لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > المنتدى العام للقصص والروايات > القصص المكتمله
التسجيل مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله خاص بالقصص المنقوله المكتمله


القلب النبيل للكاتبة جمرة الحب

بسم الله الرحمن الرحيم القلب النبيل للكاتبة جمرة الحب لم تكن جميلة و لا فاتنة .. و كانت ملامحها خشنة و حياتها مقفرة كصحراء مجدبة

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 31-12-08, 06:31 PM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2006
العضوية: 13121
المشاركات: 14,020
الجنس ذكر
معدل التقييم: dali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسي
نقاط التقييم: 4990

االدولة
البلدCuba
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
dali2000 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي القلب النبيل للكاتبة جمرة الحب

 

بسم الله الرحمن الرحيم

القلب النبيل

للكاتبة جمرة الحب



لم تكن جميلة و لا فاتنة .. و كانت ملامحها خشنة و حياتها مقفرة كصحراء مجدبة .. و لكنها كانت ذات قلب نبيل ملئ بالمشاعر الصادقة .. كنهر متدفق بالعطاء و الخير ..
و عندما جاء المليونير الشاب الوسيم اختار الأنثى الفاتنة و تدله في حبها .. دون أن ينتبه إلى ذات القلب النبيل ..
و لكن .. كان للقدر اختيار آخر .. عندما رتب بلمساته أن يضعهما وجهاً لوجه ..

و من شخصياتها:
سعاد
غادة
ممدوح
و عدة أشخاص غيرهم

نبدأ بالجزء الأول تحت اسم:
جراح قلب
اليوم خطبة أختي الصغيرة { غادة } .. و أسمع الزغاريد و أصوات الضحكات الصاخبة قادمة من صالة شقتنا الصغيرة .. جاء الجيران و الأصدقاء ليباركوا لأختي .. و حملت تعليقاتهم لي قدراً من السخرية و التلميحات الجارحة .. و بدلاً من ان تصد عني أمي الألسنة التي تأكلني .. رأيتها تشارك الساخرين سخريتهم .. و تزيد من جراحي و آلامي ..
حاولت أن أكبت دموعي .. مارست قدراً هائلاً من الإرادة في أن أتماسك .. و أنا جالسة في حجرتي الصغيرة الضيقة المطلة على ذلك المنور المعتم ..
و كانت مرآة دولابي الصغير المتهالك تعكس صورتي .. تلك الصورة التي حاولت أن أهرب منها عمري كله دون جدوى ..
صرت لا أطيق صورتي .. لا أطيق نفسي .. لا أطيق كل ما يحيط بي .. حتى الهواء الذي أتنفسه أتمنى لو منعته عن صدري .. لم أعد أحتمل حجرتي الضيقة الكالحة الجدران .. و النافذة ذات اللون المعتم .. و التي لا تأتي بأي بصيص ضوء من المنور الكريه الرائحة الذي تطل عليه .. و تلقي إلى صدري برائحة تكاد تقبض على روحي ..
حتى ملابسي القليلة في دولابي أشعر أنني لا أكاد أحتمل رائحتها .. صارت حياتي كلها عبئاً على روحي ..
و تساقطت دموعي رغماً عني .. في كثير من الأحيان لا أشعر أنني أبكي .. إلا بعد أن تبلل دموعي وجهي و ملابسي .. و تدمي عيني ..
من بين غشاوة الدموع لمحت وجهي منعكساً فوق المرآة .. و نظارتي الطبية السميكة تكاد تخفي عيني .. منذ وعت عيناي الدنيا و أنا أرتدي هذه النظارة السميكة و بدونها لا أكاد أرى .. لا تفارقني ليلاً أو نهاراً .. لكم قاسيت و عانيت بسببها من سخرية زميلاتي و قريباتي .. و كل ذنبي أن الله خلقني لا أكاد أرى بدونها .. حتى أختي الصغيرة لم ترحمني من سخريتها .. و كم من مرة أخفت نظارتي متعمدة .. لكي ترقبني ضاحكة و أنا أبحث عنها متعثرة .. أتخبط بين الجدران و المقاعد و الأرائك .. و يوم تعثرت قدمي في مقعد حجرتي بسبب إخفاء { غادة } أختي لنظارتي الطبية و سقت على الأرض و كسرت ساقي .. لم تنال { غادة } أي عقاب .. و قالت إنها لم تخف نظارتي .. بل أنا التي نسيت أين وضعتها .. و صدقتها أمي .. و نلت من عقابها الكثير برغم آلامي ..
و ظللت شهراُ كاملاً راقدة في فراشي بساق مكسورة ,, لا أنال غير سخرية أختي { غادة } .. و بعض إشفاق أمي .. و كثير من غضبها .. و لهذا صرت لا أطيق نظارتي الطبية أيضا ..
يقولون إن المذاكرة أكلت نظري .. و تسخر { غادة } مني قائلة : ما فائدة الشهادة التي تسلب من الفتاة عينيها .. إن الرجل عندما يختار زوجة له يختارها جميلة و لو كانت بلا شهادة .. و لكن بماذا ستفيده شهادتها إذا كان معها نظارة طبية لا تكاد ترى بدونها ؟
فهل كانت نظارتي الطبية ثمناً لشهادتي الجامعية التي حصلت عليها بتفوق .. أن انها كانت قدراً حزيناً .. ككل مايحيط بي في هذه الحياة ؟
أقتربت من المرآة .. مسحت دموعي .. و قفت لحظه احدق في صورتي المنطبعة فوق صفحة المرآة مشوشة مضطربة ..
وجه قمحي اللون أقرب إلى السمار .. الأنف كبير غير متناسب مع العينين الصغيرتين السوداوين .. و الشفتان واسعتان شاحبتان .. و الذقن عريضة غير رقيقة .. و بشرتي خشنة جافة .. و الشعر القصير مجعد لا تفلح أي كريمات في تهذيبه و تصفيفه ..
كانوا يقولون عني دائماً أن ملامحي ملامح رجل أخطأت الطريق إلى أنثى .. و كانت أشقى سنوات عمري هي سنوات دراستي الجامعيه ..
في المدرسة لم يكن وعيي قد تفتح .. و كنت لا أزال طفلة حتى بعد أن حصلت على الثانوية العامة .. طفلة منغلقة على نفسها .. و كان يترامى إلى أذني سخرية كنت اتحملها .. فلم أكن أرى فيهم إلا مجموعة من الأطفال المتفاخرين بأشياء لا فضل لهم فيها ..
و لكن .. كان الحال في الجامعة مختلفاً تماماً ..
رأيت هناك عالماً واسعاً كبيراً .. و أشكالاً مختلفة من الفتيات و الشبان ..
لم أكن أشبه أحداً فيهم ..
لم أسمع أحداً يسخر مني .. و لكنني رأيت ذلك في عيونهم .. لم أسمع أي تعليق جارح على ملامحي .. و لكنني أدركت مدى نفورهم مني و تجنبهم لي .. و إشاراتهم البعيدة الساخرة التي كانت تقصدني من وراء ظهري .. و جرح سمعي تغيير أسمي فأطلقوا علي أسم { سعد } بدلاً من { سعاد } .
كانوا يعاقبونيي على ذنب لم أرتكبه .. و يؤلمونني على فعل لم أذنب فيه ..
و لم تكن لي حيلة غير الانطواء .. و الوحدة .. بعيداً عن قسوة هذا العالم ..
لم تكن لي صداقات .. و حتى القليلون الذين حاولوا التقرب مني .. كان ذلك لرغبتهم في الإستفادة من ملخصاتي و كراساتي الدقيقة .. و بعد أن ينالوا مايريدون يبخلون علي حتى بتحية الصباح .. و ينضمون إلى قافلة الساخرين ..
لم تكن تفوتني محاضرة واحدة .. فلم يكن لي من رفيق و لا صديق غير دراستي بكلية التجارة .. و كنت أسمع أمي تقول لي باستمرار : إذا لم تحصلي على شهادتك فلن تتزوجي أبداً .. فالشهادة هي سلاح الفتاة ضد الزمن ..
و كانت تصمت و لا تكمل .. و لكنني كنت أقرأ في عينيها بقية حديثها المبتور .. كانت عيناها تقولان لي : إذا لم تحصلي على شهادة جامعية تغري رجلاً ما بالزواج منك .. فأي إغراء آخر قد يدفع أي رجل في هذا العالم للارتباط بك ؟؟
و هكذا كانت آلامي تتزايد .. و جراحي تتعمق .. و أحزاني تتعملق ..
لم أسمع أمي أبداً تطلب من { غادة } أن تذاكر .. بل كانت دائماً تدللها و تحضنها و تقبلها و هي تقول لها : يا بخت العريس الذي ستكونين من نصيبه .. فسيتزوج حورية من الجنة ..
ثم تعقد حاجبيها شأن التاجر الذي يدرك قيمة بضاعته .. و تضيف : لن أزوجك إلا لمن يستحقك .. و يدفع ما أريد من مهر ..
و ذا راتها تستذكر دروسها في أحيان قليلة تلومها قائلة : لا تكثري من المذاكرة لئلا تتعب عيناك الجميلتان ..
كانت { غادة } تصغرني بخمس أعوام .. و هب في الثانية و العشرين .. و أنا أكاد أتجاوز السابعة و العشرين ..
و منذ ولادة { غادة } .. تضاعفت آلامي و صارت مثل شجرة أحزان لها ألف فرع .. لا تصد عني ألماً أو تدفع عني أذى أو جراحاً ..
لم أكن أكره { غادة } أختي أبداً برغم الآلام التي سببتها لي .. كنت أحبها مثل نفسي .. كقطعة مني .. هي أختي الوحيدة .. و لكن هل كانت { غادة } تحبني بنفس القدر ؟؟
أذكر و أنا طفلة أنني كنت موضع عناية أبي .. و كان { رحمه الله } رقيقاً عطوفاً .. يأتبيني باللعب و الهدايا و كل ما أتمنى ..
و كانت أمي خشنة العاطفة معي .. في معاملتها لي نفور و ضيق .. كأنها نادمة على أنها أتت بي إلى الدنيا ..
كنت أسمعها تقول عني : ليتها كانت ولداً !!
و كانت خالتي تقول لأمي ساخرة و هي تقصدني : على ماذا تحمت عندما كنت حاملاً فيها؟؟
و كانت إحدى جاراتي تسميني الشاويش { عطية } ..
لم يحدث أن سمعت كلمة تدليل من إنسان حولي .. حتى أمي ..
و كنت أسمع و أرى و أختزن في عقلي .. حتى دون أن أفهم .. و كانت حياتي إلى ذلك الحين محتملة ..
ثم جاءت { غادة } و أحدثت انقلاباً في حياتنا ..
كانت { غادة } شيئاً آخر .. جميلة كالقمر المنير .. وجه أشقر فاتن رقيق كنسمة الربيع .. و عينان لوزيتين خضراوان صبوحتان كندى العشب .. و شعر بلون الذهب .. و أنفها و فمها كانا تحفة للناظرين ..
و طارت أمي بمولودتها الجديدة الفاتنة ..
و بدأت { غادة } تحتل أهتمام الجميع .. الأقارب و الجيران و الأصدقاء ..
كانوا جميعاً يطرون جمال { غادة } .. ثم يكملون في لهجة آسفة : سبحان الله .. من يصدق أن من يأتي بمثل هذا الجمال الفاتن .. ينجب مثل تلك الوحاشة ؟؟ و كانوا يقصدونني بالطبع ..
و منذ تلك اللحظات .. لحطات المقارنة الأولى .. بدأت أحزاني و آلامي تتضاعف و تنمو مثل شجرة صبار .. تعاني من هجير المشاعر حولها .. ولا ترويها إلا قطرات دموعها .. فتنمو جافة يابسة .. ميتة المشاعر ..
كنت أختفي في حجرتي إذا ما أتى أقارب أو أصدقاء للزيارة .. حتى لا تقع عيونهم على وجه المقارنة .. أختفي من سخريتهم و كلماتهم الجارحة ..
و هكذا تعلت أن أكون وحيدة .. مبتئسة .. و كان الجميع ينسونني .. و في أحيان كثيرة كنت أبقى في حجرتي يومين كاملين لا أخرج منها إلا إذا كاد الجوع يقتلني .. و إذا لم أفعل .. لم يتذكرني أحد .. ولا حتى أمي !!!
و كثيراً ما اختلست النظرات و أنا طفلة إلى { غادة } .. و كثيراً ما وقفت أمام فراشها أتأمل تقاطيعها الجميلة .. ثم أنظر إلى المرآة .. و أتساءل في حزن : لماذا لم يخلقني الله جميلة مثل أختي .. حتى أنعم ببعض هذا الحب و الاهتمام الذي تناله من الجميع ؟؟
و لم يكن يشفق علي غير أبي .. و كنت احبه مثل روحي ..
و لكن .. لأن الدنيا اعتادت أن تضن علي حتى بلحظة سعادة مسروقة .. لذلك سقط أبي مريضاً .. و مات بعد أيام قليلة ..
حدث ذلك و عمري عشر سنوات ..
و ترك أبي لنا بعض المال و معاشاً لا بأس به استطاعت امي أن تدبر به حياتنا ..
و لكن موته ترك في قلبي جرحاً لا يندمل أبداً .. و مزيداً من الأشواك و المعاناة .. و طعم الصبار المر على شفتي لا يتركني أبداً .. فلم يكن أحد يحبني في هذا العالم .. مثل أبي ..
و أكملت الأيام دورتها ..
و كبرت { غادة } .. و كبرت انا قبلها ..
كنت احبها و أفخر أنها أختي الجميلة .. و لكنها تمتعض لمجرد ظهوري معها أمام الأصدقاء .. و تكاد تتبرأ مني .. تتأفف من كلمة أختي .. لا تطيق حتى أن تراني في مدى عينيها ..
كانت ترفض أن أذهب معها لتوصيلها إلى المدرسة .. حتى لا تضطر أن تقول أمام صاحباتها أني أختها ..
و ترفض أن تذهب معي لشراء شيء ما .. حتى لا أخطئ أمام البائع و أناديها بكلمة أختي ..
و كانت دائماً ترفض وجودي بجوارها .. ربما لأن في وجودي إهانة لجمالها و تقليلاً من شأنه .. و برغم أنها تصغرني .. فقد تعلمت أن تعطيني الأوامر .. تطلب مني أن أؤدي لها واجباتها المدرسية .. و أغسل لها ملابسها .. و أنظف حذائها ..
لا أنام قبلها أبداً .. و أستيقظ في الصباح لأجهز لها الإفطار و الشاي قبل ذهابها للمدرسة .. بل قبل استيقاظها ..
كانت تعتبرني شيئاً أقل منها .. ربما خادمتها .. لم تعاملني أبداً على أنني أختها .. لكنني لم أكرهها برغم ذلك ..
لم يتعلم قلبي الكراهية .. و لا تدنس بمشاعرها أبداً .. و كنت أغفر لها و أسامحها دائماًُ .. و أصرت { غادة } ان تحصل على أكبر حجرة في المنزل لتكون حجرتها فلم تمانع أمي .. و صار نصف معاش أبي يصرف على ملابسها و زينتها فلم تعترض أمي .. و رسبت { غادة } في الثانوية العامة ثلاث مرات فلم تلمها أمي أبداً ..
كانت أختي تحتل من أمي كل مشاعرها و اهتمامها .. و لم يكن لوجودي أية قيمة في عيني أمي ..
صنعت أمي من تمثالها الجميل .. أنانية و تقديساً للذات بلا حدود .. و أنطلقت { غادة } تمارس أنانيتها و غرورها على الجميع .. حتى أمي ..
في دولابها عشرات الفساتين و الأحذية .. و أدوات الزينة و الروائح .. و لم أكن أجرؤ حت على إلقاء نظرة إلى كل هذه الأشياء .. و لكن ذلك لم يدفع بأي كراهية إلى نفسي .. فهي جميلة الجميلات .. و ست الحسن و الجمال .. و من كان لهن مثل هذا الجمال .. يكون من حقهن امتلاك أشياء أخرى كثيرة .. لا يحق لمن كانت مثلي امتلاكها أبداً ..
كنت أجد آلاف المبررات لأختي .. كي أستمر في حبها .. برغم كل ما تفعله بي ..
و ذات يوم و أنا في الجامعه .. فوجئت بها تذهب إلى هناك .. كان في عام الليسانس منذ ست سنوات .. كان عمرها ستة عشر عاماً .. كانت في بداية اكتمال انوثتها و تمام مراهقتها .. و قد أضفى عليها احساسها بجمالها و فتنتها رونقاً و بهاءً .. وجهها و جسدها كانا يشعان بتلك الأنوثة الفوارة .. و عيناها تطمحان إلى الانطلاق إلى أجواز السماء فوق جواد جمالها الجامح غير العادي .. و كأنما حدث انقلاب في الجماعة بوصول تلك { الغادة } ..
و تقاطر الطلاب و الطالبات لرؤية تلك الفاتنة الساحرة .. فالجامعة كلها لم يكن لها فتاة لها مثل جمال { غادة } .. أختي .. حتى بنات الأثرياء و العظماء لم يكن لهن مثل فتنة { غادة } .. كانت فلتة من صنع الإله لا تكرر ..
و ما إن عرف الزملاء بتلك الصلة التي تربطنا .. حتى أصابهم ذهول عظيم .. كأنهم لا يصدقون أن مثل ذلك الجمال يمكن أن ينتمي بأي صلة إلى تلك الوحاشة ..
و أحسست يومها أنني أكاد أسقط في بئر .. تجلت المقارنة بيننا واضحة في عيون الآلاف .. كأنهم في كل لحظه كانوا يمدحون جمالها .. كانوا يسقطون علي في نفس اللحظة فيضاً جارحاً من تعبيرات السخرية و الشفقة المزعومة ..
لأول مرة شاهدت { غادة } و هي لا تخجل من قولها إنها أختي .. و أمام مئات الزملاء .. كأنها تريد أن تؤكد شيئاً ما .. و تركتها و هرولت باكية إلى حجرتي ..
بكيت يومها كما لم أبكِ من قبل .. و تساءلت بيني و بين نفسي : لماذا ذهبت { غادة } إلى الجامعة .. و لماذا تعمدت أن تقول بأنها أختي ؟؟!! ..
و لم أجد إجابة على دموعي و تساؤلاتي ..
و لكنني بعدها امتنعت عن الذهاب للجامعة إلا لتأدية الامتحان .. و فوجئت ببعض الزملاء ممكن كنت أجهل حتى أسماءهم .. و قد جاءوا للسؤال عني ..
و أدركت من نظرتهم لـ { غادة } .. أنهم ما جاءوا إلا لرؤيتها هي .. يومها رأيت السعادة تشع من عينيها و ترسم هالة حول وجهها المشرق .. و هي تستقبل الجميع مثل ملكة تتقبل فروض الولاء من رعاياها ..
و لحظتها فقط أدركت سر ذهاب أختي إلى الجامعة .. كانت تريد أن ترى تأثير جمالها على هؤلاء أصحاب الشهادات و الثروات .. بعد أن ملت من كثرة المراهقين ممن كانوا يقفون في انتظار ذهابها و عودتها من الدرسة .. لا يطمعون في أكثر من نظرة أو لفتة ..
و حصلت على شهادتي الجامعية ..
و بدأت أعمل .. رفضت أن أعمل معيدة في الجامعة برغم تفوقي .. فلم أكن أرغب في مزيد من الجراح و الآلام .. و إشارات السخرية الخفية .. و عملت في إحدى الإدارات الحكومية بمصلحة الضرائب .. و صار أغلب مرتبي تقبضه يداي لتأخذه { غادة } باليد الأخرى .. و لكنني لم أشكُ مع ذلك .. أليست أختي و قطعة مني ؟؟!! ..
كنت أحبها كنفسي ..
و رسبت { غادة } ثلاثة أعوام في الثانوية العامة .. و لم يكن لديها الرغبة في الاستمرار .. و رأيت أمي تبتهج لهذا الرقار .. و كان معنى ذلك أنه لم يعد هناك ما يمنع زواج { غادة } .. أعلنت أمي هذا بعد طول رفض ..
و بدأ توافد طابور العرسان إلى شقتنا الصغيرة في الحارة الضيقة ..
جاءوا جميعاً طالبين يد { غادة } .. بالرغم من أنني كنت أكبرها بخمس سنوات ..
و تركت { غادة } لأمي أن تختار العريس المناسب ..
و بدأت أمي تفحص و تدقق .. و رفضت العشرات من أصحاب الشهادات و الوظائف المرموقة مهما كانت .. فقد كانت أمي تؤمن بشئ واحد في هذا العالم .. المال ..
كانت تريد عريساً غنياً .. صاحب مال كثير .. ففي رأيها أن المال هو الضامن الأكيد ضد تقلبات الزمن ..
كانت تريد أن تقبض ثمناً غالياً في تمثالها الجميل ..
و جاء من يدفع الثمن ..
{ ممدوح } .. صاحب أكبر شركة استيراد و تصدير .. استطاع أن ينشئها بنفسه بالرغفم من أنه لم يتجاوز الخامسة و الثلاثين من عمره .. كانت يمتلك الملايين .. و سيارة فاخرة و فيلا أنيقة .. و لم يطلب من أمي أي شيء .. غير أن توافق على زواجه من أختي .. و قال إنه مستعد لأن يكتب لها كل ثروته بإسمها .. و أن يجعلها تعيش في النعيم .. فمنذ أن شاهد { ممدوح } { غادة } مصادفة و قد طار لبه بسبب جمالها الفاتن .. و صارت حلم حياته ليل نهار ..
و لم تكن أمي ترغب في أكثر من ذلك .. كان { ممدوح } هو الصيد الذي تنتظره أمي .. فوافقت على خطبة تمثالها الجميل لـ { ممدوح } ..
و هاهي ليلة الخطوبة .. و قد انصرف الجميع عن الشقة .. حتى أمي و أختي ذهبتا إلى الكوافير و منه ستذهبان إلى الفندق الكبير الذي ستعقد فيه الخطبة ..
و لم يفكرا حتى في دعوتي للذهاب إلى الكوافير معهما .. فقد كنت شيئاً منسياً بالنسبة لهما ..
و لكن .. كان علي أن أذهب إلى الفندق .. و أن أبارك لأختي .. كأنني غريبة عنها لا تربطني بها صلة الدم .. و أم واحدة ..
و مسحت دموعي .. فبرغم نسيانها لي كان لا بد من ذهابي .. فلم أكن أكره أختي أبداً ..


لقد شاهدتم مقادر حزن سعاد فياترى ماذا سيحصل ؟؟؟ و هل ستذهب إلى حفل الخطوبة أم لا ؟؟؟
الجزء الثاني :
حفل الخطوبة ..
غادرت التاكسي و أمام باب الفندق الكبير .. فقد سبقتني أمي و { غادة } إلى الكوافير لكي تبدو { غادة } في أكمل زينتها .. و ترتدي فستان الخطبة الذي اشتراه لها { ممدوح } من باريس بعدة آلاف .. و لم تفكر { غادة } أو أمي في دعوتي للذهاب معهما إلى الكوافير .. و لعلهما نسياني تماماً ..
وقفت أمام مدخل الفندق الكبير مترددة .. المبنى عالِ ضخم فخم .. كل قطعة فيه تنبئ بعالم لم أختبره من قبل و لا أدري عنه شيئاً ..
و الداخلون و الخارجون يبدون كأنهم نوع آخر من البشر .. بملابسهم الفاخرة .. و مجوهراتهم المتألقة .. و شذى العطور القوية تفوح منهم ..
مددت أصابعي و تحسست العقد الزجاجي الرخيص الذي كنت أرتديه حول رقبتي ..
في غمرة اضطرابي انقطع العقد و انفرطت حباته على الأرض ..
أسرعت ألتقط الحبات المنثورة من فوق الأرض الرخامية الامعة .. و زاد ارتباكي إلى أقصى حد ..
اقترب مني أحد العاملين الواقفين على أبواب الفندق الكبير .. تطلع نحوي في تساؤل و شك .. نهضت مضطربة .. خمنت أنه يرى في كياناً غير متجانس مع هذا العالم السحري الذي أوشك على دخوله ..
تراجعت خطوتين إلى الوراء أمام نظراته .. كأنني لصة يكادون أن يمسكوا بها متلبسة .. و كدت أندفع هاربة من المكان .. لولا أنني تذكرت أختي .. و الخطبة ..
تمالكت إرادتي و خطوت نحو باب الفندق .. تجاوزته دون أن التفت يميناً أو يساراً .. و عبرت المدخل فشاهدت على يميني عدداً من المحلات الأنيقة ذات الأضواء المبهرة .. تعرض على فتارينها ملابس ذات أشكال غريبة و ألوان صارخة .. و إلى اليسار كانت هناك قاعة واسعة ارتصت بها موائد عديدة .. جلس إليها كثيرون بوجوه حمراء موردة و ملابس أنيقة .. و ابتسامات عريضة سعيدة تملأ ملامحهم ..
وقفت مضطربة لاهثة لا أدري أين أتجه .. ولا من أسأل ..
فوجئت بصوت من خلفي كاد يسقطني على الأرض .. التفت في فزع فشاهدت حارس المدخل الذي رماني بنظرات الشك من قبل .. كانت نظرات الريبة في عينيه قد تعاظمت .. و قال يسألني يعينين ضيقتين مستريبتين إلى أقصى حد : إلى أين أنت ذاهبة ؟؟!!
أحسست باختناق و جفاف ريقي .. قلت بصعوبة و انا أوشك على البكاء : إنني .. إن خطبة أختي ستقام هنا ..
رماني بنظرة دهشة هذه المرة .. و راح يتطلع نحوي و إلى ملابسي و ملامحي .. كأنه يستسغ أن تكون لي أخت يقام حفل خطبتها في هذا الفندق الفاخر .. ثم حدق في عيني كأنه يحاول قراءة الحقيقة .. فمنعت دمعة ساخنة كادت تسقط من جفوني ..
هز رأسه في صمت .. و تراجع مبتعداً .. و تنفست في عمق .. ابتسمت برغم دموعي .. فلم أكن أجيد معاملة الغرباء .. ولا ارتياد مثل تلك الأماكن ..
و وقفت لحظة حائرة .. و تساءلت بقلق : هل جاءت أختي و أمي من الكوافير أم لا ؟؟ .. و أين هما الآن ؟؟ .. و إذا كانتا لم تأتيا فهل سأقف مكاني لأنتظرهما ؟؟ .. و إذا كانتا بداخل هذا الفندق الكبير فأين سأبحث عنهما ؟؟!! ..
و تجمعت الدموع في عيني مرة أخرى .. لماذا لم تفكرا في دعوتي للذهاب معهما ؟؟!! ..
هل كانتا تخجلان مني ؟؟ .. حتى أمي .. أم أنها نسيتني كعادتها ؟؟ .. عندما تنشغل بأي أمر يخص { غادة } ..
فجأة دوت أصوات و طبول و موسيقى صاخبة .. كانت موسيقى الزفاف .. و كانت الأصوات قادمة من قاعة واسعة إلى اليسار ..
هرعت إلى المكان فوجدت زحاماً .. رجالاً و نساءً لا أعرفهم في ملابس سهرة لامعة ..
كان العريس و العروس واقفين في قلب الزفة و لكنني لم ألمحهما أو أستطيع الوصول إليهما بسبب الزحام حولهما ..
سمعت يدة ترتدي عقداً ماسياً متألقاً تقول : يا لها من عروس فاتنة .. كأنها قمر 14 ..
و قالت سيدة أخرى بشعر مصبوغ بجوارها : هما الاثنان مناسبان تماماً بعضهما بعض .. العريس أيضاً كأنه بدر في ليل تمامه ..
في نفس اللحظة لمحت أمي .. كانت واقفة في منتصف دائرة الزحام .. وجدتها قد ارتدت فستان سهرة أسود تلتمع أجزاؤه بفضل حبات الترتر و الخرز المطرزة على رقبته و أكمامه .. و شعرها مصفف بعناية فائقة .. و رقبتها يزينها عقد يضوي بانعكاسات أضواء و ألوان مبهرة ..
اندهشت .. كانت تبدو و كأنها ليست أمي .. لم أشاهدها قد صففت شعرها بمثل تلك الطريقة من قبل أبداً .. ولا أدري من أين أتت بمثل هذا الفستان الغالي .. كانت تبدو كما لو أن العمر قد عاد بها إلى الوراء عشرين عاماً .. و قد تألق جمالها القديم في تلك اللحظة .. كما لو كان قد نهل من نبع الشباب المتجدد ..
تحرك العروسان فوقع بصري عليهما ..
شهق قلبي من المنظر المبهر .. كانا فاتنين بحق .. كأنهما أمير و أميرة يخطوان إلى عرش سعادتهما ..
كانت أختي متألقة كما لم تقع عيناي عليها من قبل أبداً .. و حتى نجمات السينما و فاتناتها ما كن يصل إلى بعض فتنتها و جمالها .. كان جمالها ارستقراطياً .. متعالياً على كل من حولها .. و كان شعرها مصففاً على شكل تاج فوق رأسها .. و قد اشتبك بشعرها حبات عقد ماسي متألق .. تضوي حباته كالنجوم اللامعة .. و في أذنيها تدلى قرطان ماسيان أيضاً .. أما فستانها فكان من الحرير الأسود و قد أحاط بصدرها و ضاق على خصرها .. ثم يتسع لأسفل في تموجات على شكل جناحي فراشة .. فبدت أختي في فستانها الرائع كأنما هي ملاك رقيق بجناحين يستعدان للطيران و مغادرة العالم إلى دنيا أرحب و أوسع .. و قد بان في عينيها نظرة ملكة تستعرض فتنتها و تألقها أمام جموع المسبحين بجمالها ..
أما { ممدوح } فكان يبدو في تلك اللحظة كفارس عاد مظفراً من حروبه .. و كانت مكافأته تلك العروس الفاتنة .. و قد بدا في حلته الزرقاء و ربطة عنقه الحمراء .. كنجم يشع بريقاً و ضياءً وسط سماء معتمة .. و كانت سعادته الحقيقية ناطقة في عينيه .. بأنه من دون رجال العالم جميعاً .. فقد فاز بتلك { الغادة } الفاتنة ..
دق قلبي بعنف .. اغرورقت عيناي بدموع سعادة طاغية لمنظرهما .. ما أجملهما ..
هذا المشهد كنت أظنه لا يحدث إلا في الأحلام .. أو على شاشات السينما .. و لم أكن أظن أنه يمكن أن يكون قريباً مني إلى هذا الحد ..
وقفت على مسافة منهما يمنعني الخجل أن أقترب .. و كان هناك نت يقوم بتصوير الزفة { بالفيديو } .. و قد تعمد المقربون الوقوف بالقرب من العروسين .. حتى تلتقطهم عدسات التصوير ..
و سارت الزفة ببطء صاعدة إلى قاعة الحفل .. و جلس العروسان فوق مقعدين كبيرين أحاطت بهما الورود على شكل قلب كبير تخترقه سهام الحب ..
و كانت أمي تقف بين العروسين يتألق وجهها بمشاعر عجيبة .. و تبدو في عينيها فرحة ليلة زفافها ..
كانت سعادة أمي بـ { غادة } لا مزيد عليها .. و كأنما توحدت الاثنتان في تلك اللحظة في كيان واحد ..
و كنت أدرك أنه لا بد من تهنئتي للعروسين باعتباري أخت العروس ..
و كان علي أن أتحرك أمام كل هذا الحشد .. و أصعد إلى حيث يجلس العروسان .. فأقبل أختى و أتمنى لخطيبها حياة سعيدة ..
و لكنني أحسست بخجل قاتل و بعرق غزير ينثال على جبهتي .. لأنني سأكون في بؤرة حدقات كل هذه العيون .. و لأول مرة أحسست بالخجل من ملابسي البسيطة .. و شعري الذي لم أفكر في تهذيبه عند أي كوافير .. و وجهي الذي لم أتعود على تجميله بأي مساحيق ..
و لكن كان علي أن أهنئ العروسين .. مهما كانت وطأة النظرات حوليي .. و مدى خجلي ..
و تحركت في اضطراب .. و ما أن بدوت أمام عيني أمي .. حتى أختفت نظراتها المتألقة البهيجة .. و حل مكانها نظرة أخرى مجهولة غامضة .. كئيبة .. متجهمة ..
عادت أمي التي أعرفها تماماً ..
و أحسست بلفح نظراتها يغوص في قلبي .. و لكنني تماسكت .. اتجهت نحو أختي .. كدت أتعثر في طريقي إليها .. و تقابلت نظراتي بها .. على الفور اختفت ابتسامتها الملكية .. و حل مكانها نفور و عدم ارتياح ..
ارتعشت شفتاي و كدت أبكي .. تمنيت لو أنني اختفيت من عالمها إلى الأبد في نفس اللحظة .. كان في عينيها ما يفصح بأنني نقطة ضعفها الوحيدة التي تتمنى الخلاص منها ..
و كنت أتمنى لو لم أتسبب لها في أي لحظة معاناة .. لو أنني أستطيع أن أختفي عن عينيها .. و عن كل هذا العالم .. و لكنني كنت أدرك أن مئات العيون تحاصرني .. و لم تسمح لي بحرية الهرب ..
احتضنتها و كذت اقبلها .. لكنها دفعتني بخشونة قائلة : انتبهي لئلا تفسدي زينتي .. و كنت قد شاهدت العشرات من صديقاتها و سيدات الحفل يقبلنها فلم تعترض أو تغضب .. ابتسمت لها رغماً عني و قلت : مبروك .. ربنا يتمم بخير ..
ابتسمت لي ابتسامة باردة خالية من الحياة و قالق بصوت مشحون بالسخرية و كأنها تتعمد طعني و جراحي : عقبالك ..
سقطت عيناي الحزينة على { ممدوح } .. لأول مرة أتأمله من هذه المسافة القصيرة .. كان أكثر وسامة و رجولة مما قدرت .. في عينيه عزم و قوة .. لا أدري هل كنت مُصحة في ظنوني أم لا .. عندما لمحت في عينيه تعبيراً من الدهشة و الاستياء .. هل كانت دهشته و استياؤه بسبب تصرف أختي معي .. أم أن ذلك كان بسبب منظري المشوش ؟؟!! ..
رأيته من قبل مرتين فقط في منزلنا .. يوم جاء لطلب يد أختي .. و يوم جاء للاتفاق على الشبكة و المهر و ما إلى ذلك .. و لمحني هو عن بعد .. و لم تظهر على وجهه أي معالم للدهشه .. كأنه يعرف أن الدنيا قادرة على فعل الأعاجيب .. أن تخلق الجمال و أن تنجب عكسه .. و أن تنبت النقيضين من بذرة واحدة .. فلماذا كانت دهشته تلك اللحظة ؟؟ ..
همست أغالب انفعالي و أقول له : مبروك أستاذ { ممدوح } .. رنا يتمم بخير ..
و تحركت أغادر المكان قبل أن أسمع رده ..
لا أكاد أرى أمامي .. دموعي توشك أن تخنقني و تسد الهواء عن مسامي ..
آلاف العيون تلاحقني .. عيون مندهشة .. و عيون مستفسرة .. و عيون مشفقة .. و أخرى ساخرة ..
اقتربت مني أمي بنظرة صارمة و همست لي بصوت بارد : امكثي مكانك ولا تتحركي .. دعي أختك و خطيبها و لا تفسدي عليهما ليلتهما .. لا تحاولي الاقتراب منهما مرة أخرى .. فالحفل يتم تصويره بالفيديو ..
و تحركت أمي مبتعدة و تركتني مقتولة بالحزن .. فما الذي فعلته لأفسد على أختي ليلة خطبتها .. و كل ما قمت به أني تمنيت لها حياة سعيدة ؟؟ ..
هل كانت أمي خجلى أن تراني كل هذه اليون القريبة .. و تعرف أنني أخت تلك العروس الجميلة الفاتنة .. ست الحسن و الجمال ..
و ما ذنبي أنا إن كنت لم أخلق بجمالها .. ولا حتى لجزء منه .. ما ذنبي إذا كان الله قد اختار لي هذه الهيئة و تلك الملامح .. و اختار لـ { غادة } أختاً .. جمالها يخطف العقول و القلوب و الأبصار ؟؟ ..
لماذا لم تكن أمي بئر حنان و نبع شفقة يصب في قلبي فيخفف عني هجير أحزاني .. لماذا لا تجئ أحزاني إلا من مشاعرها نحوي .. هي الأصل و أنا فرعها .. فلماذا نلوم أشواك الصبار .. و لا نلوم النبتة التي أوجدته و منحته الحياة ؟؟ ..
أحسست بصداع يكاد يشق رأسي ..
و أشارت ساعتي إلى منتصف الليل .. و لم أعد أستطيع الاحتمال أكثر من ذلك .. فغادرت القاعة دون أن يشعر أو ينتبه لي أحد ..
هرولت أغادر المكان الواسع إلى حجرتي الضيقة .. و فراشي الصغير .. و وسادتي الباردة .. و دموعي تسيل عليها أنهاراً .. ساخنة .. ملتهبة ..
و كان قلبي يخفق بسؤال حزين مرير .. لماذا لا يحبونني مثلما أحبهم ؟؟ ..

آه عليك يا { سعاد } كم عانيت في هذه الحياة و ليس هذا إلا جزءاً بسيطاً جداً من أحزانها و همومها الكثيرة ..
الجزء الثالث :
الحلم .. و الفارس
رحت أشق طريقي داخل تلك الغابة المظلمة .. كان قلبي يدق بفزع الرهبة .. و نبضي يحتضر خوفاً ..
لا أدري كيف وصلت إلى تلك الغابة .. ولا من الذي ألقاني في جوفها المخيف ..
فتحت عيني لأجد نفسي وسط دروبها المعتمة التي أحس أنها تسلبني طمأنينتي و هنائي .. و أشجارها العملاقة المتشابكة .. التي أشعر أنها توشك أن تلتف حول رقبتي و تخنقني .. و أوراق أشجارها اليابسة الملقاة على الأرض .. فما أكاد أطؤها بقدمي حتى تتكسر تحتها بصوت مفزع .. كأنه آهات كائن يحتضر و يعاني ..
زعق طائر قبيح الصوت بأعلى الأغصان فارتجت فزعاً .. التجأت إلى شجرة قريبة ذات ألوان ودودة لأحتمي بها .. فجأة خرجت من بين أغصان الشجرة حية عظيمة الحجم .. لها وجه انسان اعرفه .. انسان أحبه و يضن علي بحنانه ..
صرخت من الرعب .. اندفعت هاربة و الأغصان تخدش وجهي و ذراعي .. و نعيق البوم يطاردني .. و نقيق الضفادع يسخر مني .. و الغربان السوداء تحلق فوق رأسي زاعقة بصوت شامت .. كأنها تستجلب علي لعنات أبدية ..
جريت و جريت حتى تقطعت أنفاسي .. و ارتميت على الأرض لاهثة .. درت بعيني في المكان الذي وصلته أبحث عن منقذ للأمان .. اكتشفت انني عدت إلى نفس البقعة الأولى .. و أطلت علي الحية ذات الوجه المألوف مرة أخرى .. كان لها ملمس ناعم و ألوان مغرية .. و لكن الموت كان يكمن في أنيابها ذات الطابع البشري .. و نظرات الكراهية في عينيها واضحة حادة ..
كادت تعضني .. صرخت في فزع .. صرخت و صرخت .. فتوقفت الحية عن محاولة إيذائي و تأملتني بعينيها الضيقتين الخبيثتين .. ثم انفجرت ضاحكة ..
اندهشت .. و تراجعت للوراء .. و الحية لا تزال على ضحكها الساخر مني ..

 
 

 

عرض البوم صور dali2000   رد مع اقتباس

قديم 31-12-08, 06:34 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2006
العضوية: 13121
المشاركات: 14,020
الجنس ذكر
معدل التقييم: dali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسي
نقاط التقييم: 4990

االدولة
البلدCuba
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
dali2000 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : dali2000 المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

________________________________________
ثم مدت رأسها للأمام و قالت لي : لا مهرب لكِ مني .. أنا التي أتيت بكِ إلى هذه الغابة .. و لذا فأنت ملكي .. أفعل بك ما أشاء .. و ليس لكِ حق الاعتراض .. حتى لو حكمت عليكِ بالموت لا تملكين الاعتراض أو الهرب من حكمي ..
صرخت في فزع متوسلة إليها : أرجوك لا تؤذيني .. إنني لم أوذ إنساناً أبداًَ .. و لا يحمل قلبي مكروهاً لأحد .. فلماذا ترمينني بكراهيتك .. و قلبي لم يعرف غير الحب لكل الناس ؟؟ قال لي بصوت كالفحيح : كثيرون يُعاقبون دون أي ذنب .. و أنت محكوم عليك بعقاب أبدي .. و أنا سجانك الذي يتولى عقابك ..
و قهقهت الحية مرة أخرى فصرخت في جزع و رعب ..
صرخت أطلب من ينقذني فلم يسترجع صدى صرختي غير نعيق البوم و حفيف أجنحة الغرابان .. و تكسر الورق اليابس المحتضر تحت قدمي ..
أغمضت عيني رعباً و قلبي كاد يتوقف عن اللهاث .. لم يكن لي أمل أو مهرب .. محكوم علي بالسجن الأبدي في تلك الغابة القاسية .. ثم الموت كأبشع ما تكون النهاية .. ليس هناك من يمد لي يد المساعدة .. ولا هناك قلب يخفق من أجلي .. و يحزن بسببي ..
أجهشت ببكاء شديد و أنا أخفي عيني بيدي ..
فجأة التقطت أذناي صوت حفيف أجنحة .. كأنها أجنحة ملائكة لها أجراس موسيقية تحمل السكينة و المرة إلى القلوب الثكلى بالأحزان ..
فتحت عيني مندهشة .. فرأيت الحية تتوارى فزعاً .. و نور يضوي في الأفق البعيد مثل هالة نهار .. يكاد يحيل ظلمة الغابة إلى بهجة نور .. لمحت جواداً طائراً له جناحا ملاك .. و هو يسبح فوق رؤوس الأشجار .. و فوق الجواد كان هناك فاس متسربل بالنور .. غارق في الضياء مثل الشمس ..
لم أستطع أن أحدق فيه طويلاً بسبب هالة الضوء المشعة حوله .. آلمتني عيناي الواهنتان .. لم أستطع أن أميز ملامحه .. و لكنني أحببت هذه الملامح دون أن أراها .. كدت أصرخ في ذلك الفارس ذي الهالة أن يسرع لإنقاذي .. و لكن الصرخات لم تخرج من صدري .. و بدا على الفارس كأنه يعرف معاناتي ..
حلق الفارس بحصانه ذي الأجنحة الملائكية قليلاً في الفضاء .. لم يعد للحية أي أثر في المكان .. و كفت البوم عن النعيق و الغربان عن الصراخ .. و ساد الغابة سكون عميق .. رائق .. صاف ..
و اندفع الفارس بجواده المجنح إلى السماء البعيدة .. اختفى و اختفى في قلب السماء حتى لم يعد له أثر غير نقطة ضوء كنجمة مغروزة في قلب الظلام .. كمنارة بعيدة ترشد الحائرين و تطمئن اليائسين ..
هتفت أناديه في جزع و أمل : لا تتركني يا سيدي .. لا تتركني وحدي أيها الفارس ..
و ارتعشت يداي و قدماي بحركة عصبية كأنهما تصرخان معي ..
و استيقظت فزعة .. كنت احلم .. و قد تبلل وجهي بدموع غزيرة .. و يداي و قدماي لا تزالان ترتعشان .. و أنفاسي مضطربة مرتجفة ..
و بدأت أنفاسي تهدأ قليلاً .. لم يكن من عادتي أن أحلم مثل تلك الأحلام العجيبة .. و كنت أنسى ما حلمت به حالما أستيقظ من نومي ..
و لكن حلم الأمس كان لا يزال عالقاً في ذهني كأنه حياة أخرى عشتها بالفعل و تفاصيل حوادثه تدور أمام عيني ..
و تساءلت ذاهلة ما معنى ذلك الحلم .. و من يكون ذلك الفارس النوراني فوق جواده المجنح .. و لمذا أحسست بالطمأنينة لأول مرة في حياتي بوجوده بقربي ؟؟ ..
كل الفتيات كن يحلمن بفارس أحلامهن .. و لم تكن لي مثل تلك الأحلام أبداً .. كأنني أدرك أن حياتي لن يكون لها فارس أبداً ..
فلماذا حلمت تلك الليلة .. و أي سكينة و مسرة حملها إلى قلبي المعذب المجروح ؟؟ و ماذا كان يعني ذلك الحلم ؟؟


ياترى ماهو تفسير ذلك الحلم ؟؟ !! .. و هل سيكون لبطلتنا { سعاد } فارس أحلام ؟؟ و اذا كان ذلك صحيحاً و كان لها فارس أحلام .. فياترى من هو ؟؟ و متى سيظهر ؟؟ و هل هو في حياتها و هي لا تعرف ؟؟
الجزء الرابع :
أحلام سندريلا
قضيت نهاري في أعمال المنزل .. و خرجت { غادة } مع خطيبها و أمي .. سافروا إلى { الإسماعيلية } لقضاء يوم جميل في { شاليه } يمتلكه { ممدوح } هناك .. و تركوني وحدي في المنزل ..
و عندما سأل { ممدوح } عني .. قالت له أمي بأنني لا أحب الخروج .. و أنني سأبقى لأعمال المنزل من طبخ و غسل و نظافة ..
كانت هناك علب و أكياس و هدايا عديدة في حجرة أمي .. و كان ضعفها في حجرة { غادة } أختي .. فساتين و أحذية و حقائب جميلة .. و علب مكياج أنيقة ..
أعجبني فستان أبيض بلون الفل .. كان على شكل وردة كبيرة .. رأيته معلقاً في دولاب أختي .. لم أستطع منع نفسي من لمسه و تأمله .. وضعته فوق جسدي و أنا أنظر إلى المرآة ..
أغمضت عيني و أنا أرتديه .. كنت أخشى من أن أفعلها و لو من وراء ظهر أختي .. لا أحب أن آخذ أشياء الآخرين .. حتى لو أخذوا أشيائي ..
و كان الفستان رائعاً .. كأنما صنعته يد ساحر .. لطالما تمنيت أن أرتدي مثله و لو لحظه واحدة في عمري كله .. كان في حياتي أمنيات كثيرة أدرك استحالة تحقيقها ..
و لا أدري لماذا في تلك اللحظة قصة { سندريلا } .. الفتاة الفقيرة المسكينة التي جاءتها ساحرة طيبة القلب فمنحتها فستاناً جميلاً لتذهب به إلى حفل الأمير .. فأحبها الأمير و بحث عنها حتى وجدها فتزوجها .. دون أن يهتم بفقرها أو تواضع حياتها ..
و لكن .. كان ذلك فيما مضى .. و لم يعد في زماننا ساحرات طيبات .. و كنت أدرك أنني سأعيش و أموت دون أن تمتد يد نحوي .. أو يخفق قلب بجوار قلبي ..
كانت { سندريلا } رائعة الحسن .. و تزوجها الأمير بسبب حسنها الطاغي ..
و كان أمامي فستان { سندريلا } الأبيض ..
و لم تكن { سندريلا } هذه المرة غير { غادة } .. أختي .. و كان الأمير هو { ممدوح } خطيبها .. الذي أنتقاها من آلاف الفتيات و أحبها و قد فتنه جمالها ..
كنت أعرف أنني لا يمكن أن أكون { سندريلا } أبداً .. و لا في أحلامي ..
كان مكاني هنا .. في هذا المكان .. أقوك بأعمال الخادمات .. أما { سندريلا } فقد كان أميرها يفتح لها أبواب القصور المسحورة .. و يغترف لها كنوز الدنيا ما تشاء .. و يحقق لها الأمنيات حتى ما لم تكن تتمناه ..
لم يكن من حقي حتى لمس فستان { سندريلا } .. فأعدته مكانه .. و تركت دموعي تسقط في صمت ..
و لم يكن هناك من يمكن أن يشعر بي .. أو يمسح دموعي .. كنت دائماً وحيدة في هذه الدنيا ..
و في المساء المتأخر عادت أمي و أختي .. أوصلهما { ممدوح } بسيارته ثم انطلق عائداً إلى بيته .. جهزت لأمي و أختي العشاء .. و لكنهما قالتا إنهما تناولتاه في مطعم راقٍ بالإسماعليه مع { ممدوح } قبل عودتهم ..
في الصباح التالي ذهبت إلى عملي .. و استقبلني زملائي يسألون عن أخبار الخطبة و العريس ذي الحظ السعيد .. حملت لهم معي علبة { شيكولاتة } رحت أوزعها عليهم ..
و قال أحدهم و هو يملأ كفيه منها : عقبالك ..
و قال آخر بلهجة لا تخلو من السخرية : إن شاء الله ..
و أتى ثالث بجريدة الصباح .. كانت تحمل صورة العروسين في باب المجتمع .. و انهالت تعليقات الجميع تطري جمالهما و حسنهما ..
مضى الوقت و انصرف الجميع لأعمالهم .. و انشغلت بعملي و أرقامي .. بين الحين و الآخر أتوقف مندهشة عندما يطوف بذهني ذلك الحلم فأتساءل : ترى من يكون ذلك الفارس ذو الهالة النورانية .. هل سيكون زوجي و حبيبي المنتظر .. ذلك الإنسان الذي سيختارني من كل نساء العالم .. و يرى في شيئاً آخر جميلاً غير نظارتي الطبية السميكة و أنفي الكبير و شعري الخشن ..
و أي رجل يرضى بفتاة كهذه عاطلة عن الجمال .. و هناك آلاف الحسناوات في كل مكان ؟؟!! ..
أقبلت { سعدية } زميلتي .. و هي حامل في شهرها الرابع برغم أنها أم لستة أولاد .. و قالت لي و هي تتوجع : لا أستطيع أن أمسك قلماً اليوم .. و هناك عمل عاجل يجب انجازه و إلا جازاني المدير بالخصم ..
قلت لها : لا تشغلي نفسك بشيء .. سأقوم بكل عملك ..
هتفت بطرف لسانها : شكراً لك .. أنت صاحبة قلب طيب ..
و أسرعت تكدس ملفاتها فوق مكتبي .. ثم انشغلت بثرثرة مع زملية لها .. عن متاعب الأولاد و مشاكلهم ..
و جاء { مرسي } الزميل المسئول عن استخراج البطاقات الضريبية الجديدة لأصحابها .. و قال لي : لدي مشوار مهم يجب علي انجازه .. و لكنني لا أستطيع ترك عملي في استخراج البطاقات الجديدة لأصحابها و إلا ذهبوا إلى المدير و اشتكوني ..
قلت له بتسامح : سأحل محلك و أستخرج بطاقات جديدة لمن يريد فلا تقلق ..
هتف شاكراً : أنت بنت حلال ..
قلت له : لا تتأخر حتى تلحق بكشف الانصراف فتوقع فيه .. و إلا تعرضت للمشاكل مع المدير ..
لم يهتم بالرد علي و اندفع خارجاً من الحجرة .. ثم عاد و هو يحمل أوراقاً و ملفات كدسها على مكتبي .. و خلفه طابور من المواطنين ممن يرغبون في استخراج بطاقات ضريبة جديدة .. كان علي إنجازها لهم .. وسط ضوضاء شديدة لا أحتملها ..
انهمكت في عملي دون شكوى .. و سمعت { سعدية } و هي تهمس إلى زميلتها و تكتم ضحكة : إنها لا تقول { لا } لأحد أبداً مثل حمارة شغل .. و الجميع يستغل سذاجتها .. و لماذا نتعب أنفسنا ما دام هناك أغبياء يقومون لنا بأعمالنا دون شكوى ؟؟!! ..
هل كانت تتحدث عني .. بالطبع لم يمكنني أن أسألها .. و لكن إذا كانت تقصدني فقد أخطأت .. إنني أساعد الجميع بدافع من حبي لهم .. و من يحب إنساناً لا يتأخر عن مساعدته .. و ليس ذلك غباءً مني لأنني حمارة شغل .. فالعمل الكثير يكاد يقتلني .. و لكنني تعودت العطاء .. و لم أتعود أن أحرج إنساناً أو أرفض له طلباً .. ما دمت أستطيع القيام به ..
أنهيت كل عملي و عمل زملائي .. أحسست أن يدي قد تورمت من كثرة العمل .. و بقي ربع ساعة على الانصراف فجلست مكاني مرهقة متعبة .. و قد خلت الحجرة إلا مني بعد أن أنصرف أغلب الزملاء و الزميلات متحايلين للتوقيع في دفتر الانصراف قبل الميعاد ..
و أقبل مخلوق إلى داخل الحجرة .. على الفور أحسست بانقباض بداخلي .. لا أستريح لهذا الانسان ولا أستسيغ حديثه أو مجرد رؤيته .. و لكنه يفرض نفسه علي بطريقة لزجة .. و لا ادري كيف أتخلص منه ..
و لكنني كتمت مشاعري بداخلي فلا أحب أن يغضب مني إنسان .. و رسمت على وجهي ابتسامة ودوداً ..
كان في الأربعين من عمره .. قصير القامة بطريقة مضحكة .. و يعاني من عرج واضح في قدمه .. و كان له رأس كبير لا يتناسب مع بقية جسده الضئيل .. و يطل الخبث من عينيه الكبيرتين كعيني ثور غبي .. و شاربه الذي كان يتباهى به و يعتني به أشد العناية .. كأنما هو التأكيد الوحيد لرجولته ..
تلفت مخلوف حوله ثم رمقني بنظرة ماكرة و قال : الحمد لله .. انتظرت حتى ينصرف الجميع لنستطيع أن نجلس و نتحدث في حرية دون مضايقة من أحد ..
قلت مندهشة : هل هناك حديث خاص بيننا ؟؟ !! ..
رمقني باستنكار لحظه .. ثم طرفت عيناه الكبيرتان و عبثت أصابعه بطرف شاربه و قال مراوغاً : لا تنسي أننا زميلان .. و انا أودك أنت بصفه خاصة و ..
و صمت منتظراً أن أشجعه فلم أستطع منع تجهمي من الظهور فوق ملامحي .. فأنا لا أطيق تلميحاته .. ليس بسبب شكله أو هيئته .. فهو إنسان مهما كانت هيئته .. و لكنني لا أطيقه بسبب لزوجته و خبثه و أسلوبه الملتوي ..
قال بعد لحظة : تصوري أن المدير خصم مني ثلاثة أيام بسبب تأخيري .. هل يظننا خدماً عنده يفعل بنا ما يشاء ؟؟ !! ..
قلت له : للعمل أصوله و لمواعيده احترامها .. و من يخطيء يستحق العقاب ..
قال بضيق : إنني أعمل بعد الظهر في وظيفة أخرى و أعود متعباً في منتصف الليل إلى بيتي .. و لهذا أستيقظ متأخراً و آتي إلى هنا بعد الموعد ..
و بلهجة خبيثة أكمل : أنت تعرفين أن من يريد أن يفتح بيتاً و يتزوج لابد له من عمل إضافي هذه الأيام .. فأقل شقة خلوها يصل إلى عشرة آلاف جنيه ..
و بلهجة ذات مغزى أضاف : و لا بد أن تكون الشقة مناسبة للعروس التي تسكنها .. أنت مثلاً هل تقبلين أن تسكني في شقة صغيرة تطل على حارة ضيقة و تطفح المجاري في الطريق المؤدي لها ؟؟ ..
كنت أشعر أنه يرمي شباكه علي مثل عنكبوت سام .. و أحسست بخيوطه تكاد تخنق أنفاسي .. فلم أستطع أن أرد عليه ..
و لكنه لم ينتظر إجابتي و سألني بغتة : كم يبلغ مرتبك الآن ؟؟ !! ..
قلت بضيق : سألتني هذا السؤال مرتين من قبل فأجبتك ..
قال و هو يهز رأسه كأنه يجري حسبة ما في عقله : لا بأس .. بشيء من الحكمة نستطيع أن نتدبر أمورنا ..
قلت بضيق أشد و أنا لا أحتمل مجرد رؤيته أمامي : ماذا تقصد ؟؟ !! ..
قال بمكر و تصنع خجل : لا داعي لإحراجي .. أنا إنسان خجول في مثل هذه المسائل !! ..
و اهتز شاربه كأنما يأكد ذلك الخجل .. و زاد انقباض قلبي حتى شعرت أن أنفاسي ستتوقف .. و دوى قرع طبول في رأسي ..
قلت و أنا أكاد أبكي : أرجوك .. إنني متعبة و الصداع يكاد يشق رأسي و لا أحتمل أي حديث ..
هتف و هو يهب واقفاً : سلامتك .. لن أطيل عليك .. لي عندك طلب واحد ..
و مد رأسه إلى الكبير للأمام و قال بوجه يحمل ابتسامة صفارء ميتة : أريد منك عشرة جنيهات سلفاً لأول الشهر ..
و قبل أن أنطق قاطعني قائلاً : لا تقلقي .. سأسددهم لك مع ما استدنته منك من قبل .. إنني لا أطلب هذا الطلب بصفتي زميلاً فقط .. إنني أطلبه بصفة أخرى ..
غمز لي بعينيه و هو يضيف بلهجة خبيثة : أنت تفهمين ما أقصد ..
و لا أدري لماذا ذكرتني ملامحه تلك اللحظه بملامح الغربان التي كانت تنعق في الغابة التي رأيتها في أحلامي ..
ارتعدت أمام نظراته .. و أسرعت أفتح حقيبتي و ألقيت بالعشرة جنيهات أمامه .. فاختطفها بأصابعه القصيرة النحيلة مثل مخالب صقر .. و هتف قائلاً : سوف أسددها لك قريباً .. أو نتحاسب عليها عندما نتفق على بقية الأشياء .. فلن يكون بيننا حساب وقتها ..
و أسرع يغادر المكان .. فأحسست كأن روحي ردت إلى صدري ..

ها قد انتهى الجزء الرابع و بقي من روايتنا ذات التسعة أجزاء خمسة أجزاء نرى فيها ماذا سيحصل لبطلتنا سعاد ؟؟ هل ستتزوج من زميلها في العمل الذي تمقته و تكرهه كرهاً شديداً ؟؟ أم ستظل وحيدة ؟؟
الجزء الخامس :
التمثال الجميل ..
صار وجود { ممدوح } في بيتنا الصغير شيئاً مألوفاً .. كانت أختي { غادة } تحاول أن تنزعه انتزاعاً من بيتنا .. كأنها تخجل من مسكننا المتواضع .. و دائماً تطلب منه أن يذهبا إلى أماكن أخرى لقضاء الوقت و النزهة .. و كان هو يقول لها دائماً : إنني أحن إلى بيتكم الصغير الدافئ .. إنه يشبه بيتنا الصغير القديم ..
و كانت ترد عليه غاضبة : يبدو إنك تحب الفقر ..
ثم تجبه على أن يصطحبها في نزهة بعيدة .. إلى أماكن لا يذهب إليها إلى الأغنياء ..
و ذات يوم كان { ممدوح } في بيتنا فقال لأمي : الخادمة التي كانت تعمل عندي تزوجت و تركت العمل .. هل يمكنك أن تساعديني في البحث عن أخرى تحل مكانها ؟؟
ففكرت أمي لحظة ثم أشارت نحوي و قالت : يمكن { لسعاد } أن تذهب كل أسبوع إليك مرتين لتقوم بأعمال النظافة و غيرها ..
فشحب وجه { ممدوح } و هتف على الفور في غضب : ماذا ؟؟ !! .. هذا مستحيل ..
و يومها بكيت كما لم أبكِ من قبل .. كنت خادمة في نظر أمي .. و لا أزال حتى الآن أذكر نظرات { ممدوح } الغاضبة المستنكرة .. و نظرة السخرية و الاحتقار التي ارتسمت في عيني { غادة } و هي تقول لخطيبها : بصراحة .. لن تجد من هي أفضل من { سعاد } في شئون النظافة و الغسل .. فمواهبها الحقيقة تظهر في هذه الأشياء فقط !!
صدقوني .. برغم ذلك أيضاً لم أكرهها ..
و صار منزلنا مكدساً بالهدايا .. المئات من حقائب الهدايا .. لم يكن لي فيها واحدة .. و لم يفكر { ممدوح } في أن يحضر لي هدية صغيرة .. و يبدو أني كنت شيئاً مهملاً منسياً بالنسبة له أيضاً .. كما كنت بالنسبة لأمي و أختي .. أو لعلهما كانتا تمنعانه من إحضار أي هدية لي .. و لم أكن أريد منه شيئاً .. يكفي أن أرى سعادة أختي و أمي في وجوده معهما ..
و صار قلبي يتوهج بالسعادة كلما سمعت طرقات { ممدوح } المميزة فوق باب شقتنا .. كنت أحب دائماً أن أراه .. أن أسمعه يتحدث إلى { غادة } و ينطق بكلمات الحب إليها .. و هي تستمع إليه و فوق ملامحها الفاتنة ابتسامة رضا ..
كنت أراه إنساناً نبيلاً ندر وجوده في هذا العالم القاسي .. إنساناً مستعداً للعطاء بلا حدود و بلا مقابل .. كان حبه لأختي صافياً سامياً .. و كان مستعداً لأن يفعل أي شئ لإرضائها .. و لو على حساب نفسه ..
لم أسمع { غادة } أختي تنطق أمامه بكلمة { أحبك } .. و لكنه لم يكن يشكو أبداً ..
و عندما كانت حجرتي الضيقة الصغيرة تضمني إليها و تُغلق بابها علي .. كنت أرفع عيني إلى السماء و أهتف من أعماق قلبي : يارب .. امنحني الإنسان الذي يهبني مثل هذا الحب .. الإنسان الذي يحيطني بكل تلك المشاعر الدافئة و الحنان .. يارب امنحني انساناً أحتل في قلبه و لو ركناً ضئيلاً .. فأكون مستعدة لأن أمنحه قلبي و مشاعري .. أمنحه حياتي كلها .. ماضيها و حاضرها و مستقبلها .. فتكون حروف اسمه هي نور عيني و كلماته نبض قلبي ..
يارب .. هبني لحظة سعادة تعوضني أيام شقائي و تعاستي .. هبني إنساناً يعاملني بإنسانيتي .. يعوضني عن فقداني لأبي .. و يعزيني عن حرماني من حنان أمي و أختي .. يارب .. ضع في طريقي ذلك الانسان الذي لا ينظر إلى ملامحي الخاجية .. بل يبحث بداخل قلبي و مشاعري .. لا أريده غنياً و لا وسيماً .. يكفي أن يكون له قلب يتسع لوجودي بداخله ..
و كنت أبكي كثيراً و الأيام تمضي و تجري .. و أفق حياتي يبدو مظلماً ليس فيه بصيص نور أو أمل .. و { مخلوف } ينعق في أذني مثل الغربان السوداء .. فيزيد آلامي و شقائي ..
كنت أدرك أن هذا الانسان الذي ابحث عنه لا وجود له في هذا العالم القاسي .. و أنني ربما أنفق عمري كله في انتظاره .. بلا فائدة .. و برغم ذلك كنت أتحمل صابرة .. و لا أشكو ..
و بدأت تظهر في الأفق بعض المشاكل الصغيرة بين { ممدوح } و { غادة } .. أحياناً يكون هناك موعد بين { ممدوح } و أختي ليصطحبها للخروج .. و عندما يأتي لا يجدها .. و يظل في انتظارها ساعة أو اثنتين .. و عندما تعود تتعلل له ضاحكة بأنها تأخرت عند الكوافير .. أو أنها كانت لدى بعض صاحباتها و سرقها الوقت .. و كنت ألمح الضيق و الألم في عينيه .. و كان ذلك يحزنني لأنني أراه إنساناً طيباً صريحاً لا يستحق تلك المعاملة .. و ذات مرة سألت { غادة } : لماذا تتعمدين ترك خطيبك ينتظرك وقتاً طويلاً ثم تعودين بحجج تافهة ؟؟ !! .. كأنك تتعمدين إيلامه ..
فأجابتني : هذه أمور لا تفهم فيها إلا النساء .. فالرجل يحب دائماً أن تتدلل عليه فتاته ..
قلت بدهشة : و لكنه خطيبك .. و هو صريح و واضح معك .. فلماذا لا تفعلين نفس الشئ معه ؟؟ !! ..
هتفت غاضبة : مالك أنت و هذه الأشياء .. إنني أعرف مصلحتي و لا أنتظر نصائح منك .. و عندما يأتيك خطيب مارسي نصائحك على نفسك معه ..
و ساخرة أضافت و هي تتأملني : هذا إن جاء خطيب !! ..
و برغم سهام كلامها .. و الجراح التي كانت تتعمد أم تضيفها إلى مشاعري .. إلا أنني لم أكرهها أبداً .. فهي أختي .. و أنا أحبها مثل نفسي ..
و بدأت أتنبه إلى أن تعمد { غادة } التأخير أو الدلال على { ممدوح } خطيبها .. ليس لأنها تمارس معه نوعاً من أنواع الإثارة و الدلال .. لا .. بل كان ذلك لأن هذه طبيعة تكوينها و طبعها الذي نشأ معها .. و هو عدم الاهتمام بأحد آخر غير نفسها .. كنت أنانيتها هي التي تفرض عليها ذلك الأسلوب في التعامل .. و أن عينيها لا تبصران في صفحتها غير نفسها .. و كنت أرى { ممدوح } يتحملها في صبر دون شكوى .. فقد كانت عيناه تفصحان عن حبه الكبير لها .. و استعداده للتسامح معها باستمرار .. كما عرفت أن { ممدوح } يتيم الأب و الأم .. توفي والداه في حادث سيارة و هو صغير .. و لذلك لم يكن لمشاعره أي اتجاه غير تلك الانسانة التي احبها و اختارها شريكة لحياته .. و لكن { غادة } كانت تستغل حبه أسوأ استغلال .. في فرض مزيد من الدلال عليه .. و اظهار عدم مبالاتها به في كثير من الاحيان .. و طلب الكثير من الهدايا الغالية .. و التي لم تكن لها حاجة بها غير ان تطلب .. و أن ترى من يحبها ينفذ طلباتها .. و مامن مرة تقابل الاثنان في شقتنا .. الا و سمعت { غادة } تسأل { ممدوح } : كم كسبت اليوم ؟؟ !! ..
و كانت تصيبه الدهشة من سؤالها .. لمحت ذلك في عينيه أكثر من مرة و أنا اقدم المشروبات المثلجة له .. كان أحياناً يتهرب من الاجابة على سؤالها ..و احياناً يجيبها اجابات مقتضبة .. و ذات مرة أقبل سعيداً .. فسالته { غادة } عن سر سعادته فأجابها : اليوم عقدت صفقة سأكسب فيها مائة ألف جنيه ..
فلمعت عينا أختي و قالت له : إذن فستكافئني بهدية مناسبة .. ما رأيك في أسوار من الألماس .. لا أريدها غالية .. يكفي أن يكون ثمنها خمسين ألف جنيه ..
و مالت عليه في دلال و شعرها الاشقر الحريري يداعب وجهه .. و اضافت قائلة : و بهذا نكون قد اقتسمنا ارباحك .. نصفها لك .. و نصفها لي ..
و ابتسمت ابتسامتها الساحرة .. و ظهر شيء من التردد في عيني { ممدوح } .. و لكني رأيت وجهه يشرق بابتسامة حب بعد لحظة و هو يتامل عينيها الزرقاوين الساحرتين ثم قال لها : سآتي لك بكل ما تريدين .. إنني أحبك و مستعد لأن أفعل أي شيء يسعدك مهما كان ثمنه ..
و ذات نهار آخر كان هناك موعد لخروج { غادة } و { ممدوح } .. و جاء هو ليجدها نائمة على فراشها و أخبرته أنها مريضة و لا تستطيع مغادرة فراشها أو الخروج معه .. و اندهشت انا لانني كنت اعرف انها ليست مريضة ابداً .. و كانت منذ قليل في تمام حيويتها و نشاطها ..
و ظهر الحزن الشديد على وجه { ممدوح } و هو يقول لها : هل آتي لكِ بطبيب ؟؟ !! ..
فأجابته { غادة } و هي تدعي الألم : لا .. سوف يخف ألمي اذا ارتحت و نمت .. أنا آسفة يا { ممدوح } لن استطيع الخروج معك اليوم كما اتفقنا ..
فقال لها { ممدوح } : لا عليك .. كنت أنوي مفاجأتك اليوم عند خروجنا بشراء السيارة { الأسبور } التي اعجبتك من قبل ..
قفزت { غادة } من فراشها في سعادة هاتفة : لماذا لم تخبرني لذلك من قبل .. سأخرج معك فوراً لشراء السيارة ..
فسألها بدهشة : لكن .. ألست متعبة ؟؟ !! ..
فأجابته و وجهها الفاتن ينبض بالسعادة : لا .. لقد ضاع تعبي و إرهاقي ..
و لمحت الدهشة في عيني { ممدوح } .. و هو يبدو حائراً من تصرفات { غادة } ..
مسكين { ممدوح } .. إنه لا يدري فلسفة { التمثال الجميل } .. و لا تعليمات أمي لـ { غادة } فالطيبون تفوتهم أشياء كثيرة لا ينتبهون إليها بسبب صفاء قلوبهم ..
و ذات مساء دق جرس شقتنا الصغيرة .. كان الوقت متأخراً .. و تجاوزت الساعة الحادية عشرة مساءً .. و أصابني قلق كأن جرس الباب نذير شؤم ..
أسرعت أفتح الباب فوجدت { ممدوح } أمامي مشوش الوجه غير منهدم كعادته و وجهه شاحب .. و هتف يسألني بصوت متحشرج : أين { غادة } ؟؟ !! ..
أجبته بقلق شديد : إنها نائمة في حجرتها ..
و بقلق لا مزيد عليه سألته : ماذا هناك .. هل حدث شيء يسيء لك ؟؟ !! ..
و تجمعت الدموع في عيني لمنظره المتألم .. و تمالكت نفسي حتى لا أجهش بالبكاء أمامه .. من قبل حتى أن أعرف مالذي يضايقه أو يؤلمه ..
و ظهرت { غادة } من الخلف في رداء نوم فاخر .. في تلك اللحظة تنبهت إلى جلباب نومي الرخيص فأصابني الخجل و أسرعت أتوارى في حجرتي .. و كان بابها مفتوحاً .. فشاهدت { غادة } تقترب من { ممدوح } و تسأله في صوت يحمل رنة تساؤل و غضب : مالذي أتى بك في هذه الساعة ؟؟ !! ..
أجابها في صوت مقتول بالألم .. كارثة يا { غادة } .. خسرت أكثر من مليون جنيه ..
أصابها ذهول و هي تردد خلفه : خسرت مليون جنيه .. ياللمصيبة ؟؟ !! ..
أجابها و هو ينهار على أقرب مقعد بالصالة : قمت بشحن بضاعة للتصدير إلى الخارج .. و لكثرة مشاغلي و أعمالي نسيت التأمين عليها .. و غرقت السفينه المحملة بالبضاعة فضاع علي ثمنها ..
صرخت فيه { غادة } بتوحش : أيها الأحمق .. هل كنت في غير وعيك فنسيت التأمين على تلك البضاعة ؟؟ !! ..
تأملها بوجه زاد شحوبه و هو يقول لها : لقد جئت إليك لتخففي عني و ليس لتلوميني ..
عادت تصرخ فيه : تخسر مليون جنيه و تريدني أخفف عنك .. ألا تعرف أن نقودك صارت هي نقودي أيضاً منذ لحظة خطبتنا .. هل تظن أننا نستطيع أن نعيش في سعادة إذا خسرت كل نقودك ؟؟ !! ..
تأملها { ممدوح } بوجه ممتقع .. و اقتربت هي منه كنمرة متوحشة و هي تسأله : و هل ستؤثر هذه الخسارة على عملك .. أخبرني .. هل ستضطر إلى بيع الفيلا أو الشركة .. أو أي شيء آخر لتغطية هذه الخسارة ؟؟ !! ..
أجابها في مرارة و هو يهرب منها كأنه يبحث عن مرفأ أمين ليرسو عليه و قال لها : لا تخافي فلن أبيع شيئاً .. فإن لدي الكثير في البنوك و لن تأثر في تلك الخسارة .. و لكن كأي تاجر لا يكسب مثل هذا المبلغ بسهولة .. لكي لا يتأثر عندما يخسره ..
تنهدت { غادة } في راحة و التقطت انفاسها .. و ارتسمت ابتسامة باردة على وجهها لأول مرة .. فقد حملت كلمات { ممدوح } بعض الاطمئنان إليها ..
قال { ممدوح } في مرارة : كنت أنتظر أن يكون خوفك علي .. لا على المليون جنيه الضائعة ..
قالت له دون أن تداري لومها : و هل مثل هذا المبلغ شيء هين حتى لا أخاف عليه ؟؟ !! ..
و زادت ابتسامتها و هي تقول : سوف تعوض هذه الخسارة .. أنا واثقة من ذلك .. و ستزيد ملايينا فنتمتع بها ..
و أكملت مؤكدة : أنت تعلم أن الانسان لايمكنه أن يحقق السعادة بلا مال كثير ..
هز رأسه في صمت .. و اتجه ليغادر المكان دون أن تستوقفه { غادة } .. و أغلقت باب حجرتي بعدها ..
أحسست بألم يشل قلبي .. كان ألماً بسبب { ممدوح } .. لأول مرة أراه بمثل تلك المشاعر الحزينة .. لأول مرة أراه مجروحاً متألماً .. و في حاجة إلى من يمد إليه يد المساعدة و الحنان ..
كان في حاجة إلى كلمة عطف و تهوين .. بحاجة إلى قلب يواسيه و يخفف عنه .. و لكن { التمثال الجميل } لم يكن لديه أي مشاعر يمنحها له ..
و وجدت دموعي تسقط حزناً عليه رغم ارادتي .. فلم يكن { ممدوح } يستحق كل ذلك الجفاء و القسوة من { غادة } ..
و نمت و قد بللت الدموع وسادتي ..

مسكين انت يا ممدوح فقد تلقيت من المراة التي تحب قسوة لا تستحقها
الجزء السادس :
الحلم .. و سقوط الفارس
رأيت نفسي في الغابة ذاته ..
الدروب من حولي معتمة تتنفس الظلام و لبخوف و الرهبة .. و الأشجار الكثيفة تسد الطريق أمام أي محاولة للهرب .. و أوراق الأشجار الميتة اليابسة تحت أقدامي ترسل أنيناً متكسراً محتضراً ..
الغربان لا تزال تحلق بأعلى رؤوس الأشجار .. و البوم لا يزال ينعق في كهوفه و لكنني برغم ذلك لم أشعر بأي خوف هذه المرة ..
لم ترهبني الظلمة و لم يخنقني الخوف .. و لم يحمل لي نعيق الغربان نذير شؤم .. لا أدري من أين كنت أستقي تلك السكينة و الاطمئنان ..
رحت أتجول بين الأشجار .. بدت و كأنها تفسح الطريق رغماً عنها .. و نعق البوم في وجهي .. لكنه لم يجرؤ على الاقتراب مني ..
أطلت الحية المرقطة برأسها و راحت ترمقني في حذر .. و لكني لم أشعر بخوف عند ظهورها هذه المرة .. و صحت فيها : أيتها الحية الماكرة .. هيا ابتعدي عن طريقي و إلا نالك ما يسوئك .. أنا لا أخافك أيتها الماكرة التي لا قلب لها ..
أسرعت الحية تزحف مبتعدة .. بالرغم من أنني لم أكن أستطيع إيذائها ..
و لا شك أنها كانت تدرك ذلك .. و لكن .. كان من الواضح أنها خائفة من شيء ما .. شيء آخر كانت لا تستطيع مواجهته هو الذي يدفعها بعيداً عني .. و كنت أنا مطمئنة بطريقة لا أستطيع تفسيرها ..
و رأيت نفسي اتطلع الى رؤوس الاشجار كانني ابحث عن شيء ما .. عن ذلك الشيء الذ يسكب الطمأنينة في قلبي .. و ساد الغابة سكون عميق في تلك اللحظة .. و سمعت الأجنحة الملائكية .. فنبض قلبي بالسعادة و أشرقت شمس الفرحة في صدري ..
تملق بصري بالحصان المجنح السابح في الفضاء .. و انشقت رؤوس الاشجار لتكشف عن صفحة السماء المظلمة .. لا يخترق عتمتها غير هالة الضوء النوراني للفارس فوق جواده المجنح ..
قفزت من السعادة لرؤيته ..
عرفت لماذا خشيتني الحية و ابتعد عن طريقي البوم و الغربان ..
لوحت لذلك الفارس النبيل .. بدا و كأنه انتبه إلى اشارتي .. خيل إلي أن عينيه تألقتا بوميض نور ..
لم أميز ملامحه تماماً لبعد المسافة .. و لهالة النور حوله .. و لكنني كنت أستطيع أن أميزة بوضوح هذه المرة عن المرة السابقة .. و اعتادت عيناي على النور القوي الذي يشمله .. و لم أكن في حاجة إلى إخفائها .. و ناديته : أيها الفارس النبيل .. فلتهبط لتنتشلني من هذه الغابة القاسية ..
لم أدر إن كان الفارس النوراني قد سمعني أم لا .. فقد رأيته يحلق بأعلى مرة أو مرتين فوق جواده المجنح .. و يدور في السماء ..
صحت فيه أطلب نفس الأمنية .. و لكنه تجاوزني و انطلق بعيداً ..
انقبض قلبي و عاودني شعور الخوف .. صرخت صرخة يائسة دون أن يسمعني أو يلتفت إلي ..
و لمحت الحية المرقطة توشك أن تطل برأسها .. و نعيق البوم و قد تعالى مرة أخرى ..
ما أن اختفى الفارس النوراني .. حتى عادت إلى الغابة ظلمتها و رهبتها ..
و فجأة شهدت وحشاً مفترساً ينقض من السماء نحو الفارس النوراني .. وحش لا مثيل له في بشاعته .. و اندفع الوحش المخيف يهاجم الحصان و فارسه .. و كاد قلبي يتوقف عن الخفقان من الرعب و الخوف ..
و صرخت في فارسي أطلب منه أن يصمد و يتجلد .. و حاول الفارس المقاومة و لكن الوحش دفعه بقرنيه .. فشاهدت الفارس النوراني و هو يتهاوى من فوق جواده المجنح .. ثم يسقط من أعلى متهاوياً نحو الأرض ..
صرخت في رعب و هلع .. و رددت الغابة الملعونة صرخاتي .. و قد تعالت حولي أصوات البوم و الغربان تكاد تصم الآذان .. و كأنها تطلق صرخات فرح قبيحة لشدة سعادتها ..

استيقظت من نومي فزعة ..
كان قلبي يدق بعنف شديد .. و عرق غزير يكسو جبهتي و رأسي .. و عيناي مليئتان بالدموع .. و صدري يعلو و ينخفض بلهاث شديد ..
تذكرت الحلم فأحسست كأن كابوساً يجثم على صدري .. و مشهد الفارس النبيل يسقط من فوق حصانه الطيار و يهوي إلى الأرض ..
كدت أصرخ مرة أخرى و لكنني تماسكت .. حاولت أن أقنع نفسي بأنه مجرد حلم .. و لكن الاطئنان لم يتسرب إلى نفسي و زاد فزعي و رعبي ..
كنت أشعر كأن ذلك الفارس النبيل إنسان أعرفه و أخاف عليه .. لم أدر أي تفسير لحلمي المزعج .. و لكنني كنت مرتعبة و فزعة و أوقن أن شيئاً فظيعاً سيحدث ..
رحت أبكي و أبتهل إلى الله .. و أنا لا أعرف لمن أدعو بالرحمة ..
و قضيت بقية الليل ساهرة حتى الصباح و روحي مقتولة .. و ثمة إحساس يكاد يشل أنفاسي بحدوث كارثة .. لا يؤخر إعلانها غير مجئ نذير الشؤم ..
في الصباح دق الباب بعنف .. و دق قلبي بعنف أشد ..
أحسست كأن تلك الدقات نذير الكارثة ..
و أسرعت أمي تفتح الباب قلقة .. فاندفعت خلفها في فزع ..
شاهدت { صلاح } سكرتير { ممدوح } خطيب أختي و هو يندفع داخلاً .. و في صوت مفزوع صاح بنا : { ممدوح } أصيب إصابات بليغة في حادث سيارة و هو في المستشفى الآن .. و يريد رؤية الآنسة { غادة } حالاً ..
تذكرت الفارس النبيل الذي هوى من فوق حصانه المجنح ..

 
 

 

عرض البوم صور dali2000   رد مع اقتباس
قديم 31-12-08, 06:36 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2006
العضوية: 13121
المشاركات: 14,020
الجنس ذكر
معدل التقييم: dali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسي
نقاط التقييم: 4990

االدولة
البلدCuba
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
dali2000 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : dali2000 المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

________________________________________
صرخت صرخة مرتعبة ملتاعة ..

ياترى ماذا قد حصل لممدوح ؟؟ و هل حالته خطرة ؟؟ .. و هل من المعقول ان يكون الفارس النبيل هو نفسه ممدوح ؟؟ فلنرى ماذا يسحصل لسعاد و ممدوح و غادة
الجزء السابع :
رائحة الدموع ..
عندما رأيته ممداً فوق فراشه في المستشفى .. و ساقه محاطة بالجبس .. و وجهه ملئ بالجروح و الندوب .. لم أستطع احتمال المشهد فانفجرت باكية و أنا أشعر كأن سكيناً قد غاصت في قلبي ..
و رمقتني أمي بوجه غاضب أشد الغضب و صرخت في : كُفي عن هذا البكاء ياوجه الشؤم ..
تواريت خجلي و أنا أحبس دموعي في قلبي .. و رأيت { غادة } أختي و هي تقترب من فراش { ممدوح } و تتوقف أمامه و تتأمل إصابته .. ثم سألته بعينين ضيقتين : مالذي فعل بك ذلك ؟؟ !! ..
أجابها في ألم شديد : بعد أن غادرتكم بالأمس ركبت سيارتي .. فاصدمت بشاحنة ضخمة حطمت سيارتي و ساقي ..
و كان في عينيه معاناة أليمة .. كأنه يريد أن يقول لها بأن تصرفها معه ليلة الأمس هو السبب في اضطرابه الشديد الذي تسبب في حادث السيارة ..
و قال سكرتيره { صلاح } : لولا ستر الله ما كان قد نجا من الحادث .. و قد اضطررت للإنتظار حتى الصباح لأذهب و أخبركم بالحادث .. حتى لا أزعجكم في منتصف الليل ..
أصابني وجوم قاتل .. إذن فقد أصيب { ممدوح } ليلاً .. في نفس الوقت الذي شاهدت فيه الفارس النوراني و هو يسقط من فوق جواده المجنح ..
و قال { ممدوح } لـ { غادة } و هو يجاهد ليخفي آلامه : أردت أن أراك بأقصى سرعة .. أحسست أن آلامي ستخف عندما تقع عيناي عليك .. فوجودك بقربي يخفف عني آلامي مهما كانت ..
جاوبته { غادة } بنظرة صمت متجهمة طويلة .. كان هو مثل بحار فوق سفينة .. قطع آلاف الأميال مبحراً بحثاً عن شاطئ أمين يلقي نحوه مرساته .. و واجه العواصف و الأمواج .. و كانت هي تبدو مثل سراب شاطئ لا أمان له ..
و سألته { غادة } متشككة : ما حجم إصابتك ؟؟ ..
أجابها { ممدوح } و قد أغمض عينيه : كسر مزدوج بالساق يحتاج إلى شهرين لالتئامه .. و بعض الخدوش و الجروح المتفرقة ..
عادت تسأله في شك : أليس هناك أي كسور في العمود الفقري أو أي ماكن آخر يمكن أن ينتج عنها عاهة دائمة ؟؟ !! ..
أحسست بألم يعتصر قلبي و كدت أصرخ فيها أن تصمت تلك الباردة القلب كالموتى .. و كلماتها مثل نصل سيف تذبح و لا ترحم .. و فكرت متألمة .. كان أول ما فكر فيه { ممدوح } بعد إصابته أن يراها عسى أن تكون بلسم جراحه و أمل شفائه .. فكانت كلماتها مُرة الطعم كدواء لا فائدة منه ..
قال { ممدوح } متألماً : هل كنت تتمنين لي أن أصاب بعاهة دائمة ؟؟ ..
أجابته بغضب بارد : هل أنت غاضب لأنني أطمئن عليك ؟؟ ..
كنت اعرف أنها تريد أن تطمئن على نفسها .. هي أختي و أعرفها جيداً .. كان من المستحيل أن تستمر مع إنسان عاجز ..
و جاء صوت الطبيب من الخلف يطمئنها قائلاً : لا تخشي شيئاً .. إن اصابته بسيطة و سيشفى منها و لم تترك أي أثر .. إنها مسألة وقت فقط ..
و قال { ممدوح } و هو يبذل إرادة قوية لإخفاء آلامه : أريد أن أغادر هذه المستشفى .. لا أتحمل وجودي بين جدرانها ..
كنت أعرف أنه يكره المستشفيات بالذات .. بعد أن عانت والدته من المرض وقتاً طويلاً قضته في مستشفى خاص بعد إصابتها في حادثة هي و أبيه .. و بعد أن ماتت أمه صار { ممدوح } لا يطيق بقاءه في أي مكان يذكره بتلك الذاكرى المؤلمة .. سمعته من قبل يخبر { غادة } بذلك ..
قال الطبيب مهوناً لـ { ممدوح } : يمكنك العودة إلى منزلك و البقاء فيه طوال فترة العلاج .. بشرط وجود ممرضة بجوارك لتساعدك و تنازلك الدواء بانتظام ..
هتف { ممدوح } في راحة : لا مانع لدي .. المهم أن أغادر المستشفى في أسرع وقت ..
و لكن { غادة } التصقت عيناها بالممرضة الجميلة التي كانت تعد حقنة منومة لـ{ ممدوح } و هتفت في عصبية : لا .. لن أسمح لأي ممرضة بأن ترعاه ..
قال الطبيب : إذا كنت تريدين أن تقومي بهذه المهمة فلا مانع لدي .. فهو على أي حال ليس في حاجة لممرضة متخصصة .. فقط يحتاج لمن تسهر بجواره و خاصة في الليل لتلبية أي حاجة يريدها ..
شحب وجه { غادة } و ارتبكت و قالت : أنا .. أنا لم أقصد أنني أريد القيام بهذا العمل .. أنا لا أحتمل السهر ليلاً ..
لمحت وجه { ممدوح } و قد ازرق لونه كأنما هربت كل دمائه .. و اندفعت بلا وعي أقول : سأسهر أنا على راحته .. لن أتركه حتى يشفى و يستعيد قواه .. أما عملي فيمكنني أن آخذ منه إجازة طويلة ..
رأيت وجه أمي يشرق بالراحة لذلك الحل .. و صعدتني { غادة } بعينيها كأنها تريد أن تستشف أهدافي الخفية .. ثم قالت بارتياح : هذا أفضل .. فإن { سعاد } أختي تستطيع تحمل السهر و التعب بلا مشقة .. فهي معتادة على ذلك ..
و كانت المرة الأولى منذ وقت طويل أسمعها تناديني بكلمة { أختي } ..
و وافق { ممدوح } على الاقتراح .. و رأيته يعض على شفتيه ألماً .. و لم أدرِ إن كان ذلك بسبب آلامه أم بسبب صدمته في { غادة } .. و مع الحقنة التي أعطتها له الممرضة الحسناء غرق في النوم ..
و في هدوء نقله الممرضون إلى سيارة إسعاف .. حملته و نحن معه إلى فيلته الصغيرة .. و مدده الممرضون على الفراش .. و ترك لي الطبيب قائمة بواجباتي و مواعيد الأدوية و المسكنات و أنواع الطعام .. ثم غادر المكان ..
و رمقتني { غادة } بنظرة طويلة بلا حياء ثم قالت لي : إذا اشتكى { ممدوح } منك لأي سبب أو قصرت في خدمته فسأكسر رقبتك ..
قلت لها بتسامح : لا تخشي سيئاً .. سأضعه في عيني ..
فقالت ساخرة : لا داعي فربما يصاب بالحول بسبب ذلك فيصير مثلك .. و لاتجعليه يرى وجهك كثيراً .. حتى لا يفقد شهيته للطعام ..
و نهضت و هو تقول متأففة : لا أتحمل رائحة الدواء و الجبس .. سأعود في المساء للاطمئنان عليه ..
و غادرت المكان مع أمي .. و ذهب { صلاح } ليأتي ببعض الطعام و الفاكهة ثم عاد و وضعه في الثلاجة .. و طلبت منه الانصراف لتسيير شئوون شركة { ممدوح } ..
و بقيت وحدي أتأمل ملامحه و هو غارق في سكون النوم .. لأول مرة أقترب من رجل إلى هذا الحد .. و لأول مرة كان قلبي يخفق بهذا الشكل .. كانت له ملامح نبيلة .. و كنت أتمنى لو ظللت عمري جالسة أمامه أحدق في وجهه ..
خيل لي أن وجهه يتألق بأنوار غامضة قادمة من سماوات بعيدة .. كأنما ملامحه قد اكتست بنفس نور الفارس النوراني ..
كان لا يستحق ما جرى له أبداً .. و رأيته يتأوه بألم بسيط برغم وعيه الغائب .. و كنت مستعدة لأن أبادله آلامه براحتي بلا مقابل .. و لم أستطع منع دموعي من أن تنهمر حزناً عليه ..
و توقفت عن البكاء ذاهلة عندما شاهدته يستيقظ فجأة .. و حدق في مندهشاً ثم سألني : لماذا تبكين ؟؟ !! ..
ارتبكت كأنه ضبطني أسرق .. و قلت في خجل : لقد تألمت بسبب ماجرى لك .. فبكيت رغماً عني ..
نظر نحوي لحظة و قد ارتسم في عينيه تعبير من الدهشة .. و تلفت حوله متسائلاً : و أين { غادة } ؟؟ ..
قلت باضطراب : إنها لم تحتمل رائحة الدواء و الجبس .. فخرجت و قالت أنها سوف تعود مساءٍ للإطمئنان عليك ..
اكتسى وجهه بمرارة شديدة و قال : لم تحتمل رائحة الدواء .. و هل كنت سأتركها أنا إذا أصابها مكروه ؟؟ ..
و في مرارة أشد أكمل : إنني حتى لم أرَ الدموع في عينيها لما جرى لي كأنني غريب عنها .. يفصلني عن قلبها آلاف الأميال .. و أراك أنتِ تبكين بدلاً منها ..
قلت ألتمس لها عذراً : أنا ضعيفة القلب .. و هي قوية المشاعر ..
لم يعلق على ما قلته .. و سألته إن كان يريد تناول أي وجبة طعام أو عصائر فهز رأسه رافضاً .. و أدار وجهه بعيداً عني .. كأنه يريد أن يهرب مني و من العالم كله ..
لم أسمعه و هو يبكي .. و لا رأيت عينيه تسقطان الدموع ..
و لكن .. كان للدموع رائحة أعرفها تماماً .. و أحسست بتلك الرائحة تغزو قلبي من عينيه فعرفت أنه يبكي في صمت بعيداً عن العالم كله ..
و في تلك اللحظة أحسست أن دموعه قطرات دماء تنزف من قلبي .. و تمنيت لو أنني منحته حياتي كلها .. فداء دموعه .. حتى لا أراه يبكي مرة أخرى ..

هل يا ترى سعاد تحب ممدوح ؟؟ و هل من المعقول ان يكون يبادلها مشاعرها ؟؟ أم سيكون حب من طرف واحد ؟؟
الجزء الثامن :
{ ماقبل الأخير }
نهر العطاء ..
في المساء عندما أتت { غادة } لرؤية { ممدوح } تظاهر بالنوم كي لا يراها .. و لم تمكث هي طويلاً و غادرت المكان ..
و في الأيام التالية لاحظت أنه لا يتحدث عنها أبداً .. و لم يطلب رؤيتها .. و في أغلب الأحيان كان يتظاهر بالنوم عندما تأتي .. حتى أنها قالت لي غاضبة : هل تضعين له منوماً عندما تعرفين أني قادمة لؤيته ؟؟ !! ..
و لم أستطع أن أخبرها بالحقيقة .. و في المرات القليلة التي قابلها { ممدوح } .. كان اهتمامها منصباً على عمله و شركته .. و ضرورة أن يكون على اتصال بالشركة و أن يحترس من سكرتيره { صلاح } .. لئلا يتلاعب بحسابات و أعمال الشركة في غيابه .. في الوقت الذي كنت أرى فيه { صلاح } يتفانى في عمله لتعويض غياب { ممدوح } ..
و لاحظت أن { ممدوح } كان يتقبل حديثها بلا مشاعر كالسابق .. لم تعد تطل من عينيه فرحة رؤيته لها كما مضى .. و كانت إذا أطالت الجلوس معه يتعلل بالصداع أو حاجته إلى النوم .. و بعد مغادرتها المكان كان يظل مستيقظاً شارداً .. كأنه يسبح بعقله في بحيرة عميقة من الأفكار المتصارعة ..
و بدأت اعتاده و ذاب خجلي منه تدريجياً .. عرفت انه يحب القراءة في الفلسفة فأحضرت له العديد من كتبها .. و ملأت حجرته بالورود التي يحبها و التي ملأت حجرته بعطر رقيق ..
صرت أفعل كل ما يحبه .. أجهز له أنواع الطعام التي يفضلها .. أشتري له الأغاني و شرائط الموسيقى التي تروق له .. تعلمت صنع الفطائر و العصائر المختلفة التي يفضلها .. كنت ألبي طلبه قبل أن ينطق به .. و أقرأ في عينيه ما يريده دون أن يقول ..
و كنت أسهر طوال الليل بجواره .. لا أسمح للنوم أن يتسلل إلى جفوني أبداً .. و كان هو يشفق علي و يحاول أن يجعلني أذهب إلى فراشي لأستريح لإارفض بشده ..
و أحياناً كان يغلبني النعاس و أنا جالسة أمامه فوق مقعدي .. و أستيقظ لأجده قد نهض و تحامل على نفسه و أعد عشاءه أو تناول دواءه دون أن يوقظني .. و كنت ألومه بسبب ذلك .. فكان يبتسم و لا يرد ..
و بدأ يتماثل للشفاء سريعاً .. و طلبت مني { غادة } أن أترك خدمة خطيبها فشعرت بقلبي ينقبض بشدة .. و لكن { ممدوح } رفض أن أتركه قبل تمام شفائه و انتزاع الجبس من قدمه ..
و لاحظت أنه يقضي بعض أوقاته في مشاهدة التليفزيون ثم يمل منه سريعاً .. و كان لاعباً ماهراً في الشطرنج و لكنه لا يجد من يلاعبه لأني كنت أجهل هذه اللعبة .. و اكن جهلي بها لم يستمر طويلاً .. و ذات يوم أحضرت رقعة الشطرنج أمامه و قلت له باسمة : هل تلاعبني ؟؟ ..
فقال بدهشة عظيمة : و لكنك أخبرتني من قبل أنك لا تعرفين كيف تلعبين الشطرنج ..
قلت بخجل : اشتريت كتاباً تعلمت منه أصول اللعبة .. حتى ألاعبك فأخفف من إحساسك بالملل ..
فرمقني بنظرة ودود .. و صار الشطرنج بعدها هو لعبتنا المفضلة .. و صرت ماهرة في الشطرنج لدرجة أني هزمته بعد عدة أيام .. فنظر نحوي بدهشة شديدة و قال : غريبة .. لقد ظننت أنك ..
و بتر عبارته .. أحسست أنه كان سينطق بكلمة { غبية } .. قلت في حزن و وجهي منكس إلى الأرض : لماذا ظننت ذلك ؟؟ !! ..
قال بإحراج : هذا انطباع خرجت به عنك بسبب عدم اهتمامك بأي شيء آخر غير الأعمال المنزلية .. و إطاعتك لأوامر أنك و أختك دون مناقشة ..
قلت في حزن : إنني أفعل ذلك حتى لا أغضبهما .. و أستطيع أن أرفض .. و لكني أجد سعادتي الحقيقة في العطاء .. إن النبع يكون أكثر سعادة عندما يرى الآخرون ينهلون من مائه ليرووا ظمأهم .. فما فائدة النهر إن لم يرتو منه العطشى ؟؟ !! ..
تأملني بدهشة أكبر كأنه يعيد اكتشافي .. و يرى في مناطق كانت مجهولة عنه و قال : أنت أيضاً شاعرة و فيلسوفة ؟؟ !! ..
قلت و أنا أهرب بعيني : القلوب الجريحة لا دواء لها غير فلسفة أحزانها .. حتى يمكنها تحمل قسوة الحياة ..
أطرق برأسه في شرود و قال : معك حق .. لطالما قلت لنفسي ذلك لوقت طويل ..
ثم عاد يسألني : لكن لماذا تعاملك أمك و أختك تلك المعاملة القاسية ؟؟ !! ..
قلت بمرارة : كأنهما يتبرآن مني لذنب لم ارتكبه ..
قال حزيناً : كانت امك تمنعني من إحضار أي هدية لك .. و كانت تقول أنك لا تجيدين غير أعمال النظافة و الخدمة و ارتداء كل ماهو رخيص .. و كانت تمنعني أيضاً من اصطحابك في نزهاتنا .. و كنت أوافقها خوفاً على تمثالي الجميل .. كنت أخاف على { غادة } .. أي أخاف أن أفقدها لأي سبب .. أحببت صورتها الجميلة .. و لأجل ذلك لم أرفض لها أو لأمك طلباً .. و لكن .. منذ سمعتها تسألني إن كانت خسارة المليون جنيه ستؤثر على حياتنا أدركت أن اهتمامها بي ليس إلا اهتماماً بمالي .. على حين رأيت الدموع تتجمع في عينيك بسببي .. أما هي فلم أشاهد دموعها أبداً .. فالتماثيل الجميلة لا تبكي .. كنت أبحث بداخلها عن مشاعر حب و حنان لا وجود لهما ..
أطرقت بدهشة من حديثه و لم أدر بماذا أرد عليه ..
و رمقني بنظرة ود و أكمل : هل تدركين أنك تشبهين والدتي ؟؟ !! ..
قلت مستنكرة : أنا ؟؟ !! ..
و رمقت صورة والدته الجميلة المعلقة في إطار فوق رأسه و قلت : لقد كانت جميلة جداً .. من الظلم أن تشبهني بها ..
فقال و عيناه ترسلان وميضاً من نور : إن الطفل لا يحب أمه لأنها جميلة .. إنه يحب عطاءها .. يحب قلبها الكبير .. يحب نهر الحنان في صدرها .. يحب أنها تمسح عنه آلامه و تبكي لأجل أحزانه .. يحب أنها تفهم لغة عينيه دون العالم كله ..
أصابني إضطراب و لم أدر ما أقوله و أكمل هو دون توقف : منذ ماتت أمي .. لم يمنحني إنسان ما منحته لي من عطاء و حنان .. بالرغم من أنك إنسانة غريبة عني .. و لن تستفيدي شيئاً مما تفعلينه معي .. ولا كانت لك أي مصلحة مما تفعلينه معي .. ولا كانت لك أي مصلحة في ذلك .. فلا مال تنتظرين مني .. و لاحتى كلمة شكر .. و لكنها طبيعتك الصافية السمحة التي تجعلك تفعلين ذلك معي ..
و رفع وجهي بيديه .. أحسست بخدر من لمسة أصابعه لذقني .. قال و هو ينظر في عيني : لقد مرضت و أنا طفل .. و أذكر كيف كنت أمي تسهر على العناية بي طوال الليل .. و كيف كانت تبكي لآلامي .. و تحاول تسليتي بكل الطرق .. كانت أمي ذات قلب من ذهب .. و كنت أظن أن لا مثيل لها في هذا العالم .. حتى رأيتك عن قرب ..
قلت بصوت مختنق : أرجوك .. كفى .. لا أحتمل المزيد ..
قال بابتسامة حب : أعرف أنها المرة الأولى التي تسمعين فيها مثل هذه الكلمات .. و أعرف أننا نعيش في عالم قاسٍ .. يحكمون فيه بمظهر الإنسان .. و لا شك أنك صادفت الكثيرين ممن حكموا على مظهرك .. دون أن ينقبوا عن كنز الجمال الحقيقي في قلبك .. كنز عطائك الإنساني المتدفق مثل نهر يمنح بلا توقف .. لأنه إن توقف عن الجريان نضب و مات و لم يعد نهراً .. بل صحراء قاحلة ..
و شرد بعينيه بعيداً و هو يضيف متحسراً : إنني أحسد الإنسان الذي سيفوز بهذا الكنز .. و ذلك القلب فأنت تملكين قلباً نبيلاً لا مثيل له ..
أحسست بدموعي تتساقط بلا إرادة مني .. و قلت له بصوت متهدج : تكفيني تلك الكلمات التي سمعتها منك .. و لو مت دون أن أسمع سواها فسأموت راضية .. و تكون تلك الكلمات زادي في دنياي و آخرتي ..
قال وجهه يشع ضياءً : ألم أقل لك أنك إنسانة طيبة و بسيطو .. كثيرون يمتلكون أشياء كثيرة جداً لا يحتاجونها .. في حين أنها قد تسعد الآخرين حولهم .. و لكن نهر العطاء قد يبست ينابيعه في قلوبهم .. فلا يعرفون غير لذة الأخذ .. دون أن يجربوا لذة العاء .. قد لا تكون ملامحك حسناء أو فاتنة .. ربما تكونين مثل وردة ياسمين فواحة مبهجة المنظر للعيون .. و لكن هذا لا ينقص من قدرك أبداً .. إنني أراك وردة برية .. قد لا يكون منظرها بهيجاً و لا عطرها فواحاً .. و لكنها تحمل بين أوراقها و ساقها بلسماً يشفي الموجوعين و المتألمين .. إن جمالك بداخلك .. في قلبك و مشاعرك .. جمال حي لا يمكن أن يموت أو ينضب .. و هناك آخرون جمالهم ظاهر لكل عين .. و لكنه جمال ميت .. جمال بارد بلا حياة .. منظر فاتن قد يُمتعنا لحظة .. ثم يُشقينا بقية حياتنا إن أصررنا على التشبث به ..
قلت و أنا أرتعد : كأنني أسمع تلك الكلمات من الفارس النوراني الذي شاهدته في أحلامي ..
سألني بدهشة : أي فارس ؟؟ !! ..
اضطربت .. حاولت الهرب من سؤاله و لكنه أصر .. اضطررت للإجابة .. أخبرته عن حلمي الأول و الثاني .. و كيف سقط فارسي النوراني .. ثم حادثة سيارته في نفس الليلة ..
رمقني { ممدوح } ذاهلاً .. كأنه يعيد اكتشاف ما تبقى من مناطق مجهولة في مشاعري و أعماقي .. ثم لمحت ابتسامة هادئة تطوق فوق ملامحه و تستقر في عينيه .. و لأول مرة لم أستطع أن أفهم معنى تلك النظرة التي حدجني بها ..
و فوجئت به يقول لي بنفس الابتسامة : لماذا ترتدين تلك النظارة الطبية باستمرار ؟؟ !! ..
أجبته : إنني لا أكاد أرى بدونها ..
قال : يمكنك التخلي عنها و استعمال عدسات طبية مكانها ..
ثم زم شفتيه و أكمل قائلاً : و لكني لا أريدك بدونها .. لا أريد للزهرة البرية أن تحاول تجميل هيئتها بألوان زائفة لا قيمة لها ولا فائدة منها ..
أحسست أنه يحادثني كصديق حميم .. تعودت منه هذا الحديث و التبسط ..
و فوجئت به يقول لي : أخلعي نظارتك .. أريد أن أرى عينيك بدونها !! ..
فوجئت .. ارتعدت اصابعي .. لم أجرؤ .. لم أفهم .. و امتدت أصابعه دون تردد تخلع نظارتي فلم أستطع منعه .. كأنني شللت ..
حاولت الهرب بعيني .. و لكنه أمسك بذقني يمنعني من الهرب .. تأمل عيني و قال في صدق : إنك تملكين عينين رائعتين .. يقولون إن العيون مرآة نفوس أصحابها .. و في عينيك أرى صفاءً و نقاءً لا مثيل لهما ..
عضضت على شفتي بسقسوة .. هل يسخر مني .. اختطفت نظارتي و أعدتها فوق وجهي .. و لم أستطع أن أواجهه بقية المساء .. و كل جزء في جسدي قد اصابه اضطراب هائل .. في نفس المساء أتى الطبيب و قال لـ { ممدوح } أنه يستطيع نزع الجبس في الغد .. فأحسست أن دنيا جميلة رائعة عشت فيها ساعات مسروقة من الزمان ستضيع مني إلى الأبد ..
و في نفس المساء جاءت { غادة } و معها أمي .. كانت { غادة } مبتهجة بأن { ممدوح } سينزع الجبس في الغد .. و قال له : لم يعد هناك أي داع لتأخير زواجنا .. ما رأيك في عقد قراننا الخميس القادم ؟؟ !! ..
و لم أسمع منه أي رد .. لأن الأحزان التي انفجرت في قلبي جعلتني أغيب عن الدنيا .. و الوعي !! ..

ياترى كيف ستكون نهاية قصتنا ؟؟ هل سيتزوج ممدوح من غادة في الخميس المقبل ؟؟ و مالذي حدث لغادة عندما سمعت نبأ زواج أختها غادة و ممدوح ؟؟ هل هي تكن له عاطفة جياشة ؟؟
الجزء التاسع و الأخير :
دموع سندريلا ..
عندما عدت إلى وعيي .. كان أول ما طلعته وجه { ممدوح } .. كنت راقدة على فراشه .. و هو جالس في مقعدي كأنه يقوم بتمريضي بعد أن أحتل مكاني ..
تذكرت كل ما جرى .. ظهرت دهشة عظيمة على وجهي .. حاولت النهوض فقال لي بابتسامة ودود واسعة : فلتبقي مكانك .. أنت في حاجة إلى الراحة .. و يبدو أن المجهود الذي بذلته في تمريضي أصابك بإرهاق ..
و نهض ليحضر علبة الدواء و قال : هذا هو الدواء الذي أوصى به الطبيب لكِ ..
قلت بدهشة : طبيب ؟؟ و متى جاء الطبيب ؟؟ !! ..
ببساطة أجاب : منذ يومين ..
تنبهت إلى قدمه التي كانت قد انتزع منها الجبس و صار يسير فوقها بطريقة عادية ..
هتفت في راحة و سعادة : الحمد لله أن ساقك شفيت تماماً ..
قال باسماً : حتى و أنت مريضة تهتمين بي ؟؟ !! ..
و ناولني ملعقة الدواء قائلاً في مرح : هل أجيد دور الممرض .. لقد تبادلنا المواقع .. و أنا أرغب في رد بعض جميلك الذي طوقتني به إلى الأبد ..
قلت بدهشة : أين أمي و { غادة } .. كان من المفروض أن تظلا بجواري للعناية بي .. أو على الأقل تنقلاني إلى منزلنا ..
قال في بساطة : لقد ذهبتا و لن تعدودا ..
بدهشة ردتت خلفه : لن تعودا .. مامعنى ذلك ؟؟ !! ..
قال بلا اهتمام : تشاجرت أنا و { غادة } .. قلت لها إنني لن أتزوجها أبداً لأنني لا أستطيع الاقتران بتمثال جميل لم يخترني إلا لمالي .. تمثال لا قلب له ولا مشاعر ..
قلت ذاهلة : كيف حدث ذلك .. لقد كنت تحبها بشدة فكيف تتخلى عنها بمثل تلك السهولة ؟؟ !! ..
قال ببساطة : حتى الحب يموت لأسباب عديدة ..
قلت له : كنت أظنها البدر المنير في سماء حياتك برغم كل أخطائها معك ..
قال و هو يتأملني : لكن ضوء البدر يتضاءل و يتلاشى إذا أشرقت الشمس ..
قلت بدهشة أكبر : أي شمس ؟؟ !! .. قال و هو يدنو مني : الشمس التي أتطلع إليها الآن و املأ منها عيني :
قلت ذاهلة دون أن أعي : ماذا تقصد ؟؟ !! ..
قال و هو يملأ عينيه من روحي : أنتِ شمس حياتي لم تعد عيناي ترى سواك الآن ..
تراجعت في فراشي في ذعر .. تشوشت أفكاري .. تساءلت ذاهلة : هل يسخر مني ؟؟ !! ..
قال و وجه يشع نوراً : كنت أشعر الأيام السابقة بشيء ينمو في صدري تجاهك .. شيء لا أدريه .. و لكنني في نفس الوقت لم أستطع مقاومته أبداً و تركته ينمو على مهل .. فقط أدركت أنني لا أستطيع الاستغناء عنك .. عن طيبتك .. عن عطائك .. عن حنانك .. عن النهر المتدفق في قلبك .. عن عينيك الصافيتين .. حتى عن نظارتك الطبية لم أعد أستطيع مفارقتها .. أحببت كل شيء فيك و أراه رائعاً فاتناً ..
حدقت فيه ذاهلة و قد شل لساني .. و أكمل هو قائلاً : عندما عرفت أنني سأنزع الجبس من قدمي و أنك ستبتعدين عني لم أستطع تحمل هذه الفكرة أبداً .. و أدركت أنني لم أعد أستطع الاستغناء عنك أبداً .. و أن علي أن أفعل شيئاً لتكوني بجواري دائماً ..
قلت بلا وعي : ماذا تقول .. هذا مستحيل ..
قال في تسليم : لو كان مستحيلاً ما أخرجت { غادة } من حياتي إلى الأبد ..
انتبهت إلى أصبع يده اليمنى و قد خلا من الدبلة الذهبية .. كنت لا أزال غير منتبهة تماماً لما قاله .. لا أستطيع استيعابه .. لا أجرؤ ..
قال و هو يلمس أصابعي : أنا أحبك .. أحبك .. و لا أستطيع أن أبتعد عند أبداً بعد الآن ..
لم أصدق .. دق قلبي بعنف ودوى طنين في رأسي .. أخشى أن أكون في حلم .. و حتى الأحلام لا تكون جميلة هكذا .. كانت الكلمة ساحرة .. حملتني فوق أجنحة سعادة سماوية .. عاد يقول و هو يحتضن أصابعي في كفيه : ألست فارسك النوراني .. أنت نفسك اعترفت أنه في وجودي كانت عذاباتك كلها تختفي .. فلماذا تبدو في عينيك تلك النظرة الذاهلة غير المصدقة لما أعترفت لك به الآن ؟؟ ..
هززت رأسي بلا وعي رافضة .. أخشى أن أصدق .. حاولت أن أنتوغ أصابعي من يده فتشبث بها و قال لي : إن الله هو الذي اختار بعضنا لبعض .. من المؤكد أنك تعذبت من تصرفات و غرور { غادة } معك .. و لكن لولا { غادة } لما عرفتك .. أحياناً يبدو القدر عجيباً قاسياً بلا رحمة .. و لكننا لا ندرك حكمته إلا بعد وقت .. فلولا حادث إصابتي ما عرفتك عن قرب و أحببتك .. و لولا حبي في البداية لـ { غادة } و إبحاري في بحر مشاعرها الأنانية ما رسوت إلى بر الأمان بشاطئك ..
قلت بصوت مذهول : مستحيل أن يمون ما تقوله حقيقة .. و أنك تحبني أنا لا هي ..
قال بتسليم : لا أنا و لا أنتِ نملك ما نغير به أقدارنا أو نختار به مشيئتنا .. اختارتني السماء لكِ منذ رأيتي على حصاني المجنح في أحلامك .. و أخترتك انا منذ لمست حنانك و عطفك و روحك السامية .. و نحن لا يمكننا أن نتحدى أختيار السماء و مباركتها .. صديقيني هذه إرادة الله ..
كانت كلماته تغزو مسامي .. تتسلل إلى عقلي ببطء .. تتدفق إلى روحي المعذبة و تستقر في نبض مشاعري و تسكن عواطفي الملتهبة ..
قال و قو يقبل أطراف أصابعي : عندما أخبرت { غادة } أنني أحبك أنت صرخت أمك و قالت أنكِ وضعت لي في الدواء مسحوقاً سحرياً يجعلني أكره { غادة } و أحبك أنت .. و هي لا تدري أن ذلك المسحوق السحري لم يكن إلا مشاعرك النبيلة و قلبك الكبير .. الذي جعلني أرى فيك صورة أخرى من أمي الحبيبة .. صورة من الأخت و الصديقة و الزوجة التي طالما تمنيتها ..
أغمضت عيني .. شملتني سعادة لا أكاد أحتملها .. سعادة غريبة عني لم أشعر بها من قبل أبداً ..
أحسست كأن رفيف أجنحة ملائكة تحلق فوق رأسي ..
قل و هو يضغط أصابعي بشوق : عندما فقدت أنت الوعي طلبت { غادة } مني تحديد موعد زواجنا الخميس القادم .. لحظتها أدركت مشاعر الحب التي نمت في قلبي .. هي نفسها قد نمت في قلبكِ .. و أنك لا تطيقين أن أكون لغيرك .. حتى و إن لم تصرحي بذلك ..
ملأت الدموع عيني .. لا أكاد أصدق ما أسمعه برغم الحقيقة الناطقة علا ملامح فارسي النبيل .. رحت أتأمله و أحتضنه بعيني كأني أخشى أن تأخذه مني أي قوة مجهولة ..
و انتفضت مع خاطر شلني .. فقلت في ذعر : و لكنني سأكون في نظر الناس لصة خائنة سرقت خطيب أختي ..
قال في أسى : دعي الناس يقولون ما يريدون فلن يرضيهم شيء .. إن إختك هي التي أرادت سرقتي .. أرادت أن تأخذ و لا تعطي .. أن تحصد بدون زرع .. أنت إنسانة نبيلة و لكن لا تدعي نبلك يجعلك تضحين من أجل وهم كاذب .. فقط حتى لا تخشي كلام الناس ..
عادت دموعي تسقط دون إرادتي ..
و مسح دموعي بمنديله المعطر و قال لي : لن تكون في حياتك دموع بعد الآن ..
قلت و قد تذكرت شيئاً : و أمي .. هل أتركها .. إنني أحبها كنفسي و أكثر ..
قال و قد تصلبت ملامحه : لو كانت تحبك كما تحبينها ما قست عليكِ أبداً .. ولا عاملتك كخادمة .. إنها تمثال آخر خالٍ من المشاعر لا يحمل إلا الازدراء و البغض ..
قلت في مرارة : أتحمل كل ذلك في سبيل أمومتها لي ..
قال في حسم : إنها لم تكن لكِ أماً في يوم من الأيام .. الأمومة ليست صفة تُكتسب بالإنجاب .. الأمومة حنان و عطاء و تضحية .. و كل هذه صفات تنقص أمك .. أتتذكرين الحية التي رأيتها في أحلامك .. إنها ليست إلا هذه الأم .. التي كانت تتمنى لك الموت من أعماقها .. و لولا وجودي في حياتك .. ما أدراك كيف ستصبح نهايتك ..
هتفت من أعماقي : آه يا أميري .. أيها الفارس النبيل ..
قال ضاحكاُ : و سيتزوج الأمير من أميرته .. و سيقترن الفارس النبيل بمحبوبته ..
سيتزوج الأمير من { سندريلا } التي بحث عنها طويلاً حتى أهتدى إليها ..
أجهشت بالبكاء رغماً عني .. كانت دموع السعادة .. و رحت أتأمل { حبيبي } .. كان هو الإنسان الذي تمنيته طوال عمري .. الإنسان الذي اتسع قلبه ليحتويني .. الإنسان الذي ملأ مشاعري بدفئه و حنانه .. أميري و محبوبي و فارس أحلامي الذي لم ينظر إلى وجهي و ملامحي .. بل فتش في قلبي و مشاعري ..
كنا كما قال تماماً .. قد اختارتنا قوة عليا سامية بعضنا لبعض .. و لولا عذاباتي و أحزاني السابقة .. لما التقيت به أبداً .. كانت أحزاني السابقة هي الثمن الذي دفعته عن طيب خاطر لأهتدي إليه و أسكن قلبه ..
قال لي إنني { سندريلا } .. و كان هو أميري .. و تساقطت دموع { سندريلا } .. دموع سعادة حقيقية .. و رفعت عيني إلى السماء البعيدة أشكرها .. و أدركت تلك اللحظة حكمة السماء في كل ما تفعله ..


النهاية

 
 

 

عرض البوم صور dali2000   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
للكاتبة جمرة الحب, القلب النبيل, القلب النبيل للكاتبة جمرة الحب, جمرة الحب, قصة القلب النبيل للكاتبة جمرة الحب
facebook



جديد مواضيع قسم القصص المكتمله
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 11:10 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية