لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات عبير > روايات عبير المكتوبة
التسجيل مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات عبير المكتوبة روايات عبير المكتوبة


30 - لا تقولي لا - فلورا كيد - روايات عبير القديمة ( كاملة )

الملخص ليس خاتم الزواج بداية او نهاية , بل اشارة لدخول مرحلة جديدة من مراحل الحياة . والمفروض ان يسقط الرجل كل مغامراته السابقة وان تنسى المراة

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (3) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-10-08, 07:00 AM   3 links from elsewhere to this Post. Click to view. المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 65483
المشاركات: 367
الجنس أنثى
معدل التقييم: lona-k عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 93

االدولة
البلدSyria
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
lona-k غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي 30 - لا تقولي لا - فلورا كيد - روايات عبير القديمة ( كاملة )

 

الملخص



ليس خاتم الزواج بداية او نهاية , بل اشارة لدخول مرحلة جديدة من مراحل الحياة . والمفروض ان يسقط الرجل كل مغامراته السابقة وان تنسى المراة احلامها المفقودة, كي يبدأ الشريكان رحلة الحياة المنسجمة في وضوح وحب يكبر يوما بعد يوم ... الا ان غلطة صغيرة وقعت ... سوء تفاهم تافه .. ادى الى انفصال ديانا عن جايسون وعندما شاءت الظروف ان يلتقيا وجدا صعوبات كبيرة في التغلب على الماضي . وحده الحب يستطيع ان ينقذهما. ولكن هل يحبان بعضهما بعضا ام هناك قصة حب اخرى لدى كل منهما تمنع عودتهما الى الحياة الزوجية؟




1- السحابه والبركان


كان الفندق كبيراً، حديثاً وانيقاً، ويقع على الطريق التي تصل المطار بقلب المدينة، وهو مؤلف من بنايتين متلاصقتين: الاولى من خمسة طوابق، والثانيه من ثلاثة طوابق. واجمل الغرف هي التي تطل على المدينة، حيث المنظر رائع جداً، اذ تقع المدينة وسك الوادي الذي تحيط به سلسلة من الجبال الشاهقه.

من نافذة غرفتها، وقفت ديانا كلارك تستعرض المناظر الجميلة، تدهشها الاضواء المتلألئة التي تضفي بريقها على كيتو عاصمة الاكوادور. غابت الشمس كالعادة في الساعه السادسه والربع. وفي لحظة واحدة، ارتدت قمم الجبال الواناً مختلفة مروراً بالاخضر والوردي ثم الاحمر الداكن.

وفجأة انطفأت انوار المدينة وظهرت في الفضاء غيمة، بدت شاحبه شفافة، من التلة التي يقوم عليها الفندق.منتديات ليلاس

خيّل الى ديانا في تلك اللحظة انها انتقلت الى عالم ساحر خلاّب. كأنها على قمة برج تابع لأحد القصور التي تتحدث عنها الاساطير، وهي تحلق في السحب. رفعت عينيها ورأت شمس المغيب تضيء القمم الثلجية فوق بركان منتصب تحت سماء مرصعة بالنجوم. وقالت ديانا لنفسها حالمة- هنا، يستتب الأمر من الآن فصاعداً، سأكون انسانة سعيدة.



ما لبث البركان ان غرق في الظلمة وذاب في العتمة، وتبعثرت الغيمة قبل ان تختفي، ولاحظت ديانا ان غرفتها غارقة في العتمة. تنفست الصعداء وغادرت الشرفة ودخلت الى غرفتها واشعلت النور.

وفي الحال تلونت الغرفة الفاخره باللون الوردي اضائت ديانا المصباح الكهربائي قرب السرير ونظرت الى المرآة شاهدت امرأة شابة، ممشوقة، ونحيفة، لها شعر كستنائي ذو بريق ذهبي، وجهها بارز ذو تقاطيع ناعمة و وجنتين نافرتين، وعينين عنبريتين، تعكسان بعض الخجل، وشقتين ناعمتين ممتلئتين تظهران حرارتها وسخائها.

وبالفعل فأن الذين يتعرفون الى ديانا كلارك للمرَة الاولى يدهشهم هذا المزيج الغريب في شخصيتها حيث الخجل والرغبه متفقان بانسجام.

وصلت ديانا الى كيتو منذ ستة ايام، مع والدها، كريستوفر فارلي، المدير العام للشركة النفطية التي تصنع الآليات لبناء ابراج الحفر والتنقيب. وقد سبق لهما وقاما معاً بزيارة لعدة بلدان ف اميركا الجنوبية. وهما الآن في الاكوادور يلبيان دعوة السينيورسانشو سواريز الذي يملك اسهماً كثيرة في احدى ناقلات البترول العالمية التي تقوم بالتنقيب عن البترول في البلاد.

رافقت ديانا والدها رغبة منها بالتغيير. كانت مضظرة الى اتخاذ قرار مهم يتعلق بزواجها. وشعرت بحاجة الى ان تبتعد عن جو البيت في لندن كي تكتشف حقيقة عواطفها تجاه جايسون كلارك زوجها الذي افترقت عنه.

جلست امام مكتب صغير وراحت تبحث في جواريره عن ورق لتكتب رسالة الى عمتها. كان والدها يقوم بجولة استكشاف في الادغال، حيث آبار النفط وهي تنتظره لكنه تأخر اكثر من اربع ساعات، فراحت تكتب الى عمتها جرترود . لعل الكتابة تخفف من القل الذي يكاد يخنقها من جراء تأخر والدها.

اخبرتها كل ما جرى لها منذ وصولها الى كيتو، قبل اسلوع. لقد احبت المدينة التي تبدو في ربيع دائم بسبب مناخها المعتدل برغم موقعها العالي.

الاحياء القديمة، والشوارع الضيقة والشرفات المعلقة، تحمل الطابع الاسباني. فالبيوت مؤلفة من طابقين، جدرانها مطلية بالكلس الابيض وسقوفها من القرميد المخضر بمرور الزمن. تلتصق على بعضها البعض على جهتي الطرقات الصغيرة المنحدرة. وفي ساحة الاستقلال، ما زالت الكاتدرائية وقصر الحكومة يحملان آثار الثورة. لكن المرتفعات المزهرة والاشجار الملتفة، كلها تدعو الى النزهات والى التسكع.

وبرقفة ماريا، زوجة سانشو سواريز الرائعة، ورامون ابنها البالغ من العمر تسع عشر عاماً، زارت ديانا مبنى خط الاستواء، الذي يبعد بعض الكيلومترات عن العاصمة كيتو. هناك تصورت ديانا جزئا منها في نصف كرة الارض الشمالي والجزء الثاني في النصف الآخر الجنوبي. كما زارت معهما الكومبانا، كنيسة كيتو المشهورة كان الدليل عجوزا هنديا ذا وجه داكن وبارد يحمل شمعة مزخرفة. وعندما شاهدت ديانا الكنيسة في الداخل اصابتها الدهشه: التماثيل والمنبر والكرسي واطارات اللوحات، كل شي، حتى السقوف العالية، تبدو كأنها مطلية بالذهب السائل...

وضعت ديانا يديها لحظة على المكتب تدعك اصابعها لتنشطها، لم تكن تضع في اصابعها سوى خاتم ضخم من الذهب الثقيل.

وعاودت الكتابة، واذا بها تسمع نقرة خفيفة على الباب. التفتت بانتباه واصغاء، سمعت طرقة من جديد، لا يمكن ان يكون الطارق والدها، لأنه عادة يعلن قدومه بعزم وقوة، ولأنه يدخل غرفته، ثم يدخل غرفتها من باب الاتصال الذي يصل الغرفتين.

نهضت ديانا ببطء وتوجهت نحو الباب، صحيح انها معجبة باهالي الاكوادور لكنها ليست مستعدة لأن تفتح الباب لأنسان مجهول. اذا كان الزائر واحدا من معارفها، لأبلغوها عن ذلك في مكتب الاستقبال.

سمعت ديانا طرقة ثالثة عندما كانت يدها ما زالت على مسكة الباب. ففتحته ببطء وكان الطارق فيليكس اصغر حجّاب الفندق، فقال بتهذيب وبلغته الاسبانية: - مساء الخير، سيدة كلارك

- مساء الخير، فيليكس

كانت تود الاّ يتابع حديثة باللغة الاسبانية، كي تستطيع ان تفهمه. ويبدو انه ادرك ما يدور في ذهنها، تابع فيليكس حديصة بلغة انكليزية مترددة التقطها من السواح الاميركيين:

- في قاعة الاستقبال شخص يريد ان يراك

- ما اسمه ؟

-لم يقل اسمه بل سأل مكتب الاستقبال عن رقم غرفتك، لكم الموضف هناك رفض ان يعطيه الرقم الا اذا عرّف الشخص عن حاله. لكنه اصر الا يعطي اسمه. ولما رآني طلب مني ان اطلب منك موافاته في المقهى وانه سيدفع لي بعض المال تذت قمت بذلك. هل ستأتين يا سيدتي؟ ارجوك ان تأتي حتى يدفع لي المال

احنى رأسه متوسلاّ. ترددت ديانا. هل من الحكمه ان تذهب لرؤية هذا الرجلالذي رفض الموظف ان يدله الى غرفتها؟

توسل اليها فيليكس:- اذا لم تأت سيدتي، سيغضب علي هذا الرجل. ولا احب ان اكون عندما يغضب. فهو طويل القامة وقوي، ارجوك يا سيدتي ان تذهبي اليه.

اجابته مبتسمة : -اني آتية، انتظرني

تألق وجه ديانا وراح فيليكس يبتسم لها مظهراَ اسنانه العريضة البيضاء.

اخذت ديانا حقيبة يدها وتأكدت من وجود مفاتيح الغرفة داخلها. ولم تنس ان تلقي نظرة الى المرآة لتتأكد من ان فستانها الاخضر لا عيب فيه. ثم خرجت واقفلت الباب ورائها وتبعت فيليكس حتى المصعد.

كان المقهى مضاء بنور خافت. ومع ذلك كان في وسعها ان تلاحظ الوجوه وراء الطاولات الصغيرة المستديرة، القائمة حول منصة، حيث مجموعة من الموسيقيين يعزفون الموسيقى الاميركية-اللاتينية.

سلك فيليكس ممراً يؤدي الى مؤخرة القاعة وتبعته ديانا. وكادت ان تختنق لدى رؤيتها ظهر الرجل. له كتفان عريضان وشعر قصير. توقفت جامدة وراح قلبها يخفق بسرعة كأنما تركض مسافة طويلة.

لا يمكن ان يكون هذا جايسون؟ ربما واحد يشبهه...

كان فيليكس يشرح له بسرعة ماداّ يده نحوه فالتفت الرجل، ورأت ديانا ملامحه وشعرت بحدة عينيه الزرقاوين.

واذا بجايسون يضع يده في جيبه ويخرج قبضة مليئة بالنقود ويضعها في يد فيليكس الممدودة نحوه. وشكره فيليكس وانصرف.

كان الرجل يدير ظهره وكانه غير مبال انها انضمت اليه. غالباً ما كانت تتخيل هذا اللقاء مع زوجها جايسون، الذي افترق عنها منذ سنة تقريباً، تاركاً شقتها في لندن، متهما اياها بعدم ثقتها به. لكنها لم تتصور ابدا ولو في الاحلام انها ستلتقيه في بلد آخر، وغي قارة اخرى، وفي هذه المدينة الساحرة بالذات.

كانت قدماها ترتجفان، وهي تسأله في صوت مبحوح:- ماذا تفعل هنا؟

وضع كاسه الفارغة ورفع عينيه ببطء نحوها وابتسم قائلاً:- اني انتظرك، لماذا لا تجلسين؟

سقطت ديانا في الكرسي وقالت: - انت آخر انسان انتظر ان اراه هنا

- الم يقل لك كريستوفر اني اعمل هنا

- كلا ، فهو لو قال...

-توقفت فجاة عن الكلام. لماذا لم يخبرها والدها بوجود جايسون في الاكوادور؟ هل كان يخشى ان ترفض مرافقته؟

ادرك جايسون ما يجول في خاطرها فقال: -لو عرفت لما اتيت معه.عظيم، لقد فهمت.

-كلا. لا،.. لم اكن اريد ان اقول ذلك لكن، ربما ظن والدي ذلك.

اطلق جايسون ابتسامة ساخرة:-ما زلت لا تعرفين كيف تتصرفين؟ في كل حال لننسى الامر. ماذا تحبين ان تشربي ؟

-ماذا تشرب انت ؟

-اشرب عصير الحامض بالنعناع، انه منعش ولذيذ الطعم، ما رأيك بكأس منه؟

وجدت ديانا من جديد اهتمامه المالوف وشعرت انها مجردة من اي حقد عليه. لكنها استدركت الامر، فيجب الا تستسلم لسحره.

قالت بنبرة هادئة:- اخذ زجاجة كوكاكولا.

بعد ان جاء المشروب واحتست منه جرعة، سألته وهي تنظر اليه يشعل سيكارة وهي لم تره يدخن من قبل.

- لماذا تنتظرني ؟

حدق جايسون بها في نظرة غير مباشرة وهمس قائلاً:-لأطلعك على امر لن يعجبك.

-انه يتعلق بوالدي، اليس كذلك؟ فقد تأخر في العودة، ماذا جرى؟

ومن جديد، نظر اليها ليتأكد من قدرتها على سماع الخبر. هل هي قادرة ان تتحمل صدمة اخرى؟

وسألته بألحاح:- قل لي، يا جايسون. واعدك الا اتصرف تصرفا احمق. لا اغماء ولا نوبة عصبية. ارجوك.لا تجعلني انتظر اكثر.

-تحطمت الطائرة التي كانت تنقل والدك الى بوتو على مدرج الخبوط وهو الآن جريح. فقد اصيب بكسور في اضلاعه وفي ذراعه اليسرى.

-اين هو الآن؟ يجب ان اذهب اليه حالاً.

انتفضت ديانا وراحت ترتجف بقوة وتخيّلت والدها الجريح وحيداً في احد المستشفيات الممتلئة ذباباً ساماً. نهض جايسون واخذها بيده واعادها الى الكرسي.
-ارجوك ان تتسلحي بالهدوء! فوالدك بين ايدي اطباء وممرضين يعتنون به كل الاعتناء في المستشفى الذي تديره المؤسسة العالمية للصحة. وانا جئت لأخبرك ما حدث، لآن والدك طلب ان يقوم بهذه المهمة احد افراد العائلة.

احد افراد العائلة؟ لقد لفظ هذه العبارة بطريقة تهكمية. نظرت ديانا اليه. كان يحتسي كأسه الثانية. وبدورها احست بالضمأ وجرعت كأسها حتى افرغته، وشعرت بالشراب المثلج يرطب حلقها فارتاحت. سألته:-هل يمكنني ان التحق بوالدي في بوتو؟

كان جايسون ينظر الى الراقصه التي دخلت لتوها الى حلبة الرقص، وهي فتاة جميلة، ذات بشرة سمراء وترتدي فستاناً طويلاً، ابيض اللون، يظهر خطوط جسمها المثير.

اجاب جايسون بلهجة غير مبالية:-اذا كنت تريدين ذلك.

-متى؟

عادت عيناه الزرقاوان تحدقان في وجه ديانا وتتأملان شعرها اللماع. شعرت انه غير مبال بما حدث لعمه، فكان يبدو منشغلا براحته الخاصة، وقال بعد صمت طويل: -سآخذك اليه غداً، بعد ان انام هذه الليلة، لأنني متعب للغاية.

راحت ديانا تنظر اليه عن كثب. لقد نحف جسمه عما كان عليه منذ سنة تقريبا. ويشرة جلده لوحتها الشمس كما زادت زرقة عينيه، وشعره الكستنائي يتموج بخصلات ذهبية تشبه القش الاصفر. وكعادته، كان يرتدي ثيابه باهمال: قميص كحلية، وسروال بني فاتح وربطة عنق معقودة بسرعة ومن دون اتقان، وسترة بيضاء ارخاها على مسند المقعد.

قالت ديانا بلطف زائد:-اشكر لك مجيئك الى هنا.

شعرت برغبة مفاجئة لآن تلمس بأصابعها يده السمراء، لكنها سرعان ما عدلت عن ذلك.

هزّ كتفيه ونادى خادم المطعم الذي اخذ الكاس الفارغة. وفي هذا الوقت كانت المغنية تؤدي اغنية مأساوية بصوتها الرنان.

سألته ديانا وهي تعي جيداً التوتر الشديد الذي حل بينهما،- هل انت في الاكوادور منذ مدة؟

لم يكن جايسون ذلك الانسان الذي يحب الثرثرة. كان يعبر عن افكاره واحاسيسه بأختصار، واحياناً بشراسة. وكان يرد على الأسئلة باقتضاب.

اجابها ببساطة:-منذ بدأ التنقيب عن النفط.

-يعني منذ متى؟

وتكلم جايسون بلهجة فظة فتراجعت الى الوراء، كما لو كان يصفعها قائلاً:-اهذا يهمك فعلا، او انك تتكلمين فقط على سبيل الحديث؟

-ان ذلك يهمني فعلاً، عندما تركتني وذهبت وبقيت من دون اي خبر منك.

كتبت اليك لأني كنت حريصة على تتبع اخبارك ولأنني كنت في حاجة الى صحبتك.

لاحظت ارتفاع حاجبيه استفهاماً، واضافت استمداداً للدفاع عن نفسها:-انني زوجتك، ولذلك كنت اعتقد ان من واجبي ان اعرف اين كنت وماذا تفعل.

لم يرد فقد عاد الخادم حاملاً كأساً ثانية مليئة بعصير الحامض المثلج والمحلى. دفع له واشعل سيكارة اخرى واحتسى جرعة من شرابه وعاد يحدق بكاسه. شعرت ديانا بالغضب يجتاحها تدريجياً. انه ما زال يرفض الخوض في اي حديث من هذا النوع، وستضطر الى طرح اسئلة اخرى وهي تعرف انه يكره ذلك. واخيرا قالت:-كنت انتظر جوابا منك على رسالتي وتسائلت مرات عديدة ما اذا كنت قد تسلمتها.

-نعم. تسلمتها.

-اذن، لماذا لم ترد علي؟

-هل تريديت حقا معرفة السبب؟

رفع كأسه وافرغها دفعة واحدة.

اجابت ديانا والغصة في حلقها:-نعم، ولا شك ان هناك سبباً وجيهاً جعلك تفضل الصمت كل هذه المدة.

كأن شيئا لم يتغير انه ما زال ذلك الرجل المجهول، الذي احبته او تخيلت انها احبته. والذي تزوجته والذي عاشت معه ايماً حلوة مليئة بالحب المتبادل.

اجاب وهو يقلد لهجة ديانا:-سبب وجيه، نعم، بكل تأكيد، من وجهة نظري انا، على الاقل. لم ارد على الرسالة، لأنني اكره ان اعرف انك ستسامحينني على غلطة ارتكبتها.

في كلمات قليلة ، اعاد الزمن الى الوراء كأنهما من جديد وجهاً لوجه في شقتها اللندنية. فقد تغير الاطار، لكن موقف جايسون ما زال هو اياه وكانت ردة ديانا نفسها ايضاً.

-غلطة لم ترتكبها؟

قالت ذلك بصوت عال وكررت العبارة مرات عديدة، فراح الجميع ينظرون اليها متسائلين ومتفاجئين. لكنها، خوفاً من ان يعتبر الموجودون ان شيئا ما حدث ويتقدمون للمساعدة، اقتربت منه وقالت بصوت منخفض:-انت وقح للغاية. لقد ذهبت الى باريس تلبية لدعوة امرأة. وكنت معها كل الوقت.

سقط في كرسيه وراح يحدق فيها بنظرات ثاقبة وساخرة.

-كيف عرفت انني كنت مدعواً الى باريس. لا اعتقد ان صديقتك العزيزة اونيس هي التي اخبرتك ذلك.

-اني...

خانتها الكلمات. كانت تعتقد انها قادرة ان تخبره عن الرسالة التي وجدتها في ملابسه، وكانت بتوقيع كارول، لكن، كانت تنقصها الشجاعه. اجابت بحدة ومن دون اقتناع: -هذا لا يهم. اعرف انك كذبت علي، وانك خدعتني واضعت ثقتي فيك.

اخذ يضحك من اعماقه وقال: -انت تجهلين كل شيء عن الثقة. كنت كلما جئتك متأخراً يوماً او يومين، تنهالين علي بالاسئلة، تريدين ان تعرفي اين كنت، وماذا فعلت، ومع اية امراة كنت...

-لم اسألك ابدا ذلك. وارجوك ان تخفض صوتك: فالجميع ينظرون الينا.

-اني لا اهتم لذلك.

اشعل سيكارة اخرى. سألته ديانا: -لم تكن تدخن عندما عرفتك. ما الذي جعلك تدخن الآن؟

-كي اجد الشجاعة لأقول كل ما جرى لوالدك.

-لااعتقد...

قاطعها بغضب وقال: -انها عادتك الا تصدقي ما اقول. اليس كذلك؟ لقد صدقت اونيس و وثقت بها، لكن، من اجلي، لا شيء من هذا. هي ، صديقتك الحميمة. اما انا فلم اكن سوى المسكين الذي اوقعته في حبالك كي يتزوجك...

-لم يحدث ذلك اطلاقاً!

اجابها بسخرية مرة: -لا؟

كانت عيناه المتعبتان تعكسان خيبة الأمل. نهضت ديانا فجأة وهمست قائلة: -لم اعد اتحمل ما يحصل.

وكالعمياء خرجت من المطعم، من دون الانتباه الى الناس الذين ترتطم بهم وهي سائرة. وفي باحة الفندق. تبعت مجموعة من السياح الاميركيين ودخلت معهم المصعد الكهربائي. وعندما راحت تقول لأحدهم ان يكبس الزر الخامس، لاحظت وجود جايسون معها في المصعد. كان ينظر اليها بعينيه الساحرتين.

توقف المصعد في الطابق الخامس وخرجت ديانا متجة نحو غرفتها وكان جايسون يتبعها. فاستدارت صوبه غاضبة وقالت: -لماذا لحقت بي؟

كان ضوء الممر خفيفاً، فبدا وجه جايسون نحاسياً وشعره كشعلة صفراء.

اجابها بهدوء: -انت ترغبين بالذهاب الى بوتو وانا وعدتك بأن آخذك لتزوري والدك في المستشفى هناك. لذلك اعتقد انه من حقي ان اتبعك حتى غرفتك حيث يمكننا الاستعداد للسفر غدا.منتديات ليلاس






مشت ديانا نحو غرفتها، فتبعها بخطواته غير المكترثة. ولما وصلت امام بابا غرفتها، حاولت ادخال المفتاح في القفل لكنها لم تنجح. سحب جايسون يدها وقام مكانها بفتح الباب.

دخلت ديانا ورمت بحقيبة يدها على السرير والتفتت صوب جايسون. وشعرت بانفاسه تتقطع. كان قد اقفل الباب واسند ظهره عليه. كان شاحب الوجه، واغمض عينيه من الالم. اقتربت ديانامنه وانتشلت من يده مفتاح الغرفه وسألته: - جايسون، ما بك ؟

رفع حاجبيه وقال: -اني اشعر باعياء شديد، اين غرفة الحمام؟

-من هنا ، من هنا .

فتحت باب الحمام وانارت الغرفة. فاندفع جايسون الي هذه الغرفة الصغيرة وصفق الباب ورائه.

وجدت ديانا نفسها واقفة امام النافذة التي تطل على منظر رائع للمدينة. كانت بين الضحك والبكاء. لاشك وهي تتحمل عواقب المفاجأة، اولاً عند رؤية جايسون وثانياً عندما علمت بحادث والدها. وفجأة انقلبت الحياة رأساً على عقب. وهي لا تعرف كيف تعيد التوازن الى مكانه.

ولم تعرف ديانا كم من الوقت مضى وهي امام النافذة تحلم في اليقظة. ولم تعد الى الواقع الا عند سمعها صوت باب الحمام ينفتح. وببطء ابتعدت عن النافذة وعادت الى وسط الغرفة.

كان جايسون شاحب اللون، وشعره منفوش يحمل سترته على ذراعه، ورماها على المقعد القريب منه، وحلّ عقدة ربطة عنقه وخلع قميصه. فوجئت ديانا بتصرفه وشعرت بجفاف في حلقها. وسألته: -هل تشعر بتحسن؟

قال ويداه تشدان على زردة زناره: -ما هذا الاهتمام المفاجئ ... هل تذكرت اننا متزوجان؟

-هل انت بحاجة الى اي شئ ؟

- كلا شكراً. ستتحسن احوالي عندما انام.

جلس جايسون على السرير. وضع رأسه بين يديه وراح يصرخ من الالم. ثم انحنى ليفك ربطة حذائه ففهمت للحال ما ينوي فعله وقالت :-جايسون، لا يمكنك ان تمضي الليل هنا.

-لماذا؟ هل تنتظرين احداً؟

إحمر وجه ديانا وأجابت: -كلا. لكن ماذا سيفكر العاملون في الفندق اذا اكتشفو انك امضيت الليلة في غرفتي، من دون ان تسجل اسمك في سجل الفندق؟انا اعرف ان الموظف في مكتب الاستقبال رفض ان يدعك تصعد الى غرفتي.

سالها جايسون:-اهذا كل ما يهمك؟

فجأة راح يتثائب ويؤرجح قدميه الطويلتين على السرير. وكانت عيناه الزرقاوان الثقيلتان تتفرسان في وجه ديانا.

-في امكانك ان تقولي لهم الحقيقة: وصل زوجك بصورة مفاجئة. سيفهمون جيداً، لا تخافي وشوف يسرون ان يقبضوا منك اضعاف المبلغ. اما بالنسبة الي فأني سعيد ان انام. فالسرير واسع اكثر من اللزوم ويتسع لنا تماماً.

تنهد جايسون مطولاً، وادار ظهره ونام.

راحت ديانا تنظر اليه وفي داخلها تتصارع احاسيس مختلفة تتراوح بين الغضب والضحك. ما الذي حصل لها الآن. شئ عادي في هذا البلد المجنون. هنا تعتبر الحوادث الغريبة كانها طبيعية وعادية جداً. وقبل ساعة كانت ديانا تجهل تماماً وجود جايسون في الاكوادور، وهو الآن ينام في السرير نفسه الذي امضت فيه الليالي الست الفائتة وحدها.

ان شكل جسمه المألوف، وطريقة تساقط شعره على جبينه، والابتسامة على فمه وهو نائم، كل هذا ايقض في داخلها ذكريات كانت تعتبرها دفينه الى الأبد. اقتربت من السرير ومدت يدهل لتزيح عن جبينه خصلة شعره المتمرده. لكن سرعان ما لجمت رغبتها وعادت الى الوراء بقوة.

كلا، لن تستسلم بهذه الطريقة. عندما يكون جايسون نائماً، فأنه يبدو ناعماً لكن عليها ان تنسى انه مستمر في الدفاع عن نفسه ضد كل ضعف وذلك بعنفوان صامت وشرس. وليس هذا التعبير العاطفي الملئ بالحنان الذي يظهره في نومه سوى تعبير سطحي.

عليها اذن ان تكون اكثر واقعية. قامت بخلع حذائه وجواربه، وفكرت بان تخلع له سرواله الضيق لينام مرتاحاً.لكنها ادركت ان مثل هذه الحركة ستوقظه.

ولاحظت ان في ظهره آثار جروح تمتد من اسفل اضلاعه الى اعلى ظهره، كما لو ان الجلد انفلع شطرين ثم اعيد لأمه، وهي ما زالت حمراء.

لم تكن هذه الجروح هناك قبل سنة. هل اصابه حادث ما ؟ لاشك انه تألم وهي لم تعرف بذلك ولم تكن بجانبه لمساعدته والاعتناء به.

وفي تأوه اقتربت من الخزانة. وفي احد الادراج اخذت بطانية هندية الصنع، من الصوف الناعم، مزينه برسوم هندسية، و وضعتها على جسم جايسون. وكما لو انه شعر بحرارة ناعمة، تنهد بعد الشئ واستدار على جنبه. وتسألت ديانا،العمل هو الوسيله الوحدية للأبتعاد عن الذكريات. ودخلت غرفة الحمام ولاحظت ان جايسون مظف كل شئ بعد الحمام. راحت تغسل وجهها وتنظف اسنانها وتمشط شعرها. ثم عادت الى الغرفة.

كانت الرسالة التي بدأت تكتبها لعمتها جرترود، مازالت في المكتب الصغير. جلست ورائه وبسرعة اخبرت عمتها عن الحادث الذي تعرض له والدها واضافت تقول انها ستوافيها بتفصايل اخرى، فيما بعد. وضعت الرساله في مغلف والصقت عليه الطوابع.

لم يبق امام ديانا سوى الاخلاد الى النوم. فتوجهت نحو السرير، لكنها شعرت انها غير قادرة ان تنام قربه وبينهما امور كثيرة معلقة.



وما دام هناك بعض عدم ثقة بينهما وما دام هو مستمر في الكذب ومصرّ على عدم ادخالها الى عالمه الحميم، الي افكاره واحاسيسه.
ابتعدت عن السرير قبل ان تغير رأيها. و وقع ظهرها على اريكة عريضة، فقررت ان تستلقي عليها لتنام هذه الليلة في انتظار ما قد يحدث غداً.

لكن هناك مشكلة الاغطية: فقد نام جايسون على غطاء السرير وفوقه البطانية الوحيدة الباقية. الحل الوحيد ان ترتدي مئزرها فوق قميص النوم وان تتدثر بمعطفها الصوفي الذي اشترته خصيصاً لترتديه في الليالي الباردة.

ادارت الاريكة نحو النافذة تاركة الستائر الثقيلة مفتوحه. اطفأت النور وتمددت على المقعد ولما وجدت نفسها غير قادرة على النوم راحت تحصي النجوم المتلألئة في الفضاء، في محاولة لالهاء نفسها عن التفكير بما حدث.

كل شئ هادئ وساكن. فقط صوت تنفس جايسون يعكّر الصمت داخل الغرفة. كم من مرة بقيت مستيقطة، تسمعه يتنفس وتشعر بحرارة جسمه الدافئة.

لكن سرعان ما تنبهت الى خطورة افكارها فازاحتها وحاولت تركيزها على والدها. قال جايسون ان جراحه ليست خطرة. كما ان الاطباء والممرضات بعتنون به داخل المستشفى. وهي عليها ان تثق بزوجها كما سبق و وثقت فيه عندما كانا يعيشان حياتهما الحميمة بعد الزواج وانطلقت افكراها واختلطت اضواء النجوم امام عينيها. وعادت بها الذاكرة الى الوراء، الى لقائها الاول بجايسون، اي منذ سنتين فقط.

 
 

 


التعديل الأخير تم بواسطة Rehana ; 03-01-15 الساعة 08:18 PM سبب آخر: اضافة ملخص الرواية
عرض البوم صور lona-k   رد مع اقتباس

قديم 04-10-08, 07:03 AM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 65483
المشاركات: 367
الجنس أنثى
معدل التقييم: lona-k عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 93

االدولة
البلدSyria
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
lona-k غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : lona-k المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

2- مع الذكريــــات




تعرفت اليه في حفلة عشاء اقامها والد ديانا السيد كريستوفر فالي, على شرف شركائه و زبائنه. و كريستوفر يحب استقبال الناس و منذ وفاة زوجته اثر حادث اليم, كانت ديانا تقوم بدور ربة المنزل.
و كانت في السادسة من عمرها عندما توفيت والدتها.
و في مناسبات كهذه, و برغم خجلها, كانت الفتاة الشابة تحب أن ترتدي الثياب الأنيقة. كانت تدرس تصميم الأزياء في كلية الفنون الجميلة في لندن, و كانت قد صممت بنفسها فستاناً جديداً خصيصاً لحفلة العشاء. كان لونه عنبرياً بلون عينيها. تفصيلته تظهر خطوط جسمها النحيف و بياض بشرتها, فتبدو أكبر سناً مما هي عليه. كان شعرها ذو اللمعان الذهبي يتساقط حتى كتفيها, مع غرة على جبينها.
وضعت حول عنقها سلسلة ذهبية تحمل حلقة من حجر الجاد, و هو حجر كريم, لونه أخضر. و وضعت في اذنيها حلقاً من الحجر نفسه. و من دون ان تعرف كانت تبدو أكيدة من نفسها, متحفظة, مغرية, و لكن صعبة المنال.
عند وصولها إلى النادي حيث تقام حفلة العشاء, اختفت بضعة دقائق في غرفة الثياب المخصصة للنساء و ذلك للتأكد من أناقة ملابسها و تسريحة شعرها. كانت تأمل أن تلتقي صديقتها اونيس فينتون و شقيقها بول الذي يعمل عند والدها. لكن ديانا لم ترى اثراً لصديقتها ذات الشعر الأسود الناعم و الوجه البشوش. خرجت من غرفة الثياب و دخلت القاعة حيث تقام حفلة الأستقبال.
كان والدها يتحدث مع رجل طويل القامة في حوال الثلاثين من عمره. و كان شعره الأشقر يلمع تحت الأضواء الكهربائية, و تكاد كتفاه العريضتان ان تمزقا سترته السوداء. و كان وجهه اسمر و خداه مجوفين نحيلين.
ابتسم الرجل عندما اقتربت ديانا, فقال والدها:
“ابنتي الحبيبة اعرفك إلى جايسون كلارك. أنه يعمل في شركة نفطية و يوقم حالياً بابحاث على الساحل الشمالي - الشرقي في انكلترا.
كلارك هذه ابنتي ديانا”
وضع يده في يديها النحيلة و همس بصوته الجميل الفاتر:
“ديانا, الصيادةَ! اذا لم تخني الذاكرة”.
اجابته ديانا بسرعة:
” و جايسون المسافر الكبير”.
” حتى يجد ما يبحث عنه”.
” من أين أنت؟”
كانت ديانا ترتجف و عاجزة عن تحرير يدها من قبضة يده و من نظراته. فأجابها:
” لم اقصد ذلك. الظاهر انك لست من هذه البلاد. من اي بلد انت اذن؟”
“ترعرعت و درست في تكساس. هل انت راضية الآن؟”
في تلك اللحظة وصلت اونيس مع اخيها بول. كانا يعرفان جايسون من قبل, فانضما إلى الحديث. و خلا السهرة كانت ديانا تؤدي واجباتها كمضيفة, لكنها ظلت تعي وجود جايسون الذي لفت أنتباهها اكثر من سائر الضيوف.
بعد العشاء شعرت ديانا بيد توضع على ذراعاه. فالتفتت إلى الوراء و رأت جايسون قربها. فقال لها:
“ألست محظوظاً, هذه السهرة هي الأخيرة امضيها في العاصمة الانكليزية, لمدة يمكن ان تطول. هل من مكان يمكن ان نكون وحدنا فيه. اريد ان اقول لك شيئاً في السر”.
فوجئت ديانا و قالت بصوت منخفض:
“لا… أني لا أعرف أي مكان”.
فك ربطة عنقه و وضعها في جيبه ثم حل ياقة قميصه. و أمام عيني ديانا الممتلئتين هلعاً, راح يبتسم كأنه يسخر من نفسه. ثم قال:
” لم أتعود أن أكون متنكراَ هكذا”.
“و لماذا جئت أذاً؟”
“دعاني والدك إلى هذه السهرة. و لبيت الدعوة لأنه يعجبني. لنتوقف عن الكلام الفارغ. و تعالي نتمشى قليلاً”.
عرفت ديانا في الحال انها على وشك خسارة حريتها و استقلالها.
“دعني أخبر والدي بذلك…”
“سأتولى أنا الأمر. أذهبي و أبحثي عن معطفك”.
تنازلت عن فكرة المقاومة. و ذهبت تبحث عن معطفها المخملي الأسود. وضعته على كتفيها و خرجت مع جايسون يتمشيان, يدها بيده. إلى أين؟ كانت تجهل ذلك و لم يكن يهمها الأمر, فهي معه و هذا يكفي.
فجأة قطع جايسون حبل الصمت قائلاً:
“تأخرنا, و حان الوقت لأن اودعك. و لكن بعد ان اوصلك إلى البيت”.
اوقف جايسون سيارة تاكسي, التفت نحوها و سألها:
“هل منزلك بعيد؟”
و قبل ان يسمع الجواب, وضع يديه حول كتفيها. فرفعت رأسها هامسة:
“حوال ربع الساعة”.
عانقها طويلاً إلى أن وصل التاكسي إلى الشارع الذي تسكن فيه ديانا, فهمس:
“اريدك يا صيادتي الصغيرة, اريد ان اتزوجك. هل هذا ممكن؟”
و من دون وعي قالت:
“لكن لم نتعرف إلى بعضنا إلا منذ قليل. و انا اعرف القليل عنك. كما أني لا أحبك”.
قال ساخراً:
“هل هذا صحيح؟”
ابتعد عنها و أضاف:
“أريد ان اتزوجك يا ديانا. هل تقبلين ان تكوني زوجتي؟”
و من دون تردد اجابت:
“نعم”
و في الحال شعرت بفرح عميق يجتاحها و فهمت انها وقعت في غرامه.

“سنتزوج بعد ثلاثة اسابيع, اي خلال زيارتي المقبلة إلى لندن”.
“نعم لكن… انت غير جدي… سوف تنسى”.
“أتعتقدين ذلك؟ معرفتك بي خاطئة. عندما اريد شيئاً, أفعل المستحيل لأحصل عليه. سنتزوج اذن بعد ثلاثة اسابيع”.
فتح باب السيارة و نزل منها. ثم ساعدها على النزول. و على الرصيف كان يمسك بها و يتفحص وجهها المرفوع صوبه. ثم قبلها في جبينها و قال:
“إلى اللقاء القريب, يا ساحرتي الصغيرة. كوني جاهزة للوقت المحدد”.
انتظر حتى فتحت باب المدخل و قبل ان تدخل إلى البيت, تطلعت إلى الوراء. أشار اليها بتحية قصيرة و صعد إلى سيارة التاكسي. و ظلت ديانا واقفة حتى اختفت السيارة عن الأنظار.
في اليوم التالي, تناولت ديانا فطور الصباح مع والدها كالعادة.
سألها:
“أمل أن يكون جايسون كلارك قد تصرف معك التصرف اللائق”.
كانت ديانا تجهز لنفسها ساندويشاً من المربى. فلم ترد على سؤال والدها في الحال. و بعد ان انتهت من تحضير الساندويش, رفعت رأسها و راحت تتأمل وجه والدها, و قالت:
“يريد أن يتزوجني”.
رفع كريستوفر فارلي حاجبيه, و قال:
“يا الهي! لماذا؟”
و كعادتها, و خاصة بعد وفاة والدتها, كانت ديانا تتحدث عن مشاكلها مع والدها. و غالباً ما كان يقدم لها النصائح التي كانت تعمل لها باخلاص. لكن, هذه المرة بالذات, كانت تشعر برغبة في ان تحتفظ لنفسها بكل ما حدث معها تلك الليلة. قالت”
“أعتقد, أني أعجبه”.
“يبدو لي أنها طريقة مستعجلة للخوض في مغامرة الزواج. فهمت من طريقة حديثك أنك موافقة على عرضه”.
“نعم”.
“و متى ستتم حفلة الزواج؟ اعتقد انكما تنويان عقد زواج مدني, اليس كذلك؟ لأني لا اعتقد ان جايسون من نوع الرجال الذين يخضعون للطقوس الدينية”.
“قال اننا سنتزوج بعد ثلاثة اسابيع, بعد ان يعود من لندن. يا ابي, هل عندك شيئ ضد هذا الزواج؟ ارجوك ان تقول ما رأيك؟”
اجابها و هو يبتسم:
“رأيي لن يغير شيئاً, على ما أظن. و بما أنه سيقوم بالمعاملات القانونية لاتمام هذا الزواج, فلا خوف عليك اذن. لكن هذا لا يمنعني من التفكير بأنك ما زلت غير مستعدة للزواج يا عزيزتي”.
اجابت ديانا و هي مستعدة للدفاع عن نفسها:
“عمري واحد و عشرون عاماً”.
“لك أكن أفكر بعمرك, بل بنظرتك إلى الحياة. لقد عشت حياة سهلة, و كلارك مغامر خطير, و لم يكن دائماً في المجتمعات الفضلى. اعتقد انك لست في مستواه و من الصعب عليك ان تنسجمي معه. ربما بعد سنة أو سنتين…”.
“لا أعتقد أن في وسعنا أن ننتظر سنة… أو أكثر”.
و لاحظ والدها أحمرار خديها فقال:
” هكذا أذن؟ ما علي ألا أن أبارك زواجك. هل تريديني أن استعلم عنه؟ لقد قمت بأعمال للمؤسسة التي يعمل فيها حالياً. و اعتقد انهم لن يمانعوا بتزويدي بالمعلومات اللازمة عنه”.
“نعم, اريد منك ذلك, و ارجوك, يا ابي. ألا تكلم أحداً في هذا الموضوع… أعني ليس الأن ربما… من الممكن أن…”
توقفت عن الكلام, فلم تكن تريد ان تظهر مخاوفها, أو أن تبدو منها أية شكوك في حقيقة مشاعر جايسون نحوها.
” تخافين ألا يحقق جايسون ما وعدك به؟ يبدو أنك غير واثق منه تماماً. و هذه ليست نقطة انطلاق حسنة, يا ابنتي”.
“ليس هذا ما اعنيه. لكنني لا اريد أن يعتبرني الجميع انانية حمقاء اذا لم يتم هذا الزواج. انت تفهم قصدي, أليس كذلك؟”
طوى والدها جريدته, وضعها تحت ابطه و نهض. ثم قال لها و هو يداعب خدها:
“اعتقد انك على حق. انت تحرصين على كبريائك. لا تخافي سأحتفظ بالسر. و ما عليك إلا أن تطلعيني باستمرار على كل ما يتم معك”.
لم تعش ديانا من قبل ثلاثة اسابيع بطيئة مثل هذه الأسابيع.
ولى شهر نيسان “ابريل” و جاء شهر ايار “مايو”. كانت الشمس ساطعة و الهواء منعشاً. عبقت الحدائق بأزهار النرجس. براعم الكستناء بدأت تتفتح و بعضها يزهر أوراقاً صغيرة. العشب الذي يكسو ارض الحدائق يخضر و ينمو. و في معهد الفنون الجميلة حيث تتابع ديانا دروسها, أوشك الفصل على الأنتهاء. يبقى فصل واحد و تحصل ديانا على شهادتها و تتخرج.
براً بوعوده, حصل كريستوفر فارلي على بعض المعلومات حول شخصية جايسون: رجل أعزب, في الثانية و الثلاثين من عمره. درس في هيوستن و هو يعمل لدى الشركة نفسها منذ ان انهى دراسته الجامعية. كلها معلومات معروفة إلا واحدة تقول: جده والد أمه, يدعى وليم د. رامو و هو نائب رئيس الشركة نفسها.
قال لها كريستوفر:
“على الأقل, تعرفين الأن أنه لم يكن متزوجاً, كما أن رجل ذو مكانة”.
لكن الشيء الوحيد الذي كان يهمها هو ان جايسون اخبرها الحقيقة. و هي الأن تعد الأيام التي تمر. عشرون يوماً مضت حتى الأن. و في الغد سيكون هنا.
و في اليوم التالي جائت العمة. جرتورد فارلي لتمضية اسبوعين مع العائلة قبل سفرها إلى امريكا لزيارة بعض الأصدقاء. انها امرأة طويلة القامة, ذات وجه بارز التقاطيع, لا يزال يحافظ على بعض من جماله. كانت راقصة في شبابها. في العادة كانت ديانا تفرح عندما تزورها عمتها التي تعيش في كورنويل, في غرب انكلترا, حيث تملك بيتاً قرب البحر, كانت تزوره ديانا في عطلة الصيف عندما كانت صغيرة السن. لكن هذه المرة, شعرت بأنها عاجزة عن استيعاب حكايات عمتها و قصصها الطريفة. لقد استولى جايسون على تفكيرها كله.
مضت ثلاثة اسابيع و خمسة ايام, من دون ورود خبر واحد من جايسون. لقد كذب عليها. و هو لم يكن ينوى ان يتزوجها. لا بد انه وجد امرأة غيرها, مستعدة ان تمنحه ما يريده, دون ان يتزوجها.
قبل بومين من عيد الفصح, كانت ديانا تتناول فطور الصباح مع عمتها جرتورد عندما سمعت جرس الباب. انه جايسون يحمل ازهار النرجس و على شفتيه ابتسامة عريضو.
“صباح الخير”.
دخل من دون ان ينتظر منها ان تدعوه إلى الدخول. و ضع الورد بين ذراعيها و قبلها على وجنتيها و قال:
“أني أراهن انك كنت تعتقدين انني نسيتك؟”
كان يرتدي بذلة غير رسمية, كحلية اللون, فوق قميص زرقاء فاتحة. همست ديانا قائلة:
“نعم, تقريباً”.
عانقها من جديد بينما كانت العمة جرتورد تهمهم غير مصدقة ما يجري أمامها. ذلك ان ديانا لم تخبرها عن شيء. سالت العمة بلهجة متعالية و هي تنظر إلى ديانا:
“من أنت, أيها الرجل؟”
اجابها بلطف:
“جايسون كلارك, سيدتي”.
توجه صوب العمة, و مد يده ليصافحها قائلاً:
” أنت من تكونين؟”
“جرتورد فارلي, عمة ديانا”.
و راح جايسون ينتقل في نظره بين ديانا و عمتها و يقول:
“أني ألاحظ الشبه. و إذا ظلت ديانا تشبهك عندما تصبح في عمرك, فلن أكون نادماً على أني أتخذتها زوجة لي”.
منتديات ليلاس



و صرخت جرتورد:
” زوجتك؟ هل تنويان الزواج فعلاً؟”
“نعم, بالطبع, و اليوم بالذات, الساعة الثانية بعد الظهر. أحتجت إلى بعض الوقت لأدبر الأمور. لم أكن أريد أن…”
التفت جايسون نحو ديانا و عيناه تبتسمان, و همس قائلاً:
“لم أجرؤ أن أراك قبل أن أكون رتبت كل شيء”
“اليوم, بعد الظهر؟ لكنني يا جايسون, لا أقدر…”
“بلى, بلى, الزواج سيكون بعد ظهر اليوم…”
و سألتها العمة:
“ديانا, لماذا لم تخبريني؟”
تدخل جايسون وقال:
“لأنها لم تكن متأكدة مني. لقد تأخرت خمسة أيام و لابد أنها فكرت أني لم أكن صادقاً”.
” هل والدك على علم يا ديانا؟”
“نعم, أخبرته, في اليوم نفسه, عندما عرض علي جايسون الزواج”.
” ومنذ متى يعرف أحدكما الأخر؟”
اجبا جايسون و هو يغمز ديانا:
“منذ سنوات, لكن التقينا فقط منذ أربعة أسابيع, أمل أن تحضري حفلة زواجنا, أيتها العمة جرتورد”.
“أني… أه…”
شعرت أنها عاجزة عن الكلام. لكن سرعان ما أستعادت شجاعتها لتقول بلهجة قاسية:
“أعتقد أنك مجنون حقاًُ لتقرر الزواج بهذه السرعة”
“هذا معقول جداً. عاجلاً أم أجلاص يصبح الأنسان مجنوناً بسبب الحب”.
“يجب أن تعلم أن ديانا ليست مستعدة للزواج. فهي ما زالت صغيرة و ساذجة. لا تعرف ما معنى الحب. و هي تحتاج إلى مزيد من التجارب”.
و فوجئت ديانا عندما رأت جايسون يهز رأسه قائلاً برصانة:
“أني أقدر مدى أهتمامك. لكن لا تخافي سأغازلها بعد الزواج”.
تفرست العمة جرتورد بشيء من المودة و قالت:
“اذن, سأحضر زواجكما بعد الظهر. هل ستقومان برحلة شهر العسل؟”
“لم أفكر في هذا الأمر, لأن الوقت لم يسمح”.
“لماذا لا تذهبان اذن إلى كورنويل. حيث يمكنكما أن تسكنا في منزلي خلال غيابي”.
“لكنو يا عمتي, جايسون…”
شعرت ديانا بذعر مفاجئ. فالتفت جايسون نحوها قائلاً:
“ألا تريدين أذن ان تتزوجيني؟”
رآت ديانا عيني جايسون الزرقاوين يلمعان بالرغبة, فهمست بعد أن استعادت وعيها:
“نعم”.
“أذن, كل ما عليك فعله, هو ان تضعي يدك بيدي, اليوم بعد الظهر, و نذهب معاً إلى مكتب الزواج و نعقد قراننا”.
كان شهر العسل حلماً تحقق بالنسبة إلى ديانا. كان الطقس جميلاً و دافئاً, مما اتاح لهما قضاء معظم الوقت خارج المنزل. راحا يتنزهان على طول الشاطء أو يتسلقان الشواطئ الصخرية حيث ينبت العشب الأخضر. كانا يركضان ثي يسقطان أرضاً, و هما يضحكنا و يلهثان فرحاً.
بعد أسبوع, تبين لديانا أنها تعرف جايسون أقل مما هو يعرف عنها. كانت هي دائماً التي تتكلم, و عندما كان يأتي دوره, كان يفضل العناق على الكلمات, و هي منغنسة في حبها, كانت تنسى ما سألته. و تبقى الأسئلة من دون جواب.
قالت له يوماً عندما كانا ممددين على العشب يأخذان حمام شمس:
“لابد أن لكأهلاً مقربين”.
أجابها بكسل:
“هل هذا ضروري؟”
“كل انسان له أب و أم و أخ…”
“نعم, كان لي أب أنكليزي ولد في منطقة لانكشاير. كما أن لي أبناء عمومة, هناك في الشمال”.
بقيت ديانا جاملدة لا تتحرك. واضعة يديها على ذقنها. كانت تحبس أنفاسها. فقد قرر أخيراً أن يحدثها عن عائلته. أستأنف جايسون الكلام و قال:
” توفي والدي في السهل الأكوادوري. كان عالماً في الفيزياء, متخصصاً في الأراضي. و كان ينقب عن البترول للشركة التي أعمل فيها الأن. و هناك تعرف إلى والدتي. كانت تقوم بزيارة للبلاد. و كان لوادلها مركز مهم في الشركة نفسها. أحبها والدي و تزوجا في كيتو و عاشا هناك فترة من الزمن. و أنا ولدت في الأكوادور. لهذا السبب, عندما سألتني من أي بلاد أنا, لم اعرف بماذا أجيب. كان والدي انكليزياً و أمي أميركية و أنا أكوادوري بالولادة”.
“كمبقيت في الأكوادور؟”
“إلى أن اصبح عمري ثمان سنوات. ثم قررت والدتي, التي كانت تشرف على تربيتي أن تدخلني المدرسة في هيوستن. و لذلك انتقلت وظيفة والدي إلى هيوستن. لكنه لم يكن قادراً على الثبان في مكان واحد. كلما سنحت له الفرصة كان يذهب للتنقيب في بلاد أخرى, و في أحدى المرات, عاد إلى الأكوادور ليشرف على الحفريات هناك, و قد قتل في حادث حريق اصاب أحد المناجم النفطية”.
“و كم كان عمرك حينئذ؟”
“12 سنة… و توفيت والدتي بعد سنتين بمرض السرطان”.
” ومن أهتم بك بعد ذلك, أجدادك؟”
“كلا, سكنت عند بيل, شقيق والدتي. و هو الأن نائب رئيس الشركة التي أعمل فيها. لك أكن سهلاً و خاصة عندما كنت في سن المراهقة. و عندما قررت أن أغادر المدرسة لكي ألتحق بالعمل في مؤسسة بترولية, تنفس خالي الصعداء.
اني أشبه والدي, لا أثبت في مكان واحد”.
وضعت ديانا رأسها على كتف جايسون, و شعرت بسعادة غامرة بقرب هذا الرجل المتشرد الذي قرر التخلي عن حريته ليزوجها.

قال جايسون بهدوء:
“يجب أن نعود غداً”.
“لماذا؟”
استدار نحوها, و قال:
“يجب أن أعود إلى عملي, في الشمال”ز
لم تتوقع ديانا أبداً ماذا سيحدث بعد نهاية شهر العسل. كانت تظن أنهما سيستقران في أحدى ضواحي لندن, كغيرهما من المتزوجين.
و لم تتوقع أبداً. أن تجد نفسها وحيدة بهذه السرعة.
“هل يمكنني مرافقتك؟”
اجابها بلهجة حازمة:
“كلا”.
“لماذا؟”
“لأن ذلك مستحيل”.
“لكن, ماذا علي أن أفعل؟”
“ما كنت تفعلينه قبل زواجنا. استمري في القيام بأعمالك الخاصة التي ليس لها علاقة بنا. أستأنفي الذهاب إلى الجامعة و احصلي على شهادتك.ثم أبحثي عن العمل الذي تحبينه و الذي حدثتني عنه مرة.
ان زواجك مني لا يمنعك من ان تفعلي ما تحبين…”
“لكن, يا جايسون, اريد أن أكون حيثما تكون أنت. أريد أن أكون في انتظارك كل مساء عندما تعود من العمل. و ليس فقط مرة كل ثلاث أسابيع”.
شعر جايسون بشيء ما في داخله انعكس في عينيه. راح يداعب وجنتي ديانا, ثم شعرها, بنعومة فائقة. و همس قائلاً:
“أنت انسانة لكن لا أستطيع ان اخذك معي إلى منطقة التنقيب عن النفط خصوصاً الذي أعمل فيه الأن, أنه في وسط البحر”.
“يمكنني أن أبقى على الساحل. أني أعرف فتاة متزوجة من عامل حفريات, و هما يسكنان في منزل في بيترهيد, القريب من عملك”.
“كلا, لن أبقى هناك مدة طويلة. فلا داعي لأن تتركي مدرستك من أجل هذا. عليك أن تبقي هنا في لندن و تعثري على شقة, و سأوافيك إلى هناك كلما سنحت لي الظروف”.
خاب أمل ديانا. البحث عن شقة ليس سهلاً. ثم أنها لا تعرف كيف تفرشها و هي التي تجهل تماماً أي نوع من الأثاث يحب.
“أه, يا جايسون, لا أريدك أن تذهب. ألا يمكنك الحصول على عمل في مكان ثابت؟”
نهض جايسون فجأة و دار لها ظهره و قال:
“ليس الأن. لأنني لست مستعداً لذلك. قد يحصل ذلك يوماً. و لكن ليس في هذه البلاد… لا تحاولي احتجازي, أيتها الصيادة, فلن تنجحي”.
صرخت ديانا في كآبة:
“لماذا تزوجتني أذن, اذا كنت لا تريد أن تبقى معي”.
ادار وجهه و حدق بها. ثم انحنى صوبها و شعرت به يلتصق بها و سمعته يهمس قائلاً:
“أنت تعرفين لماذا, على ما أعتقد. لم يكن بوسعي أن أفعل شيئاً أخر”.
كان صدى كلمات زوجها و لمسات يده على شعرها و رائحة جلده, كلها تتفاعل في داخلها. هي أيضاً لم يكن في وسعها أن تفعل شيئاً أخر.
و في اليوم التالي, عادا إلى لندن و أمضيا الليلة في منزل والدها. و في الصباح التالي, سافر جايسون إلى شمال انكلترا و بدأت ديانا تبحث عن شقة تستأجرها.
و بمساعدة صديقتها اونيس, استأجرت شقة صغيرة في الطابق الثاني من بناية قديمة تطل على نهر التايمس. و كانت ديانا مُدينة لصديقتها على هذه المساعدة برغم معرفتها ان اونيس و بول ازعجهما زواجها المفاجئ فلم يعلقا عليه و لم يهنئاها أيضاً.
كتبت ديانا رسالة إلى جايسون ابلغته فيها عنوان الشقة ثم راحت تهتم بشراء المفروشات اللازمة لفرشها. و خلال اسبوعين, كانت قد اشترت سريراً عريضاً و خزانتين, و طاولة و كرسيين و وسادات عدة وضعتها في قاعة الأستقبال.
و في أحد الأيام, كانت عائدة من الجامعة, دخلت إلى غرفة النوم ففوجئت بجايسون نائماً في السرير. استيقظ لدى سماعه خطواتها و صرختها. و تعانقا بحرارة. بقي جايسون مع ديانا ثمانية أيام, ثم سافر إلى الشمال عائداً إلى عمله. و خلال الأشهر التالية, كانا يفترقان للمدة اسبوعين أو ثلاثة, ليلتقيا أسبوعاً واحدً. و لما كان يذهب كانت ديانا تشعر بالملل, لكنها سرعان ما كانت تستأنف حياتها العادية, في الجامعة, لنيل الشهادة المطلوبة, و في العمل في مؤسسة صغيرة كرسامة تبتكر النماذج لأزياء الثياب النسائية. كل ذلك يساعدها على تحمل العيش وحدها حتى عودة جايسون.
و كلما كانا يلتقيان, يشعران بسعادة كبرى ولم يتشاجرا إلا نادراً جداً. و خلال أقامته في لندن, كانت ديانا تتعرف إلى جايسون أكثر فأكثر. كان يحب الموسيقى الرقيقة و يحب حضور الحفلات الموسيقية الكلاسيكية التي تقام في الصالات الكبرى في لندن. كان يحب الأستفادة من أمواله و يصرف من دون حساب, و يشتري الأثاث الثمين ليزين شقته, كما كان يغدق على ديانا الهدايا الفاخرة.
و عندما تكون ديانا وحيدة, كانت تمضي معظم وقتها مع صديقتها اونيس التي كانت تسكن في جوارها. و غالباً ما يكون شقيقها بول موجوداً معهما. لكن عندما يعود جايسون, تعدل ديانا عن رؤية احد. فقط تقوم بزيارة لوالدها بطلب من جايسون نفسه.

في أحد الأيام, بعد أن سافر جايسون, سألتها أونيس قائلة:
“ألا تسألين أبداً ماذا يفعل جايسون عندما يكون بعيداً عنكِ؟”
“يمضي الوقت في عمله”
“ليس هذا ما أريد أن أقوله. اقصد عندما لا يعمل, أي في وقت الفراغ. مثلاً في عطلة نهاية الأسبوع, عندما لا يكون قادراً المجيء إلى لندن. ماذا يفعل, يا ترى؟”
أجابتها ديانا بلهجة خفيفة:
“أنه ينتظر أن يراني بفارغ االصبر”.
عند عودته وجد جايسون زوجته ديانا متغيرة, تريد أمتلاكه.
قال لها:
” لا تكوني مثل النساء اللواتي يحببن أمتلاك ازواجهن, ايتها الصيادة, و ألا فلن أعود أليك في المرة المقبلة”.
و أمضت ديانا الأسابيع التالية و هي تتسائل ما أذا كان جايسون سينفذ ما هددها به. و لكي ترفع من معنوياتها دعتها اونيس إلى العشاء و قالت لها:
“زوجك يفعل كل ما يريد, أليس كذلك؟ أنه يتمتع بك كزوجة و لا يتحمل أي مسؤولية. و أنت تدعينه يفعل ما يريد من دون اعتراض!”
أجابتها ديانا:
“ليس بذلك المنظار نرى الأشياء و نحكم عليها. لماذا أنت و بول لا تحبانه؟”
” و ما الذي يجعلك تعتقدين ذلك؟”
“موقفكما منه”
“ما دمت تريدين الحقيقة, أقول لك أنني لا أعتقد أنه الزوج المناسب. و من جهة ثانية, أن شقيقي بول انسان تعس و حزين, و ذلك بسببه هو”.
“لماذا؟ أني لا أفهماجابتها أونيس محتدة:
“ألم تلاحظي أن بول وقع في غرامك منذ اللقاء الأول بينكما. و انه كان يأمل أن يتزوجك يوماً؟ هل تصورت لحظة واحدة ما كانت ردة فعله عندما قررت الزواج من هذا الرجل المغامر؟”
“ليس جايسون بانسان مغامر. لماذا تقولين ذلك عنه؟”
“لأن كل رجل مغامر, يجذب النساء؟”
اجابتها ديانا في توتر:
“لكنني زوجته, و المرأة الوحيدة التي يحبها”.
“كيف تكونين في مثل هذه السذاجة؟”
“أنت… تريدين أن تقولي أن جايسون… كيف تتجرأين ان تقولي هكذا عنه! أني أعرفه جيداً, فهو ليس كما تتوهمين”.
أجابتها أونيس
“يبدو أنك لا تعرفينه جيداً. أنت ما زلت متأثرة بسحره و لم تفكري يوماً أن تساليه لماذا يتأخر أحياناً ليعود إلى لندن…”
أجابتها ديانا في غضب شديد:
“اونيس, اذا كنت تريدين أن تبقي صديقة لي, فأرجوك الا تضيفي شيئاً . أني أثق في جايسون تمام الثقة و أني متأكدة من أنه الزوج الذي لا يخون زوجته”.
“في هذه الحال, واسفاه عليك”.
غيرت اونيس فجأة لهجتها و اقتربت من ديانا و اضافت في صوت ناعم:
“الا ترين أني أقول ما أقوله من أجل سعادتك؟ أنا اريد أن تكوني أنسانة سعيدة؟ لو أنك أطلعتني على نيتك الزواج منه, لكنت نبهتك و أخبرتك حقيقيته, أنه انسان من دون قلب و لا عاطفة, رجل وقح, “دون جوان” ****…”.
و فجأة تهدج صوت أونيس. و وضعت رأسها بين يديها. و نظرت ديانا إليها و تذكرت ان اونيس التقت جايسون قبلها. ربما هي ايضاً وقعت في سحره, و ربما… لكنها رفضت أن تعتمد مسبقاص على العلاقات التي يمكن أن تكون حدثت بين أونيس و زوجها.
أجابتها ديانا ببرود:
“أشكرك لأنك تحذريني الأن, يا أونيس”.
شعرت ديانا بالدم يتجمد في عروقها. قررت أن تغير الحديث.
“متى ستذهبين إلى باريس؟ هذا لطف من مديرك أه قرر أن يعهد اليك بمهمة الرئيسة”.
رفعت اونيس رأسها و ابتسمت. ثم أخذت يد ديانا و شدت عليها و قالت:
“أنت أنسانة رائعة, يا ديانا. لكنك سريعة العطب. لا أريد أن أراك تتألمين. أني ذاهبة إلى باريس في الغد. و سأتصل بك حالما أعود.
بعد مضي أسبوع, عاد جايسون إلى لندن, كان من المنتظر أن يعود قبل ثلاثة أيام. و كان صامتاً و متعباً. و كالعادة, فرحت ديانا لدى رؤيته و لم تطرح عليه أي سؤال. كان يكفي أن يأخذها بين ذراعيه لتنسى كل الشكوك التي كانت أونيس تحرضها عليها.
و في الغد, رن جرس التليفون. فاستيقضت ديانا من نومها. لكن جايسون كان ينام بعمق فلم يسمعه. نهضت ديانا من سريرها و وضعت عليها مئزرها المطرز الذي قدمه اليها جايسون و خرجت من الغرفة لترد على الهاتف الموجود في البهو.
“صباح الخير, يا عزيزتي, أونيس تتكلم معك, لقد عدت من باريس البارحة. اتريدين أن تأتي بعد الظهر لزيارتي و تناول الشاي نعي؟ و سأخبرك عن سفري. و كذلك سيأتي بول بعد العمل”.
“لا يمكنني أن أزورك اليوم, يا أونيس. فقد عاد جايسون البارحة”.
“صحيح, هل أخبرك عن مغامرته الخاطفة في باريس؟”
” باريس ”
قطبت ديانا حاجبيها و القت نظرة على حقيبة جايسون و رات بطاقة كتب عليها: الخطوط الجوية الفرنسية.
و استطردت اونيس تقول:
“نعم, لقد رأيته في المطار, كانت ترافقه فتاة شابة جميلة و شقراء” كانت متعلقة بذراعه و قبلته قبل ان يودعها و يأخذ الطائرة”.
اجابتها ديانا و هي ترتجف:
“لا بد أنك أخطأت يا أونيس. ربما شاهدت رجلاً يشبهه”.
“اتعتقدين فعلاً أني مخطئة يا ديانا؟ أنت تعرفين أن لا أحد يمكن أن يشبه جايسون؟”.
اجابت ديانا و هي تحاول أن تمزح:
” تن لكل أنسنا على الأرض أخر يشبهه”.
“كلا, كلا, أن الرجل الذي شاهدته في مطار باريس هو جايسون بالذات: حسن المنظر, طويل القامة…تعالي معه اليوم بعد الظهر لزيارتي. و أنا سأقول له وجهاً لوجه أني رأيته. و سيسرني أن أرى ردة فعله”.
“أشكركو يا أونيس, أنا سأكلنه بدوري, إلى اللقاء”.
وضعت ديانا سماعة الهاتف بهدوء. ثم رأت جايسون واقفاص أمام باب غرفة النوم و منشفة الحمام حول خصره و شعره مشعث و عينها نصف مغمضتين. سألها:
“من كان يكلمك في الهاتف؟”
“أونيس, فهي تدعونا إلى تناول الشاي في منزلها اليوم بعد الظهر”.
أجابها بلهجة ساخرة:
“لا يمكنني أن أذهب, لم يبق لي هنا في لندن سوى ساعات قليلة, و ما زالت هناك أمور كثيرة أريد أن أطلعك عليها”.
قاطعته بحدة:
“لو لم تمض وقتاً لا بأس به في باريس, لكان عندك الوقت الكافي لتبقى معي وقت أطول, لماذا ذهبت إلى باريس؟”
لأشتري لك هذا المئزر المطرز و أجلب لك بعض العطورات الفرنسية. و لم يسمح لي الوقت أن أقدمها لك أمس”.
راح يفتش في حقيبته و يرمي ملابسه القذرة على الأرض.
فصرخت ديانا:
“أتنتظر مني أن أصدق ما تقول؟ لم تذهب إلى باريس ألا لشراة بعض الهدايا لي!”
نظر جايسون اليها في برود و قال لها من دون أي اضطراب:
“كانت هناك أيضاً بعض الاعمال التي كنت مضطراً أن أقوم بها”.
التقط علبة مليئة بالعطور و قال لها:
“خذي, هذه لك, هذا ما تحلم به كل امرأة”.
رات ديانا الهدية المغلفة بالورق الثمين و المزينة يالشرائط المذهبة و عليها اسم مشهور في عالم العطور. لابد أن تكون هذه الهدية كلفته الكثير من المال, كبقية الهدايا.
فالت له:
“لا أريدها, و من الأن فصاعداً لن تشتري سكوتي بالهدايا”.
رات وجهه يشحب و هو يعض على شفتيه من الغضب. رمى بالعلبة أرضاًَ كما لو أنها ممسحة قديمة. ثم اقترب منها و قال في هدوء:
“ماذا هناك, يا حبيبتي؟”
“أني… أني لا أصدق أنك تقول لي الحقيقة. أني اعتقد أنك ذهبت إلى باريس لرؤية… امرأة أخرى”.
أجابها و السخرية تملأ صوته:
“أما زلت غيورة؟”
وضع جايسون يده حول خصر ديانا راح يلامس خديها بفمه. احست ديانا بالأشمئزاز و ابتعدت عنه صارخة:
“لا تلمسني, فأنا لا أحتمل ذلك!”
أجابها بجفاف:
“هذا لم يكن يزعجك البارحة مساء. ماذا جرى حتى تبدلت؟”
القى نظرة على الهاتف و فجأة فهم كل شيء:
“لست في حاجة إلى أن تقولي لي ما حدث. أنها هذه المرأة…”
توقف قليلاً عن الكلام و تفرس في ديانا و عاد يقول:
“أخبرتك لماذا ذهبت إلى باريس. لماذا لا تصدقينني؟ ألا تثقين بي؟”
همست ديانا قائلة:
“كلا, يا جايسون, لم أعد اثق بك بعد الأن”.
ادار وجهه فجأة, و دخل الحمام و صفق الباب خلفه.
تكومت ديانا في الكنبة, حزينة حتى الموت. فهي لا تصدق ما حدث الأن. لقد كذب عليها جايسون و هو ينتظر منها أن تصدقه و الا تشك بكلامه.
ألقت نظرة على ارض الصالة, فوجدت الثياب القذرة. و كأنسان ألي راحت تلملمها. و اذا بورقة صغيرة تقع من احد جيوب القميص. التقطتها بغية رميها, و لكن لم تستطع أن تمنع نفسها من قراءة ما تحتويه:
“جايسون, أتوسل أليك أن تأتي إلى باريس. فأنا في حاجة إلى مساعدة. أني أمر في مأزق صعب. أذا كان لك قلب, فأرجوك أن تأتي إلى باريس بأسرع ما يمكن على العنوان الأتي ذكره أعلاه. كنت تقول لي أنك تأتي لزيارتي اذا طلبت منك ذلك. و كنت تقول: أينما كنت و في أي وقتز أذاً, حان الوقت لأن تساعدني. أنت الوحيد الذي يمكن أن يساعدني الأن. أرجوك أن تأتي. أقبلك, كارول”
رمت ديانا بالورقة التي راحت تتطاير قبل أن تسقط إلى الارضز و ألقت بالقمصان كما لو كانت مليئة بالجراثيم. لم يعد هناك أي شك: ذهب جايسون إلى باريس بناء على طلب أمرأة تدعى كارول.
ذهبت إلى المطبخ و راحت تحضر فطور الصباح. محاولة أن تنسى أحزانها, بانهماكها بعمل ما. مدت الطاولة و أعدت القهوة و البيض المسلوق.
دخل جايسون و جلس في كرسيه بدون ان ينطق بكلمة واحدة. ولاحظت ديانا أنه ما زال يجهل كيف يعقد ربطة عنقه كما يجب.
سيطرت الغيرة على مشاعر ديانا, و لم يكن في وسعها أن تتخيل مجرد التفكير بأن أمرأة كانت معه. فقالت:
“جايسون, أني مصرة على ان تخبرني كل الحقيقة. لماذا ذهبت إلى باريس؟”
“قلت لك الحقيقة. كنت أحل بعض المشاكل العائلية”.
“اذا كانت مشاكل عائلية, فلست أرى ما الذي يمنعك من أن تحدثني عنها. لا تنسى أني زوجتك”.
“أني أسف, لا يمكنني أن أحدثك عنها”.
“ولماذا؟”
“لأنك لن تفهمي ما ساقوله. أنك انسانة متزمتة تصدرين أحكاماًُ جائرة على الأخرين”.
قالت و هي على وشك البكاء:
“هل حقاً تفكر بي هكذا؟”
“أليس تصرفك هذا برهاناً قاطعاً؟”
كانت تريد أن تسأله من تكون تلك الفتاة التي تدعى كارول لكنها ادركت انها لو ارتكبت هذا الخطأ, فسيعرف أنها قرأت الرسالة و سيتهمها بالتجسس عليه.
“شاهدتك اونيس في مطار باريس. و قالت لي أنك كنت مع فتاة شقراء كانت تقبلك…”
“لقد عرفت أن اونيس وراء كل هذا “.
“أنها صديقتي, أني أعرفها من زمان و قبل أن اتعرف أليك بكثير”.
“صحيح, و لذلك تصدقين كل ما تقوله. و كل ما أقوله أنا, هو كذب”.
أنحنى امامها و قال بهدوء:
“اسمعيني يا حبيبتي, أن زواجنا يجب أن يقوم على الثقة المتبادلة, و الا, فليس علينا إلا أن نفترق حالاً. هل تريدين ان نفترق؟”
لم تعد تعرف ما تجيب. منذ أشهر مضت, كانت مكتفية بوجوده وحبه. أما الأن فأن هذه الأشياء لم تعد كافية بالنسبة أليه.
انهى جايسون طعامه و نهض. و نظرت ديانا إليه و رأته ينظر و يقول:
“الظاهر أن ليس لديك جواب. أما أنا, فليس في نيتي أن أفتش على برهان اثبت به براءتي. يمكنك أن تصدقي ما تريدينه!”
نهض و توجه نحو الغرفة و راح يوضب حقائبه.
سألته ديانا بصوت مرتجف:
“إلى أين أنت ذاهب؟”
“إلى هيوستن. دعتني الشركة لتبحث معي في نقلي إلى مكان أخر. كان في نيتي أن اصطحبك معي, لكن على ما اعتقد, تفضلين البقاء هنا, لتتناولي الشاي مع صديقتك أونيس و أخيها بول, هذا الخبيث!”
“بول ليس خبيثاً!”
“صحيح؟ ليس لدي الوقت و لا الرغبة في أن نناقش ذلك”.
قالت ديانا و هي تشعر أنه لن يغير تظرته اليها:
“جايسون, ليس في وسعك الذهاب هكذا”.
“أتعتقدين ذلك؟ و من الذي سيردعني عن الذهاب؟”
فتح الباب و حمل حقائبه و نظر اليها و قال:
“عمتك جرتورد كانت على حق. أنت لا تعرفين ما معنى الحب, حتى الأن, و على الأقل”.
“جايسون…أني…”
كانت على وشك الأعتذار, و أن تطلب منه أن يسامحها.
لكنه أقفل الباب بسرعة.
بقيت ديانا مذعورة و مضطربة. تريد أن تفتح الباب و تناديه.
لكنها لم تكن قادرة على ذلك.
و مثل أنسنا منوم مغناطيسياً, توجهت نحو غرفة النوم. و من النافذة رأته يشير إلى تاكسي. ثم يصعد في المقعد الخلفي و يختفي عن الأنظار.
أستدارت و وجدت خزانة الثياب مفتوحة و محتويات الجوارير فارغة. لقد أخذ جايسون كل أغراضه. و هذا يعني أنه لن يعود.
جلست ديانا أمام المرأة و عيناها ممتلئتان بالدموع. و اذا بها ترى العلبة التي جاء بها من باريس هدبة لها.
وضعت وجهها بين يديها و راحت تجهش بالبكار.
و شعرت بقلبها يتمزق!

 
 

 

عرض البوم صور lona-k   رد مع اقتباس
قديم 04-10-08, 07:14 AM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 65483
المشاركات: 367
الجنس أنثى
معدل التقييم: lona-k عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 93

االدولة
البلدSyria
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
lona-k غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : lona-k المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

3- الدوامـــــة




" ديانا! "
كان صوت جايسون الذي استيقظ، قد ايقضها من تأملاتها واعادها الى الواقع، الى غرفتها في الفندق، الى البرد الذي يعم الغرفة والى حيرتها التي لاتنتهي.منتديات ليلاس

سالها:
" ماذا تفعلين؟ "
وبالكاد كانت تميزه في العتمة. فجأة شعرت بالتوتر، وقالت:
" اني ... اني اعد النجوم"
" هذا عمل شاق لاينتهي، ان عدد النجوم لا نهائي".
فوجئت ديانا، لقد صدقها، اذ لم تكن هناك سخرية في صوته.
اضاف هامساً:
" البرد قارس! لماذا لا تخلدين الى النوم هنا في السرير؟ "
اجابته وهي تحاول التغلب على قشعريرة البرد التي تجتاح جسمها:
" انني مرتاحة حيث انا شكراً".
قال وهو يخنق ضحكة صغيرة:
" لاخطر عليك اذا كنت قربي. انا مرهق ولن اقوم بأي عمل فيه اجهاد".
كانت تعرف جيداً ماذا يعني. وفهمت ان جايسون لم يعد يرغب فيها. لم تعد تلك المرأة التي احبها التي كانت تعني له اشياء كثيرة.
لماذا عليها ان تعاني من هذا الوضع؟ فهي تعرف جيداً انه لم يعد يريدها، وقاست من العذاب ما يكفي بعد انا غادر لندن منذ خمسة عشر شهراً. الى هيوستن. كانت تنتظره آملة ان يعود. وبعد مضي شهر بكامله لم تسمع عنه شيئاً، فاقتنعت بأنه لن يعود.
ومرة سألت والدها اذا كان يعرف شيئاً عن جايسون وعن مكان وجوده. فقال والدها وهو يلقي اليها نظرة باردة:
" لماذا تطرحين هذا السؤال؟ "
" منذ اكثر من شهر لم اسمع عنه شيئاً. وبدأت اخشى ان يكون قد وقع له حادث ما. "
ثم انفجرت باكية وهي تقول:
" آه ، يا ابي، تشاجرنا في لقائنا الاخير، فغضب ورحل. والآن بدأت اعتقد باني ربما خسرته الى الابد! "
" اني افهم الآن. هناك وسيلة واحدة لمعرفة الحقيقة. ليس عليك الا ان تكتبي له رسالة، وابعثي بها الى عنوان شركته، التي ستوصلها اليه بالتأكيد. اني متأكد من انه يملك السبب الحقيقي لصمته."
عادت الى منزلها وبدأت تكتب الرسالة . وكانت تجد صعوبة كبرى في اختيار الكلمات. كأنها تكتب لرجل غريب. وبرغم كون العلاقة بينهما حميمية، اكتشفت ديانا انهما لم يعرف احدهما الآخر كفاية. فلم تستطع ان تكتب له الا عن الامور السطحية من دون ان تذكر شيئا عن العذاب الذي تعاني منه جراء رحيله.
الحياة تستمر والايام اصبحت اسابيع والاسابيع شهورا. وديانا لم تتسلم جوابا على رسالتها. لم تستطع ان تكتب اليه رسالة اخرى. كانت تخبر صديقتها اونيس بما تشعر به وهي في قبضة الانتظار. فراحت تحاول اقناعها ان زواجها من جايسون كان خطأ عليها ان تنساه وتبدأ حياة جديدة.
قالت اونيس:
" نال من هذا الزواج ما يريد. وعندما قلت له انك ترفضين وقاحته، انتهزها فرصة ليتخلى عنك. وهو كان ينتظر فرصة كهذه، لأنه لم يعد يرغب فيك. لو كنت مكانك. لطلبت الطلاق. في اي حال، لن يعود اليك ابداً".
لكن ديانا كانت تقاوم طويلا فكرة الطلاق. وفي احدى الليالي، بعد سهرة امضتها مع اونيس وبول، قام هذا الاخير بتوصيلها حتى باب منزلها. وهناك حاول ان يقبلها. لكنها صدته واذا به يصرخ بصوت غاضب:
" لم اعد قادراً على الانتظار اكثر من هذا. "
" اسفة يا بول. لاتظن انني اتجاهل صداقتك. لكن جايسون مازال زوجي، و..."
" اعرف ذلك جيداً. لكن حان الوقت لتتخذي موقفاُ من هذا الموضوع."
" هل تعني ان علي ان اطلقه".
" نعم. وهذا يجعلني اكثر من صديق لك. انه يتيح لي ان اتزوجك."
" لكن علي ان اتصل بجايسون قبل ذلك. لا يمكنني ان احصل على الطلاق من دون ان اكلمه، او اراه. انني لا اعرف اين هو."
" ليس من الضروري ان تريهاو تحدثيه. ما عليك الا تسليم القصية الى محام لامع، يمكنه ان يرتب الامور بسهولة."
" شكرا لنصيحتك هذه، وربما هذا ما سأفعله، سأستشير احد المحامين، وسأعلمك بالامر في حينه."
لكنها لم تستشر اي محام. لقد فضلت ان تطلب النصيحة من والدها، الذي سألها ببرود:
" ولماذا تريدين ان تتصلي بجايسون هذه المرة. في المرة الاخيرة، لم يحالفك الحظ."
اجابته قائله:
" بول يريد ان يتزوجني."
" وانت؟ اتريدين الزواج من بول؟"
" لااعرف، اني احترمه، انه لطيف جدا معي، لكني خائفة من ارتكاب غلطة اخرى."
سألها كريستوفر في حدة:
" هل تعتقدين ان زواجك من جايسون غلطة"
اجابته من دون تردد:
" كلا، آه، لا اعرف. لم نتزوج الا من وقت قصير ونادرا ما رأيته وبالكاد اعرفه! يا ابي ارجوك ان تقول لي: ماذا افعل؟"
" بصراحة يا عزيزتي، اعتقد انك في حاجة الى اجازة يجب ان تغادري شقتك، لتذهبي الى مكان مختلف تماما، حيث لا تعرفين احداً. اعتقد انه يمكنك ان تطلبي اجازة من عملك."
" نعم، لدي اسبوعان من اجازتي، لكنني كنت انوي ان امضيها في اليونان، مع اونيس."
قطب كريستوفر حاجبيه وتابع يقول بصوت هادئ:
" لا اعتقد ان سفرك مع اونيس الي اليونان هو الحل الجيد. فهي شقيقة بول وغالبا ما تراه، وستجدين صعوبة في اتخاذ قرار عادل، حسب رأيي، من الافضل ان تأتي معي الى اميركا الجنوبية بعد اسبوع من الآن. سأذهب اولاً الى فنزويلا، ثم الى الاكوادور وبعدها الي البيرو، اذا سمح لي الوقت بذلك. انها رحلة عمل واستجمام في الوقت نفسه. هل تعجبك فكرة مرافقتي، كما في الماضي؟"
قبلت ديانا *** والدها واحست بارتياح. وها هي الان في كيتو، و والدها مصاب في قلب الادغال. وزوجها نائم في سريرها.
نهضت ديانا. احست بالبرد يخترقها. وشعرت بحاجة الى دخول السرير، و وضع غطاء فوق جسمها البارد.
كان جايسون نائما، وهو لن يشعر بها اذا اندست في السرير. الم يطئمنها انه لن يحاول ايذائها او حتى لمسها.
رفعت زاوية الغطاء وتمددت في الجهة الفارغة من السرير ورمت الغطاء فوقها واحست بالراحه والحرارة. مدت قدميها وتركت اطرافها تسترخي.
بعد ذلك بقليل تحرك الغطاء فجأة. قتحت ديانا عينيها. كان جايسون يتحرك في السرير واذا بذراع ثقيلة جامدة تقع على جسمها وتسمرها في السرير.
راح قلب ديانا يخفق مثل عصفور سجين. ولم تحاول القيام بأي حركة، لقد برحها النعاس، كانت خائفة ان يستيقظ زوجها.
وبالرغم منها، شعلت. تحركت يد جايسون الموضوعه فوقها، فلم تقم بأي حركة. واذا بجايسون يدور الى الجهة الثانية ويبتعد عنها. استعادت ديانا تنفسها وسمعته يهمس:
" حاولي ان تنامي بعض الشيء. غدا سيكون نهارا طويلا. وستكونين في حاجة لكل قواك."
صوت جايسون الناعس شد من عزيمتها. فاسترخت وسرعان ما لجأت الى النوم العميق.
عندما فتحت ديانا عينيها، كانت الشمس قد اشرقت، وكل ما حولها ساكن. وللحظة قصيرة، تسائلت ما ذا كان ما حدث امس مجرد حلم. استدارت، وكانت الجهة الثايه من السرير فارغة. جايسون كان قد غادر. فنهضت ونظرت الى الكرسي حيث وضع جايسون قميصه وسترته. فلم تر شيئاً.
ذهب دون ان يترك اية رسالة. نهضت من سريرها، ودخلت الحمام لتأخذ حماما سريعا، ثم ارتدت فستانا من القطن المعرق. وبينما كانت تسرح شعرها، رن جرس الهاتف.
وفي اضطراب، امسكت بالسماعة وسمعت صوت جايسون:
" واخيرا استيقظت ايتها الكسولة. ما رأيك في تناول فطور الصباح، لأشرح لك كيف نظمت سفرك الى يونو. فلم تسمح لنا الظروف ان نتكلم عن هذا الامر امس. "
سألته ديانا:
" اين انت؟ "
" في قاعة الاستقبال. انتظرك بعد ثلاث دقائق."
" بعد خمس دقائق."
كان يتمشى مثل اسد في قفص. ولاحظت ديانا ان النساء العابرات يتريثن لينظرن اليه. كان ممشوق القامة، اشقر، لوحته الشمس في هذه البلاد، حيث معظم الرجال سمر وشعرهم اسود.
قال لها من دون مقدمة:
" اتصلت بغاري فاوست. انه وكيل مدير الشركة. لقد ابلغني ان كريستوفر امضى ليلة جيدة في المستشفى. وهو موافق ان ترافقيني الى بونو."
سألته وهي تتوجه نحو غرفة الطعام:
" ماذا؟ هل كنت في حاجة لأستئذانه؟"
" لا، لكن الاشخاص الذين يقومون بالابحاث في حقول النفط، يفضلون ان يعرفوا مسبقاً مع من يتعاملون. انهم يخافون ان تقدم الشركات المنافسة على ارسال من يتجسس عليهم."
" شكرا. لم اكن افكر ان..."
فوقفت فجأة وجلست في الكرسي امام الطاولة.
" لم تفكري بماذا؟"
" انك قلق لهذا الحد لما حصل لأبي."
رمق جايسون ديانا في استغراب ثم هز رأسه وقال:
" ان لك رأياً غريبا في الناس عامة وفي انا بشكل خاص. لماذا تعتبرين ان الذي حصل لوالدك لا يهمني او يجعلني غير مبال ولا مكترث؟ اولاً انه انسان، كما اني اكن له كل محبة..."
توقف عن الكلام بعدما جاء الخادم ثن اضاف:
"ماذا تريدين ان تشربي؟ هل سبق وتذوقت الليمون الذي ينمو في هذه البلاد؟ يجب ان تجربيه. انه لذيذ الطعم وتجدينه فقط هنا في الاكوادور."
طلب جايسون كل ما يريد بلغة اسبانية صحيحة. وسألته ديانا بتعجب:
" لم اكن اعرف انك تتكلم الاسبانية؟"
" امضيت السنوات الثماني الاولى من عمري في هذه المدينة. لقد اخبرتك ذلك. ثم عشت في تكساس حيث اللغة الاسبانية هي بمثابة لغة ثانية. اتعرفين، ان الولد الذي يتعلم لغة اجنبية لا ينساها مدى الحياة. وعلى هذا الاساس عرضوا علي العمل هنا."
ثم اضاف فجأة:
" غيرت تسريحة شعرك."
وللمرة الاولى شعرت ديانا بالخجل امام زوجها. وفي حركة لا شعورية وضعت يدها على شعرها وقالت:
" قصيته حسب الموضه."



" كنت افضله عندما كان طويلا."
وهنا شعرت ديانا كأنها ارتكبت جريمة لا تغتفر، لأنها قصت شعرها!
جاءت الترويقه المؤلفة من البيض المسلوق والقهوة ذات النكهة اللذيذة، وشرائح الخبز المحمص والزبدة. وراحت ديانا تأكل في شهية وهي تتذكر آخر فطور تناولته مع جايسون، منذ سنة تقريباً.
وفجأة تذكرت اليوم الذي سبق سفرها بمدة وجيزة، عندما سألت والدها عن جايسون، واين يمكن ان يكون. ولم تنتبه الا الآن انه لم يرد على سؤالها. ثم تذكرت سبب سؤالها عنه ولماذا ارادت ان تعرف مكان وجوده.
يجب ان تجد الوقت المناسب في الايام القليلة الباقية امامها لابداء رغبتها في الطلاق.
فجأة تقلصت معدتها ولم تعد قادرة على ابتلاع لقمة اخرى. اما جايسون، فكان يأكل بصمت ويشرب قهوته جرعة وراء جرعة ويدخن في هدوء سيكارا صغيرا.
قالت له ديانا:
" لم تكن تدخن."
" تغيرنا انا وانت في سنة واحدة. انت اصبح شعرك قصيرا، وانا صرت ادخن السيكار. على كل حال عندي اسباب لذلك. ففي الادغال، يساعد الدخان على ابعاد الذباب والبرغش. هل علي ان استأذنك قبل ان ادخن."
تشنجت اعصابها لكنها لم ترد، اذ قررت ان تحافظ على ضبط النفس بصورة تامة. واضاف جايسون يقول:
" اذا انتهيت من الاكل، من الافضل ان نذهب الان. وجدت مكانين في طائرة صغيرة ستغادر كيتو عند الضهيرة. هل هناك شيء تريدين القيام يه قبل مغادرتنا كيتو؟"
اجابت بتعجب بعد ان تذكرت:
" آه، لقد نست كلياً... كان من المفروض انا اتناول طعام الغداء اليوم مع ماريا سواريز سبق لوالدي ان دعا السينيور سواريز الى لندن، ونحن الان ضيوفها."
" اعرف، اما زلت تعملين عند الصديق باجي؟"
تعجبت ديانا ان جايسون ما زال يتذكر اسم معمل الالبسة الصغير الذي تعمل فيه، كانت تظن انه نسي كل شيء يتعلق بها.
" نعم ...اني ناجحة في عملي. والثياب التي اصممها تباع بكثرة."
ومن دون وعي، كانت تحاول اقناعه انها لم تمض تلك السنة في انتظاره، او في البكاء.
قال جايسون:
" لماذا جئت الى هنا مع والدك؟"
فكرت ديانا انها الطريقة االفضلى للتحدث عن الطلاق. لكنها لم تكن قادرة على الاقدام على هذه الخطوة. اجابة بتوتر:
" كنت انوي ان امضي عطلتي في مكان ما. فطلب مني والدي ان ارافقه. وكنت احب التعرف على اميركا الجنوبية. لست نادمة ابدا. انها منطقة رائعة."
سألها باسترخاء من دون ان يحول نظره عنها:
"هل تحبين كيتو؟"
اجابته مبتسمة:
" كثيراً. اعتدت على العلو الشاهق. اني اشعر باني في بلد ساحر."
" عندما تشاهدين الادغال، سترين انها اكثر سحراً. واذا بقيت هناك بعض الوقت، ستتغيرين كلياً."
ماذا يقصد بذلك، هل ان عمله في قلب الادغال جعله يتطور؟ ونظرت اليه ولاحظت التجوف تحت عينيه. فكان يبدو كأنه عاش تجربة قاسية جداً.
نهضت ديانا وقالت:
" يجب ان اعلم ماريا بالامر."
" هذا سهل جدا. سنمر عليها قبل ذهابنا الى المطار. اذهبي واحضري حقائبك، وغيري ثيابك، لان ثوبك هذا ليس لائقا بأمرأة ذاهبة الى قلب الادغال. وستضعين بقية اغراضك عند ماري."
" يبدو انك تعرفها جيدا."
" نعم، اني اعرفها جيدا. هيا لا تتأخري."
وفي السيارة كانت ديانا تتأمل وادي كيتو، والمنازل ذات السقوف المبنية من حجارة القرميد الاحمر، واالقباب المستديرة للأديرة والكنائس القديمة. فجأة قالت ديانا:
" سيكون من الصعب جدا ان تشرح لماريا اننا متزوجان، واننا..."
اجابها وهو يسرع في القيادة:
" واننا...ماذا؟"
" واننا مفترقان."
سألها في سخرية:
" وهل نحن مفترقان حقاُ؟"
" كيف تفسر اننا لم نعش مع بعضنا كما يجب قبل ذلك ايضاً. على كل حال، ماريا انسانة متفهمة. انا سبق واخبرت سانشو عن وضعنا، ولابد انه اخبر ماريا بذلك. سيتسائلان لماذا نتصرف بهذه الطريقة لكن، من ناحية اخرى، انهما شخصان متسامحان، ويقبلاننا كما نحن، من دون ان يطرحا اي سؤال. وهذا ما يعجبني فيهما."
وفهمت ديانا ان جايسون اراد ان يجعلها تلاحظ انها غير قادرة على ان تقبل الناس كما هم، من دون اسئلة.
وصلت السيارة بهما الى قلب المدينة. المارة يجتمعون على الارصفة: رجال اعمال انيقون، جنود بالبذلو الرسمية، تلاميذ واقفون في الصف، ربات المنازل يتأبطن السلال، هنود يرتدون معطف البونشو المختلف الالوانن والقبعات المحاكة من القص المحلي.
كان جايسون يقود السيارة في الشارع الرئيسي بعدما راح يعبر طرقات صغيرة مارا تحت رواق مزين بالفاكهة والازهار. ثم توقفت السيارة في الساحة الكبرى التابعة لمنزل عائلة سواريز، وهم منزل رائع من الطراز الاسباني.
سمعت ديانا صوت المياه و زقزقة العصافير المتجمعه حول المياه. ولاحظت كثافة المزروعات: اشجار الليمون في جوار الصبار، وكذلك شجر النخيل الذي يعكس ضلا مبعثرا على الارض المبلطة بالفسيفساء. وفي كل مكان من المنزل كانت ترى النباتات المتسلقة على الجدران البيضاء، المحملة زهوراً حمراء وصفراء.
قالت ديانا بسحر:
" انها من الاماكن المفضلة لدي."
اجابها جايسون:
" وانا ايضاً، احب هذا المنزل كثيراً."
انفتح الباب الخشبي القديم المنحوت. وظهرت ماريا سواريز، انها امرأة نشيطة، مرحة ومليئة بالدفء. راحت مسرعة نحو جايسون وقبلته قائلة:
"جايسون،صديقي، كيف حالك؟"
اجابها بالاسبانية وهو يشير نحو ديانا. عانقتها ماريا وقالت:
" آه، ديانا، اني اسفة جدا لما حصل لوالدك. ماذا تنوين فعله؟"
اجاب جايسون:
" اني اصطحب ديانا الى بونو حتى نرى والدها اليوم. وستقلع الطائرة عند الضهر."
قالت ماريا وهي تهز رأسها موافقة:
" حسناً. هكذا يجب ان تتم الامور. عندما يكون هناك مشاكل، فنحن كلنا في حاجة الى الذين نحبهم. تفضلوا وادخلوا الى المنزل. ما رأيكما بفنجان قهوة قبل رحيلكما."
سألها جايسون:
" هل يمكنك ان تؤدي لنا خدمة بسيطة يا ماريا؟"
اجابت ماريا:
" بكل سرور، ماذا تطلبون مني ان افعل؟"
" هل يمكن لديانا ان تضع عندك جزءاً من حقائبها، من اجل الا نضع ثقلا في الطائرة؟"
" طبعا، بوسعك ان تضع الحقائب في الغرفة التي سكنت فيها، يا صديقي. سنأخذ القهوة القهوة في قاعة الاستقبال. رامون هنا في المنزل واعتقد انه يحب ان يراكما."
كانت الغرفة التي سكن فيها جايسون تطل على الحدائق المزروعه بجميع انواع الفاكهة المحلية. وكان اثاثها فاخراً.
قالت ماريا وهي تساعد ديانا على اختيار الفساتين التي تنوي اخذها معها الى بونو.
" جايسون بقربك وسيساعدك لترتبي امورك وتحلي مشاكلك، كما يفعل الزوج الصالح."
تلعثمت ديانا وهي تقول:
" لابد انك استغربت اني... اني لم احدثك عنه."
"هذا لم يفاجأني! انني اعرف كيف يحتفظ الانكليز بمشاكلهم لانفسهم. لقد ادركت انك زوجة جايسون، لانك تحملين اسم عائلته."
" لم اكن اعرف انه موجود في الاكوادور. لم يقل لي ابي شيئاً بهذا الخصوص."
اجابتها ماريا وهي تبتسم:
" لكن والدك يحبك كثيراً، يا عزيزتي. وهو قلق عليك اكثر من اللزوم."
اجابتها ديانا:
" صحيح؟هل كنت تعرفين ان جايسون متزوج؟ هل اخبرك بذلك؟"
"نعم، كنت اعرف انه متزوج، لكن ليس جايسون الذي اخبرني بذلك. لم يكلمني عنك منذ ان عرفته، وحتى عندما سكن عندنا بعد الحادث الذي اصابه."
"حادث؟ اي حادث؟"
تذكرت ديانا فجأة آثار الحروق التي رأتها على جسم جايسون الليلة الفائتة.
اجابتها ماريا بتعجب:
" لم تسمعي بالحادث؟ الم يخبرك جايسون بالحادث الذي تعرض له؟ آه، اني لا ارى داعيا لهذا الكتمان. نحن شعب اميركا الاتينية، لا يمكننا ان نفهمكم ابدا، انتم الانكليز!"
سألتها ديانا بالحاح:
" ارجوك، اخبريني ماذا جرى له؟"
قالت لها ماريا وهي تدلها الى السرير المغطى بالحرير الثمين:
" تعالي واجلسي هنا لحظة."
" حدث ذلك بعد مجئه الى هنا باسبوعين تقريبا. لقد تهدم بئر من ابار النفط وبقي احد الرجال تحت الانقاض. حاول جايسون ان يرفع قضبان الحديد لينقذه، لكن احدى القطع الكبيرة سقطت عليه. واعتقد الجميع انه قتل. في كل حال، لو لم يكن يتمتع بقوة ومناعة، لما استطاع ان يقاوم الآلام التي عذبته بضعة شهور وكان قضى نحبه. لازم الفراش لمدة ستة اشهر. وخلال فترة النقاهة، كان يسكن هذه الغرفة، آه، ما كان يجب ان اخبرك. اراك شاحبة اللون. ارجو الا يغمى عليك؟"
" انا على ما يرام، اؤكد لك ذلك ذلك. اكملي. ارجوك. لماذا جاء يسكن هنا؟"
" كما تعرفين، سانشو زوجي، له مصالح في الشركة النفطية حيث يعمل جايسون. وسبق له ان تعرف الى والد جايسون وتذكر وفاته المؤسفه في بلادنا. عندما ذهب سانشو الى المستشفى لزيارة زوجك، خيل اليه ان شيئاً ما يدور في رأسه لم يعجبه. كان يائساً ومن الصعب ان يشفى تماما اذا بقيت معنوياته هابطة. وعندما اخبرني رامون بذلك، طلبت منه ان يقترح عليه الشكن عندنا. فقد كنت اهتم به كل الاهتمام. بمساعدة ابنة اخي روزا. تكلمنا عن اشياء كثيرة، لكنه لم يلمح الى وجودك بأي اشارة. ما الذي جعلكما حزينين هكذا، يا ديانا؟"
" لقد تشاجرنا."
" تشاجرتما؟ هه هه! سامحيني اذا ضحكت هكذا، لكن ماذا تعني المشاجرة؟ سانشو وانا غالباً ما نتشاجر، لكننا نتصالح دائماً، وبسرعة."
اجابت ديانا:
" لكن في مثل وضعنا، كانت الامور حساسة للغاية. ان كذب جايسون علي. لم يكن قد مضى على زواجنا اكثر من تسعة اشهر، عندما اكتشفت ان هناك امرأة اخرى..."
توقفت فجأة عن الكلام، بعدما ادركت انها ذهبت بعيداً في الاعتراف.
اجابتها ماري بصوت ناعم:
" انا افهمك، انت تتعذبين. وبسبب هذا العذاب اردت ان يتعذب هو بدوره. ثم هناك عنفوانك. يا للأسف، لان جايسون في حاجه الى دفئك والى نعومتك. اني آمل ان ينفتح قلك له من جديد، وان تحبيه من جديد. هيا بنا نتناول القهوة. ان رامون يصر على لقائك."
دخلا قاعة الاستقبال وكان رامون في انتضارهما. انه رجل نحيف، ذو شعر اسود وملامح ناعمة تقدم من ديانا، التي فوجئت، اذ راح يقبل يديها بشغف كبير ويقول بنبرة مسرحية:
" اني اسف جدا."
"لماذا؟"
اجابها وهو ينظر الى جايسون:
" لأني علمت الآن انك زوجة جايسون، هذا الانسان الرائع."
" لكن كنت تعرف اني امرأة متزوجة، لابد ولاحظت خاتمي."
" نعم، لكني اعتقدت انك ارملة. لم تخبرينا عن زوجك."
سمعت ديانا صوت جايسون يناديها من الغرفة المجاورة:
" ديانا، هل انت مستعدة؟"
اقترب جايسون من رامون وقال له مازحاً:
" لا تتعب نفسك، يا صغيري، السيدة ليست في سنك."
" لم اعد ولداً صغيراً اني رجل مثلك!"
" اتعتقد ذلك؟ يبدو لي انك ما زلت متعلقاً بثياب امك."
قالت ديانا لجايسون وهي في السيارة:
" ما كان يجب ان تسخر من رامون. كان يريد المزاح فقط".
" الم تنتبهي ان رجلاً من عمره من السهل ان يقع في شراك الغرام. انه يفتش عن المرأة المثالية. ومن الممكن جداً ان يتصور انك انت تلك المرأة. الا تعرفين انك تجذبين الرجال، خاصة بعدما نضجت بعض الشيء."
" انا لست آكلة الرجال!"
" في كل حال، انت تحبين ان يغازلك الرجال. انا، الذي اعتقدت انك امرأة رائعة، عندما تعرفت عليك، اصبت بخيبة الأمل."
كلامه هذا كان صدمة لديانا. فراحت تغرز اظافرها في كفيها. فهي تتعذب لما يقوله الآن.
غادرت السيارة المدينة ودخلت في طريق عريض تصل بهما الى المطار. ومن بعيد بدأت تظهر مرائب الطائرات. وفي الاعالي برزت الجبال الخضراء التي كانت ترى بوضوح تحت سماء زرقاء خالية من الغيوم.
شعرت ديانا بالألم يهدأ في داخلها. لماذا هي وحدها تتعذب؟ كل الكبت الذي تراكم خلال 15 شهراً. انبثق ثانية وانهمر عليها كالحمم التي يقذفها البركان عند ثورانه.
قالت ديانا غاضبة:
" لم تكن الوحيد الذي اصيب بخيبة امل. انا التي لم اكن سوى فتاة مسكينة عاطفية تتعلل بالاوهام، وقعت في غرام رجل اعتقدته صادقاً، كما تصورت انه يحبني كما احببته! واعتقد انك عندما تزوجتني، كنت مستعداً للتخلي عن حريتك. لكن لم تكن مؤهلا لذلك. فلم يكن في نيتك التخلي عن اي شيء لتصبح زوجاً كما يجب، ولم تتصرف معي كما لو كنت زوجتك. لم اكن بالنسبة اليك غير امرأة كبقية النساء، عبدتك، تلك التي تأتي لزيارتها في لندن، من وقت الى آخر ..."
اجابها بحدة:
" هذا غير صحيح."

" اذن، لماذا ذهبت هكذا، بغتة؟ لماذا لم تكتب لي تقول اين انت؟ لم تكن تريدني؟ او لأنك كنت سعيداً للغاية لأني اعطيتك فرصة الانفصال عني!"
شعرت ديانا بانزعاج وسكتت وراحت تحدق بالطريق امامها من دون ان ترى شيئاً. كان قلبها يخفق بسرعة. واقتربت السيارة شيئاً فشيئاً من ابنية المطار. ثم دخلت الباحة المخصصة لوقوف السايرات و وقف في احدى المواقف قرب السيارات الاخرى. وبهدوء تام. اقفل جايسون محرك السيارة. و وقع الصمت المزعج بينهما.
القت ديانا نظرة جانبية الى جايسون. كانت يده ممسكة بمقود السيارة. فالتفت نحوها واصبحا وجهاً لوجه. كان وجهه قناعاً لا يمكن اختراقه.
قال اخيراً في نبرة ساخرة:
" اذن، هكذا تنظرين الى الامور. اني اعرف جيداً كم الذي ساعدك على تبني هذا الرأي. صديقتك العزيزة، اونيس فهي غيورة منك لدرجة انها تعمل كل جهدها لاتهامي امام عينيك..."
تلعثمت ديانا وراحت تدافع عن صديقتها:
"لم تقل...اعني، لم تكن ..."
لكنها اضافت بفضول:
" اونيس، تغار مني؟ ما تعني بذلك؟ لماذا تغار مني؟"
" لست انا الذي سوف اشرح لك ذلك. لكني احب ان تعرفي اشياء كثيرة. عندما ذهبت بغتة كما تقولين، جئت الي هيوستن. وهذا ما قلته لك. ومن هناك جئت تراً الى كيتو لأحل مكان وكيل المدير الذي يختص بالابحاث. واتصور انك لن تصدقي ما سوف اقوله الآن. كنت اريد ان اكتب اليك واطلب منك ان تأتي الى هنا. وكنت وجدت لنا منزلاً في المدينة، وهكذا نكون معاً كلما اعود من الادغال. لكن قبل ان اجد الوقت للكتابة، كان علي التوجه الى الاماكن حيث تجري الابحاث، وذلك من اجل تصفية احد المشاكل. وهناك، حدث شيء ما فمنعني من تحقيق هذا المشروع."
" الحادث، اعرف، اخبرتني ماريا اليوم."
وشعرت ديانا بالألم عندما تصورته جريحاً وهي عاجزة عن فعل اي شيء لمساعدته و الاهتمام به.
تابع جايسون كلامه كأنه لم يتوقف:
" ولما بدأت صحتي تتحسن وصرت قادراً على الوقوف، وصلت رسالتك. وبسبب التأخير في البريد، بقيت الرسالة في الطريق اكثر من ثلاثة اشهر."
توقف لحظة واخذ نفساً عميقاً ثم تابع:
" اتعرفين بماذا فكرت عندما قلت لي في رسالتك انك مستعدة لتسامحيني. بالنسبة الي هذا يعني انك فقدت الثقة بي، وانك ما زلت تعتبرينني دجالاً محتالاً. وبما انك تنظرين الى علاقتنا بهذا المنظار، فأنا لا اريده هذه العلاقة. ولهذا السبب رفضت الاجابة على رسالتك. وكنت آمل ان تنضجي ذات يوم، وتنظري الى الاشياء بعين مختلفة، او..."
توقف عن الكلام ثم ما لبث ان اضاف بصوت قاتم:
" او ان تطلبي الطلاق."
ان فكرة الطلاق التي حاولت ان تكبتها في اعماقها، طفت الي السطح وبدت بشعة. وغريزياً حاولت ديانا ان تبعد هذه الفكرة لأنها ادركت انها لا تريد الطلاق بالفعل.
قالت بصوت منخفض:
" اني آسفة للحادث الذي اصابك، والآلام التي عانيت منها. لو فقط اخبرني احد بالامر..."
اجابها بمرارة:
" ماذا كان حدث؟"
" كنت اخذت الطائرة والتحقت بك..."
"لتمسكي بيدي وتقولي انك سامحتني؟ لا شكراً."
ادارت ديانا وجهها حتى لا تدعه يرى الدموع التي بدأت تتساقط.
تابع جايسون:
" ارجو ان تفهمي ما كنت احاول قوله. لا اريد منك ان تسامحيني، لست في حاجة لأن احصل على الغفران. ليس عندي شيء آخذه على نفسي."
" لكنك رفضت ان تقول لي لماذا ذهبت الى باريس. انه شكل من اشكال الكذب، اليس كذلك؟"
وفي عنف، فتح باب السيارة وخرج منها. ثم انحنى قليلاً وقال لها من خلال النافذة:
" ما الجدوى من الكلام. ارجوك ان تخرجي من السيارة وان تسرعي، لأنه اذا بقينا هنا نتجادل، فلن نستطيع ادراك الطائرة التي لن تنتظرنا بالطبع. هيا اتبعيني."

 
 

 

عرض البوم صور lona-k   رد مع اقتباس
قديم 04-10-08, 07:22 AM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 65483
المشاركات: 367
الجنس أنثى
معدل التقييم: lona-k عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 93

االدولة
البلدSyria
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
lona-k غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : lona-k المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

الفصل الرابع :-



عالم جايسون



وعندما شاهدت ديانا الطائرة التي ستأخذها الى بونو , أدركت لماذا أصرّ جايسون الاّ تأخذ سوى حقيبة واحدة .
إنها طائرة صغيرة بمحركين , لا تنقل سوى ستة مسافرين .
طلب جايسون من ديانا ان تضع حزام الأمان .
ليس في الطائرة مضيفات , وكل مسافر مسؤول عن نفسه .
وبعد دقائق قليلة , أقلعت الطائرة وحلقت في مضيق عميق بين جبلين .
وبعيداً في نهاية المضيق , سيل صغير يتدفق مثل خيط رفيع فضي ضائع في وسط كتلة خضراء .
داخل الطائرة , تجلس قرب ديانا فتاة في العاشرة من عمرها , تبدو من أصلٍ هندي , وهناك رجل وإمرأة تحمل طفلاً , وجايسون يتحدث مع رجلٍ أبيض يبدو أنه على معرفة وثيقةٍ به .
يدأت الطائرة بالهبوط تدريجياً نحو عمق المضيق الذي راح يتسع شيئاً فشيئاً ,,
ثم أصبح السيل المائي نهراً .
لاحظ جايسون اهتمام ديانا بالمنظر الذي يحلقون فوقه ,
فقال لها شارحاً :
" إنه نهر تايو ,أحد روافد نهر الأمازون ,
قام والدي بأبحاثه على بعد قليلٍ من هنا , أكثر شمالاً ".
" هل عثرتم على البترول ؟".
شعرت بالغيظة عندما أدركت أنها المرة الأولى التي تدخل فيها الى عالم زوجها ,
هذا العالم الذي كان يبعدها عنه , عندما كانا يعيشان معاً في لندن .
أجابها جايسون :
" نعم , والآن نفتش عن البترول في الجنوب , ونأمل في إيجاد طبقة تكون امتداداً للتي اكتشفها والدي ".
" ألم تعثروا على شئ بعد ؟ ".
" بلى , لكننا ما زلنا في حاجة الى القيام باستكشاف وتحاليل كثيرة .
والدي عمل هنا لعدة سنوات ".
تسائلت ديانا في نفسها ان هناك ولا شك مسألة مهمة ,
لقد اخبرها ان في نيته البقاء هنا في الاكوادور ,
واذا بالطلئرة تنتفض وتدخل في جيوب هوائية .
راح الطفل يبكي والفتاة الصغيرة ترتجف خوفاً ,
أمسكتها ديانا بيدها تشد عليها , فابتسمت الفتاة ,

استدار الطيّار وتفوه ببعض الكلمات الهندية ونظر الى الركاب بعينين مطمئنتين ,
فارتاح هؤلاء الى ما سمعوه .

قال جايسون لديانا :
" قبطان الطائرة اسمه تييد تورنر , وهو في الوقت نفسه طبيب , لا يمكنك انتتصوري مدى اخلاصه وتفانيه تجاه الهنود , لقد انتشر بين القبائل وباء الحصبة الذي أدخله البيض معهم ,
ويقوم تييد وأصدقاؤه بإدخال اللقاحات الى الأدغال ويعالجون السكان بأنفسهم ,
وهذه طريقة جيدة لإقناع الهنود بأن البيض ليسوا كلهم رديئين ".
قالت ديانا وهي تنظر الى الغابة المليئة بالاشجار :
" من هنا يبدو الدخول الى الادغال صعباً ".
" كلا , إنها ليست كذلك , في الماضي كان الناس يتجمعون على
ضفاف النهر قبل ان يجلب الاسبان الامراض معهم .
ان اسلاف هذه الفتاة الجالسة الى جانبكِ عاشوا هنا عدة سنوات , وكانوا يحمون انفسهم ضد الغرباء باستعمالهم الاسهم الصغيرة المسمومة , وبعضهم ما زالوا يستعملونها الى اليوم ,
انهم الهنود الجيفارو , وميزتهم الاساسية هي التوصل الى جعل الرأس البشرية في حجم برتقالة ".
نظرت ديانا الى الفتاة وقالت :
" آه ..لا .. يا الهي !".
قال جايسون و هو يضحك :
"لا تخافي , ان معظم الهنود اليوم يلجأون الى التقاليد نفسها ,
فالرجال مثل تيد جعلوا بعضهم يألفوننا ,
ستهبط الطائرة بعد دقائق قليلة , ونحن وحدنا سنذهب الى بونو مع الباحث الجالس قبالتي ,
وتيد سيوصل العائلة الهندية الى بلدتها مع الادوية .
كان الطفل يشكو من مشاكل في الجهاز الهضمي , فأخذهم تيد الى كيتو ,
واجرى للطفل عملية جراحية , والظاهر ان الجراحة نجحت والولد في صحة جيدة ".
فوجئت ديانا باهتمام جايسون بأهل البلد , لكنها تجنبت إبداء أي ملاحظة حول هذا الموضوع .
حطت الطائرة في مدرج مطار صغير , كان الهواء ساخناً ورطباً , وملابس ديانا تلتصق بجسمها .
فجأة ظهرت في السماء طائرة هليكوبتر تشبه التنين الضخم , شئ غريب في هذا الديكور المتنوع ,
وما ان هبطت الطائرة الى الارض حتى خرج الرجال في بذلات عملهم وتوجهوا نحو المرآب .
صعد الجميع في شاحنة كانت في انتظارهم , فتبعهم جايسون وديانا .
تحركت الشاحنة متوجهة نحو مدينة بونو .
ولدى دخول الشاحنة قلب المدينة , اكتشفت ديانا ان بونو مدينة حقيقية , تشبه المدن الصغيرة , وابنيتها من الطراز الاسباني .

عندما كانت لا تزال في الطائرة كانت تتوقع ان ترى بعض الاكواخ المنثورة هنا وهناك في قلب الادغال .
كانت المنازل قديمة العهد من ايام الاستعمار .
جدرانها مطلية بالكلس الابيض وسقوفها مبنية من حجارة القرميد .
وأعلى بناء في هذه المدينة كنيسة فوقها برجان يطلان على بقية المنازل .
وهنا وهناك بعض ا لبيوت الحديثة العهد المؤلفة من طابق واحد .
قالت ديانا وهي تلتفت نحو جايسون :
" لم اكن اتصور ان بونو مدينة بهذا الاتساع ".
" هذه المدينة تتطور بسرعه بسبب الابحاث التي تجري لاكتشاف البترول ,
كذلك صناعة السكر من القصب السكري .
وعائلة ماريا تمتلك معامل عدة , ويمكنك ان تقراي اسم عائلتها قبل الزواج على عدد لابأس به من المباني , "هنا معامل غييارمو " و كذلك هناك السياح الذين ياتون دائماً .
البعض يقول ان بونو هي مدخل الادغال ".

دخلت الشاحنة ساحة ضيقة حيث تنتصب كنيسة صغيرة وفي الجهة المقابلة بناية من الخشب واجهتها مزينة بكلمات منقوشة بأحرف مصنوعه من النيون " الفندق الكبير " .

امر جايسون سائق الشاحنة بالتوقف امام الفندق .
وعندما دخل جايسون وديانا الى مدخل الفندق , كانت تنظر اليهما امرأة هندية عجوز , على رأسها قبعة عريضة من القش , قربها سلة مليئة بالبرتقال و الليمون الحامض .
راح جايسون يشرح لديانا وهو يتسلق سلماً قديماً من الخشب يصل الى شرفة كبيرة تطل على المدينة :
" في هذا الفندق انزل عادةً , هل انتِ جائعة ؟".

" قليلاً , اني اشعر بالظمأ ".

" سنضع حقيبتكِ في غرفتي , ثم نأخذ طعاماً خفيفاً ويعدها اوصلكِ الى المستشفى ".
كانت صاحبة الفندق امرأة بدينة , استقبلت جايسون بابتسامة عريضة و رحبت بديانا في كلمات لطيفة .
في غرفة جايسون سرير عريض ضخم , وخزانة وطاولة , نوافذ الغرفة تطل على الساحة الصغيرة , وهناك حمام متصل بالغرفة القديمة العهد , لكنها نظيفة , والحمام أيضاً .
دخلت ديانا وغسلت يديها و وجهها بسرعة ثم ارتدت فستاناً من القطن .

نزلا الى غرفة الطعام و راحا يحتسيان عصير البندورة ويأكلان وجبة مؤلفة من الدجاج المطهو مع البصل و البندورة و الفليفلة الخضراء , تقدم مع الأرز .

بعد هذه الوجبة الدسمة , شعرت ديانا بارتياح وفرحت عندما اقترح عليها جايسون الذهاب الى المستشفى مشياً على الأقدام .

" المستشفى ليست بعيدة من هنا , ويمكنكِ ان تعودي الى الفندق من دون صعوبة ,
أما أنا فليس في وسعي أن أبقى معكِ , هناك مشكلة في إحدى الآبار الجديدة و اني مضطر ان اذهب الى هناك في الحال , أي بعد ايصالك الى المستشفى ".
سألته وهي تحاول جاهدة ان تتصرف باسترخاء ومن دون ان تجعله يلاحظ الخوف من ان تجد نفسها متروكة وحيدة في هذا المكان المجهول :

" هل ستعود في المساء ؟".

" لست متأكداً , لا تنتظريني ".

حين خرجا من الفندق بدأ المطر يتساقط , أمسك جايسون بذراع ديانا وأسرعا نحو المستشفى ,
وهو بناء مؤلف من طابقين , وما ان وصلا الى باب المستشفى الزجاجي حتى راح المطر ينهمر بعنف يشبه العاصفة .
لم تر ديانا المطر ينهمربهذه القوة كما تراه الآن . كأنما خيوطاً طويلة رمادية تصل السماء بالأرض ,
وتبدو الأبنية كأنها تقترب من بعضها البعض .

الشارع أصبح مستنقعاً كبيراً من الوحل و الماء .
استقبلت ديانا إمرأة شابة ترتدي بذلة بيضاء و تتكلم اللغة الانجليزية بطلاقة :
" السينيور فارلي سيكون سعيداً لرؤيتكِ , لكنه متعب وما زال تحت تأثير الصدمة , فالضربة التي أصابته في رأسه كانت عنيفة للغاية ".
سألتها ديانا :
" اتعتقدين انه سيتمكن من العودة الى كيتو قريباً ؟".
" لا يمكنني ان اعطيكِ جواباً على سؤالك , عليكِ أن تسألي الدكتور ويلبي الذي سيحضر في الغد .
إن غرفة والدكِ في الطابق الثاني , الغرفة الثالثة يساراً في نهاية الممشى ".
أجابتها ديانا وهي تبتعد :
" شكراً جزيلاً ".

ربت جايسون على كتفها وهمس قائلاً :
" ليس لديّ الوقت لأرافقكِ , علىّ أن أعود الى المطار لأستقل الطائرة المقبلة ".
في هذه اللحظة بالذات لم يكن أمام ديانا سوى رغبة واحدة فقط ....
أن تضع رأسها على صدر زوجها وتحيط خصره بذراعيها ,
رفعت راسها وقالت بتوسل :
" جايسون , لا تذهب , ارجوك ان تبقى معي ".

منتديات ليلاس



تردد قليلاً وتقلّصت عضلات وجنتيه , لكنه سرعان ما استرخى و نظر الى الخارج حيث المطر ما يزال ينهمر ,
ثم قال لها في حزم :

" لا أتسطيع ".

" إذن أرجوك أن تعود الليلة ".
" لا يمكنني أن اعدكِ بشئ , هناك احتمال لأن اضطر الى التغيّب أياماً عدة ".
أجابته بلهجة يائسة :
" ربما غادرتُ البلاد قبل ان تعود ؟
قد يشفى أبي بسرعه ونعود الى كيتو , فماذا ستفعل ؟".
استدار عنها وتوجه نحو الباب ,
شعرت ديانا بالذعر لمجرد التفكير بانه يتركها من دون ان تعرف متى سيعود,,,
تماماً كما حدث منذ سنة ,
وأمام الباب توقف جايسون والتفت نحوها وراح يتأملها ,
كأنه يريد ان يرسخها في ذهنه , تشجعت ديانا واقتربت منه ووضعت يدها على ذراعه و همست :

" اتوسل اليك جايسون "

أجابها بمرارة :
" لماذا تتوسلين الىّ ؟
هل تريدي أن أعدكِ بشئ يرضيكِ حى تعاتبين اذا لم أستطع ان ابرّ بوعدي ؟
.. لا .. أبداً ,, هل تفهمينني ؟

اذا لم تكوني هنا عندما أعود الى بونو , سوف أعرف ان كل شئ انتهى بيننا ,
ولن احاول البحث عنكِ , هل انا واضح ؟
سلامي الى كرستوفر ,
وقولي له من جانبي انني اتمنى له الشفاء العاجل ".

خرج جايسون بسرعة , وشاهدته ديانا يبتعد تحت المطر القوي , ثم إختفى ,
صعدت الى الطابق الثاني وتوجهت نحو الممشى الذي يقودها الى غرفة والدها .
كانت غرفة صغيرة ونظيفة , وكان الهواء داخلها منعشاً بسبب المكيّف المعلق في سقفها .
استقبلتها ممرضة تسهر على عناية كريستوفر فارلي وقالت وهي تبتسم :
"هذه ابنتك يا سيد فارلي ".
ثم ابتعدت وقالت قبل ان تخرج من الغرفة :
" ما زال تحت تأثير الصدمة , أرجوكِ أن تبقي معه طويلاً وحاولي ألاّ تدعيه يتكلم كثيراً ".

كان وجه كريستوفر شاحباً وعيناه تعكسان قسوة المحنة التي اصابته .

كانت يده اليسرى مثبتة في الجص ورأسه ملفوفاً بضمادة لإخفاء جرح ما من دون شك ,

حاول الابتسام ومدّ يده نحو ديانا ,
ابتسمت له بدورها برغم الدموع المنهمرة على خديها وقالت له مازجةً :
" تبدو في أحسن حال ".
" كان حظي يفلق الصخر , لقد مات قبطان الطائرة , ولو لم يكن جايسون موجوداص هناك , لكنتُ في عداد الموتى ".
شعرت ديانا وكأن ركبتيها تخوران وقالت :
" آآه .. ماذا فعل لك ؟".
" كان على أرض المطار يراقب عملية الهبوط وما إن تحطمت الطائرة حتى هرع ونجح في إخراجنا من داخلها انا ورجل آخر قبل أن تنفجر الطائرة ".
أغمض كريستوفر عينيه من دون أن يترك يدها , وكانت الدموع تساقط بغزارة على وجه ديانا , وراحت تعض على شفتيها بقوة , فقد عرفت أخيراً لماذا كان جايسون متعباً للغاية في الليلة الفائتة .
وادركت الآن مدى شجاعته وشهامته واندفاعه .

قال لها والدها و هو يراقبها من زاوية عينيه بنظرة ساخرة :
" أظن أنكِ فوجئتِ عند رؤيته ".

" نعم كثيراً ! كنت تعرف أنه موجود في الإكوادور , أليس كذلك ؟".
" نعم , عندما لم تتلقي جواباً على رسالتك , رحت ابحث لمعرفة مكان وجوده ".

" ولماذا لم تقل لي شيئاً بهذا الخصوص ؟".
" لعدة أسباب , أهمها أنني أكره التدخل في شؤون الآخرين .
كنت على علم بالمشاجرة التي حصلت بينكِ و بينه قبل مغادرته البيت ".
" كيف ؟ من أخبرك؟".
" جايسون زارني قبل ان يتوجه الى المطار في اليوم نفسه , كان مضطرباً وأخبرني ما حدث .
ولهذا السبب لم أقل لكِ أين هو .
كنت اعتقد أن عليكِ ان تتعذبي بعض الشئ , وتدفعي ثمن عدم ثقتكِ به .
أتعرفين يا حبيبتي , إني اعتقد انكِ كنتِ على خطأ عندما فضلّتِ تصديق أونيس بدلاً من زوجكِ ".

ليس ذلك فقط , كان هناك سبب آخر ..... قل لي يا ابي , هل كنبت الى جايسون تخبره بوصولنا الى هنا ؟".
" كلا . كنت أفضّل مفاجئته , لكنني لم اكن انتظر منه تلك الصلابة ,
كان علىّ ان استعمل كل ما لديّ من لطفٍ لإقناعه باللحاق بكِ الى كيتو ليطلعكِ على الحادث .
كنت ارى انها فرصة حسنة لكما لتلتقيا من اجل وضع النقاط على الحروف , هل تحدثتما في الموضوع ؟".
اجابته وهي تهز رأسها :
" تقريباً . في كل حال اعرف الآن لماذا لم يردعلى رسالتي .
لكن لا تتصور ابداً انه غيّر رأيه تجاهي , مرّة ثانية ذهب , لا شئ تغير كما في الماضي ,
أنني بالنسبة اليه اقل اهميه من ابحاثه النفطية ".
" هل سيعود ؟".
" نعم , لكنه لم يقل لي متى ".
" واين تسكنين الآن ؟".
" في الفندق الكبير و سط الساحة ".
" انه ليس المكان المناسب لامرأة وحيدة , عليكِ أن تنتبهي جيداً , الرجال الذين يأتون الى المدينة بعد غياب طويل في العمل داخل الادغال , لا يتصرفون دائماً في لباقة ".
لا تخف علىّ , فسأكون حذرة ".
لاحظت ديانا والدها بدأ يتعب , فنهضت وأضافت :
" سأعود غداً لأراك في الصباح حتى أكلّم الطبيب , ربما سمح لك بالعودة الى كيتو ".
تنهد كريستوفر وقال :
"أشك في ذلك . ما زال رأسي يؤلمني وكذلك ضلوعي , ارجوكِ يا ديانا لا ترهقي نفسكِ كثيراً في هذا الحرّ وإلا تعرضتِ للمرض ".
في الخارج كان المطر قد توقف عن الهطول , وسحابة من الذباب تحلّق في جميع الاتجاهات ,
اسرعت ديانا في خطواتها وتنفست بارتياح عندما دخلت الفندق ,
قالت لها صاحبة الفندق عندما راتها تدخل :
" اتريدي ن فنجاناً من الشاي ؟".
" شاي ؟ بكل تأكيد ".!
وبعد دقائق قليلة احضرت ابريقاً من الشاي المغلي الى قاعة الاستقبال و سألت ديانا قائلةً :
" هل سيعود زوجك قريباً ؟".
" ربما بعد بضعة أيّام ".
" انه رجل طيب ولطيف . هل تشتاقين اليه عندما لا يكون في المنزل ؟".
"........... نعم , أشتاق اليه ............"

" ان معظم الرجال الذين يعملون في المؤسسة النفطية غير متزوجين ,
بعضهم كانوا متزوجين لكنهم طلّقوا زوجاتهم , لم اكن اعرف ان السينيور كلارك متزوج .

لكن كان علىّ التكهن بذلك , فقد قال لي يوماً انه ينوي شراء منزلٍ في كيتو ليستقر فيه . ولكي يريد منزلاً فانه حتماً يحتاج الى زوجه , اليس كذلك ؟".منتديات ليلاس


لم تكن ديانا تعرف ما تقوله , فاكتفت بهز راسها موافقة , لكن كلام صاحبة الفندق جعلها مضطربة طيلة السهرة , هكذا إذاً , فقد كان جايسون ينوي شراء منزل , ربما اشتراه , من يدري ؟

وما ان عادت الى غرفتها حتى تمددت على السرير , كانت حرارة الطقس ترهقها , فلم تقو على خلع ثيابها , راحت تصغي الى الضجيج الآتي من الخارج والى انغام عذبة منطلقة من قيثارة يعزف عليها رجل ,
بقيت ديانا ممدة على السرير فترة طويلة والعرق يتصبب منها باستمرار .
آه كم اتمنى لو ان جايسون يعود هذه الليلة .

لو لم يكن مضطراً للذهاب الى الادغال بعد ظهر هذا اليوم ,
لو بقي معها , لكان معها الآن , يحدثها عن مشاريعه , ويتجاذب معها اطراف الحديث ,
ربما كانا توصلا الى تفاهم وعادا الى حبهما من جديد .

لقد اصطحبها والدها الى الاكوادور لترى جايسون من جديد وتتناقش معه في كل ما حدث بينهما ,,
فهل ما تم حى الآن سواء في الفندق او على الطريق للمطار , يوضح الامور ؟؟

على الاقل نجحا في ان يقيما نوعاً من الاتصال .
لقد كانا صديقين وتمكنا من التعبير عمّا يختلج في اعماقهما .

لماذا ,آه لماذا بعثت بتلك الرسالة التافهه ؟

لماذا لم تنتظر منه ان يكتب اليها اولاً , كما كان ينوي قبل ان يقع له ذلك الحادث ؟.

ربما كان كتب اليها في فترة نقاهته ليطلعها على الحادث , فتستقل اول طائرة لتأتي وتلتحق به .
لكن بدل ذلك , تسلم رسالتها وأبت عليه كبريلؤه ان يرد ,
وبدلاً من ان تكون هي زوجته التي تعتني به خلال مرضه , كانت ماريا سواريز وابنة اخيها روزا تقومان بالدور الذي كان عليهما ان تقوم به .

لقد قال لها " كنت مخلصاً على طريقتي الخاصة ".
من الآن وصاعداً بدأت تصدقه , لو قال لها هذا الكلام قبل سنة , لكانت الاشياء مختلفة .

لكن هل كانت مستعدة لان تصدقه في تلك الفترة ؟

هي الآن نادمة لانها سمعت كلام اونيس .
ولكن كيف كان بامكانها ان تتكهن بان صديقتها تغار منها و لذلك كانت تتصرف في حقد .

ولماذا كانت اونيس غيورة ؟ ابسبب بول ؟
لقد قال لها جايسون انه يعرف لماذا تغار اونيس , وليس من المفروض ان تعرف السبب منه ..
ماذا كان يقصد بذلك ؟

لو كان موجوداً معها الآن لكانت طرحت عليه هذا السؤال بالذات .
لكانت سالته أيضاً عن رسالة كارول , ولماذا سافر الى باريس لرؤيتها ؟

انها مستعدة لقبول جوابه , أياً كان , من دون طرح أي سؤال .
لكن جايسون ليس هنا الآن , لقد رحل مرة اخرى , وماذا لو تركت بونو قبل عودته ؟
لقد افهمها بوضوح ان كل شئ سينتهي بينهما , انه لم يعد يريدها ,
لقد اعتاد ان يعيش من دونها , او ربما التقى امراة اخرى ؟

لابد ان ذلك صحيح , لقد تعرّف الى امراة ومن اجلها يحاول شراء منزل في كيتو ,
امراة يتزوجها بعدما يتم الطلاق منها .

اليس هو اول من ذكر كلمة الطلاق ؟



لقد تأكدت الآن بعدما رأت جايسون من جديد ,
وبعدما امضت برفقته بضعة ساعات , انها تحبه حباً كبيراً , وانها ملكه جسداً وروحاً ,
وإذا حدث ما يجعلها عاجزة عن ان تكون زوجته من جديد , فان الحياة لن يعود لها بالنسبة اليها اي معنى .

استيقظت ديانا وهي تشعر بجفاف في حلقها , وبصداع عنيف , نهضت من فراشها ,
واخذت حماماً , ثم ارتدت فستاناً قطنياً وتناولت فطور الصباح بشهية وتوجهت الى المستشفى .

كان الهواء ثقيلاً , لكن الطقس جميل . برك ماء تجمعت من الامطار تعكس السماء الزرقاء ,
وعلى اشرطة الكهرباء والهاتف تحط العصافير الخضراء اللون و تزقزق بفرح .

في المستشفى تعرفت الى الطبيب الذي يهتم بمعالجة والدها . انه شاب اميريكي هادئ .
قال لها:
" لن اسمح له بالذهاب الى كيتو في الوقت الحاضر , فهو في حاجة الى الراحة والهدوء , والسفر سيرهقه كلياً " .

وراح الطبيب يتأملها بنظراته السريعه ثم قال :
" هل وجودك هنا في بونو يشكل اية مشكلة ؟
اذا سارت الامور على ما يرام , فيمكن لوالدك مغادرة البلاد والعودة الى انجلترا خلال اسبوع ".
"اتفقنا يا دكتور , سأبقى هنا ".
" شكراً , هل تريدين ان نلتقي من جديد في اواخر الاسبوع ؟".
" بكل تأكيد "
هذا يسمح لها بالبقاء بعض الوقت , علّ جايسون يعود , يمكنها ان تراه وربما توصلا الى اتفاق .
" أظن انك ملقحة ضد الامراض الاساسية .... الحصبة و الكوليرا و التيفوئيد والتيتانوس و الملاريا ".
" نعم " .
اعطاها الطبيب بعض الادوية الواقيه . ونبهها ألاّ تشرب من ماء الحنفيات , وان تكافح تصبب العرق بالاغتسال مرّاتٍ عدة خلال النهار .
توجهت ديانا الى غرفة والدها و ابلغته ان عليه البقاء اسبوعاً على الأقل في بونو .
" قلت لكِ ذلك . في كل حال انهم يعالجونني ويعتنون بي جيداً ,
ان الشئ الوحيد الذي يقلقني هو انتِ . هل انتِ مرتاحة في هذا الفندق ؟".
" نعم , ان صاحبته انسانة لطيفة وهي تعرف جايسون جيداً ".
" ما هي مشاعرك تجاهه ؟ اما زلتِ تنوين الطلاق ؟".
" كلا , اكتشفت اني ما زلت احبه واني اريد ان ابقى زوجته , لن اتزوج بول .
لكن جايسون يقلقني يا ابي . يبدو شديد التصلب ".
" بصراحة يا ابنتي , انا لا استغرب موقفه .
لقد نبهتك وقلت لكِ ان العيش معه ليس سهلاً .
وبما انكِ لم تثقي به ,فقد لمستِ النقطة الحساسة لديه ,
يعني اني متاكد انه لو تنازلتِ عن كل شئ ولحقتِ به ذلك اليوم , لأخذكِ معه الى هيوستن ,
لكن الامور تغيّرت كلياً , وااتصور ان ذلك مرده الى تلك الرسالة التي بعثتِ بها اليه .
ماذا كتبتِ له بالفعل ؟".
تلعثمت ديانا وهي تقول :
" قلت له فيها انني اسامحه ".
" لقد ارتكبتِ خطأً كبيراً يا حبيبتي ".

" لم اكن اعرف ما اكتب له , لو عرفت فقط اين كان موجوداً لكنتُ أخذتٌ الطائرةولحقتُ به ,
لم اكن في حاجة الى ان اكتب تلك الرسالة التافهه .
على كل حال , انتَ الذي نصحتني بكتابتها ".
تنهد والدها وقال :
" هذا صحيح , لكنني لم اكن اعرف الى اي درجة كنت تستخفين بالوضع الذي منتِ فيه ؟
لو كانت امكِ بيننا , لكانت قدمّت اليكِ هذه النصائح اللازمة ....".

" ارجوك يا ابي , لا تتهمني , انت على حق , لم اكن ناضجة بما فيه الكفاية .
لكن الآن , اعرف ان الزواج ليس فقط ..................".

تلعثمت ديانا وعضّت على شفتيها ثم تابعت تقول :

" اخشى ان اكون قد جئت متأخرة , لديّ احساس بأن جايسون وجد امرأة اخرى , وانه لم يعد يريدني ".
أجابها كريستوفر فارلي و هو يبتسم :
" يمكنكِ ان تعرفي الحقيقة ببساطة ".
سالته ديانا بتعجب:
" كيف ؟!!".

أجابها وفي نظرته لمحة ساخرة :
" ما عليكِ إلا أن تساليه ".

خلال اليومين التاليين و برغم حرارة الطقس الملتهبة التي تسيطر على بونو , أمضت ديانا ساعات رائعة مع والدها ومجموعة الأطباء الشباب والممرضات الذين يعملون في المستشفى و يعتنون بصحة والدها ,

كانوا يعالجون في الوقت نفسه العاملين في المؤسسة النفطية وسكان المدينة .
اقيم مركز دائم للمعالجة المجانية يعمل ليل نهار , مما يتيح للهنود تلقي العلاج اللازم .

في الفندق كان الوقت يمر بهدوء , لقد توطدت العلاقات بين ديانا و جيردا شوارتز , صاحبة الفندق , وهي من أصلٍ الماني .
حذرت هذه الاخيرة ديانا من الرجال الذين يتسكعون في شوارع بونو خلال الليل ,
وفهمت ديانا لماذا اختار لها جايسون هذا الفندق بالذات .
كان يعرف تماماً ان جيردا سوف تحميها من كل الاخطار الممكنة .
وارتاحت لمجرد التفكير بأن زوجها مازال يهتم بمصيرها , مما جعلها تستنتج ان حبه لها لم يزل قائماً .

وفي أحد الأيام , وبينما كانت ديانا تستعد للتوجه الى المستشفى ,
توقفت سيارة كاديلاك سوداء اما الفندق .

قفزت جيردا من مكانها وقالت في تعجب باللغة الألمانية :
" يا الهي .... !! انه لويس غييارمو ! ".

سألتها ديانا :
" من يكون ؟".

" أغنى رجل في البلاد , اتسائل ماذا جاء يفعل هنا ؟".

فتح السائق باب السيارة التي تحلق حولها الصبيان الهنود ونزل منها رجل اسمر ,
شعره الاسود ممشط الى الوراء , يرتدي بذلة رمادية أنيقة , وتقدم نحو الفندق .
وما ان دخله حتى توجه نحو ديانا , ومن دون تردد , انحنى يقبل يدها ,

فوجئت ديانا التي كانت تنظر اليه و على وجهها علامة استفهام ..
" اسمي لويس غييارمو سيدة كلارك , اني شقيق السيدة ماريا سواريز ,
طلبت مني شقيقتي ان ازوركِ , وها أنا هنا ."

كانت ديانا تنظر اليه مفصلاً في هدوء غريب , كانت ابتسامته ساطعه تشبه ابتسامة ماريا ,
لكنها لم تكن دافئة مثلها .
كان يرمقها بنظرة ثاقبة و عيناه الرماديتان تلمعان تحت حاجبيه ,
انه في حوالي الخامسة والاربعين من عمره , جميل المنظر وجذّاب و يبدو واثقاً من نفسه تمام الثقة .
اجابته ديانا بيتحفظ :
" اسعدني التعرف اليك يا سيدي ".

" ووالدكِ , هل تحسنت صحته ؟".
" ان صحته تتحسن يوماً بعد يوم ".

" عظيم , اود ان ازوره , اذا كان ذلك ممكناً ".
" طبعاً , سيكون مسروراً على التعرف اليك , انا ذاهبة الآن الى المستشفى ".

" في هذا الحال , اسمحي لي بمرافقتكِ في سيارتي ".
بعد تردد قصير , صعدت ديانا الى السيارة , كذلك لويس غييارمو .

سالها لويس في سخرية :
" اين هو الآن , هذا الانسان المتغطرس , اعني جايسون ؟".
" لم اكن اعرف انك تعرفه ".

" رايته مرات عديدة في كيتو , عند آل سواريز .
كما جاء الى مزرعتي وامضى فيها عدة ايام , لكني لم اكن اعرف انه متزوج وزوجته بهذا الجمال الفاتن .. اني اتسائل فعلاً لماذا لم يكلمنا عنكِ أبداً ؟".

لم تكن ديانا تعرف ماذا تقول , ففضلت التزام الصمت ,
كيف يمكنها ان تشرح لهذا الرجل الغريب تصرف جايسون الفريد ؟
اكتفت بادارة وجهها والنظر من خلال النافذة بصمت ".

وصلت السيارة اما المستشفى , وتوقفت .
فتح السائق الباب الخلفي , خرج منه لويس اولاً وساعد ديانا على الخروج .
وكما كانت تتوقع فقد فرح والدها بزيارة لويس , ودارت الاحاديث حول حادث الطائرة وحول فترة النقاهة , واذا بلويس سوقل :
" اسمح لي ان اقترح شيئاً ,,
يسعدني ان اصطحب ابنتك الى زرعتي يماً أو يومين , هل تسمح لي بذلك ؟
انه افضل لها من البقاء وحيدة في هذا الفندق , وانا مثلك يا سيدي , رجل ارمل ,
وابنتي روزا تعيش معي , انها اصغر من ديانا بسنواتٍ قليلة ,
لكني اعتقد انها ستكون سعيدة بالتعرف اليها . ".

اجابه كريستوفر فارلي وهو يبتسم :
" اريد ان اؤكد لك اولاً , ان ابنتي ليست في حاجة الى اذنٍ مني , فهي حرة لان تفعل ما تريده "

اجابه لويس غييارمو :
"نعم , فهمت اذن , ما رايكِ يا سيدة كلارك ؟
هل تحبين مرافقتي اليوم فتمضين الليلة في المزرعة ؟
واذا اعجبكِ المكان يمكنكِ البقاء هناك مدة اطول ".

" اشكر لك دعوتك هذه يا سيد غييارمو , لكنني جئت الى بونو لأكون قرب والدي ,
ألا يكفي ان ازوركم اليوم واعود في المساء ؟".

" كما تريدين , لكن مزرعتي على بعد اربعين كيلونتراً من هنا , ومن الافضل لو تبقين الليلة هناك ".

ترددت ديانا , فهي تحب زيارة المزرعة والتعرف الى روزا ,
اخبرتها ماريا عنها اشياء جميلة , لكنها كانت تخاف ان ياتي جايسون في غيابها .

" لا اريدك ان تبقى هنا من اجلي , يا حبيبتي , ان حالتي تحسنت , ولا اعتقد انه سيحدث لي اي شئ في غيابك ".
" لكن , اذا عاد جايسون و لم اكن هنا ؟".
اجابها لويس :
" لماذا لا تتركين له رسالة تخبرينه اين تكونين , واطلبي منه ان يلحق بكِ , فروزا وانا يسرنا ان نراه ".

التفتت ديانا نحو والدها وقالت :
" هل انت متاكد ان كل شئ على ما يرام ؟".
" بالتاكيد يا حبيبتي . استفيدي من هذه الفرصة ........ في كل الاحوال لن تتسنى لكِ الفرصة دائماً لقضاء بعض الوقت في مزرعة حقيقية ".

قالت ديانا ل لويس :
" اتفقنا يا سيدي , سارافقك , علىّ فقط ان اذهب الى الفندق لأجلب معي بعض الاغراض , واترك رسالة لزوجي ".
" طبعاً , أنا تحت تصرفك ".
قال وهو يلتفت الى كريستوفر :
" الى اللقاء يا سيدي العزيز , وآمل ان تاتي لزيارتنا بعدما تغادر المستشفى ".

اجابه كرستوفر :
" آسف , يجب ان اعود الى لندن ".

نهض لويس غييارمو وقال لديانا مبتسماً :
" اذن , هيا بنا , هل تسمحين بان اناديكِ ديانا ؟".



***************************

 
 

 

عرض البوم صور lona-k   رد مع اقتباس
قديم 04-10-08, 07:30 AM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 65483
المشاركات: 367
الجنس أنثى
معدل التقييم: lona-k عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 93

االدولة
البلدSyria
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
lona-k غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : lona-k المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

الفصل الخامس ...
5 – في المزرعة



الطريق التي تؤدي الى المزرعة تتبع اتجاهاً معاكساً للتيار النهري الذي يجتاز بونو ,
انها طريق واسعة مبنية حديثاً , تتسلق التلال ثم الجبال .

بعد عدة كيلومترات , عبرت السيارة جسراً نحاسياً حديث البناء ايضاً .
وعند هذا الارتفاع اصبح النهر جدولاً .
وفي بعض الأماكن لم يكن سوى سيل ماء سريع , ينبثق منه زبد يبدو وكانه متعلق بالسماء ,
جاعلاً من حوله الصخور والنباتات المزروعة تبدو متألقة بألوان قوس قزح .

وكانت الغابة شديدة الإخضرار والاشجار متشابكة بطريقة معقدة كأنما الدخول اليها مستحيل .
" عندما كنتُ صبياً كانت هذه الطريق درباً ضيقاً , ولم يكن يعبرها سوى الخيول و البغال ,
والجسر لم يكن في الواقع سوى جسر ضيق من جزعي شجرتين وبعض التراب المطروق بينهما ,
لقد كان العبور عملية انتحارية ...."

فجأة انعطفت السيارة الى اليسار وغبرت فوق الجدول من جديد فشاهدت ديانا شلالاً ضخماً مختبئأً وراء المزروعات والاشجار ,
كان يدوي عالياً والزبد يرتفع شيئاً فشيئاً ويتبعثر بين الاغصان .

كانت الطريق تتعرج اكثر فأكثر . تبتعد احيانًا عن النهر لتقترب من جديد حتى بعد مئة متر تقريباً .

فجأة هبط الليل , وفي دقائق قليلة , غمر الظلام الغابة كلها , فاضطر السائق الى ان يشعل مصابيح السيارة , الضوء الوحيد في هذا الليل الطويل .
قلات ديانا بتعجب :
" ما سبق لي ان شاهدت هبوط الليل بهذه السرعة !!".
" اظن ان الادغال تؤثر فيكِ كثيراً ".
تذكرت ان جايسون قال لها الملاحظة نفسها , دخلت السيارة قرية صغيرة .

" غداً عندما تستيقظين ترين الجبال , ان مزرعتي كبيرة ومنزلي مبني في طرف السهل ,
ومنزل اخي انطونيو يقع على الطرف الآخر ,

نزرع قصب السكر والكاكاو و البن , ولدينا ايضاً غابة موز واسعة ,
كما ازرع الدراق والحامض فقط للهواية ,
وهكذا تشكل الحقول مجموعة من الألوان الغريبة في المنطقة ".

وفي العتمة اشعل لويس سيجاراً , اجتاحت رائحته جو السيارة .
قال لويس فجأة :
" منذ متى انت وجايسون متزوجان ؟".

فوجئت ديانا بهذا التبدل في لهجة لويس و ترددت قبل ان تجيب :
" منذ اكثر من سنتين ".

" لكن , مضى على وجود جايسون هنا اكثر من عام , واني اعجب لانكما افترقتما وانتما ما تزالان حديثي العهد في الزواج .
عادة المتزوجون الشباب يفضلون البقاء معاً في السنوات الأولى من زواجهم ,
هل كان صعباً عليكِ مرافقته الى الكوادور ؟".

فضلّت ديانا السكوت على الكذب , وبقيت صامتة وهي جالسة في العتمة قرب هذا الرجل الجذاب .
راحت تقول لنفسها ان عليها ان تكون حذرة كي لا تسقط امام سحره .
راحت تنظر من النافذة ولاحظت ان السيارة تركت الطريق العام وهي تسلك طريقا خاصه .
ومن بعيد شاهدت نوراً يلمع , تسائلت : لابد ان هذا النور ينبعث من داخل المنزل .

همس لويس قائلاً :
"لم تردي على سؤالي , واعتقد اني اعرف السبب ".
فجأة شعرت ديانا بيد لويس تلمس يدها .

ارادت ان تسحبها , لكنه تمسك بها وراح يشد عليها و يقول :
" انتِ بردانة ايتها الفتاة الصغيرة .
هل لانكِ لم تعرفي الحب منذ سنة تقريباً ؟
حرام ان تلقى امراة جميلة مثلك كل هذا الاهمال ,
لكن قولي لي , ما دور جايسون في كل هذا ؟
لابد وان ما يسري في عروق هذا الرجل المتغطرس هو الماء و ليس الدم ".

سحبت ديانا يدها وشعرت بالندم لانها قبلت دعوة شقيق ماريا ,
فهي لم تشك لحظة واحدة ان لويس غييارمو دعاها الى مزرعته لمغازلتها .

" ان يدي باردة لان سيارتك مكيفة بالهواء البارد , كان عليّ ان احضر معي كنزة ,
اما بالنسبة الى السؤال الذي طرحته علىّ حول علاقتي مع جايسون ,
عليك ان تعرف اولاً ان حياتنا لا تعنيك ,
وكي لا تحاول ان تسئ الظن بنواياي , اقول لك اننا نشكل زوجين عصريين ,
أعمل انا ايضاً في لندن , اقوم بمهنة احبها ,
وعندما ذهب جايسون الى الاكوادور , لم اكن اريد ان اتخلى عن مهنتي وهو وافق على ذلك ..
كما وافقت انا على تنقلاته العديدة ".

دخلت السيارة احدى الساحات وتوقفت .
راحت ديانا تتأمل أشجار النخيل العالية تتمايل مع هبات النسيم .

قال لويس :
" عظيم , انتِ امراة حازمة وانا احب ذلك فيكِ , وآمل ان تاتي الفرصة لاتمكن من مقارنة نفسي بكِ ".

خرجا من السيارة ودخلا المنزل حيث كانت امرأة في انتظارهما .
قال لويس :
"يا عزيزتي ديانا , أعرفكِ بالسيدة ماتريلو , انها تدير المنزل ,
ستأخذكِ الى غرفتكِ . واقترح عليكِ ان تستعدي وتوافيني الى قاعة ا لاستقبال بعد قليل ".

كان أثاث غرفة ديانا بسيطاً, ووكانت النافذة تطل على شرفة كبيرة .... اما غرفة الحمام فكانت صغيرة الحجم , لكنها مجهزة بجميع وسائل الراحة العصرية .
غسلت ديانا وجهها و بدلت ملابسها ,
ارتدت ثوباً طويلاً من ا لقطن البني اللون وفوقه كنزة صفراء .
كانت قلقة بعض الشئ لوجودها مع لويس غيارمو ,
هبطت السلم وتوجهت نحو غرفة الاسقبال .
كانت القاعة كبيرة وجدرانها مغطاة بالخيزران الاخضر الفاتح .

نهض لويس عندما دخلت ديانا الغرفة وسألها :
" ماذا تحبين ان تشربي ؟".
اخترات ديانا عصير الفاكهة الذي قدمه اليها في كأس من الكريستال الفاخر مع بعض قطع الثلج .

سالها لويس عندما رآها تتأمل احدى اللوحات :
" هل تهتمين بالفنون ؟".
" نعم . اني احب الرسم جداً , درست في معهد الفنون الجميلة في لندن .

ان هذه اللوحة رائعة جدا . من هو الرسّام ؟".
" انا ".

ابتسم لويس وهو يرى نظرة الارتياب في عيني ديانا واضاف :
" صحيح . انا من رسم هذه اللوحة , هناك شئ مشترك يجمعنا يا عزيزتي .
لقد درستُ الرسم عندما كنتُ شاباً في الولايات المتحدة الاميريكية وفي اسبانيا وهنا .
انني قبل كل شئ فنان ,
اما الزراعة فتأتي في المرتبة الثانية .
لكنني لستُ نادماً على زراعة الارض . فقد اصبحتُ بسببها غنياً .
وها أنذا , اقوم بأسفارٍ عديدة وارسم حين ارغب وعلى طريقتي الخاصة .
عندما اموت , اريد ان يتذكرني الناس اني كنت فنانً وليس مزارعاً غنياً .
هذه اللوحة التي تحبينها رسمتها عندما كنت اعيش في كيتو , العاصمة ".

عادت تحدق في اللوحة , ولاحظت ان الالوان الغالبة هي الاحمر و الاسود فقالت :
" في هذا الرسم عنف شديد ".

" هذا صحيح . ان تاريخ بلادنا و شعبنا مصنوع من العنف , لقد تعذبنا خلال عصور عديدة وما زلنا نقاسي العذاب ,
شهدت بلادنا الاعصار , الثورات البركانية , الهزات الارضية و الحروب والثورات ,
ولا تنسي ان الهنود الاينكاس غزونا , وكذلك الاسبان ".

" الهنود الاينكاس ؟؟ كنتُ اعتقد ان لا وجود لهم سوى في البيرو !".
" بالفعل لقد استقروا في البيرو واصبحت مدينة كورنكو عاصمتهم ,
لكن فيما بعد انتقلوا صوب الشمال وتغلبوا على شعب كيتو , لكنهم يحبون السلام ,
ويعيشون من الزراعة .
وقد تمركزوا على هذه الاراضي منذ آلاف السنين ,
في كل حال الهنود الاينكاس بالنسبة الينا كما كان الرومان بالنسبة الى اوروبا .
احتلوا البلاد وسيطروا على السكان وقدموا اليهم حضارتهم .
وادت سياستهم هذه الى سيطرة السلام في الاراضي المحتلة مع المحافظة على رفع مستوى الحياة عند المهزومين ".

دخلت إمرأة شابة قاعة الإستقبال . راح لويس يحدثها باللغة الاسبانية في صوتٍ حادٍ وباختصار ,
فتقدمت من المقعد حيث كانا يجلسان ..


شعرها اسود قاتم مرفوع بكعكة في مؤخرة رأسها ,
عيناها غامقتان وفمها الناعم يؤكد انها ابنة لويس .
كانت ترتدي تنورة طويلة كحلية اللون وقميصاً بيضاء وشترة مطرزة بالذهب .

قال لويس بالانجليزية :
" روزا , اقدم لكِ ديانا , انها لا تتكلم الاسبانية , وهذه فرصة لك لتتمرني على لغتكِ الانجليزية "

ابتسامة سريعة لمعت في عينيها , ما لبثت ان خبت حين قالت بلغة انجليزية متكلفة :
" مساء الخير ديانا . اني سعيدة بالتعرف اليكِ ".

اجابتها ديانا وهي تصافحها :
" وانا كذلك , يسرني التعرف إليكِ . اخبرتني ماريا اشياء كثيرة عنكِ " .

تناولوا العشاء في غرفة الطعام وراء طاولة مستديرة عليها شرشف ابيض مع تخريم ناعم .
والاواني الفضية كانت رائعة وهي تعود الى القرن الثامن عشر .

كان يقدم الطعام و الشراب شاب يرتدي سترة بيضاء .
وكانت وجبة العشاء مؤلفة من القريدس المنقوع بعصير الحامض كمقبلات ..
اما الوجبة الرئيسية فكانت مؤلفة من شرائح اللحم المطبوخة مع البطاطا و الجبنة .
والتحلية كانت من فاكهة الادغال الشيريمويا , وهي كناية عن فاكهة قشرتها خضراء وداخلها ابيض وطعمها يذكر بطعم الفراولة والاناناس والدراق , كلها معاً .

كان الحديث يدور حول الفن والرسم بشكل خاص . نادراً ما كانت روزا تتدخل في الحديث ,
ومرّاتٍ عديدة خلال العشاء كانت ديانا تنظر في اتجاهها ,
وكل مرة كانت تراها تحدق فيها باستمرار ,
شعرت ديانا ببعض الانزعاج امام صمت الفتاة ,
ربما لانها لا تتكلم الانجليزية بطلاقة وتشعر بصعوبة التعبير عما تريد قوله .منتديات ليلاس


لكن ديانا لاحظت ان والدها لويس لا يبذل اي جهد ليجعل ابنته تشترك في الحديث ,
لو كان والدها كريستوفر لتصرف تصرفاً مغايراً ,

وادركت ديانا ان روزا ضحية كبرياء لويس .. كم هو مختلفٌ تماماً عن شقيقته ماريا , تلك المراة الكريمة الدافئة و المضيافة .

وشيئاً فشيئاً قررت ديانا الحذر من هذا الانسان الفظ .
حاولت ديانا ايجاد موضوع لتتحدث مع روزا . فقالت لها اخيراً :
" لقد اتيحت لي فرصة قضاء بعض الوفت مع عمتكِ ماريا وابنها رامون , قالت لي ماريا انكِ كنتِ تسكنين معهما عندما كان زوجي يقضي فترة النقاهه في منزلها ".

" كيف ؟".
قالتها باللغة الاسبانية . ثم اصفر وجهها والقت بنظرة يأس الى والدها , كانها تسأله ان يشرح لها ,
لكن لويس بقي جامداً من دون ان يتكلم ,,,
وراحت روزا تشبك يديها ببعضهما في توترٍ بالغ وقالت بعد جهدٍ كبير :
" اني لا افهم , من هو زوجك ؟".
وفوجئت ديانا بدورها , وابتسم لويس بسخرية وقال :
" نسيت ان الفظ اسم عائلتك عندما عرفتكِ على روزا ".

التفت صوب ابنته وكلمها في لغة اسبانية سريعة , ولم تسمع ديانا الا انه لفظ كلمتين ,,
ديانا و جايسون ..
واكفهر وجه روزا ...
القى لويس بجملة قصيرة وملّحة الى ابنته في لهجةٍ قاسية ,
مما جعلها على وشك البكاء , وفجأة , بلا تحذير , التقطت طوب العصير وقذفته في وجه والدها ,
فابتعد لويس بسرعة , ووقعت الكأس على السجادة من دون ان تصيبه ,
انما لطخته بعض النقط المتساقطة منها ,,

ومن دون قلق , امسك بمحرمة بيضاء وخاطب روزا بلهجة حاجة , فانفجرت بالبكاء ,
ووقفت فجأة وخرجت بسرعة فائقة ..

قال لويس و كأن شيئاً لم يحصل :
" ارجوكِ ان تعذري روزا على تصرفها هذا ,فهي شديدة التوتر في هذه الايام
. اني اقترح ان نعود الى غرفة الاستقبال ونتناول القهوة , ساريكِ بعض اللوحات التي حدثتكِ عنها .

حسب رأيي تظهر هذه اللوحات بدقة العنف و الوحشية الراكدة وراء الحياة الهادئة ظاهرياً في الاكوادور ".

وبرغم ما حدث كان لويس يبدو محافظاً على برودة اعصابه ,
لكن ديانا بدت قلقة , اذ عليها ان تمضي بقية السهرة وحدها برفقته ,
إلاّ انها دخلت غرفة الاستقبال متظاهرة بالهدوء .

كانت السيدة مارتريلو في انتظارهما . وراحت تعاتبه باللغة الاسبانية , وكان لويس يصغي اليها بهدوء ,
ثم راح يتكلم بدوره بلهجة قاسية جعلت ديانا تنحاز للخادمة ,
لكن سرعان ما غيّرت رأيها لان في اللحظة التالية التفتت السيدة مارتريلو نحوها و القت اليها نظرة قاسية ووجهت اليها كلمات كأنها شتائم ثم استدارت واختفت وهي تصفق الباب ورائها .

قال لويس :
" اني اسف جداً لتصرف الخادمة . ان السيدة مارتريلو تهتم بروزا منذ وفاة والدتها ,
اي منذ كانت روزا فتاة صغيرة .
لقد ربتها كأنها ابنتها , وهي تقف الى جانبها اذا هاجمها احد ".

وسألت ديانا بتعجب :
" لكنني لا ارى لماذا اعتبرتني اهاجمها , لم اكن اتحدث الا عن جايسون !؟".

ابتسم لويس واشار الى الصينية الموضوعة على الطاولة بقربها :
" ارجوكِ ان تقدمي القهوة اولاً , ثم اشرح لكِ لماذا أثار اسم زوجكِ البلبلة في قلب ابنتي الى هذه الدرجة ".

تناولت ديانا غلاية القهوة الفضية و قدمت القهوة في فناجين صغيرة من الكريستال .
واقترب لويس منها وجلس قربها على المقعد الواسع ,,
فتمنت ديانا لو انها انتبهت للامر و جلست في مقعد منفرد .

" هل يزعجكِ اذا دخنتُ سيجاراً ؟
الآن هو افضل اوقات السهرة . قهوة لذيذة الطعم وسيجار ذو رائحة عطرة ,
وامراة شابة جذابة ورائعة مثلكِ .
هل سبق وسمعتِ احداً يقول لكِ انكِ امرة جميلة يا ديانا ؟
انك تتمتعين بجمال باردتتميز به النساء الانجليزيات ".

انحنت ديانا الى الامام , وتناولت فنجان القهوة عن الطاولة المنخفضة وانتهزت هذه الفرصة للابتعاد عنه بعض الشئ , ثم اجابت تقول :
"والآن , ارجو ان تشرح لي لماذا شعرت روزا بالاضطراب حيال سماعها كلمة جايسون ".

"آه .. نعم . بالطبع .. كانت في حالة توتر غريب , اليس كذلك ؟
من زمان وانا احاول ان اعرف حقيقة حاسيسها , وتصرفها الليلة افادني أكثر مما كنت اتصور .

انها واقعة في غرام جايسون , لكنها لم تكن على علمٍ انه متزوج .
انه موقف حرج بالنسبة اليها . اليس كذلك ؟".

روزا مغرمة بجايسون !!!!!!!
شعرت ديانا باضطراب لما يمكن ان ينتج عن ذلك .
كانت على حق عندما تصورت ان جايسون لابد وان تعرف الى امرأة أخرى ؟
انه وقع هو ايضاً في غرامها ؟

لكن , هل هو فعلاً مغرم بها ؟


وراحت يد ديانا ترتجف وهي تضع فنجان القهوة على الطاولة بقربها .
لكنها تمكنت من الاحتفاظ بالهدوء وقالت :
"لابد وانك تمزح !!".

" أبداً , سأشرح لكِ , منذ سنتين وانا اتوقع من روزا ان تتزوج صديق طفولتها ارتورو غوميز ,
انه زواج يوافقني تماماً , كما يوافق أهل ارتورو , لانه سيؤدي الى اتحاد عائلتين غنيتين ,,
وحالياً يدرس ارتورو في الولايات المتحدة الاميريكية , لكنه سيعود قريباً ..
ونحن نرغب ان يتم هذا الزواج خلال شهر ,,
اردتُ مناقشة الوضع مع روزا , لكنها قالت لي بصراحة انها ترفض الزواج من ارتورو لانها تحب رجلاً آخر ".

عاد يحتسي قهوته وعلى شفتيه ابتسامة حزينة , ثم تابع يقول :
"سألتها مرّاتٍ عديدة , من يكون ذلك الرجل الذي تحبه , لكنني لم اتوصل الى معرفة هويته .
كان عندي بعض الشكوك , لكنني لم اكن املك اية ادلة تؤكد شكوكي ........ إلاّ اليوم ..
أي منذ ان التقيت بكِ ..........."

" اذن طلبت مني المجئ الى هنا عمداً لكي ............"
توقفت ديانا عن الكلام , غير قادرة على اكمال جملتها .

فأسرع لويس يقول وفي عينيه نظرة استهزاء :
" لاعرف الحقيقة بوجودك ؟ .. طبعاً ...
ونفذت خطتي بحذافيرها . والآن اني متأكد تماماً ان الرجل الذي تحبه هو جايسون بالذات ,
وانتِ يا ديانا , الم تشكي بشئ؟؟
الم يخبركِ جايسون بذلك ؟".

" كلا .. كل ما اعرفه ان روزا كانت تسكن عند ماريا سواريز خلال فترة النقاهة التي قضاها جايسون في منزلها ".

" نعم , وهناك بدأت القصة , وللأسف كنت في هذه الفترة مسافراً .
ومن السهل التكهن بما حصل , كان جايسون في نظر روزا البطل الذي خاطر بحياتها لينقذ رجلاً آخر كما انه اصيب بجروح بالغة من جراء مخاطرته هذه ,
وكانت حاضرة هناك ليل نهار لتنقذه بدورها .
هل يمكنكِ ان تتصوري وضعاً أكثر عاطفيةً من هذا ؟
وزيادة على ذلك , ان جايسون يختلف اختلافاً تماماً عن الرجال الذين تعرفت اليهم من قبل ,
انه قوي ورصين ومتحفظ ,
كان بالنسبة اليها عملاقاً اشقر , قوي البنية و جميل الوجه .
في اي حال , هكذا كانت تراه ,
انها ما زالت في التاسعة عشرة من عمرها , وانتِ لا تكبرينها كثيرً .
ويمكنكِ ان تتصوري ما يمكن ان يكون قد حصل بينهما .

ربما كنتِ تشعرين في الماضي امام جايسون بالاحاسيس نفسها ,
وربما أحببتِ جايسون بالطريقة نفسها ".

" اني مازلت احبه بالطريقة نفسها ".

هكذا حدّثت ديانا نفسها من دون ان تجرؤ على البوح بذلك .

وتابع يقول :
"لابد من الاعتراف بأني شعرت بخيبة امل عندما اخبرتني ماريا ان جايسون رجل متزوج .
ولا افهم لماذا لم يخبر الجميع بذلك من قبل ..
عندما تعرفت اليه في كيتو دعوته لقضاء بضعة ايام هنا في المزرعة ,
وقبِل دعوتي , لكنه لم يتمكن من البقاء مدة اطول بسبب كثرة اعماله في الك الفترة بالذات ,,
وبعد رحيله لاحظتُ ان روزا كانت حزينة , وحالمة ومنعزلة ,
وهنا بدأت الشكوك تراودني ".

وضع لويس فنجانه على الطاولة والتفت نحو ديانا الجالسة في قربه وقال :
" والآن بعدما اخبرتكِ لماذا كانت روزا مضطربة خلال العشاء , ماذا تنوين ان تفعلي ؟".

" ماذا افعل ؟ ماذا تريدني ان افعل ؟".

" ربما تريدين الطلاق ؟
وفي هذه الحال سيكون جايسون انساناً حراً ليتزوج من جديد , مما يسعد ذلك روزا ".

" لكن ليست في نيتي الطلاق . ما الذي يجعلك تفكر في ذلك ؟".

" قالت لي شقيقتي ماريا انكِ لم تري جايسون منذ اكثر من سنة .
وبرغم ما قلتِ لي في السيارة , انكما زوجان عصريان , لاحظت انه منذ وصولكِ الى الاكوادور لم تتوصلا بعد الى الاتفاق ,
وإلا لما ترككِ وحدكِ منذ وصولكِ الى بونو , ولَمَا كنتِ تبدين حزينة هكذا ,
تشبهين امرأة محرومة من الحب منذ زمنٍ بعيد ".


كان قد اقترب منها تماماً , وشعرت ديانا بيده تداعب كتفيها .
ارتجفت ثم سيطرت على شعورها وتناولت حقيبة يدها ونهضت واقفة وراحت تتثائب وتقول بصوها الناعم :
" آسفة لاني ساخيب آمالك يا سيدي ..
لكن ما تقوله الآن لا يعكس سوى رأيكَ الخاص ,
لاتنسى انكَ من جيل آخر , فكيف تريد ان تفهم زواجاً كزواجنا ؟
والآن , اذا سمحت لي ساذهب الى النوم . انني شديدة التعب ,
ولا شك ان السبب هو تبدل المناخ .
وآمل ان تكون روزا في حالة افضل غداً ..
تصبح على خير يا سيدي ".

وغادرت ديانا الغرفة قبل ان يتسنى له الوقت للوقوف لمرافقتها .

كانت متأكدة انه يود ان يبقيها معه .

صعدت السلم بخطوات كبيرة ودخلت غرفتها و اغلقت الباب وراءها واسندت جسمها الى الباب وهي تلهث ,,
بحثت عن القفل , لكن لم يكن هناك مفتاح ,
وتسائلت بعصبية , ماذا يمكنها ان تضع على الباب لتسنده به ...
لم تشك لحظة واحدة ان لويس غييارمو يمكن ان يدخل الى غرفتها من دون طرق الباب والحصول على اذن بالدخول , اذا كان هذا ما يريد .

شاهدت صندوقاً صغيراً مخصصاً لوضع الثياب القذرة المعدة للغسيل .
فالصقته بالباب , لم يكن ثقيلاً لكنه يصمد قليلاً مما يجعلها حاضرة لاي حركة مفاجئة .

جلست على حافة السرير تحاول ان تهدئ من توترها .
ليس في وسعها وهي في هذه الحال ان تخلد الى النوم ,
راحت تصغي السمع منتظرة في اي لحظة سماع اصوات خطوات تقترب .

بقيت على هذه الحال فترة طويلة , وراحت تتسائل ,, كيف تستطيع الهرب من المزرعة والعودة الى كيتو غداً .
وحوالي منتصف الليل ارهقها التعب والتوتر , فقررت ان تنام .

لكنها شعرت بانه من الصعب ان تنام بسهولة ,, وراحت تتسائل ,,
ما هي في الحقيقة مشاعر جايسون تجاه روزا ؟

هل صحيح انه وقع في غرام تلك الفتاة التي اهتمت به خلال فترة الاستجمام في منزل ماريا ؟

هذا ممكن . ذلك ان روزا تشبهها كثيراً , انها يتيمة الام مثلها , وسبق ان قرأت ديانا مقالاً يقول ان الرجل يقع دائماً في غرام النساء اللواتي من النوع نفسه .

يجب ان تعود الى بونو في اسرع ما يمكن , يجب ان تكون هناك عندما يعود جايسون من الادغال .
وهكذا يمكنها ان تطلب منه ان يختار بينها و بين روزا , ولاشك انها الطريقة الوحيدة لوضع المور في نصابها .
وبعد سلسلة من التساؤلات والكوابيس , خلدت الى نوم عميق ..

وااذا بها تسمع في نومها طرقاتٍ على الباب وصوتا يناديها ,,

انتفضت ونظرت الى الباب .
" سيدتي , سيدتي , ماذا يجري ؟ ان بابكِ لا ينفتح !!".
وتعرفت ديانا الى صوت روزا . فقفزت خارج السرير وراحت تفتح الباب ,

فدخلت روزا ترتدي بنطلوناً من الجينز الضيّق وقميصاً من القطن الأبيض وتحمل صينية في يدها .

" صباح الخير يا سيدتي , اني اجلب لكِ فطور الصباح ".
كانت تبتسم بفتور و تقول كما لو ان احداً يلقنها ما يجب ان تقول :
" اني آسفة لتصرفي الوقح ليلة امس , هل تسامحينني ؟".

" طبعاً اسامحكِ , شكراً لكِ لانكِ احضرتِ الفطور , فهذا لطف منكِ ,
لقد نمتُ طويلاً ولابد انني تاخرت . كم الساعة الآن ؟".

" العاشرة والنصف , كان جايسون ينام في هذه الغرفة عندما كان يسكن عندنا ,
وكنت اجلب له الترويقة حتى السرير احياناً "

حاولت ديانا الاّ تفكر بمشهد جايسون في الصباح عندما ينهض من النوم , بشعره المشعث و عينيه الناعستين وصدره العاري و عضلاته الظاهرة .

قالت ديانا دون اضطراب :
"وانا ايضاً احضر له فطور الصباح الى السرير احيانا ".
لو كان جايسون معها الان ,,بقربها في السرير , لما تصرفت روزا بهذه الوقاحة !!

" لقد اعتقدت انكِ عشيقة والدي الجديدة , عندما شاهدتكِ تصلين معه ,
هل انتِ حقاً عشيقته الجديدة ؟".

" كلا . ابداً . لماذا ؟ هل يصطحب عشيقاته معه الى البيت ؟".

" نعم دائماً . منذ وفاة والدتي وربما قبل ذلك ايضاً ,, هو هكذا ..
لقد طلب مني ان اعتذر منكِ لانه غير قادر على ان يقضي النهار معكِ , فهو مضطر الى الذهاب الى بونو لقضاء بعض الاعمال ..
اتحبين رؤية المنزل والمزرعة ؟
يمكننا التنزه على ظهر الحمار ".

" عظيـــــــــــــــــــــــم !!".

" حسناً سأهتم بالأمر , يجب ان نذهب قبل الظهر , فبعد ذلك يصبح الحرّشديداً وغير محتمل ".
ثم اضافت بغتةً :
" كيف تجدين حديثي باللغة الإنجليزية ؟".

" جيـــــــــــداً جـــــــــداً ".

" لقد علمني جايسون الانجليزية , سأكون بانتظاركِ بعد قليل ............"
ابتسمت روزا ثم خرجت من الغرفة وبقيت ديانا تحدّق بالباب المقفل . لاتريد إلا امراً واحداً ,, ان تمسك بشئ وتحطمه ..

لكنها تمالكت اعصابها واحتست جرعة من القهوة الساخنة وهي تقول ان روزا تتمتع بقدرة هائلة لتجعلها في غيرةٍ كبيرة .
كان يكفي ان تنطق بهذه الكلمات ................"


وفهمت ديانا في هذه اللحظة بالذات كم كانت سريعة العطب لكل ما يتعلق بجايسون بسبب كلمات اونيس ورسالة إمرأة مجهولة تدعى كارول ,,
وكلمات روزا الجارحة جعلتها انسانة غيورة وتعيسة ..

وفهمت ايضاً ان هذا هو الثمن الذي سوف تدفعه لانها تزوجت من رجل جذاب ..
لكن اذا كانت ترغب في المحافظة على زواجها واذا ارادت ان تمضي بقية حياتها معه فان عليها ان تتعلم ان تضط نفسها اكثر .

وانتهت بسرعة من تناول الفطور . ثم اخذت حماماً سريعاً وارتدت ثيابها ونزلت الى ساحة البيت للانضمام الى روزا التي كانت في انتظارها والشاب الذي قدم لها العشاء البارحة . ساعدهما على امتطاء حمارين صغيرين , ثم انطلقا .منتديات ليلاس


لاحظت ديانا ان روزا فتاة رائعة . ترتدي قبعه من القش على راسها لحمايتها من الشمس اللاهبة .
شعرها طويل مجدل حتى خصرها .
كان الحو متقلباً ينذر بهبوب عااصفة .
لكن النزهة على ظهر الحمار كانت رائعة وكان الحيوان يعرف الطريق جيداً ,
لذا فكان من غير الضروري محاولة توجيهه .
وصلتا امام اشجار الليمون والبرتقال الحمض . وكانت الثمار تشكل بقعاً ذات الوان فاقعه على الاوراق الخضراء ..
ثم دخلتا الى قلب الادغال .
من قريب كانت المزروعات تبدو اكثر جمالا مما هي عليه من بعيد , وكانت ديانا تتعرف الى بعض النباتات , لكن كانت تجهل معظمها .
وكانت جذوع الشجر مغطاة بالنباتات المتسلقة والحشائش والعرائش .
همست ديانا قائلة :
" آمل الا نضيع الطريق "

اجابتها روزا :
" لا تخافي احمل بوصلة تقينا خطر الضياع . حتى الهنود انفسهم يمكنهم ان يضلوا الطريق احياناً . هل كل شئ على ما يرام ؟".

هزت ديانا راسها بالايجاب , فلن تقول لروزا انها تشعر بالحر يلهب عظامها وانها تتصبب عرقاً وانها تكاد تختنق من شدة العطش ,
كيف يمكن للباحثين عن البترول ان يعملوا في مثل هذه الظروف ؟
وكيف يمكن لجايسون ان يتحمل هذا الحر الشديد ؟
فليس من المستغرب انه يشعر بحاجة الى المجئ الى كيتو من وقت الى آخر للراحة والاستجمام .
وصلتا اخيراً الى مكان في الغابة حيث تجمعت بعض المنازل المبنية من خشب ذات سقوف مصنوعة من اوراق الاشجار , وتوقفتا امام احد المنازل , وقامت روزا بوضع قدميها على الارض وقلدتها ديانا بذلك .

اقترحت روزا على ديانا قائلة :
" اتريدين رؤية منزل تابع لأحد الهنود الجيفارو . وهكذا يمكنكِ ان تخبري اصدقاءك بما رأيتِ عندما تعودين الى انجلترا ؟".

وافقت ديانا وهي تلاحظ تلميحات روزا الماكرة .

في الداخل كان المنزل في منتهى النظافة , وربة المنزل امراة ذات جمال مدهش ,
ملامحها تحمل علامات نبل وتدل على انتمائها الى قبيلة اصيلة , لا خليط قبائل اخرى فيها .

وقد دعتهما ليريا طفلها النائم في مهد عصري , على غير ما كان يتوقع , ولاحظت ديانا وجود اشياء حديثة داخل المنزل , من بينها الأدوات المطبخية والطناجر النحاسية الجديدة . كما عرض عليهما صبيّ سلاح "الانبوبة " وراحت روزا تشرح لديانا كيفية استعماله .

" نغمس الرأس في السم الذي يصنعه الهنود بأنفسهم , وعندما يصيب السهم الحيوان , يحاول هذا الاخير ان يتخلص من السهم الذي ينكسر حده ويموت الحيوان على الفور . انه اختراع عجيب . اليس كذلك ؟".

بعد زيارة قصيرة للمنزل الهندي , عادتا الى التنزه في الغابة ومرة اخرى رشقتها روزا بمكر بملاحظة اخرى :
" جايسون , وانا , غالباً ما كنا نقوم بنزهات على ظهر الحمار , كانت قدما جايسون تلامسان الارض من شدة طولهما , وكنا نضحك من ذلك كثيراً ".

أخذت ديانا تشد على اسنانها مصممة على ألا تدع روزا تزعجها بهذه الملاحظات القاسية , وشعرت بأن روزا تراقبها وتتجسس عليها . ولذلك كانت مضطرة ألاّ تبدر منها أية اشارة ضعف امامها .

وفجأة قالت روزا :
" لم يقل لي جايسون انه متزوج . اخبرتني عمتي انه انسان تعيس جداً لان احدهم اساء اليه .
واعتقد ان الشخص الذي اساء اليه هو انتِ ..
انا اعزف على القيثارة .. وكنت اعزف له مراراً , فهو يحب الموسيقى , وهذا من النادر رؤيته عند من يتمتع برجولة بارزة مثله . وهو كان يعلمني اللغة الانجليزية ".

توقفت لحظة عن الكلام , ثم تابعت :
" وعندما سكن في المزرعة هنا , كنا نقوم سوية بنزهات طويلة . وكنا نمضي فترات مرحة واعتقد انه وجد السعادة برفقتي , قلت له اني احبه واريده ان يكون زوجاً لي ".

سألت ديانا و قد تشنجت يدها على اللجام :
" وماذا اجابكِ " ؟.

" لا شئ ... رحل , والآن وقد تعرفت عليكِ , فهمت السبب , لم يكن في وسعه ان يتزوجني ما دام متزوجاً منكِ .
هل جئتِ الى الاكوادور لتتفاوضي معه على الطلاق ؟".

" كلا ! ".

" لماذا اذن ؟".

أجابتها ديانا بصوتٍ ثابت :
" من اجل ان اراه و اكون معه ".

" اني لا افهم , واذا كنتِ تريدين ان تكوني مع جايسون ,
لماذا جئتِ اذن الى هنا مع والدي ؟".

" لانه دعاني لازور المزرعة واتعرف اليكِ ".
وفجأة لمحت ديانا شكلاً أخضر بين الاوراق يتحرك بسرعة و يقترب منها و وعرفت ديانا انها حيّة .
عصافير الببغاء تطايرت بسرعه , وراحت السعادين والقرود تطلق اصواتاً ثاقبة ,
ثم عاد الصمت واختفت الحية .
بدأت ديانا تتضايق من رفقة روزا , لكنها سرعان ما شعرت بالارتياح عندما لاحظت انها وصلت الى طرف الادغال , وانفتح امامها حقل من قصب السكر تحت شمس لاهبة ومن بعيد , كان المنزل يلمع تحت اضواء مترجرجة , مثل السراب .


سالتها روزا :
" هل صدّقتِ والدي "؟.

" طبعاً , ولماذ لا اصدقة ؟ في كل حال , لقد دعاني لزيارة المزرعة امام والدي , وراى والدي انها فكرة جيدة ان ازور المزرعة واتعرف الى فتاة في مثل عمري "

وراحت روزا تقهقه وتظهر اسنانها البيضاء المغروزة جيداً في فكيها .
" تمامًا ما يميز والدي انه رجل ذكي وخبيث , لكن اذا كنتِ تعتقدين ان ذلك هو السبب الوحيد الذي من اجله دعاكِ الى هنا تكونين حمقاء اكثر ما اتصور .
انه يريدك ان تكوني عشيقته الجديدة , لاني لاحظت كيف كان ينظر اليكِ مساء البارحة , عندما كان يحدثكِ عن الرسم ..........."

اجابتها ديانا في حدة :
" اذن , احب ان أُعلِمكِ انه ليس في نيتي ان اكون عشيقته , فهو في سن والدي ".

" هذا لا يهمه ابداً ".

" نعم , لكن لكن ذلك لا يهمني انا .
أووف ... انا سعيدة جدا اننا ابتعدنا عن الادغال . كنا كاننا في حمام بخار ".

" نعم الطقس حار جدا اليوم , وينبئ بعاصفة في نهاية النهار .. لماذا تغيرين الحديث .. اني لا افهم لماذا جئتِ الى هنا بينما تزعمين انكِ تريدين البقاء قرب جايسون ؟".

اجابتها ديانا بصوتٍ متوتر :
" جايسون يعمل حالياً في اماكن حديثة حيث يتم التنقيب عن النفط ولا يمكنني مرافقته الى حيث يعمل , ليس لاننا متزوجين يعني ان علينا ان نكون معاً طيلة الوقت . ومن جهة ثانية هذا لا يعني ايضاً اننا لا نريد ان نكون معاً ".

ثم عادت روزا لتقول وهي تهز كتفيها :
" لكن انا لا ا فهم لو انني وجايسون متزوجان لحاولت الاّ نفترق ابداً ......"

اجابت ديانا بلهجة حادة :
" هذا يعني انكِ لا تعرفين جايسون جيداً , يمكنكِ ان تحاولي لكن ذلك لن يغير شيئاً ..
لا احد يحبره ان يكون في اي مكان اذا لم يكن يرغب في ذلك ".

القت روزا بنظرة قاسية وحرّكت حمارها وكأنها تريد ان تسد الطريق على ديانا , قالت بلهجة انتصار :
" تقولين اني لا اعرف جايسون معرفة كافية ؟
في كل حال ان ما اعرفه هو انه سيكرهكِ عندما يعرف انكِ زرتِ المزرعة , فهو يعرف جيداً صيت والدي وسيعتقد بأنكِ أصبحتِ عشيقة لويس غييارمو .
وسيطلب منكِ الطلاق فوراً ".

أجابتها ديانا في ضجر :
" توقفي عن هذا التصرف الصبياني , لقد تعرفت الى والدكِ فقط منذ البارحة ولم امضِ هنا سوى ليلةٍ واحدة ..........."

" وستمضين غيرها من الليالي , قال لي ابي انكِ ستبقين هنا هذه الليلة ايضاً , وربما ليالي اخرى ".

" كلا ساعود الى بونو في اسرع ما يمكن ".

وسالتها روزا في لهجة ساخرة :
"وكيف ستعودين الى بونو ؟".

" سيارة والدكِ ستوصلني كما جاءت بي الى هنا ".
شعرت ديانا فجاة بحكاك في خصرها , وتذكر نصائح الطبيب :
ربما يكون ذلك مقدمة لارتفاع حرارتها , عليها ان تاخذ حماماً في الحال لئلا تصاب باي مرض خلال اقامتها في المزرعة .

وقالت روزا وهي ترسم ابتسامة شريرة :
" لا تغادري المزرعة الا اذا امر والدي بذلك ".

" ماذا تعنين بهذا ؟".

" لن تعودي الى بونو اذا لم يأمر والدي السائق جوزيه كي يوصلكِ .
وأعرف انه لن يقوم بذلك اليوم لانه قبل ذهابه هذا الصباح قال لي انكِ باقية معنا اليوم ايضاً .
وقال لجوزيه ألاّ يصطحبكِ الى بونو ,
واعتقد انه من الصعب عليكِ العودة على ظهر الحمار يا سيدتي ".

وضحكت روزا بسخرية واستدارت مع حمارها و ابتعدت .

عندما وصلت ديانا الى ساحة المنزل , كانت مرهقة جدا يتصبب العرق منها بغزارة
نزلت عن الحمار و رات سيارة الكاديلاك تدخل الساحة ,
انزلت السيدة ماتريلو بعض الاغراض بمساعدة جوزيه الذي قادها الى بونو .

دخلت ديانا تواً الى غرفة الحمام بعد ان ملأت المغطس بالماء الفاتر , فاغتسلت و جففت جسمها بعناية .

هل تكون سجينة في المزرعة ؟
ان مجرد التفكير في الامر جعلها ترتجف كأن موجة باردة اجتاحتها برغم الحر الشديد .

هي حقاً سجينة اذا صح كلام روزا ان لويس غييارمو منع السائق من ايصالها الى بونو .

لكن , عليها ان تعود الى بونو بأي ثمن وفي اسرع ما يمكن ,
حتى تكون هناك عندما يعود جايسون لتراه من جديد و تتكلم معه كيلا ينفذ تهديده .

لقد كانت عيناها متسمرتين في سقف الغرفة و هي تتساءل عن الطريقة التي تعود بها الى بونو ,

غير استخدام الحمار !!!

 
 

 

عرض البوم صور lona-k   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لا تقولي لا, القديمة, flora kidd, jungle of desire, روايات, روايات مترجمة, روايات مكتوبة, روايات رومانسية, روايات رومانسية مترجمة, روايات عبير المكتوبة, روايات عبير القديمة, عبير, فلورا كيد
facebook



جديد مواضيع قسم روايات عبير المكتوبة
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t95077.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 06-09-17 03:13 AM
ط±ظˆط§ظٹط© ط¹ط¨ظٹط± ط§ظ„ظ‚ط¯ظٹظ…ط© ظ„ط§ طھط³ط§ظ„ظٹ ظ„ظ…ط§ط°ط§ - Rocket Tab This thread Refback 28-08-16 08:53 PM
Untitled document This thread Refback 22-12-10 03:34 PM


الساعة الآن 02:14 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية