لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات عبير > روايات عبير المكتوبة
التسجيل مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات عبير المكتوبة روايات عبير المكتوبة


160 - لولا هيامي - كارين فان درزي - عبير القديمة ( كاملة )

160- لولا هيامي- كارين فان درزي - روايات عبير القديمة الملخص لا تعرف النفس اين تولد وتعيش وتجد السعادة.جاكلين ولدت وترعرت في غانا ودرست وتخرجت من امريكا ,وظل وهج افريقيا

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (3) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-05-10, 03:50 PM   3 links from elsewhere to this Post. Click to view. المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2010
العضوية: 156978
المشاركات: 676
الجنس أنثى
معدل التقييم: سفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 575

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سفيرة الاحزان غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : روايات عبير المكتوبة
Thanks 160 - لولا هيامي - كارين فان درزي - عبير القديمة ( كاملة )

 



160- لولا هيامي- كارين فان درزي - روايات عبير القديمة
الملخص
لا تعرف النفس اين تولد وتعيش وتجد السعادة.جاكلين ولدت وترعرت في غانا ودرست وتخرجت من امريكا ,وظل وهج افريقيا يناديها للعودة......
عادت الى ارض الطفولة مسلحة بالمعرفة والخبرة, ولكن صدمتها كبيرة حين قابلت رئيسها في العمل الذي رفض كونها انثى وكان قاسيا معها ....فاذلها وابدى عدم اعجابه بمؤهلاتها ....لماذا ؟سالت جاكلين نفسها ما سبب هذه الكراهية, وهذه الحرب ؟نشب بينهما عداء لا يقاوم... ولكنها لن تعترض لعله يكتشف كفاءتها بنفسه .اخيرا عرفت بان قلب ماتيو مجروح......
.ديانا الجميلة رفضته وهجرته ،حاولت جاكلين التقرب من ماتيو ففشلت... وعندما قررت الابتعاد فشلت ايضا فقلبها رفض تنفيذ الاوامر!
منتديات ليلاس



الراوايه منقوله

 
 

 

عرض البوم صور سفيرة الاحزان   رد مع اقتباس

قديم 09-05-10, 03:57 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2010
العضوية: 156978
المشاركات: 676
الجنس أنثى
معدل التقييم: سفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 575

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سفيرة الاحزان غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سفيرة الاحزان المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 



1- لا وقت لدي
1- ي
أنهمكت جاكلين كثيرا بتهية حاجاتها خلال الأسابيع التي سبقت سفرها الى أفريقيا الغربية , فبدت كلعبة أوتوماتيكية تدور بجنون وأضطراب وسط دوامة من نشاط متزايد , فلا بد لها من الحصول على تأشيرة الدخول اللازمة , وأجراء التلقيحات وشراء ما يلزم , وحزم الحقائب , وتوديع الأصدقاء.
أستقرت جاكلين في الطائرة ,وما من شيء أمامها ألا أن تأكل وتشرب وتنام , وفجأة أعتراها قلق غامض , مما لا شك فيه أنها أرادت العودة الى غانا ولكن ترى هل ستصمد أمام تحديات عملها الجديد؟ وهل أدركت تماما ما تزج نفسها به , فالعيش في بلد غريب بمفردها لكسب قوت يومها , يختلف تماما عن العيش فيه مع والديها.
وقّعت جاكلين عقد عمل لمدة سنتين , ولكنها لم تقابل بعد الرجل الذي ستعمل معه , نظرت من نافذة الطائرة المحلقة بمحاذاة الساحل الأفريقي الغربي, فرأت غابة أستوائية خضراء , كانت الشمس تجنح للمغيب مشبعة الدنيا بتألقها الذهبي , ومتيحة للظلام أن يحل مكانها خلال دقائق , لم تستطع جاكلين أن تطرد أفكارها المزعجة وقلقها , ترى هل بلغت ثقتها بنفسها مرحلة الغرور عندما قبلت عملها الجديد كمساعدة أدارية في شركة الأنتاج الغذائي الدولي المحدودة؟
تدفقت في ذهنها كلمات كريستوفر جينكنز رئيس الشركة الذي قال لها أثناء المقابلة التي جرت بينهما:
" أنه عمل غير قابل للثناء , ومزعج يا آنسة دونلي أريد أن يكون الأمر واضحا تماما".
رنت هذه الكلمات في أذنيها كموجات من الفزع , فقالت لنفسها :
" لا تكوني مضحكة , فهذا النوع من العمل لا يحتاج ألا الى الثقة بالنفس , والأصرار , وبعض الخبرة , وهذا متوفر لديك".
كانت جاكلين تدرك أن مظهرها الخارجي لا يوحي بمنطلق أيجابي , ولهذا تملكها شعور طبيعي بعدم كفاءتها , كم تمنت لو أن مظهرها يتناسب مع أعوامها الثلاثة والعشرين , لكن الكثيرون يعتبرونها مجرد طالبة مدرسة سيما وأن شعرها ذهبي مجعد , وعينيها زرقاوين , وقامتها لا تتجاوز الخمسة أقدام وسنتميترين , لم يكن باليد حيلة ألا أذا قيّمها رئيسها الجديد كشخص فعال دون النظر الى هذه الصفات الشكلية.
نظر جينكنز الى جاكلين عاقدا ما بين حاجبيه نظرة أقلقتها عندما أستفسرت عن شخصية رئيسها الجديد ماتيو سيمونز وقال:
" أنه قاس يا دونلي , مجد ومنكب على العمل ,وسيتطلب منك بذل كل ذرة من أمكاناتك".
حسنا أنها قاسية أيضا , ومجدة ومحبة لعملها , فأهلا وسهلا بماتيو سيمونز هذا الذي سيتطلب منها تسخير كل أمكاناتها.
شعرت جاكلين بيد السيدة تورنر التي كانت تجلس الى جوارها , تلمس ذراعها , فنظرت الى عينيها الرماديتين الصافيتين , كانت السيدة تورنر قصيرة بدينة ومفعمة بالحنان والصداقة.
" تبدين متعبة يا عزيزتي".
" أشعر ألم في رأسي سأرى أن كان لدى المضيفة بعض الأسبرين ".
خرجت جاكلين من مكانها متخطية السيدة تورنر وزوجها الأشيب لتبحث عن المضيفة , فبدت الطائرة لها تالفة كركابها , أذ مضى على مكوثهم بداخلها عشر ساعات , تمدد معظم ركابها باسطين أقدامهم وأيديهم بلا حيوية ونشاط , أخذت جاكلين الأسبرين من المضيفة وأبتلعته مع قليل من الماء , ثم ناضلت وسط الزحام كي تعود الى مكانها , وأخذت تفكر بما يجول في ذهن السيد والسيدة تورنر.
لمعت عينا السيد تورنر البنيتان بضحكة قائلا:
" سنصل بعد وقت قصير".
كان السيد تورنر مزارعا من مينسوتا أصطحب زوجته في هذه الرحلة التي تطلبت منهما شجاعة كبيرة , كي يشاهدا حفيدتهما المولودة في أكرا وما أن علما أن جاكلين أمضت أعوامها الدراسية في أفريقيا , حتى أنهالا عليها بوابل من الأسئلة , عن الشعب؟ والطعام.. والطقس... وطرحا عليها بعض الأسئلة الشخصية فيما أذا لسعتها أفعى مثلا؟ أو هل أصيبت بالملاريا؟ وكيف وصلت الى غانا أول مرة؟ وهل كان والدها موظفا؟
" لا... لا ".
ضحكت جاكلين قائلة :
" لقد عمل والدي في شركة التنمية الدولية....".
وأخبرتهم الكثير عنها وعن عائلتها عندما سكنوا في سويسرا وتركيا وكيف كانت تفكر بالسفر عبر البحار متى نالت شهادتها , سألها السيد تورنر:
" ما طبيعة عملك في أكرا؟".
" سأعمل في شركة الأنتاج الغذائي الدولي , أنها شركة خاصة تساعد الدول في تنمية أنتاجها الغذائي".
وبما أن السيد تورنر كان مزارعا , فقد راق له الأمر كثيرا , وأنهال عليها بوابل آخر من الأسئلة التي أجابته عليها على أحسن وجه.
ساد صمت قصير بينهم , كان الظلام قد حل على المدينة , فلم تشاهد جاكلين سوى بعض الأنوار المتلألئة هنا وهناك , فتنفست الصعداء أذ كانت ترغب بالخروج من جو الطائرة الحار , والمشبع برائحة الأطعمة والحليب الفاسد , ورائحة التبغ والنايلون الدافىء.
بدا هبوط الطائرة وشيكا , وأخذ الركاب ينهضون من سباتهم مما أضفى على جو الطائ
رة نشاطا , ربطت أحزمة الأمان ,ووضعت الأشياء في حقائب اليد , كما أخذ الأطفال يصرخون بأنسجام مع بعضهم بعضا , عندما حاول أهلهم أعادتهم لمقاعدهم ليبعدوهم عن جناح الطائرة.
وبدهشة كبيرة ,وصبر نافذ حدقت جاكلين من النافذة لترى أكرا تتلألأ بأضواء مرصعة كالنجوم , أنحنت السيدة تورنر أيضا , ثم ضحكت وهزت رأسها قائلة:
" يبدو أن أكرا مدينة حقيقية , أنني أشعر بالغباء أذ لم أتصورها الا مدينة ذات أكواخ من اللبن , ومواطنات نصف عاريات , وفيلة".
ضحكت جاكلين قائلة:
" نعم هناك الكثير من الأكواخ المصنوعة من اللبن , لكنك لن تشاهدي الفيلة ألا في حديقة الحيوان".
هبطت الطائرة أخيرا ,وبدا الجميع في هرج ومرج , كل يريد أن يصارع الآخر , ليشق طريقه خارجا في اللحظة نفسها.
أنحشر السيد والسيدة تورنر في الصف , بينما جلست جاكلين في مقعدها تنظر ريثما تهدأ الأحوال , وما أن خرجت من الطائرة حتى لفح وجهها الهواء الحار الرطب , فعبست أـذ لم تكن بحاجة لحمام بخاري في تلك اللحظة.
وصلت جاكلين الى قسم الجمارك فأنتظرت دورها ,وعلى الرغم من ثيابها الملتصقة على جسمها من شدة تعرقها , وحذائها الضيق , أخذت تتساءل كيف ستتعرف على السيد ماثية سيمونز من خلال أوصافه المذكورة , رجل طويل , ثلاثة وثلاثون عاما , وعيناه عسليتان , وملايين الرجال في العالم يتمتعون بهذه الأوصاف ولكن ليس هنا في أكرا.
تمكنت جاكلين أخيرا من سحب حقيبتها الى الصالة الرئيسية , ولكنها لم تر أحدا يشبه ولو بشكل طفيف الرجل الذي تبحث عنه , لا....لا أحد , ولم تجد أيضا أي أثر للسيد والسيدة تورنر أذ أنها كانت آخر من هبط من الطائرة.
وبخوف كبير أخذت جاكلين تفكر ما عساها أن تفعل , لن تجد أحدا في المكتب , فالساعة تشير الى ما بعد التاسعة ليلا ,وليس لديها أية فكرة عن عنوان السيد سيمونز , أحتارت في أمرها وهي تفكر بغضب وتوتر , وأحتشد حولها الكثير من الشباب المراهقين يختصمون لحمل حقائبها.
أتجهت جاكلين بقلق الى مكتب الأستعلامات , فأنزعجت الفتاة النائمة على يدها ذات الشعر المستعار الطويل وقالت:
" نعم".
أجابتها جاكلين:
" أسمي جاكلين دونلي وأود أن أستفسر أن كانت لي أية رسالة".
" أية رسالة؟".
تنهدت جاكلين شارحة الأمر للفتاة :
" لقد أتيت لتوي من نيويورك ., ولم أجد أحدا بأنتظاري , فربما أجد رسالة لديك؟".
أجابتها الفتاة :
" لا شيء لدي".
وبأضطراب أبتعدت جاكلين عن المكتب , وأستقلت سيارة أجرة الى فندق الكونتيننتال القريب من المطار , كانت متعبة وحانقة ولم تهتم للتكاليف :
" فليدفعوا ما شاؤوا أذ أنهم لم يتعطفوا بأرسال أحد لأستقبالي "
في صباح اليوم التالي حاولت جاكلين الأتصال بالهاتف , ولكن عبثا فالخط معطل.
" أهلا وسهلا بك في غانا ".
قالت هذا لنفسها , ثم أسترخت على السرير .
" أين هو ماثيو سيمونز هذا الذي يدعي أنه بحاجة ماسة لمن يساعده ؟".
بحثت جاكلين بين أوراقها عن العنوان , فلم تجد ألا رقم صندوق البريد , لا بد أن تجد عنوان البيت أو المكتب , لهذا حاولت جاهدة الحصول عليه عن طريق الأستعلامات فلم تفلح.
عضت جاكلين شفتها لتسيطر على غضبها المتصاعد ,هل هذا نذير شؤم يا ترى!
أستغرق أستفسارها عن طريق السفارة الأميركية , وشركة التنمية الدولية ,ما يزيد عن الساعة , ولم تعثر على العنوان ألا بعد أن تأكدوا أنها ليست جاسوسة.
أستقلت مرغمة على أمرها سيارة أجرة سيئة من النوع الكلاسيكي , كان حشو فراشها خارجا منه , ونوافذها الجانبية لا تفتح , وسائقها يقود بجنون.
نظرت جاكلين بعينين ملؤهما الفضول الى شوارع أكرا النابضة بالحياة , فوجدت الناس هنا وهناك واقفين غير آبهين لأشعة الشمس , ولا لأصوات السيارات الصاخبة التي تصم الآذان.
تنفست جاكلين الصعداء عندما رأت البناء المؤلف من طابقين يحمل الأشارة الزرقاء , فلم يكن من الصعب العثور عليه , ساعدها السائق في حمل حقائبها الى غرفة الأنتظار , ثم تناول منها النقود بتكشيرة عريضة .


نظرت جاكلين بدهشة الى فتاة يافعة جلست وأمامها الآلة الكاتبة , كانت زينتها متقنة , وتدلت من أذنيها طارتان ذهبيتان , أبتسمت جاكلين وقالت لها:
" أريد أن أقابل السيد سيمونز من فضلك , أسمي جاكلين دونلي".
" لحظة أذا سمحت , كان صوت الفتاة رقيقا وخجولا ".
نهضت الفتاة مترنحة بزيها الغربي , وبعد لحظة عادت لتقود جاكلين الى مكتب مكيف عبر رواق حقير.
جلس ماتيو سيمونز خلف مكتبه يوقع بسرعة بعض الأوراق , أمعنت جاكلين النظر به, شعره بني مجعد حول أذنيه , يرتدي قميصا أبيض بنصف كم , وبلا ربطة عنق , رفع رأسه ووقف مصافحا ,كان طويلا جدا شامخا كالبرج أمامها , حاجباه غريبان , ولونه أسمر غامق يناسب رجلا في حقل ذرة أكثر من موظف في مكتبه.
تساءلت جاكلين عندما قبض على يدها بشدة مصافحا , هل لهذا علاقة في تحديد شخصيته؟
وسرعان ما دار في مخيلتها كلمات رئيسها:
" أنه قاس , ومجد ومنكب على العمل".
ليس في هذا من شك فها هو يبدو قاسيا فعلا , أصبح قلق جاكلين الغامض مرعبا عندما عرفته بنفسها ,ولم تلمع عيناه الداكنتان بأي بريق , بل قدم لها ببرود كرسيا وقال:
" تفضلي".
جلس الى مكتبه , ونظر اليها بلباقة وتجرد وقال:
" ماذا يسعني أن أفعل , من أجلك يا آنسة دونلي؟".
فتحت جاكلين فمها ,ثم أغلقته بدهشة , أذن أنه لا يعلم من تكون؟ ثم أجابته:
" ألا تتوقع قدومي يا سيد سيمونز؟".
قطب جبينه ونظر الى مذكرته قائلا:
" لا أنني آسف , ليس بيننا أي موعد".
" موعد!".
لا بد أن هناك خطأ ما , لقد قطعت نصف المسافة عبر العالم لتستلم عملها , ويدّعي ماتيو سيمونز بأنه لا يعلم بالأمر , كانت جاكلين تتوقع لقاء دافئا وديا على الأقل , أنقلبت تساؤلاتها الى جنون أنصب كالصخرة في معدتها , أبتلعت لعابها وقالت:
" أنني المساعد الأداري الجديد يا سيد سيمونز , فالمكتب الرئيسي في نيويورك قد وظفني منذ ثلاثة أسابيع".
أعقب كلام جاكلين صمت جليدي , ثم نظرت الى ماتيو سيمونز بقلق وقد تعاقبت على وجهه ملامح الدهشة , والتكذيب , والغضب معا , تقلصت عضلات وجهه وتطاير الشر من عينيه.
" لا لست أنت.. لا بد أن هناك خطأ ما....".
أنفجر صوته مبددا الصمت ,فشعرت جاكلين وكأنها تلقت صفعة على وجهها , ماذا يعني ؟ عما يتكلم؟ حملقت في وجهه العاصف بدون أن تفهم شيئا ... تنهدت وقالت له:
" ماذا تعني غلطة؟ ألست بحاجة الى مساعد أداري؟ لقد وظفوني وها أنذا..".
نظر اليها بحنق وقسوة وقال:
" لا أعلم أية نكتة هذه ...لم أستلم أية رسالة أو برقية تؤكد ما تقولين... ولو كان لي علم مسبق بذلك ,لما سمحت لك بالقدوم , لقد طلبت رجلا على وجه التحديد , أنني أرفض أن تستلمي هذا العمل ".
أسكتتها الصدمة , ولم تفهم معنى كلماته , أنفجر غضبها مزمجرا في أعماقها , حتى غدا وجهها ساخنا وأردفت:
" هل لي أن أذكرك يا سيد سيمونز بأننا نعيش في القرن العشرين , وأنك مغالط في تعصبك".
لم يأبه ماتيو سيمونز لكلامها وتابع:
" أحب أن أذكرك , أنك هنا لست في الولايات المتحدة , بل في أفريقيا , علي أن أتكيف مع الحقائق التي تفرضها الظروف والمكان".
" وما هي هذه الظروف يا ترى؟".
" لا أستطيع أن أخبرك بذلك , كان عليهم أن يقدروا هذه الأمور قبل توظيفك".
صمتت جاكلين غاضبة , من يعلم أفضل منه ؟ عليه أن يدرس الحقائق قبل أن يقرر , أنها واثقة من المكان والظروف ,ومتأكدة من أن هناك أشياء كثيرة لن تتحقق في مكان يتعطل فيه الهاتف عن العمل , ومن الصعب أيضا العثور على قطع تبديل السيارات عندما يحتاجها المرء , كان النظام الأداري بطيئا ومغايرا لما أعتادته في وطنها , أن المسألة هنا تكمن في أن يراعي الأنسان مزاج الآخرين دون أن يصاب بالأحباط ,ومع أن الصبر ليس من شيم جاكلين , ألا أنها تضع نفسها على المحك الآن , فقد قاومت تصرف ماتيو سيمونز وحاولت عبثا أن تجد ما تقول.... لم يكن في جعبتها شيء , مضى وقت لا بأس به وكلاهما صامتان , ثم نهض سيمونز ونادى:
" بيشنس".
سمعت جاكلين وقع خطوات مسرعة في الرواق , وما لبثت الفتاة أن ظهرت بالباب قائلة:
" نعم يا سيدي".
" أحضري لنا بعض القهوة".
جلس ثانية وهو ينظر الى جاكلين , لم يكن رجلا أنيقا , لكن وجهه يوحي بالرجولة , فكرت جاكلين بمرارة :
"أن هذا الرجل يريد أن يذلني"
" ماذا سأفعل بك الآن يا آنسة جاكلين؟".
أذهلتها نبرة صوته ألا يعلم مع من يتكلم؟ هل يظنها أحدى المراهقات العنيدات؟
" أقترح يا سيد سيمونز أن تنسى أنني أنثى , وتدعني أستلم عملي".
حاولت أن تبدو هادئة كأي رجل من رجال الأعمال , رفع ماتيو سيمونز أحد حاجبيه ,وأرتسمت على فمه أبتسامة ساخرة قائلا:
" أعتقد أنه من الصعب أن أنسى أنك أنثى لأن ذلك واضح من أول نظرة".
نظرت اليه ببرود وقالت:
" أذن أعتقد أن عليك أن تتقبل هذ الواقع المر , أنا هنا ولدي رغبة صادقة في البقاء والعمل".
" هكذا أذن؟".
قرع الباب وحضرت القهوة , فقال ماتيو سيمونز:
" آسف فليس لدينا سكر , حتى أن السكر غير متوفر في المنطقة بأجمعها هذه الأيام".
نظرت جاكين الى عينيه , هل كان يتوقع منها أن تغضب وتصرخ مزمجرة لأنها لا تستطيع أن تشرب قهوتها بلا سكر ,حسنا ستدهشه الآن.
" أعتقد أنني أستطيع أن أتحمل هذه المعاناة".
تفحصها بعينين متقدتين وقال:
" أذن تحافظين على وزنك بهذه الطريقة".
حملقت به دون أن تجيب فسألها:
" حسنا متى وصلت؟".
" الليلة الماضية ".
أحتست قليلا من القهوة الساخنة.
" آسف فلم يستقبلك أحد ما ".
وبدا جادا فيما يقول هز رأسه وتابع:
" أن قدومك مفاجأة لنا وأعجب لما حدث , كان عليهم أن يرسلوا برقية تشير الى وصولك".
رفعت جاكلين كتفها وقالت:
" قد تكون البرقية موجودة في مكتب البريد مهملة , كما يحدث في كثير من الأحيان".


نظر اليها بحدة ... ثم أمسك سماعة الهاتف وأعادها الى مكانها أذ كان الهاتف معطلا وأردف:
" لقد قطعت سيارة جمع النفايات أثناء عملها خط الهاتف ,وسيستغرق أصلاحه عدة أسابيع".
ثم فتح الباب ونادى بيشنس , وطلب منها أن يذهب سامسون الى مكتب البريد مستفسرا عن البرقية , وتابع حديثه مع جاكلين قائلا:
" ماذا فعلت عندما لم تجدي أحدا بأنتظارك؟".
" ذهبت الى فندق الكونتينتال ... أخذت حماما ونمت , وهذا الصباح تناولت فطوري وتقفيت أثرك".
نظرت اليه بتحد , ترى ماذا كان يتوقع منه؟
" هل كان عنواننا لديك؟".
" رقم صندوق البريد فقط ورقم الهاتف والآخر معطل".
" هذا صحيح".
حملق كل منهما بوجه الآخر وكأنما يقيّمان بعضهما بعضا.
ثم سألها:
" كيف عثرت على الهنوان أذن؟".
" أنهرت وبكيت حتى أتت جدتي الجنية , وأرشدتني الى الطريق".
" لما تسخرين يا آنسة دونلي؟".
أنفجرت غاضبة أذ لم تستطع كبت خيبة أملها وقالت:
" لا ... هل تريدني أن أقفز فرحا بعد أن قطعت نصف العالم لأحصل على عمل أرغب به , علمت أنك تتوق لمن يساعدك ... وأنظر كيف تتصرف... أستقبال رائع... ترحيب دافىء , وعلاوة على ذلك , فأنني لا أصلح للعمل لأنني أمرأة , يبدو أنك فوجئت لأنني أستطعت العثور عليك".
" أهدأي ... أهدأي... تعالي نحكم المنطق بيننا".
صكت جاكلين أسنانها ونظرت اليه .
" حسنا هل لدي أوراق خاصة بك؟".
" لا ... أخبرني السيد جينكنز أنه سيرسلها لك مع نتيجة المقابلة التي جرت بيننا ,وجميع أوراقي الأخرى التي أعتقد أنها لم تصلك بعد".
تنهد قائلا:
" قد يعلم الله أين أختفت هذه الأوراق".
" ستظهر عاجلا أم آجلا , هذا ما يحصل دائما".
أحتسى ما تبقى من قهوته وقال:
" أعتقد أنك من حملة الشهادات؟".
" أدارة أعمال".
" وماذا كنت تفعلين قبل مجيئك الى هنا؟".
" تخرجت لتوي".
كان هذا جزءا من الحقيقة , ولكنها لم تخبره بأنها عملت كمساعدة للمدير في دار العجزة , وأنها عملت عدة مرات في أشهر الصيف مع العمال المكسيكيين المهاجرين في كاليفورنيا.
وعلى الرغم من أن تلك الأعمال أكسبتها خبرة , ألا أنها كانت السبب في تأخر تخرجها عاما كاملا.
لن أخبره بشيء بل سأدعه يظن أنني أمرأة غير كفء للعمل .
تابع ماتيو سيمونز الحديث بعصبية قائلا:
" لقد تخرجت لتوك أذن... معنى هذا أنهم أرسلوا لي طالبة مدرسة , يا ألهي كان عليهم أن يدركوا هذا".
شعرت جاكلين أنها تغلي غضبا , ولكنها أقنعت نفسها أن تحتفظ بهدوئها وسألته ببرود:
" ماذا كان عليهم أن يدركوا يا سيد سيمونز؟".
" عليهم أن يدركوا أن الشهادة ليست كل شيء , وأن الخبرة ضرورة حتمية , يجلسون في مكاتبهم في الولايات المتحدة , وينسون أن العمل في هذه البقاع أمر مختلف تماما , ويتطلب مؤهلات مختلفة أيضا".
" هكذا أذن!".
رفع ماتيو أحد حاجبيه بسخرية وقال:
" هل تدركين ذلك".
نعم أنها تدرك الأمر تماما... لقد علمت أنه حكم عليها من أول نظرة على أنها خريجة جديدة , وشقراء غبية ... أذن لن تنال منه ألا المتاعب والأزعاج ... أنها تعلم بماذا يفكر.
" أسمعي يا آنسة دونلي , لست مستعدا أن أدربك على العمل مدة ستة أشهر , لتجدي بعدئذ أنك لا تستطيعين الأستمرار به , أنظري جيدا , وأدرسي الأمر , هل سمعت شيئا عما يسمونه بالصدمة الحضارية؟".
" أعتقد ذلك".
" أن هذا العمل ليس بعمل عادي في ظروف عادية... ولن تجدي بين دفتي الكتب المعلومات التي تفيدك . أن الزمن وحده كفيل بهذا وأنني أفتقر لهذا الوقت ياآنسة دونلي".
علقت جاكلين قائلة:
" ألم يدرك السيد جينكنز في نيويورك هذا؟".
عقد ما بين حاجبيه بغضب وقال:
" كان عليه أن يدرك ذلك , كنت واضحا تماما في تحديد نوعية الشخص الذي أريد".
وبعصبية دفع بكرسيه ,ونهض واقفا , وأتجه نحو النافذة , تأملت جاكلين منكبيه العريضين القويين , وشعره الطويل المتدلي الى حافة ياقة القميص.
مضت لحظات ساد الصمت خلالها , وجلس ماتيو مرة أخرى الى مكتبه هادئا ورابط الجأش وسأل جاكلين ببرود:
" أخبريني رجاء كيف تم قبولك لهذا النوع من العمل؟".
نهضت جاكلين من كرسيها وقدماها ترتجفان , والدم يتدفق في رأسها . ودت لو تخبره بأنها ليست خريجة جديدة , وأنها عاشت هنا مع عائلتها ... ومارست أعمالا أكسبتها خبرة , ولكنه لم يسألها عن تلك الأمور , لهذا أبتسمت أبتسامة عذبة وفق ما أملته عليها الظروف , وقالت:
"لقد منحت العمل يا سيد سيمونز لأنني رافقت الرئيس".
أدارت جاكلين ظهرها , وخرجت من الغرفة وقد أغلقت الباب وراءها بحذر.
منتديات ليلاس

 
 

 

عرض البوم صور سفيرة الاحزان   رد مع اقتباس
قديم 09-05-10, 04:03 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2010
العضوية: 156978
المشاركات: 676
الجنس أنثى
معدل التقييم: سفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 575

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سفيرة الاحزان غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سفيرة الاحزان المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 



2- التحدي
مكثت جاكلين في الحمام عشر دقائق حاولت أثناءها أن تهدىء من روعها , بدا وجهها شاحبا , فلا عجب في ذلك بعد تلك الرحلة الشاقة , والأستقبال السيء الذي لاقته , رفعت شعرها الى الأعلى مبعدة بعض الخصلات عن عنقها , كي تحافظ علىبرودتها , ثم غسلت وجهها , فالرطوبة مزعجة في شهر آذار مما يجعل الجو لا يطاق , وعلى الرغم من هذا أنها ما زالت تحب أفريقيا , وكثيرا ما حلمت بالعودة اليها لأنها أمضت فيها ثلاث سنوات دراسية كاملة , ما من شيء محدد على وجه الدقة يشدها الى غانا , لكنه حنن ممزوج بأشياء كثيرة , أنها حرة وآمنة في شوارع غانا حتى ولو كانت وحدها , وأهل غانا ذو سمعة حسنة, أنها تحب نفسية نسائهم المرحة , يعيشون بسعادة ومرح على الرغم من ظروف حياتهم الفقيرة القاسية , كانت جاكلين تتمنى من أعماقها أن تعود الى أفريقيا , وأن تخدمها بشيء له أهمية , فمن أين ظهر لها هذا الشاب المدعو سيمونز الذي يحاول أن يحطم آمالها ؟ نظرت مرة أخرى الى المرآة , ثم شدت كتفيها مصممة ألا تدعه يفعل, ستبقى في أفريقيا , وستقوم بعملها دون أن تأبه لرأيه , فتحت بيشنس باب الحمام , ونظرت الى جاكلين بحياء وقالت:
" أن السيد سيمونز يريدك".
ضحكت جاكلين في سرها ,أن السيد سيمونز لا يريدها ,ولكنه مرغم على ذلك شاء أم أبى.
دخلت جاكلين المكتب , رأسها مرفوع , ونظراتها باردة ومتجاهلة نظرات ماتيو اليها ,جلست وقالت:
" يا سيد سيمونز أريد أن أعرف أين سأمكث , كي أستقر وأباشر عملي , فقد أخبروني أنك تهتم بأمور السكن ".
" هذا ما أردت أن أحدثك بشأنه, فلدينا مشكلة".
" ما هي؟".
منتديات ليلاس
" أن ميزانية أجور السكن لا تسمح هذه الأيام بأيجاد سكن ملائم , وخاصة بعد أرتفاع أجرة المنازل للضعف والضعفين وذلك لعدم توفرها ".
كانت نظراته تنم عن تحد , وحقد وتأملات ثم أردف:
" وبمعنى آخر لن تجدي سكنا مناسبا , هل هذا مفهوم؟".
" نعم مفهوم".
"أذا كان هذا الشاب يستفزني ليثير جنوني , فعليه أن ينتظر مدة أطول ".
سألته:
" أذن وماذا تقترح؟".
" الحقيقة أود لو أعيدك الى وطنك على متن الطائرة التالية".
" لن تستطيع طردي , ألا أذا أخفقت بأداء عملي على الوجه اللائق , وأنني أخطط أن أقوم به بشكل يفوق الأتقان".
" أذن سأمنحك فرصة لنرى أمكاناتك يا آنسة دونلي ما دمت هنا , ومصممة على العمل معي , ولكنني أحذرك , عليك أن تتقني عملك فليس لدي الوقت لأهدره , ولا الرغبة في تدريبك ... أنني بحاجة للمساعدة , فأن لم تتمكني من ذلك , فسأطردك وليذهب جينكنز الى الجحيم".
تجاهلت جاكلين تهديده وعادت لتسأله:
" وماذا عن المسكن؟".
تنهد وسكت لبرهة ثم قال:
" يمكنك أن تشغلي جناح الضيوف في منزلي أذا وافقت على ذلك ... أنه قسم مستقل عن المنزل , وله مدخل خاص , وغرفة نوم وغرفة أستقبال وحمام , أما المطبخ فستشاركينني أياه".
" هل لدي مجال للأختير؟".
" كلا , ألا أذا دفعت ثلاثمئة وخمسين من مالك الخاص , وهذا المبلغ كبير بالنسبة لما تتقاضينه".
طبعا أنها لا تستطيع دفع ذلك المبلغ , ولكن كيف ستعيش في المكان نفسه , ومع رجل تكرهه , ليس باليد حيلة الآن , أجابته:
" لا أعلم بالضبط ماذا أفعل , دعني أرى المنزل".
كان المنزل قريبا من المكتب , عبارة عن فيللا ذات شرف واسعة , محاطة بحديقة بحاجة الى عناية , أما أرضية الغرف فكانت من الخشب , والمراوح تتدلى من السقف , وجميع النوافذ محاطة بمناخل واقية من الحشرات الطائرة.
" هذا هو مسكنك ".
قال لها سيمونز , وهو يفت باب غرفة الجلوس والطعام.
وجدت جاكلين نفسها في غرفة صغيرة ذات أبواب زجاجية تفتح على الشرفة , شاهدت غرفة النوم والحمام , فوجدتهما مقبولين على الرغم من صغر المساحة ,تابع سيمونز قائلا:
" لم يستعمل هذا القسم على الأطلاق , أستعملت أحدى غرف النوم في المنزل من أجل الضيوف... ".
وفتح النوافذ, فأمتزج النسيم مع رائحة الغرف المفعمة بالعفن.
"أن المنزل بحاجة لبعض التحسينات".
هذا واضح يجب أن نبدأ بعملية الدهان أولا , أن حالة المنزل سيئة , ولهذا أستأجرته بثمن زهيد , كان عليك أن تري المطبخ قبل أصلاحه".
ثم أقترب منها , ونظر اليها بتحد وقال:
" ماذا قررت؟".
" حسنا لا بأس به , أن كل ما أريده , أن يكون لي مكان خاص بي".
" سأريك المطبخ وأعرفك على كويسي".
بدا كويسي كلاعب ملاكمة أكثر منه كخادم , كان يحرك الحساء في وعاء على النار , وما أن أرى جاكلين حتى حياها بضحكة ودية عريضة , ومد يده مصافحا:
" أهلا وسهلا".
غدت أبتسامة كويسي أعمق بينما كان ماتيو ينظر اليها بتهكم بالغ وتابع:
" يجب أن تتعلمي لغة البلاد مع العلم أن اللغة الرسمية هي الأنكليزية ".
تجاهلت جاكلين تعليقه ونظرت الى الوعاء , فوجدت حساء النخيل ممزوجا بالبهارات وبينما كان ماتيو يقود جاكلين خارج المطبخ الى الغرفة الرئيسية قال:
" أن كويسي يقوم بطهي الطعام وتنظيف المنزل , أنني أعطيه النقود وهو يقرر ما يطعمني , أنه يطبخ كأهل غانا , وأذا أردت أن تعلميه الطبخ على طراز آخر فيا حبذا".
حمل كويسي حقائب جاكلين الى غرفة الجلوس فتبعاه , أشار سيمونز الى حفرة في الجدار وقال:
" آسف , أن جهاز التكييف لا يعمل , وعندما يتم أصلاحه بأمكانك وضعه في غرفة النوم ,لكن هذا سيستغرق وقتا طويلا كالعادة هنا , ليس لدي مكيف آخر لتقديمه لك , لأن الثاني يتم أصلاحه أيضا".
علت وجهه مسحة من الأحباط , بينما عضت جاكلين شفتها , لتكبح جماح الضحك , وأذا كان ماتيو نفسه لا يتحمل ظروف الحياة القاسية في أفريقيا ,فكيف بجاكلين وهي أمرأة؟


لن يغيب عن مخيلته أفتقارهم للسكر , ولعجلات السيارات , وقطع التبديل بمختلف أنواعها أو أختفاء سفن الشحن التي وصلت ال شنغهاي أو التي بقيت في الميناء لعدة أشهر , لن يستطيع كل غربي أن يتلائم مع هذا النوع من الأحباط.
" علي أن أعود بسرعة الى المكتب , فلدي موعد , سأعود بعد ساعة لأتناول الغداء , فألى اللقاء".
جلست جاكلين على السرير محتارة في أمرها ,هل تفك أمتعتها , أم تنتظر لتنتقل الى منزلها , ستلقي نظرة أخرى على المكان , خرجت من الغرفة , فوجدت كويسي في طريقها فسألها:
" هل تريدين قهوة أم ماء معدنيا؟".
" أي شيء بارد من فضلك , ماء".
" أننا لا نغلي الماء هنا يا سيدتي".
" حسنا يا كويسي , أن ماء أكرا نظيف".
" هذا ما يظنه سيدي , ولكن السيدة تغليه لمدة خمسة عشرة دقيقة ".
لم تعلم جاكلين فيما أذا كان ماتيو سيمونز متزوجا أم لا , فسألت كويسي:
" هل تقصد السيدة سيمونز؟".
هز كويسي كتفيه وقال:
" لا أعلم أن كانت زوجته أو لا".
أذا كان ماتيو سيمونز متزوجا , فماذا ستظن زوجته بها , أذا وجدتها تقطن غرف الضيوف؟
" أليست السيدة سيمونز هنا؟".
هز كويسي رأسه وأجاب:
" لا أنها في الولايات المتحدة على ما أعتقد".
لم ترغب جاكلين أن تسأل كويسي أية أسئلة أخرى , ستكتشف ذلك بنفسها , لا , لن تمكث في هذا المنزل فربما أعترضت سيدة المنزل على وجودها.
أخذت جاكلين كأس الماء من كويسي , وألقت نظرة حذرة على المنزل , سيحسن الدهان وضع المنزل ,ويجب أن تبدل الناموسيات , ولكنها شعرت بالراحة عندما وجدت مياه الحمام تجري , ولفت أنتباهها سرب من النمل , فالحشرات موجودة في كل مكان حتى في هذا الحمام المهمل , حشرات صغيرة لا تؤذي أحدا , ولكنها تجتمع أسرابا أذا شعرت بوجود ذرة خبز صغيرة ,لم تستطع والدة جاكلين التخلص من هذه الحشرات على الرغم من أستعمالها الكثير من المبيدات , بدت الأرض الخشبية مهملة تماما , لا بأس سيتصلح الأمر بقليل من الشمع , سرت جاكلين بمنظر الشرفة أذ أزدانت بنبات البوغنفيليه الأميركي المتعرش ببراعمه الحمراء والصفراء , وألقت نظرة على الديقة الخلفية , فرأت نبات الموز الطويل , ونخيل جوز الهند الضخم موزعا على نحو غريب , والى اليمين رأت منزل الخدم المغطى بنبات البوغنفليه , ستصبح الشرفة ملائمة للجلوس بقليل من النباتات والكراسي الجدد.
عاد ماتيو سيمونز بعد ساعة , فتناولا طعام الغداء المكون من البيض وشرائح الأناناس.
أرتبكت جاكلين وقالت:
" أنه لطف كبير منك يا سيد سيمونز أن تدعوني للسكن هنا , ولكن ما رأي السيدة في مشاركتي هذا المنزل! أعني هل توافق على أقامتي هنا , وعلى مشاركتي لها المطبخ".
أجاب ماتيو سيمونز ببساطة:
" تقصدين دايانا, أنها ليست زوجتي".
وضعت جاكلين في فمها قطعة أناناس , ورفعت رأسها لتجده ينظر أليها قائلا:
" قد تظنين أنك شخص صلب... ولكني أريد أن احذرك , أن الأقامة في هذا البلد , تحتاج الى مزيد من القدرة على التحمل , أياك أن تظني أنك أتيت الى هنا لقضاء أجازة".
ثم دفع كرسيه الى الخلف , ونهض , فتبعته جاكلين وقالت بنبرة ملؤها التصميم:
" لم أحضر الى هنا لقضاء أجازة".
" ليتك لم تأتي , أذ ليك التكيف مع عمل صعب وظروف قاسية, وهذا ما لا أتوقعه منك , أو من أية خريجة جديدة".
أزعجها تهديده , فنظرت الى عينيه بضراوة , أنه يقيّمها كشقراء غبية قصيرة , تمنت في تلك اللحظة أن تكون سمراء طويلة , وأن يتناسب شكلها مع عمرها , كيلا تضطر أن تحترم هذا المغرور العملاق والمتحيز للرجال , وتابعت بثبات وبرود:
" أن ثقتك بي تسحقني".
ألتقت عيونهما لبرهة , فأبتسم وهو ينظر اليها , فلاحظت أن الأبتسا مة قد أضفت رقة على وجهه , حتى ظنت أنها تنظر
الى رجل غيره وقال مجيبا:
" طبعا , قلما أخطأ حدسي ".
" تماما".
أجابت وهي تبتسم بدورها , قاد ماتيو سيمونز جاكلين الى المكتب لتتعرف على بقية الأعضاء فيه , تعرفت على بيشنسي سكرتيرة الأستقبال , ثم على سامسون مراسل المكتب , كان سامسون يافعا ونحيلا جدا , يرتدي سروالا ضيقا وقميصا مفصلا , حاول أن يشعرها بأهميته عندما صافحها , ولكن تكشيرته الرخيصة أفسدت الموقف.
" أن سامسون شاب طيب , يريد أن يؤثر في الناس لكنه لا يعرف كيف يحقق ذلك".
ضحكت جاكلين معلقة:
" لاحظت ذلك".
عرفها ماتيو سيمونز أيضا على المحاسب السيد أسانتي , كان أسانتي رجلا متقدما في السن قصيرا , ذا شعر رمادي عند الصدغين , يضع نظارة سوداء أعطته طابع الرجل الأفريقي العجوز المصور في قصص الأطفال.


" أما أوفاري ولواني غير موجودين الآن ,ويعملان كمساعدين للمدراء في المشاريع , ويأتيان للمدينة مرة أو مرتين في الأسبوع , ستقابلينهما فيما بعد ثم قرع بابا آخر ودخل قائلا:
" هذا هو ستيفن , ساعدي اليمين في المسائل الزراعية , أنظر يا ستيفن هذه هي المفاجأة التي قدمها لنا الرئيس : جاكلين دونلي , مساعدتنا الأدارية الجديدة".
علق ستيفن قائلا:
" أهلا وسهلا, أنني سعيد بلقائك , وأتمنى أن نكون أصدقاء حتى ولو شاهدت تقارير النفقات التي أجريها".
تأوه ماتيو سيمونز قائلا:
" أن تقاريره مروعة , فهو على علم بكل ما يتعلق بالماعز ,ولكنه لا يستطيع أن يضيف حقلا من الأرقام مرتين بالطريقة نفسها".
عبس ستيفن لهذا التعليق ونظر الى جاكلين قائلا:
" أنه لا يحبني ,ولكنه لا يستطيع الأستغناء عني , ولهذا فأنه يطعنني ".
أجابته جاكلين ضاحكة:
" لقد سمعت ذلك".
وتكرت مديح جينكنز لستيفن وقالت:
" ولكنك يا سيد ستيفن تتمتع بسمعة حسنة طولا وعرضا ,وسمعتك تملأ الدنيا".
رفع ماتيو نظره نحو السماء بخيبة أمل وقال متسائلا:
" لم تقولين هذا يا جاكلين؟ ... كفاه أعتدادا بنفسه".
ثم قادها خارج الغرفة , وهما يسمعان قهقهة ستيفن العالية تملأ الرواق.
" يبدو أن ستيفن شخص لطيف".
" من الدرجة الأولى وفي كل المجالات , وعامل مجد أيضا".
" لقد أخبرني جينكنز بذلك ".
رماها بنظرة مفعمة بالتهكم قائلا:
"لن أسألك ماذا أخبرك عني...".
" خرافات ليس ألا خرافات.".
رفع أحد حاجبيه وقال:
" أهذا كل ما في الأمر؟ أنني أتساءل لماذا فعل ذلك".
ضحكت جاكلين وقالت:
" لأن الحقيقة مؤلمة أحيانا , ومحفوفة بالمخاطر".
" محفوفة بالمخاطر؟".
" أجل لو أنهم قالوا الحقيقة , لما وجدوا من يجرؤ على القدوم الى هنا ,ولو كانت خريجة جديدة غبية مثلي".
" أنه لمن المسيء جدا أنك تصدقين القصص الخيالية".
كان ماتيو سيمونز مشغولا , فغاب عن المكتب طوال فترة بعد الظهر , تحدثت جاكلين قليلا مع بيشنس أذ أصبحت مسؤولة عن تنظيم أعمالها وفقا لعملها الجديد , شغل مكتب جاكلين الصغير جزءا من صالة الأستقبال التي أتسعت أيضا لمقاعد الموظفين , بدت الغرفة بدهانها الأخضر الفاتح , وستائرها ذات الألوان الباهتة المطبعة على الطراز الأفريقي حقيرة ومتسخة , وضعت جاكلين كرسيها مقابل النافذة علها تبتهج بمنظر الورود , كما أدخل سامسون الى الغرفة صندوق كتب خشبي , ومروحة , وكرسيا مما ساعد على تنسيق الغرفة قبل أن تكتسب هي نفسها أوصاف الغرفة من غبار , وتلف , وذبول , تفحصت جاكلين المكتب , فوجدت أكداسا من الموضوعات الزراعية المنوعة المهملة , فقررت أعادة تنسيقها لأن بيشنس لا تستطيع القيام بهذه المهمة , وبمزيد من الجد والنشاط والتصميم , باشرت جاكلين عملها لتثبت فعاليتها ووجودها , وسرعان ما راودت جاكلين بعض الأفكار المزعجة:
" ترى هل هي فعلا تتحدى صعوبات العمل الجديد , أم أنها تتحدى ماثيو سيمونز نفسه؟".
منتديات ليلاس
وفي الأمسية نفسها تناولا العشاء معا , وبدا سيمونز مسرورا عندما قدمت له جاكلين حساء النخيل ,وقطع لسان الجدي المقلية.
" أنتبهي أنها حارة جدا أذ أن كويسي يكثر من الفلفل الأحمر".
" سأنتبه , حاضر يا سيد سيمونز".
" لا داعي أن تناديني بهذه الصفة الرسمية , ما رأيك بماتيو فقط؟".
" سأجرب , أن كنت مصرا على هذا".
" نعم أنني مصر على ذلك يا جاكي".
أنزعجت جاكلين وأجابته بحدة:
" جاكلين من فضلك".
أنها لن تسمح لهذا المغرور الغريب أن يناديها جاكي كما يفعل أصدقاؤها.
" جاكلين أليس كذلك؟".
أحرق الطعام بلعومها , ولكنها كانت معتادة على ذلك , وتظاهرت بأنها لم تشعر بماتيو وهو يراقبها أثناء الطعام , كانت تحب طعام غانا الحار عندما كانت صغيرة , ولما كانت طالبة في المدرسة الدولية , كثيرا ما كانت تشتري مع صديقاتها قطع اللحم من الحوانيت الموجودة على قارعة الطريق , لقد ذاقت كل أنواع الطعام بما فيه الأفاعي ,مما جعل والدتها تموت فزعا فلربما ألتقطت جاكلين بعض الجراثيم التي تسبب الديزانتريا وتؤدي للموت , ولحسن الحظ لم يصب جاكلين أي ضرر حتى ولو كان عسر هضم خفيف ,كان ينظر اليها عندما أنهت طعامها وقالت بلهجة دفاعية:
" يا له من طام لذيذ , لقد أستمتعت به".
" ستندمين غدا على ما أكلته الآن لأنه سيسبب لك بعض الضيق".
" لا تقلق فلدي معدة كالحديد".
" أذن أنت صلبة من جميع النواحي".
هزت جاكلين رأسها مجيبة:
" من يدري , ربما كنت أصلب كي أتلاءم مع غانا".


أستاءت جاكلين من العداء الذي أخذ ينمو في أعماقها , لم ترغب أن تكون الخلافات الشخصية بداية للعلاقة بينهما ,وكأنه قرأ أفكارها سألها:
" هل هناك من شيء؟".
" لا , أشعر بتعب , وسأنام باكرا".
وفي صباح اليوم التالي , أستبقظت جاكلين على صوت الدجاج والبط , بدا ما حولها غريبا للوهلة الأولى , ولكن شعورها الضئيل بالألفة أتجاه هذه الأصوات الغريبة , جعلها تدرك أنها ليست في عالم جديد , كما أن ضوء النهار الوهاج في مثل هذه الساعة المبكرة من الصباح أدهشها , حركت المروحة الهواء الداخلي الممزوج بالرطوبة والحر محاولة أن تلطف جو الغرفة ما أمكن , تذكرت أنها في غانا , فأعترتها موجة من الفرح والسرور .
جلست في الغرفة تنظر الى الستائر المتمايلة مع النسيم , فسمعت صوت أحدى النساء تتكلم لغة لم تفهمها , فنهضت ونظرت من النافذة , رأت فتاة صغيرة تملأ دلوها من صنبوبر الماء قرب جناح الخدم , وفي ظل شجرة المانغا جلست أمرأة عارية الأكتاف , مغطاة بقمش ملون من صدرها الى أخمص قدميها , تحرك طعاما وضعته على موقد الفحم , والى جانبها طفل عار يزحف وسط الأقدار الحمراء , ويلعب بثمرة المانغا القاسية , هذه عائلة كويسي على ما أظن , بكى الطفل فتركت أمه عملها ,ووضعته في حضنها , ثم أخرجت ثديها , فجذبه الطفل بيديه الصغيرتين ,وبدأ ينهل من لبنها.
راقبت جاكلين هذا المشهد لمدة , ثم أبتعدت عن النافذة والسعادة تغمرها لأنها عادت الى غانا , كم كانت سعيدة وهي تستقبل هذا اليوم , أستحمت وأرتدت قميصا قطنيا وصندلا من الجلد , رفعت شعرها الى الأعلى , ونظرا لشدة الحر , فكرت في أن تجعله قصيرا قبل مجيئها ,ولكن الشجاعة خذلتها أذ سيستغرق بعدئذ أعواما ليعود طويلا.
وجدت جاكلين كويسي في المطبخ يحضر طعام الأفطار , فحيته تحية الصباح وسألته:
" هل الطفل الصغير والفتاةمن عائلتك؟".
أجابها بفخر وأعتزاز:
" نعم , ولدي ولد آخر يعيش في القرية مع جدته لأمه".
" أين قريتك؟".
" في مانكسيم أنها على الطريق الى ساحل الكيب".
دردشت جاكلين معه قليلا ليجهز وجبة الأفطار , خرجت الى الشرفة التي أضفت على الغرفة نورا , وتساءلت وهي تنظر الى الجذوع الخضراء الضخمة , أن كان هناك بستاني يعتني با لحديقة أم لا... يجب أن تشذب هذه الأشجار , وسرعان ما
خطف بصرها حركة تمساحين صغيرين يتسابقان عبر الشرفة , ويقفزان تحت الجذوع.
" تماما كالغابة أليس كذلك؟ ".
همس ماتيو من خلفها , كان أنيقا مرتديا قميصا أبيض وبنطالا فضفاضا.
" الى حد ما , لكنني أحب النباتات الخضراء".
" حسنا لن تفتقدي هذا , فالبستاني هنا يعتني بالحديقة مرة أو مرتين في الأسبوع , ولكنه غائب منذ شهر , كان عليه أن يعود لقريته لأن جده مريض ,ولا أحد يعلم متى يعود".
" يوجد هنا الكثير من أشجار الموز".
" نعم... ولكن أحذري أن تأكلي من تلك الأشجار على الضفاف , فتلك ليست بأشجار الموز".
كانت تلك الأشجار فعلا شبيهة بالموز , فأن لم تكن كذلك , فلا بد أن لها أسما آخر.
" أنها موز الجنة ".
قالت بلهجة أيجابية خالية من الأستفهام.
فسألها ونظراته تفضح دهشته الكبيرة:
" وكيف عرفت ذلك؟".
هزت كتفيها وقالت:
" أعلم أشياء كثيرة أخرى".
" نعم هذا صحيح!".
" ألا يجب أن أعلم؟ لقد تخرجت لتوي من الكلية".
ثم دخلت لتساعد كويسب تاركة أياه وحيدا على الشرفة , كان ماتيو باردا ومهذبا أثناء تناول وجبة الأفطار ,وما أن أنهيا طعامهما , حتى غادرا المنزل الى المكتب في تمام الساعة السابعة.
" من الأفضل أن نبدأ عملنا باكرا , فلدي الكثير , وعليّ أن أحدد أعمالك وأنظمها ".
لم تدرك في اليوم السابق أن مكتبه كغرفتها بالية وتالفة ,والعمال ضجرون من مكيف الهواء الذي لا يعمل.
حدثها ماتيو كأي رجل أعمال آخر , أراها تقارير ولوائح وملفات , شارحا الأعمال الداخلية للمكتب.
" أنت مسؤولة يا جاكلين عن هيئة النسخ وسيعمل معك بيشنس وسامسونكما أخبرتك أمس , ستهتمين أيضا بجدول الرواتب والحسابات , والتقارير المالية, فعليك أن تتبعي خطة معينة لذلك".


" نعم , أدرك هذا ".
أجابته وهي تنظر الى الأوراق المكدسة أمامه.
" ليس لدي وقت , ولا أحب معاقبة أحد , أما المصنفات فعليك الأهتمام بها أيضا".
" أخبرتني بيشنس أنها تهتم بالمصنفات لهذا سأطلب منها مساعدتي لأراهم".
" نعم , أنها تعلم موضع كل ورقة , وتجدها أينما صنفت , ولا أحد غيرها يستطيع ذلك".
" وماذا عن السيارات ؟ أخبروني أنها تحتاج لجهد كبير كي تصلح للأستعمال".
" أنني مسرور أن ألقي على عاتقك هذه المهمة أيضا , فلدينا نقص في القطع , كما أن القطع الموجودة ليست مثبتة بشكل جيد مما يجعل السيارة تتعطل دوما في أماكن غير مناسبة".
تداولا في جميع الأحاديث الخاصة بالعمل , من الصناعة المصرفية والأعمال الزراعية الى تصليح السيارات , وما أن حان وقت الغداء , حتى شعرت جاكلين بأرهاق عام , وأحست أنها لا تستطيع هضم المعلومات جميعها في لحظة واحدة , وفي البيت , تناولا طعام الغداء المعد من شطائر السمك وسلطة الفاكهة , شعرت جاكلين أنها لا تقوى حتى على مضغ الطعام , كان الجو شديد الرطوبة أشبه بحمام بخار على الطراز التركي , حتى أنها شعرت بعرقها يتصبب في ظهرها ... أنسدلت بعض خصلات شعرها الرطب , فجمعتها خلف أذنيها , نظر اليها عن كثب وقال:
" سأكون مشغولا هذا المساء , فلدي موعد مع شركة التطوير الدولية ,فما رأيك أن تبقي في المنزل لتنالي قسطا من النوم؟".
" يا لها من فكرة رائعة ... سأفعل ذلك حتما".
صباح الخميس سلمها ماتيو مجموعة وثلئق , نظرت جاكلين الى الأوراق التي في يدها ظنا منها أنها وثائق شحن معينة.
" ما هذه؟".
" أنها معدات من أجل مشروع الأرز , جاهزة في المطار وعلينا أن نستلمها".
" حسنا , سأجلبها".
" ليس الأمر بهذه السهولة... يجب أن تذهبي فورا ,وألا لن تنهي العمل قبل الغداء , أياك أن تدفعي قرشا , فهذه البضاعة لا تخضع للضرائب , هل تعتقدين أنه بأمكانك القيام بهذا العمل؟".
أدركت جاكلين فورا ما عناه , سيهزأ بها رجال الجمارك , وسيعاملونها كغبية شقراء , أنها الفرصة الأولى لها لأثبات ذلك , أجابته ببرود:
" لا أرى مانعا في ذلك".
" شيءخر أريد أن أضيفه, أن المال في هذا البلد سصنع العجائب ,أياك أن تدفعي ولو مبلغا ضئيلا مهما كانت الظروف , حتى لو أضطررت للمشاحنة معهم , وأضرام النار على رؤوسهم , هل هذا واضح تماما؟".
بسطت منكبيها وحدقت به , ألا يعلم أنها لا تؤمن بالرشوة.
" لا تخشى على قيمي الأخلاقية , فقد تأكدوا منها في نيويورك".
" حسنا".
لم تكن المهمة سهلة , فعلى المرء أن يكون صبورا وباردا كي يخلص البضاعة من مبنى الشحن , تنقلت جاكلين من مكتب الى آخر , وملأت ووقعت خمس عشرة أستمارة , أنتظرت طويلا وهي تتأمل الجدران القذرة ,والمصنفات المغبرة الموضوعة في الزوايا , كان أحد الموظفين نائما فوق آلته الكاتبة , تمنت جاكلين أن تحذو حذوه فالحرارة والهواء الراكد أستنفدا كل طاقتها , شعرت بالضجر من هذا الروتين لأنه مضيعة للوقت , لن تخبر ماتيو بهذا ما دام الحل واحدا ولا بد أنه يختبرها , مضى أكثر من ساعتين تمكنت جاكلين بعدها من الوصول الى مكتب الجمارك , حياها الموظف مبتسما , وساعدها في فتح علب الكرتون:
" أجهزة صناعية؟".
" نعم".
" من أجل طاحونة الأرز ".
ختم الموظف الأوراق وسلمها العلب.
غمرتها لذة الأنتصار وهي في طريق عودتها الى المكتب متسائلة:
" ماذا سيقول سيمونز !".
قرعت باب مكتبه ودخلت واضعة العلب على المكتب.
" ها هي البضاعة , لم يصبها أي ضرر على ما أعتقد".
نظر ماتيو الى البضاع ,ثم الى جاكلين , ثم الى البضاعة , وقال بدهشة:
" أذن أستطعت تخليصها".
طبعا , أذا كان ماتيو يمتحنها , فقد نجحت في ذلك وستستمر .
" ألم تواجهي بعض الصعوبات؟".
" دبرت أموري , لماذا؟".
" لأنهم مشهورون بذلك ".
أجابها وهو يفتح العلب.
توقع ماتيو أن تعود جاكلين متذمرة وشاكية كغيرها من الموظفين , شارحة له الأمر بأكمله , لا لن تفعل هذا , ولن ترضي غروره , سألته:
" هل من شيء آخر؟".
" لا... حان وقت الغداء فهل أنت مستعدة؟".
ذهبت جاكلين بعد الغداء الى السوق , تبحث عن أدوات للمكتب , لم تتغير المدينة كثيرا لهذا أستطاعت أن تجد طريقها بسهولة.
وفي مخزن الكينكزوي ألتقت جاكلين مصادفة وجها لوجه مع السيد والسيدة تورنر ومعهما ليزا زوجة أبنهما , كانت ليزا فتاة جميلة , شعرها أسود وقصير لامع ,وعيناها براقتان محاطتان بنظارات عريضة جدا , قبلت جاكلين بسرور دعوتهم الى العشاء يوم السبت المقبل , أذ كانت ترغب من أعماقها أن تتعرف على ليزا , أنه لمن السهل أن يبني الأنسان علاقات ودية في بلد يعج بالأجانب , لقد أنتقل معظم معارف جاكلين من جالية المغتربين الى أماكن أخرى , فمن عادتهم ألا يستقروا في مكان واحد أكثر من عدة أعوام , أنتقلت جاكلين الى شقتها مساء يوم الجمعة ورائحة الدهان وتلشمع لم تزل عابقة , أخذ كويسي على عاتقه أصلاح الشقة خلال يومين بتعاونه مع رفاقه , كما وضع النجار أطارات جديدة للمناخل , دهشت جاكلين لسرعة أنجاز العمل , لم يكن الطلاء متقنا تماما , ولكن لا بأس به ما دام قد أضفى على الغرفة حلة بيضاء جميلة , وأعطى الأرض لمعانا وبريقا , ذهبت صباح يوم السبت لشراء ما يلزمها من سوق الماكولا أكبر سوق في وسط المدينة , وكثيرا ما كانت تمضي فيه ساعات طويلة تبحث عن خرز أو أقمشة لخياطة فستان لها , شعرت جاكلين بالعرق يتصبب من جسمها أذ كانت الشمس حارة , والسوق محتشدا وعابقا بالحرارة , وجموع الناس تحاول أن تتمشى بين الأكشاك , والنساء بحمولتهن الثقيلة على رؤسهن يستعملن أكواعهن كمقود لفسح الطريق خلال الممرات الضيقة , سحرها المنظر فألتهمته بعينين فضوليتين , عرضت البضائع على الأرصفة كي يتم تفتيشها بما فيها من سلال , وأدوات من الفخار , وخرز وأدوية طبية , كما رتبت الخضراوات بشكل أنيق من بندورة وفليفلة حرة , وبامية , أما اللحم فلم يثر شهية جاكلين على الرغم من أنواعه وأشكاله , تنقلت جاكلين بين الأكشاك لتشتري قماشا يصلح لصنع الستائر , كانت الأقمشة بألوانها الزاهية المطبعة على الطريقة الأفريقية مكدسة , أو معلقة بشكل أنيق على حوامل للعرض.


أخيرا , عثرت جاكلين على ما يناسبها من قماش الستائر , سارت خلفها حاشية من بنات صغيرات يحملن القماش الى أن أستقرت في سيارة أجرة أقلتها الى منزلها , خرج كويسي ليساعدها في حمل الأغراض , بينما بقي ماتيو أمام البابينظر اليها بعصبية معلقا:
"آمل ألا تكوني قد أرتكبت غلطة ما؟".
" غلطة! أية غلطة؟".
وبصبر نافذ أشار الى السلال والقماش والأواني:
" لو كنت مكانك لما أنفقت أموالي هباء , فقد لا تعوضينها ... هل تعلمين هذا؟".
خفق قلب جاكلين لدى سماعها كلماته , فعضت على شفتيها غضبا , لماذا يعكر مزاجها كلما كانت تتمتع بروح معنوية عالية؟ شعرت بأنها متعبة , وأضطرم نار الغضب في بلعومها وقالت:
" لا بأس, أعتقد أنك لم تلاحظ بأنني مصرة على الأستقرار هنا , والأستمرار بالعمل سواء راق لك هذا أم لا".
أجابها ببرود:
"لاحظت ذلك , ولكنني أريد أن تدركي أنني لم أقرر بعد منحك العمل , والأجدر بك أن تأخذي ذلك بعين الأعتبار , وتوفري على نفسك عبء التجوال".
ثم أنصرف مغادرا المنزل , كانت جاكلين مسرورة لأنها ستغادر المنزل في المساء لتغير من طريقة معيشتها , دعاها كويسي لتناول الغداء الذي لم تشعر أنها بحاجة اليه كيلا تجلس مع ماتيو , وتجاذبه أطراف الحديث.
" كويسي".
" نعم يا سيدتي".
" هل يضايقك أن تحضر لي طبقا من سلطة الفواكه , وكأس ماء الى هنا؟".
" حاضر يا سيدتي , هل أنت بخير؟".
" أنني متعبة يا كويسي هذا كل ما في الأمر".
أستراحت جاكلين في غرفتها بعد أن أستحمت وشعرت بالأنتعاش الذي لن يدوم طويلا , أذ لن يلبث العرق أن يتصبب منها خلال دقائق لأنها لا تملك مكيف هواء في غرفتها.
تناولت ما أحضره كويسي , ثم أستلقت على سريرها بصحبة أحد الكتب , وما لبثت أن نامت طوال فترة بعد الظهر كالمنهكين , أتى أبن السيد تورنر في السابعة والنصف مساء , ليصطحب جاكلين لأنها لا تعرف العنوان , أرتدت ثوبا قطنيا طويلا , أزرق وأخضر , ورفعت شعرها الأعلى , لكنها لم تنجح في رفع خصلات شعرها التي تدلت خلف أذنيها , وبينما كانت تنتعل حذاءها سمعت طرقا خفيفا على الباب , وأذ به ماتيو مرتديا بنطال جينز وقميصا , قال بسخرية رافعا أحد حاجبيه:
" هناك شخص يدعى جون تورنر ينتظرك في غرفة الجلوس , هل تريدين أن أحضره الى هنا؟".
" لا أشكرك , أنني جاهزة".
وبعد محامة عقلية , قررت أن تطلب من زوارها القدوم الى مدخل البيت الأمامي الخاص بها , وضع ماتيو يديه في جيوبه , أتكأ على الباب , وغمرها بنظرة ملؤها الأعجاب وقال:
" تبدين سيدة تماما".
تجاهلت تعليقه , وأخذت حقيبة يدها.
" من فضلك , أريد أن أخرج".
أردفت عندما لم يفسح لها الطريق قائلا:
" ومع أنك لا زلت صغيرة , لم تحتاجي وقتا طويلا للتأرجح على حبال الهواء".
أيقظت كلماته الغضب في أعماقها, فأطبقت أسنانها حانقة , لماذا لا يتركها لشأنها , تخطته وهي تحملق في وجهه ثم قالت ببرود:
" هذه ميزة كوني شقراء غبية , ليس لدي وقت للملل".
مال برأسه الى الخلف , وأنفجر ضاحكا.
كان جون تورنر أنيقا جدا كأولئك الرجال الذين يظهرون في الأعلانات لعرض الأزيار الخاصة بالرجال , كانت أسنانه بيضاء , وشعره مصففا بشكل دقيق , فلا عجب أن يفكر ماتيو بأن جون صيد فاخر , ولكن جاكلين ضحكت في سرها لأن جون ليس هو النوع المفضل لديها , أتجها الى السيارة , وفتح جون الباب لجاكلين , وأتخذ كل منهما مكانه , قال مبتسما:
" أخبرني والدي كل شيء عنك , من الممتع أن يجد الأنسان من يتكلم معه على متن الطائرة أذ أن الرحلة مميتة! أليس كذلك؟".
" ليست ممتعة".
" أننا نعيش في شمال لابون هل تعرفينها؟".
" أجل! عشت مع والدي في كانتو نمينتر عند طرف شمال لابون ".
كان منزل عائلة تورنر واسعا , وجميلا , ومكفيا مما سر جاكلين كثيرا .والبرودة منعشة تتنافى مع الحر الخارجي , وتشجع على تناول وجبة لذيذة حارة.
أستقبل الجميع جاكلين بترحاب ,وبدأ السيد والسيدة تورنر يقصان عليها ما جرى معهما خلال الأيام الفائتة غير آبهين من سيبدأ قصته أولا ومن سيتابع , مما جعل المواضيع مبهمة , فأنفجرت ليزا ضاحكة, وهز جون رأسه قائلا:
" أعتقد أنهما أستمتعا بوقتهما حتى الآن , فما أخبارك أنت يا جاكلين؟".
أجل ما أخبارها هي؟ لم تتمتع بشيء بعد ,وليست متحمسة كثيرا بسبب رئيسها الجديد , طبعا لا تستطيع أخبارهم بهذه التفاصيل , لهذا ضحكت قائلة:
"أنني مسرورة لأنني عدت الى غانا ,ولكن حدث ألتباس عند وصولي , وغدا الأمر على ما يرام بعدئذ ,وسأنكب على عملي الجديد ".
منتديات ليلاس
أجابها جون:
" لا ترهقي نفسك به خاصة في هذا الطقس السيء".
توجه الجميع بعدئذ الى غرفة الطعام عندما أعلنت المضيفة أن طعام العشاء جاهز.
" يا له من طعام لذيذ , لا شك أنك ذهبت الى لومة" .
تذكرت رحلات أمها القصيرة عبر الحدود الى مدينة توغو حيث كانت تجلب كل ما يتخيله المرء من أشياء مستوردة من فرنسا بما فيها مياه الشرب . ضحكت ليزا :
" وكيف عرفت أنني أذهب الى هناك؟ هل تودين الذهاب معي في مرات مقبلة؟".
تخيلت جاكلين ما قد يقوله ماتيو فيما لو طلبت يوم أجازة لتذهب الى توغو.
" أرغب في ذلك , ولكنني لن أتمكن من الذهاب في هذه الفترة لأنني بدأت العمل لتوي , ولا أظن أن رئيسي سيوافق على منحي أجازة".
" لقد نسيت أنك فتاة عاملة , أخبريني أن كنت بحاجة لشيء ما , وسأحضره لك بكل سرور".
أمضت جاكلين أمسية رائعة بينهم , شعرت وكأن سحابة من الهم أنقشعت عنها , فها هي تتنفس بأرتياح وسعادة , أعادها جون الى منزلها في مساء تلك الليلة , فأستقبلهما علي الحاس وفتح لهما البوابة.
" شكر لك يا جون , لقد أمضيت أمسية رائعة".
" أهلا وسهلا ها قد عرفت العنوان , تعالي متى شئت , تعالي أثناء النهار لتشاهدي أبنتنا الجميلة الصلعاء".
" يا لها من طفلة مسكينة".
ضحكت جاكلين وهي تخرج من السيارة , عمرها ستة أشهر , ولا شعر لها.
ثم تمنيا لبعضهما ليلة سعيدة ,وقاد سيارته عائدا الى منزله.
ما أن وصلت جاكلين الى المنزل , حتى رأت بابها الأمامي الخاص مفتوحا على مصراعيه ,ولاح خيال ماتيو الطويل نتيجة الأضواء المنبعثة من غرفة جلوسها , سحقها غضب عنيف , أن هذا منزلها فلماذا يقف ماتيو في غرفتها؟

 
 

 

عرض البوم صور سفيرة الاحزان   رد مع اقتباس
قديم 09-05-10, 04:07 PM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2010
العضوية: 156978
المشاركات: 676
الجنس أنثى
معدل التقييم: سفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 575

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سفيرة الاحزان غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سفيرة الاحزان المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 



3- رقة غير منتظرة
لم يتفوه ماتيو بكلمة عندما دخلت جاكلين الغرفة , وأنتظر لتبدأ بالحديث.
حدقت به غاضبة وقالت:
"ماذا تفعل هنا في شقتي؟".
" لا شيء , ألقي نظرة".
" تلقي نظرة , ومن سمح لك أن تتطفل على شقتي؟".
" أتطفل , من قال هذا؟".
" أنا!".
خرجت جاكلين الى غرفة الجلوس بسرعة , فدخل وراءها وأغلق الباب , أقلقها صوت صادر من الحمام , فتجمدت في وسط الغرفة ,سمعت من خلال الباب المغلق صوت مذيع رياضي , فنظرت اليه مرتبكة تماما:
" ما هذا؟".
" صوت المذياع ينقل أحداث مباراة الملاكمة".
" من هناك؟".
" كويسي".
" ما رأيك أن تخبرني بما حدث".
منتديات ليلاس
فتحت باب الحمام , فرأت الماء يتدفق في كل مكان ,وقد وقف كويسي في الوسط ببنطاله المرفوع , يحاول أن يخفف الماء بالممسحة والسطل , كان الراديو الصغير موضوعا على خزان الماء ينقل أخبار المباراة بحرارة , أمعنت جاكلين النظر للحظة , ثم أغلقت الباب ,وعادت الى غرفة الجلوس حيث جلس ماتيو يراقبها بنظرات ساخرة وأردف:
" بعد أن رأيت ما حدث , فهل تسامحيني لأنني وطأت أقدس المقدسات؟".
هزت جاكلين رأسها وسألته عما حدث:
" لقد أنفجر أحد الأنابيب , أكتشف على ذلك أثناء تجواله أذ كانت نافذة الحمام مفتوحة , فسمع صوت الماء يتدفق , وبما أنه يعلم أنك لست موجودة , قصدني وأخبرني بالأمر , لعلك تخمنين ما جرى بعد ذلك".
" أعتقد أنني لا أستطيع أستعمال الحمام الآن".
" أن هذا يتوقف على سرعتك في أصلاحه , سأعطيك عنوان المصلح يوم الأثنين , أعتقد أنك تستطيعين حل هذه الكارثة على أحسن وجه".
" أشكرك".
" أنه جزء من عملك اللامع".
" أنني أدرك ذلك تماما".
" لم يعد لي حاجة للبقاء هنا".
نهض ومشى بأتجاه الباب المشترك وأردف:
"على فكرة عندما تتصل بالمصلح دعيه يأتي الى المكتب لأصلاح صنبور الماء اللعين , كما يمكنك أن تتابعي مهمتك وتعرفي ما حل بأمر الهاتف والمكيف معا , سأعطيك التفاصيل يوم الأثنين".
وقبل أن تجد الجواب الملائم , أغلق الباب , رمت جاكلين حذاءها بتعب , وسرت بجسمها موجة وهن عارمة , لقد حدثت لها أشياء كثيرة في الأيام الأخيرة , أخذت تجمع الحوادث مع بعضها بعضا ....قدومها الى غانا ولا أحد في أستقبالها ... أستقبال في المكتب بلا ترحاب ... علاقتها مع ماتيو المؤدية الى كارثة , بدا لها أن كل أعمال المكتب لا فائدة مرجوة منها , كانت لياليها حارة وغير مريحة , ونومها سيء ,وفي الصباح كانت تستيقظ العرق يتصبب منها وتبقى متعبة.
دخل كويسي غرفة الجلوس ضاحكا حاملا الممسحة والسطل والراديو الصغير , ومبللا وقال:
" أنتهى الآن ,هناك الكثير الكثير من المياه".
" أشكرك كثيرا يا كويسي , آسفة لأزعاجك في وقت راحتك".
" لا بأس أحضرت المذياع معي لأستمع الى الملاكمة وأنا أعمل ".
" أنني سعيدة لأنك أستمتعت بها! من الفائز؟".
" بوبزون , أنني أفضله عن الآخرين".
" عظيم".
أتجه كويسي نحو الباب فسألته جاكلين:
" هل تعرف خياطة قريبة , لقد أشتريت بعض الأقمشة لأصنع ستائر , وأفتش عمن يخيطها لي".
" أن زوجتي تخيط الثياب والأشياء الأخرى , ولديها آلة خياطة تستطيع أن تخيط لك الستائ سأخبرها بالأمر".
" رائع , سأكلمها غدا هل ستكون في المنزل؟".
" أنها تذهب الى الكنيسة في الصباح ,ثم تعود الى المنزل".
" أذن أتفقنا , أشكرك".
" آه , صحيح , لقد قطع السيد سيمونز الماء عن احمام , فالأفضل أن تستعملي الحمام الآخر".
" تصبح على خير".


جلست جاكلين في سريرها حزينة كئيبة , في صباح اليوم التالي , شعرت بتحسن , وأعدت لنفسها قطعة من الخبز , وفنجانا من الشاي , وخرجت الى الشرفة , كان الوقت باكرا حوالي السادسة صباحا , وأكرا تنعم بهدوئها , فما زال الناس نائمين أذ لم تسمع أي صوت من جيرانها , تجولت دجاجة وفراخها في الحديقة تنبش الأرض هنا وهناك بحثا عن الطعام , أتكأ عصفور أسود كبير بصدره الأبيض على شريط الكهرباء في سكون سحري , رشفت جاكلين الشاي ببطء متمتعة بجو الصباح الباكر , ماذا تفعل في يوم الأحد هذا؟ هل تكتب رسائل؟ أم تقرأ كتابا ما , أم تفصّل الستائر ؟ لو كان لديها مزهرية لقطعت بعض أغصان البوغفلية وزينت الغرفة , أسترخت في كرسيها , ما أجمل أن تقضي يوما هادئا بعيدا عن ذاك المكتب غير المنظم العشوائي , وبعيدا عن ماتيو نفسه , ليتها تستطيع الأبتعاد عنه في المنزل , كان من الصعب عليها ألا تفكر به حتى ولو لم يكن معها , ولا تستطيع تجاهله عندما يكون موجودا , أنه يفرض نفسه أينما وجد وكأنه يشع نورا من كهرباء لا يمكن تجاهله
ه , تنهدت وأغمضت عينيها , بدأ العالم يستيقظ رويدا رويدا , حلقت طائرة في السماء فأصغت جاكلين الى صوتها حتى أختفت , طفل يبكي , أصوات تأتي من جناح الخدم , وبعضهم يضحك , سمعت صوت ماء يتدفق , وأصوات الأباريق والمقالي , لقد أبتدأ النهار.
أستغرق تفصيل الستائر وقتا أطول مما توقعت , ولم تنته الا بعد الظهر , مشت جاكلين بأتجاه منزل كويسي المبني من الأسمنت ,وقد حملت القماش على ذراعها , كانت أيفلين زوجة كويسي جالسة على الشرفة , تدق بالهاون بعض حبات البطاطا , والى جانبها صديقتها التي كانت تساعدها بحركات سريعة تنم عن خبرة كبيرة , كانت السيدتان ترتديان قماشا ملونا يتدلى من الصدر حتى الكاحل ,وعندما شاهدتا جاكلين , توقفتا عن العمل ونظرتا اليها بحياء , قالت جاكلين:
" أعتقد أنه لا يوجد لديك مانع من أن تخيطي لي هذه الستائر , لقد فصّلتها".
هزت أيفلين رأسها وقالت:
" أخبرني كويسي ... نعم أستطيع ".
أخذت أيفلين القماش من جاكلين , أنه قماش جميل , هل وجدته في السوق؟".
" نعم , لقد أشتريتهأمس , متى أحصل عليها؟".
" غدا على ما أظن".
" كم سأدفع لك؟".
أتفقتا على السعر ثم عادت جاكلين الى بيتها بينما أنهمكت النساء بتحضير الطعام.
أستلمت جاكلين الستائر في الموعد المحدد , وأضفت رونقا وجمالا على الشقة , وأعطتها طابعا منزليا أليفا , حملت الأسابيع التالية معها تباشير جديدة, فقد أستبدل أنبوب الماء, وأصلح الهاتف , وأعيد تركيب مكيف الهواء , كل ذلك خلال عشرة أيام , أدهش ذلك جاكلين لأنها لم تتأمل أن ينجز العمل بهذه الفاعلية , لقد حققته بنفس مشرقة وأصرار , أذ كانت تذهب كل يوم مرة أو مرات لترى العمال , فتارة تضحك معهم , وتارة تثقل عليهم بالنكات , حتى أضطروا أن ينهوا عملها ليتخلصوا منها , سألها ماتيو وهو يتفحصها عن كثب:
" كيف أنجزت هذه الأعمال كلها وبهذه السرعة؟".
" لا تقلق لم أدفع قرشا".
" ماذا فعلت أذن هل أغويتهم؟".
أذا أراد أن يكون وقحا , فستحذو حذوه , نظرت اليه ببراءة وعينين محدقتين وأجابته:
" وهل هناك طريقة أخرى؟".
عملت جاكلين في الشهر التالي بنشاط لترتيب أعمالها , وتنظيم المصنفات , ولاحظت وهي تعمل مع بيشنس أن عليها الأخذ بزمام المبادرة والبدء بتبويب المواد , لم تستمتع بهذا العمل الذي أستغرق وقتا كبيرا لتصنيف الأوراق المكدسة في الخزائن يعلوها الغبار , والتي حفظ معظمها كمراجع , تنهدت جاكلين أخيرا , وهي سعيدة , لأنها تعلمت بعض الأشياء , كتخزين الذرة , وأطعام الدجاج ,وزراعة الفول السوداني , في أحدى الليالي قاربت جاكلين على أنهاء العمل , بعد أن عملت بجد الى ساعة متأخرة من الليل بدون أن تشعر بمرور الوقت , كانت أشبه بآلة أوتوماتيكية تعمل بلذة روتينية أذ كانت هذه هي الطريقة المثلى التي تمكنها من أنجاز العمل , وفجأة قطع صمت المكتب الهادىء صوت الباب الأمامي يغلق بعنف , وظهر ماتيو بقامته الطويلة واقفا على العتبة , نظيفا وأنيقا وما زال شعره نديا , مما يدل على أنه قد أخذ دوشا لتوه.
أدركت جاكلين فورا أنها تجلس وسط الأوراق المتراكمة التي تعلوها الغبار , والأوساخ والرطوبة الشديدة , وقد جفّ حلقها وأنفها من رائحة الغبار المتناثر أثناء تبويب الصفحات وترتيبها , حدق في وجهها بدهشة قائلا:
" تساءلت أين ذهبت , ألا تظنين أنك تعملين كثيرا ,فالساعة قد تجاوزت السابعة مساء".
شعرت جاكلين بالمقاومة تغلي في عروقها فأجابته ببرود:
" لا تقلق ! لن أطالبك بأجر أضافي".
" حسنا! لماذا لا تتركين العمل للغد , وتعودين للمنزل لنأكل شيئا ؟".
" لست جاهزة الآن , بأمكانك أن تخبر كويسي بذلك , سأعد شيئا لنفسي عندما أعود".
" أن كويسي في أجازة اليوم".
" أجل نسيت ذلك".
" لا تعملي بهذه الطريقة".
أنفجر صوته يشوبه القلق المفاجىء .
" يجب أن نالي قسطا من الراحة , فأذا أستمريت بالعمل على هذه الطريقة في هذا الطقس السيء , فأنك لن تصمدي كثيرا".
شدّت على قبضة يدها , لماذا لا يدعها وشأنها , أنها تستطيع الأهتمام بنفسها, ليست بحاجة الى تدخله الدائم.
" سأعتني بنفسي , أشكرك!".
منتديات ليلاس
زادت ملامحه قسوة وومض بريق في عينيه وقال:
" أذا كنت تعتقدين أنك تعملين بهذه الطريقة للتأثير في! , فأنك مخطئة تماما , ليست هذه طريقة ناجحة".
" دعني وشأني , سأقوم بعملي على النحو الذي أحب".
ساد بينهما صمت مشحون بالكهرباء , لم تخطف بصرها عنه ,كان فمه قاسيا ومحددا.
" حسنا".
قال ببط.
" أفعلي ما يحلو لك ".
ثم خرج من المكتب صافعا الباب وراءه , لقد رحل , ها هي سيارته قد أنطلقت.
عرفت جاكلين ما كان يدور في ذهنه ... لماذا أهتم بها... كلما أنهارت بسرعة ,كلما تخلص منها بوقت أسرع ,عاد كل شيء من حولها الى هدوئه , تأملت الأوراق أمامها , كانت عيناها تحرقانها , كما شعرت بجوع وعطش شديدين , ترى هل ظن ماتيو أنها ستأتي المنزل لتحضر طعامه أثناء غياب كويسي؟ ا يا لحظك السيء يا أخي ... حضّر طعامك بنفسك , قطع مجيء ماتيو الى المكتب تسلسل عمل جاكلين , حاولت بعدها العودة الى العمل فلم تفلح , وتركت الأوراق جانبا , وغادرت المكتب متجهة الى المنزل بعد أن أحست بالجوع والحر والأتساخ , نظرت الى نفسها في مرآة الحمام وبدا وجهها رماديا بتأثير الغبار , أخذت دوشا , وأرتدت ملابس نظيفة , ثم أتجها الى المطبخ لتأكل , كانت غرفة الجلوس خالية , ولم تتوقع أن تجد الثلاجة مليئة بأنواع كثيرة من الطعام ( بيض مقلي بالبصل والبندورة , وشرحة من الأفوكادو ,وسلطة الفاكهة).
تيقنت الآن أن ماتيو حضر الطعام على أمل أن تشاركه , ولما لم تحضر ذهب ليتفقدها , داهمها شعور بالذنب , جلست الى المائدة تأكل نصيبها من الطعام , أجتمع سرب من النمل على فتات الطعام الذي تركه ماتيو , وأخذ يلتهم ما حوله بنشاط مذهل , نظرت جاكلين في أرجاء الغرفة الخالية , وشعرت بوحدة قاتلة ... الى متى سيستمر أزعاج كل منهما للآخر , في صباح اليوم التالي , قدم كويسي طعام الأفطار , ووجهه ينم عن كآبة كأنما أعترته مصيبة , نظر ماتيو اليه متسائلا ترى ماذا أصابه؟ فهزت جاكلين كتفيها مشيرة أن لا فكرة لديها عما أعتراه.
" من فضلك, لم يعد لدي صابون لغسيل الأطباق ".
قال كويسي وهو يرفع الأطباق عن المائدة.
" لقد فتشت جميع الأسواق بما فيها سوق ماكولا ولكن عبثا , وجربت مسحوق الغسيل لكنه ليس جيدا للأطباق , وأريد أن أحتفظ بما تبقى منه لغسيل الثياب".
رشف ماتيو ما تبقى من قهوة ونظر الى جاكلين قائلا:
" أن هذا من أختصاصك".
" لم يدرج هذا في جدول أعمالي".
" أعلم أنه لا علاقة لعملك بهذا , ولكن الأمر يتعلق بالتحدي اليومي للحياة في جنة النخيل , كما لاحظت أن هذه المشكلة ذات حجم عظيم ,ولكن خريجة جديدة مثلك قادرة على معالجتها".
لماذا يعاملها بهذه الطريقة طوال الوقت ؟ بأمكانها وبكل سرور أن تخنقه لغروره وتصرفاته الوقحة.
ضحك وهو يمسك بحقيبته:
" سأراك في المكتب".
بقيت جاكلين مع كويسي ينظر اليها ,متوقعا منها أن تصنع العجائب بلا شك , لم تكن المشكلة جديدة ,حاولت أن تتذكر ماذا يفعل الآخرون في مثل هذه الحالة , أستعرضت شريط ذاكرتها حتى وجدت الحل.
" هل عندنا أي نوع من الصابون يا كويسي؟".
أومأ برأسه وذهب الى غرفة المؤونة, وعاد يحمل برميلا من مادة صفراء أميل للون البني ... كان نوعا من الصابون المصنوع محليا المستعمل لجميع الأغراض.
" ستحتاج الى نصف هذه الكمية المبشورة , وسنضيف اليها بعض الليمون , لنحصل على سائل مدهش من الدرجة الأولى ".
أعطته بعض التعليمات , نظرت الى وجهه المفعم بالشك وذهبت الى المكتب , عادت جاكلين من عملها , فوجدت البخار يتصاعد من السطل الذي أعده كويسي , وضعت الصابون المبشور مع قطع الليمون وعصيره , وبدأت بتحريكه وهي تهتف :
" سنحصل على هذا السائل المدهش".
كان كويسي ينظر اليها بعينين ملؤهما الحيرة , دخل ماتيو المطبخ ونظر بدهشة الى جاكلين , ثم الى كويسي , ثم الى البخار المتصاعد وقال:
" هل لي أن أعرف ماذا تصنعان؟".
نظرت جاكلين اليه بأستعلاء وأجابت:
"نصنع سائلا لتنظيف الأطباق".
" بالتأكيد".
نظر ماتيو الى السطل الذي يغلي وسألها مكشرا:
" هل هذا ما تسمينه سائل الجلي؟".
سرّ كويسي لأن ماثيو شاركه في عدم الثقة والحماس لما تصنعه جاكلين .
" من أين حصلت على هذه الوصفة؟ ".
شعرت جاكلين من صوت ماتيو أنه لا يسخر منها هذه المرة فبادلته الأبتسامة.
" وجدته في كتاب السحرة الخاص بذلك".
" هذا ما كنت أخشاه".
تابعت جاكلين مبتسمة تحريك المزيج قبل أن تتركه ليبرد ,وهي تفكر أن الأبتسامة في عيني ماتيو أضفت عليه جمالا , تعجبت من المعارك المحتدمة بينهما , أذ ما تلبث الرقة التي ترفرف عليهما لبرهة أن تنقلب الى عداء عظيم , لم يكن على جاكلين أن تتدبر أمر الصابون فحسب , بل عليها تدبير أمور أخرى , فما زالت أحدى السيارات معطلة منذ أسبوعين لنقص في أحد أجزائها غير المتوفرة , ونتيجة لذلك فقد تعطلت أمور المكتب , مما أدى الى نفاذ صبر ماتيو وزاد من عصبيته , رأت جاكلين أن تذهب الى توغو لتحضير قطع السيارة من لومة , وعندما ناقشت الأمر مع ماتيو , قطب جبينه مما أوحى لها أنه يرفض أقتراحها.
" أذن لا تفعل , سأجد ذلك بنفسي , هذا هو عملي وسأقوم به".
" هل أنت متأكدة أنك تريدين المحاولة".
" بالتأكيد".
" حسنا ,كيف لغتك الفرنسية؟".
" لا بأس بها , ليست كما يجب".
" تحتاجين الى تأشيرة دخول الى توغو لأن لومة على الحدود تماما , كما أنك بحاجة الى تصريح للعودة الى غانا ,وشهادة قيادة دولية".
أستغرق الحديث أكثر من نصف ساعة لمناقشة بقية التفاصيل , ثم رسم ماثيو خريطة لومة عاصمة توغو المؤلفة من عدة شوارع رئيسية , أما البنك ووكلاء السيارة فقد أشتركوا في بناء واحد.


تأكدت جاكلين أنه أصبح يثق قليلا بأمكاناتها , ولذلك عهد لها بهذه المهمة , ربما كانت لديها خبرة ما ... لا كما حكم عليها مسبقا , ترى ألم يخطر بباله ذلك؟".
خابرت جاكلين ليزا فور وصولها الى مكتبها قائلة:
" سأذهب الى لومة من أجل العمل , هل تريدين أن تأتي معي لشراء بعض المأكولات؟".
" طبعا سآتي ,وسأترك طفلي عند غلاديس , هل ستعودين في اليوم نفسه؟".
" نعم سأشتري قطع غيار لأحدى سيارتنا , وبعض الأغراض الخاصة بي , أنني أتوق شوقا لقطعة من الجبن".
" وتفاح".
" وفطر".
" أعرف مطعما فرنسيا يقدم حساء البصل سنذهب اليه , آه كم أنا جائعة".
أذن ستكونين القائد لأنني لا أتذكر الطريق كثيرا , فقد كنت أذهب مع والدتي ".
أمضت جاكلين أسبوعا تؤمن الأوراق اللازمة , ذهبن كالساعي من البنك الى شركة التأمين , ثم الى مكتب الشهادات ثم الى سفارة توغو , ووزارة الداخلية , أنتظرت كثيرا هناك ثم أخبرت بأن تعود خلال يومين , وأخيرا تم كل شيء , وأصبحت جاكلين جاهزة للسفر , بدأ الليل ينجلي , وغادت جاكلين المنزل صباحا في الساعة الخامسة والنصف ,كان الفجر الرمادي يهيمن بهدوء على الأشجار والأبنية , وما لبثت الشمس أن أشرقت في اساعة السادسة , وبزع نهار جديد , لم تكن وحيدة على الطريق فهناك الكثير من المارة المسرعين , كان حراس الليل يتمشون بثيابهم الزرقاء والبيضاء الطويلة , يغدون الى منازلهم أو يروحون الى أعمالهم , كانت ليزا تنتظرها وسرعان ما خرجتا من المدينة بأتجاه الشرق , لم تكن الطرقات مزدحمة فتمتعتا بمنظر الريف الهادىء , والعديم اللون نظرا لأختفاء بريق الشمس , أحضرت ليزا معها ترموس قهوة حارة ومكثفة , وبعض البسكويت المغذي اللذيذ , مرت بالقرب منهما شاحنة ما لبثت أن تجاوزتهما وهي تهتز وترتجف ,كانت محملة بالمسافرين الذين تمسكوا بحرص بالمقاعد الخشبية الموجودة في مؤخرتها.
أنه لمن الجنون المطلق أن يقطع المرء هذه المسافة للذهاب الى المجمع الأستهلاكي , ألا أن كثيرا من المغتربين كانوا يتوقون الى شراء ما أعتادوا عليه في ديارهم , تذكرت ما قاله ماتيو عن دايانا , عادت الى الوطن أذ لم تستطع تحمل الحرارة والمشاحنات.
فهل يهم المرأة أذا أحبت رجلا توفر الأشياء الكمالية التي أعتادت عليها في وطنها؟ فالحب, والصداقة, والأهتمام الحقيقي تعويض لكل ما ينقص المرء , ولكن ما مدى العلاقة بين دايانا وماتيو ؟ قطعت ليزا أفكار جاكلين سائلة:
" تبدين جذابة للغاية .. ما الأمر؟".
" لا أبدا , كنت أفكر ... أخبريني يا ليزا هل تعرفين خطيبة ماتيو؟".
" تقصدين دايانا ... نعم كلنا نعرفها , كانت عارضة أزياء طويلة جدا شمطاء.... أو بالأحرى كتلة من شعر أحمر , مثيرة... عادت الى الوطن منذ أمد قصير ,أليس كذلك؟".
" نعم , لم تستطع العيش هنا , ولهذا يعتقد ماتيو أن هذا البلد لا يناسب المرأة , فهو يقاومني ويريد رجلا مكاني لهذا العمل".
" أفهم ما تقصدينه".
أرادت جاكلين أن تثق بأي شخص , وأن يكون لها صديقة , وهي تحب ليزا, ثم أردفت ليزا:
"ماتيو يشعر بالمرارة لأن دايانا رفضت البقاء معه , وهو ينتقم منك لأنك أمرأة , ولكن ما علاقتك أنت أذا لم تستطع التكيف مع الضغوط؟".
" شيء من هذا القبيل".
" أنه لمن السخف أن يظن أنك لا تستطيعين القيام بالعمل , أن هذا البلد يعج بالنساء العاملات الناجحات في السفارات وهيئة الأمم وحتما ستنجحين أنت أيضا".
" أعلم هذا ولكن ماتيو لا يقتنع بذلك , وكأنني عثرة في طريقه , أنه يخذلني معظم الوقت محاولا أن يهددني ويخيفني , فكيف يمكنني العمل مع هذا الشخص؟ آسفة يا ليزا عليّ ألا أقول شيئ , ويجب ألا أتحدث عن رئيسي , أنسي ما قلت".
" بالتأكيد , أنك بحاجة أن تفصحي عما في نفسك , كلنا بحاجة الى ذلك أحيانا لا تقلقي لن أتفوه بكلمة فأنا كالبئر العميق".
نمت بعض حشائش السافانا بين القرى ,بينما كانت النباتات الأخرى قليلة ويابسة لذا كان المنظر عاريا وفارغا , وكلما أقتربتا من الحدود ,كلما زاد الأخضرار حيث ظهرت أشجار جوز الهند , كما لاحت مياه المحيط المتلألئة من بعيد , وصلت جاكلين وليزا الى الفاو بعد الثامنة صباحا , كانت مدينة الحدود مفعمة بالنشاط والحيوية كأنها أحد الأسواق التجارية , وملأت الأكشاك بالبضائع التي يندر وجودها في بالقي المدينة.
وصلتا بناء الجمارك الواقع علىالطرف الأيمن من الشاطىء , فنزلت ليزا من أجل الجوازات والتصاريح وأوراق أخرى , بينما مكثت جاكلين ف السيارة تستمتع بمنظر مياه المحيط الأطلنطي التي تتلألأ تحت أشعة الشمس , والتي تتقاذفها الأمواج فوق الشاطىء الرملي , وتستنشق رائحة الماء المالح الممزوجة برائحة السمك.
تمنت جاكلين أن تعود ليزا بسرعة , فقد غدت السيارة عابقة , ودخل الذباب اليها بشكل لا يحتمل ,ولا تملك شيئا لتقضي عليه ,عرضت عليها فتاتان صغيرتان أن تشتري من سلالهن المليئة بالجزر والموز والأناناس , لا أنها تريد فقط شراء آداة لقتل الذباب , وعادت ليزا أخيرا , وأجتازت السيارة الحدود , فتوقفتا عند بناء جمارك , ذهبتا بعدئذ الى البنك لأحضار الفرنكان ت , وتركت جاكلين لائحة القطع مع التاجر لتأخذها منه فيما بعد , أرتها ليزا المجمع الأستهلاكي الجديد ذا الموقف الفخم الخاص بالسيارات .,نظرت جاكلين اليه بدهشة :
" لا أصدق عيني , هل أنا في أميركا؟".
كان المخزن مكيفا من الداخل بشكل مدهش , كم شعرتا بلذة كبيرة , وهما تتمشيان بين الأجنحة التي أمتلأت رفوفها بالبضائع المستوردة من فرنسا وغيرها , قالت ليزا:
" لا أحب عادة التجوال في الأسواق , ولكنني كلما أتيت الى هنا أشعر وكأننا في فترة عيد الميلاد".
وما أن حان وقا الغداء ,حتى كانت السيارة محملة قدر طاقتها بالجبن والفطر , وزيت القلي ,وحليب البودرة , والدجاج المثلج , والصابون , ومئات من لفافات ورق المحارم ,كانت الحرارة لا تطاق في السوق المغطى ... وأحتشد الناس يتدافعون حول الأكشاك ,جلست النساء خلف أكوام البصل , والبندور , يثرثرن ويضحكن , نظرت جاكلين الى مشترياتها , وعرفت ما يتحلى به الأفريقيون , من خيال وأبداع , غادرتا السوق بعد الساعة الواحدة ظهرا يتبعهما طفل يحمل الثلج , وطفلة تحمل على رأسها سلة مليئة بالخضار , كانت السيارة كالفرن , فوضعوا بسرعة المشتريات في السيارة ثم الثلج في البراد المخصص لحماية الأشياء , تناولتا طعام الغداء المكون من قطعة لحم مشوية وحساء البصل في مطعم صغير .
لفتحهما الحرارة عند خروجهما كغطاء صوفي ندي , كانت المقاعد ساخنة جدا , فأضطرتا أن تغطيها بقماش قبل الجلوس فوقها , وخلال دقائق تبللتا عرقا , أنتظرتا عشرين دقيقة حتى أنهى الفاتورة.


وصلتا أخيرا الى الحدود, بعد أن تجاوزت الساعة الثالثة عصرا , نظرت جاكلين الى العلب والأكياس وقالت بفزع:
" آمل أن يسمحوا لنا بالمرور عبر الحدود ومعنا هذه المشتريات".
" كوني هادئة وأخبريهم أن لديك الكثير من الأطفال , وأذا أطالوا المشاحنة أنفجري باكية , فهذه طريقة ناجحة , أياك أن تكوني وقحة".
كان يوما سعيدا فقد أجتازتا الحدود بلا متاعب, حتى أن حرس الحدود عبد نقاط التفتيش عبر الطريق العائد الى أكرا رحبوا بهما , وأفسحوا لهما الطريق دون تفتيش.
كان الظلام قد أرخى سدوله عندما دخلت جاكلين المنزل , بعد أن قادت ليزا الى منزلها , فتح ماتيو لها الباب حال وصولها وأردف:
" أنني مسرور أنك عدت , فالطرقات خطرة أذا حل الظلام , هل واجهت أية صعاب؟".
منتديات ليلاس
" لا كل شيء على ما يرام , هل كويسي هنا؟ لدي بعض الأغراض في السيارة".
علت وجهه مسحة من الدهشة وعدم اتصديق , وبسرعة حمل أول صندوق لينقله الى الداخل , ثم قال:
" أن كويسي ليس على ما يرام , لديه صداع شديد لهذا طلبت منه أن ينام في منزله".
حملت صندوقا آخر وتبعته الى المطبخ:
" يبدو أنك أشتريت ما يحلو لك".
" ليست لومة عاصمة , ولكن مخازنها مليئة بأشياء جديدة".
" نعم".
قطب جبينه وقال:
" أعلم هذا لكنني أرسلتك لشراء قطع تبديل , وآمل أن تكوني قد أحضرتها , فورق المحارم والفطر ليست هي الهدف".
شعرت بخيبة أملها تزحف بداخلها وقالت:
" قطع التبديل في السيارة".
ثم ذهبت لأحضارها , وسلمته الفاتورة واللائحة والوصل , فقال:
" سنتحقق منها الآن كيلا نقلق عليها".
حاولت أن تبدو هادئة , ولكنها أدارت ظهرها وعضت شفتيها , ساد صمت مطبق , وعندما نظرت اليه , رأته يتأملها بعينين سوداوين ونظرات مبهمة.
" آسف سنترك الأمر للغد , فأنت مرهقة , سأعد لك طعاما , أجلسي وسأحضر بقية الأغراض من السيارة".
" سآخذ دوشا لأنني لا أتحمل نفسي هكذا".
وعندما عادت الى المطبخ , كان ماتيو يحضر البيض وقال:
" ما هذه المأكولات يجب أن تخفيها كيلا أشاركك أياها".
" ولكن الأغراض لكلينا , ألسنا نستعمل مطبخا واحدا؟".
" أجل , كم سأدفع لك؟".
أعد لها عشاء فاخرا من البيض والجبن , وهيأ لها شرابا مثلجا ,كانت شديدة التعب , فنهض ماتيو وأمسك بيديها ليقودها لغرفتها .... رأت ضحكة في عينيه ,ولم تستطع مقاومتها.
" أنها نقطة ضعفي الوحيدة".
ضحك عاليا وهو يمسك بيديها , وسحبها اليه ناظرا في عينيها.
" أنه لمن الأجدر أن نتناول دائما عشاء فاخرا معا بدل من أن نتشاجر ".
وتابع بصوت منخفض:
" أنك لذيذة جدا هذه الأمسية".
أصبح وجهه قريبا منها , وألتقت عيناه بعينيها , لم تتحرك , لم تستطع أن تتحرك, وببطء أنحنى عليها وعانقها بدفء, وقفت بين ذراعيه بدون حراك , وسرى فيها دفء لم تألفه , ثم ألتصقت به أكثر وطوقت عنقه بذراعيها ,وبدا الأنسجام واضحا بينهما.
كان رأسها يدور ... داهمها شعور وتساؤلات ... أن هذا جنون , ماذا حدث لي... لماذا يفعل هذا؟ لم تستجب لأحد من قبل هكذا ,ويجب ألا تستجيب له أيضا ,حركت رأسها ودفنته في صدره ....غلبتها مشاعرها , وأحست بضعفها , وقفا هكذا ساكنين لمدة وبدأ يشدها بقوة اليه , ثم أخلى سبيلها وهو يبتسم , لم تنظر اليه خوفا من أن يدرك أضطرابها , ولكنه أجبرها أن تنظر في عينيه.
" يجب أن ننهي خصامنا على هذا النحو أليس كذلك؟".
حدقت به وكأن الكلمات خذلتها...
ضحكت وهي تحاول أن تستجمع حواسها , نظر في عينيها , وتمنى لها ليلة سعيدة , وعندما دخلت غرفتها أخذت تتساءل هل كان ماتيو يعانقها فعلا؟ ماتيو الرجل الذي ينفجر غاضبا في وجهها ويحتقرها , الرجل الذي يثير غيظها على الدوام , لقد عانقها فقط , فكرت في ذلك مضطربة , لكنها لم تكن طبيعية , لا تعلم السبب ولا تستطيع أن تشرح ما حدث.
فأحساسها أملى عليها ذلك ... لا تزال تشعر بذلك الدفء الغريب يسري في أعماقها , كفاك أحلاما ... أذهبي الى السرير ليصحو رأسك . أنه مسرور الليلة تمتعي بذلك قبل فوات الأوان , لم يدم ذلك طويلا , فقد أتى ماتيو الى مكتبها صباح اليوم التالي يرتجف غضبا , ورمى على مكتبها أوراقا , وحدق بها ونظرات الشرر تتطاير من عينيه.
" أنظري لعل هذا يفسر بعض الأشياء".



 
 

 

عرض البوم صور سفيرة الاحزان   رد مع اقتباس
قديم 09-05-10, 04:10 PM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2010
العضوية: 156978
المشاركات: 676
الجنس أنثى
معدل التقييم: سفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 575

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سفيرة الاحزان غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سفيرة الاحزان المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 



4- أتركي الأمر للأقدار
ألقت جاكلين نظرة على الأوراق , فوجدت أنها ملخص لسيرة أعمالها , وأوراق المقابلة التي جرت بينها وبين السيد كريستوفر في نيويورك , أستغرق وصول الأوراق الى أكرا أكثر من شهرين , نظرت جاكلين الى عيني ماتيو المحملقتين فيها وسألته:
" ماذا يوضح هذا؟".
" هذا يفسر تلاؤمك العجيب , وتأقلمك البسيط , وثقافتك الحضارية , ثلاث سنوات في غانا , وسنتان في تركيا , وأثنتان في سويسرا , أظن أن لغتك الفرنسية جيدة".
منتديات ليلاس
" على الأقل لست فتاة شقراء ساذجة".
" لماذا لم تخبريني بذلك؟ لماذا؟".
" لأنك لم تتح لي مجالا للكلام, كما قد تذكر كنت الذي يتكلم دوما".
" كان علي أن أخمن ذلك , لكنني لم أفعل , كنت مغفلا , أعتقد أنك مسرورة لهذا الأنتصار".
ثم خرج من الغرفة صافعا الباب وراءه , لم تشعر جاكلين بلذة أنتصارها , فقد كانت منكمشة على نفسها ,لأن الصدام بينهما يسيطر عليها , أنها تستطيع القيام بعملها , ولكنها هل تستطيع الأستمرار في هذا الجو المشحون يوميا بالأضطراب والتوتر الدائمين بينها وبين ماتيو؟
عملت جاكلين بجهد كبير طوال اليوم كيلا يسرح خاطرها , كان عليها أن توقّع وترسل أكوام التقارير المكدسة على مكتبها , أصبحت على علم بمختلف المشاريع , من التقارير التي قرأتها, والأحاديث التي دارت بينها وبين ماتيو , وزياراتها للمشاريع معه.
من الممتع حقا أن تعلم الحقائق المخفية خلف الأرقام , والأوراق التي تدونها يوميا.
عاد ماتيو الى مكتبها ظهرا يتصرف بأتزان رجال الأعمال وقال:
" نسيت أن أخبرك : لدينا ضيف شاب على الغداء من هل ستكونين جاهزة خلال عشر دقائق؟".
" أجل , قاربت على الأنتهاء".
" حسنا أخبريني متى أنتهيتي ".
وصلا المنزل , فوجدا الضيف في أنتظارهما .
" جاكلين هذا هو ديفيد غوردون وهذه جاكلين دونلي مساعدتي الأدارية".
لم تصدق جاكلين عينيها , هل هذا الرجل الأشقر الطويل هو ديفيد , المتطوع في رابطة السلام , النحيل الجائع الذي أعتاد أن تلتهم طعام والدتها كلما عاد من قريته مارا بأكرا , لقد كبر وغدا رجلا , ما زالت عيناه الزرقاوان تنظران اليها بدهشة وسرور واضحين:
" جاكي".
شدّها اليه معانقا بطريقة ودية ".
"ماذا تفعلين هنا؟".
" أعمل مع ماتيو... كم سررت برؤياك".
سألها وما زالت يداه على كتفيها:
" أين والديك ؟هنا؟".
" لا , في الولايات المتحدة ... أتيت الى هنا وحدي , لقد أصبحت كبيرة كما ترى".
كشر فمه ضاحكا وقال:
" نعم هذا ما ألمسه".
لمست جاكلين نظرات ضاحكة في عيني ماتيو وهو يراقبهما , فأحمرت خجلا , هل يسخر منها؟
قال ديفيد محاولا أن يشرك ماتيو في محادثتهما:
" كنت أمضي معظم الوقت مع عائلة جاكلين عندما كنت متطوعا , أنقذتني والدتها من الموت جوعا , كنت أعمل في منطقة الفولتا , وكلما سنحت لي الفرصة أتيت الى أكرا لدعم معنوياتي , وللتحصبن الطعامي ".
أجابه ماتيو:
" أظن أنك كنت بحاجة الى ذلك".
أحضر كويسي الطعام , فجلسوا الى المائدة , كانت جاكلين فرحة لأنها لم تتناول الغداء وحدها معه بعد وصول الأوراق , لم تتكلم كثيرا متيحة الفرصة للتحدث عن العمل.
كانت فرحتها بوصول ديفيد مضحكة للغاية , ولأنها أعتادت زياراته لهم وهي في السابعة عشر من عمرها , كانا يقومان معا بمباريات في معظم الألعاب , كم أنصتت له وهو يتحدث مع والدها عن أنتاج الذرة , والصيد , والوضع السياسي , كانت معجبة بقوته لتحمله الصعاب كمتطوع , وكلما حدثها عن الناس الذين يعيشون في القرية الفقيرة القذرة , كلما مس شغاف قلبها , أصطحبها عدة مرات الى أماكن ليلية راقية لسماع فرقة موسيقية شهيرة , تحت قبة السماء , وظلال أشجار جوز الهند , لم يستغل أبدا مشاعرها نحوه , وكم تساءلت أن كان يشعر أنها بدأت تحبه , لم تكن عاطفتها أتجاهه صادقة , وما أن عادت الى الولايات المتحدة , وأنغمرت في حياتها الجامعية , حتى نسيته تماما وبسرعة , دارت عجلة الزمن , ست سنوات مضت , وها هو ديفيد يعود الآن أكثر جاذبية متخليا عن نظرات الجائعين , لكن قميصه المطبع على الطريقة الأفريقية , أكد لها أن ذوقه لم يتغير , من المؤكد أنه لا يرتدي هذه الثياب للعمل , لكنه قد يفعل تطبيقا لمبدئه : الخروج عن المألوف أحسن شيء في هذه الحياة.
قرب ماتيو صحن الطعام الى جاكلين , فتلاقت نظراتهما عبر المائدة وقال:
" أتساءل فيم تحلمين؟".
أحست جاكلين بتوهج وجهها , وبدا أرتباكها واضحا أذ حدّق ماتيو في وجهها بحقد , ثم دفع كرسيه الى الخلف , ونهض ليتولى أمر القهوة , ولما توارى عن الأنظار قال ديفيد:
" أشعر بوجود توتر سيء بينكما , أنا لا أتطفل يا جاكلين ولكنني أريد أن أعرف".
" أذن أسألني...".
" هل أنت مرتبطة أم حرة... هل ترغبين بالخروج معي مساء غد؟".
ذهبا معا الى مطعم بالم كورت , مطعم صيني جديد , وجميل يقع على الشاطىء ,لم تتذوق طعاما أشهى منه , ولمن المدهش حقا أن تكون في قلب أفريقيا , وتجلس في مكان على الطراز الصيني , وتأكل طعاما شرقيا شهيا.
تألق ديفيد لهذه الأمسية , فأرتدى سترة مبطنة , وقميصا مفتوح القبة كالسترة , وكما يلبس ماتيو عادة , ضحكت جاكلين في وجه ديفيد معربة عن سرورها وأمتنانها , بينما حدق فيها بعينين ضاحكتين وقال:
" لا زلت كما عهدتك".
" نعم فتاة في الثامنة عشر من عمرها , خريجة جديدة".
" وما المانع في أن تظهري كفتاة مدللة؟".
" عندئذ لن يستخدمني أحد لهذا النوع من العمل , ومع أنني جدية كثيرا كما تر , لم يصدقني أحد".
" ولكنك حصلت على عمل جيد في هذه الشركة , فهي ذائعة الصيت".
"هل تعلم أنني لاقيت صعوبات جمة حتى حصلت على هذا العمل؟ لقد خذلت عدة مرات , وأؤكد لك أن هذا ليس لنقص في مؤهلاتي ... لا صدقني... ولكن لظنهم أنني شقراء غبية ,ولم تساعدني مؤهلاتي على محو ذلك الأنطباع".
" أنه عبء كبير أن تكوني شقراء جميلة".
" كفى يا ديفيد ... حتى أنت لا تعاملني بطريقة جدية ... أن هذه هي مشكلتي".
" آسف لأزعاجك ... أخبريني عن والديك وما يفعلان؟".
يا له من موضوع سهل للمناقشة , فكرت جاكلين وهي تصب الشاي.
" أنهما في الوطن الآن , أشتريا بيتا في مين وسيمضيان فيه قرابة عامين فوالدي يؤلف كتابا عن التطور , ومتى أنتهى منه , سيذهبان ثانية عبر البحار".
" وما الذي جعلك تأتين الى غانا؟".
" كنت دائما أرغب بالعودة الى غانا لأعمل ... أنني أحب هذه البلاد".
شعرت جاكلين بالأضطراب لأنه لم يكن من السهل عليها أن تتكلم عن مشاعرها , فقد أساء فهمها كثير من الناس , وظنها بعضهم أنها فتاة مثالية خيالية.
" حسنا... تعلم أنني عشت حياة رغيدة , حصلت فيها على كل ما أريد بل أكثر , ولكنني كنت أشعر بعدم الرضى عن هذا , كنت أحاسب نفسي, لهذا لم أتمتع بكل ما قدم لي , بينما يعاني الكثيرون بطريقة أو بأخرى , لهذا أردت أن أعمل شيئا".
" أدرك ذلك , أذن أتيت الى أفريقيا لتريحي ضميرك, وتخدمي الفقراء , بدلا من أن ترسلي بضع دولارات الى جمعية العميان ".
" كيف تجرؤ يا ديفيد على قول هذا؟".
" أذا هذا ليس قصدك؟".
" ظننتك تعرفني تماما".
" لا... كنت صغيرة في السادسة عشر من عمرك عندما كنت ألقاك, لطيفة , مرحة ,وحادة".
لم تقل جاكلين شيئا , أذأ هو على حق, فقد تغيرت أفكارها خلال تلك السنوات الست التي لم تعد تجتمع به.


أردف ديفيد:
" أنظري الي يا جاكي".
نظرت الى عينيه الزرقاوين الصافيتين فقال:
" أردت أن أعرف الدوافع التي قادتك الى هنا , ولكنني أخطأت بطرح الموضوع , وأريد منك ألا ترتكبي الخطأ نفسه الذي أرتكبت , لا تكوني متطوعة".
بدا ديفيد حزينا , تذكرت جاكلين حماسه عندما كان يكافح لوضع المشاريع للقرية , وما أصابه من خيبة أمل , وغضب فعلقت قائلة:
" لقد تحررت من الوهم".
" لقد عانيت خلال مدة عامين عندما عدت الى الولايات المتحدة , حتى تمالكت نفسي من جديد ".
" وأراك أمامي الآن".
" ولكنني تعلمت درسا لن أنساه , أنظر الى الأمور بموضوعية , وبهدوء على الدوام دون أي نظرة عاطفية".
" تبدو ساخرا الآن , لا بد أن هناك حلا وسطا".
" أريد أن أكون عمليا وعاقلا , وأريد أن تكوني كذلك".
" أن عملي لا يستوجب أي تورط عاطفي".
" أنه غاية في الجد ... تعالي نتمشى على الشاطىء ".
خلعا أحذيتهما , ومشيا على الشاطىء حفاة على الرمل القاسي الرطب , تطايرت تنورة جاكلين الطويلة حول كواحلها , فشعرت بحريتها وسعادتها دون مراقبة ما.
هتفت جاكلين في أعماقها:
" أنني دائما مراقبة , أفكر بماتيو وماذا سيظن , وماذا سيقول , وكيف سيتصرف... لا ...".
لا تريد أن تفكر به الآن.
لم تسمع ألا أصوات الأمواج المزمجرة , الزاحفة نحو الشاطىء , المتلاشية عند أقدامها , كان زبد البحر يتلألأ بشكل رائع تحت أشعة القمر , شعرت جاكلين بضآلتها أمام خضم مياه المحيط ,والنجوم المتلألئة في قبة السماء.
تابعا مسيرهما متشابكي الأيدي , يتمتعان بهذا الجو الساحر وفجأة رمى ديفيد حذاءه على الرمال ,ووقف يحدق في وجهها , توقفت هادئة , ونظرت في عينيه فقال:
" أنني شاعري للغاية".
شدها نحوه فأقتربت منه بدورها.
وبعد منتصف الليل , قادها الى منزلها فقالت:
" أشكرك يا ديفيد , كانت سهرة رائعة".
" ولي أيضا ".
ثم مال نحوها وقال:
" سنسهر معا قريبا ,ولكن لا تنسي ثياب السباحة".
أستلقت على سريرها تفكر بديفيد وبنزهتهما على الشاطىء , ماذا قال بعد أن عانقها( أن هذا لذيذ) نعم كان ذلك لطيفا , ولكن... لا يكفي , هناك شيء مفقود , أنها الشرارة الكهربائية , أدارت نفسها وهي تقرب الغطاء منها , هل ترغب في شيء خيالي , شيء لا يوجد ألا في القصص العاطفية , أنها على يقين من ذلك , على الرغم من أنها عاشت تلك اللحظات , ومنذ أمد قريب عندما عانقها ماتيو عقب عودتها ذاك المساء متمنيا لها ليلة سعيدة , فسرت شرارة كهربائية في أوصالها , ومع أنه لم يكن من الأشخاص المفضلين لديها.
أنها تريد أن تحب شخصا بجنون , أنسانا يفقدها أتزانها , ويحرك سكونها من الأعماق , ويسارع من نبضات قلبها.
تنهدت وهي تنظر الى السقف... لا يوجد هذا النوع من الرجال ,ولا يوجد في الحقيقة هذا الحب الذي يتضمن كل ما تطلبه , والذي يرضي أحلام الفتيات , همست لنفسها وهي تشعر بالحزن والخسارة :
" لا زلت طفلة يا جاكي".
ثم ما لبث الكرى أن داعب عينيها.
لم تفتقر جاكلين لصديق , فمن السل جدا لفتاة تعيش وحيدة , أن يحوم حولها شبان كثيرون , متحمسون في مدينة كأكرا يدعونها الى العشاء والمراقص ,ولكنها فضلت أن تمضي معظم أوقات فراغها بصحبة ديفيد حيث أستمتعا بالسباحة والرقص , ومشاهدة الأفلام , لم يدعا فيلما من الأفلام المعروضة في المدينة ألا وشاهداه , كانت جاكلين تستمتع بأوقاتها مع ديفيد , ولكنها في كل مرة تكتشف التغيير الذي طرأ على شخصيته , لقد أختفى حماسه الذي كان جزءا منه ,ويؤلمها أن يتكلم بسخرية وتشاؤم عن المشاريع التي يعمل بها عندما يسأل عنها , لم توافق على هذا ولكنها لا تستطيع أن تغير هذه السلبية , كانت جاكلين تقبل دعوة غيره من الشبان بين أونة وأخرى , ولكنها سرعان ما تتعرض لبعض المضايقات التي لا ترضى عنها , وفي أحدى الليالي تعرضت لأزعاج كبير , فأضطرت أن تحد من تصرفات شخص خرجت معه , وما أن وصلت الى المنزل حتى كادت تنفجر.


ألتقت بماتيو مصادفة , وهي في طريقها الى المطبخ لتأخذ كأسا من الماء البارد وما زالت في أوج غضبها , جذبها من يدها فأنفجرت مزمجرة:
" لماذا هذا الأنفعال , هل أنت مجنون؟".
" نعم , بالتأكيد".
" ماذا فعلت لك الآن".
منتديات ليلاس
أجابها والدهشة تملأ عينيه , وهو ينظر بأحتقار اليها:
" لا شيء هذه المرة , أنني مجنون من الشخص الذي خرجت معه , أتى الى المكتب لزيارتك الأسبوع الماضي".
أخذت زجاجة الماء من الثلاجة ,وصبت لنفسها كأسا , عبس ماتيو وهو يقول:
" هذا الفتى الذي لا يستطيع كبح جماح نفسه".
" أنا لا أعلم شيئا بهذا الخصوص ,ولكنني أعلم أن أفكاره عن المرأة الغربية غريبة جدا".
" ألم تسهلي له المهمة؟".
تابع كلامه , وهو ينظر اليها بأزدراء من رأسها الى أخمص قدميها ببطء وتكاسل , فعضت جاكلين على أسنانها غاضبة:
" هل لي أن أسألك ما قصدك؟".
أجابها:
" أنظري الى هذا الثوب الذي ترتدين".
نظرت الى ثوبها البنفسجي ,والأزرق الطويل المنسدل الى الأرض ,كان ثوبا جميلا ملائما لها , ولكنها لم تدرك على الأطلاق ما قصده ماتيو :
" وماذا عن ثوبي؟".
" أنك لا تتركين شيئا للتخيل . أليس كذلك؟".
" أننني مغطاة من رأسي الى أخمص قدمي كما ترى".
" لا فرق في هذا".
" وما عليّ أن أفعل أذن؟ هل ألف خيمة حولي , وأدّعي أنني أزن مئتي رطل؟".
" تعالي الآن ".
أخذ كأس الماء من يدها .
" لا تغضبي مني ,أنني وثق كل الثقة أنك تتمكنين من المشاجرة ,ولكنني أرى أنه يكفيك التشاجر مع شخص واحد في الليلة الواحدة ".
وضع كأس الماء في الحوض وتابع كلامه:
" من الأفضل لمن له حياة أجتماعية مثلك , أن يحتفظ بقوته".
غلى الغضب في عروقها , وهي تنظر الى وجهه الساخر , ومنكبيه العريضين , فرأت في عينيه أنه يتوقعها أن تثور في وجهه , حسنا لن تفعل , لا تدري من أين جاءتها القوة وطول البال , حتى سيطرت على أعصابها , وأبتسمت في وجهه قائلة:
" أنك محق يا ماتيو , ليلة سعيدة ".
ثم خرجت من المطبخ دون أن تنظر اليه.
" أتمنى لو أستأجر شقة في مكان آخر".
همهمت وهي تخلع حذاءها , تستطيع على الأقل أن تعود ليلا الى مطبخها , فتأكل ما شاءت بدون أن تلتقي به , أنها برفقته طوال النهار , ولكن من المؤكد أنها لن تعثر على سكن , وتحب ضمنا هذا المكان : أنه صغير , ومريح , وأنيق بستائره البراقة ,ووسائده والأضواء التي أحضرتها من وطنها , أعطتها ليزا سجادة صغيرة ليست بحاجة لها , فبدت جميلة على الأرض الخشبية , أحبت المفروشات البسيطة التي صنعها لها أحد النجارين في طرف الشارع.
خلعت ملابسها وهي تتنهد, لم تمض سوى عدة أشهر , حتى أصبحت مرتبطة عاطفيا بمنزلها , كم تشعر بمتعة عندما تجلس على الشرفة تقرأ أو تكتب , أو تراقب التماسيح الصغيرة وهي تسابق بعضها بعضا , أو تراقب البستاني وهو يشذب الحديقة بعد عودته من قريته , كان فخورا بعمله , وكثيرا ما كان يحضر أبنته معه , كي تلعب مع أبنة كويسي , كم تستمتع بمراقبتهما ,وهما تطاردان دجاجات كويسي , فتضحكان وتصرخان.
وقفت جاكلين تحت الدش تفكر , لماذا لا تترك العمل... وتخبر جينكنز أنها أحبت العمل , ولكنها لا تحتمل الرئيس , سيسر ماتيو جدا بهذا , أنها واثقة من ذلك , خرجت من الحمام ونشفت جسمها , لم تكن العودة الى الوطن حلا جذريا لهذه المشكلة , لأنها لا ترغب في ترك عملها , أنها تحب غانا وتحب عملها , ولكنها لا تتحمل ماتيو سيمونز .
أنهمكت جاكلين كثيرا في عملها ,حتى أنها لم تنتبه لدخول ماتيو الى المكتب , نظرت اليه مندهشة عندما رأته يقف أمامها قائلا:
" يجب أن نذهب الآن لنصل الحفل في الساعة السادسة".
" وأي حفل هذا؟".
لم تسمع عن الحفل , ولا تريد الذهاب اليه ...
" لم أسمع شيئا عن هذا الحفل ولا أريد الذهاب , لم أتلق دعوة".
" لا داعي... ستذهبين في كل حال... هلمي".
أنه يريد أن يملي عليها تصرفاتها حتى في أوقات فراغها ,ألا يكفي أنها تعمل معه معظم نهارها , وتشاركه المنزل نفسه , وتأكل معه وجبات الطعام , لترافقه أيضا الى الأماكن الأجتماعية , أنفجرت شرارة التمرد في داخلها:
" لن أذهب".
" لن تذهبي! هل لي أن أعرف السبب؟".
" لقد أخبرتك , لم أتلق دعوة , وأشعر بأنني سأصاب بصداع شديد هذه الليلة , أنه ألم الشقيقة".
أقترب منها أكثر , وأنصبت عيناه في عينيها وقال:
" ستذهبين , لن أستطيع أن أقنعك بشكل أفضل يا صغيرتي , يجب أن تذهبي لأن الحفل يتعلق بالعمل".
داهمها شعور مفاجىء من اللامبالاة وقالت:
"هل أذهب لأرضائك؟ وهل ستطردني من العمل أن لم أحقق رغبتك هذه؟".
نصب قامته , ووضع يديه في جيوبه , حملق لمدة طويلة بها وقال ببطء:
" ليس في نيتي ذلك".
" مفاجأة , ألا تريد فصلي من العمل , كنت أعتقد أنك تتوق لذلك".
" ليس من عادتي أن أفصل الموظفين الذين يقومون بواجبهم على أكمل وجه".
لم يكن يجاملها , بل خبرها الحقيقة الواضحة , فهي واثقة من قدرتها على العمل , لم تستطع أن تتجاهل سؤالا راود مخيلتها فقالت:
" حتى ولو كان الموظف أمرأة".
كان وجهه قاسيا وصلبا ,ولكنها لم تتجنب نظراته.
تريدين تذكيري بما مضى , أليس كذلك؟ أذن دعيني أخبرك يا صغيرتي أنني أهتم بالعقل والكفاءة , والقدرة على التحمل , وليس الشكل , لن أهتم ولو كنت ديناصور ( حيوان ضخم من الزواحف المنقرضة) أن كل ما يهمني هو تنفيذ عملي بأتقان.
أضحكها أنفعاله هذا ,ولكنها خشيت من ذلك, فأجابته متهكمة:
" كم تلهفت لسماع علائم أطرائك لي , فهو يجعلني ناعمة كالزبدة ".
ألتقت عيونهما للحظة ,ولم يتفوها بكلمة , ثم مشى ماتيو نحو الباب وقال:
" أنني ذاهب الى المنزل الآن , آمل أن تكوني جاهزة الساعة السادسة ألا عشر دقائق"
. قرع ماتيو باب غرفتها , وكانت غير مستعدة بعد , قالت لنفسها , لينتظر , متجاهلة قرع الباب , ليس عليها الا أن تضع أقراطها , وترتدي ثوببها الطويل , وتنتعل حذاءها , وبعد لحظة فتح الباب أكثر , ورأت ماتيو يقف أمامها أنيقا , نظر

اليها وكأنه يقيمها:
" حسنا , لن تنتهي أمرأة في الموعد المحدد , أليس هذا صحيحا؟".
لم تستطع أن تبقى هادئة , وهي تتلقى نظراته المتفحصة , لكنها لم تطلب منه أن يغادر الغرفة كيلا يضحك منها , فهي لا تريد أن ترضيه , حاولت أن تضع أحد أقراطها وهي تتجاهله , ومن شدة أرتباكها سقط برغي القرط في المغسلة , فأسرعت بألتقاطه , وحاولت أن تعيده الى أذنها ولكن عبثا , فسألها:
" هل أزعجك".
"لا".
ضحك عاليا لأن صوتها دل على أنزعاجها , كتف يديه , وأسند ظهره الى الباب وقال:
" لو كنت تؤمنين بالفضيلة , لما سمحت لرجل أن يدخل , الى غرفتك".
": في الحقيقة أنني مستمتعة بهذا".
بدل وقفته ولكنه لم يذهب خارج الغرفة , أرتعشت أصابعها كثيرا , وأحمرت أذنها ,ولم تستطع أدخال القرط في أذنيها , فقال لها ماتيو:
" دعيني أساعدك".
ووضع يده على كتفها , فهربت منه قائلة:
" أخرج من هنا".
" ليس الآن , تبدين أكثر جاذبية , وأنت هكذا ".
أمسك بكتفيها :
" أنك ترتجفين , لا تقلقي ليس في نيتي أرتكاب جريمة...".
جذبها اليه كانت تريد أن تقاومه , ولكنها لم تستطع , فقد كان أقوى منها , كان عناقه قويا , أحست بيديه القويتين الدافئتين على ظهرها , أستكانت بين ذراعيه وعانقته بدورها.
"لا , يجب ألا أستسلم له كلما شاء أن يلمسني .... يجب أن أقاومه ....".
كان هذا يدور في عقلها وهي ما زالت بين ذراعيه.
داعبت يداه ظهرها , ثم تخللت أصابعه في شعرها , حتى أنسدل على كتفيها , قبل عينيها المغلقتين , فأختلج قلبها كطائر , لم تعد تفكر في شيء , كانت قدماها ترتعشان عندما تركها , فأبتسم في وجهها بضحكة عريضة وقال:
" أرى أننا نستطيع الأنسجام بلا عصير وعشاء فاخر , ما رأيك؟".
" أتركني وحدي , أخرج من هنا".
" حاضر يا سيدتي".
رأته بالمرآة كان يعض شفته , والأبتسامة تلوح في عينيه , خرج وأخرج الباب وراءه.
جلست جاكلين على حافة السرير ترتجف , لماذا فعل هذا؟ هل لاحظ تأثيره فيها؟ هل فعل هذا ليشعرها أنه رئيسها مهما كانت الظروف والأماكن؟ وقفت وحاولت أن تعيد تصفيف شعرها بيديها المرتجفتين , ثبتت الأقراط في أذنيها , ثم ذهبت لتكمل زينتها , نظرت الى نفسها في المرآة راضية.
لم يتفوه أحدهما بكلمة حتى وصلا الى منزل جورجينسونز كان الحفل في الحديقة التي أنيرت بالكهرباء , تحت قبة السماء , وظلال أشجار المانغا والنخيل , ألتف الناس في حلقات يتسامرون , عرّفها ماتيو على الجميع , ولكنها حاولت جاهدة أن تحفظ أسماء الدبلوماسيين , ورجال الأعمال من أهل غانا وأميركا , ثم تركها لشأنها , فسرت كثيرا وهي تتحدث الى السيد فوردور من رجال أعمال غانا , زار السيد فوردور أوروبا والشرق الأوسط , وقص عليها الكثير من مغامراته الشيقة التي تراكمت بسبب أسفاره, وعندما أنتقلت الى جهة أخرى , قابلت أناسا ممتعين , كانت ترى ماتيو بين الفينة والأخرى , وهو يتكلم مع أصدقائه , واضعا يده في جيبه , ويمسك بالأخرى كأسا من الشراب , كان يبدو جديا معظم الوقت , لم يأت للتسلية , بل لينتهز الفرصة كي يناقش أمور العمل ,تمنت جاكلين ألا تعيره أهتماما , فقد كانت تراقب كل حركاته , أين كان , ومع من تكلم , ها قد تحرك من مكانه , وكيف تحرك , وعندما وجدته وحيدا للحظة , أخذت تحدق به , وفجأة كأنه شعر بنظراتها فنظر اليها , ألتقت عيناهما فضحك لها , وبالطبع أشاحت بوجهها عنه لتتجاهله , ولم تبادله الأبتسامة , وبعد لحظة سمعته يهمس قربها:
" ما زلت حانقة علي؟".
أذن لقد لاحظ أنها تجاهلته , هل يريدها أن تتغاضى عن تصرفاته كأن شيئا لم يكن , أجل أنها حانقة , وستبقى كذلك ,نظرت اليه ببرود صقيعي , فقال لها:
" لم أدخل غرفتك لهدف ما , أنت التي طلبت أن أفعل".
" أنا , أنا طلبت منك ذلك وأنت بالذات؟".
" لم تقولي ذلك ولكن كان مظهرك مثيرا , وكان عليك أن تدركي ذلك جيدا".
أطبقت أسنانها بحدة وغضب:
" كنت في غرفتي الخاصة ولم أطلب منك الدخول ".
" ولكنك لم تعترضي على دخولي ألا عندما أقتربت منك".
لم يكن لديها ما تقول , فضحك من غضبها الساطع , أمسك بذراعها وقال:
" تعالي نأخذ كأسا من العصير لعله يزيل حدة توترك , ثم تنهد قائلا :
"لماذا تصنعين من الحبة قبة يا جاكي , أين أختفت روحك المرحة؟ تتصرفين وكأنني أذيتك , وكما أذكر لم تحاولي مقاومتي".
لان وجهها قليلا وقالت:
" لست على حق في أن تدخل الى غرفتي هكذا".
نظر اليها بهدوء دون أن تستطيع قراءة عينيه وقال:
" حسنا , أنني أعتذر".
حملقت به مندهشة ,لم تفهم شيئا من وجهه , ولم تسعفها الكلمات فأردف:
"حسنا , هل تريدين عصيرا الآن؟".
" نعم من فضلك عصير الليمون".
غاب ماتيو وسط الجموع , لم تصدق أذنيها , هل حقا أعتذر منها , لا , لا تصدق... أن ماتيو لا يعتذر مهما كانت الظروف , دوى صدى كلماته في مسمعها , فشعرت أن الموضوع قد أنتهى طالما أنه أعرب عن أعتذاره , وبعد أن فكرت بأعتذاره , أدركت أنه نوع مختلف من الرجال , ومع أنه أعتذر , لكنه المنتصر دوما.


عاد ماتيو بالعصير , ثم تكلما مع بعض الناس , وبعد ذلك تركها وشأنها , وذهب ليتكلم مع شخص آخر ,وخلال تجوالها ألتقت جاكلين بدافيد وجها لوجه , وضع يده على كتفها مرحبا:
" لم أكن أعرف أنك موجودة".
" لا لم يكن متوقعا أن آتي , أتيت بأمر من رئيسي ".
" لا تدعي السفير يسمع ذلك , فقد ينفيك من هنا , دعينب أعرفك على بعض الأشخاص".
صافحت جاكلين الكثيرين ومن بينهم أستاذ جامعة من هولندا وجراح من غانا , وصاحب مكتبة من لندن , عاد ماتيو ليصطحبها في عودتهما للمنزل وفي السيارة قال لها:
" لقد أستمتعت بهذه الأمسية , أليس كذلك؟".
" أجل , أنني لا أحب تذمر السيدات من الخدم , وعدم توفر جميع أنواع الأطعمة ألخ... فمن لا تتكيف مع العيش هنا , عليها أن تعود الى بلادها".
أجابها بجمود:
" هذا صحيح".
شعرت جاكلين أنها أساءت اليه , فقد يظن أنها تقصد دايانا التي عادت الى وطنها لأنها لم تحب غانا , أن تعليقها غير لائق وهي تأسف لذلك .
" آسفة , لم أقصد أن أقوّم تصرفات الآخرين".
أبتسم بفتور وقال:
" لا بأس , أنك على حق كما تعلمين".
قاد السيارة ببطء عند المنعطف ,ثم نظر اليها وقال:
" هل تتذكرين الرجل ذا الثوب الأزرق الطويل السيد مينيلا؟ ".
تذكرت الثوب , فقد كان مطرزا مما يشير الى أن صاحبه من شمال المدينة.
" أجل تقصد الشاب الذي عاد من كانساس يحمل شهادة دكتوراة في العلوم الزراعية".
" نعم , أنه هو , أخبرني أنه أبن أحد الأعيان ي الشمال ".
داس ماتيو الفرملة كيلا يصطدم بسيارة أجرة ظهرت فجأة ثم تابع:
" لقد زارني في مكتبي منذ عدة أسابيع ولم تكوني موجودة حينئذ , أخبرني أنه يهتم بمشروع يتعلق بفول الصويا في قرية والده , وبناء على معطياته , أرى أن ندرس المشروع , يريد مني أن أذهب الى القرية وأقنع أباه والأعيان في القرية بآرائه , وقد كرر الدعوة هذا المساء , قررت أن ألقي نظرة هناك ., أعتقد أن الشاب متحمس للمشروع , أحساسي أنه سيقوم بعمل جيد".
فسألته جاكلين:
" وهل ستقطع كل تلك المسافة لتلقي نظرة؟".
" نستطيع أن نقوم ببعض الأعمال في طريق العودة ".
أستقرت نظراته عليها وسألها:
" ما رأيك لو نذهب معا؟".
" لماذا؟".
" يستطيع ستيفن أن يتكفل بأمور الماعز في الأسابيع القليلة المقبلة , أعتقد أنه بأمكانك مساعدتي هناك , ستدونين ملاحظاتك , وتكتبين تقريرا عما سنجده هناك , وأذا كانت جديرة بالأهتمام ... ستعدين بحثا دقيقا عن معظم الحقائق والأرقام".
جلست هادئة تفكر بهذا الأقتراح , بدا الأمر ممتعا للغاية , وهذا يعني أنها ستهتم أكثر بالأعمال الفعلية التابعة للشركة وهذا ما ترغب به , ولكن ما خلفيات هذا الأهتمام ؟ هل أكتشف ماتيو أن لديها أمكانات يريد أستغلالها ؟ أنه صادق وأيجابي في تقدير عملها.
" يسرني أن أذهب أن كان بوسعي مساعدتك".
دخل شارع منزلهم , فهرع علي عائدا من زيارة صديقه , ليفتح لهما البوابة.
" لن يكون الأمر سهلا".
أجاب ماتيو وهو يفتح لها الباب لتدخل , لا بد من بقاء السيارة معنا في القرية , لهذا لن نذهب بالطائرة الى تامال , سنغادر في آخر الشهر ونصل الى هناك خلال يوم واحد".
منتديات ليلاس
" سنصل لتامال في يوم واحد؟".
" ألا تستطيعين ذلك؟".
فهمت ما يعنيه من هذا السؤال فقالت:
" أنا طبعا أستطيع , ولكن هل تساعدنا السيارة في هذا , أنني أفكر بمشكلة السيارة".


فتح لها الباب الخاص بها وقال ضاحكا:
" أتركي أمر السيارة للأقدار".

 
 

 

عرض البوم صور سفيرة الاحزان   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لن تخدعني, لولا هيامي, دار النحاس, karen van der zee, روايات مترجمة, روايات رومانسية, روايات رومانسية مترجمة, روايات عبير, روايات عبير المكتوبة, sweet not always, عبير, عبير القديمة, كارين فان درزي
facebook



جديد مواضيع قسم روايات عبير المكتوبة
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t140886.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 05-01-18 05:31 AM
ظ„ظˆظ„ط§ ظ‡ظٹط§ظ…ظٹ ظƒط§ط±ظٹظ† ظپط§ظ† ط¯ط±ط²ظٹ This thread Refback 07-08-14 11:59 PM
ظ„ظˆظ„ط§ ظ‡ظٹط§ظ…ظٹ ظƒط§ط±ظٹظ† ظپط§ظ† ط¯ط±ط²ظٹ This thread Refback 30-07-14 10:58 PM


الساعة الآن 02:21 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية