لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات عبير > روايات عبير المكتوبة
التسجيل مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات عبير المكتوبة روايات عبير المكتوبة


102 - لعبة الحظ - جانيت ديلي - روايات عبير القديمة ( كاملة )

102- لعبة الحظ - جانيت ديلي - روايات عبير القديمة

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (3) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-06-11, 03:54 PM   3 links from elsewhere to this Post. Click to view. المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: May 2010
العضوية: 162960
المشاركات: 2,906
الجنس أنثى
معدل التقييم: نيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالق
نقاط التقييم: 2759

االدولة
البلدLebanon
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
نيو فراولة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : روايات عبير المكتوبة
Jded 102 - لعبة الحظ - جانيت ديلي - روايات عبير القديمة ( كاملة )

 

102- لعبة الحظ - جانيت ديلي - روايات عبير القديمة

الملخص




أن تكون المرأة مستقلة برأيها ومشاريعها , معروفة بقدرتها في السيطرة على أعصابها وعواطفها , شئ جميل تتمناه كل أمرأة , لكن أن تكون باردة القلب مثلجة العواطف يهمها في الحياة مصالحها فقط......فأن الحب سيكون صعبا عليها دون شك.
منتديات ليلاس
أليزا سيدة بكل معنى الكلمة وهي التي طلبت يد زكاري بخلاف العادة. صحيح أنها أشترطت زواجا لايعدو كونه عقدا بلا أرتباط , لكن الوقت والغيرة برهنا لها العكس , وشيئا فشيئا توترت مفاصلها ودب الحب في كل انحائها فتورطت وقامت تهيئ حقيبتها للفرار....

 
 

 

عرض البوم صور نيو فراولة   رد مع اقتباس

قديم 07-06-11, 04:05 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: May 2010
العضوية: 162960
المشاركات: 2,906
الجنس أنثى
معدل التقييم: نيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالق
نقاط التقييم: 2759

االدولة
البلدLebanon
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
نيو فراولة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : نيو فراولة المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

1 - أريد زوجا



جلس الشاب بأرتياح على كرسيه أمام حوض السباحة التابع لأحد الفنادق الفخمة , وراح يتأمل الجسم البرونزي للفتاة المستلقية قربه , وقال بعد لحظات:
" من المؤسف أن تكوني ولدت بمثل هذه الطبيعة المتحجرة , لأنك لن تجدي أي صعوبة على الأطلاق في الحصول على زوج ..... ولك مثل هذه هذا الوجه الجميل الجميل وهذا الجسم الرائع".
ظلت عيناها مغمضتين لرد وهج الشمس عنهما , وقالت:
"نسيت أن تضيف كلمة عن ثروتي , يا مايكل , وأود أن أذكّرك أيضا بأنني لم أولد بمثل هذه الطبيعة الباردة المتحجرة , أمضيت سنوات طويلة من العمل الجاد والقاسي قبل أن أكتشف حسناتها وميزاتها".
عاد يتأملها من رأسها حتى أخمص قدميها , ويركز نظراته حول القطعتين الصغيرتين اللتين كانتا تغطيان جزءا يسيرا من جسمها الجميل , تأمل وجهها الجذاب , وشعرها الأشقر الذهبي , وبشرتها الرقيقة الناعمة , أطلق ضحكة خفيفة دفعتها الى فتح عينيها, ثم قال لها بدون أن ينظر اليها:
" مسكينة أنت يا ليزا! حصّنت نفسك الى هذه الدرجة أتجاه الرجال , ولكنك مضطرة للزواج من أحدهم!".
جلست أليزا فرانكلين بعصبية وقالت له بحدة ظاهرة:
" لا أجد في ذلك ما يسليك أو يرفّه عنك!".
تأملها لحظة ثم قال لها بلهجة ساخرة:
" ما بالك , أيتها العزيزة ؟ والدتك هي المخطئة , أليس كذلك؟".
" كانت والدتي أمرأة قديمة التفكير الى حد بعيد , وكانت تعتقد أن المرأة لا تكون مكتملة ما لم يكن لديها رجل!".
ضحك مايكل وعلّق قائلا:
" وتزوجت خمس مرات لتثبت ذلك !".
" كانت أنسانة غبية..... أمرأة ضعيفة الأرادة تتعلق بالرجال بسرعة ..... سخيفة لا يهمها سوى العطور الفواحة والمناديل المطرزة! أدركت كم كنت أكره فصول الصيف التي أمضيها مع روي ومارغريت ..... وكانت بسيطة لدرجة أنها أقتنعت بآرائها وذكرت في وصيتها أن كريستين يجب أن تكون في عهدتهما ورعايتهما!".
" بالأضافة الى الثروة الطائلة التي.......".
" لا يهمني المال أبدا , وأنت تعرف ذلك , ترك لي أبي ما يكفيني, ولهذا السبب جعلت من كريستين وريثتها , لن تتمكن الطفلة المسكينة من التمتع بأي جزء من هذه الثروة نتيجة لتسلط مارغريت وروي عليها , كان عليك أن تشاهد نظراتها عندما تركتها أمس , اللعنة ! ماذا سأفعل؟".
أجابها بخبث واضح:
" لا أدري سبب حماسك وعصبيتك , أوردت أمك في وصيتها نصا واضحا يقول أن الفتاة ستصبح في عهدتك أذا تزوجت , الحل أذن بسيط للغاية .... ما عليك ألا أن تتزوجي".
أرادت أن تصرخ في وجهه وتقول: أبدا ! ولكن نظرات كريستين الحزينة تراقصت في مخيلتها وجعلتها تخنق تلك الكلمة في حلقها , تململت في مكانها وقالت:
" نيت الشرط الذي يقول أنني مضطرة للعيش مع زوجي المرتقب سنة كاملة في أقل تقدير , لو لم تكن قريبي , يا مايكل , لتمكنت من حل جميع مشاكلي , لا يمكنني حاليا أن أفكر بتمضية سهرة واحدة مع رجل , فكيف سأتمكن من العيش مع شخص أثني عشر شهرا!".
" أنك تتحملينني لسبب واحد فقط وهو أنني لا أحاول أرضاء أنانيتك وغرورك كما يفعل الآخرون , أنني أعرفك مذ كنت طفلة صغيرة تركضين حولي كجرو صغير, أتصوّر أن سخريتك تسليني ..... وكذلك ثروتك!".
ردت عليه أليزا بنبرة هادئة وباردة , وتتسم بالعصبية البالغة , قائلة:
" لا تحاول أغاظتي يا مايكل , أنت في السادسة والعشرين ولا تكبرني ألا بعامين فقط , أنك مرافق مناسب لي , وتعجبني أحيانا روحك المرحة , أما ما يهمني أكثر من ذلك كله أنك لا تعرضني لمشاكل الحديث المؤلم عن الماضي وأحزانه".
" ألا تشعر فتاة الثلج بأي عاطفة أطلاقا أتجاهي؟ من الأفضل لك , يا عزيزتي , أن تجدي لنفسك زوجا قد ترتاحين اليه بعض الشيء , أوه كم أحب أن أراك زوجة لرجل متسلط قاسي يضربك مرتين كل يوم!".
" أمسح هذه الأبتسامة الخبيثة عن وجهك , فأنا لن أتزوج أحدا ما لم أشعر أنني أنا التي ستكون صاحبة القرار , والشخص المهيمن في البيت".
منتديات ليلاس
وقفت أليزا بحدة ثم أبعدت خصلات شعرها عن وجهها , وأضافت قائلة:
" هل حجزت طاولة للسهرة الباريسية , كما أوصيتك؟ أم أنك أنفقت المبلغ على طاولات القمار , كما فعلت ببقية المبالغ التي أعطيتك أياها منذ وصولنا الى نيفادا؟".
" لا يا سيدتي العزيزة ! أطعت أوامرك وحجزت أفضل طاولة في القاعة".
وقف بقامته الممشوقة التي تزيدها بضعة سنتيمترات وقال:
" سأمر عليك في الثامنة والنصف , كي نتمكن من تناول العشاء قبل حفلة الحادية عشرة".
وفيما أستدارت لتذهب , سألها بهدوء:
" ماذا ستفعلين بالنسبة لكريستين؟".
أجابته بلهجة حادة وقوبة , وبعنفوان واضح:
" سأجد زوجا! سيكون شخصا مرموقا ومن أحدى العائلات العريقة , لن أتزوج شخصا حقيرا يسعى وراء الثروة والشهرة , وأتحمل بالتالي ضحكات الناس وسخريتهم , حتى من أجل أختي!". لم تنتظره كي يعلق على جملتها , بل توجهت على الفور الى غرفتها وهي تسير بعزة واثقة...... متجاهلة بأزدراء نظرات الرجال وملاحظاتهم , كان تجاهلها التام لأهتمام الرجال بها حافزا قويا لهم على القيام بمزيد من المحاولات لكسب رضاها ومحبتها , ألا أن عدم أهتمامها لم يكن مصطنعا أو مفتعلا, بل حقيقيا ونابعا من الصميم.
لم تشعر أليزا بأنها تخلصت من النظرات الخسيسة والكلمات المقززة , ألا عندما أستلقت في حوض حمامها وغطت نفسها حتى العنق بالماء الساخن والصابون المعطر , خرجت من الماء , ولفت جسمها بمنشفة بيضاء كبيرة , ثم جلست أمام المرآة تنظر بعينين زائغتين الى نفسها , تذكرت أليزا أنها تمنت مرة واحدة فقط لو أنها ولدت كفتاة عادية بعيدة كل البعد عن هذا الجمال الباهر , ولكن ذلك التمني زال بسرعة , لأنها هي تحب الجمال والأشياء الجميلة.... ولأنها كانت ستمقت نفسها لو لم تكن بمثل هذه النضارة وهذا البهاء , وأدركت لتوها أنها لو كانت فتاة بسيطة عادية , لكانت بالتأكيد ذات طبيعة رومنطيقية سخيفة تجعلها تتأوه وتتنهد كلما شاهدت رجلا وسيما أو جذابا.
لا , أنها لا تقبل بذلك , ولهذا , تمكنت بنجاح من أن تسيطر على هذه المشاعر والأحاسيس الغنية , وأبتسمت بمرارة , وبشيء من المرح في الوقت ذاته , عندما أدركت مدى أمتنانها لوالدتها في تحقيق ما توصلت اليه من سيطرة تامة على عواطفها , أنفصل والداها عن بعضهما عندما كانت طفلتهما الوحيدة في الثالثة من عمرها , وبعد سنتين تقريبا قتل والدها في حادث سيارة , تعلقت طويلا بصورته وبما كان يرمز اليه من أبوة وحنان , ولكن تعداد الأزواج في حياة أمها جعلها تفقد الثقة بالرجال وبالزواج على حد سواء , بدا لها في حداثة سنها أنها ستمضي طوال حياتها في عهدة مارغريت وروي لتفسح المجال أمام شهر عسل جديد أو طلاق جديد.
كان الصيف وهي في سن الخامسة عشرة أكثر الأوقات عذابا وألما في حياتها , تعرضت خلاله لصدمة لم تشهد لها مثيلا من قبل , كان زوج أمها الثالث ثريا كبقية الأزواج , ولكنه أبدى أهتماما خاصا بالصبية التي بدأت تظهر عليها معالم الأنوثة بشكل ملفت للنظر , كان يأخذها كل يوم تقريبا في رحلة بحرية , بينما تبقى أمها على الشاطىء , لأنها لم تكن تحب البحر كثيرا , وأحست أليزا في أحدى تلك المرات يتحوّل جلي وواضح في أهتمامه بها.
كان يوما رائعا هدأ فيه الهواء وموج البحر ,ولم تسمع خلاله سوىأصوات الطيور التي كانت تحلق في الفضاء , تمددت أليزا على شطح المركب الشراعي الكبير , وهي ترتدي ثوب سباحة من قطعتين أبتاعته لها أمها في العام السابق , تذكرت كيف أقترب زوج أمها وراح يحدق بجسمها النامي بأعجاب ورغبة , وتذكرت كيف شعرت آنذاك بأستغراب تحوّل فجأة الى خوف وذعر , لأنهما كانا وحيدين وعلى بعد حوالي أربعة كيلومترات عن الشاطىء , جلس قربها وطلب منها بصوت أجش أن تحل شعرها من العقدة التي ربطته بها , فعلت ذلك وهي خائفة الى درجة كبيرة , مد يده وأخذ يداعب الخصلات الشقراء الذهبية , لاحظت أن في الأمر شيئا مريبا وغير طبيعي , فحاولت النهوض ..... ولكنه وضع يده الأخرى وأرغمها على البقاء ممددة أمامه , ثم أقترب منها وقال متمتما:
" ما رأيك في أعطاء عمك العجوز قبلة طيبة؟".
صرخت وركلت , وأستخدمت أظافرها , لتبعده عنها.. ولكن دون جدوى , لا تزال تذكر حتى الآن الأشمئزاز الذي شعرت به آنئذ , قبل أن تتمكن من الأفلات منه والقفز الى الماء , كانت سعيدة الحظ عندما شاهدت زورقا نقلها صاحبه الى الشاطىء حيث أخذت تبكي على كتف أمها المذعورة وتخبرها بما حدث.
لم يخفف طلاق أمها من ذلك الرجل وزواجها الناجح بعد فترة من دايل باترسون من الآلآم التي شعرت بها بعد ظهر ذلك اليوم اللعين , وبدأت أليزا منذ ذلك الحين تدرّب نفسها على التحفظ أتجاه الرجال وأطهار البرةودة والجفاف معهم , كانت تدرك طوال السنوات اللاحقة أن جمالها محط أنظار الجنس الآخر وسبب حسد رفيقاتها , لكنها لم تشعر بأي أهتمام يذكر أتجاه أي من الشبان الذين تعرّفت اليهم , لاحظت بأشمئزاز متزايد أن الشاب الذي كانت توافق على الخروج معه , لم يكن ليهتم كثيرا بالتحدث اليها أو مجرد الأستماع , حاولت في البداية تحمّل تلك العناقات التي كان يصر عليها الشبان لدى أعادتها ليلا الى البيت , ولكنهم كانوا يتوقعون المزيد في المرة التالية , بدأت ترفض تدريجيا جميع الدعوات التي توجّه اليها , لأنها لم تعد تتحمل ما كان يفترض بها فعله كلما لبّت دعوة أو قبلت مرافقة شخص الى سهرن ما , تجنبت جميع السهرات الأجتماعية تقريبا , أما تلك التي لم يكن بدّ من حضورها , فكانت تأخذ معها قريبها مايكل.
لم يعد يهمها في الحياة ألا القراءة وكريستين .... أختها من أمها , تنهدت أليزا بأنزعاج وهي تأخذ الفرشاة لتسريح شعرها , أنها تريد تلك الأخت غير الشقيقة التي لم تنضج بعد , تحبها كثيرا لأنها أعتنت بها مذ كانت طفلة صغيرة , وكي تستعيدها , عليها أن تتزوج , هذه هي وصية والدتها التي أقرّتها المحكمة , أنه حل بسيط للغاية بالنسبة لفتاة جميلة وثرية مثلها , لكنه حل مزعج يثير قرفها وأشمئزازها , أخذت أسماء الأزواج المحتملين ووجوههم تمر بسرعة في مخيلتها , فيما كان عقلها يرفضهم الواحد تلو الآخر , لم تشكك أبدا في قدرتها على حمل أي من هؤلاء على القبول بالزواج منها , ولكنها كانت تحتقر الذين يطرحون أنفسهم وتمنت أليزا بصمت , وهي تبتسم , لو كان بأمكانها شراء زوج يعجبها ويتمتع بالمواصفات التي حددتها له!
منتديات ليلاس
كانت الحفلة رائعة وفي الأتقان والأبداع , ألا أن أليزا لم تتمتع بها , كان تفكيرها مركزا طوال الوقت على أيجاد حل لمشكلتها النفسية , عندما مر مايكل لمرافقتها الى المطعم ومنه الى النادي , كانت عاقدة العزم على ترك أفكارها جانبا والتمتع بوقتها الى أبعد الحدود , أرتدت أجمل فساتين السهرة المتوفرة لديها , وكانت تبدو غاية في الجمال والأناقة والذوق , ولما دخلت ومايكل القاعة الرئيسية , تحولت كافة الأنظار أليها ..... الرجال بأعجاب ورغبة والنساء بحسد وغيرة! أما أهتمام مايكل فتحوّل بسرعة الى طاولات النرد الخضراء , حزنت أليزا لأجله دون أي شعور بالعطف أتجاهه أو التعاطف معه , أنفق المال الذي ورثه خلال أقل من سنة , ولكنه على ما يبدو لا يزال متشوقا لأنفاق المزيد وخسارة مبالغ أضافية , وضعت يدها برقة على ذراعه , فلحق بها مترددا وراحا يتجولان بين تلك الحشود الغفيرة.
كان الرابحون يصرخون بفرح وسعادة , والخاسرون يتأوهون ويتذمرون بأصوات عالية , الذين يرتدون أجمل ثياب السهرة وأغلاها , يحتكون بالذين يرتدون الثياب العادية , لم يكن هناك سوى مكان يفصل بين الأغنياء والناس العاديين , وعلمت أليزا أن خطواتها ستقودها حتما الى ذلك المكان المنفصل وشعرت بأن لعابها يجف وأعصابها تتحرك , وهي على وشك الأشتراك في لعبة الحظ المخصصة للطبقة الأرستقراطية الثرية , تحب هذه اللعبة كثيرا ولكنها لا تتهور , أذا ربحت تتوقف عن اللعب ,وأذا خسرت تتوقف أيضا عند حد معين , فهي تعلم علم اليقين أنه طالما لديها تلك الأموال التي ورثتها عن أمها , فهناك يوم آخر... ومجال آخر.
وقف مايكل صامتا بقربها , يتأمل بأعجاب وحسد برودة أعصابها , سوف تنظر اليه خلال لحظات , لتعطيه بعض المال كي يذهب الى طاولات النرد , راقبت أليزا بعينين زرقاوين واسعتين , وبأعصاب هادئة , بقية اللاعبين وأساليب لعبهم , تجاهلت الشابات اللواتي تضعهن أدارة الفندق حول الطاولة لأضافة رونق...... وتشجيع اللاعبين , ولكن دقات نبضها تسارعت عندما وقع نظرها على اللاعب الأخير.
كان شعره الأسود الجميل يلمع تحت الأضواء الناعمة ,وحاجباه يغطيان الى حد ما عينيه البنيتين الجميلتين , أعجبتها نظراته الفاحصة بوجهها بهدوء وأهتمام بالغين الى الأوراق الموجودة أمامه , أنفه حاد ,وجهه جذاب , بشرته برونزية , وأكثر من ذلك أن فمه رائع وقاس , رفعت حاجبيها بأعجاب واضح وبحشرية بالغة , لا يمكن أن يكون هناك شخصان متشابهان الى هذه الدرجة , نظرت الى قريبها وسألته بهدوء:
" ماذا تعرف عن ذلك الرجل الذي يجلس الى يسار موزع الورق؟".
تطلع نحوها مايكل بدهشة وأستغراب , لم تهتم أليزا أبدا في السابق بمن يلعب , ولم تبد ألا نادرا أي أهتمام يذكر بشخصيات اللاعبين أو أشكالهم , ولكنه أطاعها كعادته ونظر نحو الرجل , وضع يده على فمه لأخفاء دهشته , وعندما نظر ثانية الى أليزا أصيب بدهشة مماثلة عندما شاهد ذلك البريق الغريب في عينيها ,قال لها:
" أنه زاكاري ستيوارت , لم أره في نيفادا منذ ما قبل وفاة والده , أنه لاعب عنيد وقاس , أو على الأقل هكذا كان , صاحب حظ لا يصدق , مع أنه لا يهتم كثيرا أن خسر أم ربح , أفعلي مثله ولن تندمي!".
"لا يهمني كيف يلعب أو ماذا تكون نتيجة لعبه , ولكنني أريد أن أعرف كل شيء ممكن عنه , يا مايكل".
سألها عن سبب أهتمامها المفاجىء , فنظرت اليه بطريقة جعلته يعتذر عن تدخله ويقول:
" أنك على الأرجح تعرفين عنه بقدر ما أعرف أنا , أنني متأكد من أنك شاهدته أكثر من مرة في حفلات أليزابيث في سان فرانسيسكو كان والده أحد أقوى رجال الأعمال في حقلي الأستيراد والتصدير , ويعمل أيضا في شراء الأراضي وبيعها .... بالأضافة الى مشاريع البناء وأستصلاح الأراضي , خسر كثيرا قبل حوالي سبع سنوات , عندما خصص مبالغ طائلة لمشروع زراعي تعرض للفشل نتيجة عوامل طبيعية غير متوقعة , ويقال أن الحادث الذي أودى بحياته لم يكن ألا أنتحارا , ولكن هذا الأمر لم يتأكد أطلاقا , كان زاكاري في الخامسة والعشرين من عمره , وورث عن والده .......جميع ديونه , ومنذ ذلك الحين , توقف عن المجيء الى نيفادا .... ونوادي القمار , سمعت أن الشيء الوحيد الذي تمكن من الأحتفاظ به , بأستثناء منزل أمه في سان فرانسيسكو , بستان ليمون وبرتقال في وادي نابا , أهمل والده ذلك البستان ومعمل العصير القائم فيه سنوات عديدة , ولذا فأنني أصتصور أن أي أرباح قليلة جناها خلال السنوات القليلة الماضية , أعاد أنفاقها هناك لتحسين البستان وتطوير العمل الصغير فيه".
أبتسمت أليزا بخبث واضح , وقالت لنفسها بمرارة مفرحة أن السيد المتعجرف بحاجة ماسة الى المال , ثم قالت لمايكل:
" يبدو أنه رجل مستعد للقيام بأي شيء للحصول على بعض المال!".
" لست متأكدا من ذلك , ولكن يمكننا القول أنه قادر على أن يكون قاسيا الى درجة كبيرة عندما يريد الحصول على مبتغاه".
" هل هو متزوج؟".
" زاكاري ؟ لا , لا يا عزيزتي , هل يبدو كشخص يقبل بالزواج؟".
وضحك مايكل ثم مضى الى القول:
" حاول عدد كبير من النساء أيقاعه في الشرك , ولكنهن فشلن فشلا ذريعا , رأيه في النساء مشابه لرأيك في الرجال ,مع فارق وحيد هو أعتقاده الراسخ بأن وجود النساء على الأرض له هدف واحد.... هو أرضاء الرجال جسديا , أنا متأكد من أنه لم يجد بعد أمرأة تحرمه من تلك المتعة أو تتردد في تقديمها اليه".
تأمل وجه أليزا بعينين ساخرتين , الى أن شاهد نظرات قاسية وجدية تحل محل الهدوء والأهتمام , فسارع الى القول:
" أوه , لا , يا أليزا , أذا كنت تفكرين , كما أتصور فالأفضل لك أن تتخلي عن هذه الفكرة , أنه رجل يختلف عن بقية الرجال الذين تعرفينهم".
شعرت أليزا للحظة واحدة بالخوف مما قاله مايكل وأوحى به , ولكنها أستعادت ثقتها وتصميمها بسرعة , وقالت:
" أنه يفي بجميع المتطلبات , فهو أبن عائلة عريقة مرموقة.... مع أنها منيت بخسارة مادية كبيرة , وهو بحاجة الى المال , ليس أمامنا ألا تحديد الثمن , يا عزيزي مايكل".
" فكري جيدا بالمبلغ الذي ستضطرين لدفعه , يا أليزا".
أعطته كمية قليلة من المال , وسارت نحو طاولة الحظ غير عابئة بما قاله لها , وجّه اليها جميع الرجال , بأستثناء زاكاري , نظرات الأعجاب والترحيب الحار , شعرت بأنه غير مهتم بها , فقررت على الفور أن تبذل ما في وسعها لجذب أنتباهه , أنتظرته أولا كي يراهن..... ثم تصرفت عكسه تماما كان الحظ بجانبه , ألا أنه حافظ طوال الوقت على هدوئه ورباطة جأشه , لم تظهر معالم البهجة والسرور على وجهه , كما أنه لم يبد أي أهتمام على الأطلاق بطريقة لعبها أو بمدى خسارتها.
أوقعت حقيبة يدها عمدا تظاهرت بأنها تنتظر أحدا من السادة كي يلتقطها لها , وما أن همّ بالأنحناء لأعادة الحقيبة , حتى سبقته الى ذلك وألتقطتها بنفسها... وبعد دقائق معدودة , أخرجت سيجارة ووضعت طرفها بين شفتيها ... وأنتظرت , وعندما أخرج زاكاري قداحته الذهبية من جيبه , أستدارت نحو رجل مسن في الجانب الآخر وطلبت منه بغنج أن يشعلها لها , ونجحت , بتجاهلها المتعمد , في لفت أنتباهه اليها.
شعرت بأن المبلغ الذي خصصته لتلك اللعبة أخذ ينضب بسرعة , فأمتنعت مؤقتا عن المشاركة وأرتاحت في كرسيها وهي تتابع اللعب بدون أكتراث , أحست بأنه يراقبها , فنظرت اليه بعينين تبرقان سرورا وبهجة بسبب دخولها المفاجىء في هذه اللعبة الجديدة , سألها بصوت هادىء:
" هل تشربين معي فنجانا من القهوة؟".
ردت عليه ببرود وجفاف جارحح :
" أنا لا أعرفك , يا سيد".
" ليست هناك أي صعوبة لتصحيح الوضع القائم , أسمي زاكاري ستيوارت".
أحست بطعم الأنتصار عندما وقف وبدأ يساعدها على النهوض من كرسيها , وقالت له بهدوء:
" أليزا .... أليزا فرانكلين".
أمسك بيدها وأخذها الى زاوية بعيدة عن الضجيج تلفها أضواء خافتة , لاحظت بأنزعاج بالغ أنه أطول منها بكثير , لم يكن أي من رفاق سهراتها أطول منها , ولكن ذقن زاكاري ستيوارت كانت أعلى من جبينها , تصورته أولا نحيل الجسم ,وذلك بسبب طوله الفارع , ألا أنها أكتشفت لدى مغادرتهما القاعة بأنه ذو منكبين عريضين وجسم قوي , أخافتها قامته الطويلة , وسرّت كثيرا عندما جلسا الى الطاولة ولم تعد مضطرة لرفع عينيها اليه.
منتديات ليلاس
وكما أنه لم يسألها الى أين تحب الذهاب , كذلك طلب من النادل فنجانين من القهوة المرة دون أن يستشيرها أذا كانت تحب ذلك أم لا , شعرت بالأنزعاج ... فمع أي شخص آخر , وفي أي ظروف أخرى , كانت أليزا سترفض القهوة بمجرد أحضارها الى الطاولة... لا لشيء ألا للتأكيد على قوة شخصيتها ونفوذها , أما في هذه الحالة بالذات , فقد سيطرت على أعصابها وقبلت القهوة بتهذيب ومجاملة , أخرجت سيجارة من علبتها , فظهرت أمامها على الفور القداحة الذهبية تشعلها لها , وسمعته يقول بهدوء:
" أخبريني .... هل أنت دائما هكذا؟".
" عفوا؟ لم أفهم ما تعنيه!".
" أنني أتحدث عن مسألة أشعال سجائرك , أستخدمت أسلوبا مزعجا ومهينا لجذب أنتباهي اليك , ولكنك نجحت بصورة تامة".

لم يكن النور كافيا كي تشاهد ملامح وجهه بوضوح لكنه بدا من صوته ولهجته أنه يجد لعبتها مسلية ولا بأس بها على الأطلاق , تنحنح قليلا ثم مضى الى القول:
" أليزا فرانكلين , أعتقدت أنني سمعت أسمك من قبل".
" محتمل جدا , أمي , أليانور باترسون التي قتلت في حادث تحطم طائرة قبل أسابيع قليلة".
رد عليها بجملة ساخرة ضايقتها كثيرا وجعلت أعصاب وجهها تتقلص بسرعة:
" أرى أنك حزينة جدا وتنفجعين عليها كثيرا".
" أعتقد أنني سمعت عنك من قبل , يا سيد ستيوارت , ألم يكن والدك ذلك الرجل القوي الثري في سان فرانسيسكو قبل... قبل وفاته المبكرة؟".
توقفت لحظة في تلك الجملة لتثبت له أنها تعرف أكثر من ذلك , ثم أضافت:
ط أتصوّر أن لديك بستان حمضيات ومعمل في وادي نابا , أليس كذلك؟".
" يبدو أنك تعرفين الكثير عني , يا آنسة".
قالت له بنعومة مزعجة:
" قليل من هنا , وقليل من هناك , كيف يسير عملك؟".
أقترب زاكاري منها , فألقت الشمعة بعض الضوء على وجهه وأظهرت أبتسامته الساخرة , تأملها لحظة ثم قال لها بلهجة خبيثة الى حد ما:
" لدي شعور غريب بأنك ستصابين بخيبة أمل لو قلت لك أن الأمور تسير على ما يرام".
ثم نظر اليها بعينين قاسيتين وقال بصراحة أزعجتها وأفزعتها:
" يبدو أنك لست متحمسة كثيرا للحصول على مفتاح غرفتي في هذا الفندق , فلماذا لا تخبريني عن السبب الحقيقي لقبولك دعوتي المتواضعة هذه؟".
" أنك محق تماما , أنا أكره أضاعة الوقت بأمور تافهة وجانبية , أريد أن أعرض عليك شيئا يا سيد ستيوارت , أنه عرض تجاري , فلا سبب لرفع حاجبيك أستغرابا!".
لم يصدر عنه أي رد فعل فوري , حاولت أليزا أخفاء أمتعاضها المتزايد , ألا أنها لم تنجح تماما وقالت بشيء من الحدة:
" أظن أنك تفتقر حاليا الى سيولة كافية , وأنك بحاجة لبعض المال كي تطوّر يستانك وتجري تحسينات على معملك , أنا مستعدة لتزويدك بما تحتاج اليه , يا سيد ستيوارت".
" عرض مثير للأهتمام , ولكني أتساءل بدهشة وأستغراب بالغين عن سبب أختيارك أعمالي أنا كي تستثمري فيها أموالك , من المؤكد أن هناك ما تريدين الحصول عليه مقابل ذلك , فماذا تريدين , يا آنسة؟".
" أريد زوجا".
ضحك الرجل وقال:
" لا شك في أن هناك عددا كبيرا من الرجال الراغبين في الزواج , الذين سيقفزون فرحا أذا سنحت لهم فرصة ذهبية كهذه.. الزواج من شابة جميلة وثرية مثلك , ولكن أتذكّر أنني سمعت مرة عن علاقة تربطك بشخص يدعى بول أندروز , فلماذا لم تتزوجيه؟".
" بول؟".
تذكرت أليزا بسرعة صورة الرجل القوي الطيب ذي الشعر البني الفاتح , ثم أضافت قائلة بلهجة توحي بالأشمئزاز:
" أنه شخص ضعيف كان يدور حولي كقطة صغيرة جائعة , وكانت يداه دائما تنضحان عرقا".
" هل تعرفين أنه حاول الأنتحار عندما أمرته بالأبتعاد عنك؟ أعتقد أن تلك المحاولة وقعت قبل حوالي سنة".
" كان عملا يتسم بالرعونة وضعف الشخصية , ومن الواضح أنه لم يكن قادرا حتى على النجاح في محاولته تلك".
شعرت أليزا بأن الحديث عن بول أندروز ممل للغاية , ويبعدها عن الهدف الحقيقي لوجودها مع زاكاري , أضافت قائلة بنبرة قوية وهادئة:
" لن يكون زواجي المقترح ألا لفترة مؤقتة , ولهذا فضّلت التعاكي مع شخص غريب تماما".
" هل أنت حامل؟".
" طبعا لا!".
جاء نفيها حادا وقاطعا وغاضبا , فتأملها زاكاري قليلا , ثم أبتسم وقال لها بسخريته المعهودة:
" أنه السبب المعتاد والمعروف الذي يدفع النساء الى الزواج بمثل هذه السرعة , وعلى هذا النحو المثير للدهشة والأستغراب, أخبريني , يا آنسة , ما هو السبب الحقيقي أذن لرغبتك في الزواج من أنسان غريب؟".
ردت عليه بتحد قاس, وهي تتمنى لو أن في أستطاعتها صفعه بقوة على وجهه لأزالة تلك النظرات الحادة واللاذعة التي كان يوجهها اليها , قالت:
" السبب هو أختى نصف الشقيقة , التي تبلغ السابعة من عمرها , أوردت أمي في وصيتها نصا صريحا يقول أنه ليس بأمكاني الأحتفاظ بكريستين نهائيا ما لم أتزوج وأعش مع زوجي سنة بكاملها , وذكرت أنني ما لم أفعل ذلك , فسوف تصبح الفتاة في عهدة خالي وزوجته".
" هل تحبين الفتاة الصغيرة أم أنك تكرهين خالك وزوجته؟".
" مشاعري بالنسبة للجانبين قوية جدا ...... أحبها , وأكرههما!".
أشعل سيجارة أخرى , فبدت على ضوء القداحة عيناه قاسيتان ملتهبتان , سألها ببرودة أعصاب أثارتها وضايقتها:
" ما هو المبلغ الذي تريدين دفعه , فيما لو قبلت أقتراحك السخيف هذا؟".
" يعتمد الأمر كثيرا على ما تحتاجه أنت".
" يتطلب تطوير البستان وتزويد المعمل بمعدات حديثة حوالي مئتي ألف دولار , فما رأيك؟".

عضّت أليزا على شفتها بقوة لتمنع نفسها من توجيه أقبح الشتائم اليه , ثم قالت له بهدوء مصطنع:
" أنك رجل مرتفع الثمن".
" ستحققين أنت مأربك , وأتوصل أنا الى الغاية التي أصبو اليها , حريتي غالية جدا بالنسبة اليّ , يا أليزا".
ثم أبتسم وسألها بنعومة صادقة:
" لماذا أخترتني أنا بالذات؟".
تذكرت أليزا كلام مايكل عن حفلات أليزابيث , ألتقته في أحداها , وكان بول أندروز آنذاك قد بدأ يزعجها ويضايقها , تركها لحظة وذهب ليرحّب بالرجل الطويل القامة الذي وصل لتوه , حاول أقناع زاكاري بالأقتراب منها لتقديمها اليه.... ولكنه رفض بأصرار ,وتذكرت أيضا أنها سمعته يتحدث الى أشخاص آخرين , لم يكن رجلا يمكن تناسيه بسهولة , أغاظته بعض النساء آنئذ لأنه يتردد في التعرف الى صديقة بول الجديدة. أليها هي , فقال لها بغطرسة الرجل الذي يحصل دائما على ما يريده ويشتهيه:
" أنها ليست من النوع الذي أحب , أو الذي يثير أهتمامي , لن أضيّع وقتي مع شقراء غبية باردة تخاف أن تفسد مداعبة الرجل تسريحة شعرها , أفضل فتاة ذات قلب أكبر ونار أقوى , صديقة بول باردة كالثلج".
أستعادت أليزا بسرعة ذكرياتها عن تلك الحفلة ,ثم أختارت كلماتها بدقة وعناية قبل أن تقول له:
" أخترتك أنت , يا سيد ستيوارت , لأنك أبن عائلة عريقة ومرموقة .... ولأن الناس الذين أعرفهم ينظرون اليك بشيء من الأحترام والتقدير , على الرغم من مصاعبك المالية , لست فتى غبيا مدللا لا يعرف شيئا , ولا يقدر على أتخاذ قراراته بنفسه , يعجبني فيك عنفوانك .... وتصميمك على تحقيق أهدافك بغض النظر عن المصاعب والأهوال التي قد تواجهك , أنت الآن بحاجة للمال...... وأنا قادرة على تزويدك به".
خيّم الصمت فترة طويلة , وعندما تحدث زاكاري , كان صوته هادئا ولهجته فرحة:
" يبدو أنك لا تنظرين أليّ بأحترام كبير , يا آنستي!".
" أنا لا أنظر بأحترام كبير ألى أي رجل , يا سيد ستيوارت".
" وما هو شعورك بالنسبة للحب؟".
" الممارسة أم الأحساس؟".
قلبت السيجارة التي قدمها اليها وهي تنظر اليه ببرودة جافة , ثم أضافت:
" لا يهمني أي منهما , أذا كنت حقيقة تريد معرفة مشاعري بالنسبة اليهما , فأنني أنظر أليهما بأحتقار مماثل , فالممارسة......أعتبرها أمرا مشينا ويحط من قدر النساء , والعاطفة أو الأحساس..... سمّها ما شئت ... ليست ألا فخا أو شركا ينصبه الرجال ليتأكدوا من أن المرأة سترضخ لرغباتهم وتفعل ما يريدون ويبتغون".
تأمل وجهها وجسمها بعينين فاحصتين ثم قال لها:
" قد أتمكن خلال السنة التي ستمضينها معي من تعليمك معنى الحب وقيمته".
ثم هز كتفيه كدليل اللامبالاة , وأضاف قائلا:
" ولكن.... ربما ستثبتين لي أنك تلميذة صعبة المراس , وقد أضيّع وقتي معك عبثا".
أجابته بلهجة قاسية لتؤكد له نهائيا حقيقة ما تصبو اليه وتريده.
" يسرني جدا أنك تشعر هكذا , لأن الزواج المقترح ليس سوى مجرد صفقة تجارية!".
" صحيح".
" هل أفهم منك أنك تقبل عرضي؟".
" نعم , ولكن مع بعض الشروط".
" ما هي شروطك يا سيد ستيوارت؟".
" أولا , مبلغ المئتي ألف دولار هو لي وأفعل به ما أريد وكما أشتهي , أذا أستمر زواجنا أسبوعا أو شهرا أو سنة , فالمبلغ لي أتصرف به كما أشاء ..... لأنه ثمن منحك أسمي".
أبتسم عندما شاهد ملامح الأهانة على وجهها , ومضى الى القول:
" ثانيا , سوف تتصرفين معي طوال فترة زواجنا كزوجة حقيقية... تعيش معي حيثما أعيش , وتنفق حسبما يمكنني أنا أن أوفر لك من نفقات , أؤكد لك بأن منزلي مريح للغاية , وطاولتي جاهزة دائما لأستقبال الضيوف , وأخيرا... أنا مقتنع تماما بأن عنفوانك وعزة نفسك سيفرضان عليك عدم الأفصاح لأي شخص آخر بأن زواجنا المرتقب ليس ألا صفقة تجارية تم التوصل اليها لأهداف مختلفة , ولذا فأنني أتوقع منك أن تحاولي التصرف أمام الأهل والأصدقاء على الأقل , كزوجة محبة عاشقة".
بذلت جهودا جبارة لأخفاء حنقها وغضبها المتزايدين , وسألته بأستخفاف:
" هل هذا كل شيء؟ هل يشعر غرورك وعنجهيتك كرجل بالأرتياح والرضى؟".
" في الوقت الحاضر , نعم , متى سيتم الزواج؟".
تأملت أليزا تلك السعادة الشيطانية الخبيثة في ملامحه , وتمنت لو أن بأمكانها مضايقته بنظرات الأزدراء التي كانت توجهها اليه.... والتي كانت عادة تحطم قول الرجال الآخرين , ولكن اللعين ظل مبتسما وبادي الأنشراح , فقالت وهي تنهض من مقعدها بأنفة وكبرياء:
" بأسرع وقت ممكن".
مد يده لمصافحتها وقال:
" سأقوم أذن بالترتيبات اللاومة".
وضعت يدها في يده وهي تتساءل أذا كانت هذه المصافحة التقليدية رمزا للأتفاق بين طرفين ,أم أنها في الواقع دليل على بداية مستقبل غامض يبشر بالعذاب والألم ,نظر زاكاري الى يديهما المتشابكتين , وتمتم قائلا:
" يا للغرابة ! يدك باردة جدا , يا عزيزتي".
حاولت سحب يدها ولكنه أمسك بها بقوة ومنعها من ذلك , قالت له أنها تستغرب ملاحظته ولا تجد لها داعيا , فنظر اليها بعينين تشعان بنار ملتهبة وقال ضاحكا:
" ألم تسمعي الكلمة المأثورة عن أن صاحبة اليدين الباردتين تكون عادة ذات قلب دافىء وعاطفة جياشة؟".
" أنها جملة سخيفة لا تزال ترددها بعض الزوجت الغبيات".
أفلتت يدها من قبضته وبدأت تعود الى قاعة اللعب , فقال لها بعد أن أقترب منها بسرعة وأمسك بذراعها :
" سأكون حريصا جدا لو كنت مكانك , أيتها العزيزة , ثمة جانب حنون ودافىء موجود فعلا في قلبك المتحجر البارد .... وهو الجانب المتعلق بأختك , قد تشتغل ذات يوم نار حارقة تذيب البقية الباقية من هذا القلب الجامد".
" أنني محصنة تماما بالنسبة لنوع الأشتعال الذي تتحدث عنه وتوحي به".
أبتسم بخبث وقال لها:
" هذه نقطة أخرى أريد أطلاعك عليها فأنا , على العكس منك , لست محصنا ضد نار الغرام والهيام , وبما أنه من الواضح جدا أن زواجنا لن يكون ألا أسميا فأنني آمل مخلصا في أن تكوني متفهمة لوضعي ورغباتي. ......ولا تنتظري مني أن أحرم نفسي رغباتها".
ردت عليه بهدوء , مع أنها لم تحاول أخفاء أشمئزازها:
" لا يهمني أبدا كم ستقيم من هذه العلاقات الغرامية الحقيرة والمقززة , ولكن أرجو أن تكون لبااقة كافية للأبقاء على مثل هذه العلاقات طي الكتمان , والآن ...... أعذرني , أرى صديقة لي تنتظرني في الجانب الآخر".
لم يعترض زاكاري على ذلك , بل قال لها بنعومة ورقة:
" حسنا , سأتصل بك في تمام العاشرة لأبلغك عن موعد...... زواجنا ..... ومكانه , في أي غرفة تقيمين؟".
أعطته أليزا رقم الغرفة وهي تنظر اليه بأزدراء وغضب , لأن نظراته اليها كانت توحي بأنه يقدم لها خدمة عظيمة , رفعت رأسها بكبرياء وتوجهت بسرعة نحو مايكل , الذي كان كعادته غارقا في لعبة الحظ اخاسرة.
تمكنت بعد جهد بالغ من أبعاده عن طاولة النرد ثم أخبرته عما أتفقت عليه مع زاكاري ستيوارت , أصيب مايكل بصدمة قوية , وأعلن لها صراحة أنه ضد هذا الزواج المقترح , كان يعرف عنه أكثر بكثير مما قاله لها سابقا , لم يذكر ألا بعض المعلومات العامة , لأنه لم يكن يتصور أبدا أن زاكاري سيقبل بمثل هذا العرض المستهجن ..... أو حتى أن يبحث فيه , ضاعت تحذيراته هباء , عندما حاول أفهامها بأن ستيوارت رجل قاس لا يعرف الرحمة والشفقة.... وبخاصة فيما يتعلق بتحقيق مآربه أو الوصول الى أهدافه , قال لها أن ستيوارت يحطم من يعارضه , وأنه لا يتردد في أيقاع النساء في شباكه , لا يهمه أن كانت المرأة متزوجة أم لا ,راغبة أم لا .... مع أنه نادرا ما يواجه أمرأة غير راغبة.
ولكن أليزا أدارت له أذنا صماء , لأنها كانت واثقة من قدرتها على مواجهة أي مشكلة ومعالجتها بالأسلوب المناسب , تعلمت في حياتها , التي لا تتجاوز الأربع وعشرين سنة , كيف تصد الرجال عنها..... وكيف تتمكن من أذلالهم كلما حاولوا مضايقتها أو السيطرة عليها , قد يكون زاكاري ستيوارت منافسا عنيدا وخصما قويا , ولكنه ليس سوى رجل تعرف كيف تديره وتسيطر عليه , أنه ليس كما يحاول مايكل تصويره , ذلك الشيطان الشرس الذي لا تقوى أمرأة على مواجهته ومقاومته ..... حتى ولو كانت أليزا فرانكلين لكنه ليس ذلك الشخص الذي لا يقهر! قد يثير أعصاها ويقززها ولكنها ستكون بالتأكيد قادرة على معالجة أموره طالما أنها لا تسمح لغضبها بأن يحل محل الهدوء وبرودة الأعصاب , وأهم من ذلك كله , أنها ستحصل على كريستين , كل شيء , فيما عدا ذلك , تافه وثانوي.
أصيبت تلك الليلة بأرق شديد , ولم تتمكن من النوم ألا في ساعات الصباح الأولى , أيقظتها طرقات متعددة ومتتالية على باب غرفتها , ففتحت عينيها بصعوبة وقامت بتثاقل وكسل لتفتح الباب , أنها العاشرة ألا ربعا ,ولا بد أن يكون الطارق نادلا يحمل لها فطور الصباح , أرتدت عباءة زرقاء جميلة فوق ثياب النوم الشفافة , وفتحت الباب.........
حدقت بذهول بالغالى الرجل الطويل الأسمر , ثم رفعت يديها بطريقة لا شعورية لتضعها على صدرها , حياها زاكاري ثم دخل الغرفة دون أن ينتظر منها دعوة أو أشارة , حاولت أن تتحدث معه بطريقة عادية , ولكن صوتها المرنجف أظهر بوضوح دهشتها وخدلها , قالت له متلعثمة:
" قلت..... أنك ستتصل بي .... في تمام العاشرة".
جلس في أحد المقاعد المخملية الزرقاء , وقال لها بلهجة تدل على قلة أكتراث:
" غيّرت رأيي وقررت أن أحضر لمقابلتك , عوضا عن الأتصال بك هاتفيا".
تظاهرت بأن جوابه لم يهمها أطلاقا , سيطرت على نفسها وأعصابها الى درجة كبيرة , ثم أشعلت سيجارة بيدين قويتين ثابتتين لم تفضحا أبدا الرعشة التي كانت تهزها في الصميم , وسألته بهدوء:
" وهل غيّرت رأيك أيضا بالنسبة الى الزواج؟".
تأملها بروية من رأسها حتى أخمص قدميها , ثم ركّز نظراته على صدرها وقال مبتسما:
" لا , أبدا , أردت أن أعرف كيف تبدو عروستي الجميلة في الصباح , تعجبني هذه العباءة كثيرا , لأنها مثلك....... شفافة ورقيقة , ومثيرة للرغبة بطريقة أستفزازية".
حدقت اليه ببرود ثم جلست في مقعد مقابل , وهي تضم العباءة الى جسمها كأنها درع واق يحميها من نظراته القوية الجائعة , أبتسم ثانية ومضى الى القول:
" أنه لمن دواعي سروري البالغ أن أكتشف ..... الآنسة الكاملة ..... على طبيعتها , دون أستعداد أو تبرّج , أنت في الصباح كأي أمرأة عادية أخرى".
نظرت أليزا وبطريقة عفوية لا شعورية الى المرآة , فشاهدت وجها أصفر اللون يحدق بها بغضب وأستياء , لاحظت أيضا بقعة حمراء على خدها , لأنها كانت تسند وجهها بيدها طوال ساعات الصباح , أما شعرها , فكان بحالة يرثى لها , قالت لنفسها بحنق بالغ:
( اللعنة ! لماذا أتى ليشاهدها عل هذا النحو المزعج ؟".
منتديات ليلاس
علت ثغره أبتسامة ساخرة خبيثة زادت من غضبها وأنفعالها , مع أنها حاولت جاهدة ألا تبدو متضايقة أو مكترثة الى درجة كبيرة.
" لماذا أتيت , يا ستيوارت؟".
لم تختف الأبتسامة المرحة عن وجهه عندما أجابها بهدوء مزعج:
" أنا زوج المسقبل , يحق لي ما لا يحق لغيري , وأتصور أن الذوق السليم يحتم عليك مناداتي بأسمي الأول , يجب أن تعتادي على ذلك من الآن".
أشعل سيجارة ونفث دخانها بأتجاه أليزا , ثم تابع قائلا:
" سنحصل على وثيقة الزواج صباح اليوم , أما الأحتفال بزواجنا الموفق , فقد أعددت له الترتيبات اللازمة كي يتم في الثانية من بعد الظهر , وسوف نتمكن بعدئذ من مغادرة هذه المدينة في أي طائرة تقلع بعد الساعة الثالثة".
فوجئت أليزا بالسرعة الفائقة التي أعد بها كافة الترتيبات الضرورية , ولكنها أدركت دوافعه وأهدافه فقالت بمرارة لاذعة:
" يبدو أنك متحرق كثيرا لوضع يديك على المبلغ المتفق عليه , أليس كذلك؟".
رفع حاجبيه تحديا وقال لها ساخرا:
" يمكنك أن تعيدي النظر في قرارك , أيتها العزيزة".
أطفأ سيجارته , ثم وقف وقال لها بلهجة تدل على أنه تعب من اللعب على الكلام:
"سألقتك في بهو الفندق خلال نصف ساعة , يمكننا أستلام الوثاثق الضرورية هناك , ثم نتناول طعام الغداء ونتوجه الى أتمام مراسم الزواج".
توترت أعصابها كثيرا بسبب نبرته الآمرة توافقه تماما في الوقت الحاضر على أنه يجب تسوية الأمور بأسرع وقت ممكن , ولكنها لن تدعه يعتقد بأنه سيكون الآمر الناهي والزوج المطاع , فهي مثله قادرة على أعطاء الأوامر , قالت له بلهجة حازمة صارمة :
حسنا أحجز لنا مقعدين الى الطائرة المتوجهة الى سان فرانسيسكة بعد ظهر اليوم , سنذهب غدا صباحا الى المصرف , حيث أحوّل لك المبلغ المطلوب , ونتوجه بعدئذ الى أوكلاند لأخذ كريستين".
أبتسم زاكاري ولم يبد عليه أي أثر للأنزعاج أو الأنقباض بسبب الأسلوب المتغطرس الذي أستخدمته معه , هز رأسه موافقا , وكرر لها الجزء الأول من جملته السابقة لها:
" سألقاك في البهو خلال نصف ساعة , لا تتأخري!".
وغادر غرفتها دون أن يضيف كلمة أخرى... أو حتى أن يلتفت اليها.

 
 

 

عرض البوم صور نيو فراولة   رد مع اقتباس
قديم 08-06-11, 03:23 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: May 2010
العضوية: 162960
المشاركات: 2,906
الجنس أنثى
معدل التقييم: نيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالق
نقاط التقييم: 2759

االدولة
البلدLebanon
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
نيو فراولة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : نيو فراولة المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

2- من لا يريد الآخر؟



تفحصت أليزا بدقة الشعر الأسود الكثيف , والحاجبين اللذين يظهران عينيه كقطعتين من الفحم الحجري المحترق , كان يرتدي قميصا بيضاء وسترة خضراء , ويقود سيارته بشموخ وأنفة , هذا هو زوجها , زاكاري ستيوارت.
أحست بأن العمل الذي أقدمت عليه منطقي جدا وعملي للغاية , عاصمة نيفادا هي مدينة الأحلام ومركز الأعمال المثيرة , ولكن خطواتها كانت ذكية ومدروسة , كانت تربح أو تخسر وفقا للأرقام التي تختارها , أو الأوراق التي تطلبها , أو الطريقة التي ترمي بها النرد , أما الآن , فالربح والخسارة فبقررهما توقيعها على وثيقة زواج, صحيح أنها ستحظى بأختها , ولكن ماذا ستخسر مقابل ذلك؟
هل يمكنها أن تمحو من ذاكرتها ذلك الشعور الحزين الذي تملّكها , عندما توقفت سيارة الأجرة في اليوم السابق أمام مقر الزواج ؟ هل يمكنها أن تنسى أنزعاجها الفائق أثناء المراسم ؟ ألم تقل لنفسها آنذاك أن القسم والتعهد اللذين أدلت بهما لا معنى لهما أطلاقا ؟ تذكرت بأنقباض شديد السيدة التي وقفت قربها كشاهدة , وقارنتها بنفسها عندما حضرت ثلاث حفلات زواج لأمها العزيزة , تذكرت أيضا أن صوت زاكاري كان هادئا وصافيا أثناء المراسم , في حين أن صوتها هي كان خافتا ومتوترا... ويظهران السيطرة القوية التي كانت تحاول ممارستها أثناء الكلام , كادت تفقدها وتعود عن قرارها , عندما أضطرت للتعهد بأنها ستحترمه وتطيعه , وتألمت عندما تذكرت عينيه وهما تضحكان مرتين.... بمجرد أن وضع الخاتم الذهبي البسيط حول أصبعها , وأثناء تبادلهما قبلة الزواج.
منتديات ليلاس
لم يتوقف عن مضايقتها.... أو أذلالها , أصرّ أثناء حجزه مقعدين على الطائرة , وغرفتين منفصلتين في أحد فنادق سان فرانسيسكو , على الأشارة اليها كمجرد زوجته......السيدة ستيوارت , وحتى هذا الصباح , تبيّن لها في المصرف الذي تتعامل معه أن المدير صديق قديم لعائلته , وضعها ثانية في الظل ...... في المؤخرة , فقدت هويتها وشهرتها , لم تعد أليزا فرانكلين! أصبحت زوجة زاكاري ستيوارت! أصرّ طوال الوقت على تأكيد تلك الحقيقة المرة , فشعرت نحوه بكره وأحتقار شديدين!
" هل هذا هو المنزل؟".
أوقف زاكاري السيارة قبل أن تقول له نعم, تأمل المنزل الأبيض المؤلف من طبقتين , ثم نظر الى الحديقة الجميلة المحيطة به وقال:
" أنه منزل رائع!".
لم يكن شعور أليزا أتجاه هذا المنزل مماثلا لشعور ..... زوجها , أحست بأن الأبواب المغلقة والستائر المقفلة لا ترحب بها أطلاقا , أنتظرت بتململ واضح , كي ينزل زاكاري ويفتح لها بابها , خرجت من السيارة بلهفة , فيما كانت عيناها تشعان حبا وحماسة , وقبل أن يصعدا الدرجات الأربع التي تؤدي الى الباب , أمسك زاكاري بذراعيها تأدبا ومجاملة وقال:
" يبدو واضحا أنك تحبين الفتاة الى درجة كبيرة".
" طبعا أحبها! ولولا ذلك لما كنت أقدمت على مثل هذه الخطوة الغريبة المستهجنة! ".
طرقت أليزا الباب بنعومة مصطنعة , ففتحته بعد قليل أمرأة متوسطة العمر ذات شعر أسود خطه الشيب بشكل واضح , نظرت اليها السيدة بعينين توحيان بأنزعاج بالغ , ثم تظاهرت بالأبتسام وقالت :
" أليزا! دهشت جدا عندما أتصلت بي هذا الصباح وقلت أنك تزوجت!".
ثم تطلعت بسرعة نحو زاكاري وسألتها بسخرية واضحة:
" هل هذا زوجك؟".
شعرت أليزا بأن صبرها يكاد ينفد , وغضبها على وشك الأنفجار , قدمتهما الى بعضهما بلهجة جافة تقريبا , قائلة:
" زاكاري ستيوارت , زوجة خالي , مارغريت دنتون , أين كريستين؟".
فتحت المرأة الباب على مصراعيه وقالت لهما , متجاهلة تماما سؤال أليزا:
" يجب أن تدخلا وتشربا القهوة , تفضلا!".
جلست مارغريت فور دخولها القاعة وقالت لهما , فيما كانت تسكب القهوة:
" تزوجتما بسرعة فائقة , أليس كذلك؟".
نظر زاكاري نحو أليزا متظاهرا بأنه حقا يحبها , ثم قال للمضيفة بلهجة مرحة:
" تزوجنا بمجرد حصولي على موافقة أليزا , ترددت في أعطائها فرصة أطول , خوفا من عودتها عن قرارها".
قدمت فنجان القهوة الى أليزا, وهي تنظر اليها بعينين حاقدتين , ثم سألتها:
" هل قلت أنكما تزوجتما أمس؟ أتصور أنكما تريدان تمضية شهر عسل في مكان ما , سيكون من دواعي سروري وسعادتي أن أعتني بكريستين أن أنتما قررتما الذهاب بضعة أسابيع".
" لن يكون ذلك ضروريا".
تدخل زاكاري على الفور لأنقاذ الموقف , فقال لملرغريت برقة ونعومة وهو يوجه اليها أبتسامة ساحرة:
" أننا نشكرك كثيرا على عرضك اللطيف الطيّب , ونشعر نحوك بأمتنان كبير , ولكننا مهتمان بأن تعرف كريستين أن أليزا لم تتركها أو تتخلى عنها , نريدها أن تتأكد من أنها عضو هام جدا في عائلتنا , ألا تعتقدين أنني على حق؟".
" طبعا , طبعا".
كانت شفتاها ترتجفان بقوة وهي تحاول أخفاء غضبها وأنفعالها , وفيما راحت تنظر اليهما بذهول واضح , سألتها أليزا مرة أخرى:
" أين هي كريستين؟".
" أحست بأنقباض شديد هذا الصباح , عندما أبلغتها نبأ زواجك , أعتقد أنها تشعر بالأستقرار والراحة هنا , ومن المؤسف جدا أنها ستضطر للرحيل".
" أين هي الآن؟".
" في غرفتها , طلبت منها أن تستلقي بعض الوقت لأراحة أعصابها".
سألتها أليزا بلهجة التهديد ,فيما كانت عيناها تبرقان غضبا وتململا:
" هل ستحضرينها أنت أم أحضرها أنا بنفسي؟".
" سأذهب حالا لأحضارها".
هبت واقفة والشرر يتطاير من عينيها , ثم غادرت القاعة بسرعة وقد بلغ بها الغضب أشده , أشعلت أليزا سيجارة بعصبية بالغة , وهي مستاءة من نفسها لأنها أفسحت المجال أمام خالتها لأغضابها , لا شك في أن مارغريت فهمت اللعبة , والسبب الحقيقي لهذا الزواج السريع , قال زاكاري وكأنه قرأ أفكارها:
" ربما تشككت قليلا بالنسبة للهدف من زواجنا , ولكن لا سبب أطلاقا لأن تتأكد من ذلك , معرفتها بالحقيقة سلاح جديد في يدها".
" أنني قادرة تماما على معالجة أمرها , وليس لديها أي سلاح يمكنها أستخدامه ضدي".
" بلى , يا عزيزتي , خوفك منها وحبك لكريستين".
نظرت اليه بحدة بالغة , لأنها أدركت مدى صحة تحليله , أرادت أن تقول له شيئا , ولكنها سمعت صوت خطوات في الممر المؤدي الى القاعة , أستدارت أليزا بلهفة نحو الباب الداخلي , وشع وجهها ببريق الحب والعاطفة عندما شاهدت الطفلة الصغيرة قرب خالتها.
" كريستين ! حبيبتي!".
تأثرت كثيرا وتألمت..... لم تقترب منها الفتاة , بل ظلت واقفة الى جانب مارغريت وهي مطأطأة الرأس وتضع يديها وراء ظهرها , علت وجه السيدة المسنة أبتسامة الأنتصار , وقالت بهدوء قاس:
" أعتقد أن كريستين ليست متحمسة جدا لمقابلتك أو رؤيتك , يا أليزا".
رفعت الطفلة رأسها بعصبية بالغة , وقالت:
" هذا ليس صحيحا!".
ثم نظرت بتحد الى الخالة قبل أن تقول لأختها:
" يفترض بي أن أقول لك أنني أريد البقاء هنا , وأنني لست راغبة في الذهاب معك ".
أنهمرت الدموع من عيني الفتاة الصغيرة ومضت الى القول , بصوت متهدّج عال:
"ولكنني أريد الذهاب معك! أريد ذلك حقيقة , ومن صميم قلبي!".
وفي اللحظة التالية , كانت الطفلة تندفع نحو أختها , وتلقي بنفسها بين ذراعيها , نظرت مارغريت بلؤم الى أليزا وعينيها الشاكيتين , وقالت لها بعصبية :
" خذيها ! خديها , فهي بأي حال لا تفعل شيئا سوى مضايقتنا وأزعاجنا بتذمرها ..... ووقاحتها.... وأهمالها! أنها شقيّة مدللة لا تفهم شيئا! ولكن ماذا يمكننا أن نتوقع من أبنة أليانور؟".
" خذي كريستين الى السيارة , يا أليزا , سأتولى أنا معالجة هذا الأمر".
شاهدت أليزا بأستغراب بالغ الغضب الحقيقي في عيني زاكاري , فنظرت اليه بأمتنان وخرجت بسرعة وهي تحمل أختها الصغيرة , وضعتها في السيارة وجففت دموعها , ثم طمأنتها الى أنه لم يعد هناك بعد الآن ما يزعجها أو يقضّ مضجعها , أرتاحت الفتاة الصغيرة ووجهت نحو أختها أبتسامة محبة وشكر.
تطلعت أليزا نحو المنزل الأبيض , وهي تحاول التكهّن بما يجري في داخله , تذذكرت نظرات زاكاري الغاضبة ولهجته القوية الحازمة ,وتمنت لو بأمكانها حضور المجابهة بينه وبين مارغريت ..... تلك الخالة الخبيثة التي تستحق لهجة صارمة.
منتديات ليلاس
وتذكرت أليزا أيضا أنها كانت دائما تعالج مشاكلها بنفسها , كانت أمها تبدو دائما منشغلة عنها بصديق أو خطيب أو زوج جديد , واجهت أزمات نفسية متعددة في طفولتها , وأثناء فترة المراهقة العصبية والحساسة , لم تشعر أبدا طوال تلك السنوات بأي رابط عائلي أو بأي أنتماء الى عائلة وبيت , كانت أمها سعيدة جدا مع دايل باترسون , وحاولا معا أدخال أليزا في دائرة حبهما وعطفهما , لكنها بلغت آنئذ سنا جعلها ترفض أهتمام والدتها بها , وبخاصة لأن السنوات الطوال التي سبقت ذلك أفقدتها ثقتها بالأنسان.....وبالروابط العائلية , شعرت بالأشمئزاز عندما أبلغتها والدتها مرة أنها حامل ...... مع أنها كانت تجاوزت السابعة والثلاثين.
أحبت أليزا المولودة حبا كبيرا , لكنها لم تشعر أبدا بأنها جزء من تلك العائلة , كانت تبعد عنهم ولا تشعر بالأرتياح ألا عندما تنفرد بأختها , حوّلت حبها كله , الذي لم تتمكن سابقا من منحه لأحد , ألى أختها كريستين , تطلعت الى الطفلة التي كانت تجلس الى جانبها بسرور بالغ , ثم نظرت نحو البيت الذي يشهد بالتأكيد معركة حامية بين زاكاري وتلك الخالة التي تكرهها وتحتقرها , كان بريق الأمتنان لا يزال يشع من وجهها ومن نظراتها , عندما خرج زاكاري وهو يحمل حقيبة صغيرة في يده , لم تكن بحاجة لأن تدعه يهب للدفاع عنها , أنّبت نفسها على ذلك , لأنها كانت قادرة على حل مشاكلها مع مارغريت , وأحست أليزا بأنها لن تنسى أبدا تصرفه الطيب والشجاع , مع أنها تضايقت حتى الأزدراء والكره من غطرسته الساخرة واللاذعة.
جلس وراء المقود , وكان الغضب لا يزال باديا على وجهه , أرتجف جسمها خوفا ورهبة , عندما تصوّرته يصب جام غضبه عليها , لا شك أنه قادر تماما على تحطيم منافسيه وخصومه , أنه قاس لا يرحم , كما قال لها مايكل , أدار محرك السيارة وقال:
" جمعت بضعة أشياء لكريستين , أما بقية أغراضها فسوف يتم أرسالها الى بيتنا".

توترت أعصاب أليزا عندما سمعت تلك النبرة القوية المتسلطة , التي توحي صراحة بأنه أصبح يعتبر نفسه المسؤول الأول والأخير عن الأهتين , أنتبه لذلك ولكنه لم يقل شيئا , أو يعلق حتى بكلمة واحدة , نظرت اليه كريستين بتحد , فيما كان ذقنها يرتجف ويرتعش , وقالت له بلهجة صارمة وقوية:
" قالت لي أنك لا تحب الفتيات الصغيرات , قالت لي أيضا أنك لا تريدني معكما , وأنك ستعيدني الى هنا أذا أرتكبت أي خطأ على الأطلاق".
نظر زاكاري الى أليزا بعينين تقدحان نارا , وقالت له ببرود يحمل بعض الأشمئزاز :
" أنها تعني مرغريت".
رد على نظرات الأزدراء بأبتسامة مرحة وقال للطفلة:
" خالتك مخطئة , يا كريستين , أنا أحب الفتيات الصغيرات كثيرا , وبخاصة عندما يكبران ويصبحن جميلات مثل أختك , وأنا متأكدة من أن أليزا ستبذل أقصى جهودها لضمان عدم عودتك الى الخالة مارغريت , بغض النظر عما ستفعلين أو مهما كنت شقية ومزعجة".
ثم حوّل نظرات متغطرسة هازئة الى أليزا ,وراح يتأمل وجهها الجميل وعنقها الناعم ..... وسترتها البنية النافرة , لم يقل شيئا , ولكن ملامح وجهه أوحت بأنه مرتاح وراض , ألقى نظرة أخيرة على ذلك االمنزل الأبيض , وقاد السيارة الى الطريق العامة بتمهل وهدوء , لكن كريستين أصرّت على معرفة الحقيقة الكاملة , لأنها كانت بحاجة ماسة لأزالة مخاوفها بصورة نهائية , قالت له بحذر:
" أخبرتني خالتي بأنك تريد أليزا لنفسك طوال الوقت , وأنك لا تريدني أن أبقى معكما أو قربكما فترات طويلة".
ظل متطلعا أمامه , ولكنه أجابها بلهجة حنونة لم تتسم بجدية تامة:
"أخبرك ماذا سنفعل يا عزيزتي , أنا أعمل طوال النهار فما من أحد سيلهي أليزا عنك دقيقة واحدة , وعندما أعود من العمل , نجلس ثلاثتنا معا حتى يحين موعد نومك , وعند ذلك فقط , تخصص أليزا وقتها الكامل لي , ما رأيك بهذا التدبير؟".
" عظيم , ولكن........".
ترددت الفتاة قليلا , فنظر اليها زاكاري مستفسرا , تنهدت وقالت:
" كان أبي أيضا يذهب الى عمله , ولكننا كنا نقوم معا بأشياء متعددة , كنا نمضي أوقاتا ممتعة خارج البيت".
أبتسم زاكاري وقال لها:
" ونحن أيضا , يا عزيزتي , يمكننا أن نمضي أوقاتا سعيدة وممتعة , أليس كذلك يا أليزا؟".
كانت تتأجج غضبا وحنقا , ماتت بذور الرقة والنعومة التي زرعتها في قلبها قبل قليل , أتجاه هذا الرجل الأسمر القوي الذي أصبح زوجها قبل ساعات معدودة , ماتت تلك البذور الضعيفة تحت وطأة الجليد القاسي الذي يغطي مشاعرها , أحست من كلماته الرقيقة والجميلة لأختها الصغيرة بأنها تعتمد عليه ........ وبأنها تحتاج اليه من أجل الفتاة , هذه هي الحقيقة المرة , مهما حاولت أقناع نفسها بعكس ذلك , يجب أن يرضخ لها ويتصرف وفقا لما ترتأيه وتشتهيه , لأنها أشترته بمالها ! ولكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن!
" ألن نمضي معا وقتا ممتعا , يا أليزا ؟".
نظرت أليزا الى أختها وأرغمت نفسها على الأبتسام , ثم قالت :
" سيكون زاكاري منهمكا جدا في عمله لذا يجب ألا نتوقع منه أن يمضي معنا وقتا طويلا , أتصور أنه لن يتمكن ألا من تمضية وقت قصير جدا , ولكنني متأكدة أنك ستفرحين كثيرا خلال الفترات القصيرة التي سيسمح له وقته بتمضيتها معنا".
ضحك زاكاري بطريقة أثارت غضب أليزا , وقال :
" أننا الآن في بداية فصل الصيف , يا عزيزتي , لن نضطر للعمل بجد ونشاط قبل أواخره , وهذا يعني أنه ستتاح لنا ممجالات عديدة للتمتع بأوقات فراغنا".
صفقت كريستين بفرح ظاهر , حرم أليزا من المضي في معركتها مع الزوج الخبيث , أنها تحبها كثيرا وتريد أسعادها , وكانت تعلم منذ البداي أن ذاك لن يتحقق ألا على حساب أمور أخرى هامة بالنسبة اليها , تطلعت الصغيرة حولها وعيناها البنيتان العسليتان لا تزالان تشعان فرحا وسرورا , ثم سألت بلهفة:
" الى أين سنذهب الآن؟".
" الى بيتنا في وادي نابا".
لم تكتف بالأجابة المقتضبة , فعادت تسأل ثانية:
" وأين تقع هذه المنطقة؟".
أبتسم بحنان وقال لها , وهو يضع ذرعيه على كتفيها:
" على بعد ساعة ونصف بالسيارة عن سان فرانسيسكو".
بدا الأرتياح على وجه كريستين , فوضعت يدها على ذراع أليزا ........ وأسندت رأسها الى خاصرة زاكاري..... وأغمضت عينيها الجميلتين.
دخلت السيارة بين عامودين من القرميد الأحمر يعلوهما قوس حديدي حفرت عليه بأحرف كبيرة كلمتان....... ( بساتين ستيوارت) كانت أشجار السنديان تحيط بجانبي الممر الضيق , الذي يؤدي الى البساتين.... والى بيتها الزوجي.
ذهلت أليزا عندما شاهدت تلك المساحات الشاسعة والبساتين الضخمة والمعمل الكبير , كانت تتوقع معملا صغيرا ومنزلا متواضعا جدا تقزّمه مباني المعمل , كان المنزل جميلا والحديقة رائعة ,والى الجهة الجنوبية شرفة صغيرة جذّابة , أوقف زاكاري محرك السيارة ونزل ليفتح باب أليزا , أبتسم بشيء من الأستهزاء , عندما شاهد أستغرابها وذهولها اللذين أخفيا غضبها , هذا ليس منزل رجل فقير! أخذ يدها ليساعدها على النزول , ثم قال لها بلهجة عادية جدا :
" ثمة مشاكل قليلة جدا بالنسبة لأنابيب المياه , ولكنني أعتقد بأن كل شيء آخر سيرضيك .... يا سيدة ستيوارت".
حاولت أن تحد قليلا من أعجابها وقالت:
"أنه جميل جدا...... وبعيد كل البعد عما جعلتني أتصوره!".
" ولكنك لم تطلبي مني أن أؤكد أو أنفي معلوماتك , أنا لست بحاجة للمال ألا لتطوير المعمل وتزويده بمعدات حديثة".
منتديات ليلاس
تنفست أليزا الصعداء بصمت , كانت تنتظر منه خبرا مثيرا ينزل عليها كالصاعقة , أستدارت نحو كريستين , التي كانت تركض نحو الباب للحاق بها , كانت الطفلة متشوقة جدا لمشتهدة بيتها الجديد , وتقفز بفرح وسعادة أمام بابه الأبيض الكبير , أبتسم زاكاري بخبث وهو يأخذ ذراع أليزا ويتوجه بها نحو الباب , صرخت كريستين بصوت عال:
" أريد أن أراك تحمل عروسك الى الداخل!".
قطبت أليزا حاجبيها وقالت لها:
" أنه تقليد قديم سخيف , وأنت تعرفين , يا كريستين , أنني لا أؤمن بمثل هذه الأمور!".
ضحك زاكاري وغمز الصغيرة مشيرا اليها كي نفتح الباب, ثم رفع أليزا بسرعة بين ذراعيه وهو يقول:
" ولكن زوجك يحب هذه التقاليد ويريد المحافظة عليها".
وضعت يديها على صدره العريض وضغطت بقوة , في محاولة لأبعاده عنها , وهمست بحدة :
" أنزلني! أنزلني! ".
لم يعبأ كثيرا بأحتجاجها , وقال لها بمرح ظاهر :
" لماذا لا ترتاحي وتتمتعي بوضعك الحالي؟".
أجابته بصوت منخفض لئلا تسمعها أختها , ولكن نبرتها كانت توحي بأشمئزازها من لمساته , قالت له بعصبية :
" أنني لا أجد أي راحة أو متعة بين ذراعي رجل".
ضمها بقوة اليه وهمس في أذنها قائلا:
" يمكنني أن أعلّمك الكثير , أيتها العزيزة".
صرخت بهما كريستين من الداخل , وهي تضحك بحياء الطفولة:
" ألا تريدان دخول البيت؟".
تجاهل زاكاري تشنج أليزا ومحاولاتها اليائسة للأأبتعاد عن جسمه قدر أمكانها , وحملها الى القاعة الرئيسية , لم ينزلها الى الأرض , ولم يحاول بالتالي أخفاء أبتسامته الساخرة اللعينة , أنه يهزأ بملامح الأزدراء التي كانت تضج في وجهها وعينيها ! وفجأة سمعوا صوت أقدام تقترب من الغرفة المجاورة , أنزلها عن بين ذراعيه عندما دخلت سيدة مسنة تلك القاعة الجميلة , أقتربت السيدة قليلا , فهرعت كريستين الى جانب أليزا وأمسكت بيدها , كان زاكاري يطوّق خصر زوجته بذراعه , وشعرت أليزا بأن عليها تحمّل هذا العذاب لبضع دقائق , أخذت السيدة يد زاكاري بيديها وهي تقول بلهفة وحنان:
" زاكاري! حبيبي!".
ثم نظرت الى أليزا وكريستين بشيء من الأستغراب , وأضافت قائلة له:
" كنا نتوقع عودتك بعد يومين".
قبّل خدها بمحبة وقال لها مداعبا:
" أنت تعلمين أنه لا يمكنني الأبتعاد أكثر ممن أسبوع واحد عن ثاني أقرب أمرأة الى قلبي".
نظرت الى أليزا بسرعة بمجرّد سماعها ذلك التعبير المتعلّق بالقرب والأفضلية , تأملت بدقة تلك البرودة في نظرات أليزا , والتسريحة لشعرها الأشقر الناعم , والكمال المذهل في جمالها , قال لها زاكاري بلهجة صادقة خلت من سخريته اللاذعة المعتادة :
" تورا أعرّفك بزوجتي..... السيدة أليزا فرانكلين ستيوارت , أختها....... كريستين باترسون".
ثم شدّ على خصر أليزا برفق وحنان , وقال:
" أليزا , كريستين , أعرفكما بمدبرة المنزل الطيبة ...... نورا كاستيلو".
نظرت كل من أليزا ونورا الى بعضهما بأستغراب بالغ , كان أستغراب نورا نابعا من أعلان زاكاري المفاجىء عن زواجه , في حين كان أستغراب أليزا ناجما عن ترحيب زاكاري الحار والعاطفي .....بخادمته , حتى أمها الرومنطيقية الأفكار لم تكن لتفعل ذلك مع خادمتها , لم تتضايق أليزا كثيرا من الطريقة التي تفحصتها بها نورا , بعد أن علمت أنها السيدة زاكاري ستيوارت , تبادلتا التحية ببرودة وجفاف , وأوحت كل منهما للأخرى بأنها لا تحبها أو توافق على وجودها في هذا البيت , قطع زاكاري الصمت المخيّم على القاعة , قائلا:
" نريد وجبة خفيفة يا نورا , يمكننا أن نتناولها على الشرفة خلال ساعة من الآن , أنا متأكد من أن أليزا قد ترغب في الأستحمام , كما أن كريستين بحاجة الى ذلك , سأذهب خلال هذا الوقت لمقابلة جورج , خذي السيدة ستيوارت الى الغرفة الشرقية".
" الغرفة الشرقية؟".
رددت هاتين الكلمتين بدهشة بالغة , وهي تنظر الى أليزا كأنها أنسانة أرتكبت خطأ جسيما , حسم زاكاري الموقف بسرعة وحزم , قائلا لنورا بلهجة لا تقبل الأعتراض :
" نعم ,الى الغرفة الشرقية".
ثم نظر الى أليزا وسألها بهدوء:
" هل تحتاجين ألى أي شيء من السيارة؟".
هزت رأسها نفيا , فقال لها أنه سيحضر الحقائب في وقت لاحق , ثم ترك خصرها ورفع يده لمداعبة وجهها برقة ونعومة , قبل أن يغادر الغرفة على عجل , أرغمت أليزا نفسها على عدم أظهار أي أزدراء من لمسة يده , وشعرت أنه أحس بذلك , هزت كريستين يدها بتململ وسألتها:
" أين سأنام أنا؟".
حدقت أليزا بعيني نورا المتضايقتين , وسألتها بهدوء مزعج :
" هل ثمة غرفة قرب....... الغرفة الشرقية؟".
" نعم , فالغرفة الخضراء , تقع أيضا في نهاية الممر, أتبعيني من فضلك!".
كانت الأرض والجدران والنوافذ توحي بالثراء والأناقة والذوق السليم , صعدت أليزا الدرج الداخلي المبني من حجارة المرمر المصقولة اللماعة , ولما وصلت الى قمته , شاهدت سجادة ذهبية اللون تغطي الممر الطويل الذي يتفرّع في نهايته الى ممرين صغيرين , قادتهما نورا الى اليمين ثم وقفت أمام أول باب من يسارها وقالت:
" هذه هي الغرفة الخضراء".
فتحت الباب , فدخلت أليزا وكريستين الى غرفة جميلة ذات جدران خضراء , تخلت الطفلة عن خجلها وقالت بلهفة وحماس :
" أنه سرير يليق بالأميرات! هل هذه فعلا غرفتي؟".
هزت أليزا رأسها وكادت الدموع تطفر من عينيها بسبب سرور أختها وسعادتها , سارت نورا نحو باب داخلي وقالت:
" هذا هو باب الحمام المشترك بين غرفتيكما , يا سيدة ستيوارت".
أختفت أبتسامة أليزا لدى سماعها صوت مدبرة المنزل , وأمرتها ببرودة أن تريها غرفتها , دهشت ثانية , عندما شاهدت روعة غرفتها وجمالها , أعجبها الأثاث الأنيق ...... وكل شيء آخر.
" الغرفة المجاورة هي غرفة النوم الرئيسية التي يستخدمها زاكاري".
سألتها أليزا بسرعة:
" هل يوجد باب بين الغرفتين؟".
نظرت اليها نورا بشيء من التحدي وقالت:
" لا , هل تودين مشاهدة غرفة النوم الرئيسية؟".
" لا , لا أريد ذلك أعتقد أنني لم أعد بحاجة اليك , يمكنك أنتذهبي الى عملك".
أرادت أن تكون قاسية معها , لأنها تضايقت منها .... من تصرفها كأحد أفراد البيت , دخلت كريستين فجأة من باب الحمام المشترك , وتأملت غرفة أختها بسرعة ثم قالت:
" أليست غرفة رائعة حقا ؟ أنها جميلة جدا , مثل غرفتي! أوه , هل يمكنني القيام بجولة أستكشافية ؟ غسلت وجهي وعنقي ويدي , ولم يعد لديّ شيء آخر أفعله".
أبتسمت أليزا بمحبة وحنان , وضمت أختها بقوة الى صدرها , آه , كم تحبها! ترقرقت من عينيها دموع السعادة والفرح , وسمحت لها بالتجول في أرجاء البيت......بعد أن ذكّرتها بموعد الغداء , وحذّرتها من مغادة المنزل , ولما خيّم الصمت مرة أخرى على تلك الغرفة , جلست أليزا في مقعد وثير أمام المرآة ومدت يدها الى شعرها , بدت لها الشابة التي تراها أمامها ...... أنسانة غريبة ذات عينين صافيتين غير مرهقتين أو معذبتين أو قلقتين , تطلعت أليزا مرات عدة الى المرآة , ومع أنها لم تشاهد في أي مرة سوى فتاة جذابة جميلة تنظر اليها بأرتياح وسرور , ألا أنها كانت دائما تشعر بدهشة وأستغراب , تريد أن ترى شخصا متحررا وسعيدا , مثل كريستين , يضج حبا وحياة , ولكن العينين الباردتين ذاتهما كانتا تحدقان بها دائما , وتذكرانها بالخطوة التي أقدمت عليها..... وبالهدف من وراء ذلك القرار العجيب.
منتديات ليلاس
قالت لنفسها أن الحياة ليست مجرد فرح وسعادة , كما تقول القصص الخيالية , كذبت الروايات لأن مؤلفيها أرادوا للأنسان أن يتعلّق بالأمل .... والخيال ,لا......حبها لكريستين هو الشيء الوحيد المضمون الذي يمكنها التعلق به , والشيء الوحيد الذي تثق به , وقفت بسرعة ورمت سترتها على السرير ثم سارت نحو النافذة , لا شك في أن نورا هي شخص يعتقد بديمومة الزواج وتقاليده القديمة , وبأن الزوجة يجب أن تكون مطيعة لزوجها...... وأن تتصرف معه كحبيبة , وأم لأولاده , وخادمة للعائلة.
" هل تعجبك الغرفة؟".
أستدارت نحو مصدر الصوت , فشاهدت زاكاري يقف في الباب ومعه حقيبتها , أخفت دهشتها بسرعة وردت عليه بلهجة عادية:
" أنها غرفة جميلة جدا , لا يمكن لأحد ألا أن يعجب بها".
" أنت! كان عليّ أن أعرف أن ثمة أشياء لن تعجبك في بيتي".
تأملها من قمة رأسها حتى أخمص قدميها , وكانت لهجته تحمل بعض السخرية , ردت عليه بخبث مماثل دون أي غضب أو أنفعال ظاهرين:
" لن أعيش هنا ألا سنة واحدة , وعليه فلن تكون هناك أي ضرورة لأجراء أي تعديلات أو تغييرات , أنها فترة قصيرة , ويمكنني أن أتحمل خلالها أي شيء هنا".
" ونورا ؟ ما هو رأيك بها؟".
كان سؤاله جديا , فنظرت اليه بجدية مماثلة ولكنها لم تجبه , ماذا يمكنها أن تقول له وهي تعرف مدى العلاقة القائمة بينهما ؟ بدا أنه يتأجج غضبا , ولكنه قال لها بصوت هادىء كاد أن يتحوّل الى أستهزاء:
" ماذا تقترحين ؟ هل أصرفها..... خلال هذه الفترة القصيرة؟".
" أعتقد أنه أقتراح ممتاز , ولكنه متطرف وقاس , الأفضل أن تتحدث معها وتجعلها تعلم أنها ليست ألا خادمة في هذا البيت".
نظر اليها بعينين قاسيتين تقدحان شررا وقال:
" أنت متغطرسة ومتعجرفة , وغبية أيضا , أذا كان ثمة شخص يجب أن يذهب , فهو أنت...... يا سيدة ستيوارت".
ضحك بمرح وأحتقار عندما شاهد خيبة الأمل القوية في ملامحها , أضاف قائلا بخبث مرير:
" ولكنك لست قادرة على الذهاب , أليس كذلك ؟ أذا ذهبت , لن تتمكني من الأحتفاظ بكريستين! أليست هذه وصية والدتك , أيتها الزوجة العزيزة؟".
" أنت شخص جلف وفظ ومتسلط لا يمكن تحمله , يا سيد ستيوارت!".
رفضت أليزا أظهار الغضب الذي كان يمزّق أحشاءها , لأن في ذلك دليلا على ضعفها ..... وهذا أمر لن تسمح بحدوثه , سيطرت على أعصابها , ومضت الى القول بصوت ثابت وقوي:
" أعتقد أنني جعلتك تشعر بعدم الأطمئنان , فمع أنك طلبت مبلغا كبيرا للزواج مني , ألا أن قدرتي على الدفع أغاظتك وأزعجتك كثيرا , أنت تشعر الآن بأن عليك أرضاء غرورك بممارسة الأبتزاز , كي تحقق التسلط والهيمنة".
ثم أبتسمت بسخرية لاذعة , وأضافت قائلة:
" لن تنجح في ذلك , يا زوجي العزيز , لن تنجح لأن لديّ ما أريد , ولن تتمكن من حملي على التخلي عنه".
لم يبد أي أنفعال في ملامحه القوية عكس ما كانت تتوقع أليزا , كان يتأملها بمرح ظاهر وكأنه سمع نكتة أو طرفة , بدلا من الكلام القاسي الذي وجّهته اليه , أشعل سيجارة وقال لها باسما:
" معك حق..... فأنا أنوي حملك على التخلي عن شيء ما , ولكنني لا أعتقد أننا نتحدث عن الشيء ذاته".
ردت عليه بلهجة حادة وقاسية:
" لا بأس , المهم أنني غير راغبة أبدا في أطالة حديث الأسرار والألغاز معك , يا سيد ستيوارت , قلت أن الغداء سيكون جاهزا خلال ساعة , فلنذهب الآن".
سألها زاكاري , فيما كانت تمر قربه متجهة نحو الباب:
" هل هذه دعوة أم أمر؟".
وقفت لحظة وأدارت وجهها نحوه ببرودة , قائلة بتهكم:
" أعتبرها كما تشاء".
" أنا لا أتلقى أي أوامر من أحد , وبخاصة من زوجتي".
أبتسم بهدوء عندما نظرت اليه بعصبية , وقالت له بسخرية قاسية:
" يا للطرافة! ألا يمكنك أن تبدأ في التدرّب على ذلك منذ الآن؟".
نظر الى عينيها المشتعلتين غضبا وقال لها بتحد واضح:
" أذا كان هناك من تدرّب أو تعلم على أمور معينة , فأنت التي ستفعلين ذلك .... وأنا سأكون المدرّب".
أرعبتها نظراته القوية ولهجته القاسية , وخافت من مغبة الأستمرار في محاولات تحديه وأثارة أعصابه , تذكرت رغما عنها جملة مايكل عن قساوة زاكاري وعنفه, ولكن زاكاري لم يتعرف من قبل على شابة قوية مثلها , رفعت رأسها بشموخ وعنفوان , وقالت:
" بصراحة , لا يمكنك أن تعلمني شيئا , أضف الى ذلك , أنه لا يهمني أذا تناولت الغداء معي أم لا , أنا لست متحمسة أو متشوقة للجلوس معك الى طاولة واحدة , بأمكانك أذا شئت , أن تزحف عائدا الى حيثما كنت".
سارت نحو الممر دون أن تلتفت اليه , ولكنها شعرت أنه أصبح وراءها عندما قال لها متهكما:
" أنك حقا تريدينني أن أتبخّر في الهواء وأختفي بصورة نهائية , ولكنني أحذرك من القيام بأي محاولة لتجاهل وجودي هنا , كما أنني لن أسمح لك بأن تدوسي عليّ".
أبتسمت له بخبث فائق وقالت:
" أذن , سأحاول الألتفاف من حولك....... يا سيد ستيوارت".
أمسك بذراعها وضغط عليه بقوة , وهو يقول لها بلهجة الواثق من نفسه:
" حتى الألتفاف لن يكون سهلا, أيتها العزيزة!".
شعرت أليزا , أثناء الغداء أن كريستين لم تعد تشعر بأي رهبة أو حياء أتجاه بيتها الجديد , كانت تتحدث طوال الوقت , وبحريّة تامة , غير عابئة بصمت أختها , وكان زاكاري يرد على كافة أسئلتها بأهتمام ظاهر , شارحا لها بالتفصيل وبدون تردد كل المعلومات التي كانت تطلبها , لم ينظر مرة واحدة الى أليزا , ولم يوجّه اليها أي كلمة على الأطلاق , بدا وكأنه يتوقع منها أن تظل صامتة , كان موقفه أتجاهها يوحي بأنه يشجعها على الصمت , وعلى عزل نفسها عن الآخرين...... فصمتها وعزلتها لا يؤذيانه البتة.
عندما تناولوا الحلوى والفاكهة , كان غضبها بلغ أشدّه , توقعت ألا يحاول حملها على المشاركة في الحديث , ولكنها أنتظرت منه على اأقل ملاحظة قاسية أو خبيثة بشأن صمتها المتواصل , لم يفعل ذلك , بل أعتذر لكريستين وحدها عن أضطراره لمغادرة البيت الى مكتبه في المعمل , هرع كلب الحراسة القوي المدرّب الى جانب سيده , وتبعه بين الأشجار الى المعمل الذي يقع على قمة تلة مرتفعة , تضايقت أليزا من كلمات الأعجاب الصادقة التي قالتها كريستين عن الكلب ماكس , كان واضحا أن فترة ما قبل الظهر سمحت للفتاة الصغيرة بمصادقة الكلب , وجعلتها تتعلق به. خرجت أليزا عن صمتها المطبق , عندما طلبت من أختها أن ترافقها الى غرفتيهما لأفراغ حقيبتيهما والتجول في أرجاء البيت وحوله.
منتديات ليلاس
ولأن معظم ثيابهما وأغراضهما لم تأت بعد , فقد أنهتا عملهما خلال فترة وجيزة جدا , أصرّت كريستين فور ذلك على أن تقوم بدور الدليل , فأخذت بيد أختها وراحتا تتفرجان على غرف البيت وقاعاته, قالت لها كريستين أن الغرف الموجودة في نهاية الممر هي للضيوف , ثم سبقتها على الدرج وفتحت الباب المزدوج مشيرة بأعتزاز الى قاعة الأستقبال الرسمية , تأملت أليزا بأعجاب الأثاث البني الفاتح , أنتقلت الأختان بعد ذلك الى قاعة الطعام , حيث لم تسمح كريستين لأختها ألا ببضع لحظات وجيزة قبل أن تفتح بابا مزدوجا آخر وتقول بسرور:
" هذه هي غرفتي المفضلة!".
أخذت الطفلة الصغيرة ترقص بفرح ظاهر حول الكنبة الوثيرة الجميلة وقرب الطاولة الصغيرة البيضاء , ثم جلست في مقعد هزّاز في أحدى الزوايا , وقالت:
" أخبرتني نورا أن هذه الغرفة تسمى قاعة الصباح , هل تعرفين لماذا سمّيت هكذا؟".
هزت أليزا رأسها نفيا , فمضت الصغيرة الى القول:
" لأنها المكان الذي نتناول فيه فطور الصباح , قالت ورا أن ما من أحد يحب الذهاب الى قاعة الطعام الرئيسية لأنها أنيقة ورسمية , ولأن الأنسان لا يشعر بأنه أنيق ورسمي في الصباح!".
شعرت أليزا بأن نورا على حق , فالغرفة جميلة ومريحة ومشرقة للغاية , أنها فعلا المكان المناسب للأشخاص الذين لم يستيقظوا بعد تماما.
" هذا هو باب المطبخ , ولكن نورا قالت أن الطاهية لا تحب دخول الناس الى مطبخها وخروجهم منه كأنه ساحة عامة".
عادت الأختان الى الممر , ووقفت كريستين أمام باب مزدوج مقابل قاعة الجلوس ثم قالت ضاحكة:
" هذه هي غرفة الأسد".
" غرفة الأسد؟".
ظهرت في عينيها فجأة ملامح حزن , وقالت:
" هكذا كنا نسميها أنا وأمي , كان أبي يصفها بأنها العرين المنزلي الذي يختلي فيه , ولأنه كان يزأر عندما يزعجه أحد , فقد قررنا أن نسميها.....غرفة الأسد , قالت لي نورا أن هذه الغرفة هي مكتب زاكاري الخاص , وأنه يفترض بي ألا أدخلها".
" نعم , لأنه من المحتمل جدا أن يصدر عن زاكاري أيضا زئير هادر أذا أزعجه أحد".
أخفت أليزا أبتسامتها لسرعة وقالت لأختها بجدية:
" بالمناسبة , يجب ألا تتحدثي مع مدبرة المنزل أو عنها بأسمها الأول , يجب أن تقولي السيدة كاستيلو".
هزت الطفلة الصغيرة كتفيها وقالت:
" طلبت منها أن تستخدم معي أسم كريستين , فقالت لي أن بأمكاني مناداتها بأسمها الأول نورا , وبما أن زاكاري يناديها أيضا على هذا النحو , فلا بأس أطلاقا من أن أفعل مثله".
أصرّت أليزا على تعليم أختها بعض الأصول والتقاليد , وخاصة لأنها أحست بالغضب عندما أشارت كريستين الى زاكاري كأنه هو السلطة العليا في البيت.
" صحيح أنه يناديها بأسمها الأول , ولكن الفتاة الصغيرة المهذبة يجب أن تنادي الأشخاص الراشدين بأسماء عائلاتهم مع أستخدام كلمة سيد أو سيدة , أنه دليل على التأدب والأحترام".
أتسعت العينان العسليتان ببراءة وأستغراب ظاهرين , وقالت الفتاة لأختها:
" ولكنني سأكون مضطرة لمناداتك ...... سيدة ستيوارت".
" الوضع مختلف بالنسبة أليّ , فأنا أختك , أنا فرد من أفراد عائلتك".
ردت عليها كريستين بعناد :
" وكذلك نورا , قالت لي ذلك بنفسها , وكذلك فعل زاكاري".
شعرت أليزا بأن الجدل مع كريستين لن يكون مفيدا , ما لم تسنح لها فرصة للتحدث مع زاكاري ووضع الأمور في نصابها , قالت لها بهدوء:
" سنبحث هذا الأمر في وقت لاحق , علينا أن نعود الآن لأستبدال ثيابنا , أذا كنا نريد القيام بجولة خارج المنزل".
راح الشعر الأسمر المحمر يتطاير في الهواء , فيما كانت كريستين تقفز بمرح فوق الحبل الذي كانت أليزا تدوره بسرعة كبيرة , توقفت الفتاة بعد فترة طويلة وألقت بنفسها على المقعد المجاور لأختها , ألتقطت بعض أنفاسها وسألت أليزا بحماسة منقطعة النظير :
" كم مرة قفزت؟".
أبتسمت أليزا وهي تنظر الى أختها بمحبة وحنان , وقالت:
" أكثر من ستين مرة".
صححت لها الرقم بسرعة وحدّة , قائلة:
" خطأ لم أقفز سوى تسع وأربعين مرة".أرادت أليزا أن تغيظها قليلا , فسألتها بهدوء:
" كيف عرفت ذلك؟".
" لأنني أعددتها بنفسي".
" لماذا طلبت مني أذن أن أحصي لك عدد المرات , مع أنك لم تكوني بحاجة أليّ ؟".
أبتسمت كريستين وقالت بهدوء:
" طلبت منك ذلك كي أتأكد أنك ستراقبينني".
أختفت ملامح التحفظ والجدية التي تطبع عادة وجه أليزا الجميل , وحلت محلها ملامح الحب والعطف والحنان , قالت لأختها الجالسة أمامها:
" أيتها البطة الغبية , أنني أراقبك دائما وبأستمرار".
" لماذا لا نذهب الآن الى هذه المباني الواقعة على قمة التلة ونرى ماذا يفعل زاكاري هناك؟".
تضايقت أليزا من طلب أختها الذي كررته مرات عديدة طوال فترة ما بعد الظهر , فآخر شيء تريده في هذه المرحلة هو أظهار أي أهتمام بزاكاري أو بأعماله.
" قلت لك أكثر من مرة أننا لن نذهب الى المعمل".
" سنتناول طعام العشاء في السابعة , ألا تعتقدين أن علينا أبلاغه بذلك؟".
" أنا متأكدة أنه يعرف موعد العشاء وليس بحاجة لمن يذكّره به".
وقفت الفتاة الصغيرة وقالت لأختها بعنفوان وتحد:
" أنا ذاهبة اليه , أذا أردت مرافقتي , فأهلا وسهلا ..... وألا فأنني ذاهبة بمفردي".
" كريستين , لا تكوني صعبة!".
هزت الطفلة كتفيها وقالت:
" أنا لست صعبة , أنت التي تصعّبين الأمور!".
ردت عليها أليزا بحدة:
" هذا تصرف وقح ! قلت لك أنك لن تذهبي الى التلة , أذا كنت مهتمة الى هذه الدرجة برؤية زاكاري , فبأمكانك أن تسيري الى تلك الشجرة الكبيرة وتنتظريه هناك , ولكنك لن تذهبي الى المعمل , وهذا قرار نهائي!".
سارت كريستين بعصبية بالغة نحو الشجرة البعيدة , فيما تنهدت أليزا بأستغراب شديد , يبدو أن والدتها دلّلت أختها الى درجة لم تعد معها الصغيرة لتقبل الأوامر المعطاة اليها ألا بأنزعاج بالغ , حملت أليزا نفسها مسؤولية مماثلة , لأنها لم ترفض لأختها أبدا أي طلب أو تحرمها من تحقيق أي رغبة , ربما حان الوقت كي تفهم أختها بأنها لم تعد قادرة أن تحصل على أي شيء تريده , أو تنفيذ كل مطالبها ورغباتها.
وقفت ببطء ومشت مسافة قصيرة , قبل أن تسمع صوت عجلات سيارة تدخل باحة المنزل , توقفت السيارة أمام المدخل الرئيسي ونزل سائقها منها , ثم راح يحدّق بأليزا الواقفة على الشرفة , رفضت قدماه أطاعة أوامر عقاه , القاضية بعدم التحرك قبل سماع أي دعوة أو كلمة ترحيب , سار نحوها بهدوء وهو يردد أسمها , نظرت اليه بذهول , فيما كانت عيناه تتأملان وجهها وشعرها , مد أصابعه الطويلة الرفيعة وأمسك بيديها , تسمّرت في مكانها وهي تنظر الى بول أندروز الشخص الذي تحدثت عنه الى زاكاري بكثير من الأستخفاء والأستهزاء , لم تحاول حتى أن تسحب يديها من بين يديه , نظر اليها بوله وأعجاب واضحين , وقال :
" ظننت أنني أرى شبحا , لم أصدق عيني عندما شاهدتك على هذه الشرفة , ماذا تفعلين هنا؟".
فتحت فمها لتشرح له ما حدث , لكنه أسكتها بهزة من رأسه وقال:
" لا سبب لأن تقولي شيئا , أظن أنني أعرف.... زاكاري أحضرك الى هنا".
حاولت مرة أخرى أن توضح له حقيقة ما جرى , ألا أنه ضحك بسرور ومضى يقول:
" لم أعرف صديقا مثله من قبل , يا أليزا , لا يمكنك أن تصدقي الأمور التي قام بها نحوي , عندما قلت لي أنك لا تريدين رؤيتي مرة أخرى , شعرت بأنني تحطمت , كرهت العالم كله! ولكن زاكاري كان هناك , كعادته , ليساعدني ويعيد اليّ ثقتي بنفسي , علم بالتأكيد أنني لا أزال أحبك , هذا هو الأمر , أليس كذلك؟ أحضرك الى هنا كي تكوني معي؟".
" بول , توقف!".
شعرت بالشفقة عليه وبالخجل منه ..... هذا الرجل الوسيم الذي لم يثر في نفسها قبلا ألا الأزدراء وعدم الأكتراث.
" كيف يمكنني أن أتوقف , وأنا بمثل هذه السعادة!".
حاول ضمّها اليه , ولكنها أبعدته عنها وهي تصرخ قائلة:
" أنك لا تفهم! ليس الأمر كما تتصوره أطلاقا!".
جمد بول في مكانه , عندما سمع صوتها الحاد وشاهد نظرات الألم في عينيها , عقد جبينه وسألها بقلق:
" ماذا تعنين؟".
أستعادت شيئا من الهدوء وقالت:
" لم أعرف أنك كنت قادما الى هنا".
ضحك بول وقال:
" أراد اللعين أن يفاجئنا معا , أليس كذلك؟".
ثم تأملها مليا قائلا:
" أنك أجمل بكثير مما أتذكرك".
قالت له بهدوء , وهي تحاول أبعاد نفسها عنه:
" لا أعتقد , يا بول , أن زاكاري هو صديقك الى الدرجة التي تتخيّلها".
" يا له من أسلوب رائع تستخدمه زوجتي بمجرد أن أدير لها ظهري لأول مرة!". أستدار بول وأليزا بسرعة عندما سمعا كلمات زاكاري الضاحكة التي كانت تضجّ أزدراء وأحتقار , شاهدت أليزا بريق الأنتصار في عينيه الجمليتين الواسعتين , أبتعد عنها بول بسرعة وأخذ يحدق بصديقه بذهول وأستغراب شديدين , لم ينظر اليه زاكاري عندما أقترب من أليزا وضمها اليه بقوة , تجاهل نظراتها الباردة وتظاهر بأنه يتأملها بمحبة وحنان , ثم قال للرجل الآخر:
" أنها كما وصفتها , يا بول, وأكثر بكثير , كنت أنوي الأتصال بك هاتفيا وأبلاغك النبأ السعيد , تزوجنا أمس في نيفادا!".
أصفرّ وجه بول الذي لفحته الشمس , وبدا عليه الشحوب , تمتم بكلمة تهنئة , ولكن زاكاري تجاهلها ومضى الى القول:
" يجب أن أشكرك , يا بول , لأنك أعطيتني فكرة واضحة ومفصّلة عن أليزا قبل أن ألتقي بها , يتحدثون عن التودد السريع , ولكنني لا أعتقد أن أحدا سبقني في هذا المضمار ! لم أترك لها فرصة للتفكير بما تقوم به , الى أن تزوجنا ووقّعنا وثيقة الزواج".
تمتمت أليزا قائلة:
" زواج سريع وندم بطيء! ".
ضغط زاكاري على ذراعها بقوة , حتى عضّت على شفتيها لتمنع نفسها من الصراخ , ثم نظر اليها معاتبا بخبث واضح:
" هذا ليس بالكلام الذي يفترض بعروس أن تقوله , يا حبيبتي".
أراد أن يقبّلهاعلى شفتيها , ولكنها أبعدت وجهها قليلا فحطت قبلته على خدها , نظر اليها بغضب قبل أن يتركها , ويدفعها بحنان مصطنع نحو البيت قائلا:
" أذهبي , يا أمرأة , وأحضري لنا بعض القهوة والحلوى , هذه هي أقل واجبات الضيافة".
تطلّعت أليزا بتردد نحو بول, فأزعجتها كثيرا تلك النظرة الباردة على ملامح وجهه الوسيم , فهمت الآن لماذا حاول الأنتحار عندما شعرها بأنه فقدها , كان الألم والمرارة واضحين في عينيه , ولكنها شعرت بأن الشفقة الخفيفة التي أحست بها أتجاهه ذهبت هباء بسبب تصرف زوجها , تألمت كثيرا بسب قساوة زاكاري وتصرّفه المتعجرف أتجاه بول , لو أنه طعنه في ظهره , لكانت تلك طريقة أيذاء أقل أيلاما من هذا التحدي الساخر وجها لوجه.
منتديات ليلاس
عادت أليزا بعد قليل ومعها قطع الحلوى وأبريق القهوة وثلاثة فناجين , كان الرجلان يجلسان الى أحدى الطاولات , وكانت وجنتا بول أستعادتا بعض اللون , ألا أن نظرة الذهول كانت لا تزال بادية بوضوح في عينيه الحالمتين , تمنى لهما السعادة بكلمات مقتضبة , ثم سأل زاكاري بهدوء:
" هل علمت رينيه بالأمر؟".
تأمل زاكاري فنجان القهوة وكأنه يراه لأول مرة , ثم أجابه بكلمة نفي واحدة قبل أن يحوّل نظره الى وجه أليزا العابس , تطلع بول نحوها بسرعة وعصبية , وكأنه شعر بالذنب لتوجيهه مثل هذا السؤال أمامها , ولكنه أصرّ على متابعة الحديث فقال لزاكاري :
" أظن أن عليك الأتصال بها لأطلاعها عما حدث".
نظر زاكاري الى أليزا وتأمل وجهها وعنقها بتمعّن قبل أن يقول لصديقه:
" دعها تعرف ذلك بنفسها , أو ربما كان من الأفضل أن تطلعها أنت عما حدث".
تطلعت أليزا نحو بول وسألته بلهجة باردة , وكأنها غير مكترثة بالأمر:
" هل رينيه هي أحدى صديقات زاكاري القديمات؟".
أبتسم زاكاري وقال لها بسخرية مؤلمة:
" لا داع للغيرة , يا زوجت المحبة , أنها فتاة سمراء صغيرة القد ورشيقة للغاية , أي على العكس تماما من الشابة البريئة العفيفة التي تزوجتها".
أعتذر بول قائلا:
" آسف , لم أقصد أبدا أن يكون سؤالي سببا للجدال".
" لا تقلق أو تهتم".
وضحك زاكاري ثم مدّ يده وجذب أليزا نحوه , أفلت يدها وطوّق خصرها بذراعه , على الرغم من محاولاتها اليائسة للتملّص منه , ثم قال:
" أجد متعة كبيرة في أغاظة زوجتي بسبب ترددها في أظهار حبها لي , ولكنني سأعالج مرضها هذا وأشفيها منه خلال فترة قصيرة".
همست أليزا بعصبية بالغة:
" يكفي ! توقف!".
كانت يده الأخرى آنذاك تداعبها , حاولت أبعاد تلك تلك اليد عنها , ولكنه أمسك بيدها وجذبها نحوه , حاولت جاهدة سحب يدها ولكنه رفع تلك اليد الى شفتيه وقبّلها , أبتسم بدهاء وهو يتأمل ملامحها الباردة والقاسية , ولم يترك يدها خوفا من أن تصفعه , وسأل زاكاري صديقه فجأة :
" لديّ فكرة , لماذا لا تبقى هنا وتتناول معنا طعام العشاء , يا بول؟".
أوحت كلماته بأنها مجرد دعوة لم تخطر بباله قبل تلك اللحظة بالذات , ولكن أليزا شعرت بصورة مؤكدة أنه فكّر بهذه الدعوة منذ بعض الوقت , أجابه بول بشيء من المرارة:
" لا يمكنني ذلك , أنها ليلتكما الأولى هنا , وأتصوّر أنكما تريدان تمضيتها بكاملها على أنفراد".
أشار زاكاري بيده نحو كريستين , التي كانت تلاعب كلب الحراسة ماكس , وقال:
" لدينا في أي حال مرافقة في السابعة من عمرها , ونحن بحاجة لشخص رابع كي نقيم حفلة خاصة , نريدك أن تبقى , أليس كذلك يا أليزا؟".
" ربما لديه خطط أخرى , يا زاكاري".برقت عيناه بقسوة مخيفة , قبل أن ينظر الى بول ويقول بشيء من الرقة... والحزم:
" أنني آمره بصفتي رئيسه في العمل بأن يلغي جميع خططه ويتناول العشاء معنا".
وضع بول يده على شعره الأشقر , وهو يحاول مواجهة النبرة القوية المفزعة في صوت زاكاري , وقال:
" أنا...... أنا.....".
" عظيم , أتفقنا , أذهبي يا أليزا وأخبري نورا بأن أربعة أشخاص سيتناولون العشاء".
أبتسم لها بعصبية وكأنه يتحداها بأن ترفض أوامره , أبتسمت له بدورها , وأعتذرت بصوت خافت عن أضطرارها لمغادرتهما ....... وتوجهت الى البت , لم تعرف هي نفسها السبب الحقيقي لهذا الأنصياع غير المتوقع , هل فعلت ذلك لأن عنجهيته كانت تؤكد له بأنها ستحاول تحديه , أم لأنها شعرت فعلا بالخوف والرهبة من تسلطه وغطرسته؟
أبلغت مدبرة المنزل بأن السيد ستيوارت دعا بول أندروز الى العشاء , وقررت ألا تعود الى الحديقة والتعرّض للمزيد من ملاحظات زاكاري القاسية وكلماته اللاذعة , دخل زاكاري بعد حوالي ربع ساعة الى قاعة الأستقبال , حيث كانت أليزا تجلس بأرتياح وتتصفح أحدى مجلات الأزياء.
" وجدتك أخيرا! أعتقد أن عدم أنضمامك الينا ثانية يعتبر وقاحة , أيتها العزيزة".
" ليس بمثل وقاحتك وأنعدام شعورك أنت , أيها السيد ".
ثم رمت المجلة بعصبية على الطاولة وسألته بحدة:
" ألم تكن عديم الشعور وقاسيا جدا عندما دعوته الى العشاء؟".
جلس زاكاري بهدوء على مقعد مقابل وقال لها:
" حان الوقت لكي يتوقف بول عن تصوّرك فتاة أحلامه العفيفة النقية, سوف تساعده الصدمة , التي شعر بها عندما علم بزواجك مني , على الوقوف بقوة على رجليه ومواجهة التحديات , سيتأقلم أثناء العشاء مع الواقع الجديد ويتعلّم كيف يواجهه , قبل أن يذهب ويغرق نفسه في جو من الحزن والمرارة والأسى".
توقف لحظة ليتأمل نظرات السخرية والتهكم في عينيها , ثم مضى الى القول:
"سوف يعطيك العشاء أيضا فرصة لتظهري لي مدى أستعدادك الحقيقي لقبول الشروط التي نص عليها أتفاق زواجنا".
توترت أعصابها بسبب لهجته المتسلطة ونظرت اليه بأحتقار قبل أن تسأله بأستغراب:
" ماذا تعني بذلك؟".
" أتفقنا على أن نتصرف أمام الآخرين وكأننا فعلا نحب بعضنا وأذا كنت تحاولين تطبيق الأتفاق منذ وصول بول , فأنك ... يا حبيبتي ... ممثلة رديئة للغاية".
هبّت أليزا واقفة بعصبية بالغة , وقالت له بغضب واضح :
" أذا كنت تظن بأنني سأسمح لك بمداعبتي أو مغازلتي أو ضمّي كلما جاء أحد الى هذا البيت , فأنك جاء أحد الى هذا البيت , فأنك ترتكب خطأ جسيما! لن يحدث هذا على الأطلاق!".
" ما أجمل النظر اليك , يا أليزا , وما أقبح ملامستك ! هل تعتبرين وضع ذراعي على كتفك ضما , أو وضع يدي على يدك مداعبة ومغازلة ؟ أشك كثيرا في أن لديك خبرة كافية لتعرفي الفرق الشاسع بين هذه وتلك , سأكون راضيا جدا للحصول على أبتسامة منك , مع أنني أعلم أنها ستلحق ضررا بالغا بهذا القناع الذي ترتدينه على وجهك".
ردت عليه بلهجة ساخرة:
" يمكنني أن أبتسم مرات عديدة , وأذا كانت أبتسامتي تكفي لمنعك من ضمّي اليك , فسوف أبتسم طوال الوقت , قد لا تكون لدي خبرة كافية في هذا المجال , ولكنني أعرف حق المعرفة أن ما قمت به كان مداعبة وضما".
سألها زاكاري متهكما:
" من أين أكتسبت هذه المعرفة الكبيرة كلها , أيتها العزيزة؟".
رفعت رأسها بعنفوان وتحد , وقالت:
" من رجل".
" أشك في أنك تعرفت الى رجل في حياتك ".
" تعلمت الكثير من قريبي مايكل , الذي يرافقني بأستمرار منذ حوالي خمس سنوات".
ضحك زاكاري بدهاء وأزدراء قائلا:
" ذلك الجرو المدلل الذي كان يتبعك في أندية نيفادا ليلتقط بعض ما يفيض عنك من مبالغ تافهة!".
ثم وقف وقال :
" أكرر لك ما قلته قبل لحظات.. أنت لم تتعرفي بعد الى رجل حقيقي".
نظرت اليه بأزدراء وقالت:
" أتصوّر أنك تظن نفسك رجلا حقيقيا !".
تأمل وجهها وشعرها الأشقر ,ثم قال لها بتأفف:
" قد أقرر يوما أن أثبت ذلك , يا أليزا".
" لا تحاول أضاعة وقتك !".
" أنا لا أضيّع وقتي أبدا!".
ثم نظر الى الوراء ولوّح بيده قائلا:
" نحن هنا , يا بول , هل شاهدت كريستين؟".
" كانت تركض نحو قاعة الطعام عندما كنت أنزل الدرج".
" أعتقد , أذن , أننا أصبحنا جميعا مستعدين لتناول العشاء , هيّا بنا".
كانت كريستين تتكىء على كرسي وتضع قدمها على أخرى , وهي تتأمل الطاولة الأنيقة , ولما أستدارت نحو القادمين الثلاثة , لاحظت أليزا أن أختها تبدو حزينة الى حد ما , ساعدتها على الجلوس وسألتها بصوت منخفض:
" ماذا في الأمر يا حبيبتي؟".
لم تحاول الصغيرة الأجابة بهدوء مماثل , فجاء ردها عاليا أخجل أختها , قالت دون تردد:
" أتصور أنني لن أحصل هنا أبدا على طعامي المفضل ... شريحة من لحم البقر وكمية كبيرة من البطاطا المقلية".
ضحك زاكاري بصوت عال وقال لزوجته , التي كانت على وشك تأنيب أختها :
" لا تقولي لها شيئا , لأنها لم ترتكب أي خطأ , كل ما في الأمر أنها صادقة وصريحة".
ثم نظر الى الطفلة الصغيرة , وقال:
" أعتقد أن بأمكاني أقناع الطاهية بأعداد شرائح اللحم هذه مع متطلباتها الأخرى مرات عديدة في الشهر فما رأيك , يا كريستين؟".
" عظيم! عظيم!".
كررت كريستين هذه الكلمة بسعادة بالغة , قبل أن يمضي زاكاري الى القول:
" هذه أول وجبة طعام تتناولينها مع أختك في لبتكما الجديد , وأعتقد أن السيدة مارش حاولت أعطاكما أنطباعا جيدا عن عملها".
منتديات ليلاس
دهشت أليزا لتحليه بمثل هذا الصبر , ولقدرته العجيبة في تفهم مشاكل كريستين وأهتمامه السريع والحاسم بحلّها , لكن لم يكن هناك أي حنان في وجهه... لم يكن ثمة مجال للرقة والحنان في تلك الملامح القاسية , وشعرت أليزا أن لهجته القوية هي التي تثير أعجاب كريستين به , وأحست مرة أخرى بالضيق والأنقباض المتزايدين لأنه قادر على فرض نفسه وشخصيته على كل من يلتقيه ..... بأستثناء أليزا فرانكلين! لن تتأثر بتسلطه وهيمنته! يمكنه أن يأمر من يشاء , وأن يكون السيد المطاع لأي شخص يقبل بالركوع أمامه والرضوخ اليه.... ولكنها لن تعترف أبدا بسلطته عليها وقدرته على التحكم بها! لن تسمح له بذلك .... أبدا!
قررت فجأة الخروج عن صمتها , فركزت أهتمامها على بول أندروز وراحت تسأله عن عمله في معامل ستيوارت , لم تكشف لأحد عن دهشتها عندما علمت منه أنه يتولى مهمة المبيعات والعلاقات العامة , أنه صاحب شخصية محببة , وأبن عائلة ثرية ذات نفوذ قوي في هذا الجزء من ولاية كاليفورنيا , ضعفه الوحيد هو تعلّقه الأعمى بها , لأنها كانت أول شخص أو أول شيء لم يتمكن من شرائه على الرغم من الثروة والأسم العريق , ولكنه قادر على أن يكون جذابا وساحرا ..... عندما يريد ذلك , وأكتشفت أليزا أثناء السهرة ,أنه تخلى تدريجا عن شعور المرارة الذي كان ينتابه وأخذ يجيب على أسئلتها المتلاحقة بأهتمام وجدية شديدين.
شعرت أليزا أن زاكاري متضايق جدا لأنها تتحدث مع بول بأستمرار , أبتسمت له أكثر من مرة , وبنعومة مذهلة , عندما كانت تسأله بين الحين والآخر أذا كان يوافقها على جملة أو ملاحظة , ولكنها كانت تواصل حديثها دون أن تفسح له أي مجال للتعليق أو المشاركة , وأخيرا , تدخل زاكاري في الحديث وأقترح على الجميع التوجه الى قاعة الأستقبال , حاول بول السير قرب أليزا , ولكن نظرات زاكاري الحادة أرغمته على الذهاب أمامهما.
منتديات ليلاس
هرعت كريستين فور دخولهم القاعة الى الكلب الكبير , الذي كان مستلقيا على السجادة العجمية الزرقاء قرب المدفأة البيضاء وجلست قربه , أختارت أليزا مقعدا وثيرا قرب الكنب التي جلس عليها بول , وذلك لعدم أفساح المجال أمام زاكاري لمحاولة الجلوس قربها , ألا أن زوجها الخبيث أسند نفسه على حافة المقعد , ووضع ذراعه بشكل يسمح له بمداعبة شعرها , بدأت يحدث بول عن البساتين والمعمل , نظرت اليه ببرودة فائقة , فوجّه اليها نظرات قاسية غاضبة , وأحست عندما أمسك بخصلة من شعرها بأنها تكرهه .... تكرهه بعنف , ومن صميم قلبها , وأبتسم بخبث ودهاء , بمجرد أن أبعدت رأسها عن متناول يده , وقال لها بهدوء:
" لا شك أن هذا اليوم كان طويلا جدا بالنسبة لكريستين , أعتقد أن عليك الآن أخذها الى النوم".
نظرت أليزا بسرعة نحو أختها الصغيرة التي كانت تتثاءب قرب الكلب النائم , وأحست بأن حبها للفتاة وأهتمامها بها يمنعانها من معارضة أوامره , أعتذرت لبول وقالت له أنها مسرورة لتمكنهما من مقابلة بعضهما مرات عديدة في المستقبل , وجّه اليها زاكاري نظرة قاسية أخرى , ثم قال بلهجة الآمر الناهي:
" يجب أن تنضمي الينا ثانية بعد أن تنام كريستين".
لم تعلق بشيء على كلامه , وأكتفت بتوجيه أبتسامة حنان مصطنعة قبل أن تطلب من أختها أن تتمنى للرجلين ليلة سعيدة , كانت مسرورة جدا لتمكنها من مغادرة تلك الغرفة , والأبتعاد عن جو زوجها الخانق.
أمضت أليزا ساعة كاملة قبل أن تتمكن من أقناع كريستين بالأستحمام وأرتداء ثياب النوم , وبعد أن عانت كثيرا من حديث أختها المتواصل عن كلب الحراسة ماكس , وضعتها في سريرها وطبعت قبلة محبة وحنان على جبينها , وهي تبتسم لها وتطمئنها الى أنها ستكون في الغرفة المجاورة.... وأنها ستفتح بابي الحمام المشترك بين غرفتيهما كي تشعر الصغيرة كأنهما في غرفة واحدة , لم تكن لدى أليزا أيّ نية لأطاعة أوامر زاكاري والنزول ثانية الى قاعة الجلوس.
لن تتحمل بعد الآن أن يجلس قريبا منها الى تلك الدرجة , وأن ينظر اليها بمثل ذلك الأزدراء والأحتقار , لو حدث ذلك مرة أخرى , لأضطرت للصراخ.... أو حتى لصفعه على وجهه , جلست أمام المرآة بعد أن أرتدت ثياب النوم , وراحت تسرح شعرها بحدة وعصبية , أنها تكره هذا الرجل الذي تزوجته رغما عنها! يثق بنفسه لدرجة الغطرسة والعنجهية , ويتصوّر أنه رمز للرجل المتفوّق ! تكاد تتقيأ لمجرد التفكير به , وبالطريقة التي يحاول السيطرة عليها! وشاهدت فجأة في المرآة أمامها عينين تنظران اليها بقساوة وغضب , أستدارت بسرعة نحوه , وسألته :
" ماذا تفعل هنا؟".
" لم تعودي الى القاعة كما طلبت منك".
أوه , كم أنها تكره ذلك الأسلوب الناعم الذي يضعها دائما في موقف الدفاع عن النفس!
أستأنفت تسريح شعرها وهي تقول له ببرود:
" لم أكن قادرة على ذلك".
لم يجبها , فوضعت الفرشاة بعصبية على طاولتها وأستدارت نحوه صارخة:
" هذه غرفتي , فهل تفضلت بالخروج منها حالا!".
أشعل سيكارة بهدوء مثير للأعصاب , وقال لها بتهكم جارح:
" من المؤسف جدا أنك لم تنزلي الى القاعة , قدمت عرضا ممتازا لبول عن مدى تشوّق عروستي الجميلة لموافاتها الى غرفة النوم , كان منظرا طريفا ومسليا جدا , عندما أحمرت وجنتاه حياء وخجلا وغادر البيت على عجل".
ردت عليه بشراسة وغضب مميزين:
" لا أجد في هذا التصرف طرافة أو تسلية , أنني أشعر بالأشمئزاز , هل تسرق الحلوى أيضا من أيدي الأطفال؟".
ضحك زاكاري وقال لها بتهكم:
" ما هذا , أيتها العزيزة ؟ وخز ضمير في مثل هذا الوقت المتأخر؟ أنا لم أكن الشخص الذي دفع ببول الى تناول تلك الكمية الكبيرة من الحبوب المنومة , بهدف الأنتحار! أنت التي فعلت ذلك..... وأنت التي وصفته بتلك الكلمات القاسية اللاذعة! هل تحاولين أبلاغي الآن بأنك ستعاملينه بطريقة مختلفة لو أنك عرفت أنه سيحاول قتل نفسه؟".
أبعدت أليزا وجهها عنه لأخفاء الأحمرار الذي غطى وجنتيها , والناجم عن شعورها بالذنب لأنها كانت صلبة وقاسية القلب والفؤاد مع ذلك المسكين ثم تمتمت قائلة :
" لا أعرف".
توقفت لحظة وأضافت بلهجة أقوى وأكثر ثقة بالنفس:
"لا , لم أكن لأعامله بطريقة مختلفة , ولكنني لم أكن قاسية ومتحجرة القلب مثلك! هل تعرف ماذا ظن في بداية الأمر ؟ ظن أنك أحضرتني الى هنا لأجله, تصور أنك أقنعتني بأعطائه فرصة أخرى , تخيل أنك تفعل ذلك , لأنك صديقه وتحبه وتهتم به , لم أشعر طوال حياتي بمثل الأسف والأسى اللذين شعرت بهما اليلة أتجاه بول , عندما أخبرته بسماجة ووقاحة أنني تزوجتك , كان يأمكانك أن تبلغه النبأ الحزين بطريقة أكثر أنسانية ورقة , ولكنك رميتني في وجهه كجلد نمر أصطدته بسهولة ".
أبتسم زاكاري بخبث ودهاء , وقال:
" أنت لست تذكارا من أحد أنتصاراتي ... أنت جائزة وغنيمة ! لا ينفع الغنج والدلال , أو الشعور بالشفقة , في تقوية العزيمة وتعليم الشجاعة , فلا تحاولي هذه الطريقة مع بول! لو تعاونت معي الليلة , عوضا عن محاريتي ومعارضتي , لتمكنا من تحقيق أنجاز رائع معه".
نظرت اليه بعينين فولاذيتين وسألته بسخرية لاذعة جدا :
" وكيف سنساعد بول لو أنني سمحت لك بمداعبتي أو مغازلتي؟".
قطّب زاكاري حاجبيه ونظر الى وجهها محذرا منذرا , ثم قال :
" أجبت عن هذا السؤال في وقت سابق من هذه الليلة , ولا أنوي أبدا تكرار ما أقوله".
ثم أبتسم بتحدّ صارخ وأضاف قائلا:
" ذكرت لي على الأقل السبب الحقيقي لرفضك العودة الى قاعة الأستقبال , كنت خائفة مني , أو بالتحديد .. من ممارستي الغزل معك , بغض النظر عن البراءة التي ستتم بها".
بصقت في وجهه وصرخت بأستياء شديد:
" كذّاب ! كذّتب! أنك تثير في نفسي الأشمئزاز ولكنني لا أخاف منك أو من محاولاتك المقرفة لأظهار رجولتك أمام الآخرين ! عقدنا أتفاقا تجاريا فيما بيننا.. وأذا كنت تتصوّر أن العلاقة ستتحول الى أي شيء آخر , فأنت مخطىء تماما , أنني أحتقر جميع الرجال..... وخصوصا أنت, يا سيد ستيوارت!".
هز زاكاري كتفيه بأستخفاف بالغ ,وقال:
" أننا نتجه منذ يوم أمس الى مثل هذه المناقشة , هل تحدينني عمدا , أم أنك تريدين مني ضمنا وبطريقة لا شعورية أن أقوم بأغوائك؟".
لم تعد أليزا قادرة على ضبط أعصابها بعد سماعها تلك الكلمات الحقيرة والمذلة , أمسكت بفرشاتها كسلاح وهجمت عليه بعنف وشراسة , أمسك زاكاري باليد التي تحمل الفرشاة , ولوى الذراع حتى أفلتتها وهي تصرخ من الألم , دافعت عن نفسها بيدها الأخرى , ولكنه أمسك بها أيضا ووضع اليدين معا وراء ظهرها .... ثم ضمّها اليه بقوة , شعرت بأن عظامها سوف تتحطم , فصرخت به بحقد بالغ:
" أكرهك! أكرهك! ".
ضحك زاكاري ورفع وجهها نحوه قائلا:
" هل تتوقعين مني أن أصدق ذلك؟ كنت تعلمين ماذا سيحدث عندما قمت بهجومك النسائي المثير للشفقة , كنت تعرفين جيدا أنك ستنتهين كأسيرة بين ذراعي القويتين".
أرتجف جسمها عندما أحست أن كلماته تحمل بعض الحقيقة , ولكن الفكرة بحد ذاتها منافية للعقل والمنطق , لم تهاجمه ألا بسبب غضبها الشديد , من غروره المستبد وأنساها ذلك الغضب مدى ضعفها الجسدي أمام هذا الرجل العملاق.
" أنك تافه الى درجة لا تصدق!".
"يمكنني أن أحملك على الوقوع في حبي , ولكن هذا الأمر ليس من ضمن الصفقة المعقودة بيننا ".
أبعدها عنه بأزدراء , ومضى الى القول:
" قبلت مبلغ المئتي ألف دولاء لأمنحك أسمي وأسمح لك بالعيش في منزلي لمدة سنة , ولكن الأتفاق لم ينص على أن أحملك الى سريري , أليس كذلك؟ هذا مع العلم أن لي الحق في ذلك...... كزوج".
" لن أسمح لك بذلك أبدا".
ظهر الغضب على وجهه وفي عينيه , قال لها:
" لنوضح هذا الأمر بصورة نهائية , يا أليزا , أنا لست راغبا أبدا في حملك الى سريري".
تسمّرت في مكانها بسبب غروره وعنجهيته , وفتحت فمها لتوجه اليه كلمات جارحة وترد له الصاع صاعين , ولكنها توقفت عن ذلك عندما سمعت صوتا ناعما يقول بأنزعاج:
" أيقظتماني !".
هرعت نحو أختها , ولكنها سمعته يقول لها وهو يغادر الغرفة :
" أنك محظوظة للغاية!".
أمضت أليزا حوالي عشرين دقيقة مع كريستين حتى غطت في نوم عميق , عادت الى غرفتها وتأملت بأنزعاج بالغ الأحمرار الشديد في معصميها , أزداد كرهها له , ولكنها أدركت أنه ليس بأمكانها أن تقاومه جسديا , ومع أنها فرحت لأنه لا يريدها , ألا أنها عرفت أن السلاحين الوحيدين المتوفرين لديها لم يعد لهما أي نفع أو فائدة , لديها المال والجمال , اللذان تستطيع بهما تحقيق أهدافها ومآربها , ولكن زاكاري أصبح يملك كمية كبيرة من المال , كما أنه أوضح لها قبل قليل أن جمالها وجاذبيتها لا يثيرانه أبدا..... وأنه عازف منها.
وأمضت أليزا ليلة مزعجة ومقلقة...
أستيقظت أليزا وكريستين في وقت متأخر , وفيما كانت الأخت الكبرى تزيّن وجهها وتحاول أخفاء الأرهاق البادي عليه , كانت الصغرى تقفز حولها بنشاط وشوق لمواجهة يوم جديد.
نزلتا الى غرفة الصباح , فأبلغتها مدبرة المنزل بأن زاكاري أستيقظ في السادسة وتوجه الى عمله فور تناوله فطوره , كانت كلماتها مقتضبة وتوحي بأنها متضايقة من نزولهما في مثل هذه الساعة المتأخرة , ألا أنها لم تتردد لحظة في تجهيز الكاولة بنوعين مختلفين من الطعام , تناولت كريستين طعامها وشربت كوب العصير ثم أكلت برتقالتين كبيرتين فيما أكتفت أليزا بشرب القهوة.
كان الوقت ظهرا , عندما تمكنت كريستين من أقناع أختها بمرافقتها الى الخارج , سارت الأختان بين أشجار السنديان الضخمة التي تحيط بالمنزل , وتوقفتا قليلا قرب الحاجز الخشبي الذي يفصلهما عن البساتين , كانت أليزا شاردة الذهن , فلم تبد أهتماما كاملا بأختها وبالأسئلة المتعددة التي كانت توجهها , تأففت الصغيرة وقررت أن تطلق لخيالها العنان , بدأن تجمع بعض الأغصان وكمية من أوراق الشجر لتبني بيتا صغيرا , يعيش فيه أولئك الأشخاص اللذين لا يزيد حجمهم عن أصبع يدها , راقبتها أليزا وهي تبني الجدران والسقف بعناية فائقة , وتحدث أصدقاء أحلامها وخيالها برقة ونعومة.
أنهمكت كريستين في مهمتها , فتمكنت أليزا من الأنفراد بنفسها وبأفكارها , ألا أن تلك الأفكار تحولت فجأة , ورغما عنها , الى زاكاري ستيوارت , تعرف أنها جميلة وجذابة , وتعلم أن معرفتها تلك ليست نابعة من غرور أو نفاق , أنها جميلة جدا , ويجب أن يثير جمالها الفتان أهتمام زاكاري ورغباته , ولكنه يبدو أنه معجب بها حينا , ويتجاهلها تماما معظم الأحيان الأخرى , كان مالها وجمالها دائما أفضل شيئين تملكهما , وكانا دائما يجذبان اليها أعدادا لا تحصى من المعجبين , صحيح أنها لم تكن راغبة في أي منهم , ولكنهم كانوا جميعا هناك..... وتحت تصرفها وسيطرتها. ألا أن هذا الرجل القوي العنيف الذي تزوجته , ليس منهم. حاولت في الليلة الماضية أن تتخذ موقفا صارما , وأن تبلغه عزمها على عدم أطاعة أوامره , ولكنها لم تنجح ألا في حمله على توجيه الأهانات اليها وأنتقاد شخصيتها وتصرفاتها , كانت غبية جدا عندما فقدت سيطرتها عل أعصابها ورباطة جأشها , وكان زاكاري ذكيا جدا عندما سارع لأستغلال هذين الأمرين , تذكرت العنف البارد الذي واجهها به عندما حاولت مهاجمته , وتذكرت أيضا السهولة التي شلّ بها مقاومتها , قبل أن يضمها بقوة الى صدره , كانت ترفض دائما في السابق أن يقترب منها أي رجل الى هذه الدرجة , لم تواجه مثل هذا الوضع ألا مرات قليلة لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة , أقنعت نفسها بأن هذا هو السبب أذن في عدم قدرتها على الدفاع بقوة , عندما أصطدمت بجسمه القاسي كالحجر و ثارت أحاسيسها ومشاعرها , وجعلتها تدرك تماما وجود الذراعين القويتين اللتين طوقتاها وشعرت برائحة عطره تداعب أنفها , وبأنفاسه الحارة بين خصلات شعرها , ألا أن أكثر شيء أزعجها وقضّ مضجعها , كان تهديده بصوت ناعم أنه قادر على أيقاعها بحبه , أحست آنذاك بأنها تحتقره ..... ولكن المشهد يعود الآن بسرعة الى ذاكرتها ومخيلتها.
تركها زاكاري فور أطلاقه تلك الجملة الرهيبة , مؤكدا لها بقساوةبالغة أن زواجهما أضحوكة تافهة .... وأنه سيظل على هذا الحال طالما أنه هو يريد ذلك , حاولت أليزا جاهدة أن تقنع نفسها بعكس ذلك..... بأنها هي التي تقرر مصير زواجهما , ولكنها أضطرت للأعتراف بالحقيقة , خافت منه , ولكنها لم تكشف له عن ذلك , كانت بعض مشاعرها , على ما يبدو , راضية بسطوته وقوته وعنفه........ولكنها رفضت الأستسلام , حاربت وناضلت طوال سنوات عديدة , فكيف تسمح لنفسها بالأنهيار خلال لحظة واحدة ؟ وتساءلت بحيرة عما كان سيحدث معها لو أن كريستين لم تستيقظ وتوقف الجدال الذي كان سيؤدي بالتأكيد الى أنتصاره!
لا شك في أنها تعرف زاكاري على حقيقته... وأنها قللت من أهميته , كان الزواج وسيلتها الوحيدة لتطبيق الشروط التي نصت عليها وصية أمها.... كان تضحية بمبادئها وأفكارها لأجل أختها, أختارت زاكاري ظنا منها أنها قادرة أن تسيطر عليه , ولكنها فشلت فشلا ذريعا ومؤلما , لم يعد بأمكانها أن تسلّط ثروتها فوق رأسه كسيف قاتل , فأصبح من واجبها أذن أن تواجهه ببرودة أعصاب حتى لو أضطرت لتحمل توبيخه وتهكمه , تصورت سابقا أن جاذبيتها سلاح ماض , وحزنت كثيرا لأنها لم تعد قادرة على أستخدام هذا السلاح , لكنها أحست الآن بالأمتنان , لأنه لا يريدهاأطلاقا , بأمكانه أن يكون قاسيا جدا لا يعرف الشفقة أو الرحمة , أذا أراد الحصول على شيء ما , شعرت بأنها سعيدة الحظ لأنها لا تثير رغباته وغرائزه ..... مع أن أنوثتها كانت تصرخ مطالبة بمعرفة السبب.
وبما أن بودتها لن تبعده عنها , وغضبها لن يؤدي الى أثارة غضبه , فقد قررت أن تتجنبه قدر الأمكان , ستبني وأختها عالما خاصا بهما يستثني زاكاري ستيوارت , وقالت أليزا لنفسها أن النار لا تشتعل بدون وقود..... ولا تحرق أولئك الذين لا يقتربون منها كثيرا , أرتاحت نفسيا للقرار الذي توصلت اليه لتوّها , فعادت تراقب كريستين والنتائج التي أسفر عنها خيالها الخصب , سمعت صوت حوافر حصان , فتطلعت نحو مصدره وشاهدت شابة صغيرة القد تمتطي حصانا بني اللون , كانت ترتدي سروالا أسود ضسقا وقميصا دون أكمام , وفجأة , حولت الشابة الحصان بأتجاه آخر, وكأن شخصا ناداها.
رأت أليزا زوجها يقف بعنفوان قرب أحد أبنية المعمل , وراكبة الحصان تحدث معه دون أن تنزل الى الأرض , كانا بعيدين عنها , فلم تسمع الحوار الذي يجري بينهما , ولكن الفتاة بدت غاضبة , في حين أن زاكاري المتغطرس كان يبدو هادئا ومسيطرا على أعصابه , رفعت الفتاة يدها دون سابق أنذار وهوت بها على وجه زاكاري لكنه أمسك بتلك اليد ثم جذب الشابة عن السرج , شاهدته أليزا وهو يضحك , فيما كانت الشابة تحاول الأفلات من بين ذراعيه , وعدأت الفتاة , بعدما بدأ يحدثها , ثم رفعت ذراعيها فجأة وطوقت عنقه.... وجذبت رأسه نحوها , أحست أليزا بالغثيان , ولكنها لم تتمكن من تحويل نظرها عنهما ....... وعن عناقهما العاطفي , أغمضت عينيها بعد قليل لأنها لم تعد تتحمل رؤية تلك الفتاة وهي تذوب بين ذراعيه .
كرهت زاكاري ستيوارت وأحتقرته ! أرتعش جسمها بضراوة وتوترت أعصابها بعنف , أنه حيوان , حيوان متوحش! وتمنت لو أنها لن تراه بعد الآن ! كيف يمكنهما أن يفعلا ذلك في العراء , حيث يقدر أي شخص على مشاهدتهما! وأرتاحت نوعا ما , عندما لاحظت أن كريستين لم تشاهد هذا المنظر المقزز والمثير للأشمئزاز........

 
 

 

عرض البوم صور نيو فراولة   رد مع اقتباس
قديم 09-06-11, 09:42 AM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: May 2010
العضوية: 162960
المشاركات: 2,906
الجنس أنثى
معدل التقييم: نيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالق
نقاط التقييم: 2759

االدولة
البلدLebanon
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
نيو فراولة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : نيو فراولة المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

3- المبارزة الضارية




أبلغت نورا كلا من أليزا وكريستين , أثناء الغداؤ أن زاكاري لن ينضم اليهما , قالت لهما أنها أرسلت اليه بعض الطعام الى المعمل , ومع أن كريستين عبرت عن خيبة أملها , لكن أليزا شعرت بالأرتياح لأنها ليست مضطرة للجلوس معه الى مائدة واحدة , وجددت بقوة تعهدها لنفسها بأنها ستحاول تجنبه قدر أمكانها.
حافظت بثبات , أثناء العشاء , على الحواجز النفسية التي قررت أقامته بينهما , ولكنها شعرت بالغضب , عندما تبيّن لها أنه لم يحاول أطلاقا تخطي تلك الحواجز , كانت تتمنى أن يحاول ولو مرة واحدة , وذلك لترضي غرورها بصده ورده , لكنه ظل يقرأ صحيقته المسائية طوال فترة العشاء , ثم أعتذر بتأدب قائلا أنه مضطر لدراسة بعض الأوراق الهامة, أضاف بسخرية أنه متأكد من أن أليزا لا تمانع في البقاء وحدها لبعض الوقت , لم يكن لديها أي خيار سوى القبول بهدوء , ممتعضة الى درجة كبيرة لأن الأقتراح جاء منه وليس منها.
تجاهلها خمسة أيام متتالية , وكان يأخذ امبادرة دائما بالتأكيد من وحدها , لم يفسح لها المجال مرة لتكون هي البادئة في عملية التجنب والأبتعاد ,كان دائما سباقا في هذا المجال , ولم تتمكن من أرضاء غرورها وعنجهيتها , فما أستخدم مطلقا مكتب المنزل , الذي وصفته كريستين بغرفة الأسد , كان يذهب دوما الى المعمل , وكانت أليزا تفترض أنه على موعد مع راكبة الحصان المجهولة.
أمطرت السماء في الليلة الخامسة , وبعد مغادرة زاكاري المنزل بفترة قصيرة , كانت الغيوم الكثيفة تنذر طوال النهار بمطر غزير , وفعلا ,نفذت أنذارها ليلا ...... وبقوة , جلست أليزا على كنبة مريحة , وحاولت أقناع نفسها بأن الكتاب الذي تقرأه مسل وممتع , ولكنها شعرت بالملل والضجر بعد ليال أربع , كان الكتاب وحده رفيقا لها , ضايقها أستمرار المطر , فأشعلت سيجارة ووضعت الكتاب جانبا .... وأغمضت عينيها.
رن جرس الهاتف فجأة في سكون الليل , فشعرت بأن الرنين ملأ الغرفة الهادئة ضجيجا وصخبا , توقعت أن ترفع نورا السماعة الموجودة في المدخل , ولكنها تذكرت أن مدبرة المنزل ذهبت الليلة الى بيتها ,, رفعت السماعة وفتحت فمها لتسأل عن المتكلم , فسمعت زاكاري يقول :
" بساتين ستيوارت !".
سمعت أليزا صوتا نسائيا ناعما يقول على الطرف الآخر:
" هل أنت الذي أمرت بهطول هذا المطر , يا زاكاري؟".
" لا , لم أفعل ذلك......".
توقف زاكاري قليلا , ثم مضى الى القول:
" أعذريني يا رينيه , يبدو أن معي شخصا آخر على الخط , سوف نتحدث في وقت لاحق".
تنفست أليزا بعصبية بسبب لهجته الساخرة , وأعادت السماعة بعنف الى مكانها وهي تأمل في أن يؤدي صوت الأقفال القوي الى أختراق طبلة أذنه , من المؤكد أنه على بوجودها هي على الخط , لم يكن في البيت أحد غيرها سوى كريستين التي تغط في نوم عميق , الخسيس! يقيم علاقة مع أمرأة أخرى , ويتجرأ في الوقت ذاته على أتهامها هي بسوء التصرف ! وأبتسمت بشماتة واضحة ... كان للمطر جانب أيجابي واحد على الأقل ,أذ حرمهما من اللقاء !
ظهرت الشمس بعد ظهر اليوم الثاني , وعبقت في الجو رائحة الأرض والتراب , جلست أليزا تتأمل أختها الصغيرة , المنهمكة في ترتيب أغراضها التي وصلت في اليوم الفائت , تنهدت بقوة , وهي تتمنى لنفسها حياة الهدوء والسكينة التي تعيشها كريستين.
منتديات ليلاس
لم يكن يعزيها شيء سوى معرفتها بأن أختها مرتاحة وسعيدة , ألم يكن ذلك وحده سبب زواجها؟ أنها تحب كريستين كثيرا , ولا تشعر بأي ندم نتيجة للتضحية الجبارة التي قدمتها , ولكنها لم تشعر أبدا في حياتها بمثل هذا الملل , والضجر , والقلق , والأنقباض ! ومما يزيد في أنزعاجها أنها الوحيدة التي تواجه مثل هذه المشاعر والأحاسيس , لو أن زاكاري متضايق مثلها , لأحست على الأقل أنها حققت أنجازا ما , ولكنه يبدو سعيدا ومرتاحا فيما تجلس هي وحيدة في البيت وتقوم بدور الزوجة المطيعة الخانعة.
لم يتغير تصرف نورا الجاف نحوها , كما أنها ليست راغبة في أقامة أي علاقة ود مع الطاهية العصبية المزاج , كان زاكاري يستيقظ باكرا ويتناول فطوره , ثم يتوجه فورا الى المعمل قبل أن تستيقظ هي من نومها , وأكتشفت أليزا أن أختها تناولت معه اليوم فطور الصباح , وللمرة الثانية على التوالي , قبل أن تدخل غرفتها وتوقظها من النوم , ليس لديها أحد تصادقه أو تتحدث معه بأعصاب هادئة ,وعلى الرغم من حبها الكبير لأختها فهي لا تزال في السابعة من عمرها....... ولا يمكنها أن تكون بديلا عن الراشدين.
" قالت نورا أنك جالسة في الخارج , هل يمكنني الأنضمام اليك؟".
وقفت أليزا بسرعة وتطلعت نحو مصدر الصوت..... الى باب القاعة المؤدي الى الشرفة .... مدت يديها بأرتياح وترحيب بالغين , وقالت له بصوت عال:
" بول! أنني مسرورة جدا برؤيتك ثانية , تفضل".
أحست في تلك اللحظة بشعورين مختلفين يموجان في داخلها , شعرت بسرور بالغ لأن ثيابها الجميلة والضيقة تناسبها تماما وتبرز محاسنها بشكل مغر وجذاب , وشعرت أيضا أن بول تغير كثيرا , وربما كان ذلك نتيجة جو الثقة بالنفس الذي يبرز أصالته وجاذبيتخ , لاحظت , وهو يصافحها , بأنه يحمل هدية , أرشدته الى كرسي قربها وصبت له كوبا من الشاي المثلج , الذي كانت تشرب منه , أخذ الكوب منها ووجّه اليها أبتسامة عذبة دافئة , قائلا:
" لم أكن متأكدا تماما من طريقة ترحيبك بي , وبخاصة بعد ذلك التصرف الغبي الذي صدر عني هنا , لا شك في أنني تسببت في أحراجك الى درجة كبيرة".
ظهر بريق خاطف في عينيها عندما تذكرت ذلك المساء , وقالت:
" لم يحرجني شيء سوى موقفك وشعورك آنذاك , كما أنني تضايقت من زاكاري لأنه لم يذكر لي أبدا أنك آت الى هنا".
" أحضرت لكما هدية عرس".
حاولت أليزا أن تحتج , فسارع الى القول:
" هذا أقل ما يمكنني القيام به , أفتحيها الآن أو أنتظري زاكاري ,الأمر عائد لك".
هدية عرس! شعرت بلفحة باردة في داخلها , لأن الهدايا تدفع بزواجهما الأضحوكة خطوة نحو الجدية , ولكنها أرغمت نفسها على الأبتسام والتأكيد له بأنها لن تنتظر زاكاري كي تفتح العلبة , مزقت بهدوء الورقة الجميلة التي لفت بها العلبة , وفتحتها ...... لتجد أجمل طقم من الكؤوس الثمينة المخصصة للعصير , لم تجد صعوبة في أيجد الكلمات المناسبة للتعبير عن أعجابها بروعة الهدية , بل ترددت في أبلاغه بأنها فعلا تناسب صاحب بساتين ستيوارت وعروسه , لم تحب أن تربط نفسها بزاكاري , حتى بهدية عرس.
" أعرف جيدا أن ما سأقوله لك الآن سيبدو غريبا للغاية , ولكن... بما أني لم أتمكن أنا من أقناعك بالزواج مني , فأنني سعيد جدا لأنك تزوجت زاكاري , الصداقة القوية والمتينة قائمة بين عائلتينا منذ سنوات طويلة , وأنا لا أعرف أي شخص لا يعجب به أو يحترمه".
أرادت من صميم قلبها أن تقول له أن ثمة شخصا واحدا على الأقل لا يشعر نحوه بأي أعجاب أو أحترام على الأطلاق , ولكنها آثرت الصمت , ومضى بول الى القول بصدق وأمانة , وهو يجهل حقيقة مشاعرها وما يدور في خلدها :
" أرى أن الزواج يناسبك تماما , لست جامدة ومتحفظة كما كنت سابقا , لم يكن لديك من قبل مثل هذا الدفء وهذه العاطفة"".
هل تغيّر بول وتبدّل ؟ هل هي عاطفية الآن ؟ نعم ..... الى حد ما , لم تكن تهتم سابقا بمشاعره , ولم تتأثر أو تقلق أذا تألم أم لا , أما الآن فهي تهتم , أصبحت تنظر اليه كأنه طفل يتيم مثل كريستين , لماذا لم تكتشف فيه من قبل هذا الجانب اللاأناني في نفسه وشخصيته؟ تسرعت كثيرا في أدانته , والأستهزاء بكلمات الحب الضعيفة التي كان يوجهها اليها , ولكن ضميرها بدأ يسألها الآن عما أذا كان الضعف في كلماته أم في رد فعلها هي , رفضت الأجابة على هذا السؤال , يكفيها الآن أنها تعرف أن بول صديق حقيقي , وأنه أول شخص لم يرغب في أي شيء أكثر من سعادتها وهنائها.
وبأخلاص أدهشها بقدر ما أدهشه , راحت أليزا تسأل عن بيته وعائلته وحياته , أعجبها كثيرا عندما تحدث بفخر وأعتزاز عن عائلته , وبلهفة وحماسة عن عمله في معامل ستيوارت , تمتعت بحديثه الى درجة كبيرة , خاصة لأنها كانت وحيدة جدا طوال الأيام الماضية.
منتديات ليلاس
تعبت كريستين من اللعب وحدها بكرتها الصفراء الكبيرة , فقاطعت حديثهما ببراءة وفرضت عليهما مشاركتها في لعبة الكرة , ضحكت أليزا مرتين عندما شاهدت محاولات بول الجدية لألتقاط الكرة , لم تعد تذكر آخر مرة ضحكت فيها أمام شخص بالغ.....حتى مايكل , تمكن أخيرا من ألتقاط الكرة , فأضطرت كريستين للوقوف في الوسط والقيام بدور حارس المرمى , أحست أليزا بأن هذه هي الطريقة التي تخيّلتها دائما بالنسبة للعائلات السعيدة , وعندما حان دورها لأخذ مركز الوسط , شعرت بأنها قادرة على توجيه أبتسامة شكر وأمتنان الى بول , ولم تدرك أن أبتسامتها الجميلة والصادقة شكلت تحوّلا يبهر الأنظار عن الجدية المتحجرة التي كانت تغطي وجهها في السابق , رمت كريس الكرة عاليا , وضحكت بسرور بالغ عندما شاهدت أختها تقفز في الهواء لألتقاطها , زلت قدمها وكادت تهوي الى الأرض , لو لم يهب بول نحوها ويمسك بها من خصرها , شعرت بألم حاد في رسغ قدمها , ولم تعد تقوى على الوقوف بأرتياح , أصر بول على مساعدتها للجلوس على أحد المقاعد القربة , ثم أنحنى أمامها ليفحص القدم , أحتجت على ذلك بالقول :
" لويت قدمي يا بول , هذا كل ما في الأمر".
شعرت براحة نفسية عندما لاحظت أهتمامه وقلقه الصادقين , خشي أن تكون أليز ألحقا ضررا بالغا بقدمها , وأنتقلت عدوى الجدية منه الى كريستين , التي سارعت بأحضار سجائر أختها وكوب الشاي البارد , أرادت أن تعوض عن الألم الذي لحق بأختها , من جراء الطريقة المتهورة التي رمت بها الكرة , ومع أن أليزا سرّت بأهتمامها المتزايد بها , ألا أنها أصرت على الوقوف لتثبت لهما أنها بخير , ظلت يد بول ممسكة بذراعها بقوة فيما قطعت الحديقة ذهابا وأيابا دون عرج.
" هل أقتنعتما الآن أنني بخير ؟ لم تؤلمني ألا للحظات وجيزة فقط بعد قفزتي".
هز بول رأسه بأرتياح , وقال باسما:
" خفت عليك فعلا , يا أليزا , الأفضل أن نتوقف الآن عن متابعة اللعب , لأن العشب لا يزال رطبا ويساعد على الأنزلاق , قد يتعرض أحدنا في المرة المقبلة الى أذ حقيقي".
وافقت كريس دون تردد وراحت تضرب الكرة وتركض وراءها في أرجاء الحديقة , راقبها بول وأليزا بصمت بعض الوقت , ثم وقف الصديق الطيب وقال:
" يجب أن أذهب الآن , يا أليزا , لم أكن أنوي البقاء طوال هذه الفترة".
ردت عليه بهدوء , وهي تشعر بأنها...... للمرة الأولى ... تعني كل كلمة تقولها:
" أنني سعيدة بمجيئك , يا بول , وآمل في أن تتمكن من الحضور الى هنا كلما سنحت لك الفرصة بذلك".
أبتسم بول وقال :
" لن أحضر مرات عديدة , لأنني أكره أن يشعر زاكاري بالغيرة".
ضحكت لتخفي أنزعاجها من مجردذكر أسمه وقالت:
" لا يهمني أبدا كيف يفكر وبماذا يفكرّ! أنا وكريستين نحب كثيرا أن نراك هنا في أي وقت ,سأرافقك حتى سيارتك , كي تتأكد من أن قدمي سليمة تماما".
أحتج بول بطريقة شعرت أليزا من خلالها أنه مسرور ضمنا من قرارها هذا , ولما وصلا الى خافة الطريق , أصر بول على ألا تتابع سيرها بسبب برك الماء التي تجمعت نتيجة للمطر الغزير , أمسك بيدها يودعها , ومع أنه لم يتركها ألا بعد فترة طويلة , شعرت أليزا بأنها غير متضايقة من ذلك , وعندما أبتعد بسيارته ملوحا لها ولكريستين البعيدة عنها , حاولت أليزا أن تتذكر ما أذا كانت يداه تنضحان عرقا أم لا .. كما كانت تدّعي في السابق , لا , لم تكن يداه مزعجتين أو مقززتين كما صورتهما لنفسها , محت من رأسها الصورة القبيحة التي رسمتها له , وأحلت محلها صورته الجديدة التي أكتشفتها اليوم , وقفت في مكانها فتر ة طويلة ,حتى غابت السيارة عن نظرها.
" يا له من مشهد صغير مؤثر!".
تجمدت ملامح الأرتياح والسرور في وجهها , وأستدارت بعصبية نحو مصدر الصوت الساخر والغاضب , كان زاكاري يقف وراءها بقامته الطويلة , وينظر اليها بعينين فولاذيتين قاسيتين , ومع أن سيارة بول غابت عن الأنظار , ألا أن أليزا ألتفتت بسرعة نحو الطريق ...... وكأنها تخاف على سائقها من سطوة رئيسه.
" كان عليك أن ترسلي شخصا لأبلاغي بأنه هنا".
حدقت ببرودة قاسية في وجهه الأسمر الجذاب , وقالت بتحد:
" لا أعتقد أنه أتى لرؤيتك".
أغضبته ملامح الزهو والأنتصار في وجهها , فقال لها والشرر يتطاير من عينيه:
" ولماذا أتى أذن؟".
شعرت بمتعة غريبة عندما شاهدته يرفع حاجبيه أستياء , وقالت بنعومة:
" أعتقد أنه جاء للأعتذار مني , لأنه أحرج موقفي في المرة الماضية".
" وكم من الوقت أستغرق تقديمه هذه الأعتذار؟".
شعت عيناها ببريق العنفوان والتحدي , وقررت الأمعان في أثارة أعصابه وغضبه , قالت له ببرودة مؤلمة:
" ساعة كاملة تقريبا".
" تصورت أنني أفهمتك بوضوح بأنني لا أريدك أن تشجعيه , كان عليّ أن أعرف أنك ألحقت به ضررا كافيا في امرة الماضية , دون أن تقوديه الى الأعتقاد بأنك تريدين كسب وده ... حتى مع أنك الآن أمرأة متزوجة!".
ثم نظر اليها بعينين قاسيتين , وسألها بعصبية بالغة:
" ألم تلحقي به ضررا كافيا؟".
ردت عليه بحدة:
" لم أقم أطلاقا بأي شيء يشجعه على الأعتقاد بأنني أريد منه أي أمر سوى صداقته , أمضيت وقتا ممنعا بعد ظهر اليوم , برفقة شخص محبب جدا".
" لا يمكن أبدا لأي رجل وأمرأة أن يكونا صديقين , فأما أن يكونا مجرد شخصين يعرفان بعضهما أو عشيقين , من المستحل تماما أن تقوم بين شخصين مثلكما أي علاقة عذرية كهذه التي تشيرين اليها".
بلغ الغضب في صوته ونبرته حد الصراخ , وراح لسانه يلسعها كالسوط دون شفقة أو رحمة , أضاف قائلا:
" قد تكون لديك بعض الخبرة لتعرفي هذه الحقيقة , وعليك أن تقبليها كواقع ثلبت , لأنه طالما أنك زوجتي فلن أسمح بقيام أي علاقة بينكما تخرج عن أطار المعرفة العادية ! ".

علقت أليزا على أوامره بجملة ساخرة , فقالت :
" أخيرا تحدث المستبد الطاغية! وكيف تريدني أذن أن أنظر الى علاقتك مع رينيه؟ هل أعتبركما مجرد شخصين تعرفان بعضكما , أم عشيقين؟".
حل التهكم لحظة محل الغضب عندما قال لها:
" تساءلت طويلا عن سبب عدم أثارتك هذا الموضوع , أيتها العزيزة , من المؤكد أنك تذكرين جيدا أنني أوضحت نفسي بما فيه الكفاية , أنا لا أنوي أن أكون وفيا لك , كنت أعرف أن لدى فتاة الثلج التي تزوجتها عفة وعذرية تكفينا معا".
" هل كنت تظن أنني سأتغاضى عن علاقة غرامية تقوم على بعد أمتار مني؟ كنت أعرف أي نوع من الرجال أنت , ولم أطلب منك ألا أن تكون كتوما , ولكنه يبدو أنك غير قادر حتى على ذلك!".
" أنك لا تعرفين ماذا تقولين , يا أليزا , أنصحك بأنهاء هذا الحديث الآن قبل أن أفقد صبري وهدوئي".
بدا من لهجته أنه يمارس على نفسه أقصى درجات السيطرة على الأعصاب , ولكنها تجاهلت تحذيره ونظرات الأنذار في عينيه , وقالت:
" هل تعتقد بأنني أنسنة غبيى لا ترى ولا تسمع , ولا تعرف ماذا يجري أمامها وحولها؟ هل يمكنك أن تنفي مثلا أنك كنت تضمها وتقبلها قرب المعمل ؟ أعرف أنك تقوم عادة بكافة الأعمال الكتابية في البيت , فما الذي جعلك تغير هذه العادة ؟ رينيه؟".
" هذا يكفي , يا أليزا!".
" حقا ؟ وما هي الوسيلة التي ستخرسني بها , يا سيد ستيوارت ؟".
وجه اليها نظرات يتطاير الشرر منها ففزعت قليلا ...... ولكنها حافظت على رباطة جأشها وظلت تنظر اليه بسخرية وتحد , قال لها بحدة:
" أعتقد أنك تريدين أن أفرض نفسي عليك , كي تقنعي عقلك الصغير بصحة جميع هذه الأمور السيئة ".
ثم أبتسم بخبث ودهاء , ومضى الى القول:
" تعرفين أيضا أنني لست على وشك الصفح عنك , لديك من العنفوان والكبرياء ما يفوق المطلوب , كما أنك تعطين نفسك أهمية لا تستحقينها , يبدو أنك بحاجة للترويض والتدجين ".
توترت أعصابها بقوة عندما شعرت بأنها تراقب وحشا ضاريا على وشك الأنقضاض على فريسته , أستدارت نحو المنزل وبدأت تسير بأتجاهه , كي تترك تهديده معلقا في الهواء , لكنها أحست بيده القوية تضغط بعنف على معصمها , رفعت يدها الأخرى لتخليص ذراعها من قبضته الحديدية , فأمسك بها , لم تتحرك أو تحاول المقاومة , آملة في أن يؤدي هذا الأسلوب الجديد الى أقناعه بعد أستخدام القوة معها .
منتديات ليلاس
نجحت خطتها ....... وشعرت بعد لحظات وجيزة بأنه خفف الضغط الى درجة كبيرة , حاولت على الفور أن تتملص منه وتراجعت الى الوراء متعثرة الخطى ,تصورت أنها نجحت , ولكنه أمسك بها ثانية وجذبها اليه بعنف , أستخدمت كل قوتها للأفلات منه , وعندما بدأت تقتنع بعدم جدوى محاولاتها , تركها زاكاري بصورة مفاجئة ..... فقدت توازنها ووقعت في الوحل , تأملت نفسها بألم وغضب فائقين , وصرخت به:
" يمكنني أن أقتلك بسبب هذا الأمر , يا زاكاري ستيوارت !".
أنزلقت قدماها مرتين عندما حاولت النهوض , وكانت تحدق به في كل مرة مستغربة تمنّعه عن مد يد المساعدة اليها , ولما نجحت في المرة الثالثة وبدأت تسير نحو البيت , وهي مغطاة بالوحل من رأسها حتى قدميها , كانت كريستين واقفة قرب زاكاري وتنظر اليها بدهشة وذهول , وسمعت زاكاري يقول لها بمرح ظاهر :
" توجد في الجانب الخلفي للبيت , وقرب المطبخ , غرفة للغسيل , يمكنك أن تنظفي نفسك هناك".
سألتها كريستين هامسة :
" ماذا جرى؟".
تطلعت أليزا نحوها وكأنها لا تراها , فشعرت الصغيرة بأن أختها لن تجيبها , سارت غاضبة نحو البيت فيما كانت تسمع كريستين وزاكاري يتسامران ويضحكان , فكرت بدخول المنزل من الباب الرئيسي , كي تطلخ أرضه النظيفة البراقة بالوحل , ولكنها رفضت بأنفة أن تنزل الى هذا المستوى الصغير الذي لا يليق بها , مع أنها كانت تتلهف للأنتقام ولرد الكيل كيلين , توجهت الى الباب الخلفي , فشاهدتها نورا ونظرت اليها فزع وذهول , رفعت رأسها بشموخ وقالت لها:
" أرشديني الى غرفة الغسيل , كي أتمكن من تنظيف نفسي , ثم أحضري لي بعض المناشف , وأريدك بعد ذلك أن تحضري لي من غرفتي العباءة الزرقاء وخفين مناسبين".
هزت نورا رأسها بصمت ثم أرشدتها الى غرفة الغسيل , وهي تنظر اليها وكأنها لا تصدق عينيها , عادت بعد قليل , ومعها مناشف بيضاء وقميص من القطن الناعم , بدأت أليزا تخلع قميصها , ولكنها توقفت عن ذلك خوفا من تلطيخ شعرها بالوحل , دخلت كريستين في تلك اللحظة وقالت لها , وهي تضع يدها على فمها لأخفاء ضحكها :
" قال زاكاري أنك بحاجة لقليل من مستحضر تنظيف الشعر".
" كريستين , سوف.......".

لم تمض في تهديدها , فأطلقت كريستين ضحكة عالية وقالت ببراءة:
" كيف يمكنني ألا أضحك ؟ منظرك مضحك للغاية ".
تأملن أليزا نفسها ثم أبتسمت بأستسلام , بعد أن أعترفت لنفسها بأن منظرها مضحك فعلا , تنهدت بعد لحظات وجيزة , وقالت بهدوء مرح :
" حسنا , أيتها القطة الخبيثة! أخرجي حالا ! يجب أن أخلع ثيابي قبل أن يجف هذا الوحل ويصبح كقالب يصعب كسره".
ضحكت كريستين مرة أخرى وغادرت الغرفة بلا تردد , سارعت أليزا الى خلع ملابسها وأخذت حماما , دخلت كريستين بعد قليل , فيما كانت أليزا تحاول تجفيف شعرها الطويل الأشقر .
" يفترض بي أن أبلغك بأن العشاء جاهز بمجرد أنتهائك من عملية التنظيف هذه , قال زاكاري أنك لست مضطرة لأرتداء أجمل ثيابك , لأن العشاء سيكون وجبة خفيفة متواضعة".
طلبت منها أليزا أن تبلغ زاكاري بأنها ستخرج خلال دقائق معدودة , وما أن أغلقت الفتاة الباب وراءها , حتى بدأت أليزا بتوجيه كلمات جارحة الى الرجل المتغطرس , يطلب منها ألا تهتم كثيرا بمننظرها وثيابها ! ومتى أهتم بذلك قبلا ؟ وقررت أليزا على الفور محاربته بالسلاح ذاته.... باللامبالاة , صممت على ألا تتابع تجفيف شعرها وألا تضع شيئا على وجهها أو عينيها أو شفتيها , وقالت لنفسها بأستهزاء أن عليها الأسراع في الخروج من تلك الغرفة لأن... السيد .... يجب ألا ينتظر طويلا.
دخلت أليزا قاعة الطعام , فأبلغتها مدبرة المنزل بأن العشاء جاهز على أحدى طاولات الحديقة , فتحت الباب المؤدي الى الشرفة , فشاهدت زاكاري منحني لأصلاح عجلة العربة الصغيرة التي تستخدمها كريستين عندما تلعب دور الأم للعبتها الجميلة , أستغربت أليزا أن يهتم رجل قاس مثل زاكاري ستيوارت بأشياء صغيرة وتافهة كهذه , أصلح العجلة ورفع كريستين بحماسة وحنان الى كتفه , فحصل فورا على المكافأة المطلوبة .... قبلة محبة وأمتنان.
منتديات ليلاس
لعبت أليزا بقبضة اباب , كي يصدر عن ذلك صوت يلفت الأنتباه , أغلقا الباب وراءها بطريقة أقوى من المعتاد , وذلك للهدف نفسه , كانت تأمل في أن يؤدي الأعلان عن دخولها الى أنهاء ذلك المشهد العاطفي , الذي لا تريده أن يتكرر , ولكنها كانت مخطئة , أذ ظل زاكاري رافعا الطفلة الصغيرة وبقيت كريستين متعلقة برأسه , كانا ينظران اليها بمرح ضمني , وكأنهما على وشك الأنفجار ضحكا , قال زاكاري لصديقته الصغيرة , فيما كان ينزلها بهدوء ورقة الى الأرض:
" أختك هنا , يبدو أنه أصبح بأمكاننا تناول العشاء , يا برتقالتي ".
رفعت الصغيرة رأسها نحوه وسألته بدهشة يغلب عليها السرور:
" لماذا وصفتني بالبرتقالة؟".
داعب شعرها بحنان وقال:
" لأنك صغيرة مثل البرتقالة وطيبة أيضا مثلها".
ثم نظر الى أليزا وقال:
" العشاء الليلة هو حسب رغبة الأخت الصغيرة .... شرائح من لحم البقر , قطع من البطاطا المقلية , سلطة اللفت والكرنب بالأضافة الى المرطبات والحلوى , أنها وجبة تثير شهية أكبر متذوق للأكل!".
أمسكت كريستين بذراع أليزا وجذبتها بحماس نحو الطاولة قائلة:
" لدينا أيضا مجموعة كبيرة من المقبلات والمخلللات التي يمكن أضافتها الى شرائح اللحم , تعالي وأنظري!".
شاهدت أليزا نظرات زاكاري الخبيثة , التي كانت تقول لها بوضوح أنها تبدو سليمة معافاة على الرغم من وقوعها على ذلك الشكل المضحك في الوحل , تمنت من صميم قلبها أن تكشف له عن مدى سخطها من موقفه اللامبالي والبعيد كل البعد عن الذوق والتهذيب , ولكنها علمت أن أي ملاحظة كهذه سيواجهها بأحتقار وأزدراء جارحين , قررت أن تتجاهله , وأن تتصرف كأن شيئا لم يحدث , حوّلت أهتمامها كله الى أختها فتمتعت باطعامها , شبعت الفتاة الصغيرة قبلهما , فتركتهما وحدهما وأسرعت الى عربتها الصغيرة وراحت تدفعها أمامها حول المنزل.
قدم زاكاري سيجارة الى زوجته بصمت , أخذتها منه بهدوء دون أن تشكره , أشعلها لها ثم أشعل أخرى لنفسه , هدأ الهواء تماما , ولم يعد يسمع حولهما سوى زقزقة العصافير , شعرت أليزا بأن سكون الليل ساعدها كثيرا على أراحة أعصتبها والتخفيف من حدة غضبها.
وسمعته يقول لها فجأة , وبصوت ناعم:
" أمسيات الصيف الهادئة هذه هي أجمل أوقات السنة , وأكثرها رقة وشاعرية ".
ثم نظر اليها بسرعة , وكأنه يعتذر عن أنتهاكه حرمة الهدوء والسكينة , ومضى يقول:
" يجب أن ترتاحي جيدا قبل حلول موسم القطاف , لأنك لن تصدقي الصخب والضجيج اللذبن سيحدثان ويعكران مثل هذه الأجواء الهادئة ".
تمتمت أليزا بصوت خافت:
" أنك رجل غريب الأطوار".
" هل أنا حقا كما تقولين؟".
كان يبتسم وينظر اليها متفحصا مستفسرا , ولكنها شعرت بأنه مهتم بالجواب الذي ستعطيه.
" تبدو لي وكأنك من الأشخاص الذين لا يملكون أو يديرون البساتين ومعامل العصير , ألا بهدف الهواية أو التسلية ".
" أشعل سيجارة أخرى وسألها بأهتمام:
" من أي نوع تصنفينني يا أليزا؟".
" أراك كرجل أعمال تشتغل في المضاربات وبالصفقات المالية والتجارية المعقدة , وتستغل الآخرين كي ينفذوا أوامرم وتعليماتك , تبدو لي صورتك كصاحب بساتين ومعمل صغير كأنها مشوهة أو في غير مكانها الصحيح , يصعب علي كثيرا أن أتخيلك قانعا بما تمليه عليك الأرض , والشمس , والرياح , لما لم تتبع خطى والدك , وتبدأ من حيث أنتهى؟".
" صحيح أن والدي كان رجلا هاما وقويا وذا نفوذ , لكن الأمر الذي لا تعرفينه هو أنه وصل الى ما وصل اليها تلبية لرغبة أمي ومشيئتها , كانت أسعد فترات حياته تلك التي كان يمضيها هنا........ في بساتين ستيوارت , كان بستانا صغيرا فيه معمل تافه من غرفة واحدة , عندما أشتراه أبي , حلم بأن تصبح لديه بساتين ضخمة ومعامل حديثة تنتج أفخر أنواع العصير , بكميات كبيرة يمكن توزيعها في جميع أنحاء البلاد , لا توجد سعادة دائمة في الهيمنة على الآخرين وأستغلالهم , ولكن تحدي الطبيعة يمكن تحمله... ولو بصعوبة ".
أبتسم بزهو وكأنه شخص راشد يتحدث الى طفلة , أو رجل واع يشرح لفتاة جاهلة , تضايقت أليزا من هذا التصرف المتعجرف , وسألته بحدة:
" لماذا , أذن , تحاول الهيمنة عليّ؟".
أجابها بصوت ناعم لم تصحبه سخريته المعتادة:
" كل ما أفعله هو التأكد من عدم يطرتك أنت علي , يا أليزا , ويؤسفني جدا أنك تحاولين ذلك منذ اللقاء الأول".
شعرت بأنقباض شديد من جراء لهجته الهادئة والصريحة ,قامت من مكانها ومشت نحو شجرة سنديان ضخمة في آخر الحديقة , نعم , أنها تحاول دائما وبأستمرار أن تجرّبه لتعرف أذا كان بأمكانها الهيمنة عليه , لماذا لا يكون صعيفا كالآخرين , ويقبل بسيطرتها عليه ؟ حدقت في السماء الأرجوانية الصافية , وهي تشعر بأن زاكاري أصبح على بعد خطوات منها , أستدارت نحوه ونظرت اليه بعينين متضايقتين , فقال لها:
" تبدين الآن حساسة وسريعة التأثر الى درجة مذهلة , كما تبدين أصغر سنا وأكثر براءة .... بهذا الشعر الجميل الذي يغطي كتفيك , وبهذا الوجه النظيف الخالي من مستحضرات التجميل التي لا تحتاجين ليها".
أحست أليزا بأنها فعلا لم تعد محصّنة أمامه كعادتها , لم تعرف كيف تواجه هذه الطيبة والرقة , خافت عندما شعرت بأن بعض دفاعاتها بدأت تنهار , أدارت له ظهرها بسرعة وتطلعت نحو المساء والقمر المنير , تسللت أصابعه تحت خصلات شعرها وراحت تلك عضلات رقبتها المشدودة , ثم قال لها:
" أتحاولين جاهدة أن تكوني قوية ومعتمدة على نفسك , تجمعين شعرك في كومة صغيرة فوق رأسك , وتغطين وجهك بمساحيق متطورة ومتنوعة , وتتركين قلبك في ثلاجة باردة مظلمة , أنك تحملين العالم وهمومه على كتفيك".
كان صوته ناعما ومداعبا .... وأستغربت جدا أنها وجدت همسه مريحا للأعصاب بشكل مذهل , أغمضت عينيها وتمنت لو أنه يقف عند هذا الحد , ولكنه مضى الى القول:
" تتحملين وحدك مسؤولية رعاية كريستين وتربيتها , وترفضين المساعدة من الجميع , ألم تكن لديك أبدا أي رغبة في أن يهتم بك أحد ويرعاك؟".
طبعا! طبعا! هكذا صرخت مشاعرها وأحاسيسها , ولكنها لم تتمكن من الأعتراف له بذلك , تنهدت بصمت وقالت له كلاما أقرب ما يكون الى هذا الأعتراف:
" تساءلت مرارا عديدة عن أبي وعن شخصيته , هل كان طيبا ورقيقا , أو قويا وشديد البأس! كنت طفلة صغيرة عندما توفي , وتزوجت أمي أكثر من مرة بعد ذلك".
لم تنتبه الى الأسترخاء في كتفيها , أو الى الحقيقة المذهلة والفريدة ....... وهي أنها كانت تسند نفسها بأرتياح الى صدر زاكاري العريض وجسمه القوي , فيما كانت يداه تداعبان كتفيها , حلقت أفكارها الى سماء بعيدة.... أمتزج سكون الليل مع التدليك الحنون والصوت الناعم الدافىء , فحلقت أحلامها مع أفكارها , لم تعرف والدها , ولم تتمتع بحنانه وعطفه وحمايته.
ما أروع أن يكون للطفل أب يحبه ويرعاه , ويكون دائما بجانبه كلما أحتاج اليه! ما أروع أن يجد الأنسان شخصا يحبه حبا صادقا , وليس بسبب جماله أو موهبته أو ثروته! أعادها زاكاري الى الأرض عندما قال لها بصوت قوي ناعم:
" أتركي عالم أحلامك , يا أليزا , لم يكن والدك مثال العفة والطهارة أو نموذج الفضيلة والصلاح , كلنا من تراب هذه الأرض , ألم يكن مكننا أن يصبح والدك لو لم يمت , عنوان الخيبة ورمز الفشل".
أبتعدت عنه بسرعة وكأن حية سامة لدغتها قرب قلبها , ثم أستدارت نحوه صارخة:
" كيف يمكك أن تقول مثل هذا الكلام! هل تعرفه؟ هل تعرف شخصيته وطباعه؟".
" لا , وأنت أيضا لا تعرفينه".
تأملها بجدية , ثم قال:
" أنت أمرأة جميلة وجذابة جدا , أردت أن اـأكد فقط من أنك لا تخلطين بين المحبة الأبوية وأهمام رجل آخر بك , لم يلد بعد ذلك الرجل الذي يمكنه أن ينظر اليك , وليس في عقله سوى أهتمام أبوي بك , حتى أنا , لا يمكنني ذلك". أنتفضت أليزا بعصبية وقالت:
" أنك مغرور , ومتغطرس , وأبن.......".
عضت على شفتها بعنف كيلا تخرج من فمها تلك الكلمة الجارحة , ولكنها قالت:
" هل تتصوّر أنني بلغت الرابعة والعشرين من عمري دون أن أتعلم هذا الدرس!".
" أنني مسرور للغاية , لأنني أكره كثيرا أن أراك تمزجين أحلامك بالحقيقة والواقع".
أرادت أن تقول شيئا , ولكن نورا نادته من الداخل قائلة:
" زاكاري , لديك مكالمة هاتفية".
قالت بأردراء :
" لا شك في أنها رينيه , هل فاتكما موعد آخر؟".
" قلت لك سابقا أنك لا تعرفين ماذا تقولين أو توحين به , ولكن بما أنك لا تصدقين كلامي , فأنني أصر على أن تحتفظي بآرائك لنفسك!".
منتديات ليلاس
هزت كتفيها أسنخفافا , عندما نظر اليها بعينين منذرتين متوعدتين , تردد زاكاري بالتوجه فورا الى الداخل , وكأنه يريد أنهاء جداله معها , ولكنه أدار لها ظهره فجأة , وتوجه نحو البيت , عاد بعد دقائق ليخبرها بأن المكالمة كانت من والدته , ثم أضاف بلهجة ساخرة أن أمه ستحضر بالسيارة من سان فرانسيسكو بعد أسبوع كي تتناول معهما العشاء , وتعرف على زوجة أبنها.
أنهى رسالته وهمّ بالذهاب , فسألته بصورة عفوية:
" الى أين ستذهب الآن؟".
" سوف أعود في وقت لاحق هذه الليلة".
كانت الساعة بلغت الواحدة بعد منتصف الليل , عندما سمعت صوت أليزا محرك سيارة وعلمت أن زاكاري عاد الى البيت , لم تنم ولن يغمض لها جفن رغم محاولاتها المتكررة , لم تتمكن من التركيز على أي من الكتب التي حملتها معها الى غرفتها , كانت مستلقية في فراشها ...... تنتظر عودة زوجها , سمعته يصعد الدرج , فأرتاح بالها قليلا , وعندما سمعت باب غرفته يفتح ويغلق , أغمضت عينيها ونامت خلال لحظات وجيزة ..... نوما عميقا لم تتخلّله أي أحلام.
كانت كريستين في الأسبوع التالي شقيّة جدا , وتطالب أليزا بأمور مختلفة ومتعددة , تسللت من البيت أكثر من مرة وذهبت الى المعمل , على الرغم من أوامر أختها الصريحة بعدم الذهاب , تجاهلت تأنيب أليا المتواصل ,وكانت تخبرها بعد كل مرة تذهب فيها الى المعمل عما يجري هناك من أعمال مختلفة.
حسدتها أليزا الى حد ما , لأنها قادرة على الترويح عن نفسها ..... بعكس أختها , ولكنها لم تتمكن من أيجاد وسيلة ناجحة لمنعها عن مغادرة المنزل , كما أنها فشلت في التخفيف من عنادها وتصرفاتها المزعجة.
تدخّل زاكاري في أحدى الأمسيات وأمر كريستين بالذهاب الى غرفتها , ظلت أليزا صامتة بعض الوقت , فيما كانت أختها تصرخ وتضرب الأرض بقدمها , ثم أحتجت بشدة على تدخله , ولكنه أصرّ على موقفه قائلا أنه سيتولى تربية الطفلة بنفسه أذا كانت هي غير قادرة على ذلك , أفهمهما تلك الليلة بأنه لن يسمح لطفلة في السابعة من عمرها أن تتحكم في بيته , وأن تحصل على كل ما تريد.
كانت أليزا تعرف أنه على حق , ولكنها رفضت بقوة الأعتراف بذلك , دلّلك كريستين كثيرا , وحاولت جاهدةأن تنسيها العذاب النفسي الناجم عن فقدها والديها , أعترض زاكاري على هذا الأندفاع العاطفي الذي لن يؤدي في النهاية ألا الى نتائج سيئة , قال لها أن الأطفال يتجاوبون مع واقعهم الجديد أكثر من الكبار , وأن بأمكانهم التأقلم بسرعة أكبر مع التغييرات التي تطرأ على حياتهم , ألا أن موقف كريستين نفسها كان أصعب على أليزا من مواقف زاكاري كلها.
صعدت مرة الى غرفتها , بعد أن وصلت في جدالها مع زاكاري الى ريق مسدود , كانت الصغيرة تردد دعواتها المسائية , أستعدادا للنوم , سمعتها أليزا تطلب من الله العلي القدير أن يبارك أمها وأباها الموجودين في السماء , وأن يبلغهما حبها وأشتياقها , ثم أنهت دعواتها بالقول:
" بارك يا ري أليزا , وبارك زاكاري".
كانت تلك المرة الأولى التي سمعتها فيها أليزا تذكر أسم زاكاري في دعواتها , سألتها برقة وحنان , وهي تحاول أخفاء حشريتها :
" ما زلت غاضبة من زاكاري؟".
" لا , أبدا , لم يغضبني مرة واحدة من قبل , ولكنني أتساءل عما أذا كان يتحمّلني بسببك أنت , أم لأنه فعلا يحبني!".
قطّبت أليزا حاجبيها وسألتها:
" كيف عرفت ذلك؟ ألأنه أمرك بالذهاب فورا الى غرفتك؟".
صعدت كريستين الى سريرها وغطّت نفسها جيدا , قبل أن تبتسم وتجيب أختها ببساطة وبراءة:
" نعم , فالأنسان لا يغضب من أحد أو يصرخ بوجهه ما لم يكن يحبه".
شعرت أليزا أنها أكتفت بهذا الأيضاح لأنه منطقي الى حد ما.....مع أن من الصعب جدا تطبيقه في حالات أخرى ,ولكنها تساءلت أذا كان عليها أن تحلل مشاعرها وموقفها أنطلاقا من هذا المبدأ .... على الرغم من أنها تكره هذا الموضوع وكل شيء يتعلق به.
وجدت أليزا صعوبة كبيرة يوم الأحد بأختيار الملابس التي سترتديها أثناء العشاء مع والدة زاكاري , أخرجت نصف ملابسها ووضعتها على السرير , وبعد أكثر من ساعة تقريبا , أختارت ما تريد وأعادت الباقي الى مكانه , وما أن أنتهت من أرتداء الملابس الجميلة حتى سمعت طرقة خفيفة على باب غرفتها , تأففت قليلا قبل أن تعطي السماح للطارق بالدخول , كانت تظن أنها كريستين , التي لم تكن تتطلع قدما الى هذا اليوم , ولكن اطارق لم يكن كريستين , بل زاكاري , بدا جذابا ووسيما للغاية بسترته الصيفية البنّية الفاتحة ,ووقف في الباب وقال لها بهدوء:
" أقترحت الآن لكريستين بأن تتناول العشاء في المطبخ مع نورا , أنها صغيرة جدا لحضور عشاء شبه رسمي كهذا".
أجابته أليزا , وهي تتجاهل نظراته التي تتأملها عبر المرآة:
" ستكون مسرورة جدا لذلك".
مشى ببطء نحوها , ثم مدّ يده الى جيب سترته وأخرج علبة صغيرة سوداء , قتح العلبة وأخرج منها خاتما رائعا , أمسك بيدها اليسرى وألبسها الخاتم , نظرت اليه بأستغراب , فقال لها موضحا:
" يتوقع الناس أن يشاهدوا أكثر من مجرّد سوار ذهبي , كان يجدر بي أن أختار لك اللون الآزرق لأنه يناسب طبيعتك , ولكنني قرّرت أختيار خاتم يشعّ بالنار التي تفتقدينها".
كانت السخرية اللاذعة واضحة في صوته وأبتسامته الخفيفة , تطلعت اليه أليزا ببرود وقالت:
" أنه جميل جدا , ولكنك لم تكن مضطرا للذهاب اى هذا الحد لمجرد المحافظة على المظاهر".
أزدادت أبتسامته أتساعا وخبثا , وقال:
" هل تصدقين أنني أشتريت لك هذا الخاتم من مالي أنا ؟".
تجاهلت أليزا سؤاله اللاذع , وركزت على جملته ااسابقة التي ذكر في مستهلها كلمة الناس.
سألته بهدوء:
" ماذا كنت تعني عندما قلت أن.. الناس .... يتوقعون أن يشاهدوا خاتم خطوبة؟".
" ألم أخبرك؟ تقيم أمي مع عائلة غوتيار , لأنهم أقرب جيرانها , ولذلك قررت دعوتهم أيضا , لكي نوفر على أنفسنا مشقة أقامة حفلة تعارف في المستقبل".
ثم أبتسم وأضاف قائلا:
" دعوت أيضا كلا من بول وقريبك مايكل , وأعتقد أن هذا الأمر سيسرّك".
" أشكرك لأنك أبلغتني بذلك مسبقا".
قالتها بتحد وعصبية , فيما كانت تمد يدها الى طاولتها الصغيرة وتأخذ منها أحمر الشفاه , أضافت كمية أخرى الى شفتيها , وقالت:
" آمل ألا تكون عازما على القيام بأي من حركاتك الودية والعاطفية أمام ضيوفنا".
" لنقل أنني سأتصرف كزوج مثالي , طالما أنك أنت تتصرفين كزوجة مثالية , لن أكون جامدا معك , ولكنني أعدك بأنني لن أبالغ في مغازلتك أمامهم".
نظرت اليه ببرود محاولة أخفاء أنفعالها من جراء أبتسامته الساخرة , ثم سألته بخبث مماثل:
" ومتى ستصل هذه الحاشية؟".
" خلال نصف ساعة أو ساعة على أبعد تقدير , هل ستنزلين معي كي نستقبلهما معا , أم أنك تنوين الدخول بعظمة مع دقات الطبول بعد وصولهم؟".
توترت أعصابها لحظة بسبب كلماته القارصة , ولكنها أبتسمت له بدهاء وقالت:
" سأكون بالطبع الى جانب زوجي".
أبتسم بتلك الطريقة التي تذكرها دائما بالقطط المتوحشة ,وقال:
" أني سعيد لسماعي هذه الكلمات , لم أكن أبدا راغبا في بدء أي شجار بسبب أصراري على وجودك معي".
كان مايكل أول القادمين , وتأمل الأناقة والجمال بأعجاب واضح , ثم قال لقريبته هامسا:
" كيف تجري الأمور مع السيدة المتزوجة ؟ يبدو أنه يتعبك قليلا , أليس كذلك؟".
ضحكت أليزا وهي تشاهد تلك تلك الأبتسامة الخفيفة التي كانت تتحدّاها وتذكّرهابأنه هو الذي حذّرها من قساوة زاكاري وبطشه , كانت تأمل في أن يؤدي عدم أنفعالها الى ألغاء تلك الفكرة تلك الفكرة السخيفة من رأسه , والتي توحي بوضوح أن حربها مع زاكاري تميل لجانب الزوج القوي , دق الباب , ففتحه زاكاري ورافق القادم الجديد ..... بول .. ال القاعة التي كان يجلس فيها مايكل وأليزا , وما أن أعطاه كوبا من عصير اليمون الجديد , حتى طرق الباب مرة أخرى , مرت دقائق عدة هذه المرة , قبل أن يعود زاكاري الى القاعة .
أخفت أليزا توترها وراء أبتسامة عريضة عندما شاهدت شخصين يدخلان قبله , بينما كانت الى جانبه أمرأة شابة جميلة , كانت قصيرة القامة ونحيفة القد , وترتدي فستانا يظهر جمال شعرها الكستنائي , لاحظت أليزا لدى أقترابهم , أن هذه الأمرأة ليست صغيرة السن كما يوحي بذلك منظرها عن بعد , عرّفهم زاكاري بالزوجين , لويس وأيستل غوتيار ( ثم أمسك بذراع الشابة وقال ) أبنتهما رينيه".
أحست أليزا بأن ملامحها توترت عندما مدت يدها لمصافحة رينيه , ولكن توترها كان بسيطا جدا بالمقارنة مع ما ظهر في عيني الضيفة , لم تتمكن أليزا من أرغام نفسها عل عدم تفحص هذه الشابة , التي تجتمع سرا مع زوجها , شعرها أسود طويل وعيناها بنيتان , جفناها طبيعيان وجميلان , أنفها صغير , وشفتاها ممتلئتان وتضجان بالرغبة , ولكنها أقصر منها بما لا يقل عن عشرة سنتيمترات تمتمت رينيه بحماسة مصطنعة أنها مسرورة بلقاء زوجة زاكاري , عند ذلك , أقترب زاكاري مع أنه وعرّف السيدتين , لاحظ نظرات أليزا الباردة أتجاه والدته , كما لاحظت هي أن الأمر تنظر اليها بأهتمام.... ولكن بجفاف, كان أنطباعها الأول أن أمه أصيبت بخيبة أمل.
" كنت أتطلع قدما للتعرّف أليك , يا سيدة ستيوارت".
تمكنت أليزا أن تقول هذه الجملة بتهذيب وتأدب , وأدركت أن مايكل لاحظ تبادل النظرات العدائية بين قريبته ورينيه , وأنه وجد ذلك أمرا مسليا , أنتبهت أليزا أيضا أنه يتلهّف لأيجاد مقعد قرب رينيه , ضحكت السيدة ستيوارت بشكل أزعج أليزا , عندما قالت لها ردا على كلمتها المهذبة:
" وأنا أيضا كنت أتشوّق لمقابلة الفتاة التي تمكّنت من أختطاف أبني دون سابق أنذار , كان يعرف طبعا أنني أريد حفلة زواج ضخمة , ولكنك تعرفين كيف ينظر الرجال الى مثل هذه الأمور , أنهم يتوقون دائما لتجنبها أو الأنتهاء منها بسرعة".
ثم تطلعت نحو أبنها وقالت له:
" زاكاري , أعطني كوبا من العصير ثم أذهب للتحدث مع لويس عن شؤون المعمل .... كما تفعل دائما".
هز زاكاري رأسه كولد مطيع وتوجّه لأحضار أبريق من أنتاجه الجديد , الذي يفخر به كثيرا , لاحظت أليزا بأهتمام كبير حب السيطرة والتسلط الذي أورثته السيدة ستيوارت لأبنها , وبخاصة عندما أصرّت عليها أن تجلس قربها وتتحدث معها , عاد زاكاري ومعه الأبريق والكوب , أنتظر حتى شربت أمه جرعة وأثنت على جودة الأنتاج , ثم ذهب ليجلس قرب لويس وبول , أنتبهت أليزا بسرعة الى أن رينيه جلست على حافة مقعد والدها , كي تكون قريبة من زاكاري , نظرت اليه بعينين باردتين , فأبتسم بدهاء , وبدأ يتحدث مع لويس , وفي أثناء ذلك , كان مايكل يحاول عبثا جذب أنتباه رينيه , وفجأة , قطعت السيدة ستيوارت حبل الصمت وسألتها بهدوء:
" فهمت أن لديك أبنة , أليس كذلك".
" أبنة ؟ لا , يا سيدة ستيوارت , أنها أختي الصغرى كريستين , التي تعيش معنا , والدانا متوفيان".
تظاهرت السيدة بأنها توجه اليها بأبتسامة رقيقة وحلوة , وقالت:
" أوه , أنه مر مؤسف بالنسبة لزكاري ... وبالنسبة اليك أنت أيضا , يا عزيزتي , كنت أعني أن من المؤسف لكما أن تباشرا على الفور تحمل مسؤوليات عائلية".
ردت عليها أليزا بلهجة أكثر حدة مما كانت تعتزم:
" لدلى كريستين الكثير من المال في أحد المصارف , وبالتالي فأنها لا تشكل أي عبء مالي بالنسبة الينا".
" ومن له حق التصرف بهذا المال قبل أن تبلغ الصغيرة السن القانونية؟".
أجابتها أليزا ببرودة قاسية:
" أنا , يا سيدة ستيوارت".
" عظيم , هل تعرفين أن بعض المحامين ومديري المصارف يكونون أحيانا دون شفقة أو رحمة بالنسبة الى أحتياجات الأطفال؟".
كانت أم زاكاري تبتسم بشكل أثار حفيظة أليزا ,وجعلها تطبق فمها كيلا توجه اليها كلاما قاسيا ولاذعا , وعادت الوالدة الى الكلام:
" أصبت بصدمة قوية عندما أتصل بي زاكاري وأبلغني أنه تزوج , ولكنني الآن , بعد أن شاهدتك وتعرفت أليك , فهمت سبب أنجذابه اليك بهذه السرعة , أنك جميلة جدا".
ردت عليها أليزا بكلمات كادت أن تغصّ بها:
" شكرا , أنه لأطراء رائع عندما يصدر عن الحماة".
" أنت لست من النوع الذي كنت أتوقعه من زاكاري , كنت أتخيّله دائما يختار فتاة ذات شعر أسود وعينين سوداوين مثله , ومع أن تشابه الألوان يناسبه الى جرجة كبيرة , ألا أنني كنت أظن دائما أن تشابه الألوان يعطي الزوجين بهاء ورونقا , فمثلا , أنت وبول تناسبان بعضكما جيدا....".
جذب الصوت المرتفع نسبيا أنتباه زاكاري , فنظر بسرعة نحو أليزا التي بدأت تمل من هذه الأحاديث السخيفة ,ولكن حماتها كانت , على ما يبدو , مصممة على مواصلة الحديث , أبتسمت لها بطريقة توحي بأنها تمحضها ثقتها , وقالت:
" يجب أن أعترف لك بأن آل غوتيار وأنا كنا نشعر بأن زاكاري ورينيه سوف يتزودان , هل تعرفين أنه زواج مثالي! لديهم بساتين مجاورة لبساتيننا , كما أن أسم غوتيار معروف ويخظى بأحترام واسع النطاق في جمبع أنحاء كاليفورنيا , المسكين لويس طاعن في السن , وليس لديه من يرثه سوى رينيه , كان زاكاري ورينيه يبدوان معجبين ببعضهما الى درجة كبيرة , وشعرنا بأن الزواج هو الخطوة الصحيحة بالنسبة اليهما , كان زواجهما سيسعدنا كثيرا .... ولكن ذلك كان قبل مجيئك أنت , أيتها العزيزة".
تساءلت أليزا ضمنا عما سيكون عليه رد فعل السيدة ستيوارت فيما لو علمت أن أبنها ورينيه لا يزالان معجبين كثيرا ببعضهما , وماذا ستقول هذه السيدة المتعجرفة لو أكتشفت بأن زاكاري تزوج أليزا لأجل المال ؟ ربما لن تتأثر السيدة ستيوارت بهذا الأمر على الأطلاق , لأن الذي يهمها هو المركز الأجتماعي وليس المال , وقررت أليزا أن ترد على ملاحظتها الواضحة بأنها كانت تفضل زوجة أخرى لأبنها , فقالت:
" أعتقد أنني أسعدت زاكاري الى حد كبير خلال هذه الفترة القصيرة لزواجنا".
وضعت السيدة يدها بحنان مصطنع على يد أليزا , وقالت :
" أنا متأكدة من ذلك , ولكنني أتمنى لو أنني ألتقيتك قبل الآن , ألا أن أبني أصر على أن تمضيا بعض الوقت بمفردك قبل أن تتعرفي على أمه المستبدة الظالمة".
ضحكت مرة أخرى بالطريقة ذاتها التي تثير أعصاب أليزا , فما كان منها ألا أن أخرجت سيجارة وأشعلتها بشيء من العصبية , لمعت الياقوتة الكبيرة والماسات المحيطة بها على ضوء القداحة , فقالت السيدة ستيوارت بدهشة:
" أوه , هل هذا هو هو خاتمك! يبدو أن لأبني ذوقا رفيعا للغاية!".
" دعيني أراه!".
وقفت رينيه وأتجهت نحو أليزا والسيدة ستيوارت , أمسكت بدها الناعمة والرقيقة بأصابع أليزا , ورفعتها نحو وجهها كي تلقي نظرة فاحصة على الخاتم , شهقت بصوت عال , ثم وجّهت نظرة خاطفة الى زاكاري وقالت:
" يا قوتة! أوه , أنها الأحجار الكريمة المفضّلة لديّ!".
أحست أليزا بغضب عارم ورغبة جامحة في نزع الخاتم من أصبعها ورميه في وجه الفتاة الأخرى , ولكنها أبتسمت بدهاء وشكرت رينيه بتهذيب , فيما كانت عيناها تتفحصان ملامح زاكاري وتعابير وجهه.
" أنه لأمر مستغرب أن يختار زاكاري ياقونة لخاتم خطوبتك , فاللون الأحمر لا يناسبك أبدا , أتصور أن الحجر الأزرق يتمشى أكثر مع لون عينيك وبشرتك".
" أخطأ كثيرون قبلك , يا آنسة , فيما يتعلق بالأمور التي تناسبني , ولكنهم تراجعوا جميعا في أوقات لاحقة عن تقديراتهم الخاطئة وأعترفوا بذلك".
لم تحاول أليزا أبدا أن تخفي الخبث والسخرية في صوتها , وفي نظراتها الفولاذية الباردة التي وجّهتها الى رينيه ,وقررت في تلك اللحظة أن تواجه رينيه بكل ما لديها من قوة وعنف , فيما لو حاولت الأخرى محاربتها أو التصدّي لها , ولكن زاكاري تدخل مناديا أمه وأليزا قائلا لهما أن العشاء جاهز , قدّم ذراعا لكل منهما وأبتسم , لأليزا بطريقة بدت للآخرين أنها عنوان المحبة والحنان , ولكن أليزا فهمت التحذير الكامن في تلك الأبتسامة.
منتديات ليلاس
تصدّر زاكاري الطاولة وجلست أليزا في الطرف المقابل , وسرّت كثيرا عندما شاهدت أمه تجلس الى يساره , لن تتحمّل منها بعد الآن هذه الهجمات القاسية التي تغلفها بكلمات ناعمة ورقيقة , ولكن..... لماذا تشعر بالغضب بسبب جلوس رينيه الى يمينه ؟ أنها تداعبه بنظرات حالمة لا تخفى على أحدّ مسكين مايكل! أنه يجلس الى يمين رينيه , ويحاول منافسة زاكاري على الصدارة من حيث أهتمام رينية وأنتباهها,وقررت أليزا على الفور أن تتجاهل زاكاري وصديقته , وتلهي نفسها بالتحدث مع لويس غوتيار أنسانة لطيفة المعشر الى درجة فائقة , مما ساعد أليزا على التخفيف من غضبها وحدة توترها , وكان بول يجلس بين السيدتين المسنتين , ويتحدّث معهما بأسلوبه الساحر المعتاد.
بدأ الجميع يتناولون طعام العشاء , وبدأت أليزا تمارس تجنبها المتعمّد لنظرات زاكاري , ولكنها لم تتمكن من سد أذنيها عن سماع صوته الخافت والموسيقي وهو يتحدث الى رينيه , لم تكن في صوته أي سخرية , ولم تحمل نبرته أيّ سخرية , ولم تحمل نبرته أي خبث أو دهاء , كان لطيفا وساحرا وبادي الأهتمام ...... بعكس تصرفاته معها, التي تتسم بالأحتقار والأستهزاء.
عندما أحضرت وجبة الطعام الرئيسية سكب زاكاري للجميع من قناني الأنتاج الجديد , رفع لويس كوبه نحو الضوء وتفحصه جيدا , ثم شمّه وتذوقه بهدوؤ وتمعن , هز رأسه بأرتياح ظاهر , وقال لزاكاري:
" لذيذ , متقن.... نعم , أنه جيد".
ثم ألتفت الى أليزا وسألها:
" كيف تجدينه أنت , يا سيدة ستيوارت؟".
" أنه طيّب المذاق , ولكنني لست خبيرة في هذا المجال".
" آه , ولكنك ستتعلمين , سوف يتولى زاكاري هذه المهمة , هل يجولت في بساتين البرتقال ؟ والمعمل؟".
هت رأسها نفيا , فنظر الى زكاري مؤنبا وقال :
" سيحين موعد القطاف قريبا , وبالتالي فلن تتمكن من مرافقتها في مثل هذه الجولات التفقدية".
وجّه لها زاكاري أبتسامة خبيثة , قبل أن يجيب لويس قائلا:
" عندما نكون معا , تكون أفكارنا منهمكة بأمور أخرى غير البرتقال وعصيره".
ضحك لويس وقال:
" يبدو أن أفكار مزارعنا الجديد تتركز على عروسه ذات الشعر الأشقر , وليس على ليمونه وبرتقاله الأخضر والأصفر".
ثم تطلّع نحو أليزا ثانية وقال لها باسما:
" يحسن بك أن تتعلمي كل شيء عن الليمون والبرتقال وأنواع العصير الذي تستخرج منهما , وذلك لكي تعرفي كيف يمضي زوجك وقته , يجب أن تعرفي بعض الأمور عن تاريخ هذه المنطقة وتقاليدها , حضر أبي الى هنا مع أبيه في عام 1891 , وأحضروا معهما غرسات وأغصانا من الليمون والبرتقال وطعّما بها الأشجار الموجودة هنا , كانت التربة غنية والطقس رائعا , ولكن كان عليهما أن يحميا أشجارهما من الأمراض والحشرات الضارّة , أنتجا أنواعا مختلفة وجيدة من العصير , ولكنهما لم يكتفيا بذلك , فعندما بلعت الخامسة والعشرين من عمري , أرسلني والدي الى فرنسا... حيث أمضيت في بساتين أبن عمي ومعامله خمس سنوات بكاملها , كي أتعلّم كافة الأساليب المطلوبة وأصبح مزارعا جيدا ومتمرسا , وهناك ألتقيت أيستل الحبيبة!".
نظر الى زوجته بمحبة وحنان , ثم مضى الى القول:
" توفي جدي وأبي منذ زمن بعيد , ولكن البساتين لا تزال موجودة , بدأنا بمئة ألف متر مربع ,وأصبح لدينا الآن كيلومتران مربعان , كنت سأشتري هذه البساتين , ولكنني أصبحت رجلا مسنا ولم تجد لي أبنتي بعد صهرا جيدا يمكنني الأعتماد عليه".
ضحكت رينيه وقالت لوالدها , بعد أن نظرت الى زاكاري بخبث واضح:
" من تبقّى لي الآن , يا أبي , بعد أن أختطف زاكاري من بين يديّ؟".
توترت أعصاب أليزا عندما شاهدت نظرات زوجها الثاقبة تتأملها بتمعن وهدوء بالغين , هز لويس رأسه وقال:
" تمنيت كثيرا لو أن لديّ أبنا مثل زاكاري".
ثم نظر اليه , ومضى الى القول:
" أنت رجل قويّ وطموح , وستصبح لديك يوما بأذن الله أجمل البساتين وأروعها , لن تضطر بعد سنوات قليلة الى بيع أي من أنتاجك الى معامل التعبئة الأخرى , لأنك ستصبح قادرا على تعبئة أنتاجك كله في معاملك الخاصة".
" لن أبيع هذه السنة ألا القليل , أشتريت آلات تعبئة حديثة وصلت في الأسبوع الماضي".
ظهر سرور حقيقي على وجه لويس لدى سماعه النبأ , وسأله بلهفة:
" من أي نوع هي , وكيف شكلها؟".
شرح له زاكاري المعلومات المطلوبة بأيجاز فقال الرجل المسن باسما:
" يجب أن تريني أياها بعد العشاء مباشرة".
رد له زاكاري الأبتسامة بالمثل , ثم حوّل نظراته الى زوجته , عرفت أخيرا أين وكيف أنفق المال الذي أعطته له , كانت تتوق لمعرفة ذلك منذ اليوم الأول لوصولها الى هذا البيت الجميل , ومشاهدتها أثاثه الفخم الرائع , بدا الأرتياح على وجهها , فتطلّع اليها بعينين ساخرتين من تشككها وأنعدام ثقتها به , تجنبت نظراته بتحويل أنتباهها الى سالسيدة غوتيار , السيدة الطيبة الهادئة التي لا تتحدث كثيرا.
أقترب منها مايكل بعد العشاء وراح يحدثها بسخرية لاذعة عن الخاتم الثمين الذي أبتاعه لها زاكاري..... من مالها , قال لها ضاحكا:
" أنك تحاولين جاهدة أن تظهري هذا الزواج المهزلة بأنه حقيقي , أؤكد لك , يا عزيزتي , أن هذا الخاتم لن يبعد رينيه أطلاقا , أنها شابة مغرية .... وتريد زاكاري لنفسها".
ردت عليه بلهجة قوية وبادية الأنزعاج:
" أنت تعرف جيدا أن هذا الزواج لم يكن أبدا نتيجة حي أو هيام".
" ومع ذلك , كان الأستياء واضحا على وجهك وعينيك من طريقة تبادلهما الأحاديث أثناء العشاء".
أجابته بسخرية مماثلة , وهي تحاول أبقاء صوتها منخفضا الى أدنى درجة ممكنة:
" وأنت أيضا , أيها العزيز , أليست المنافسة قوية جدا , بالنسبة اليك؟".
" ربما , يا قريبتي العزيزة , ربما!".
أبتسم لها بأستهزاء , ثم سار نحو رينيه , تبادل الرجال بعض الأحاديث الودية مع السيدات , قبل أن يعتذر زاكاري ويصحب لويس وبوب ومايكل الى المعمل ,وبمجرد ذاهبهم , سيطرت السيدة ستيوارت ورينيه على مجرى الأحاديث بحيث أنهما أزعجتا أليزا الى درجة لا تطاق , جلست صامتة قرب السيدة غوتيار , مستغربة كيف أن هذه السيدة قادرة على تحمل تجاهلها الواضح من قبل أبنتها وصديقتها , ولكن أهتمام أيستيب غوتيار كان مركزا على رينيه , وكأنه تعجب من الفارق الكبير بين شخصيتيهما.
وجدت أليزا نفسها تنظر بين الحين والآخر الى الساعة , وتتمنى أنتهاء هذه الحفلة المزعجة بأسرع وقت ممكن , وأستغربت عندما تبيّن لها أنها تتمنى عودة زاكاري كي يملأ الجو بنشاطه وحيويته..... ويخرس هاتين السيدتين الممثلتين , ولكنه لم يعد , ولم تتوقف الثرثارتان عن الحديث المزعج! وعندما لاحظت أنها بدأت تغرز أظافرها في راحة يدها , قررت أنه لم يعد بأمكانها تحمل المزيد , أعتذرت بلباقة وتوجهت الى غرفتها.
تخلّت عن برودتها المصطنعة وهي تحدّق غاضبة في المرآة , أحمرّت وجنتاها حنقا وغيظا لأن زاكاري قرر أقامة هذه الحفلة , لا شك في أنه يعرف أمه وتصرفاتها الثقيلة , ومن المؤكد أنه أحضر رينيه دون سابق أنذار للأمعان في أذلال زوجته , نظرت الى زجاجة العطر الثمين والنادر , فأكتشفت فجأة أنها تكره هذا العطر.... لأن رينيه تستخدمه ! أخذت الزجاجة وأفرغت محتوياتها في الحمام بعصبية بالغة , عبق الجو بتلك الرائحة القوية , فضحكت أليزا لأنها على الأرجح أول شخص يستخدك أغلى العطور في العالم على هذا الشكل , وتساءلت بعد عودتها الى الغرفة عن الوقت الذي يمكنها أن تمضيه بعيدا عن الضيوف , دون أن يعتبر ذلك خرقا فاضحا لأبسط قواعد الضيافة وأصولها ! لو لم يكن في أصرارها على البقاء أي أعتراف بالهزيمة للسيدة ستيوارت ورينيه على حد سواء , لما كانت ستعود الى القاعة أطلاقا , لن تسمح لها عزّة نفسها الأقرار بأنتصارهما عليها , أضافت لمسة من أحمر الشفاه وتذكّرت أن مايكل كان يقول لها دائما أنها تطلي نفسها بطلاء الحرب! يا لصحة هذا الكلام في مثل هذه الحال! أنها فعلا الحرب!

" أوه , هذا ما تفعلينه أذن!".
أستدارت أليزا بسرعة , لتشاهد رينيه واقفة في باب غرفتها وتعلو وجهها أبتسامة لعينة , دخلت الضيفة دون أستئذان , وتابعت حديثها بتحد ظاهر:
" قررت أن أهتم قليلا بوجهي وعينيّ وشعري , قبل أن يعود الرجال".
أخفت أليزا أستغرابها بسرعة ثم أبتسمت ببرودة ترحيبا برينيه وتمتمت قائلة:
" أشك كثيرا في أن الرجال سيلاحظون أيّ تغييرات نقوم بها".
" أنت مخطئة , فزاكاري سيلاحظ , أنه دائما هكذا".
أغاظتها تلك اللهجة الدافئة التي ظهرت جليا في صوت رينيه , فسارعت الى القول:
" حقا؟ يمكنك أذن أن تخبريني المزيد عن هذه الأمور الصغيرة التي لا أعرفها عنه".
كانت تأمل أن يصيب سهم جبثها وسخريتها هدفه , وقد حصل لها ما كانت ترجوه , نظرت اليها رينيه بعنف , وكأن المعركة الحقيقية بدأت بينهما , وقالت:
" نعم , يا عزيزتي , يمكنني ذلك , فثمة علاقة وطيدة وحميمة الى أبعد درجة تربط بيننا منذ زمن طويل , وكما كان يقول مرارا , أننا من طبيعة واحدة وطينة واحدة".
ردت عليها أليزا بقساوة قائلة:
" وهذا هو , على الأرجح , سبب ملله منك والأبتعاد عنك".
أصفر وجه رينيه قليلا , قبل أن تتصاعد الدماء الى وجنتيها , وسألتها بهدوء قاتل:
" هل هذه غرفتك؟".
هزت أليزا رأسها أيجابا , وهي تظن أن رينيه تحاول تغيير الموضوع ألا أنها أخطأت في تقديراتها , أذ سمعتها تقول لها بلهجة جارحة حاقدة:
" يا للغرابة! كنت أتوقعك في غرفة النوم الرئيسية , قريبة من زاكاري , لماذا تنامان في غرفتين بعيدتين ؟ هل ضجر منك بمثل هذه السرعة؟".
سمعت الشابتان صوتا يقول:
" يمكنني أنا أن أجيب على هذا السؤال ".
ألتفتت أليزا بسرعة نحو الاب , وقالت بدهشة:
" كريستين ! ماذا تفعلين هنا؟".
" أحببت أن ألقي نظرة على الساهرين وأجواء حفلتهم , وقالت لي السيدة ذات الشعر الأسود والفستان الأزرق أنك هنا".
أكتفت كريستين بهذا القدر من الأجابة لأختها , وتحولت نحو رينيه قائلة:
" أنا أعرف لماذا لا ينامان في الغرفة ذاتها".
تدخلت أليزا بسرعة وقالت:
" كريستين! يجب ألا تتحدثي عن أمور كهذه!".
تحدثت كريستين بلهجة قوية وحازمة , قائلة:
" سألت زاكاري صباح أحد الأيام عن سبب أختياركما غرفتين منفصلتين متباعدتين , بعكس أمي وأبي اللذين كانا ينامان معا في غرفة واحدة".
ثم أبتسمت بخبث بريء وأضافت:
" هل تعرفان ماذا أجابني ؟ قال لي أن أليزا تشخر بصوت عال جدا يحرمه من النوم!".
شاهدت أليزا نظرة الزهو والأنتصار في عيني رينيه , قبل أن تمسك بكتفي أختها لأخراجها من الغرفة , سألتها كريستين ببساطة وبراءة:
" هل يمكنني أن أنام معك مرة , يا أليزا , كي أسمعك تشخرين؟".
أجابتها أليزا بلهجة حادة الى حد ما:
" لا , أذهبي الآن الى غرفتك وأستعدي للنوم".
ضحكت رينيه بعد خروج كريستين , وقالت:
" يبدو أنني لم أكن الشخص الوحيد الذي لاحظ ترتيبات النوم المستغربة , هذه , أنها فعلا غريبة بالنسبة الى عروسين يفترض أنهما يمضيان ....... شهر العسل".
" أنها مسألة خاصة بيننا , يا آنسة".
أبعدت وجهها عنها , لأنها لم تعد قادرة على صد هذا الهجوم العنيف , ولكن رينيه لم تدعها وشأنها , بل ضحكت وسألتها بسخرية:
" هل تتوقعين أن تكوني قادرة على الأحتفاظ به , عندما يكون بعيدا عنك على هذا الشكل؟ لربما أستخدمت معه هذا الأسلوب كي تحمليه على الزواج منك , ولكن عليك أن تلتصقي به وتقدمي له نفسك ,أيتها العزيزة , وألا فأنك ستفقدينه".
أخرجت أليزا سيجارة من علبتها , وهي تأمل ألا ترتجف يدها وتكشف البعد الذي وصلت اليه مضايقة رينيه لها , وقالت بهدوء :
" وأنت ستكونين جاهزة لأصطياده , أليس كذلك؟".
حركت رينيه رأسها بكبرياء , وقالت بلهجة الواثق من نفسه:
" يمكنك أن تراهني على ذلك! أنه رجل قوي ونشيط وعاطفي , وأنا أعرف كيف أرضيه وأسعده , لاحظت بلا شك الطريقة التي نظر بها اليّ اليوم , تأكدي بأنه يتذكر الكثير مما جر بيننا , وأعدك بأنني سأذكّره بالمزيد".
سألتها أليزا ببرودة أعصاب مزعجة:
" أليس من الخطر عليك أن تكشفي خططك على هذا الشكل أمام العدو؟".
ضحكت رينيه بأستهزاء وقالت:
" لا خطر أطلاقا معك , أيتها العزيزة , أنك جميلة جدا , ولكنك جامدة وباردة كتمثال من المرمر , قد تكون لديك المواصفات المطلوبة للأحتفاظ به ,ولكنك بالتأكيد لا تعرفين أستخدامها".
" قد لا أعرف كيف أرقص وأهز خصري بأثارة وأغراء أمام الرجل , أو كيف أشبع غروره بنفسه وأتمي بخنوع أمامه ولكنني لن أتحمّل مغازلتك له أمامي , أذا كنت تظنين ولو لدقيقة واحدة بأنني سأسمح لك بأختطاف زوجي مني دون أي مقاومة , فأنت مخطئة الى درجة كبيرة!".

لم تغضب أليزا مرة في حياتها مثل الآن , فتحت رينيه فمها لتقول شيئا , فسارعت الى أخراسها بالقول:
" لن تكون هناك بعد الآن أجتماعات سرّية أخرى أو مكالمات هاتفية حميمة ! لن أسمح لك أبدا بعد الآن بدخول هذا البيت , أيتها.......".
" أليزا !".
سمعت صوت زاكاري القوي وراءها , فأستدارت نحوه رغما عنها , خفّ غضبها قليلا عندما نظرت اليه , وألى عينيه اللتين كانتا تشعان ببريق خاطف , ثم نظر الى رينيه , فأحست بأن الرقة والنعومة في نظراته حلّتا محل الجمرتين المتقدتين , تطلعت نحو رينيه , فذهلت عندما شاهدت دمعتين تتدحرجان على خدّيها , أدركت أليزا أنها أخطأت في تصوّرها بأن رينيه ممثلة رديئة , قال زاكاري للشابة السمراء بهدوء مخيف:
" أعذرينا , يا رينيه , أريد أن نكون على أنفراد لبعض الوقت ".
ردت هامسة:
" أنا آسفة , يا زاكاري , لم أتصوّر أبدا بأن أمرا كهذا سيحصل".
عاد غضب أليزا الى ذروته , فيما كانت تراقب رينيه وهي تغادر الغرفة ,خرجت رينيه وأغلقت الباب وراءها , فتطلع زاكاري نحو زوجته وقال لها بهدوء:
" أنت مصابة بصداع يا أليزا".
أذهلتها هذه الجملة الغريبة , فسألته بأستغراب:
" ماذا تعني؟".
أرتفع صوته قليلا , وهو يقول لها بلهجة قوية وحازمة:
" أنت لست على ما يرام , ويتحتم عليك بالتالي أن تلازمي غرفتك".
أصطدمت نظراتهما القاسية ببعضهما كالبرق , وقالت له بعصبية بالغة:
"أنك على حق الى حد ما , فأنا مصابة بصداع قوي جدا! مصابة بصداع ناجم عن أضطراري لعدم الرد على ملاحظات أمك العدائية والقاسية , ولسماعي التمنيات بزواجك من رينيه , وللأجابة على أسئلة صديقتك السمراء عن عادات نومنا وأسباب أختيارنا غرفتين متباعدتين !".
ثم صرخت بصوت عال , قائلة:
" نعم أنا مريضة , وأشعر بالغثيان من كل ما يجري حولي!".
" أعرف تماما أن بأمكان أمي أن تغيظك جدا , ولكن لم يكن ثمة داع أبدا لدعوة رينيه الى غرفتك , أنت تسببت في أي كلام قالته لك".
" أنا لم أطلب منها أن تصعد الى هنا! أقتحمت غرفتي دون أستئذان , وتصرفت معي كأنها سيدة البيت.... وسيدة صاحبه أيضا!".
" لا أسمح لك بالتحدث عنها على هذا الشكل".
" لا تسمح لي بذلك ! أوه , يا للفروسية والشهامة! تدافع عن عشيقتك وليس عن زوجتك! وماذا عني أنا؟ ألم تلاحظ كيف حاولت أذلالي أمامها! هل كان من المفترض بي أن أقف خانعة فيما أنت تطلب منها مغادرة الغرفة , كي تؤدبني على أنفراد لأنني قلت الحقيقة؟".
" تصوّت أنك ستحاولين هذا اليوم على الأقل أن تكوني مهذّبة وتتصرفي بلياقة مع ضيوفي , أنت تعرفين أن ثمة صداقة قوية جدا تربط بين عائلتي غوتيار وستيوارت منذ زمن بعيد , وأتوقع منك أن تعاملي كافة أفراد العائلة بأحترام".
" وكيف يفترض برينيه أن تعاملني أنا؟ أم لا قواعد معينة للطريقة التي يفترض بالعشيقات أتّباعها ".
توترت عضلات وجهه بشدة وتطاير الشرر من عينيه , قبل أن يقول لها:
" أريدك أن تبقي هنا في هذه الغرفة فيما أذهب الى ضيوفنا وأبلغهم بأنك مريضة".
" لن أبقى هنا وأقرّ بالهزيمة لتلك الساقطة الصغيرة!".
هجم عليها بسرعة وأمسك بكتفيها , ثم راح يهزّهما بعنف وهو يقول لها:
" وأنا لن أتحمّل وقاحتك وأهاناتك , تطلبين أحترامك كزوجة , وترفضين بالتالي القيام بواجبات الزوجة , ولكنني قادر على تغيير ذلك , يا عزيزتي!".
ضمّها بقوة تالى صدره.
حدّقت به أليزا , حاولت جاهدة التخلص منه , ولكنه أمسك بشعرها ولوى رأسها بقسوة جعلتها تفقد القدرة على الحركة , عانقها بوحشية لا تعرف الشفقة أو الرحمة , وعندما أحست بأنها تكاد تختنق ......... تركها , وأبعدها عنه , رفعت يدها الى شفتيها المتورنتين والمتشققتين لتمسح عنهما آثار الأذلال والأحتقار.
أخرج منديله ومسح فمه بدوره من أحمر الشفاه , ثم قال متمتما بصوت أجش:
" أبقي هنا وألا علّمتك بعض الواجبات الزوجية الأخرى!".
أمسكت أليزا قنينة العطر الفارغة ورمتها عليه بكل قوتها , كان يغلق الباب وراءه في تلك اللحظة , فأرتطمت بالباب كقنبلة وتحطمت شر تحطيم.

 
 

 

عرض البوم صور نيو فراولة   رد مع اقتباس
قديم 09-06-11, 09:31 PM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو مميز
القلم الذهبي الثالث
روح زهرات الترجمة


البيانات
التسجيل: Feb 2010
العضوية: 155882
المشاركات: 14,421
الجنس أنثى
معدل التقييم: katia.q عضو مشهور للجميعkatia.q عضو مشهور للجميعkatia.q عضو مشهور للجميعkatia.q عضو مشهور للجميعkatia.q عضو مشهور للجميعkatia.q عضو مشهور للجميعkatia.q عضو مشهور للجميعkatia.q عضو مشهور للجميعkatia.q عضو مشهور للجميعkatia.q عضو مشهور للجميعkatia.q عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 16186

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
katia.q غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : نيو فراولة المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

تسلم الأيادي
تعيشي وتجيبي

 
 

 

عرض البوم صور katia.q   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لعبة الحظ, اريد زوجا, fire and ice, دار النحاس, جانيت ديلي, janet dailey, روايات, روايات مترجمة, روايات مكتوبة, روايات رومانسية, روايات عبير القديمة, رويات عبير, عبير, قلوب عبير
facebook



جديد مواضيع قسم روايات عبير المكتوبة
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t162558.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
102 - ظ„ط¹ط¨ط© ط§ظ„ط­ط¸ - ط¬ط§ظ†ظٹطھ ط¯ظٹظ„ظٹ - ط±ظˆط§ظٹط§طھ ط¹ط¨ظٹط± … - ط³ظ†ط¯ظٹط§ظ† ط£ط´ط¹ط± This thread Refback 16-03-16 01:40 PM
ظƒط±ظٹط³طھظٹظ† ط³ط¹ط§ط¯ط© This thread Refback 20-08-14 11:31 AM
ظƒط±ظٹط³طھظٹظ† ط³ط¹ط§ط¯ط© This thread Refback 06-08-14 01:09 PM


الساعة الآن 11:46 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية