات عندما اختفت الصورة من على الشاشة . تسمرت كاسى فى مكانها . أخذت سيدة تبكى . تنبهت كاسى إلى أنها قد تعلقت بيد فريد .عندما سحب يده وقال :
- سأذهب لأرى إذا كنت أستطيع أن أعرف أكثر .

هزت كاسى رأسها مذعنة . شعرت أنها قد تحولت إلى إنسان آلى بدون روح . إنها لا تفكر إلا فى دان الحنون المبتسم .

كانت الصالة ساكنة إلا من صوت واحد منبعث من الشاشة :
- هاكم آخر المعلومات من برج المراقية .اتفق المختطف على أن تحط الطائرة ... وافق فقط على أن يترك السيدات والأطفال . كما أعلن أنه لن يتأخر فى القضاء على الطاقم إذا لم تزود الطائرة بالوقود وتقلع إلى حيث يريد .

عاد فريد وجلس إلى جوار كاسى وأحاط كتفيها بذراعه
ارتفعت الأصوات فى الصالة وتدافع الناس إلى النوافذ
- ها هى ! لقد وصلت .

سمعت كاسى صوت المحركات ورأت طائرة كبيرة زرقاء وفضية فى السماء وتتجه نحو ممر الهبوط . دعت الله أن تهبط دون مشكلات .خفق قلبها بشدة .

هبطت الطائرة بسلام . والناس فى الصالة ما زالوا يحدقون عبر النوافذ .اقتربت سيارة تقل رجلا من الطائرة .ارتفع صوت فى الصالة
- ذهب ضابط إلى القرصان حتى يقنعه بأن يترك الأطفال والسيدات وستعرف النتيجة خلال دقائق .

تبع كلماته صمت ثقيل . قال رجل متوسط العمر :
- النذل يستطيع تفجير الطائرة فى أى لحظة .

عند سماعها هذا الكلمات دفنت سيدة وجهها بين يديها . سمعت كاسى نبأ فتح باب الطائرة ونزول الركاب .زفرت فى ارتياح عندما رأت سيدة تحمل طفلا وتنزل سلم الطائرة .

ثبتت عينا كاسى على الطائرة متمنية أن بعد النساء يسمح المختطف بنزول الرجال ولكن سرعان ما شعرت بخيبة الأمل . أقفل باب الطائرة . فجأة شعرت بضيق تنفسها ، إنها لا تستطيع أن ترى ولا أن تفكر . ازدردت ريقها واستطاعت بصعوبة أن تقترب من النافة لتنظر إلى الطائرة .

ظهر المتحدث مرة أخرى على الشاشة وفى يده بعض الأوراق :
- لدى أخبار عظيمة ! انتزع سلاح المختطف . سيفتح باب الطائرة ويوضع السلم . والحمد لله انتهت الأزمة فى نهاية هذا الانتظار الثقيل .

شرح الطيار كل شئ من خلال الراديو ،إنه السيد ماردوك هو من أزال خطر القنبلة بعد أن سيطر على المختطف .

اسندت كاسى رأسها على كتف فريد غير قادرة على أن تصدق أن الأزمة قد انتهت .
ردد فريد :
- يا إلهى ! لقد كنت خائفا جدا . خائفا جدا .

قالت بصوت مهتز :
- هل انتهت حقا ؟

قال فريد مبتسما :
- انتهت ! كل شئ بخير يا كاسى .

شعرت بوهن مفاجئ . استندت إلى الحائط تبحث عن الشاشة بعينيها وصوت المتحدث:
- دان ماردوك من عائلة معروفة بالتجارة فى الأخشاب .جده الأول سيلاس ماردوك بنى مصنعا للأخشاب فى القرن الثامن عشر .أخوه يوجد فى صالة الانتظار مع سيدة شابة يرجح أنها خطيبته .

فجأة ظهر وجه كاسى على الشاشة .بدت مشوهة . لاحظت وجود كاميرا قريبة جدا منها . إنها تبدو بشعة .
- لا ! لا !

مدت يدها لتخفى وجها عن الكاميرا . ثم رحلت وهى تجرى وكادت أن توقع الرجل حامل الكاميرا . بعد عدة مترات . كانت تجد صعوبة فى تحريك قدميها .إنها تتحرك كالإنسان الآلى .
خرجت وأوقفت تاكسيا .

الفصل الثانى عشر








أغلقت كاسى باب شقتها واستندت إليه وهى تسمع دقات قلبها المتسارعة . صعدت السلم كل أربع درجات فى خطوة واحدة بعد أن منحت السائق أجرته .



سألها :
- هل أنت بخير يا سيدتى ؟ هل تحتاجين لمساعدة ؟هل كل شئ على ما يرام ؟


أجابته :
- بالتأكيد لا ، لا شئ سيكون على ما يرام أبدا .


رحل السائق رافعا كتفيه فى حيرة .


قامت بمجهود حتى تنتزع نفسها من الباب ودخلت الحمام . فى المرآة كان وجهها شاحبا تماما كلون حوائط الشقة .بللت المنشفة وضغطت بها على جبهتها وهى تتنفس بعمق .


عندما ظهرت على الشاشة عادت إليها كل الشكوك . نسيت ما قالته لها مارجى لتتذكر أن لا شئ قد تبدل . خلعت ملابسها التى تركتها على الأرض . وقفت تحت الدش وتركت الماء الدافئ ينساب فوقها .ارتعشت ركبتاها فتعلقت فى الصنبور .حتى لا تسقط .بقيت وقتا طويلا تحت الماء .


أرادت أن تتطهر من جراحها . رأسها يدق كالطبلة . رقبتها وكتفيها تؤلمها . الأصوات ، الوجوده ،صوت الطائرة كل ذلك يرن فى رأسها .


عندما بدأ الماء يبرد أقفلت الصنبور ولبست البشكير المعلق خلف الباب . أدركت بما تبقى لها من وعى أن ضعفها يرجع بقدر كبير إلى أنها لم تضع شيئا فى معدتها حتى الآن . شعرها مبتل وملتصق بوجهها . ذهبت إلى المطبخ وأخرجت من الثلاجة علبة تونة فتحتها . أكلت منها دون أن تجلس .


شعرت بالذنب لأنها تركت فريد فى المطار دون أن تقول له كلمة . لقد كان متفهما وكرما معها عندما اصطحبها إلى بورتلاند .


إن دان قد أصبح بطل اليوم . سيستقبله التليفزيون والإذاعة .ستظهر صورته على أغلفة المجلات .


تركت علبة التونة وهى ممتلئة إلى نصفها ، ذلك أنها غير قادرة على الابتلاع .كانت تشعر بالوحدة والحزن .


سمعت صوت مفتاح فى الكالون فزعت . أخذ قلبها يدق بجنون . بقيت ساكنة وسط الغرفة تنظر إلى سلسلة الأمان . سمعت صيحة غضب

- إنه دان .

- تبا ! افتحى هذا الباب اللعين يا كاسى .

كم كان عصبيا ! إنها لم تشعر فى حياتها بالخوف مثل اليوم .أخيرا وجدت الشجاعة لتقول :
- لا أريد أن ... أراك .... اذهب .

- إذا لم تفتحى هذا الباب فسأكسره .

شعرت بقشعريرة
- أجيبينى بحق السماء .

إنها لم تسمعه يتكلم بكل هذا الغضب . كانت كأنها متسمرة فى الأرض غير قادرة على الإجابة . ساد الصمت خارج الباب . هل رحل ؟ لا ! لقد ضرب الباب برجله . اهتز الباب بشدة وما زالت سلسلة الأمان معلقة . تأوهت يا إلهى ! أحد سوف يبلغ الشرطة . ما كادت تحدث نفسها بهذه الفكرة حتى تلقى الباب ركلة ثانية انتزعت سلسلة الأمان كأنه نمر حبيس . فتح الباب واصطدم بالحائط .

- تبا ! ماذا تحاولين أن تفعلى يا كاسى ؟
انتظر لحظة عندما لم تجب كاسى ثم صفق الباب .

نظر إليها شزرا
- هل تريدين تحطيم حياتى يا كاسى ؟

لم تكن تشعر بشئ ،لا تفكر فى شئ ولا تستطيع أن تتحرك .
قالت أخيرا بصوت غريب عليها :
- لم أعد أريد أن أراك فى بيتى .

صاح دان متقدما ينظر إليها فى غضب :
- لا يهمنى ماذا تريدين . لقد كنت صبورا معك . أعرف أن الحادث كان صدمة بالنسبة لك لكن ليس لديك الحق فى استغلال ذلك وقتا طويلا . لقد تصرفت بحماقة عندما غادرت المطار دون أن تخبرى فريد .لقد تسببت لنا فى خوف هائل . لو لم أكن متأكدا من هوربك إلى هنا كنت سأبلغ الشرطة .

- أنا لم أكن ...

صاح :
- لا داعى للاعتذار الأحمق .

نظرت إليه بشدة كأنها مخدرة . وعيناه الداكنتان تلمعان من شدة الغضب :
- لست أنوى أن أسوق لك الاعتذارات . انا لست ملكك . نحن لم نعد فى العصور الوسطى يا سيدى .

- هذا بالتأكيد شئ طيب بالنسبة لك يا سيدتى النبيلة .

فى هذه المرة كان صوته باردا وسافرا . همت بالذهاب إلى غرفتها لكنه منعها .

قالت فى هدوء :
- اخرج من هنا يا دان .

أجابها :
- هذه الشقة ملك لى . لقد دفعت إيجارها .

- إنه أنا من سيذهب إذن .

قال بصوت حازم :
- لا نقاش فى ذلك ستبقين .

قالت وقد تحققت أن صوتها أصبح عاديا :
- لن أبقى . أريد أن أكون بمفردى .

- لتعذبى نفسك وتحزنى بمفردك ؟ أنت السيدة الجميلة الوحيدة فى العالم التى بها ندبات . كاسى المسكينة .

صاحت والدموع منهمرة على خديها :
- اصمت ! اصمت ! من السهل جدا أن أجعلك تفر من أمامى .

أمسكت أصابعها المرتعشة حزام البشكير وكشفت عن تشوهاتها . رفعت شعرها المبتل ليرى الندبة التى تشوه أذنها .
- انظر هل ترى ؟

دارت حول نفسها ليرى بوضوح .
- انظر ! هل ما زلت تريد هذه المرأة المشوهه . انظر ! هل أنت سعيد الآن ؟

استمع إليها دان دهشا وأخيرا تدخل :
- يا حبيبتى ! لماذا تعذبين نفسك هكذا ؟

تقدم نحوها وأمسك يدها لكنها دفعته
- كاسى توقفى .

لمعت عينا دان . احتضنها بشدة حتى تألمت فجأة ترك الغضب كاسى . شعرت أن ساقيها رخوتان وفمها يرتعش . تهدج صوتها بالدموع

همس :
- ابكى يا حبيبتى . افضى لى بكل آلامك .

كانت كاسى منهارة تماما فلم تقاوم . تركته يقودها إلى الأريكة وجلست .
- يا حبيبتى .هل تظنين أن حبى سطحى إلى هذه الدرجة ؟لدرجة أننى أفقد وعيى عندما أرى جروحك ؟ لقد رأيت هذه الندبات بالفعل . لقد لمستها . لقد كنت ممددا إلى جوارك لأمنحك دمى . إنى غير مهتم بما بجسدك من ندبات ... أنت .... أنت الحنان والحب اللذان طالما بحثت عنهما .هيا اهدئى .

لكنها استمرت فى البكاء ووجهها مختف فى صدره .

ربت على شعرها :
- لا تقلقى يا حبيبتى . سيختفى كل هذا خلال شهور . والآن قد عرفت خوفك وسنتخطاه سويا

- لا أريدك أن تشعر بالذنب .

ردد :
- أشعر بالذنب ؟ لماذا أشعر بالذنب بحق السماء ؟ كان مجرد حادث أسيف . ليس فقط أنى أشعر بالذنب . بل أنى أشعر بالسعادة لأن بفضل هذا الحادث دخلت حياتى . قدرنا أن نتقابل بهذه الطريقة يا عزيزتى .

احتضنها بشدة ثم رفع هامتها بإصبعه . تقابلت عيناهما . كان فى عينى دان حب لم تره كاسى أبدا من قبل . شعرت بأن قلبها يخفق من السعادة .

قالت ولم ترفع عينيها من عينيه :
- أحبك

قال :
- أحبك أنا أيضا















- هل أنت متأكد أن جروحى .....

- صه يا عزيزتى . أريدك أن تجففى دموعك الآن .

أحاطت كاسى وجه دان بيديها وقبلته فى حنان
- أحبك

إنها لم تشعر قط بهذه الراحة .

همس إليها :
- أحبك من كل قلبى .لم يكن لحياتى معنى بدونك ... سأحارب بكل قواى حتى أحتفظ بك .

ابتسمت إليه . إنها لم تتصور أبدا أن تبتسم إليها الحياة ويعوضها القدر بهذا الحب الكبير . لقد تحقق الحلم دان لا يشفق عليها بل يحبها . عيناه لا تكذبان .

ردد دان :
- أحبك . أعتقد أنى كنت سأموت لو تركتنى . أحب كل شئ بك . اعتدادك بنفسك ، أمانتك ، عقلك ،جمالك ، عبناك الذهبيتان التى أهيم فيهما .... أحب جسدك الجريح .

بقيت كاسى ساكنة مغلقة العينين . السعادة ملك لهما الآن .

تسللت الشمس إلى الغرفة فأضفت عليها ضوءا جميلا يشيع الأمل والبهجة .

نظر دان إلى الوجه المشرق لزوجة المستقبل وتأملا معا شعاع الشمس المتسللة عبر النافذة .

قال :
- أنت تجعلينى سعيدا . تجعلنى سعيدا وقويا .

قالت :
- أنا سعيدة يا دان . هل تعتقد أننا سنتقابل فى حياة آجلة فى سفينة فضائية ؟

- هذا من المحتمل يا أميرتى لكن لا تقلقى . سأعثر عليك دائما .





( تمت بحمد الله )

 
 

 

عرض البوم صور زونار   رد مع اقتباس

قديم 03-04-09, 09:32 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2008
العضوية: 101656
المشاركات: 70
الجنس أنثى
معدل التقييم: zoubaida عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 23

االدولة
البلدGermany
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
zoubaida غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زونار المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

 
 

 

عرض البوم صور zoubaida   رد مع اقتباس
قديم 04-04-09, 04:56 AM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2008
العضوية: 107705
المشاركات: 578
الجنس أنثى
معدل التقييم: جين استين333 عضو على طريق الابداعجين استين333 عضو على طريق الابداعجين استين333 عضو على طريق الابداعجين استين333 عضو على طريق الابداعجين استين333 عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 436

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
جين استين333 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زونار المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

القصة رااااااااااااااااائعة

تسلم الأيادي

 
 

 

عرض البوم صور جين استين333   رد مع اقتباس
قديم 07-04-09, 09:45 PM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Nov 2006
العضوية: 16952
المشاركات: 137
الجنس أنثى
معدل التقييم: أبتسم رغم أحزاني عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 13

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
أبتسم رغم أحزاني غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زونار المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

:(:(

مـــرهـ حزين الرووووايه

بس رووعه معقووولهـ في حب كذااا ؟؟

يسلمووو

والله يعطيك العافيه

 
 

 

عرض البوم صور أبتسم رغم أحزاني   رد مع اقتباس
قديم 09-04-09, 04:33 PM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Mar 2009
العضوية: 136138
المشاركات: 117
الجنس أنثى
معدل التقييم: Disckoooooo عضو له عدد لاباس به من النقاطDisckoooooo عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 119

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
Disckoooooo غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زونار المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

اكثر من رائعه تسلم الايادى يا قمر ننتظر المزيد من التألف والروايات الرائعه مثلك يا قمر
تحياتى
Disckoooooo

 
 

 

عرض البوم صور Disckoooooo   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
دار ميوزيك, درويس هولت, روايات, عبير, عيناك لا تكذبان
facebook




جديد مواضيع قسم روايات عبير المكتوبة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t108389.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
53 ط¹ظٹظ†ط§ظƒ ظ„ط§ طھظƒط°ط¨ط§ظ† ط¯ظˆط±ظٹط³ ظ‡ظˆظ„طھ … This thread Refback 07-09-16 01:40 PM
53 ط¹ظٹظ†ط§ظƒ ظ„ط§ طھظƒط°ط¨ط§ظ† ط¯ظˆط±ظٹط³ ظ‡ظˆظ„طھ … This thread Refback 10-07-16 09:39 AM
53 - ط¹ظٹظ†ط§ظƒ ظ„ط§ طھظƒط°ط¨ط§ظ† - ط¯ظˆط±ظٹط³ ظ‡ظˆظ„طھ - ط¯ط§ط± ظ…ظٹظˆط²ظٹظƒ ( … - ط§طھط®ظ„طµ ظ…ظ† ط§ظ„ط«ط¹ط¨ط§ظ† This thread Refback 17-03-16 01:18 PM


الساعة الآن 05:49 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية