منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات احلام المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f457/)
-   -   226 - حزن في الذاكرة - كيت والكر ( كاملة) (https://www.liilas.com/vb3/t95705.html)

nightmare 11-10-08 09:35 AM

226 - حزن في الذاكرة - كيت والكر ( كاملة)
 
حزن في الذاكرة
روايات احلام

كـ xt & كـ وورد هنـا
كيت والكر
من هو هذا الرجل الذي راح يهاجم أيف في مساء أحد الأيام ؟
كانت عيناه تقدحان شررا كانه يريد ان يطبق الخناق عليها ....
-انا لم التقِ بكَ من قبل .... انا لا اعرفك !!!
--لا تكذبي .... اللعنة عليكِ !
أنتِ تعرفينني جيداً ....
أنتِ زوجتي ...
أوَ يعقل ان تنسى امرأة انها كانت متزوجه لثلاث سنوات من صاحب أجمل عينين قاتمتين ؟
ام تراها احدى الاعيب كايل الغامضة ؟
كان على ايف ان تفك رباط الذكريات وتسترجع ماضٍ دفنته منذ زمن ..
غير انها لم تكن تريد خوض غمار هذه التجربة ...
لكن كايل كان دائماً موجوداً ليثبت لها , وبإصرار غريب ...ان حديث الذكريات ابداً لا ينتهي ....منتديات ليلاس
:liilas::liilase:

nightmare 11-10-08 09:39 AM

إن شالله مش موجودة
عشان انزلها كاملة
لعيون شباب ليلاس عامة
و لــ safsaf خاصة

فيفي و بس 11-10-08 09:42 AM

صباح الخير night mare انتي دائما بتختاري ا لروايات الحلوة بانتظار الرواية يعطيكي الف عافية

Rehana 11-10-08 02:43 PM

هذا الرواية..قرأتها من خلال المنتدى..لكن في منتدى روايات

أحـــــــلام المكتوبة..غير موجودة..اتمنى لك التوفيق

aghatha 11-10-08 02:56 PM

thnx for your efforts nightmare we r waitin

nheen 11-10-08 06:06 PM

thaaaaaaaaaaaaaaaaaanks

nightmare 12-10-08 06:20 AM

حزن في الذاكرة
روايات احلام
كيت والكر
من هو هذا الرجل الذي راح يهاجم أيف في مساء أحد الأيام ؟
كانت عيناه تقدحان شررا كانه يريد ان يطبق الخناق عليها ....
-انا لم التقِ بكَ من قبل .... انا لا اعرفك !!!
--لا تكذبي .... اللعنة عليكِ !
أنتِ تعرفينني جيداً ....
أنتِ زوجتي ...
أوَ يعقل ان تنسى امرأة انها كانت متزوجه لثلاث سنوات من صاحب أجمل عينين قاتمتين ؟
ام تراها احدى الاعيب كايل الغامضة ؟
كان على ايف ان تفك رباط الذكريات وتسترجع ماضٍ دفنته منذ زمن ..
غير انها لم تكن تريد خوض غمار هذه التجربة ...
لكن كايل كان دائماً موجوداً ليثبت لها , وبإصرار غريب ...ان حديث الذكريات ابداً لا ينتهي ....
1-تعرفه او لاتعرفه
-كيف تجرؤين؟ كيف تجرؤين بحق الجحيم؟
بدت لأيف تلك الكلمات الغاضبه وكأنها وحش يندفع بقوة من الظلام ليوجه اليها صفعه عنيفه. كانت لا تزال مسمرة عند عتبة الباب، وبقيت لثانيتين لا تعي شيئاً، والمفتاح في يدها المرتفعه. كل ما كانت تعيه، هو الغضب الاسود في الصوت الذي سمعته...وما لبثت ان استجمعت افكارها مرة اخرى، وادارت تقطيبة مشوشة لصاحب الصوت، وهي تدفع الى الوراء خصلات ناعمة من شعر اشقر ذهبي، بعثرته الريح فوق وجهها.
منتديات ليلاس
-ارجو المعذره؟
ادركت في اللحظة التي تكلمت فيها، انها وحيدة وان الشارع الجانبي الهادئ خالٍ تماماً...وعلمت ان الصوت الذي سمعته كان صوتاً رجولياً من دون ادنى شك.
اما الجواب الذي تلقته فصمت اخرسته الدهشه كصمتها، فاستنتجت ايف في لحظة ان شيئاً ما في ردة فعلها قد ادهشه، ودت بكل شدة لو تستفيد من هذه الفرصة الضئيلة لتفتح الباب وتندفع داخل المنزل، لكنها سيطرت على اعصابها وهي تقنع نفسها ان ما من ضرورة لرد فعل متسرع ... على اي حال، ما كان عليها الا ان تضغط على زر الجرس، او تصرخ، ومن ثم يخرج جيم في اقل من ثانية، لا سيما انه يجالس الاولاد في تلك الليلة.
ثم عمدت الى رفع صوتها بترفع وبرودة:
-اعتقد انك ارتكبت خطأً ما.
ورفعت رأسها باستكبار وهي تدير عينين زرقاوين واسعتين الى الصوت الغامض...كان الرجل الذي وجه اليها الاتهام، لا يزال مختبئاً في الظل، بحيث ان كل ما استطاعت ان تراه هو شكله الضخم.
-انت تخاطب الشخص الخاطئ، هذا كل شئ...و...
-اوه لا ...حبيبتي...
اياً كانت المفاجأة التي احدثتها في نفسه، فقد استفاق من وهلها الآن فأضحى صوته جازماً واثقاً مرة اخرى، وقد تخللته لكنة ما... لكنة اميركية ...كما لاحظت ايف من دون تفكير عميق...لكنها لاحضت ايضاً ان صوته احدث فيها إعجاباً واضحاً.
-لست المخطئ... بل انت... ولست ادري كيف تجرأت على الاعتقاد بأنك قد تفلتين من العقاب...
اما ذعر ورعب ايف، صمت فجأة، وتمتم بشتيمه عنيفة، عكست الغضب الذي لم يعد يستطيع ان يكبح جماحه. وبسرعة تلاشت ثقة ايف بنفسها، وخطت خطوة سريعة الى الخلف، نحو الباب، وراحت تدفع المفتاح في القفل بأصابع ترتجف بعصبية. بات واضحاً انه يحسبها شخصاً آخر...لكن، تبين كذلك انه لم يكن على استعداد للإصغاء الى المنطق.
-لا..ايف...اللعنة عليك... انتظري!
ايف...اسمها وحده جمدها مرة اخرى، وبدا لها ان في رأسها ضباب من الصدمة. انه يعرف اسمها... لابد انها التقت به قبلاً...ولو لوقت قصير...ربما في حفلة عيد الميلاد التي اقامها جيم ودايان.
-اوه ... لا ...لن تهربي مني مرة اخرى.
اعادت الرنة الخشنه في صوت الرجل سلسلة اسئلتها الحائرة الى الحاضر. كان قد تقدم خطوة الى الامام، ومد يده وكأنه يريد الإمساك بها.
فما كان منها الا ان ابتعدت عنه بدافع غريزي. فوصلت الى النور الذي كان يشع من زجاج الباب... وحين تسلطت عليها الاضواء، اضيئ وجهها كله، فسمعت الرجل يسحب نفساً سريعاً متحشرجاً، واحست بنظرته تنتقل عليها، من الشعر الحريري الاشقر المتموج، مروراً بالوجه الشاحب المستدير كما القلب، الى عينين زرقاوين قاتمتين كبيرتين بشكل غريب، وانف شامخ الى فوق، وانتهاءً بفم ناعم ممتلئ، قبل ان يتابع تجواله فوق جسمها.
لو تمكن من رؤيتها منذ سنتين، لأبصر شكلاً مختلفاً، واجفلت ايف لتفكيرها هذا ولمرارة الذكرى اللاذعه... لكن القلق والخوف شلاّ تفكيرها، واعاداها بقوة الى وضعها الحالي. وفجأة قطعت كلماته حبل افكارها مرة اخرى.
قال بلهجة جديدة مختلفه تماماً:
-لا تتلاعبي معي ايف! ...لقد فات الاوان لهذا.
هذه المرة اجتاح ايف نوع آخر من الخوف، واحست كأن الآلاف من اجنحة الطيور المجفله تتضارب مذعورة داخل قفصها الصدري، فراحت تتنفس بسرعة، وبشهقات غير سوية...هل تعرفه؟ وما كادت تفكر بهذا السؤال، حتى ساورها شعور رهيب...اتريد حقاً ان تعرف الجواب؟ لقد توصلت، ان لم نقل الى الامان، فعلى الاقل، الى نوع من الرضوخ لواقعها، خلال الوقت الذي عاشت فيه مع جيم ودايان...فهل ترغب في خسارة كل ما كافحت بقوة للحصول عليه؟
-من...من انت؟
-اوه ... ايف ... الا تعرفين؟
بدا في الصوت اللطيف لمسة سخرية وتأنيب. اثارت نبرته في ذهنها احساساً يفوق الحزن، وكأن شخصاً ما اخذ يمرر حديداً احمراً ساخناً فوق اعصابها وسيطر على داخلها الذعر الاعمى.
-لا ... لا اعرف! ويمكنك ان تتوقف عن الاختباء في الظل وكأنك جبان يثير الشفقه!
وعرفت، حين ارجع رأسه الى الوراء ان اتهامه بالجبن لم يعجبه... لكنها اكملت:
-اذا كان لديك ما تقوله لي، فلتملك الصدق والذوق، لتواجهني به!
-حسن جداً ...
بدت الثواني الثلاث التي لزمته ليتقدم نحو النور وكأنها دهر. حينها احست بقلبها يخفق عالياً، فراحت تتنفس بصعوبة، قبل ان يتوقف امامها اخيراً، ويصبح مرئياً بوضوح.
سأل باللهجة المستخفه ذاتها، وابتسامة ساخرة تكور شفتيه:
-اهذا افضل؟
لكنها لم تعرفه ... ولم تعرف ايف هل تحس بارتياح او خيبة امل سوداء مريرة. انها لا تعرفه! او على الارجح لم تعرفه يوماً ... اذ كيف لها ان تنسى مثل هذا المزيج القاتل من الجاذبية والشعر الاسود، والعينين البنيتين العميقتين يعلوهما حاجبان كثيفان مستقيمان؟ بل كيف تنسى الانف المستقيم، والفم الجميل الشكل، والفك والذقن العنيدين؟ ترى متى رأت كل ذلك؟
وتبين لها انها اخذت انطباعاً عن شكل جسمه الضخم. فجسم هذا الرجل نحيل قوي العضلات. وهو يرتدي بذلة رماديه انيقة، ويمتلك قوة مثيرة للأضطراب. كان طويلاً، يفوقها طولاً بستة إنشات، وما ان وقع نظرها عليه حتى احست ايف وكأن ماء مثلجاً ينزلق نزولاً فوقها، بحيث اخذت ترتجف، وفمها ينم عن ارتباك مؤلم.
سألها الغريب:
-اهكذا افضل؟
كانت السخرية في صوته، تتناقض تناقضاً دقيقاً مع عينيه البنيتين المركزتين على وجهها، لا بل على كل قسماتها، حتى احست وكأنه يريد استعادة ذكرياته بكل تفصيل والاحتفاظ بها الى الابد.
شعرت ايف فجأة وكأن معطفها الواقي من المطر، لم يكن يحميها من نظراته الثاقبه. بدت لها الفكرة مدمرة الى درجة جفاف فمها اكثر فاكثر، فاضظرت متوترة الى ان تبلل شفتيها. وازداد توترها اضعافاً حين رأت نظرته القاتمه تهبط نزولاً لتلاحظ حركتها الفاضحه.
-ماذا ...؟
وخرج صوتها من السيطرة، فراحت تتلعثم قبل ان تكمل:
-ماذا كنت تريد؟ ان تقول لي يا سيد ...؟
وتعمدت اضفاء رنة متسائلة على سؤالها، وكأنها تلمح اليه، بما لا يترك مجالاً للشك، انها لا تعرف اسمه ...فأبصرت تقطيبه سوداء بين حاجبيه. وانتظرت رده، على احر من الجمر. لكنها لم تستسلم، الا بعد ان امتد الصمت الى درجة لا تحتمل، فتابعت من دون ثبات:
-..يبدو انك تعاني من مشكلة ما ...لابد وانك تفكر بشخص آخر ...انا...
قاطعها بخشونه:
-اوه لا...انا لا افكر هكذا...اعرف بالظبط ما ابحث عنه ...انت من جئت لرؤيته.
-اذن، ربما من الافضل ان تشرح لي ... لأنني حقاً لا اعرف ماذا اقترفت لأزعجك.
مرة اخرى ازالت التقطيبه الهدوء بين حاجبيه، وبدا في عينه البنيتن نظرة غضب وارتياب صريح فارتجفت ايف في داخلها. حاولت ان تواجه عدوانيته في ابتسامة خبت بسرعه امام تعابيره التي لا تلين.
-هلا قلت لي ما اسمك اولاً ... انا ايف مونتاغوي ..
وكأنها اضرمت النار في كومة من الاغصان الصغيره...فتجاهل اليد الممدوده اليه، والتمعت عيناه بنار محرقه. ثم رفع رأسه بعنف قائلاً:
-بحق الله! متى تتوقفين عن هذه التمثيليه اللعينه؟تعرفين تماماً من انا ولماذا جئت ... كان يجب ان تتوقعي مجيئي ...وانني في النهاية سأقرأ ما كتبته، ثم اجول البلاد لأجدك ...لكن الآن...
غمرها احساس بالتحرر، فترنحت الى الخلف لتستند الى الجدار بارتياح.
-لقد جئت بسبب كتابي!
قال بعدوانيه هددت راحة بالها:
-اهناك سبب اخر؟
-هل ارسلك جنسن؟
بدا ذلك التوتر الفضيع يتسلل اليها مجدداً ...ان كان يعلم بأمر مؤلفها، فمن الطبيعي انه يعرف اسمها، لكن عدوانيته المستمره ظلت تقلقها بعمق، اي نوع من الناشرين يمكن ان يزور مؤلفة لأول مرة في منزلها في السابعه والنصف ليلاً؟
كررت بقوة اكبر:
-هل ارسلك جنسن؟
ساد صمت وجيز، بدا الرجل بعده وكأنه تلقى صفعة قوية على وجهه. ثم اعلن بعجرفه:
-لا ...لم يرسلني جنسن...انا جنسن، كما تعرفين جيداً!
-كايل جنسن!
انزلق اسم المدير العام لامبراطورية النشر جنسن من فم ايف، فيما هي تتذكر المداخله التي قرأتها في دليل الكاتب خلال اوقات الغداء في المكتبه ... كان صغير السن بالنسبة لهذا المركز...وقدرت انه يقارب الخامسه والثلاثين، وكانت تتوقع ان يكون رئيس مؤسسة جنسن اكبر سناً.
-في خدمتك...
ثم انحنى امامها بسخرية اكبر.
-هل ترغبين ببطاقة العمل كدليل على هويتي؟
ردت بسرعة:
-كان يجدر بك ان تقدمها قبلاً، لو انني عرفت من انت ...
-لو عرفت ...يا للعنة...ايف..اي نوع من الالعاب تلعبين؟
وهذه المرة استسلمت ايف الى موجة الذعر التي اجتاحتها. ثم اشاحت وجهها بسرعة وهي تدس مفتاحها في القفل ...كانت على وشك ان تديره حين تقدم الى الامام وامسك معصمها بقبضة قوية، حتى تسمرت مكانها.
-لن تذهبي الى اي مكان حتى انتهي.
ابتلعت ايف صيحة الرعب التي ارتفعت الى شفتيها وهي تقاوم القبضة المؤلمة على ذراعها ...لكن من الافضل الا تثير عدوانيته اكثر من هذا...تمكنت من القول مرتجفه:
-من الافضل ان تقول لي ما تريد...ثم هل تسمح بأن تترك ذراعي؟ انا لست وحدي، فصديقي في الداخل...وما علي سوى ان اناديه ...
احست بارتياح شديد عندما انزل يده عنها بسرعة، وكأنها نار احرقته. وبجهد قاومت اندفاعاً غمرها لتدعك ذراعها، حيث خلفت اصابعه في بشرتها الرقيقه آثار قوية.
من هو هذا الرجل الذي يدعي انه قادم من جنسن وانه يملك جنسن، كما انه يتلفظ باسمها بحدة مخيفه؟
احست ايف بساقيها يرتجفان، وغمرها احساس بالضعف والصدمة...بدا الاحساس نفسه كما في الماضي...شعور غريب بالخوف، وبدوار في رأسها كأن اعصاراً يغزوها ليطرد منها كل تعقل. لقد قاومت بقوة...وتحملت الكثير من الضغط والالم، كي تعود الى طبيعة بالكاد تتحملها، هي حياتها الآن...وفي خمس دقائق قصيرة تمكن هذا الرجل من ايصالها الى ذات المستوى من الذعر والصدمة.
-اريد فقط ان نتكلم.
بدا وكأنه ادرك انه بالغ في الضغط عليها. لا سيما حين كشف وجهها الشاحب وعيناها البراقتان خوفاً مضطرباً.
ردت ايف بصوت متألم وهي تعاني في اخراج الكلمات:
-نتحدث؟ عن ماذا؟ عن كتابي؟
رد بشكل غامض:
-اذا كان هذا كل ما انت مستعده لبحثه ...اجل.
لم توح خشونة لهجته بأنه حاضر ليتكلم عن العمل.
-حسن جداً...
وفي خضم ترددها وضياعها، سمعت وقع اقدام في الشارع...و وصل اليها صوت محبب تعرفه جيداً فبعث فيها الراحة.
-مرحباً! ايف ...ماذا تفعلين هنا عند باب دارك؟
-دايان!
بصيحة اغتباط، استدارت ايف الى صديقتها، وصاحبة منزلها، والارتياح ظاهر بوضوح على وجهها. ومع تلاقي عيونهما، لمحت ايف تغيراً في تعابير المرأة التي تكبرها سناً، فقد قطبت جبينها قلقاً...
-ايف؟ من هذا
تنقلت عينا دايان الرماديتان النافذتا البصيرة من وجه كايل جنسن القاتم الى وجه ايف الشاحب، ولاحظت التوتر الذي يسيطر على عضلاتها، وعينيها المتسعتين، بلون القاتم:
-هل يزعجك هذا الرجل؟
-اجل...لا...
لم تعرف ايف كيف ترد على صديقتها، ولم تتمكن من التعبير عن مشاعرها في كلمات. لم يكن الرجل نفسه ما يثير قلقها...لكن تأثيره البارز والذعر الذي تملكها سببا لها شبه انهيار.
حاولت الكلام مجدداً:
-انه...
لكن دايان شاهدت ما يكفي...فتحولت الى امرأة عدوانية. ثم نظرت الى كايل في عينيه مباشرة. وسألته ببرودة كالثلج:
-ما الذي يجري هنا بالضبط؟
لكن هذا لم يزعجه البتة...فقد اعتاد كايل جنسن على التعامل مع الغرباء العدوانين...فهل يعقل ان يكون المرء على رأس امبراطورية نشر عالمية وخجولاً في الوقت نفسه؟
قال يسأل بنعومة:

-ومن انت؟
وارتفع حاجبه الاسود وكأنه يؤكد لدايان انها هي من يلعب دور المتطفله لا هو.
-اسمي دايان بينيت...وهذا منزلي...وايف تسكن عندي و...
نظرت الى ايف نظرة شجعتها وولدت فيها القوة:
-وهي صديقة مميزة جداً...فإذا كان لديك ما تقوله لها، يجب ان تقوله امامي.
تسمر كايل في مكانه، وقد تبخرت تماماً تلك النزعه الهجوميه التي ظلت تلازمه، جسدياً ولفضياً. لكن ايف لاحظت كيف اخذت عيناه البنيتان تتنقلان من وجه دايان الى وجهها، ثم تعودان اليها مرة اخرى. بدا انه يفكر بروية، وهو يقيم الموقف بسرعة وخبث، ويقرر كيف يتعامل مع الوضع الجديد.
-انا كايل جنسن.
بغتت لسماعها صوته يتحول فجأة الى النعومة والادب..فصعب على ايف ان تكبح شهقة دهشه لاسيما حين مد اليها يده القوية، وقد زينت بحاتم ذهبي منقوش في الاصبع الثالث. بدا لها رجلاً مختلفاً ذلك الذي يقف امامها الآن..رجلاً بشخصية دمثة، سهل المعشر، جذاباً ويسهل التواصل معه. وكان من الواضح ان دايان انجذبت للسحر الذي يحيكه..فقد استجابت لنظرة عينيه البنيتين، وتركت اصابعها تستغرق في قبضة ثابتة وواثقه.
-انا املك مؤسسة جنسن للنشر.
ترك يد دايان، ثم مد يده الى جيب داخلي اخذ منه بطاقة بيضاء مستطيلة، هي بطاقة التعريف به! فشهقت ايف وهي تقاوم احساس غضب هائلاً. فقد واجه دايان بدليل عن هويته بينما تحاشى هذا الامر معها. والتقطت اذنا كايل الحادتان الصوت الخفيف، فألقى عليها نظرة مقيمة. قالت متلعثمة، وبشرتها تقشعر توتراً:
-لو انك اريتني هذا منذ البدايه...
سأل ببرود وسخرية:
-أكنت تعاملينني بشكل مختلف؟ آشك في هذا كثيراً آنسة مونتاغوي.
ترك ايف حائرة كيف تفسر الطريقه الغريبه التي ركز فيها على اسمها، وادار اهتمامه الى دايان.
-لاشك في انك تعرفين ان الآنسه مونتاغوي..
ومرة اخرى كان هناك ذلك التعبير الساخر في لفظه لأسمها..
-..قد كتبت قصه...
صمت، منتظراً موافقة دايان، من غير ان تتوقف عيناه عن التنقل من وجه امرأة الى الاخرى، ومجدداً راح يراقب كل ردة فعل ولو صغيرة قد تظهر له مشاعرهما ...ولم تكن ايف في ادنى شك انه، مسيطر تماماً على الموقف، يتلاعب بهما معاً بسهولة تثير الاضطراب ...فسرت قشعريره في جسمها، لا دخل لها ببرودة هذه الامسية من شهر آذار (مارس)، وحذرتها غريزتها من القوة المخيفه في كايل جنسن، أكان هذا في العمل ام في الحياة اليومية...قوة من الصعب مواجهتها دون عواقب.
قالت دايان:
-قصه...اجل. لقد نصحتها ان تعرضها على الناشرين لترى اذا كانت مناسبة.
-وهل قرأتها؟
احست ايف شيئاً ما، في الطريقه التي انبسطت فيها لهجته، ورقة فمه الخطيرة، وكأنه يقول لها، انه، لسبب ما، لم يكن مسروراً بقصتها..لكن، بعد لحظة بدا وكأن الغضب، هذا اذا كان غاضباً، قد غادره، فيما عادت اليه اللهجة الناعمة:
-اذن ستفهمين لماذا اريد التحدث اليها.
تساءلت ايف ان كانت مصابه بجنون الارتياب، ام انه حقاً يملك عدة معان خفيه وراء لهجته المسترخيه، لم يبد ان دايان شعرت بكل هذا ..لكن بشرتها هي كانت تقشعر بتوتر في كل مرة يتكلم كايل فيها.
-لأنها قصة جيدة جداً!
لم تكن دايان تدرك التيارات الخفيه التي تتخبط فيها ايف، لكنها لم تتردد في الاعلان عن موالاتها لصديقتها بصراحتها المعهوده.
-انها بالتأكيد جيدة.
بالرغم من التوتر المؤلم الذي يتحكم بها، لم تستطع ايف ان تكتم ابتسامة ابتهاج حينما تمتم كايل بالموافقه...فقصتها كانت طوق نجاتها...واحست عندما علمت ان شخصاً رفيع المكانه في عالم النشر، مثل كايل جنسن يعتقد بالموهبة في كتاباتها، كأنما جنية تحقق لها اعز امنياتها.
قالت بسرعة:
-انا مسرورة لأن الكتاب اعجبك.
وتفحصها كايل بنظرة جانبية سريعه اخرى، انما بلمسه جديده. لمسة ماذا؟ عدم تصديق؟ سخريه؟
رد كايل:
-لقد اعجبت بها كثيراً...لكن...
ولدى سماعها لهجته تلك، استعدت ايف للأسوأ. لكن الاسوأ لم يأت...بدلا من ذلك، تابع كايل بلهجه مختلفه جداً:
-اسمعي...هل نستطيع مناقشة الامر في مكان اكثر راحة واقل انزواء؟
-بالطبع.
يدت دايان مصدومه ازاء وقوفه على عتبة الباب طويلاً، وهي بالعادة امرأة مضيافه مرحبه.
-لقد نسيت حسن الاخلاق...يجب ان تدخل سيد جنسن.
لقد ضم دايان الى صفه..وخبرت ايف موجة مرارة موجعه، وادركت كم سهل عليه تغيير رأي صديقتها.
انشغلت دايان بفتح الباب، وادخلتهما الى المنزل، فعلقت المعاطف في الردهة، ثم قادتهما الى غرفة الجلوس. في هذا الوقت، كانت ايف تقاوم الاحساس بالذعر حين دخل كايل جنسن الى البيت الوحيد الذي تعرفه. وبالطبع، كانت دايان معها، اضافه الى جيم الذي بدا متفاجئاً بالزائر غير المتوقع، ووقف بأدب يستقبله. فشعرت بالأمان لأن هذين الصديقين المقربين يحميانها..اضافة الى هذا، لم يكن من سبب منطقي يدعوها للخوف. فعلى اي حال، لقد جاء ليتحدث عن كتابها..اليس كذلك؟
فسألت دايان ما ان تخلصت من معطفها:
-هل ترغب في القهوة سيد جنسن؟
رد كايل بابتسامة ساحرة:
-سيكون هذا ترحيباً عضيماً..وقد يساعدني على البقاء مستيقضاً، لقد وصلت الى لندن من اميركا هذا الصباح، لذا اخشى ان اكون عرضة لمتاعب السفر الطويل.
وفكرت ايف: لا يبدو متعباً بالتأكيد. واخذت تقارن بذلته الرماديه الانيقه وقميصه الابيض، والربطه النبيذية اللون، فمظهره الانيق الخالي من اي عيب: مع خف جيم المهترئ وبنطلونه الواسع، وكنزته الخظراء العتيقه المريحه، ولان وجهها قليلاً وهي تفكر كم ان زوج صديقتها مهمل في مظهره... و لكنه يهتم ايضاً بأشياء اخرى ..زوجته مثلاً، ابنتيه التوأم البالغتين من العمر عشر سنوات، بالاضافه اليها. كانوا سيعترضون على فكرة استقبال غريب...تفرض نفسها على حياتهم المريحة، حتى ولو كان جيم معتاداً على زوجته واستقبالها لأي شريد، لأتفه الاسباب. لكن جيم رحب بها بدفء وكرم ماثل دفء زوجته وكرمها. ولهذا ستبقى ايف دائماً ممتنه شاكرة الى ما لا نهايه.
صاح جيم غير مصدق:
-هذا الصباح؟ من الولايات المتحده؟
حين اومأ كايل بالايجاب، هز جيم رأسه بذهول..فنادراً ما انتقل جيم بينيت بعيداً عن ركنه في لندن، ولا رغبة له في ان يرى المزيد من العالم...واكمل:
-لابد انك منهك اذن.
رد كايل:
-انا معتاد على هذا، كما انني اضطر للقيام بمثل هذه الرحله دائماً..لذا، اعتقد انني اتكيف مع اختلاف الوقت بين بلد وآخر بسهوله اكثر الآن.
قالت ايف:
-بسهولة تكفي لك لأن تذهب مباشرة الى مكاتب جنسن في لندن، وتبدأ العمل فوراً؟
وتمنت لو ان كلماتها لم تجذب العينين القاتمتين اليها مرة اخرى.. فوجدت فيهما التعبير البارد نفسه انما اكثر وضوحاً لا سيما انها تراه في النور لأول مرة.

لا يمكن ان تكون قد رأته من قبل..واقنعت نفسها بهذا..واعترفت مرة اخرى بتأثير جسمه المذهل، ولمعان شعره الاسود المصقول، وعينيه البنيتين الداكنتين، تحيط بهما رموش كثيفة سوداء رائعه...هل يمكن لمثل هذه الرموش التي يحسد عليها ان تكون طبيعيه؟ لم تستطع سوى ان تبقى على حيرتها، ثم تقترب منه من دون تفكير لتتفحصه عن كثب..عندئذ سرت فيها موجة صاعقه وهي ترة ردة فعله الآليه، والتصلب الغريزي لجسمه الطويل، وكأنه قادر على صد نظراتها فعلياً...على الفور حظت الى الوراء، بعيداً عن العدوانيه التي تشع منه. ثم لجأت بسرعة الى الأدب الاجتماعي:
-جيم..انا آسفه..كان يجب ان نعرفكما..هذا..السيد المهذب.
اكسبها هذا التردد المتعمد في الوصف، نظرة غضب من كايل:
-...هو كايل جنسن، انه ناشر...
فقاطعتها دايان عبر باب المطبخ:
-ولقد جاء ليتحدث الى ايف عن كتابها، اليس هذا امراً رائعاً؟
اهو امر رائع حقاً؟ لم تستطع ايف منع نفسها من السؤال. فمنذ بضعة ايام، وحتى اللحظة التي التقت فيها بكايل، كانت تؤمن ان كتابها سينتشر ليحدث اثارة كبرى..لكن هذا قبل ان يقترب كايل منها..وهذا اللقاء غيير كل المقاييس.

علق جيم:

-هذا عظيم!

واضاء وهج دافئ قلب ايف حين احست بحماسة جيم..كان هو ودايان يحبانها جداً، ويحميانها وكأنهما والداها بالفعل..او، بالاحرى، كأنهما اخوها واختها الاكبر سناً. كانت دايان في الستة والثلاثين من عمرها ولا تكبر ايف بأكثر من تسع او عشر سنوات.
فجأة، ادركت ان كايل يراقبها مرة اخرى، وراحت عيناه السوداوان تنفذان الى رأسها، وكأنه يستطيع فعلاً ان يقرأ افكارها..على الفور اصبحت فريسه لأحساس متوتر غير متوقع وكأنه غير راض عن الطريقه التي ترتدي فيها ثيابها. والفت نفسها تتمنى ارتداء ثياب مختلفه عن التنورة الكحليه والبلوزه المخططه بالازرق والابيض، فقد كانتا مناسبتين جدا لعملها كبائعه في المكتبه المحليه...لكنها احست فجأة انهما باهتتان وغير جميلتين..ثم راهنت ان صديقات كايل جنسن لسن مضطرات الى اصطياد الصفقات الرخيصه في المبيعات العامة لشراء الملابس. واجتاحتها موجة من الاستياء لهذا الاحساس..
وبعد لحظة استطاعت المحافظة على اعصابها. لقد ذهلت كيف اضطربت مل هذا الاضطراب بسبب نظرة واحدة من هاتين العينين السوداوين بلون القهوة...توقفي عن هذ! ما هم ما يظن كايل جنسن بمظهرها؟
تابع جيم، وهو غافل عن حالة ايف المتباعده:
-لطالما عرفت ان كتاب ايف يستأهل النشر. في الواقع، انا واثق من انك ستحصل على كتاب رائع.
-ربما.
منتديات ليلاس
نظرت ايف الي كايل وهو يتكلم، واحست بصدمة شبيهة، وهي ترى التناقض بين هذه الملاحضه الهادئه وتلك النظرة المليئة بالغضب التي كان يوجهها نحوها..لابد انه يشعر بشيء ما ضد من يقرأ مؤلفها...وهذا امر غير منطقي على الاطلاق. وما لبث ان تابع، وقد ظهر الانزعاج في صوته هذه المرة:

-اذن، كلكم قرأتم المؤلف.


احست ايف فجأة انها غير قادرة على السيطرة على كلماتها، ووجهت غضبها الى كايل بشراسه لم تعهدها، شراسه اذهلت صديقيها.

-وما الخطأ في هذا؟

وتقدمت دايان الى باب المطبخ وعلى وجهها نظرة مصدومة..اما جيم فقال:

-ايف..حبيبتي...

لكن ايف كانت قد تجازوت مرحلة الاصغاء او التعقل. وكأن شيء ما في كايل جنسن يقطع تيار توارد الخواطر في ذهنها...مجرد سماعه يتكلم، كفيل بأن يرسل شرارات ذعر فيها..

تابعت وصوتها يرتفع:

-اعني..من الطبيعي ان ارغب في ان اعرض كتابي على افضل صديقين لي اولاً..وكما تعلم..فمن الصعب جداً اخفاء ما اقوم به، بما اننا محشورون جميعا في مكان صغير..لكن، ما همك لو قرأ الكتاب لو انك قررت يوماً ان تنشره..؟

كانت كلماتها تنطلق دون اي كابح.

-اهذا ما يقلقك؟ هل انت قلق حول تخفيض ارباحك لآنهما لن يشتريا الكتاب..؟

-هذا امر مستبعد..اذا كنا سنتحدث عن مئات الآلاف، فلن يزعجني ذلك ابداً، فلن يلحظ احد.

سخريه مريرة..ضحك خفي، تلميح عن شيء آخر...شيء مختلف تماماً لم تستطع ايف تفسيره، بدا في صوته..

قالت دايان تحاول تلطيف الجو العدائي:

-بالطبع سنشتري نسختين من كتابك لو نشر.

بدا كأن عبارتها لم تبلغ مسامع كايل وايف. ففي تلك اللحظة، وقف كايل يواجهها، وعيناه لا تفارقانها، يكاد التوتر بينهما يظهر للعيان. تسمرت ايف بنظرته السوداء، وهي تحس وكأن السخريه في كلماته تحرق رأسها، بنيران حمراء مشتعله...منذ قابلته وفي داخلها بركان يقترب من درجة الانفجار.

تغير وجه كايل تماماً. اختفى ذلك التعبير الودي الذي اظهره لدايان وجيم. زال في لحظة ليحل مكانه قناع خشن من الغضب البارد. شد بشرته فوق عضامه، فظهر الغضب حول انفه وفمه فيما استقامت شفتاه بشكل خطير جداً. اما عيناه البنيتان الجميلتان فراحتا تشتعلان بنار ذهبيه. إلا انه، رغم ذلك، بدا مسيطراً تماماً على صوته حين قال:

-اعقتد ان الوقت قد حان للتوقف عن التلاعب، الا تعتقدين هذا ايضاً؟

خرجت الكلمات قاطعه:

-تلاعب؟

كانت شهقه يائسة، وظنت ايف انها على الارجح نسيت كيف تتنفس، فقد شهقت بألم وقد غادرتها الراحه تماماً.

-اي تلاعب؟ انا لا اعرف عمّ تتكلم؟

-اوه بلى...تعرفين.

بكلمه واحده صرف النظر عن احتجاجها وكأن لا قيمة له.

-تعرفين لماذا انا هنا ايف..لا لمجرد الحديث عن كتاب لعين، ولو انه سبب مجيئي الاصلي الى هنا..وكما خططت تماماً..اليس كذلك حبيبتي؟

صفعتها الكلمة الاخيرة وبدا لها هذا اللفظ التحببي اهانة سامة..

-انا لا افهم!

-اوه..بحق الله! حبيبتي لا بد انك ادركت انني سأعرف كاتب القصه ما إن اقرأ الفصول الاولى منها. حتى ولو حاولت جاهده ان تخفي اسمك، كنت تعرفين انني سأجيء بحثاً عنك..في الواقع، هكذا خططت لكل شيء. وبهذا ارسلت القصه الى جنسن اصلاً.

-لا..لم افعل..انا لا ...

-لا تكذبي..اللعنة عليك!

وقف جيم على قدميه، يتنفض سخطاً:

-اسمع الآن...

بالرغم من كربها وارتباكها، لم تستطع ايف الا ان تلاحظ كم يبدو جيم صغير الجسم، ومزري المنظر، امام كايل جنسن الطويل القامة الانيق الملبس..

لم ينظر كايل الى الرجل الاكبرسناً:

-هذا بيني وبين ايف.

واستدار الى ايف، فيما الوحشيه على وجهه تخيفها:

-اليس كذلك؟

-قلت لك...لا اعرف عمّ تتكلم..ولا اعرف لماذا انت هنا.

ازداد تدافع الحمم في رأسها، مع مرور الثواني..وكان البركان يقترب من الانفجار.

وكرر كايل:

-لا تكذبي علي!

هذه المرة لم يرفع صوته، بدت الكلمات وكأنها فحيح كوبرا مهتاجة على وشك ان تلسع.

-لقد اردتني ان آتي وإلا لما ارسلت مثل هذه الرساله الواضحه.

-اية رسالة؟

كانت صيحتها صيحة يأس وتشوش كامل، فكل كلمة ينطق بها كانت تبدو لها عجيبة اكثر من الاخرى.

-انا لم ارسل لك اية رساله قط.

-بالطبع ارسلت! فات وقت الانكار..كل شيء موجود على الآلة الطابعة..كل كلمة..لقاؤنا..موعد المرة الاولى..

-لا!

سيطر طنين في رأسها وكأنه الف نحله اجتاحته.

-لم التق بك من قبل..انا لا اعرفك..

صاح كايل بوحشيه:

-لا تكذبي..اللعنة عليك! انت تعرفينني جيداً!انت...

قاطعه جيم بقوة، وهو يمسك ذراعه ويهزها: هذا يكفي! ما الذي يجري بالضبط؟ اتحاول الادعاء بمعرفة ايف؟

-انا لا احاول ولا ادعي شيء..انا ابين امراً واقعاً..اعرف ايف..وهي تعرفني..يجب ان تعرفني على اي حال. لقد عشنا معاً كرجل وزوجته لثلاث سنوات تقريباً.

نتيجة لهذا التصريح المدمر الاخير، ساد نوع من الصمت المذهول. كانت تعابير وجوه الموجودين تتغير بسرعة صاعقة، وبقوة عجيبة. بدا ان جيم لم يفهم، ثم ارتبك تماماً، ونقل نظره بعينين فاغرتين من كايل الى ايف، واعاد الكرة، وهو يهز رأسه ببطء، غير مصدق. في الوقت عينه اخفت دايان فمها بيديها، ثم خطت بضع خطوات مستعجلة الى الغرفة، لتكبت صيحه حاولت الافلات منها.

لقد تحقق اخيراً اسوأ كوابيسها. لم تجد صوتاً او اشارة تعبر عن شعورها، بل وقفت مسمرة مذهولة، تحدق بالرجل الاسمر الغريب الذي يقف وسط الغرفة..الرجل الذي يدعي انه زوجها...الى ان تشقق البركان داخل رأسها لتكشف فوهته عن نيران مندفعه...وتفجر في هدير مرعب دمر كل وعيها، فانهارت ووقعت في اغماءة كاملة

nightmare 12-10-08 06:33 AM

2ذاكرة غافية .......
" ايف ؟؟ ايف .... حبيبتي ..."
بدا الصوت الناعم المتملق وكأنه قادم إليها من نفق طويل مظلم .
كان صوتاً متوتراً يثير الاضطراب , فغمرها احساس بالرهبة لم تستطع فهمه .
فتأوهت ثم أدارت رأسها الى الوسادة .
" ايف , حبي , استيقظي ."
أجبرت ايف نفسها على فتح عينين مثقلتي الجفون , واذا بوجه دايان القلق يطالعها , فرفّت عينيها بصعوبة .
وتمكنت من القول بارتباك , وبصوت يشبه الحشرجة :
" ماذا .؟" .
" هس ... لا تحاولي الكلام الآن , اشربي هذا ."
ارتشفت ايف الشراب في الكأس الزجاجي الممدود اليها , وهي تتذمر كطفل مريض :
" اوغ ! ."
واجبرت نفسها على الابتلاع و هي تكشّر كرهاً لمذاقه المر , فضحكت دايان ضحكة مرتجفة .
" انا اسفة لا نملك اي شراب آخر "
ردت ايف :
" انا لا احب شرب الكرز , الا تذكرين ؟."
وبدأت الذكرى تندفع عائدة اليها بقوة الطوفان , وفجأة زالت الابتسامة عن وجهها لتتركه شاحبا بائساً :
" او على الاقل لا اعتقد انني احبه ."
كان عليها ان تبني كل شئ في حياتها الآن , اسمها اصدقاؤها , عملها , منزلها , كلها مجرد اشياء بنتها حول نفسها في السنتين الماصيتين , عوامل جمعتها معاً لتخلق الشخصية التي تعرفها الآن باسم ايف مونتاغوي ,
الانسان الذي بنته من لا شئ منذ اليوم الاول الذي دخلت فيه الى عنبر الحوادث حيث تعمل دايان كممرضة مشرفة .
وطلبت المساعدة لانها لم تعرف من هي او من اين اتت .
انها " الامنيزيا " او فقدان الذاكرة نتيجة لمحنة خطيرة , هكذا كان تشخيص الاطباء في النهاية .....
لكن اية محنة ؟
لم يكن من اثر على جسدها ,
لا اثر يدل على وقعة او ضربة او اي حادث مماثل تسبب بارتجاج الدماغ ومحى لها ذكرتها .
لم يكن معها حقيبة يد , لذا لم يكن معها ايه بطاقة , او رخصة قيادة لتّعرف عنها ,
ولا شئ في جيوبها سوى بضع محارم ورقية و جنيهان من قطع معدنية صغيرة .

كانت انتى بيضاء البشرة , شقراء الشعر ,
زرقاء العينين , طولها خمس اقدام و ستة انشات , ولم تتجاوز الثلاثين عاماً .

عدا قياسات جسمها وحذائها , كان هذا كل ما تعرفه عن نفسها .

لكن , ظهر الان رجل يدعى كايل جنسن يدّعي أنها زوجته , ولابد انه يعرف الحقيقة عنها , بل في الواقع يعرف عن حياتها وشخصيتها اكثر مما تعرفه هي .

سرت قشعريرة باردة قوية في جسمها , ونظرت بعصبية في الغرفة الفارغة من دون ان ترى اثراً لجيم او لكايل جنسن .
" اين كايل ؟"
اجبرت نفسها على النطق بالاسم ولو انه بدا لها غريبا و بعيداً عنها ... وكان يجب ان تدعوه على هذا النحو , ان كان زوجها كما يدعّي .
لكن الا يجب ان تشعر بشئ آخر ؟
الا يجب ان يثير اسم الرجل الذي تزوجته ردة فعل معينة فيها ؟

لابد من انها احبته لتصبح زوجته .

ترى , اتشعر بنوع من التوق الى التعرف به ؟
لم يحدث هذا ؟
وادركت حقيقتها المؤلمة ..

انها لا تعرف اسمها الحقيقي ...
اما اسم ايف مونتاغوي فهو مجرد اختراع من مخيلتها ...
ردت دايان :
" انه في غرفة الطعام يشرب القهوة مع جيم . من الافضل لكِ الا تستيقظي الآن ."
ضغطت ايف على يد دايان :
" شكراً لكِ ."
" وسينتهز جيم فرصة وجودهما معاً ليعلمه بما جرى .
ولمعلوماتك , لقد رفض الذهاب واضطررت الى اخراجه من الغرفة بقوة " .

ابتسمت إيف قليلاً وهي تتخيل المشهد .
ففي الدقائق القليلة التي امتضتها معه تمكن كايل جنسن من ان يذهلها .
فهو رجل مسيطر , يأخذ القرارات بسرعة ويتصرف وفقاً لها بقوة ,
رجل ليس معتاداً ابداً على الخضوع لقرارات شخص آخر .

قالت بصوت مرتعش وقد استبد بها الخوف والارتباك كقبضة حديدية باردة تجثو فوقها :
" أعتقد انه من الضروري ان نتحادث "

وافقت دايان برقة :
" ستتحدثين اليه في وقت لاحق .
لكن انتظري لتكوني اكثر قوة . كما انه بحاجه الى بعض الوقت ليستجمع قواه ..
لقد أصيب بصدمة مثلك تماما .
على أي حال , لم يكن يعلم انك لم تتذكريه , انت زوجته و .."

" انت تصدقينه إذن ؟"

ولم تستطع إيف ان تنظر الى عيني صديقتها وهي تطرح السؤال .

" ألم تصدقيه انت ؟ "

" بلى ... لا ... أوه ... أنا لا أعرف ! ولا أرى سبباً لادعائه انه زوجي اذا لم يكن هذا صحيحاً ... أعنى , ليس هناك مايجنيه , فلا مال لدي ولا .."

صمتت فجأة , ثم رفعت عينيها المذهولتين الى وجه صديقتها ..
" أم ان لدي مالاً ؟
أوه ... يا الله ! لا أعرف ! ماذا لو كان يدعي انني زوجته لأنه يريد مالي ؟ "

قاطعتها دايان :
" إيف ! لاتتركي خيالك يسرح بك بعيداً .. ليس لديك سبباً للتفكير بالأسوأ ,
فما من دليل . يبقى أمر واحد , لو كان كايل هو كايل جنسن من دار جنسن للنشر بالفعل ,
فمن غير المعقول ان يكون راغباً في مال شخص آخر .. فهو يملك الكثير من ماله الخاص ".

"هذا صحيح "

وتمسكت إيف بطوق النجاة الذي قدمه لها هذا الواقع .. وهمست بصوت متثاقل :
" دي .. انا لا أعرف ما أفعل ".
أمسكت صديقتها بيديها , بقبضة دافئة ثابتة اشعرتها بالارتياح والقوة .
وقالت بتعقل مثالي :
"هناك طريقة واحدة لمواجهة هذا الواقع .. وهي ان تواجهي الأمور ببطء وثبات ..
كما فعلت تماما منذ سنتين حين كنت تواجهين كل يوم بيومه وتحسنين التكيف . ل
قد نجحت يومها , وستنجحين الآن .. تذكري فقط انك لست وحدك , فنحن ندعمك . وكايل ايضاً".

لكن هل كايل صديق ام عدو ؟
لم تلاحظ دايان الغضب الذي تملكه , او تسمع العنف المكبوت في صوته في واجهها اول مرة عند الباب الأمامي .. ولم تستطع ايف ان تخبر المرأة الأكبر سناً بهذا ..
ولو فعلت ذلك فستذهب صديقتها على الارجح رأساً الى زوجها و تطلب منه ان يطرد كايل جنسن فوراً من المنزل ...
هذا اذا كان بمقدور احد ان يطرده جسدياً .

لكن , لو رحل كايل , فسيأخذ معه املها الوحيد في معرفة نفسها .
وهذا ما لا يمكنها التخلي عنه بسهولة .

لا يمكن لشخص ان يفهم كيف تشعر الان الا ان عاش مثلما عاشت هي بثقب اسود في مكان ما في الذاكرة ...
وها هي تجد نفسها الان على عتبة اعادة اكتشاف تلك السنوات المفقودة ...

لقد عاشت لما يقارب الاربعة وعشرين شهراً دون ان تعرف ما هو اسمها الحقيقي ,
اين ولدت , وكم عمرها , و هل لها ابوان او اشقاء , او شقيقات او اصدقاء .... او زوج ... وخفق قلبها بألم .
عبرت على وجهها ابتسامة ساخرة وهي تلتفت الى دايان ....
وبشئ من المرح القاتم في صوتها قال ببطئ :
" اقر بانه من الممكن ان اكون متزوجة ."

رفعت يديها الى وجهها لتغطي عينيها , وكأنها تريد ان تبعد ذكرى الايام التي تخشاها .
" اوه ... يا الهي .... دي .

لقد امضيت و قتا طويلاً والقلق يعتصرني لمجرد التفكير بأنه في مكان ما ...
والله فقط يعرف اين ..
عائلة تهتم بأمري , و يتملكها اليأس لانني مفقودة ...
وقد مرت علىّ اوقات اشد سوءاً حين كنت اخشى الا تكون لي عائلة على الاطلاق .. وانه ما من احد يهتم لامري او يبحث عني ..
ومع مرور الوقت لم اجد دليلا ملموساً يساعدني على اكتشاف هويتي ...
ووضعت يديها على حجرها ... تلتويان معا بكرب موجع واكملت :
" على الاقل اعرف الآن ان ......... "

كم من الصعب التلفظ باسمه .. ومع ذلك و بكل تاكيد لابد انها تفوهت باسمه مئات المرات يومياً في يوم ما .
" .. ان كايل هو امريكي , مما يفسر لماذا لم نسمع بأحد يبحث عني ."
وكشف صوتها المتقطع مدى الألم الذي كان ينتابها .
" إذا كان يعيش في امريكا وانا انكليزية , على الأقل هذا مااعتقده ,
إذ ليس لدي لكنة على الأقل .. كيف إذن وجدت نفسي اتجول في لندن و..؟"

قاطعتها دايات بلطف :
" هذه اسئلة يجب ان تطرحيها عليه حبي .. لكنه بات واضحاً انه امضى ردحاً طويلاً من الوقت في لندن .. فمؤسسة جانسن للنشر تملك مكاتب هنا على أي حال , وهذا يفسر سبب التقائه بك ..
وهو أمر مذهل .. أليس كذلك ؟".

تابعت وقد بدت عيناها مستغرقتين في التفكير :
" لابد ان في الأمر اكثر من صدفة بحيث انك ومن بين .. مئات الناشرين المنشورة اسمائهم في الدليل , اخترت " جنسن " لترسلي قصتك اليهم .
بالتـاكيد , هذا يظهر أن ذاكرتك لم تفقد الى الأبد ,
بل انها لاتزال موجودة .. مدفونة مؤقتاً , تنتظر منك ان تنبشيها مرة أخرى ..
ربما الآن , مع مساعدة كابل , ستعود الي الظهور , جيدة وكأنها جديدة ".

وتمنت إيف في سرها لو يحصل هذا على الفور , وبأسرع وقت ممكن ..


ومن الافضل ان يحصل ذلك قبل ان تضطر الى مواجهة كايل مرة اخرى .

كيف ستتمكن من مقابلة رجل يقول انه زوجها .... وانهما عاشا معاً ما يقارب ثلاث سنوات ...
لكنه الان رجل غريب , لا يعني لها اكثر مما يعنيه اي رجل مر بها في الشارع , لن تستطيع ان تتخيل هذا !!
ترددت هذه الصرخة البائسة في رأسها واوشك قلبها ان يتوقف ذعراً لمجرد التفكير بمواجهة كايل ,

ثم عاد يخفق بسرعة مؤلمة .

لن تستطيع مواجهته .... ولا تريد ذلك , لكنها مضطرة .

بجهد و بتصميم , استجمعت كل قواها الداخلية وجلست مستقيمة ,تفرد كتفيها وتأخذ نفساً عميقاً غير سوي .
قالت :
" اعتقد انني سأرى كايل الآن ."

فوجئت بصوتها اقوى بكثير واكثر حزماً من ذي قبل ...
قطبت دايان بقلق :
" هل انتِ واثفة ؟."

" اجل , انا واثقة , يجب ان اراه في وقت ما دي ...
من الافضل مواجهته على الفور ...والا فقد يزداد سوءاً .

من تحاول ان تقنع ... دايان . ام نفسها ؟

تسائلت عن هذا وهي تسمع لهجتها المغالية في الاشفاق , فتفضح الجهد الشاق الذي بذلته حتى تتكلم ....

وتوسلت الى صديقتها في اعماقها وكأنها ترجوها الا تحاول صرفها عن قرارها ..
فإذا تراجعت الآن , قد لا تمتلك الجرأة لتقدم على ذلك مرة خرى ..

" حسناً ."
كالعادة , كانت دايان تراعي حاجات صديقتها , ولو ان كلمتها الاخيرة والعبوس الذي لم يفارق جبينها . دلاّ على بعض الشكوك الباقية :
" هل تريدينني ان ابقى معكِ في الغرفة ... او ربما تحتاجين جيم ؟"

اغمضت ايف عينيها وهي تقاوم الاندفاع الجبان لتقول نعم , ارجوك , ارجوكِ ابقي معي ... ساعديني .
لكنها اسكتت هذه الافكار فوراً ..
منتديات ليلاس
بلهجة تردد صدى قناعة داخلية , قالت بصوت يكاد يرتجف :
" لا ... شكراً ... لكن ..... دي ......"
" سنكون في الغرفة المجاورة حبيبت ... وما عليكِ سوى ان تنادينا باسمينا وسندخل راكضين ."
ونهضت وهي تبتسم لإيف ....

" سيكون كل شئ على ما يرام يا ايف يا حبيبتي .. انا واثقة من هذا ".
وطبعت قبلة دافئة على خد صديقتها الشاحب .
" سارسله إليكِ ."

كانت ايف وحدها في الغرفة .. استلقت جامدة للحظات تستعيد كلام صديقتها
" ايف حبي " واللهجة التي قيلت فيها .. ايف حبي ... ايف ....
الى كم من الوقت سيبقى هذا اسمها ؟

قد يقول لها كايل ان لديها اسم آخر ....
ستيفاني او بيلندا ...

واستبعدت هذه الفكرة ... لقد اعتادت على ايف الآن , واي اسم آخر سيبدو غريباً ...

لكن كايل استخدم هذا الاسم : ايف , وكأنه مقتنع به .

هل من الممكن ان تكون هذه احدى المصادفات الغريبة , تماماً كما اختارت هي اسم جنسن كمؤسسة النشر التي سترسل لها مؤلفها ؟

لقد لاحظ المرشد في صف " الكتابة الابداعية " الذي تحضره ممنذ ايلول الماضي , انها توازن خياراتها بعناية .
واخذت بعين الاعتبار انواع الكتب التي نشرتها تلك المؤسسة وقارنتها بعملها ..

لكنها الان تواجه الوقائع بصراحة فجة ,
كما تتطلبها الظروف منها ,
لقد ابعدت من ذهنها الناشرين الذين ينشرون الكتب الواقعية او قصص الاطفال فقط ..

وقامت بالقرار النهائي بقلبها لا بعقلها من دون تفسير منجذبة الى اسم جنسن تلقائياً ..

اذن , اكان لهذا الاسم صدى غامض غير محدد , ايقظ ذاكرة ليست ضائعة , بل نائمة فقط , كما اشارت دايان ؟
على اي حال , لابد ان اسمها كان جنسن في يوم من الايام , وهذا يفسر لهجة كايل التهكمية حيث خاطبها باسم مونتغوي ...

ارتجف قلبها من الخوف , سيدخل كايل هذه الغرفة في اية دقيقة .
وسمعت همهمة الاصوات من غرفة الطعام ..

اجتاحتها موجة ردة فعل انثوية ,, لابد ان مظهرها مرعب ! ...

ها هي , على وشك ان تواجه زوجها بعد فراق ...دام كم من الوقت ؟
سنتين ؟ أكثر ؟

لاشك في انها في حالة مزرية تماماً .

انزلت قدميها الى الارض ... ثم أخذت حقيبة يدها وفتشت فيها عن مرآة ما لبثت ان تنهدت حين اطبقت يدها عليها ,
لكن تلك التنهيدة استحالت شهقة حين رأت صورتها .

كان شعرها مشعثاً تتبعثر خصلاته على وجهها , ولا اثر للون على خديها , وقد رسمت الدموع التي ذرفتها خطوط كحل حول عينيها , فحولت الصدمة لونهما الى لون داكن .

يا له من منظر رهيب !
بسرعة اخرجت مشطها وعلبة تبرج صغيرة وبدأت بالتصليحات الضرورية ...

وفيما هي منكبة على ما تفعل , انفتح الباب بهدوء ثم اغلق مرة اخرى .
فقفزت كالقطة المذعورة لتتطاير مساحيق التجميل في كل اتجاه , لاسيما حين تفوه صوت ناعم باسمها ..
فاستدارت بسرعة .....

كان كايل يقف في الطرف الآخر من الغرفة مستنداً الى الجدار وقد اراح ذراعيه على صدره ,
فبدا شديد السمرة مثيراً لاضطراب ..

" مر ... مرحباً .... "

كم مضى عليه واقفاً هكذا , يراقبها بصمت ؟
لابد انه شاهد ما كانت تفعل ... تهتم بمظهرها .

واذا كان الامر هكذا , هل رأى فيه تفاهة انثوية صرفة , ام ظن انها امرأة تجمل امام زوجها ؟

ولم تتمكن ايف من السيطرة على رجفة هزت جسدها .

" مرحباً .."

رد كايل تحيتها الفاترة واحست انها فعلا تحاول ان تتجمل للرجل الذي يدعي انه زوجها .
وصدمتها تلك الفكرة الى درجة عجزت فيها عن الكلام ...

ساد صمت بينهما وطال حتى احست ايف انها ستصرخ اذا لم ينكسر حبل الصمت بسرعة ..
فسألها :
" كيف تشعرين الان ؟."

لم يكن صوته ودياً ,, بل مكبوتاً وبارداً كالجليد لا اثر للعاطفة فيه .
ردت بارتباك :
"اوه .... افضل بكثير ."

وتسائلت هل تمتع كايل باحتساء قهوته مع جيم ... انه زوجها ومع ذلك لا تعرف اي مشروب يحب !!
كانت تلك الفكرة مدمرة بحيث سارعت الى الكلام :
" صدقني ....انا لا اصاب عادة بالاغماء ."
قال بنعومة :
" فقط حين يظهر زوجكِ الذي اضعتهِ منذ زمن بعيد على عتبة الباب من دون سابق انذار ."
ردت بلمسة خشنة :
" وحين لا اتذكر من هو ."
ابعد نفسه عن الجدار :
" آه ..... اجل .... لقد اخبرني جيم عن هذا ."
بدا وكانه لم يصدق كلمة من الرجل الآخر .
ادركت ايف هذا والذعر يتملكها ... ايعتقد انها تدعي ... وانها اخترعت القصة كلها ؟
" ماذا قال ؟"
كان سؤالها مجرد همس اجش وقد خانها صوتها تماما لاسيما حين تحرك كايل نحوها .
" اوه.... مجرد وقائع اساسية ."
امام ذهول ايف الكامل ركع كايل امام قدميها ..
وبعد ثوان ارتبكت مذعورة ومع عودتها الى التركيز ادركت انه كان يستعيد احمر الشفاة وقلم الكحل عن الارض .
" هاكِ ..."
رماهما بعفوية في حجرها فيما هي لا تستطيع ابعاد عينيها عن يديه .
فتسمرت عيناها المتسعتان على اصابعه الطويلة .. وكفيه العريضتين ومعصميه القويين اللذين كشف عنهما قميصه الابيض الناصع ..
كايل زوجها ... وتردد صدى الكلمات في رأسها .. الى ان اصبحت مثل زوبعه رعدية عنيفة ..
انه زوجها ... ولأجل هذا يجب ان تعرف هاتين اليدين كما تعرف يديها ...
وبدا ان افكارها بلغت حداً بعيداً ... اذ كان كايل يتكلم من دون ان تعي حرفاً .
سالت متلعثمة :
" عف ........ عفواً ؟؟.."
رد كايل بلطف :
" قلت هل هذا كل شئ ؟".
لكن عينيه كانتا حادتين كالسكين , فشعرت ايف انه يخترقها ليصل الى افكارها ..
وبدا لها ان الوقت يمر ببطئ ,,فاجبرت نفسها على النظر الى ادوات التبرج في حجرها .
" اجل ..... اجل ...... "
كانت ستقول هذا على اي حال ..
ولو لم يكن صحيحاً .
ارادت ان تتفوه بشئ لتدفعه الى الوقوف على قدميه ...
فركوعه على هذا النحو كفيل بأن يقضي على ما تبقى من رباطة جأشها .
حاولت مجددا بحزم اكبر :
" اجل .... هذا كل شئ ."
من دون كلمة اخرى وقف كايل بحركة رشيقة واحدة واختفى في المطبخ للحظة ليعود ومعه كوب ماء مده اليها .. وبصمت تام .
بعينين متسعتين هزت ايف رأسها شاكرة فيما الماء يطفئ التوتر في حلقها .
قال كايل بهدوء :
" لعلكِ ترغبين في سرد روايتكِ من وجهة نظركِ ".
وانفتحت عينا ايف بسرعة فشاهدته ينتقل ليجلس على مقعد قبالتها و يستند الى ظهره المغطى بالقماش .
بدا مرتاحاً فيما وضع احدى ساقيه فوق الاخرى بطريقة عفوية .
احست بسخط متردد لسؤاله , فرددت :
" روايتي ؟."
للحظة بدا ان صبره يكاد ينفد , لكنه كبت ذلك بسرعة و راح يسألها عن نفسها ..
" قولي لي فقط ماذا حدث "
لم يكن في لهجته تهديداً ما , ولو من بعيد , ولا اثر للعدوانية على وجهه
بدا جسمه الطويل مسترخياً تماماً ,
لكن ايف احست انها تقف في قفص الاتهام , تواجه قاضياً معادياً ينوي اعلان الحكم عليها .
قال كايل يحثها فيما سخريته اللاذعة تخترق افكارها :
" البداية في العدة افضل الطرق للانطلاق في السرد "
بدأت ايف باضطراب :
" حسن جداً ... لست املك الكثير لاقوله حقاً ...
لا اعرف ولا اذكر شيئاً الا انني وجدت نفسي جالسة في مقهى قرب مخزن بيع في شارغ اوكسفوررد .
وحين حققت الشرطة فيما بعد قالت احدى الساقيات انني بقيت هناك لاكثر من ساعة ...
لكنني لا استطيع ان اتذكر حتى هذا ..
كان امامي فنجان قهوة بارد وشطيرة جبن وحبة طماطم نصف مأكولة "
التوى فم ايف بألم لهذه الذكرى .
كم كانت هذه التفاصيل الصغيرة مهمة لها ...
مهمة لانها على الاقل اجزاء مبعثرة تستطيع اضافتها الى محموعة الوقائع المثيرة للاشفاق وهي كل ما تعرفه عن نفسها ...
واتجهت نظرتها الى كايل ....
كان يجلس بصمت قبالتها ووجهه خال من اي تعبير .
وقد ضم يديه واسند مرفقيه على ذراعي المقعد وهو يصغي باهتمام و يركز بقوة على كل كلمة تقولها ...
" كان ...ذلك مثل .... مثل الاستيقاظ من نوم عميق منذ مدة طويلة ..... "
وكان هذا صعبا عليها .. اصعب مما كان في البداية ..
فلما اخبرت طبيب الحالات الطارئة متلعثمة مترددة القصة ذاتها تعاطف الطبيب معها وراح يساعدها ويسالها اسئلة يمكن ان تفيدها و يشجعها ...
لكنها الآن لا تعرف مشاعر كايل .. وصمته المتحجر لا يبدي شيئاً ...
صمت , لا يمكن بكل تأكيد وصفه بالمشجع ..
" لكن المرء متى استيقظ ومن اثقل نوم ممكن يعرف بعد ثانيتين اين هو و من هو و اي يوم من الاسبوع هو فيه .... "
رجّع صوت ايف صدى اليأس والذعر الذين احست بهما ذلك اليوم ....
واكملت :
" ..... بالنسبة لي ... بدا الامر بمثابة ورقة بيضاء ....لا شئ .... "
مرة اخرى خاطرت بنظرة الى الجسد القاتم قبالتها تحاول ان تقيس ردة فعله ....لكن عينيه المركزتين عميقاً في وجهها ظلتا متحجرتين لا يمكن النفاذ خلالهما .....
" انا ... ذعرت ... وركضت عبر المخزن لأخرج الى الشارع ... أتطلع ...افتش .... عن اي شئ ... مهما كان صغيراً ...يمكن ان يعطيني فكرة عما يحدث ...لم اعرف في اي مدينة انا ...
اخيراً سألت رجل الشرطة عن كل هذا ."
ضحكة ايف كانت مهزوزة ... ارتسم الماضي من جديد على وجهها ...
بدت عينيها قاتمتين وكأنهما كدمتان فوق خديها بلا لون ..
واكملت :
" لابد انه ظنني غريبة ... اين انا ؟
اي يوم هذا ؟ وكان اول من اقترح علىّ ان اذهب الى مستشفى ."
وهنا صدرت حركة مفاجأة عنيفة من كايل ... فصمتت فجأة ...
ولأول مرة منذ بدأت سرد روايتها , ظهر عليه نوع من ردة الفعل , فأنزل يديه عن ذراعي المقعد وجلس مستوياً ..
سأل بحدة :
" متى حصل هذا بالضبط ؟".
وما همه ذلك ؟
" في العاشر من شهر آيار . منذ اقل من سنتين بقليل ..
كان التاريخ محفوراً في رأسها بحروف من نار , فهو على اي حال التاريخ الذي بدأ فيه وجودها .
اختلست نظرة اخرى الى وجه كايل , فالتقطتت تعبيراً آخر في عينيه ....
كانت نظرة تركيز و كأنه يفكر بشئ قديم ... ,يحاول استعادة ذكراه ....
سألت مترددة :
"هل للتاريخ ميزة خاصة ؟."
لكن الوجه المتحجر والنظرة الكتومة في عينيه عادت ...
وقال آمراً :
" هيا .... تابعي ."
للحظة فكرت ايف بالتمرد .. لكنها عدلت عن تفكيرها .. فكايل لن يتسامح , اضافة الى هذا , انها تريد ان تنتهي من قصة العاشر من آيار ,
لم تكن تدرك كم سيكلفها الكشف عنها من مشقة .... خاصة في هذه الظروف المشحونة عاطفياً .
" انا .... هربت راكضة من رجل الشرطة ... كنت مقتنعة ان كل هذا كان حلماً سيئاً ... مجرد انحراف عقلي مؤقت ...وانني في النهاية ساعود الى حالتي الطبيعية ,,,
فسرت ,, وسرت ,,لاميال ,, من دن ان اهتم بوجهتي ..
كنت اسير وادعو الله ان اتعرف الى اي شئ وان اجد المفتاح لافكاري وذكرياتي
تصاعدت الدموع الى عيني ايف و هي تجبر نفسها على استعادة الذكريات الرهيبة
وزاد من تفاقم توترها طريقة كايل في الجلوس ...؟
جلس هناك من دون حراك وكأنه محوت من حجر .....
" مرت خمس ساعات او اكثر ربما ... وكانت الساعه قد تجاوزت السابعة وبدأت الدنيا تظلم ... حين عرفت انني لن استطيع الاستمرار وحيدة ...
ولحسن الحظ , بعد بضع دقائق , وصلت الى مدخل مستشفى ...
ولم اكن اعرف اي مكان آخر الجأ اليه ... فدخلت الى قسم الطوارئ ...."
وهناك بدأ حظها يتحسن نحو الافضل .
ففي تلك المستشفى التقت دايان ... ممرضة مشرفة دافئة القلب , محبة كالأم ,, رعتها وارشدتها ودعمتها خلال الاستجواب والفحص الطبي والوقت الذي امضته في المستشفى وزيارات الشرطة و العاملين الاجتماعيين وحتماً علماء النفس ,
وكلهم منكب على اكتشاف هويتها او على الاخص لماذا نسيت اسمها ,,,
حتى انهم جربوا التنويم المغناطيسي في محاولة لاعادتها الى الزمن الماضي .
لكن كل ه ذا كذلك لم ينجح ايضاً
اخيراً وصلوا الى حائط مسدود ,, فعرضت عليها ديان الاقامة مع زوجها وابنتيها التوأم في منزلها , وان تكون عائلة دايان بديلة لعائلتها ..
وانهت كلامها :
" هكذا جئت لأعيش هنا .. وبعد فترة حصلت على عمل في المكتبة المحلية ... كبائعة مبتدئة ,
صحيح ان المرتب ليس جيداً جداً لكنه على الاقل يعني انني قادرة على المساهمة في ميزانية البيت ...
على اي حال ... لم اكن املك فكرة عن مؤهلاتي الحقيقية ."
مرة اخرى ادارت نظرة تساؤل نحو كايل , لكنه سؤال كغيره مرّ من دون رد ...
" و...... هذا كل شئ تقريباً ...."
خرجت منها الكلمات متلعثمة الآن , واحست برأسها يتثاقل , وهبطت كتفاها ارهاقاً ... فجلست منهكة في مقعدها و هي تنتظر رده ....
صمت مطبق ..... لو انه فقط يقول شيئاً ...اي شئ ...!!
" هذا كل ما باستطاعتي قوله ! ."
اخيراً تحرك كايل يدفع يده عبر شعره الاسود الناعم وقد ركّز نظره العابسة على السجادة , وكما من قبل ,, احست ايف انها تستطيع ان تسمع افكاره وهو يزن كل ما قالته له ..
وحين اقشعر بدنها بألم وتوتر التفتت العينان القاتمتان الى وجهها ..
قال فجأة :
" سؤال واحد فقط .... "
" نعم ؟"
" لماذا " مونتاغوي " ؟.
في البداية لم تفهم ايف سؤاله
سأل كايل بخشونة :
" اسم العائلة .... الذي تستخدمينه الآن ."
لأول مرة , ازالت ضحكة خفيفة التوتر من صوتها :
" اوه .... هذا امر سهل ...
فالعنبر الذي كنت فيه في المستشفى حيث بقيت للاسبوعين الاولين يسمى "عنبر مونتاغوي ."
ولانها خرجت من هناك لتبدأ حياتها الجديدة وكأنها طفلة و لدت من جديد لتغادر عنبر الامومة , اتخذت اللقب اسماً لها ...
تمتم كايل ببطئ :
" فهمت .... و " ايف " ؟"
احست بنبرة غريبة في صوته فثارت اعصابها لاسيما انه عاد الى مستوى المدّعي عليه والجلاّد مجدداً .
انفجرت ساخطة :
" لماذا تطرح كل هذه الاسئلة ؟".
واشتعلت نار الغضب والتحدي في عينيها .
"الا تعتقدين انه يحق لي ذلك ؟".
اشتعل جنون ايف اكثر فأكثر ,
فتعبير كايل البارد المتسائل والطريقة التي ارتفع فيها حاجبه الاسود ذكرها انه لا يصدق كلمة قالتها ..
" لا ... لا اظن ان لك اي حق ابداً .... ليس دون دليل ...
تقول انك زوجي ... لكن كيف اعرف بحق الجحيم انك تقول الحقيقة ؟
قد تحاول توجيهي لاغراضك الخاصة , عليك ان تثبت لي انك حقاً من تدّعي !
لانني سأقول لك شيئاً سيد كايل جنسن العظيم المقام ....
لن ارد على اي سؤال آخر حتى تبرهن ادعائك !! .."
منتديات ليلاس

nightmare 12-10-08 06:39 AM

3- أتذكرين؟
- ما هو البرهان الذي يدل على انك فعلا الشخص الذي تدعيه؟
ما ان انفجرت ايف هكذا حتى خيم صمت شعرت اثناءه وكأن كلماتها الغاضبه انعكست ألسنة من النار في عينيه.
للحظة طويله متوتره تلاقت نظراتهما. بان التمرد والتحدي في نظرتها ولو ان داخلها كان يتلوى في عقد شديده...ولم يزل ذلك الهدوء الاسود في نظرته لكنه اختلط هذه المرة بشئ اخر شئ رأته على وجهه من قبل حين تكلم اليها اول مرة عند الباب الامامي ولم تفهمه حينها كما لا تفهمه الان.منتديات ليلاس
اخيرا تحرك كايل قاضيا على حديث العينين فجأه.فحول نظره الى يديه للحظه,ذهلت وهي تتبع نظراته وترى الاصابع القوية التي كانت مسترخية في حجره تنقبض في شده... لكن ذلك كان كل ما سمح لها كايل ان تراه قبل ان يمد يده الى جيبه ويخرج محفظته!.
قال يتشدق بسخريه:" في الواقع انا لا احمل الوثائق القانونية المطلوبة معي... على اي حال لا يطلب مني كل يوم ان اثبت شيئا كهذا...لكن بالنسبة لعلاقتنا, ربما هذه تساعد...".
وكما كانت ايف تتوقع اخرج صورة من المحفظه ومدها اليها. قامت بجهد وتحركت قليلا من مقعدها كي تصل اليها... وحين توقفت لم يتحرك بدوره بل جلس صامتا مرة اخرى, ينتظر.
الفت ايف نفسها فجأه وقد شلها الذعر عن الحركة... وحدقت في الصورة الممدودة اليها بسخرية وكل ما استطاعت ان تفكر فيه هو صورة فأر امام قطعة جبن شهية في فخ سام قاتل.
لو اخذت الصورة فلن يكون من تراجع ولو كانت صورتها كما لابد من ان تكون فلن يكون من مجال لانكار علاقتها بكايل...علاقة لا تعرف شئ عنها قد تكون هذه الصورة مناسبة سعيدة تتيح لها ان تشعر بروعة التحرر. وهاهي الان على وشك ان تكتشف هذه الحقيقة لكن كل ما تحس به هو احساس قوي بالرعب .
قال كايل: " ايف...."
ادارت النعومة في صوته عينيها المتورمتين المذهولتين الى عينيه مرة اخرى
واحست انها تغرق في لونهما الآبنوسي الى الاعماق.
- هذه هي...خذي الصوره...
وبالرغم من هدوء صوته ولهجته اللطيفة عرفت ايف لا شعوريا ان تجاهل طلبه سوف يتسبب بردة فعل رهيبه.
وكأنها في غيبوبه ملؤها النشوه مدت يدها وبحركة خفيفه ارخى قبضته عن الصوره ليتركها تقع في راحة يدها.
-انظري اليها الان.
غشيت عينا ايف بعد القائهما اول نظرة على الصوره فلم تستطع ان تركز عليها لاسيما ان الرجفة اخذت تسري فيها...وبمقاومه جاهده فرضت على نفسها درجة كبيرة من السيطره وحاولت النظر مجددا.
كانت الصورة لاثنين..رجل وامرأه..وجه الرجل هو الذي برز اولا لكنها الفت نفسها عاجزه عن استجماع الشجاعة لتنظر الى المرأه أو اليها..انه كايل مع ذلك لم يكن الرجل ذاته الذي يجلس قبالتها الان كان اصغر سنا بالطبع لكن فارق الزمن بدا وكأنه اكبر من هذه السنوات القصيره.
وصدمت ايف لفكرة مروعه خطرت على بالها فدار رأسها وهي ترفع نظرها وتفكر بكايل كما هو الان ثم تقارن الصورة بالحقيقه.
أوه...يا الله! هل كانت خسارة زوجته سببا لكل هذا التغير؟ هل رسم اختفاؤها كل هذه الخطوط حول عينيه وفمه وشد عضلات فكه حتى بات رجلا مغايرا لصورته اذ يبدو لها الان انه نادرا ما يضحك!... هل غيرته سنتان من...ماذا؟ الوحده؟ اليأس؟ من رجل سعيد مرتاح كما في الصوره الى مخلوق مبالغ في تصلبه كالذي امامها؟ لا تستطيع ان تتحمل التفكير بمثل هذه الوقائع اكثرمن هذا....
استجمعت اخر مصادر قوتها واجبرت نفسها على النظر مرة اخرى الى الصوره توجهت هذه المرة الى وجه المرأه وما لبثت ان شهقت عاليا مع التقاء عينيها بعيني الفتاة في الصورة...لم يعد لديها ادنى شك الان ان كايل كان يقول لها الحقيقة.
كما الحال مع كايل بدا فرق حاد لكن مميز بين هذه الصورة والوجه الذي تراه كل صباح في المرآه...لم يكن الفارق يكمن في المزاج فقط فايف التي في الصوره تفور بهجة بالحياة لكن سكينا يلوى في اعماق ايف الاخرى. وهي تعرف انها وفي السنتين الماضيتين على الاقل لم تختبر مثل هذا الفرح..
وفي الصورة ظهرت ايف اصغر سنا وبدا شعرها اكثر وضوحا...الخصل الشقراء مسرحة بطريقة جميله على شكل تاج لماع فوق وجهها المستدير كالقلب...وقد انسدل شعرها على كتفيها وبدت الثياب هي الاخرى مختلفة جدا. كانت ثيابا ممهوره بتطريز مميز وقماش غالي الثمن يعكس الثراء الفاحش الذي كانت تتمتع به دون شك..لكن الفارق الابرز كان في عينيها...كانتا صافيتين براقتين لونهما البنفسجي الازرق القاتم يخلو تماما من النظرة الضائعة لتي تظللهما الان حتى في افضل ايامها.
كان الاثنان في الصورة يقفان متلاصقين ذراع الرجل بل ذراع كايل كما قالت لنفسها بردة فعل مرتجفه تحيط بفتاته...تلفظت بتلك الكلمة وكأنها واقع ترفضه فهي ماتزال عاجزة عن التفكير بالمرأة في الصورة فهذا التقارب بين جسميهما والتصاقها به اضافة الى يدها المرفوعة الى خده, كل هذا يشهد على حميميه لا تظهر الا عند المعرفة العميقه للانسان الاخر في ظل حب ينعم عليهما بالامان.
قال كايل بذلك الصوت الناعم المنخفض الخطير:"ايف؟"
وعرفت ايف انه بالرغم من صبره وصمته الهادئ لن يقوى على الانتظار لى الابد...كان ينتظر ردا عجزت هي عن تسليمه.
وسرعان ما حرقت دموع مريرة عينيها وغشت بصرها ومن دون وعي منها شدت اصابعها على الصورة التي تمسكها وهي تقاوم لترد الدموع...هذه الصورة لها...من زمن ما في ماضيها تجربة عاشتها وتمتعت بها كثيرا كما بدى بوضوحعلى وجه الفتاة..مع ذلك لم تعن لها شيئا مهما حاولت بقوه وفتشت في الزوايا المظلمة لافكارها املا في ان تجد ذكرى مدفونه. منيت بخيبة مريره...كانت تنظر الى الصوره كما تنظر الى صورة غريبين.
لكنها لا تستطيع ان تتذكر..العزلة السوداء الثقب المفتوح الفارغ في داخلها كل ذلك يؤلمها الى درجة اطلقت الدموع الحارقة وتركت عذابها يتفجر ببساطه.
قال كايل مجددا بصوت مترنم مختلف هذه المره: "ايف!"
ثم تحرك من مكانه ونهض عن مقعده ليجلس الى جانبها على الاريكة وانتزع الصورة من اصابعها برفق ثم ضمها بين ذراعين قويين الى جسمه وبطريقة لا شعورية كما الولد الصغير يسعى الى الارتياح ادارت ايف وجهها الى صدره واخذت تبكي.
ضمها كايل ببساطة من دون ان ينبس ببنت شفه ودون ان يقدم على حركه احس انها تلقت كل ما تستطيع تحمله في اللحظة الحاضره.. وان ذلك الصمت هو كل ما تحتاج اليه..لكن ذراعيه شكلتا قوقعة دافئة تحميها فضمها بأمان الى ان خف اول اندفاع لحزنها وخف النحيب الى تنهيدات صغيره..عنها تكلم.
سألها بهدوء: " أأنت افضل حالا الان؟"
تمكنت ايف من هز رأسها وتمتمت وهي تختبئ في قميصه: "شكرا لك".
حدث التغيير وهي تتكلم فشعرت بامتنان عميق لانها اخفت وجهها عن العينين البنيتين العميقتين فلم تستطع رؤية الدفء يتدفق الى خديها.
كان من المستحيل ان لا يقشعر جسمها وهي بين ذراعيه وقد احست بقوة ساعديه اللذين يتمسكان بها وبصدره اللذي ترتاح اليه وبخفقات قلبه التي تشبه ضربات الامواج في اذنيها..استطاعت ان تشم رائحة جسمه..اشبه بمزيج جذاب من دفء والعطر ورائحة مسك لطيفه كان عبيرا قويا جدا...تنفست بعمق فبعث فيها تأثير مسكر اندفع مباشرة الى عروقها ومن هناك تدفق بسرعة الى ما تبقى من جسمها فدار رأسها وتسارعت نبضات قلبها...
دنت منه اكثر وعلى الفور احست بتبدل في تنفسه وبتسارع يماثل سرعة خفقات قلبها.
- ايف!!
هذه المرة كان اسمها شهقة مرتجفه امتزج فيها الاحتجاج والصدمة والانكار اضافة الى نوع من السعادة الخفية.
- بالله عليك....ايف!
في برهة من الزمن اختفى كايل جنسن رجل المدينة, رجل الاعمال المتمدن والبارد والرابط الجأش الذي رأته حتى الان...وكأنه احترق بنار داخلية هائله..هادره..مدمره..كالنار في الهشيم.... ومرة اخرى عاد الرجل القاسي المثير للاضطراب الذي واجهها عند الباب.
لكن الاحساس الذي تملكه هذه المرة لم يكن الغضب بل الحب المشبوب فانسلت اصابعه القوية الى ذقنها ورفع وجهها اليه وهنا عرفت ايف انه يعكس شعورها بالتحديد...احساس حار لاذع كان يحول دمها الى مياه حارقه تسري في عروقها.
لم تعد ايف قادرة على التنفس..كان جسمها كله يرتجف بعنف..وانقلبت الحرارة في عروقها الى اتون مستعر وشعرت انها يائسة لا تستطيع التحكم بنفسها....
همس كايل:" هل رأيت؟ انت تتذكرين! انت تعرفينني...جسمك يعرفني!"
أنت تتذكرين حقا! لو انه غرز سكينا في قلبها لما استطاع ان يعيدها الى الواقع اكبر او بألم اكثر...بصرخة ملؤها الذهول واليأس انتزعت ايف نفسها بعيدا عن كايل وراحت تدفعه بعيدا عنها.
- لا استطيع
كانت هذه هي آهة عاب...رددت صدى الاحباط الذي اجتاح جسمها...
- لا استطيع....لا استطيع.
كررت الجملة يائسة ثم غطت وجهها بيديها كي لا ترى الغضب الذي اشتعل في عينيه.
- انا لا اعرفك!...لا استطيع!...انا لا اعرفك!
من بين اصابعها المرتجفة سمعت انفاس كايل المتحشرجة تبطئ بالتدريج ثم تزداد ثباتا واخيرا تناهت اليها التنهيدة العميقة الخشنة التي سيطر فيها اخيرا على نفسه.. لكن صوته كان لا يزال خشنا وحافلا بمشاعر لم يك يخفيها حين تكلم اخيرا.
- حسنا ايف...لن المسك مرة اخرى حتى تكوني مستعدة....اعدك.
لم تكن لتصدق ان افكارها يمكن ان تبلغ حدا اكبر من الضياع لكنها لم تستطع ان تتحمل الطريقة التي تصرفت بها للتو فقد شعرت بأنها على حافة الجنون اذ كيف تتصرف على هذا النحو مع رجل غريب عنها تماما .
لكن كان غريبا, ولم يكن. لقد كان... ولا يزال...زوجها... ومن الواضح انهما ارتبطا بعلاقة حب وكانت الصورة خير دليل على ذلك ووفق قوانين الطبيعة والمجتمع من المفترض بالزوجة ان تبادل زوجها حبه. لكن كايل غريب عنها.. وهو مثله مثل اي رجل يدخل الى المكتبة حيث تعمل..
بعث هذا الذعر فيها فأجفلت ومع ذلك فقد تجدد فيها الشوق اليه حين وعد ان يتركها ويمنحها الوقت فبدون دفئه الى جانبها شعرت بالبرودة والحرمان في داخلها وارادته ان يعود مع ذللك ذعرت من مجرد الفكرة احست ايف وكأنها فوق ارجوحة تدور دونما سيطره ولا تعرف كيف تتعامل مع التغيرات التي قلبت عالمها رأسا على عقب.
همست:" انا خائفة !"
كانت كلمات حافلة بتأثر تسلل الى اصابعها.. وسمعت تنفس كايل الحاد وهو يسأل بخشونة:" وكيف تظنين اني اشعر؟"
وما لبثت ان احست به وهو ينهض عن الاريكة وبعد دقائق رأته قد ابتعد عنها ووقف في الطرف الابعد من الغرفة فيما يداه في جيبه وكتفيه محنيتين بينما راح يحدق من النافذة الى الحديقة المعتمة.
بعد ان نفضت عنها غبار الكرب تمتمت بصوت ناعم منخفض:
- ادرك ان هذا ليس سهلا عليك...لكنه ليس كما توقعته تماما
راقها ان تتكلم معه فيما هو مشيح بوجهه عنها لانها متحاشية نظرته المتفحصة الثاقبة.
- افهم ما تقولين
تنهد كايل مرة اخرى وهو يمرر يده في شعره بحركة خشنة مضطربه قبل ان ينتزع ربطة العنق ويرميها على ظهر كرسي قريب وما لبث ان رمى سترته ايضا دونما اكتراث لقماشها الغالي الثمن وكأنه يسعى للتحرر من اي قيد مفروض عليه
تمتم كايل:" يا الهي.....احتاج الى شراب!"
- اخشى اننا لا نملك سوى شراب المرضى عصير الكرز البري... الا اذا اردتني ان احضر لبقهوة.
- القهوة تكفي...لا... سأعدها بنفسي لا اريد ان يغمى عليك... مجددا.
- لكنني بخير الان.
تجاهل كايل كلمتها متجها الى المطبخ وهو يقول:
- بمقدوري ان اعد فنجان قهوة...فكما تعرفين جيدا...انا...
اعاد استجماع نفسه فجأه من دون ان يكمل ما اوشك قوله وعبر الباب المفتوح. رأته يهز رأسه بغضب مطلقا الشتائم بين الفينة والاخرى .
سألها بعد لحظات: " ااعد لكي فنجانا؟"
بدا انه يصب اهتمامه على غلاية الماء فتعبير وجهه خال من اي مشاعر لكن لهجته الحزينة فضحت ما كان يحس به.
ردت ايف اليا:" اجل ارجوك.. مع الحليب من دون سكر"
ثم عضت شفتيها بعد ان نظر اليها بسرعة والغضب في عينيه ينبئها بخطئها فهو يدرك تماما كيف تحب القهوة الا اذا كان انهيارها العصبي وذاكرتها المفقودة قد غيرا ذوقها تمام.
فقالت:" انا اسفه".
هز كايل كتفيه العريضتين دونما اهتمام وظهر وجهه خاليا من التعبير.
بدا غير مكترث على الاطلاق لذهولها. قال بفظاظة:" نحن متساويان".
وقفت ايف ببطأعلى قدميها فيما هو ينتظر الماء ليغلي ثم انتقلت بصمت وتثاقل لتقف عندالباب ما بين المطبخ وغرفة الجلوس لم تتذكر هذا الرجل ومع ذلك وكأن قوة هائلة تجذبها اليه لم تكن قادرة على الاشاحة بوجهها عنه لكنه كان يدير لها ظهره فأحست بالارتياح.
ولكنها احست بالقلق ايضا لانها لم تقدر ان تحول دون نظراتها المليئة بالاعجاب وتاقت اصابعها لتمر فوق جسمه ونعومة شعره الاسود اللماع.
وهنا تصاعد التورد الى وجهها. راحت تبحث عن كلمة تقولها كي تبعد عن نفسها هذا الخيال الجامح.
فسألت بتهور: " هل تحب العصير؟"
رأت معالم الدهشة عليه قبل ان يستدير ليواجهها:
- ماذا.....؟
كانت لهجته تثير الاضطراب... لكنه استجمع نفسه فصعب على ايف ان تقرأ معالم وجهه.
انصبت جهود كايل لثوان على انهاء مهمة تحضير القهوة فراح يحركها بقوة مبالغ فيها قبل ان يرفع الكوبين ويحملهما اللى غرفة الجلوس .
قال آمرا:" تعالي واجلسي".
ثم وضع كوب ايف على طاولة صغيرة بالقرب منها قبل ان يجلس على مقعد بذراعين بعيدا بعدا امنا عن الاريكة التي تجلس عليها ايف.
انتظر حتى جلست ثم تكلم ببطء:
- اعتقد انه يحق لك طرح بضع اسئلة ايضا..نعم انا احب العصير..والاناناس بوجه خاص.
عاد يتفرس بها عن قرب فدب القلق في نفس ايف..علام ينظر؟ لم لا تخبره بكل بساطة انها لا تتذكر عنه شيئا؟ الا يزال يعتقد ان فقدانها للذاكرة غير حقيقي؟منتديات ليلاس
قالت بحد: " هل تظن انني اكذب عليك؟"
رد كايل بنعومة وكأنه لم يكن مقتنعا:" ولماذا اعتقد هذا؟"
ثم مد يده الى الكوب وتراجع في مقعده وهو يرشف القهوة...
- افهم انك تودين معرفة الكثير1
بالطبع انها تريد...بل تحتاج ان تعرف الكثير...كل شئ لكن المشكلة انها لا تعرف من اين تبدأ....كم تتوق الى شراب منعش الان.
- ما هو اسمي الحقيقي؟
التوى فم كايل في ابتسامة جانبية بدا وكأنه كان يتوقع هذا السؤال بالضبط:
- اتعرفين اسم جنيفياف؟ لا, لم تحبي هذا الاسم يوما...كان الكثيرون ينادونك جين.
صمت فجأه ثم تجهم وجهه بسرعة . اما ايف فتسمرت في مكانها وهي تدرك ان كلماته التالية مهمة جدا.
وسأل: " لماذا اسميت نفسك ايف؟"
ردت بصوت متشنج:" اوه...هذا..."
ادعت الامبالاه وهي تستعيد مرة اخرى احداث السنتين الماضيتين.
- بدا لي الاسم مناسبا لان ايف او حواء كما يسمونها المرأة الاولى من دون ابوين ولا اسلاف وقد طردت من جنه عدن"
جف حلقها بألم وهي ترى كيف كان ينظر اليها وادركت متأخره ان اسمها الحالي يمكن ان يصور باختصار اسمها الحقيقي ولمح كايل وجهها الباهت يخلو من اي لون... فهز رأسه ببطء
قال بصراحة:" ايف كان الاسم الذي اعطيته لك..."
وضعت ايف كوب القهوة على الطاولة بعنف...جنفياف...ايف...تذكرت قوله "" كنت سأعرف على الفور انك كاتبة القصه ولو حاولت جاهدة
اخفاء اسمك" اذن هل التقت الاسم عشوائيا كما اعتقدت؟...ام انه مخبئا في لاوعيها كما كانت دايان تلمح دائما.
اذن ...هل ضاعت ذاكرتها الى الابد؟ كانت تعتقد انها دفنت تماما, لا بل اختفت خلف جدار من الصخر, لكن يبدو الان ان هذا الجدار لم يكن صلبا كما اعتقدت.
حثها كايل:" ماذا عن السؤال التالي؟"
اجتاحت ايف موجة استياء ملتهبة لاسيما انه لم يعطيها فرصة لتستوعب ما قاله لها فقد تلاشى الرجل الذي ضمها وحل مكانه تلك الشخصية الباردة والجامده.
قالت محتجة:" لست مستعدة بعد!"
لكنها ناقضت نفسها فورا:" كم ابلغ من العمر؟"
ضحك كايل بسخريه...فحين يبتسم يتغير وجهه كله واحست ايف بالجليد الذي غلف قلبها يذوب استجابة لدفئه المفاجئ.
ثم تمتم بخفة:" يا لعادة النساء! هل اقول واحدوعشرين ام......؟"
قاطعته بحدة: " الحقيقة ارجوك!".
قال بسرعة:" واحد وعشرون اضافة الى خمس سنوات".
اذن كان تخمينها صحيحا...شعرت بالسعادة لانها استخدمت اسمها وعمرها الحقيقين خلال السنتين الماضيتين.
- ومتى ابلغ السابعة والعشرين؟
- بعد ستة اسابيع في العاشر من ايار بالضبط
احست ايف مرة اخرى بنظراته تحرقها ...لا شك ان هذا التاريخ مميز لكايل كما هو الحال بالنسبة لها ايضا....فالعاشر من ايار هو اليوم الذي وجدت فيه نفسها في المقهى من دون ان تعلم كيف وصلت الى هناك...هو اليوم الذي بدأ فيه كابوسها اذن حدث ذلا في عيد ميلادها الخامس واعشرين ..ترى ماذا حدث يومها؟ بكل تأكيد لا يمكن ان تنتج((المحنة)) التي تلم عنها الاطباء من نسيان زوجها لعيد ميلادها مثلا...اهذا ممكن؟
قالت:" اذن كنت في الثانية والعشرين يوم التقيت بك... وانت كم عمرك؟"
- سأبلغ الخامسة والثلاثين في التاسع من تشرين الاول القادم.
كانت كلماته اشبه بسكين يطعن قلبها كم تحسده على القدرة البسيطة في تذكر عمره وتاريخ مولده.
فتابع:" السؤال التالي؟"
عاد الى دور محامي الادعاء مرة اخرى ام انه محامي الدفاع ؟ المشكلة انها لم تكن تعرف الى اي جانب هو. ففي اللحظات التي كان يضمها فيها بدا لها لطيفا متفهما لكن في بقية الاوقات كان صوته حادا يتضمن نبرة هجومية شديده الامر الذي دفعها للتساؤل عن سبب عدائيته هذه...لقد نسيت انها تركته على ما يبدو دون سابق انذار...وانها لم تتصل به لما يقارب السنتين ام انها تركته قبل ذلك؟ اكان تحطم زواجهما ((المحنة)) التي سببت مشاكلها اساسا؟
كرر كايل:" السؤال التالي"
وتحول ذهن ايف الى صفحة بيضاء تماما فهو لم يكن محامي الادعاء فحسب بل كان يقوم بدور المحكمة والحكم في وقت واحد...
- الا تريدين معرفة شئ اخر؟
- طبعا اريد معرفة المزيد! فأنا لا اعرف شئ ابدا!
وبغتة اخذ دماغها يعج بما لا يحصى من الاسئلة...وحاولت ايف يائسة ان تركز افكارها على واحده منها: " ووالداي؟"
- كلاهما ميت
يا الهي كم هو عديم الاحساس... لكن ما من طريقة سهلة لقول هذا.
اضاف كايل:" لم التق بهما قط لقد مات والدك قبل ان التقي بك بأكثر من سنة تقريبا ووالدتك بعد اربعة اشهر تقريبا. وفي رأي انهما لم يكونا فائقي اللطف اتجاهك فقد قلت لي انهما متزمتان جدا.
- ماذا عن الاخوة والاخوات؟
كان سؤالا كئيبا يائسا. هل كان كايل الشخص الوحيد الذي عرفته؟ كيف يمكن لها ان تعرف الحقيقة عن زواجها اذا كان هو المجيب الوحيد؟
- انت ابنة وحيده. انا لست وحيدا فأخي الصغير استيوارت يصغرني بخمس سنوات. انه فنان العائلة وهو مهتم بالتصميم لكنه يترك تفاصيل العمل لي وايزال والدي حيين لقد حققا لتوهما طموحا طال انتظاره فتقاعدا في فلوريدا ولقد طال اقناعي لوالدي ليترك زمام قيادة شركته الصناعية وهاهو الان يتمتع بكل دقيقه من وقته.
نظرة سريعة الى وجه ايف أنبأته بما يجول في خاطرها:
- لقد التقيت بهما مرة واحدة يوم زفافنا. حين كنا معا لم استطع اقناع الرجل العجوز اني قادر على التعاطي مع شئون لندن من العمل.
- شئون لندن...كنت...؟
- كنت مسئوولا عن القسم الانجليزي من المؤسسه حين كنا معا.
- اذن...كيف...كيف التقينا؟
ضحكته استحالت خشنة فجأه:
- اوه...هيا يا ايف.. اعرف انك لست بحاجة الى السؤال كل هذا موجود في كتابك الا تذكرين؟
- كتابي.....؟
كانت ايف قد نست فعلا السبب الحقيقي لظهور كايل في المنزل لكن كلماته الغاضبة عادت لتلاحقها" كل شئ موجود في النسخة اللعينة...لقاؤنا..."
- اذا كان صحيحا؟ السلم المتحرك...؟
- تعطل السلم المتحرك وتوقف فجأه فوقعت الى الخلف بين ذراعي تماما...بالضبط كما وصفت في كتابك. والان هل فهمت لماذا جئت الى هنا؟
لقد فهمت جيدا ولا عجب انه اعتقد ان قصتها رسالة موجهة اليه...ولا عجب انه سعي اليها.
- اوه....يالهي!
مرة اخرى غطت ايف وجهها بيديها. لم تستطع استيعاب الامر. لقد ظنت انها تكتب عملا ادبيا خياليا لكن بعض الحقائق تسربت فعلا من شق ذلك الجدار الذي يسد الطريق على ذاكرتها شق يزداد اتساعا مما تصورت يوما.
- اهناك المزيد؟
لم تكن راغبة بالسؤال لكنها عرفت انها لا تستطيع تركه دون رد. فالوقوع من على السلم المتحرك مثل البداية في كتابها...وهو يمثل البداية في الحياة الواقعية ايضا. واضربت حين احست ان الخيال قد استحال حقيقة وانها استخدمته كبداية لعلاقة غرام مشبوب...
رد كايل بسخرية:" عن قصتنا في الكتاب؟ فيها ما يكفي من الوقائع مثلا السلم المتحرك, الرحلة في المركب, البرج, وامسية رأس السنة"
وازداد عمق صوته بتركيز اكثر
اطلقت ايف تنهيدة دون كلمات لم تكن بحاجة الى روايته للاحداث فهي تعرف كل اتفاصيل اتي كان يشير اليها تلك المشاهد التي اختلى فيها بطلا قصتها للمرة الاولى...والجو العاطفي لاحتفال السنة الجديدة التقليدي لاسيما ان غياب البطل قد فاق الشهر فاجتمع شملهما في تلك اليلة الجميلة.
وكأن كايل قرأ افكارها....فقال:
- لقد عدت الى امريكا لقضاء عيد الميلاد بعد لقائنا مباشرة.
- اوه....كايل
كانت ايف مذهولة لادراكها انها تستخدم اسمه للمرة الاولى...فلم تجرؤ على متابعة السؤال:
- هل هناك...؟ هل هناك اكثر من هذا؟
كتمت انفاسها لحظة ثم زفرتها بتنهيدة ارتياح شديد حين هز رأسه وقال ببرود:" ما تبقى خيال صرف"
وكأنه يقول,الا يكفي هذا؟
- احمد الله!
لا عجب اذن ان يغضب بشكل رهيب... ويستعد ليمزقها اربا خاصة انه اعتقد انها استخدمت قصة لقائهما كمادة لقصتها.
- انا اسفة جدا.
هزكتفيه بلامبالاه وكأنه لم يقتنع. فتألمت ايف وهي تخشى ان يعتقد انها خائنة بلا مشاعر وقال:" على الاقل لم تتمادي اكثر"
- لم اقصد كتابة شئ من هذا عمدا...اقسم لك...لم افعل!
لكنها كتبته وكما قال كايل كان هذا يكفي...يكفي لجذب اهتمامه...ولاقناعه ان المرأة التي كتبت تلك القصة هي زوجته المفقودة.
توسلت اليه:" يجب ان تصدقني... لم اكن اعرف انني اكتب عن واقع حدث حقا لقد اعتقدت فعلا ان كله وليد مخيلتي"
عليه ان يصدقها انها لا تعرف شيئا عن هذا الرجل الذي يدعي انه زوجها...ولا تذكر زواجهما وكيف ولماذا انتهى ولكنها بالتالي لا تستطيع ان تسأل عن الزواج الا اذا تقبل هذا الواقع الخطير فأذا لم يفعل ما جدوى المضي اكثر في هذا فهو ضدها من البداية .
- كايل....ارجوك...
مرة اخرى ادار قناعه الفارغ من كل عاطفة نحوها وقال اخيرا:
"هذا يكفي".
ثم دفع بكم قميصه الى الوراء لينظر الى ساعته وقبل ان تحتج ايف عبس ووقف :" اعتقد اننا ابقينا صديقيك خارج غرفة جلوسهما لفترة طويلة ومن الافضل ان اطلب منهما الدخول قبل ان يظنا انني خنقتك باحدى الوسائد.
وكان في طريقه الى الباب حين توقف واستدار وهو ينظر الى عيني ايف مباشرة:" المشكلة...ماذا بعد؟"
للحظات طويلة لم تستطع ايف سوى ان تحدق به بارتباك بدا انه لا يفهم معانيه واضاف بنفاذ صبر:
- انت وانا الى اين سنصل من هنا؟
كيف يمكن لها ان تجيب على هذا؟ تمتمت ايف وهي في حالة هستيرية لو انها اضافت المزيد من الحقائق الى قصتها وسردت اكثر عن قصتهما الحقيقية عى الاقل كانت ستعرف اكثر وافضل كيف تتصرف لكن يبدو ان لاوعيها قد خانها في اكثر الاوقات اهمية. وكان يمكن ان تكتشف بنفسها انها وقعت في حب كايل في مرحة ما بما انها التقت به وتزوجته . المهم هو ما حدث بعد ذلك وقبل ان تقرر ان كانت تريد رؤية كايل جنسن مرة اخرى تحتاج الى ان تعرف اكثر بكثير عن علاقتهما في الماضي. لكن المشكلة على ما يبدو ان الشخص الوحيد الذي يستطيع ان يخبرها بكل هذا هو كايل نفسه.
- انا....
وبينما هي مترددة سمعت صوتا مخنوقا من الغرفة الاخرى وتذكرت دايان ودعمها لها والنصيحة التي اسدتها اليها قبل قليل ثم اكملت:
- كل يوم بيومه....
عقد حاجبيه: " ماذا...؟ ماذا قلت؟"
- يجب ان نعيش يوما بيوم.
في البداية ظنت ان كايل سيرفض اقتراحها لكن تعبير وجهه انبأها انه راض عن عرضها. وماذا يتوقع؟ ان تقفز الى فراشه ما ان يقول لها انها زوجته؟ واندفعت الى الكلام مجددا في محاولة للتلهي عن الفكرة المثيرة للاضطراب.
- يجب ان نبدأ من البداية وان تعرف الى بعضنا مرة اخرى كما فعلنا تماما في المرة الاولى.
رد معاتبا:" كننا لم نأخذ الامور ببطء يومها "
تورد خداها لكلامه هذا وتذكرت الفصل الاول من قصتها ثم ارتجفت خوفا وترقبا للاسابيع والاشهر القادمة والتفكير بكل ما ستكتشفه لكنها عرفت ان دايان على حق عليها ان تتروى في رحلة العودة خطوة بخطوة.
هز كايل رأسه موافقا :" حسنا..."
وبقي تعبيره كئيبا من دون ان تبدو عيه سعادة كبيره بدا واضحا انه اراد اكثر من هذا لكنه اضطر بالقبول بالقليل الذي تعرضه الان .
- سنقوم بهذا على طريقتك لكنني اقول ك شئ واحدا ايف مونتغاوي ....
اثارها التشديد على اسمها بهذا الشكل وادركت بذهول انها لم تسأله بعد عن اسم عائلتها الحقيقي .
- كوني متأكدة من شئ واحد لن يكون الامر ابدا مثلما كان في المرة الاولى...مطلقا.
لن يكون ابدا ومن دون ادنى ريب كما كان في المرة الاولى. وعادت الكلمات تطاردها بعد ساعات حين آوت اخيرا الى فراشها لكنها لم تنم بدلا من ذلك استلقت مستيقظة في الظلام تستعيد مرات ومرات الاحداث التي لا تصدق هذا المساء خاصة المعلومات التي عرفتها عن نفسها وتحاول ان تربطها كلها معا لتكون النتيجة مفهومة.
لكن الصورة رفضت ان تتكون وكأنها تحاول جمع قطع احجية والمشكلة انها لن تتمكن من اكمال الصورة حتى تسأل كايل اسؤال الاهم... السؤال الذي تعرف انها كانت تتجنبه طوال المساء السؤال الذي بدأ يلح باستمرار داخل رأسها.
كانت تريد ان تسأل :" اخبرني....ماهو الحدث الذي هدد حياتنا الزوجية. ودفعني الى ان افقد ذاكرتي؟"

nightmare 12-10-08 06:45 AM

4) أنا أعرفك
(( ستحتاجين إلى ثياب وسيارة ، ومن الأفضل أن تتركي عملك ))
(( أرجو عفوك ))
((قلت 00)
(( أعرف تماماً ما قلته ! ))
ولم تجفل بأنها تناقض نفسها 00لقد سمعت جيداً ما قاله كايل 00لكنها لم تستطع أن تصدق أذنيها 00حين قال أنها وكايل سيأخذان الأمور بروية ، تسألت كيف سيقضيان تلك الأيام معاً 00كيف سيتصرفان تجاه بعضهما 00لكنها لم تتوقع هذا !!
قالت بحرارة ، وهي عرضة لمزاج متقلب من القلق وانزعاج ، ففي حين أنها مهتمة بشعوره ، كان لا يهتم إلا بالأشياء العملية : (( وهل أنت مادي واقعي وبارد دائماً ؟ ))
هز كايل كتفيه دونما اكتراث ، وقال : (( على أحد منا أن يكون هكذا 00من الواضح أنك لم تفكري بهذه الأمور ))ردت بتمرد (( ظننت أن أمامنا مواضيع أخرى لمناقشتها ))
رد بحدة زادت من سخطها : (( الأهم ثم الأهم )
لم تكن هي المرة الأولى التي ترى فيها كايل منذ ظهوره الدراماتيكي في منزل دايان وجيم ، أي منذ يومين 0 فقد دعته دايان إلى العشاء أملاً في المساعدة ، وثبت أن ذلك المساء كان من الأوقات الأصعب والأكثر إحراجاً في حياة إيف 0 على الأقل ، الحياة التي تستطيع تذكرها 0
دار بينهم حديث مهذب حذر ، ناقشوا خلاله البيئة ، الحالة الاقتصادية ، وكانت تصرفات كايل ممتازة تماماً ، وأخلاقه لا عيب فيها ، لكن إيف عرفت من النظرة في عينيه السوداوين ن أنه يحترق بنفاذ صبر ، وأنه كان يريد أن ينتقل إلى أمور أكثر أهمية 0
لكنه أخذ وقته كما يريد ، وسار في اللعبة من دون احتجاج 00وكأنه صديق جديد يزور حبيبته لأول مرة 00
لكن نهاية الأسبوع حلت ، ولم تعد إيف قادرة على التذرع بساعات عملها كي لا تنفرد به 00وكانت دايان وجيم قد اصطحبا التوأم لنزهة بعد الظهر ، فتركا لهما الفرصة للخلوة والحديث 0
قالت إيف متوترة ( من خلال تعليقك على السيارة ، أستنتج أنني أعرف القيادة ؟ ))
هز رأسه الأسود الشعر بحدة (( لقد علمتك 00ونجحت في الامتحان من المرة الأولى أيضا ً ))
(( لكنني لم أقد سيارة منذ ما يقارب السنتين ))
أضافت إيف الواقع هذا إلى مخزون المعلومات الصغير ، الذي راح يتنامى يوماً بعد يوم ، وبدأت تبني صورة لجنفياف باكهام ، المرأة التي كانتها يوماً ن لكن هذا مجرد عنوان عريض ن من دون تفاصيل ولا ظلال لتكتمل صورته 0
(( لا يمكن ان تنسي شيئاً من هذا 000سأخذك لتقودي مرتين 00وسرعان ما تتذكرين ))
لو أنها فقط تستعيد مهارة أن تكون زوجته بمثل هذه السهولة 000بدا لها أن كايل يؤمن بهذا كل الإيمان 000لم يكن يهتم أنه الآن غريب تماماً عنها 00فهل كان دائماً المسيطر ، أم أنها هذا مجرد تجاوب مع الوضع الحالي ؟
قال كايل وكأنه يراجع الأشياء في ذهنه (( والآن 00بالنسبة للملابس 00))
قاطعته بكبرياء (( أمتلك ملابسي !! ))
طافت العينان السوداوان عليها وهما تتأملان الكنزة القطنية الزهرية اللون والجينز ن فشعرت كأنها نموذج مثبت على طاولة مختبر 0
كرر ساخراً (( تملكين ملابس 000))
صاحت وقد غضبت للطريقة التي ينظر فيها إليها (0 حسن جداً ، لعلها ليست مناسبة للصورة التي تريد أن تبرزها !))
لكن الفرق في نوعية ثيابهما ، لا يمكن أن يكون أكثر بروزاً 0
لا يحق لي رجل أن يبدو جيداً هكذا 00ولا جذاباً بشكل قاتل 00وتأملت كيف تتعلق سترته بكتفيه المستقيمين المربعين ، ثم يتدلى قماش السترة بنعومة على عضلات صدره المتناسقة 0
أعدت إيف نفسها إلى الحاضر ، وقالت (( لكنني لا أستطيع أن أبتاع ما غلا ثمنه 00لسنا جميعاً أصحاب ملايين !1))
غمرها الألم لأنها اضطرت إلى إخفاء أفكارها المثيرة ، بلهجه عدوانية فاقت تصورها 000وسرعان ما اجتاحها الندم وهي ترى التواء فم كايل ، وأدركت أنها زوجة لمليونير , رغم أنها لا تشعر بهذا ، صحيح انه أكد أنهم أمضيا ثلاث سنوات معاً ، لكن لا وجود في ذاكرتها للحظة من ذلك الوقت 00كما أنها تشعر بتقارب أكبر تجاه دايان وجيم ، وحياتهما البسيطة في الضواحي من هذا الزوج الثري 0
((لم أكن أنتقدك ))
تناهى إليها صوت كايل ، بمزيج من اللطف والتوبيخ ، ليلسعها كطرف صوت ، فتضاعف ألم إيف وما لبث أن ( وأنا أدرك أن الأمور لك تكن سهلة عليك 00 من الصعب أن تجدي نفسك وحيدة فيأكمل الدنيا من دون أن تذكري من أنت أو كيف وصلت إلى هنا ، هذا من دون ذكر الصعوبات المادية والعملية التي تكبتها لتبدئي من جديد بلا مال 00أو عمل 000لا شك أن تجاوزها بدا مستحيلا ً))
هزت إيف رأسها صامتة وقد صعقت لتفهمه العميق 0فمع أن دايان وجيم ساعداها 0ولن تتمكن من رد جميلهما ن فقد ظلت تناضل بيأس لتقف على قدميها 0
وتمكنت من القول أخيراً (( فرصة العمل كانت مستحيلة تقريباً 00فعلى أي حال ن لم أكن أعرف أني أملك مؤهلات ))
(( لكنك في الواقع ن تملكين العديد من الشهادات 00هذا دون ذكر سرعة مذهلة في الطباعة والاختزال ))
ابتسمت إيف ساخرة (( كم أتمنى لو عرفت ذلك منذ سنتين ، فكل ما استطعت أن أجده هو وظيفة في مكتبة ))
(( وهذا سبب إضافي إذن ، لاستفادتك من الملابس 00))
قاطعته((لا أريدك أن تشتري لي ملابساً ))
(( لا داعي لهذا 00على أي حال ن فهناك خزائن مليئة من الملابس ))
((لا !!))
أدركت أخيراً ماذا يقصد بالضبط ، لكنها ردت غريزياً ن بكلمة واحدة فيها من الخشونة ما يبعث على الاضطراب ن فما كان من كايل إلا أن قطب جبينه 0
(( لن أتركك تعطيني هذه !!))
ازداد عمق العبوس حتى أصبح خطيراً (( لكنها كانت ملابسك تلك التي اشتريتها لك 00الملابس التي تركتها ))
ظن آه يسهل عليها الأمور 00لكنها بالنسبة لإيف تزداد سوءاً
(( لعلها كذلك 00ومع ذلك لا أستطيع أخذها !! فهذا يعني إنني سأقبل غيرها من الأشياء أيضا ))
(( أي أشياء؟ ))
هزت إيف رأسها يأساً 00كيف تفهم كايل أن هذه الثياب قد لبستها يوماً 00وأنه أشتراها لزوجته 00وأهداها إياها حين كانا يعيشان معاً 00وأنهما تشاركا في ماض أوصلها إلى انهيار عصبي 00
بدا كايل وكأنه قادر على قراءة أفكارها في وجهها 0
(( ستضطرين إلى القبول بها يوماً ما ))
إذا كان صوته بارداً من قبل فقد أصبح الآن مثلجاً 0
تنهدت إيف (( أعرف 00لكنني لست مستعدة بعد 00مازال الوقت مبكراً جداً 00كنت يومها امرأة أخرى 00امرأة لا أعرفها الآن ))
حتى لو طلبت من كايل أن يخبرها عن الماضي 00فهل يمكن أن تثق أنه الحقيقة الخالصة ؟ أيقول لها ما حدث لزواجهما ، حتى ولو كان يؤثر عليه سلبياً ؟
(( هلا قبلت بعض الملابس الأنيقة لترتديها ؟ ))
أجفلت إيف من الخشونة في كلماته 00وأدركت كم يزدري مظهرها الحالي 0
(( نعم ، تلك الملابس كانت لإيف التي تعرفها 00المرأة التي تظن أنها أنا 00وقد لا أكونها بعد ))
وما من طريقة لتعرف إن كانت تريد أن تستعيد صورة المرأة التي عرفها ، حتى في تلك الأيام وأكملت (( عليك أن تفهم أنني لا استطيع قبول تلك الثياب 0 وهي ملك لإنسان آخر 00إنسان قد يكون ميتاً 00))
(( 000الجحيم يا إيف ! ))
وارتجف كايل بعنف ن ورغم ردوده العنيفة راحت تقاوم لتتابع قائلة (( لا أستطيع أن أستحيل تلك المرأة لمجرد إرضائك ))
(( ليست المسألة أن ترضني فقط ! ))
كانت لهجته شديدة وقاطعة ، تكشف عن غضبه العرم (( تكاد الملابس تهترئ في الخزانة في منزلي 00وأنا أعرف تماماً كم يهمك مظهرك ))
(( إذن 00أنت تعرف أكثر مما أعرف ))
وعرفت إيف أنها تخاطر بمعاداة كايل ، لكنها كادت تزداد عدائية مع كل كلمة تتفوه بها ، ومع ذلك لم تستطع منع نفسها ، فقد كان السخط يغلي في داخلها لمجرد فكرة أن يعرف عن حياتها أكثر مما تعرف هي 00وأن عليها أن تلاحقه بأسئلة عن أكثر الوقائع الأساسية التي تتعلق بها 0
(( إضافة إلى هذا ، لا شك في أنني تحولت إلى امرأة مختلفة تماماً خلال سنتين ))
(( هذا ممكن
إنما ليس في ما يتعلق بهذا الموضوع ، هكذا كانت لهجته تقول 00وكان على إيف أن تعترف في أعماق نفسها أنه على حق 00فهي فعلاً تجاهد لتبدو الأفضل ن ولو بمدخول محدود جداً 00فانصبغت وجنتاها بدم سال من كبريائها الجريحة في حين أكمل هو (( لكن 00بما أني أعرفك 00))
(( توقف عن هذا !))
وضربت قدمه في الأرض فعلاً هذه المرة 0
(( لا تقل لي مجدداً إنك تعرفني أفضل مما أعرف نفسي ! فأنا أعلم هذا ! وصدقني 00هذا ليس أمراً يسعدني !))
قال كايل بحدة لاذعة (( كان هذا مجرد جملة تردد ، لكنني أفهم رأيك ، وسأحاول أن أتجنب هذا التعبير مستقبلاً 00إذا لا ملابس 00))
لم تصدق إيف أنه تراجع بسهولة ، إذ كانت تتوقع أن تتسع المناقشة معه في هذا الموضوع 0
(( أنت موافق ؟ !))
(( إذا كان الأمر يهمك لهذه الدرجة ))
لبضع ثوان اندفعت إيف برد عفوي ، وبعد أن أحست بالانتصار كإنسانة وأنثى ، شعرت بالندم على ملابس كان يمكن لكايل أن يوفرها لها 00ثم استرخت في مقعدها 00لذا لم تكن مستعدة أبداً لما قاله لاحقاً 0
(( لكن يجب أن تتخلي عن الوظيفة ))
(( ماذا ؟ مستحيل ! أنا أحتاج إليها ))
(( تباً لك يا امرأة 00ألا تنفذين أبداً من دون جدال ؟ ))
(( لا أعرف 00هل أفعل هذا دائماً ؟ أخبرني 00)
وسبقته إيف بكلمة (0 أعرفك )) رمتها بوجهه بحدة لتجبره على ابتسامة مترددة :
(( يجب أن تواظب على الابتسام 00أتعرف هذا ؟ فالابتسامة تناسبك ))
تمتم بمرح ساخر (( هذا إطراء 00لا أقل ولا أكثر ، ولقد أرضيت غروري 00و 00لا 000أنت لا تتقبلين كل شيء 00لقد قلت لك 00لقد رفضت الوعد بإطاعة 00))
فجأة اكتأب وجهه 00لكن إيف أحست بالتوتر يتسلل مجدداً إلى الجو مع الإثارة المبهمة لزواج لا تستطيع تذكره ، وسرعان ما تدمرت الألفة التي تطورت بينهما 00
تابع كايل (( أنت لست بحاجة إلى عمل 00أستطيع إعالتك ))
كانت في هذه العبارة مرارة لم تعهدها في حياتها ، فلا يمكن أن تعيش عالة على كايل ، عاطفياَ أو مالياً ، ليس قبل أن تعرف حالتها بالضبط 0ومالبثت أن هزت رأسها بصمت وخصلات شعرها الأشقر تتطاير 0
تابع كايل (( أملك أكثر مما يكفي ))
(( أنا واثقة من هذا ، لكنك لا تستطيع أن تقتحم حياتي وتتوقع مني أن أسلمك زمام أمري ))
(( أقتحم ؟! إيف 000أنت التي تركتني !))
هذا هو الوقت المناسب لتسأله لماذا تركته 00لكن نظرة سريعة إلى عينيه الملتهبتين ، وعلامات الغضب على وجهه ، دمرت كل شجاعتها في لحظة ، فلجأت إلى خطة مضللة ، تركز فيها على جانب ثانوي بدلاً من المعركة المباشرة
(( ماذا كنت أعمل قبل أن التقي بك ؟ حسب ما قلته لي ، أفهم أنني كنت سكرتيرة
في البداية استحالت عيناه شظيتين من نار في وجهه 00وأفلت السيطرة على عضلات فكه ، فتصلبت في مقعدها ، وهي تحضر نفسها لما هو أسوأ من الانفجار 000لكن ، انتظارها ذهب سدى ، إذ رد على سؤالها بهدوء 0
(( هذا صحيح 00لقد عملت لشركة جنسن ، بعد لقائنا مباشرة 00ولو لم يكن من أجلي مباشرة ))
(( حقاً
ضاعت إيف لبرهة 00فقد غرقت في غموض هذا الماضي الذي لا تعرفه 00حاولت أن تتخيل نفسها في مكتب 00تعمل قريباً من كايل 0أدرار رأسه وقد فرغ صبره ، فعادت أفكارها إلى الحياة 0 فيما أكمل : (( لكن ذلك كان أمراً مختلفاً000 ))
(( ماذا تقصد ؟ ))
(( كنا متزوجين 000))
(( وهل نحن متزوجين الآن ؟))
أجفلت إيف للهيب الغضب المتوحش الذي اشعل العينين السوداوين ، وانكمشت في مقعدها فيما وقف بحركة عنيفة سريعة :
(( لا زلت لا تصدقيني ؟ حسناً جداً 00هاك ، الق نظرة على هذا 00))
ورمى مغلفاً في حجرها وكأنه سلاح ما ، فأحست إيف لو أن أفعى تسللت إلى حجرها لما انزعجت أكثر 0لم يكن لديها أدنى شك عما تحتويه الأوراق في المغلف 00لكنها لم تحتج إلى التركيز كثيراً على الكلمات التي أخذت تتراقص أمام عينيها 00كايل باتريك جنسن 00جنفياف ماري بوكانون 00تاريخ ما في شهر تموز 000تم الزواج في 00
سيطرت على صوت كايل لهجة ساخرة قبيحة :
(( تبدين مصدومة تماماً 00حبيبتي إيف 00ما بالك ؟ هل كنت تأملين أن أكون مخطئاً 00وأن أمامي امرأة أخرى ؟ أوه 000لا 000حبيبة قلبي 00أنا لا يمكن أن أفعل هذا ))
(( أنا لم أقصد هذا ! ))
أم أنها قصدته ؟ ألا زالت في أعماقها تأمل بأن يكون كايل مخطئاً ، وأنها ليست الزوجة التي يدعيها ؟ لم تستطع إيف أن ترد على هذا السؤال 00لكن على أي حال ، لقد أصبح كل هذا خارجاً عن الموضوع الآن 00كانت شهادة الزواج التي تمسكها في يدها برهاناً قاطعاً يثبت أنها في يوم من أيام تموز منذ خمس سنوات أقسمت على أن تكون زوجة كايل (( إلى أن يفرقهما الموت ))0
مال كايل فوقها 00كتفاه القويتان تحجبان عنها النور المتسلل من النافذة 0
(( ماذا عنيت إذن ؟ أمن طريقة أخرى إذاً ؟ ))
(( عنيت 00عنيت 00))
حل الخوف على حنجرة إيف ، فأنعقد لسانها داخلها 00بحيث لاقت صعوبة في تشكيل الكلمات 0
صاحت يائسة (( لا تقف فوقي هكذا ! لا أستطيع التفكير فيما أنت تهددني 00))
(( أهددك!! ))
انحبس نفس كايل بشكل غريب 00وكأن شخصاً ضربه بكل قوة على صدره 00وللحظة حافة بالتوتر ، اشتدت قبضتاه على ذراعي المقعد 00فسيطر الذعر على ذهن إيف وهي تفكر في أنه لا يحتاج سوى إلى حركة واحدة وتطبق هذه الأصابع القوية على خناقها 00لكنه أطلق لعنة منخفضة ن ثم ابتعد عنها ليقف مديراً ظهره إليها ، فمد يداه في جيبي بنطلونه ، وكأنه غير واثق إن كان يستخدمها 00وما لبث أن راح يحثها بصوت أجش (( وماذا عنيت ؟ ))
لم تعرف إيف أيهما أسوأ 00المستبد الخطير المهدد الذي وقف فوقها كالبرج منذ لحظة 00أم هذا الشخص البارد غير المتجاوب ، صاحب المظهر القاسي ، وارأس المرفوع بتصلب 0
حاولت مترددة :
(( ألا يمكن على الأقل أن تنظر إلي ؟ ))
لكنه أبقى وجهه مستديراً بعناد ، فيما تغير مزاجها فجأة 0
أشتعل الغضب في أعماقها ، وأحست بأن التوتر والضيق تلاشيا في موجة مشاعر ، حسن جداً 00هو الذي سعى إلى ذلك 0
(( في الزواج مشاعر أكثر من مجرد ورقة تقول إننا زوج وزوجة 000))
وتمتم كايل بشيء غير مفهوم 0
(( 000ماذا قلت ؟ ))
استدار ليواجهها ببطء 00بدت الحركة مثيرة بشكل غريب , وكأنها لقط كبير متوحش بفيق من نومه 00
قال متشدقاً :
(( قلت 000هذا صحيح 000))
خفق قلبها بتوتر وهي تسمع الشر الحريري في صوته ، ثم توترت نبضاته حتى صعب عليها التنفس جيداً ، وأكمل :
(( أنا موافق معك ن تماماً ))
كان يحاول متعمداً أن يثيرها ، وأدركت إيف هذا 00ولسوء الحظ ن كان ينجح في هذا جيداً 0 ومهما حاولت ، لم تستطع أن تستحضر أي ذرة من غضبها الملتهب 0
تابع كايل (( إذن 00أخبريني 00ما هو في رأيك ما يكون الزواج ؟ أريد أن أعرف حقاً ))
ابتلعت إيف ريقها وهي تحاول التخفيف من انزعاجها 00فجأة لم تعد تستطيع تحمل التناقض بينهما أكثر من هذا 00فنهضت باضطراب من مقعدها ، وهي تشعر أنها ضعيفة جداَ 0
بدأت تقول (( في الزواج الحب 000والصدق 00))
وتلعثمت حين هز كايل رأسه بموافقة ساخرة 0
(( والإخلاص والدعم 00))
بدا لها أن حنجرتها انسدت مجدداً مع ارتفاع متعمد لحاجبه الأسود 00ذكرتها ابتسامته بأنه ما عرض عليها سوى الحب والإخلاص ن لكنها رفضته بغضب 0
صححت كلامها بسرعة : (( الدعم العاطفي 00و00))
قاطعها بلطف مخادع : (( ماذا إيف ؟ ))
وفيما هو يتكلم ، خطا خطوة واحدة ، صامتة ، نحوها : (( بالتأكيد لن تتوقفي عند هذا ؟ ))
لكن صوت لإيف خذلها تماماً هذه المرة ، فهزت رأسها بيأس ، ونظرتها مسحورة بذلك العنيد الذي يجول عبر الغرفة 0
(( حسناً جداً 00لإيف ؟))
خطوة واحدة للأمام 00مجرد واحدة 0
(( و 00ماذا 00؟ ))
أقدم على حركة صامتة ، مختلسة ، كقط صياد ، ورمقها بنظرة سوداء سمرتها مكانها 00وكأنها مخدرة تماماً 00وكأنها في غشوة 0
(( هل أقول لك ما فاتك يا حبيبة قلبي ؟ ))
تابع الصوت الناعم النبرات ، نسج سحره المنوم 0 لقد أصبح قريباً جداً الآن 000قريب بشكل خطير 0
وازداد عمق صوته وكثافته وهو يقول :
(( الحرارة المشبوبة 000هذا ما نسيته يا حبيبتي 00أم أنك حاولت أن تنفي وجودها ؟ ))
***
بقي ذهن إيف خالياً من الأفكار ، واحتارت من أين تستحضر الكلمات لترد عليه 0 فكل ما كانت تعيه ، هو رجولته البارزة ، تلك القوة البدائية تحت نعومة قماش الكشمير 00وتمنت لو تشيح بنظرها بعيداً عن العينين العميقتين 00لكنها ألفت نفسها غيرقادرة على أية حركة 00فيما عدا إيماءة صدرت عنها من دون وعي 0فتسلل لسانها على الخارج ، يبلل شفتيها الجافتين بعصبية 00وإذا بها تنظر إلى كايل فتكشف أنها فضحت مشاعرها الداخلية إذ تغيرت نظرة عينية إلى سواد كامل 0
(( هل نسيت يا إيف ؟ أم أنك ببساطة خائفة من البوح بإرادتك ؟ أتردين أن أثبت أنني زوجك ؟ ))
أحست إيف بأنفاسها تنحبس ، وبدا أن قلبها قد توقف عن الخفقان 00وما لبثت أن اجتاحها توتر عصبي شديد ، فابتلعت ريقها بعمق ن ولم تعرف كيف استجمعت قوتها لترد0
(( لقد وعدت 00))
(( أوه 00صحيح 00لقد وعدت 00))
كان صوته همساً مثيراً ، بالكاد يسمع ، مع ذلك أحست إيف بكل كلمة تضغط على أعصابها المتوترة 0
(( لقد وعدت ألا ألمسك 00))
انضمت شفتا كايل بابتسامة واهية 00لكن إيف أحست وكأن ألفاً من الأصابع المثلجة تزحف فوق بشرتها ، لا سيما حين لاحظت إن دفء تلك الابتسامة لم تصل إلى عينيه 0
((لقد وعدت يا إيف 00لكنني لن التزم بوعدي إلى حين تكونين مستعدة 00))
ازدادت الابتسامة اتساعاً ، وهي ترسل فيها رجفة باردة 0
حاولت إيف أن تحتج (( أنا لست 000))
وخذلها صوتها فيما ارتفع حاجبه بصمت ساخر متسائل عن مدى صدقها 00ثم قال بنعومة (( أوه 00بل أنت مستعدة 00كل ما فيك ينبئ بهذا 00)
وبرعب أحست ببشرتها تقشعر ن وبأعصابها تتوتر ، فيما أطرافها تتألم بشكل مدمر 0
تابع كايل بالصوت المخدر ذاته (( أنت مستعدة 00سواء أعترفت بهذا أم لا ))
وبدافع غريزي فتحت إيف فمها لتحتج 00لكن كلماتها خرجت مشلولة 00مجرد تنهيدة خفيفة ، لعلها نداء خوف 00أو حاجة 00هي نفسها كانت عاجزة عن تحديدها 0إزاء هذا المشهد ، اتسعت ابتسامة كايل 0 وأحست إيف وكأنما وابل من الماء البارد ينهمر عليها 0
همس (( أوه 00إيف 00))
وكم توقعت ، تحرك ليقضي على المسافة المتبقية الصغيرة بينهما 0
لكنه بدا ملتزما ً بوعده ، في ذلك الحين ن كان ذهنها يدور في دوامة من المشاعر ، فطغت الحرارة على شرايينها 0
تمتم كايل (0 أوه إيف 00لا تدعي أبداً أنك لست مستعدة بعد الآن 00أبداً 00))
رددت إيف حالمة (( أبداً 00))
وانهت كلمتها بشهقة سعيدة ن بعد أن انتزع منها اعترافاً ، أقرته من دون أي مقاومة
(( إيف 00))
لا تتكلم 00توسلت إليه إيف بصمت يائس ، لا تتكلم ! أرجوك كايل 00
لن تعرف أبداً كيف فاتهما صوت السيارة وهي تقف في الشارع 00وما هي إلا بضع ثوان حتى انفتح الباب الأمامي ، وتصاعدت وقع أقدام في الردهة ، ثم ارتفع صوت أدريان ينادي :
(( لقد عدنا إلى المنزل !))
بردة فعل غريزية ، تراجعت إيف بعيداً عنه وقد علا اللون الدافئ خديها 00فيما نظراتها لا تقويان على التوجه إلى كايل 0 لكنها أيقنت أنه يراقبها 0
وفيما هي تشعر بقوة نظراته عليها 0 سألها بنعومة :
(0 ما المشكلة إيف ؟ لم أنت قلقة هكذا ؟ ))
وبدافع من التوتر داخلها ن رمته بكلمات حانقة :
(( لقد عاد دايان وجيم !!000))
رفع كتفيه دونما اكتراث :
(( وإن يكن !! أنا زوجك ، على أي حال 00وهذا ما تعرفه صديقتك ))
هذا صحيخ 00ولكن على إيف أن تعترف بذلك 0 بقيت دايان في الردهة ، وهي تخلع سترتي التوأم وتعلق معطفها ومعطف زوجها 0
سألت كايل : (( كيف أبدو ؟ ))
وتسألت في سرها كيف يتصرف بمثل هذا الهدوء وتلك السيطرة على النفس بينما هي محبطة ومدمرة 0
تسللت السخرية إلى صوته فيما رجع صدى سؤالها :
(( كيف تبدين ؟ ))
(( تبدين 00))
ساد بينهما صمت متعمد ، فازداد قلقها ، وأحست بأعصابها تكاد تنفجر 0
وما لبث أن ارتسمت ابتسامة على وجهه وهو يشدد على كلماته :
(( تبدين خائبة الأمل ، يائسة 00محبطة 00لكن ، لا تقلقي يا حبيبة قلبي 00يمكن لهذا أن ينجح في المرة القادمة ))
وما إن ترك كايل إيف تترنح تحت تأثير الفكرة ، حتى انفتح الباب ، ليكشف دايان والتوأم ، فاستدار وراح يرحب بهم بابتسامة عريضة 0
ترى 00هل كانت المشاعر التي أحستها ذكرى ماضية أم أحاسيس جديدة تماماً ؟ راح هذا السؤال يحوم في رأس إيف طوال المساء فباتت عاجزة عن الاسترخاء ، لا سيما وأن كايل يثير فيها اضطراباً دائماً 00وإزاء ذلك ضاعت كل آمالها في الانعزال في غرفتها والتفكير 0
كان كايل هو من اقترح أن يجالس التوأم مع إيف حتى يقضي الوالدان أمسية نادرة في مطعم محلي 00إلا أن إيف شكت في أن أسباب أخرى أكثر أنانية كانت وراء كرمه المفاجئ 0
منتديات ليلاس
وثبت أن شكوكها صحيحة ، فما إن خرج صديقاها ، حتى استدار إليها وتعبير غامض يرتسم على قسماته0
(( يجب أن نتكلم ))
سألت بقلق :
((نتكلم عن ماذا ؟؟ ليس لدي الوقت الآن 00يجب أن أجالس التوأم في السرير 000))
(( سأساعدك 00))
فتلاشى آخر أمل لديها في تجنب المواجهة التي يفكر بها بوضوح 0
لكن عبثاً ، فالقدر كان مصمماً على الوقوف إلى جانب كايل 0 فما إن سمعت كورتني ، إحدى التوأمين ، ما قاله ، حتى أضاء وجهها فرحاً 0فعرفت أن قلبها لن يطاوعها على حرمانها من هذه السعادة 0
قالت كارولين بعد أن اغتسلت وارتدت ثوبها القطني الجميل :
(( إروٍ لنا قصة إيف ))
ضمت كورتني توسلاتها إلى توسلات أختها :
(( أوه 00أرجوك ! ))
(( حسناً جداً 0 قصة صغيرة فقط ))
ما إن حان موعد النوم حتى أطفأت إيف النور وهي ترفض طلب التوأم بالمتابعة
ولما تركا الغرفة ، سألها كايل :
(( هل كان هذا من نسج مخيلتك 00؟ أم أنك صممته مسبقاً ؟))
(( رحت أخترعه وأنا أقص الرواية 00لا بد أنني أملك مخيلة خصبة ، مليئة بالأفكار 00ولهذا السبب بدأت الكتابة 00لقد سمعت دايان القصص التي كنت أقصها للتوأم ، وأقترحت أن أدونها ))
لف الضباب وجه إيف 00فباتت عيناها كليلتين ومظللتين وهي تذكر كيف أمضت ساعات طويلة وهي تبتكر عالماً خيالياً لأن عالمها الحقيقي فارغاً 0
(( كنت أؤلف تأريخياً شخصياً ، عائلات ، وعلاقات لشخصياتي ن فأحسست بسيطرة لم تكن موجودة في حياتي 00ولم أعرف ، بالطبع ، كم كان للإبداع الخيالي خطوط حقيقية 0 ثم ، حين انضممت إلى مجموعة كتُاب في الخريف الماضي 00قرأ الأستاذ جزء مما كتبته 00واقترح أن أعرض مؤلفاتي على دار النشر ، لذا طبعته على الآلة الكاتبة وأرسلته ))
(( وحط على مكتبي كأنه قنبلة هابطة من السماء ، أوه 00لم يستقر على مكتبي بالضبط ، إنما على مكتب إحدى المحررات ن ولمحت الكتاب مصادفة حين ذهبت لأناقش معها موضوعاً معين ، وإذا باسمك يطالعني 00حاولت اقناع نفسي أن في العالم مئات يحملن اسم إيف ، لكن ما إن قرأت أول عشرين صفحة حتى عرفتك
(( لم أكن أنوي نشر لقاءنا 00و الأحداث الأخرى 000لكنني لم أكن أعرف 000
قاطعها بسرعة :
(( أعرف 00إيف 00أعرف 0 واعتقد أنني أدركت أن في الأمر سوء تفاهم منذ البداية 00فعلى أي حال ، أنا أعرفك 00لا يمكن أن تكشفي عن أسرار شخصية ، حتى و إن للانتقام مني 00أنت 00إيف ؟ ))
ورأى كيف أشاحت بوجهها إلى الأسفل وكبف أبعدت عينيها عنه فكرر (( إيف ؟
كان السؤال الرقيق يفوق تحملها 0فغطت وجهها بيديها بحركة دفاعية وهي تحاول إخفاء الدموع التي أحرقت عينيها 00لقد قال (( إنه يعرف )) فأصابت هذه الكلمات قلبها مباشرة بطعنة مريرة 0
(( إيف ؟ ))
أنبأتها حدة صوته أن حركتها الدفاعية لم تكن دون جدوى 0 كان يعي مشاعرها جيداً !
(( لابأس عليك يا حبيبة قلبي 00أفهمك 00لا تبكي00أنا هنا إيف 00حبيبتي 00أنا إلى جانبك 00
وانفجرت إيف ، وقد فقدت السيطرة على نفسها :
(( هذه هي المشكلة بالضبط ! كنت قد توصلت إلى نوع من الأمان والرضا 00)كانت كلا الكلمتين صحيحتين 0
(( كنت أتدبر أمر نفسي 00! لكنك جئت 00))
قال كايل بخشونة :
(( أمان ؟ رضا ؟؟ تتدبرين أمر نفسك ؟ أي نوع من الحياة هذه ؟ أكنت تفضلين لو تركتك وشأنك 00 لو تركتك تجهلين وجودي 00وتجهلين الحياة التي كانت لنا معاً ؟ ))
وعرفت إيف أنها كانت ترفض مثل هذا الاقتراح تماماً منذ خمسة أيام فقط 00لكنها الآن ، وبعد أن اختبرت الأزمة الفكرية والعاطفية منذ ظهور كايل في حياتها ، لم تعد متأكدة ن ولم تعد تعرف ماذا تريد 0
((ربما ))
((لا يمكن أن تعني هذا ! ))كيف تحول صوته إلى هذه الخشونة ؟ أهو الغضب ، أم الكبرياء ، أم الأسوأ ؟ إحساس بالألم ، اعتصر قلبها شفقة وخوفاً 0
صرخت بيأس :
(( لا أعرف !))
مرة أخرى لم تستطع استخدام سوى هاتين الكلمتين وحسب فكررت :
(( لا أعرف !))
(( لكنني أعرف 00أعرف إيف 00ما كان بيننا لا يستحق أن نخسره ، نحن خلقنا لبعضنا 00وبالرغم من كل شيء ن أنت تعرفين هذا أيضاً 00لا يعقل أنك نسيت ذلك )9
كلماته هزت الحقيقة التي آمنت بها ، فتعلقت به كمصدر وحيد للثقة في عالم مجنون 0
(( كايل ))
كان اسمه كل ما استطاعت التلفظ به 00لم تكن تعرف بتاتاً هل تحتج أم تشجعه 00وفي ثانية ن اضمحلت الأفكار المنطقية جميعها 00وأصبحت تحت رحمة أحاسيسها 0
تمتم كايل بصوت متثاقل :
(( هكذا كنا يا إيف 00ولهذا السبب يجب أن نكون معاً 00))
وفجأة بدا أن ساقيها قد شلتا أو عجزتا عن دعمها ن وعرفت أنها ستسقط في دوامة لا حول لها ولا طول على الأرض وكأنها دمية قطعت خيوطها 0
عاد كايل يتمتم ك
00 هكذا كان الماضي 00هكذا كان 00وهكذا سيكون مجدداً 00صدقيني ))
لكن أيمكنها أن تصدقه ؟ ما إن تسلل السؤال إلى رأسها ، حتى لم يعد من سبيل لتبعده 0 لكن يجب أن يتوفر المزيد من الحقائق ، ما الذي مات إذن ؟ حادثة ما اعترضتهما في الماضي 00حادثة قوية جداً ، سلبتها ذاكرتها 0 لهذا مهما بلغت المرات التي يكرر فيها أنه زوجها ، ومهما كان نوع الدليل الذي يقدمه لها ، سيبقى غريباً تماماً عنها 0
وبسرعة مدمرة ، جال ذلك الإحساس الواقعي الفظيع في ذهن إيف وكأنه الأسيد ، يحرق الحب المشبوب المثير ، ويترك مكانه يأساً بارداً متحجراً 0
أحس كايل بذعرها : (( إيف ؟ ))
(( لا! ))
وسمعت كايل يردد كلمة الرفض بصوت أجش مصدوم (( لا ؟ ايف 00أنت 00)
(( قلت لا ! ))
فركت عينيها بقوة لتجلي نظرها ، من دون أن تهتم كيف أفسدت تبرجها الرائع 0
عانت جهداً ملحوظاً لتستعيد رباطة جأشها ، وتسيطر على عواطفها ، فخرجت الكلمات حارة باردة :
(( لا أستطيع المضي في هذا ! ))
(( لا تستطيعين المضي في هذا ؟ هل أقرفك إلى هذا الحد ؟ ))
(( أجل 00لا! ))
لم تستطيع النظر إليه ، لم تتحمل رؤية الغضب الأسود الذي تملك وجهه ، واشتعل في عينيه 0
بدأت (( لا أريد 00
لكن الصدق والإحساس المعذب الذي اجتاح جسمها ، بعد هدوء العاصفة المشبوبة ، التي شنها كايل ، كل ذلك قطع كلماتها :
(( لا أستطيع 00كايل 00أرجو أن تفهم ))
(( أوه تماماً000))
صفعتها المرارة في صوته كالسوط :
(( لقد تخليت عني دون أي كلمة تفسير منذ سنتين 00ثم عدت إلى الظهور في حياتي ، وتابعت اللعب بمشاعري 00تواجهيني بهبة ساخنة ، ثم هبة باردة كما يحلو لك 00حسن جداً 00سأقول لك شيء ، حبيبة قلبي 000))
وانقلب اسم التحبب إلى نعت سيء متوحش :
(( من الأفضل أن تقرري ماذا تريدين ، وبأسرع وقت ن وإلا سينفذ صبري 00لن أستطيع الاستمرار هكذا كثيراً ن إما أنك تريدينني ، وإلا 00ولا يمكن أن تنفذي الأمور بطريقتين 00لذا الأفضل أن تقومي بتفكير جدي 00لأنني أحتاج إلى أجوبة 00وأحذرك ، لن أنتظر إلى الأبد 0

فيفي و بس 12-10-08 09:14 AM

روعة يعطيكي العافية

blindlove 12-10-08 11:42 PM

مير سي كتير عنجد روعة منتظرين التتكملة:welcome_pills3::welcome_pills3:.

nightmare 13-10-08 12:10 PM

الفصل الخامس
5 - فجوة في قلبها
" متى يأتي كايل ؟ لقد وعدنا بأن يكون هنا باكراً !!."
وبختها دايان بلطف :
"امكدّ انه سيصل في التاسعة والنصف .... و عليكِ ان تدعيه بالسيد جنسن يا كورتني ."
تدخلت كارولين توأم كورتني :
" اخبرنا انه يمكننا ان نناديه كايل !! ولقد وعدنا ان يأخذنا الى متحف التاريخ الطبيعي والى مدام نوساود اليوم .
هل نستطيع الذهاب لنتأكد من مجيئه ؟"
" مازال الوقت مبكراً جداً .... اوه حسن جداً ... اذهبا !! ."
وضحكت دايان وهي تهز رأسها باستسلام حين ترجلت التوأم عن كرسيهما متجهتان الى الباب ...
كان الجميع يحيطون بمائدة الافطار قل وجودها في يوم السبت .
فقال جيم :
" يبدو ان كايل هذا اكتشاف هام .... على الاقل بالنسبة لابنتيّ .."
ثم التفت الى ايف مبتسماً :
" اتدركين ان اسم كايل يتردد على مسامعنا كل يوم منذ بضعة اسابيع ؟. "
ارادت ايف ان تحتج .. انه ليس لي ... لكنها ابتلعت الكلمات لانه ما زال رسمياً على الاقل زوجها ...
وها هي عائلة بونيت تكن له حباً كبيراً .. فلِمَ لا تفعل هي هذا ؟؟..
لم تستطع ان تجيب على هذا السؤال ... فجيم ودايان لا يعرفان كايل اكثر مما تعرفه هي .. بل أقل بدرجات .. وهما اكثر استعداداً لاستقباله .. لكنهما ايضاً غير مضطرين الى تحمل الإحساس المخيف الذي يتسلل الي احشائها في كل مره يظهر فيها , وهو شعور لن يفارقها حتى تعرف الحقيقة الكاملة حول علاقتهما .
صرخت الفتاتان ببهجة من الردهة :
" إنه هنا ! كايل هنا ! "
وفكرت إيف انه وصل باكراً , وما لبثت ان احست بموجة قلق , فسارعت الى المرآة وهي تتأمل نفسها بتمعن .
شعرت دايان بتوترها فقالت بلهجة دافئة مطمئنة :
" تبدين رائعة ! "
تنهدت إيف :
" لسة واثقة ابداً انني سأبدو يوماً رائعة في نظر كايل .. فهو لم يسامحني بعد لرفضي تلك الملابس "
لكن الحقيقة ان المسألة لا تتعلق بتلك الملابس فقط , فقضية وظيفتها لم تحل بعد .. فقد التزمت ايف بقرارها بعناد واصرت على الاستمرار بالعمل في المكتبة , ولو ان المصروف الذي عرضه عليها كايل , كان يفوق مرتبها بأضعاف .
خلال الاسابيع الخمسة الماضية , ازدادت معرفتها بكايل عمقاً .. فأعجبت بذكائه ومرحه , وكرمه وصبره , لا بل فوجئت بتلك الصفات . في ظروف اخرى , كانت لتؤكد انها معجبة به كثيراً .. لكن هذه ليست بظروف عادية .. فما زالت حلقة اساسية مفقودة .. وراحت تتسائل ماذا يخفي وراء القناع اللطيف المتمدن التي يبرزه لها , ولبقية العالم .. وماذا عن دوافعه ؟ وسرعان ما أنبها ضميرها لتلك الاسئلة المبالغ فيها , لا بل الظالمه لهما . ففي اعماقها , كانت تعرف انها تحاول ان تجد فيه عيباً كي تبرر مشاعرها الداخلية ..
" صباح الخير ايف .. كيف حالك اليوم ؟"
دفنت ايف افكارها السيئة وراء ابتسامة قصيرة مضيئة ,ردت بها على تحية كايل
"أوه .. انا بخير "
" هل انتِ مستعدة لنزهة في الطبيعة ؟ "
تمكنت اخيراً من تمتمة بضع كلمات وكأنها الموافقة .. لكن الحقيقة كانت غير ذلك
فمنذ وقف كايل عند باب الغرفة وهيناها لاتفارقان جسده الطويل الأسمر ,
لقد كان حقاً جذاباً بشكل قاتل !
واعترفت بهذا في سرها , وهي تعرف ان لا مجال للإنكار ,
فاي امرأة طبيعية تفخر بمرافقة هذا الرجل .
لكن ايف لم تكن بحاجه الى النساء لتثبت مشاعرها , فتذكرت كيف استجابت لكايل بسرعة .
وهي لم تنس طبعاً كيف كبح كايل غزله لها , فاقتصر على قبلات اعتيادية قصيرة نهاية كل زيارة .. ترى , هل كان يقصد ان يشعرها بالاحباط ؟
" حسن جداً .. احضري معطفك إذن , وسنخرج ."
عادت إيف إلى ارض الواقع , فمنحته ابتسامة قصيرة أخرى , وهي تتساءل كيف يمكنه ان يتحكم بصوته وتصرفاته , كي ينجح في اخفاء كل خيوط علاقتهما المعقدة خلف قناع من الاسترخاء السهل , بعيد كل البعد عن حالتها . ترى , أهذا هو مايحسه فعلاً ؟ لابد انه يشعر بشئ ما , وإن لم يكن يعاني من الكرب نفسه الذي يجتاحها .
" هل احضرتما سترتيكما .. أيتها المتوحشتين المرعبتين !"
اخترق صوت كايل افكرها وهو يخاطب التوأم بمداعبة مرحة . وعبثاً, راحت تجاهد لإظهار درجة من الحماس تتناسب وبهجة الفتاتين . ثم احضرت معطفها من المشجب في الردهة.
وظهر كايل الى جانبها :
" دعيني اقوم بهذا .."
تناول المعطف القصير العاجي اللون من يدها استعداداً لتدس ذراعيها فيه .
" شكراً .."
كان يمكن لأي شخص ان يظن ان الحركة الصغيرة التي بدرت عنها , تمثل جهداً عظيماً ... بعد لحظات , نظرت الى صورتها في المرآة بشئ من القلق .. لم يكن لتدفق اللون الى خديها , او لبريق عينيها , أي دخل بجهدها , بل لقربها من هذا الرجل .
بدا شعره الاسود وكأنه يلامس خصلاتها , فيما عيناه العميقتان تلتقيان بعينيها في المرآة .
بلطف وإثارة , لا مس القماش الصوفي على كتفيها , وازاح بنعومة خصلة على الياقة ..
وفجأة , أحست ايف بضربات قلبها تتسارع حتى تبلغ مسمع كايل , وانه يعي السرعة المضطربة لأنفاسها .
ما الذي يحدث لها بحق السماء ؟
وكأنها أعشاب جففتها حرارة الصيف .. لا تحتاج سوى لمسة من عود ثقاب لتشتعل . لم تفكر أنها قد تمسي يوماً ما على هذا النحو ...
لكن , كيف لها ان تعرف نفسها حقاً من دون ماضٍِ تتذكره ؟
شعرت ايف بالألم من نظرات كايل , عبر المرآة . وبجهد , دفعت عنها افكارها المضطربة , ثم ارسلت ابتسامة مضيئة لانعكاس عينيه في الزجاج .
" انا مستعدة ! هيا نذهب ! "
كان صوتها مرتفعاً جداً , وكأنه يفضح أمرها. وسرعان ماابتعدت عن كايل , مثلما يبتعد المرء عن نار اصبحت فجأة شديدة الحرارة .
نعم , هذا هو شعورها .. لكن , أحقاً تريد الذهاب في هذه الرحلة ؟
لكن التوأم كانتا تنتظران هذا اليوم على احر من الجمر منذ بداية الاسبوع.
إذن, من الأفضل لها ان تحافظ على رباطة جأشها وتجاهد لتتمتع باليوم الذي ينتظرها .
في النهاية , ألفت الراحة تتسلل اليها فعلاً .. أولاً.. كان التوأم في غاية السعادة لركوب سيارة كايل القوية اللماعة , فصرفت النظر عن التوتر الذي تحس به . وحين وصلوا إلى متحف التاريخ الطبيعي , كان قلقها قد خفّ بشكل كبير , بحيث انها كانت تلحق بالفتاتين من طابق إلى آخر بالحماسة ذاتها التي تظهرانها .. ولم تضعف سوى بعد ساعتين حين بدأ التعب يساورها .
قال كايل :
" فلنأخذ استراحة للقهوة .. وإلا لن نملك طاقة لزيارة " توساود" ".
وفيما هما في الطريق الى متحف الشمع , قالت له ايف :
" انت خبير في التعامل مع الأطفال .. يجب ان اعترف ان لااسئلة التي لاتتوقف تزعج احياناً .. على أن أعترف أنني متأثرة بتصرفك .. فهل تملك خبرة مع الأولاد ؟
وجه إليها نظرة جانبيه من عينيه البنيتين الداكنتين , قبل ان يرد ببطء:
" انا عمّ لابنة أخ في الرابعة من عمرها تمتلكني في لحظة .."
ظللت صوته آثار قاتمة لم تستطيع تفسيرها , فتلوت ايف بعصبية في استجابة غريزية
" واضح انك تحبها كثيراً "
" أجل "
كانت الكلمة الوحيدة جازمة إلى درجة الفظاظة .. ولم يكن ينظر اليها ,
بل كان يحدق في الفتاتين قرب تمثال شمعي لمايكل جاكسون .. وأحست إيف بإنطباع قوي انه لم يكن يراها فعلاً .
هل فتحت جروحاً أخرى ؟ يا إلهي ! ألهذا دخل بتحطم زواجهما ؟

" أكنت .. هل ترغب في الأولاد ؟"
مرة أخرى , اتجهت نحوها تلك العينان البنيتان , ثم سافرتا بعيداً مرة أخرى . رد بتوتر لم يبعث الراحة في إيف :
" لا أعتقد ان هذا سؤال مناسب في هذه المرحلة من علاقتنا "
لكنها أصرت :
" هل رغبت .. وهل تريد ... ؟ "
أحست وكأنها تسير في حقل الغام قد ينفجر في وجهها في أية لحظة :
" أعنى ... لوأننا .. "
وجف صوتا بألم حين استدار كايل ليواجهها
" إن كنتِ تقصدين هل أرغب في ولد منك .. فالرد نعم .. وهذا من أغلى الآماني على قلبي .. كان يجب ان تعرفي هذا .. اللعنة عليك ! "
أحست بالصدمة تخترقها .. وكأن كلمته كانت صفعات عنيفة حقيقية ..
ولم تستطع سوى ان تحدق فيه بذهول وكرب , بينما كان القناع المتمدن ينزلق عن وجهه , ليكشف عن دمار يخفيه .. طعنتها مشاعر كابل القوية كما نصل السكين المثلج ينغرز في القلب .
وبدافع غريزي امتدت يدها لتلامس ذراعه .. كان السكين في قلبها يتوغل عمقاً ,
فيما هو يصد نظرة التعاطف بحركة عنيفة غاضبة .
" ماذا قلت ؟ ماذا ... ؟ "
لكن السؤال لم يكتمل :
" كايل .. ايف .. تعالا لتنظرا .. "
أمسكت كارولين وكورتني ذراعيهما وقد اعمتهما الفرحة عن الجو المتوتر بين الراشدين .
" على المقعد الخشبي امرأة جالسة .. "
" لقد ظننا انها حقيقية وانها نامت .. "
" يجب ان تلقيا نظرة! "
وكما المذهولين يستيقظان ليجدا نفسيهما في شارع مزدحم ,
لم يكن امام كايل وايف أي خيار سوى الخضوع للتوأم , وإلقاء نظرة على تمثال الشمع الذي ابهجهما كثيراً ..
من تلك اللحظة انتفت أي فرصة لحديث جديد . باستثناء الكلمات التي يتبادلها أي راشدين مسؤولين عن فتاتين في العاشرة من عمرهما , تجرانهما من تمثال إلى آخر , مذهولتين بتمثايل البلاط الملكي , ومشاهير أهل السياسة والكتّاب , وأخيراً غرفة الرعب .
قالت ايف مصممة :
" لن أدخل الى هنا .. إذهبا ان اردتما .. لكن لا تلوماني لو داهمتكما كوابيس ليلية ".
قال كايل : " سأعتني بهما .. ولن نتصرف بسوء " .
وكانت هذه هي المرة الأولى التي يخاطبها فيها مباشرةً . بإمكانها ان تثق به .
ثم تحركوا بعيداً , فيما كل من التوأم تمسك بيد كابل .. لزوجها هذا , غريزة رائعة نحو الأولاد .. أو على الأقل , التوأم .. لقد تصرف طيلة اليوم وكأنه العم او الخال المثالي ,
وقد امضت الفتاتان وقتاً ممتعاً .. لكن , بعد لحظة , تغير مزاجها حين تذكرت ردة فعل كابل على تعليقها منذ قليل .
لكن الذنب كان ذنبها .. فهو لاشك لم يكن مستعداً للحديث عن الأولاد , ولاتستطيع ان تلوم سوى نفسها على تفجر الامور في وجهها .
والمشكلة انها لا تعرف كيف تتصرف مع هذا الرجل .
صحيح انه زوجها قانوناً , إلا انه ما زال مجهولاً بالنسبة لها .....
لاشك في ان هذا الرجل يحتل مكاناً مهماً في حياتها .....
فهي تشعر بالراحة في رفقته , لا بل وتتمتع بوقتها احياناً , مثل هذا اليوم .... الى ان اشعل سؤالها الفظ ذلك الانفجار ,
لكن كايل , الزوج , الحبيب , مسألة مختلفة تماماً ,,,
ومع انها تعرف جيداً ان عليها التفكير بالحب في يوم ما , لكنها تبعد هذه المرحلة بانتظار ان تصبح اكثر قوة واستعداداً لمواجهة الوقائع .
اما الآن فقد اقتربت كثيراً من خرق الصمت الضمني الذي بنياه حول ذلك الموضوع ....منتديات ليلاس
اذن لماذا حولته فكرة انجاب الاولاد الى رجل حساس بهذا الشكل ؟؟
لقد اعلن كايل بصراحة صدمتها انه اراد طفلاً ...
أكان هذا سبباً لعزلتهما ؟ الم ترغب هي في ذلك ؟
انقطعت أفكار ايف المزعجة مع عودة التوأم ...
كانت كارولين تبدو شاحبة بينما كورتني تواصل رأيها بقوة أكبر ..
" كان هذا مقرفاً ."
قالت ايف وهي تعبث بشعر كارولين البني :
" حسن جداً ... لقد حذرتكما ."
" اتمنى لو بقيت معكِ ايف ."
ضمت ايف الفتاة وهي تواسيها :
" لم يكن هناك اناس حقيقيون حبيبتي ,, كلهم تماثيل شمع ...."
ولم تعرف لماذا رفعت نظرها في تلك الللحظة الى العينين السوداوين المتفرستين
فاستعادت الطريقة التي استدار فيها اليها منذ وقت قصير , ليبعث فيها حزناً وانزعاجاً ,,
فعادت تصب اهتمامها على التوأم هرباً من نظراته ..
قال كايل :
"والآن اعتقد ان الوقت حان لنعود الى المنزل ... اليس كذلك ؟
الوقت متأخر وامامنا مسافة طويلة حتى موقف السيارات ."
وجهت كورتني سؤالاً الى كايل :
" اوه ... هل يمكن ان نذهب بقطار النفق ..... "
اضافت التوأم الآخر :
" اوه .. ارجوك ,,, فلا تتاح لنا فرصة الركوب في القطار دائماً ."
قال كايل بكل استعداد :
" طبعاً نستطيع ... لكن عليكما قراءة الخريطة لتخبراني اي طريق نسلك لنصل الى هناك ."
ما ان اخذهما الى المحطة تحت الارض , حتى اخذت الفتاتان تتناقشان حول الطريق .
قالت ايف لكايل فيما الفتاتان تفرران :
" لقد تمتعتا فعلاً .... شكراً لك كثيراً ... مع اننا نسكن خارج لندن تماماً الا ان المال عادة قليل جدا و لا يسمح بكثير من الرحلات الى منتصف المدينة ....
لذا فرحلة بقطار الانفاق مغامرة جديدة .. لقد كان لليوم كله نكهة مميزة ."
رد بكل سهولة :
" كان هذا من دواعي سعادتي ..."
وبتشجيع من صوته الدافئ , تمسكت ايف بشجاعتها :
" كايل ... بالحديث عن كلامنا قبل وقت قصير ."
قاطعها بسرعة ..:
" لا .... يجب ان اعتذر ... لقد نسيت نفسي و بالغت في ردة فعلي ... انا آسف
ثم خاطب الفتاتين :
" هل أخذتما قراراً ؟".
وهكذا انتهى الحديث ... ما من مزيد يقال في هذا الموضوع .
حسن جدا ,
اذا كان هذا ما يريده , قلن تجادل ...
لكنها كانت تعرف في اعماقها ان القلق والاهتمام الذي أثاره كايل لن يزول بمجرد كلمات ....
كان القطار مزدحماً جداً ..
لذا كانوا محظوظين بالوقوع على مقاعد شاغرة ...
وابتسمت ايف بابتهاج لمراقبتهما تتحدثان بحرارة ... ثم استدارت متحمسة الى رفيقها .
لأول مرة كانت البهجة مرسمومة على وجهها بجلاء من دون اس احساس يردعها
" شكراً لكَ مرة أخرى على هذا اليوم !
لقد حولته الى يوم مميز للتوأم !!"
" لقد تمتعُ به كذلك .. واحببت رفقتهما , انهما فتاتان رائعتان ."
ولانت العينان البنيتان القاتمتان و امتلأتا دفئاً ...
أزال برودته السابقة ....
" ولقد تعلقتا بك ايضاً .."
ما ان تلفظت بالكلمات حتى ادركت خطأها ....
رد كايل بنعومة :
" ومااذا عنكِ يا ايف ؟ هل تتعلقين بي كذلك ؟".
باتت شفتا ايف جافتين , فبلتهما بتوتر , وفجأة اختفى صليل عجلات القطار وهو ينطلق في الظلام وضجيج بقية الركاب جولهما , كل هذا ضاع وامسى ضباباً كاذباً ....
" لستُ ادري ... احتاج الى المزيد من الوقت .."
" لم تحتاجي الى اي وقت حين التقينا اول مرة ."
لفحتها انفاس كايل في تذنها ...
" لم تترددي يومها .. واعرف انكِ تتذكرين هذا ..."
كان الاحتجاج حاداً وسريعاً :
" لا !! انا لا اتذكر شيئاً !!."
" لكن لاوعيكِ يتذكر ... اعرف .... لقد قرأته في كتابك .."
اغمضت ايف عينيها امام العر الذي اجتاحها ... بعد ذلك الحديث المتفجر الليلة الاولى التي جاء فيها الى المنزل ,
لم يعد كايل يذكر كتابها ...
لكنها كانت تعرف انه لم ينس .. ولا هي نسيت ,, كم من مرة اعادت قراءة ما كتب , وكم من مرة اشتعلت بشرتها وارتفع الدم الى وجنتيها ....
" كنت يومها شخصاً مختلفاً ,,, ولستُ ادري من انا الان . ما كتبته في الكتاب لا يبدو لي حقيقياً ...انا لا اشعر به ... وبكل تأكيد لا اشعر به نحوك !!."
هذا غير صحيح.... فأنبها ضميرها بحدة ...
عاطفياً كانت قسوتها جارحة لا تعرف ما تفكر او تشعر به ...
لكن جسدياً لم يكن لديها ادنى شك في استجابها لكل ما يشعله كايل فيها ,
لكنها لابد اوحت له بالعكس تماماً , ففجأة جف الدفئ في تعبير كايل , وقست عيناه لتصبحان شظيتين من الثلج الاسود ,
ثم تراجع في مقعده ينزوي عنها جسدياً وفكرياً , فأحست ايف وكأن باباً صفق في وجهها ...
سيطر التوتر على بقيه الرحلة الى المنزل , فامتنت ايف بعمق لوجود التوأم اللتين لم تدركا الصمت بين الراشدين ...
فتابعتا الحديث الهادر حول مباهج اليوم دون كابح فيما هي متصلبة في مقعدها ...
ما ان وصلوا الى المنزل حتى سارعت الفتاتان الى الداخل وهما تكطران والديهما بحديث مبهج , وكل واحدة منهما تنافس الاخرى للفت الاهتمام الى ان اسكتتهما دايان بنفاذ صبر .
" اصمتا لدقيقة واحدة ايتها المتوحشتان !
كايل ... يبدو انهما امضتا وقتاً رائعاً ...
كيف يمكن ان اشكرك ؟
الن تدخل لتشرب الشاي ؟".
هز كايل رأسه الاسود الشعر بحزم , وقال بغموض :
" لن اتجاوز مذة الترحيب بي ... لدي اعمال اقوم بها .... "
ولم يذكر زيارة اخرى .. ادركت ايف هذا وهو يستدير نحو سيارته وصدمها الالم و خيبة الامل اللذين تسببت بهما ..
وفيما هي تقاوم المشاعر المؤلمة التي ايقظها فيها رحيل كايل , استدار فجأة ليواجهها :
" سآخذكِ الى العشاء ليلة الغد ... كإحتفال مبكر لعيد ميلادك ... لقد وعدتكِ باصطحابكِ الى مكان مميز , سآتي لآخذكِ في الثامنة .."
" اذا شئت "
كان رها مريراً ,, في الواقع ليست هذه بدعوة ابداً ..
بل لكانه يأمرها ... مع ذلك , فقد راح قلبها يخفق استجابة لإعلانه المتحجر , فعرفت ان مثل هذه التفاصيل لا تهم ,
يكفي انه يرغب في رؤيتها مجدداً .
كانت تتوقع ان يكون اليوم التالي قاتماً وموحشاً ,
فإذا به فجأة مشرقاً وصافياً ,
وكأن الشمس اشرقت فجأة من خلف غيمة كثيفة سوداء .
وأكدت له :
" ساكون حاضرة ."
وفيما هي تراقب السيارة تبتعد راحت تتسائل ان كان سيعود ابداً لو لم يتذكر وعده لها ....
تكلكها الخوف في القطار , وخشيت ان تبعده كلماتها الى الابد لاسيما للألم العظم ا لذي كانت تحتويه ...
هل تحتاج فعلاً الى ذلك الوقت الذي اصرّت عليه ؟
اليس في الواقع انها على وشك خسارة قلبها لمصلحة كايل .؟
ام انها تقصد انها ستخسره مجدداً ؟
لن تستطيع ان تجد رداً بسهولة ..
لكن في اعماقها كانت تعرف ان الامر لا يهم في كلتا الحالتين ....
فهي ما زالت لا تتذكر كايل جنسن زوجاً .....
ولا تتذكر ما كانت عليه علاقتهما من قبل ,
لكنها تعرف انه لو خرج من حياتها الآن , فيحدث فجوة عميقة ضخمة , من المستحيل ردمها ...
6 الهدية المكسورة !!
عند تمام الساعة الثامنة في الليلة التالية ، نزلت ايف إلى الطابق السفلي وما أن رأتها كارولين حتى صرخت باهتياج :
(( واو 00ايف ! تبدين كعارضة أزياء ))
استدارت ايف على نفسها فوق الدرجة الأخيرة من السلم :
(( هل أعجبك ؟ ))
دخل جيم إلى باب غرفة الجلوس يستطلع صراخ ابنته ، وما إن رأى ايف حتى صفر لها إعجاباً 00وقال :
(( مثير 00للإعجاب 000تبدين مذهلة تماماً 00فتاة لعيد ميلاد ))
انحنت ايف بتحية سريعة : (( شكراً لك 00سيدي اللطيف ))
خرجت دايان من المطبخ لتقف إلى جانب ايف ن وهي تتفحص مظهرها برضا :
(( ألست مسرورة لأننا دفعناك لشراء هذا الفستان ؟!))
كانت ايف قد شاهدت الفستان في محل أزياء محلي وأحبته ، منذ أسابيع 00لكنه كان بعيداً عن متناول يدها وفق ميزانيتها المحدودة ، لكن منذ أسبوع ذكر كايل عشاء عيد ميلادها 00ولحسن الحظ 00اكتشفت أن الفستان لا يزال في المحل ، لا بل معروض للبيع بأسعار مخفضة 00وحين أعلن جيم ودايان أن فرق السعر سيكون هدية عيد ميلادها ، لم يعد من قرار آخر تتخذه 0
سألت :
(( ألا تعتقدين أنه رسمي جداً لمثل هذه الليلة ؟ ))
ولم يكن ما تعنيه حقاً 00
(( لا00لا اعتقد هذا ))
انبأتها لهجة صديقتها أنها تعرف ما تعنيه (( صدقيني حبي 00سوف تسلبين عقله ))
ولهذا السبب بالذات تراها تشعر بالقلق 0 اعترفت ايف بهذا لنفسها ، وهي تلقي نظرة شك أخرى على انعكاس صورتها في المرايا 0
هل تريد حقاً أن تحدث هذا التأثير على كايل ؟ هل تريده أن ينظر إليها كامرأة ؟ والأكثر من هذا 00كامرأة أنثوية مثيرة ؟
ارتجفت ايف مع قشعريرة إدراك تسللت إلى ظهرها 00فلو كانت وكايل ، رجل وزوجته فمن الواضح إذن ، أنهما تشاركا علاقة حميمة 000لكن المشكلة الآن أنها لا تتذكر أبداً مثل هذه التفاصيل الحميمة 00ولذا فهي بريئة ولو فكرياً على الأقل ، وانكمشت معدتها بعصبية 00لن تستطيع مواجهة كايل على هذا النحو ، يجب أن تغير ملابسها ، لكن في تلك االلحظة بالذات أنبأها إقفال باب السيارة في الشارع أن الوقت تأخر كثيراً 00وبع برهة ن تصاعد صوت كورتني عالياً حتى غلب رنين جرس الباب 00
((كايل هنا ))
بالرغم من الدفء الذي يغمر الغرفة ن أحست ايف برجفة برد 0إذن ، لقد جاء 0 راحت نبضاتها تتسارع فجأة فيما وجهها موشح بلون وردي ن فعرفت كم يعني لها وصوله ن ففي أسابيع قصيرة أصبح مهماً جداً في حياتها 00وفي هذه الأثناء ، قررت أن تشعره بترحيبها ، وتحاول أن تمحو كل التوتر الذي برز بينهما بالأمس 00وهكذا ، وضعت بتصميم ابتسامة على وجهها ، وفتحت الباب 0
أعلنت بخفة كانت بعيدة عن (( توقيت ممتاز ))الاحساس بها
كان الصمت الذي تلى تحيتها ، قصير جداً 00قصير إلى درجة أنا لو لم تكن متأثرة جداً بكل ما حولها ، لشكت في صمتها 0 أما كايل ، فبعد أن استعاد وعيه ، قدم لها باقة كبيرة من الورد : (( عيد ميلاد سعيد 00ولو قبل يومين 000))
((اوه 00كايل 00كم هي جميلة 00))
أفلتت صيحة ابتهاج بعفوية شكرت الله لأن صوتها يبدو طبيعيا أكثر من قبل ، كانت فعلا ممتنة للورود ، لا سيما أنها استخدت عطرها كعذر تخفي رأسها في جمالها العطر ، وتجنبت النظر إلى كايل 0
ولم يخف عليها في اللحظة التي فتحت فيها الباب ، التغير الذي مر على وجهه وأضاء عينيه ، وأحست في الممر بنظراته تتفرسها من رأسها الأشقر اللماع ، ثم تتحرك ببطء نزولاً على وجهها المتورد 0
ارتاحت ايف لاجتماع عائلة بينيت كلها لتحية كايل 000وإلا ، من يدري ماذا يمكن أن يحدث ؟ ففي اللحظة التي التقت فيها عيناعا بعيني كايل ، بدأت استجابة مشوقة تتفتح في اعماقها 0
قال :
(( أنا مسرور أنها اعجبتك 000))
بدا صوته خشناً وأجشاً 00وكأن أوتار صوته مجروحة 00كان يتكلم فيما عيناه متشابكتان بعينيها 00وما لبث خدا ايف أن تلونا بلون أحمر يشبه احمرار الورد 0
ارتفع صوت كارولين سخطاً وخيبة أمل ، ليكسر حدة الجو المشحون :
(( هه !! زهور !! كنت واثقة أنك ستهديها شيء مميزاً ))
وتبدد التوتر 00وتناهى إلى مسامعه ايف صوت كايل المرتجف يقول : (( أنا آسف لخيبة أملك كارو 000في المرة القادمة سأجيء بالألماس ))
وما لبث أن استعاد صوته ورباطة جأشه :
(( إضافة إلى هذا ، هذه هدية مبكرة 00وكما تعرفين يوم مولد ايف يوم الأربعاء ))
((إذن ، ستقدم لها هدية مناسبة يومها ؟ ))
(( سأفعل ))
أخيراً وجدت ايف القوة لترفع وجهها الحار عن درع العطر 0 فاتجهت نظرة نصف ضاحكة ، نصف مقيمة نحو خديها المحمرين ، ثم سأل كايل :
(( لو اشتريت الألماس لك ايف 00فهل تقبلين ؟ ))
كان سؤاله ينطوي على ما هو أكثر بكثير , فجأة احست كأنهما أصبحا وحدهما في الغرفة 00فأدركت أن خلف سؤاله مجموعة من التلميحات والمضاعفات 0
منتديات ليلاس
حثها كايل بصوت أجش ( ( ايف ؟ ))
لم تعرف كيف تجيبه ، كانت غرائزها البدائية تحثها على الاستجابة 00لكن هل تستطيع أن تثق بهذه المشاعر ؟ منذ ثوان مضت ، لأقدمت على ذلك دون تردد 00لكنها الآن ، ترددت لبرهة أطول بقليل 00وسمحت للمنطق أن يقاوم 0
وأخيراً تمتمت : (( اسألني هذا يوم الأربعاء ))
قرأت في عبوسه السريع أنه لم يكتف بردها 00لكنه لم يملك سوى أن يقبل 0 سيما و أن ايف في تلك اللحظة ، أشاحت بنظرها عنه ، واستدارت نحو المطبخ 0
(( سأضع الباقة في الماء 00))
وبينما هي تبحث عن مزهرية مناسبة ، قامت باستجماع أفكارها ، ثم نفضت عنها المزاج العاطفي الغريب ، الذي استبد بها منذ وصول كايل 0
لكن دايان اعترضت طريقها : (( اوه لا 000لن تفعلي هذا 00سأهتم بها 00اذهبي في طريقك 00وامضي وقت جميلاً ))
(( سأعود الساعة 00))
دفعتها صديقتها إلى الباب : ((اوه 00هيا أخرجي 00أنا لست والدتك ! وتعرفين أنك لن تستيقظي من النوم غداً في ساعة مبكرة 00فغداً يوم إجازة ))
تمتم كايل ، وهو يفتح لها باب السيارة : (( محاولة جيدة 00لكني لا أنقلب إلى ذئب مفترس عند منتصف الليل ))
بالرغم من صوته الناعم ، التقطت ايف الغضب الذي كان يتخلل كلماته 0
قالت : لم أكن اعني 000))
لكنه اقفل الباب في وجهها موقفاً محاولة التفسير 0
لعل هذا أفضل 00ودار كايل حول السيارة حتى وصل إلى مقعد السائق 00على أي حال ، لن تعرف السبيل إلى الشرح من دون الخوض في دوامة من التعقيدات لم تكن مستعدة للتعامل معها 0
وماذا يمكن أن تقول ؟ أشعر بالقلق من قضاء أمسية معك . و أنا لا أثق في نفسي ؟ ستكون هذه هي الحقيقة على الأقل ، و أصابها التوتر لمجرد التفكير باستجابة كايل لكلامها 0
سألت بارتباك وهي تريد أن تكسر الصمت المزعج : (( إلى أين نحن ذ ذاهبان ))
بدا وجه كابل في نور المساء ، مشبوبا ً بالظلال 0 وسرعان ما القى عليها نظرة جانبية سريعة قبل أن يرد : (( إلى مكان أعرفه 00هادئ جداً 00وخاص جداً ))
(( إذن ، هل يسمحون لك بالدخول ؟ ))
وأشارت إلى قميصه ياقة الأخضر المفتوحة 00ثم تمنت على الفور على الفور لو أنها لم تفعل ، إذ وقع نظرها على عنه الطويل وصدره المكشوف تحت النور ، وأحست فجأة بحرارة حارقة ن وكأنها أسير حمى مشتعلة 0
وفيما كان كايل (( من دون ربطة عنق 00))يعبس بسؤال صامت ن أكملت بصعوبة
(( أوه 00هذا ))
لسبب ما ، بدا أنه يتسلى بتوترها والتوى فمه عند الزاوية 0
((لا 00ما من مشكلة 00فأنا معروف هناك ))
فيما بعد ، أخذت ايف تفكر بسذاجتها وقلة درايتها 00لكنها لم تشك ، ولو للحظة واحدة ، بما كان يجول في ذهنه 00لقد صدقت أنهما يتجهان إلى قلب لندن ، نحو مطعم فخم غالي الثمن ، وحين تابع كايل القيادة دون توقف ، نظرت حولها بمزيج من الدهشة والخوف ، فجأة وصلت السيارة إلى منحدر ، ثم توقف في مرآب للسيارات تحت الأرض
خرجا من السيارة ن وقادها كايل إلى مصعد قريب ن فسألته مترددة (( أين نحن ؟ هل المسافة بعيدة إلى المطعم ؟ ))
ضغط كايل زر المصعد لينطلق بسرعة إلى الأعلى : (( أبداً 00كما قلت لك أريد أن آخذك إلى مكان مميز ، حيث لا يزعجنا أحد ))
أنهى كلامه مع توقف المصعد ، وفجأة انفتحت الأبواب 0 خطت ايف نحو ر
ردهة رخامية ، ونظرت حولها بشيء من الارتباك ، ثم حل عليها الإدراك أخيراً حين أخرج كايل مفتاحاً من جيبه ودسه بالباب المقابل 0
أعلنت بسخرية لاذعة : (( مكان تعرفه !1))
لا عجب أنه لم يبالي بثيابه العادية 0
(( مكان هادئ وخصوصي ! ))
هز كايل كتفه دون اكتراث لسخطها ، ثم فتح الباب ، وتراجع إلى الوراء ليتركها تتقدمه إلى الغرفة 0
للحظة ، استشاطت غضباً للطريقة التي خدعها بها ، وودت لو تبدي عنادها ، وتدق كعبيها بالأرض ، ثم ترفض أن تتحرك 00لكن الفضول تغلب على غضبها ، فخطت إلى الأمام نحو غرفة جلوس ضخمة 0
على عكس الظلام الذي ساد في الخارج ، كانت الأنوار والألوان أول ما وقع نظرها عليه 00بين الوهج الساحر للخشب المصقول ، واللون الأخضر والأزرق الذي يشع من الأثاث الناعم ، والسجاد المتألق كالجوهر، أحست ايف بالدهشة ، فلم تتوقع أن هذا المنزل مسكن مؤقت لرجل أعمال أمريكي 0 في الحقيقة ، كان للغرفة إحساس دافئ ساكن ، خال من أي انطباع عصري 0
راقبها كايل بصمت ، وهي تتطلع حولها ، من دون أن يعلق كانت تعرف أن عينيه لم تفارق وجهها 0
سألها أخيراً وقد انتهت من تفحص المكان : (( هل أعجبك ؟ ))
ردت بحماس حقيقي (( إنه جميل ! ))
وفيما هي تدير وجهها إليه ، اضطربت أفكارها بقلق 0
قال كايل :
(( غرفة الطعام من هنا 000))
لو أنه لاحظ تغيير مزاجها 00إلا أنه مضى يفتح باباً يكشف عن غرفة أخرى أصغر حجماً ، مزينة بألوان فاتحة كتلك التي استخدمت في غرفة الجلوس 00وفي وسطها طاولة معدة سلفاً ، بأدوات فضية لامعة ، وكريستال رائع ، مع شمعدان وزهور 00
قال لايف : (( لم أعد الطاولة 000ولا الوجبة كذلك 00أعرف كيف أطهو ، لكن ليس بالمستوى المطلوب لهذه الليلة 00لذا طلبت من مطعم أن يوفر لي كل التحضيرات 00كل ما علي أن أفعله هو تسخين الحساء ، ومراقبة جهاز التوقيت 00مما يذكرني 000))
رفع كمه للوراء ، ونظر إلى الساعة الذهبية الرقيقة في معصمه :
(( أمامنا حوالي العشرين دقيقة 00لذا دعيني آخذ سترتك ، حتى تتمكني من الاسترخاء ، هل ترغبين في شراب معين فيما أنت تنتظرين ؟ ))
قاومت لتخفي توترها : (( بكل سرور ))
وبسرعة خلعت سترتها وأعطتها له من بعيد ، وهي خائفة من ردة فعلها 00
((مياة غازية أرجوك 00))
((لم لا تجلسين 00سأحضر الشراب )9
حين عاد كانت تجلس في المقعد الذي أشار إليه 00بدت متصلبة وقد اختارت الجلوس على حافته ن فيما الانزعاج ظاهر على وجهها 0
سأل بحدة :
((ما الأمر ؟ هاك 000ربما هذا يساعدك ))
أخذت ايف الكأس ، واحتست جرعة من المياه الفوراة ، فاستجمعت شجاعتها بحيث وجدت القوة الداخلية لتستدير إلى كايل وتواجه نظرته المتفحصة 0
سألت :
(( وهل من المفترض أن أعرف هذا المكان ؟ أهو واحد آخر من مخططاتك لشفائي ؟ إذا كان الأمر هكذا ، فإنك لم تنجح 000أنا لا أذكر هذه الشقة أبداً ))
رد بنعومة وهو يتهالك على مقعد مقابل :
(( لا 00لم تكن هذه هي فكرتي أبداً 00ولو كانت فعلاً ، لما جئت بك إلى هنا ، 00فأنت لم تري هذا المكان من قبل ))
((لم أره ؟ ))
لم تستطع إخفاء دهشتها 0
التوى فمه بسخرية (( لا 00لقد بعت المكان القديم منذ سنة 00كان جوه 00لا يعجبني 000))
جو مشحون بالذكريات لا يريدها 0 حاولت ايف أن تستند إلى الوراء براحة أكبر ، لكنها لم تستطع أن تسترخي جيداً ، ومع أن كايل نفى ظنونها السابقة ، إلا أنها ظلت تفكر أنه ما أحضرها إلى هنا ،ن إلا لسبب خاص يفكر به 0
قال كايل :
(( كنت أتسأل عن أمر 000))
ضربت لهجته العفوية على أعصاب ايف المتوترة 0
سألت متصلبة : (( وما هو ؟ ))
لكنها ندمت على سؤالها حين رأت ابتسامته الساخرة 0
(( ألا زلت ترين خطراً في كل ما أفعله ؟!! حقاً حبية قلبي 000سالهذا العقل الصغير المرتاب الذي تمتلكينه ))
ردت ايف بحدة ن وقد آلمها وصفها بالعقل الصغير :
(( قد أكون تسرعت ببعض الأمور في لقائنا الأول 000لكن الأمور مختلفة تماماً الآن 00وأنا مختلفة ))
عبست بشدة حين ارتفع حاجبه الأسود ، وكأنه يسألها كيف عرفت هذا 0 سألت :
((إذن ، ماذا تريد أن تعرف ؟ ))
(( كنت أتسأل فقط 000هل تريدين مني أن أتصل ببعض أصدقائنا القدامى 00أناس من 00))
(( من الماضي تعني ؟ لا 00لا أعتقد هذا لكن شكراً للعرض ))
(( لكن ألا تظنين 000))
قالت بحدة :
(( كايل 00أرجوك لا تفعل 00بات كل شيء أكثر صعوبة مما تصورت يوماً 0 صعب علي أن أتقبل أنك تعرفني جيداً ، في حين لا أستطيع تذكر شيء عنك ، فكيف إذا واجهت أي مخلوق آخر في الوقت الحاضر ؟ ))
(( لكن ألا يساعدك لقاء شخص آخر 00ألن يحث ذاكرتك ، مثلاً ؟ ))
(( لاأظن ذلك ، على أي حال إذا كنت لا أستطيع أن أتذكر زوجي 00فكيف لي أن أتذكر إنسان آخر ؟!! قد أخبرتني أن أعز صديقة لي ، سوزان قد هاجرت إلى نيوزيلندة ))
حين أخبرها كايل أن سوزان ، التي شاركتها شقة صغيرة قبل أن تلتقي به ، لم تعد تعيش في انكلترا ، أصيبت ايف بصدمة 000فقد كانت تأمل أن يدور حديث بين امرأة وصديقتها ، ليطيعها نظرة داخلية على العلاقة التي تربطها برجل يدعي أنه زوجها 0
(( دع عنك الأمر أرجوك ، فأمامي ما يكفي لمواجهته الآن 00))
ظنت ايف أن كايل سيجادلها أكثر ، لكنه هز رأسه بصمت ثم توقف 0
(( هل تحتاج أية مساعدة ؟ ))
هز رأسه (( أعتقد أنني أستطيع تدبر الأمور ، وأن أسخن الحساء بنفسي ))
مع ذلك ، تقدمت ايف نحو المطبخ خلفه ، ثم راحت تتفحص خشب السنديان المتناسق برضا وإعجاب 0
(( المكان لطيف 00وعملي 00لكنه ليس فعال 00هل كنا نقيم حفلات كثيرة حين كنا متزوجين ؟ ))
والتقطت جزر من قصة سلطة محضرة وقضمتها 0
عبس كايل لاستخدامها صيغة الماضي ، لكنه أجاب وعيناه على وعاء الحساء الذي يحركه :
(( كنا نقيم دائماً حفلات عمل 000لكن مع الأصدقاء ، كان الأمر أكثر عفوية ، ولو أننا بالطبع ، كنا نرغب في قضاء الكثير من الوقت وحدنا 0
التفتت العينان الأبنوسيتان إلى وجه ايف بنظرة مؤثرة ، بحيث كادت ايف تختنق بالجزر الذي تأكله 0
سألت ، وهي تهدف أن تتلهى عن أفكارها 00وأفكاره :
(( ماذا سنتناول كطعام ؟ )9
(( حساء البقلة المائية ، سلمون وتوت العليق ))
هذا هو طعامها المفضل ، إذن ؟ لقد خطط للوجبة بحذر شديد 0 ومدت يدها اليسرى لتأخذ قطعة جزر أخرى 00فجأة تسمرت في مكانها وهي ترى أصبعها خالياً من أي خاتم ؟ فخطرت لها فكرة جديدة 0
(( أين هو خاتم الزواج ؟ ))
جمدت يد كايل وهي تمسك الملعقة الخشبية 000وأحست ايف بالتوتر يتصاعد في جسمه الطويل ، ويشد كل عضلة منه 00وفجأة أخذ الحساء يغلي ن فأطفأ النار ، ليتحرك ويصبه في قصعة محضرة 0
بعد أن أكمل مهمته ، تمتم بنبرة ناعمة تخالف ردة فعله الأولى ، فيما لا يزال يدير ظهره :
(( إنه معي ))
- معك ؟ لماذا ؟ وهل تركته هو الآخر ؟))
تمنت لو يستدير 00كان من الصعب جداً أن تتكلم معه وهي لا تستطيع أن ترى وجهه0
وضع القصعة على الصينية ن وهو يركز على عمله 00ثم قال :
(( لم ترتديه لبعض الوقت 00فهو لم يكن يناسب مقاس أصبعك تماماً ))
ثار فضول ايف :
(( لم يكن يناسبه ؟ كيف هذا ؟ ))
أخيراً استدار كايل ليواجهها ، لكن تعابير وجهه بدت حيادية 000
(( لقد سمنت قليلاً 00تعالي تناولي هذا ، فيما هو ساخن ))
حمل الصينية إلى غرفة الطعام وهو يتكلم ، من دون أن يترك لايف أي خيار سوى أن تلحق به ن لو أن وزنها ازداد هكذا ، فلا بد أنها خسرته مرة أخرى عنما وجدت نفسها في المقهى !!
سألها كايل فجأة فيما هي تتقدم إلى جانبه :
(( لماذا تسألين عن الخاتم ؟ هل تريدين استرجاعه ؟))
لم تستطع ايف التفكير بالجواب ، لم تكن المسألة مسألة خات ن وهي تعرف هذا 00
سألت مترددة (( وهل تريدني 00أن استرجعه ؟ ))
(( ياله من سؤال غبي !!))
وصفق كايل الصينية فوق الطاولة ، غير مهتم بالحساء فوق حافة القصعة ، ثم استدار إليها ونيران الغضب تشتعل في عينيه 0
كانت كل كلمة تطعنها كخنجر حاد :
(( وماذا تظنين أنك تفعلين هنا ؟ لماذا تظنين أنني جئت أبحث عنك أصلا ؟ لو لم أكن أريدك ، لتركتك ، ولسعدت برحيلك 00لكنني لم أفعل بل أمضيت الأسابيع الأخيرة أحاول استعادتك إلى حياتي 000))
(( لكن لماذا ؟ لماذا تريدني ان أعود ؟ ))
تراجع رأس كايل بحدة إلى الوراء ، وبدت عيناه عميقتين فارغتين بشكل غريب ، فاضطربت ايف حين أدركت أنه مرتبك للمرة الأولى 0
أخيراً قال : (( أنت زوجتي !!))
ردت ساخطة : (( زوجتك ؟ ومن تظن نفسك ؟ أنت لا تمتلكني 00أنا لست عبده !! ))
كان صوتها مرتجفاً دون أدنى شك ، وراحت تكافح لتخفي ردة فعل أكثر غموضاً 00فمع أنها تستنكر بغضب لهجة التملك في كلماته القاسية (( أنت زوجتي )) إلا أنها لا تستطيع أن تنكر الصدمة الكهربائية العنيفة التي سرت في جسمها ما إن أعلن هذا الرجل القوي أنه مصمم على المطالبة بها كزوجة له 0
(( لقد رأيت الوثيقة ))
اشتعلت عينا ايف بنار زرقاء ، فوق خدين أحمرين :
(( لقد ناقشنا هذا من قبل 00قطعة ورق لا تعني شيئاً من دون الالتزام العاطفي )
سألها بنعومة خطيرة : (( وأنت تظنين أن لا وجود لتورط عاطفي ؟ ))
لكن ايف لم تنتبه إلى الإنذار الذي لمحت إليه لهجته الناعمة المنذرة بالشر :
(( أنا لم أر أي شيء منه ! ))
وأحست أن بدنها يقشعر تحت تأثير لمساته 0
((إذن 00هذا ما تريدينه 00))
وتحرك نحوها ، ثم رفع يده إلى خدها ، خفيفة كلمة خيوط العنكبوت على وجهها ، وتمتم :
((أوه ايف 000أنت عمياء جداً 000لا تستطيعين رؤية ما يواجهك 000أيعقل أن تسأليني لماذا أريد عودتك ؟!! لكنك تعرفين الرد ، لقد قلت لك 00))
((لا 00لم تقل شيئاً 000))
(( أوه ايف 000لكنني قلت 00ليس حرفياً ربما 000لكن أردتك أن تعودي 000نحن رائعان معاً 00أنا وأنا زوجان سعيدان 000وما كان يجب أن نفترق ))
لكنه كان لا يزال يفي أشياء وأشياء ملحة ، فأحست ايف معها وكأن روحها تكاد تخرج من جسدها قال : (( دعيني أعلمك ايف كيف كنا 000وكيف يمكن أن نكون مجدداً ))
وفجأة أفاقت ايف من سباتها 0
لم يعد يهمها إن كانا متزوجين أو عاشا معاص لمدة ثلاث سنوات 000بدا الأمر بالنسبة لها ، وكأن شيئاً لم يكن 00كانت تحس وكأنها بريئة خائفة 0
(( لا 000))
أفلتت منها الهمسة الضعيفة ، كخيط رفيع 00لكن كايل التقطها وتصلب على الفور
سألها بنعومة : ( لا ؟ ))
لم تعرف أش إشارة ظهرت على وجهها ، لكن طغى على وجه كايل لون أسود ، وانعكس في عينيه لمعان محموم 0
قال بلهجة مختلفة : (( أوه 00لا ايف 000لقد فات الأوان لتغيري رأيك الآن 000لقد فات الأوان كثيراً 000))
( فات الوقت كثيراً 000)9ثم تمتم مرة أخرى
رفع رأسه ينظر إلى عينيها البنفسجيتين الواسعتين :
(( هكذا يجب أن نكون00ايف ! هكذا كنا ، وهكذا سنكون مجدداً 00وليذهب إلى 000الماضي 00من يدري ؟ ربما سينجح هذا حين لم ينجح أي شيء آخر ))
لكن ايف كانت قد تجاوزت مرحلة التركيز على كلامه 00أرادته أن يصمت 0
كانت عيناه تلمعان وهو يراقبها 00فأغمضت عيناها 000وفضلت أن تركز على مشاعرها 0
قال لها بصوت خشن :
(( لقد انتظرت طويلاً لهذا 00! طويلاً جداً 000و 000أوه 00أيف لا أستطيع الانتظار أكثر من هذا !!))
همست : (( إذن 000لا تنتظر ! أرجوك كايل 0000لا تنتظر 000)) عادت إلى وعيها ببطء شديد 0 وسكنت في حالة سبات ، وهي غير قادرة على الحركة أو التفكير 0 إلى جانبها تناهت إليها أنفاس كايل ، فأدارت رأسها نحوه لتراه مسترخياً 0
قال :
(( لعلك تتذكرين الآن ؟ ))
وفجأة رن صوته في نفسها حتى قطع مزاجها الحساس ، كما يقطع نصل السكين في الحرير 0
سألت هامسة :
(( ماذا تعني ؟ ))
وسمعت ضحكته المنخفضة :
(( أوه 00ايف 00حبيبة قلبي 00تعرفين تماماً ما أعني 00سألتك وطلبت منك أن تتذكري 00وتكسري الجدار الذي بنيته حول نفسك ، وتستيقظي من حالة ( الجمال النائم ) الذي كنت فيه منذ سنتين ))
(( تحاول أن تذكرني !1))
تصلبت ايف مصعوقة برعب ، وقد تدمر مزاجها المتكاسل تماماً 00وبات وجهها أصفر كوجه الأموات ، وأضرمت عيناها الزرقاوان بلون البانسيه الداكن ، كرباً 00وراحت تستعيد مجدداً كلمات كايل :
((00من يدري ؟ ربما سينجح هذا حين لم ينجح أي شيء آخر ))
تمسك الآلم بحنجرة ايف 000حتى كاد يخنقها فاضطرت إلى اخراج الكلمات بالقوة 0
(( كانت هذه تجربة !! هذا ما كان يشغل تفكيرك طوال الوقت 00بل لهذا جئت بي إلى هنا ؟!! إلى مكان لا يزعجنا فيه أحد ! كيف تمكنت من هذا ؟))
بدا القرف في صوتها 0 لكن كايل رد بلا مبالاة باردة :
(( كان هذا يستحق التجربة 000لا شيء غيره نجح ))
(( يستحق 000))
وخذلها صوتها 00فيما عيناها تحترقان بالدموع 00دونما رحمة ، أخمدت الدموع في مهدها وهي تصمم ألا تدع كايل يرى الجرح الرهيب 0
سألها كايل :
(( ماذا تفعلين ؟ !))
(( وماذا يبدو لك أنني أفعل ؟ أنا راحلة ، لا أطيق أن أبقى معك لحظة أطول ))
قال بسخرية :
(( حسن جداً 00نحن نبالغ في ردة فعلنا 00أليس كذلك؟ ))
فما كان منها إلا أن شدت أسنانها لتمنع رغبة متوحشة في ضربه 00
(( ايف 00لقد كنا معاً 000))
لكنها لم تستطع أن تتركه يكمل جملته بل ارتفع صوتها بحدة :
(( كنا معاً ؟ هذه تجربة بدم بارد 000))
(( حسناً جداً 00يبدو أنني أضعت جهودي سدى 00لم أنجح 00))
فجأة ابتسم بشكل صارم 00ولف عيناه لمعان مثير 00
(( لعلنا نحاول مرة أخرى ))
لم تستطع ايف أن تصدق قوله :
(( أبداً ))
أي نوع من الحيوانات هو ؟
(( لم تنجح 000لقد مررت بتجربة مهينة ، للاشيء !))
أكملت صائحة :
(( لكنها لن تتكرر ثانية !! أبداً 00هل تسمع ؟ ))
وأسرعت ايف إلى الباب ، ثم استدارت في اللحظة الأخيرة لترمي كلمات الوداع في وجهه البارد :
(( لكنني سأقول لك شيء 00سيد كايل جنسن 00إذا كان هذا النوع هو الزواج الذي كنته 00إذن لا يدهشني أنني تركتك !! ))
ومن دون أن تجرء على النظر إليه مرة أخرى ، ركضت تخرج من الغرفة وهي لا تفكر سوى بالخروج من الشقة ، لتختبئ في مكان مظلم حيث تستطيع أن تداوي جروحها بسلام0

aghatha 13-10-08 03:43 PM

wow its great ,plz dont keep us waitin and super merci pour tes efforts

فيفي و بس 14-10-08 07:38 AM

حلوة كتير كمليها بسرعة شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

nightmare 14-10-08 04:30 PM

7-لماذا تركتني ؟
أخذ المطر يصفق بقوة على نوافذ المقهى وأبوابه , أحست ايف بالطقس يعكس عليها تجهمه وكآبته فتنهدت ودفعت صحنها بعيدا عنها .. فهي لم ترغب في الشطيرة أصلا , كما أنها ليست جائعة أبدا .
لم يكن يفيدها الجلوس هنا بمفردها .. إنه العاشر من أيار , عيد ميلادها السابع والعشرين . لكن مزاجها كان كئيبا يائسا , كما كان بالضبط قبل سنتين . مع ذلك , افترضت أن عليها على الأقل أن تكون مسرورة لأنها تعرف موعد عيد ميلادها .. فمنذ سنتين , لم تكن تعرف هذا التفصيل الصغير حتى .منتديات ليلاس
"حيث الجهل نعمة, فالحماقة حكمة " من لا مكان أندس هذا القول في رأسها , فقطبت جبينها , وهي
تهز برأسها لتدفع عنها الفكرة المثيرة للاضطراب . هل كانت حقا أفضل حالا حين جهلت ماضيها ؟ بكل تأكيد , أمست حياتها عذابا منذ اقتحمها كايل ... لكن , أكانت أكثر سعادة لو بقيت جاهلة بقية حياتها , وهي تعرف أن ماضيها يناديها , ولا سبيل إلى العثور عليه؟ أهذا أسوأ مما لو علمت أن لها زوجا , وأنه جرحها بشكل رهيب كما فعل كايل يوم السب الفائت ؟
- حين قيل لي في المكتبة إن هذا يوم إجازتك , فكرت أنني سأجدك هنا .
تناهى إليها صوت ناعم مألوف تشوبه لكنه , فأفاقت من أفكارها فجأة , وأجفلت مثل قطعة مذعورة , حتى تطايرت المملحة أمامها ... فكرت آليا أن تنحني لتستردها , لكنها أدركت أن هذه الحركة قد تفسر الخوف ,
فتجنبت النظر إلى العينين البنيتين القاتمتين , وجمدت في وضع مرتبك ومتردد .
سألها كايل : " أليس من المفترض أن يكون هذا فألا سيئا ؟"
ثم وضع الفنجانين من القهوة على سطح الطاولة "الفورمايكا"... وهو ينظر إلى كومة الملح التي وقعت على السجادة .
- أليس من المفترض أن تعطي الشيطان الملح , أو شيء من هذا الكلام السخيف
- أنت تعني أن ترمي الملح من فوق كتفك ؟
ازدادت لهجنها حدة مع توترها الداخلي , والتسارع المضطرب لضربات قلبها , فانحنت لتلتقط أنبوب الملح , وهي تقاوم جاهدة لتمنع نفسها من السقوط .
لكن تفكيرها كان منصبا على ظهور كايل المفاجئ وكلماته : وهل يقف الشيطان وراءك ؟ لكنه الآن يقف أمامها , بشكله الطويل الأسود المؤثر . ما زال هذا الرجل يملك قدرة على التأثير بها , وعلى تفجير حياتها بكلمة .
وأضافت بسرعة : " هذا بالطبع إذا كنت غبيا وتؤمن بمثل هذه الخرافات " .
- طبعا .
أطبقت أسنانها بحدة بتأثير من سخريته , ترى , هل اكتشف بعضا من أفكارها ؟ هل هي شفافة إلى حد يتمكن فيه المرء من قراءة تعابير وجهها ؟
وأضاف : " هذا بالطبع , مالا تريدينه " .
- بكل الأكيد لا أريده ! اسمع .... هل ستجلس أم إنك تخطط للبقاء واقفا فوقي كالبرج طوال اليوم ؟
نظرت إلى عمق عينيه الأبنوسيتين , فتذكرت فجأة بعد فوات الأوان , أنها كانت تحب هذا الرجل . فولدت فيها الصدمة شعورا بالغثيان ... لابد أنها أحبته مرة ... لقد تزوجته ... لكن هل لا زالت تحبه ؟ كيف يمكن لها
أن تشعر نحوه بإحساس غير الازدراء , لاسيما بعد ما حدث في نهاية الأسبوع ؟
رد كايل بجفاء : " لم أكن واثقا أنني موضع ترحيب" .
وجذب كرسيا ليجلس عليه ... ثم دفع بفنجان قهوة نحوها : " هاك ... اعتقدت أنك ستحتاجين إليه .. تبدين مكتئبة الوجه ..."
منذ متى وهو يراقبها عبر الغرفة ؟
أحست فجأة , أنها كانت بحاجة إلى مثل هذا الدفء , بعد أن كانت تأنف من شرب القهوة وترتعش بردا .
- كيف عرفت أين تجدني ؟
ارتشف كايل قليلا من قهوته :
- ظننت أن الأمر واضح .. فعلى أي حال اليوم العاشر من أيار .. وهنا وجدت نفسك .. أوه على فكرة .. عيد ميلاد سعيد ايف.
وبأية طريقة يعني هذا ؟ هل يشير إلى عيد ميلادها الحقيقي , المدون على بطاقة التعريف ؟ أم إلى الذكرى السنوية لوجودها في هذا المطعم دون ماض تستطيع أن تتذكره ؟ من هذا المنطق , عمرها الآن سنتان وعشر دقائق ...
وحرقت الدموع عينيها , فرفتهما بقوة لترد الدموع ... سنتان وبضع دقائق .. هذا كل ما تعرفه , كل ما تستطيع أن تتذكره .. وهذا ليس بالكثير بالمقارنة مع سبع وعشرين سنه . فأجفلت بعصبية , قم تراجعت إلى الخلف بحدة , حين مد كايل يده عبر الطاولة .
لكنه تحرك فقط ليتفحص شطيرتها المهجورة .
- لست مندهشا أنك هجرتها .. يبدو أن طعمها يماثل هذه القهوة سوءا.
وأدركت ايف أنه يحاول البقاء على مسافة منها . كان يسيطر على مشاعره بقوة , حتى بدا لها قاسيا وباردا بشكل مخيف .
قالت : " إنها لا تفتح الشهية بكل تأكيد ......."
ارتفعت عيناه البنيتان إلى وجهها , وهما تسيران أغواره .. وكأنه يريد فعلا أن يدخل إلى ذهنها لينتزع منه أكثر الأفكار والمشاعر خصوصية .
- لكن .... هل نجح ؟
تمتمت من دون وعي , وصوتها بالكاد يسمع:
- لا .. انطلاقا من تجربتي .... كان فشلا ذريعا ... لكن , كما اعتقد , كان على أن أتوقع هذا في حين .
وأدركت متأخرة ما كانت على وشك أن تتفوه به .. وتركت عينيها تحيدان عن نظرته , إلى يديها المقبوضتين بقوة في حجرها
سأل كايل بنعومة : " في حين...؟ في حين ماذا يا ايف ؟"
أخذت نفسا عميقا مرتجفا , وأجبرت نفسها على أن تتكلم :
- حسن جدا ... بالكاد أعتقد أن هذا المقهى , والشطيرة الاصطناعية , وفنجان القهوة , كفيل بأن ينعش
ذاكرتي في حين .....
مرة أخرى خذلها صوتها , فأنهى لها كايل كلامها :
- في حين لم يفلح في هذا مغازلتي لك ؟
وكشفت لهجته مرة أخرى كم يسهل علية أن يقرأ تعابير وجهها .
ولم تستطع ايف سوى أن تهز رأسها إيجابيا بصمت . على أي حال , ماذا كانت تتوقع ؟ هل صدقت فعلا أن زيارة للمكان الذي وجدت فيه نفسها منذ سنتين , يشبه مفتاحا لباب مقفل , تستطيع أن تفتحه ببساطة , لتكتشف عن ماض يراه الجميع ؟ لقد عادت إلى المقهى مرات ومرات منذ أول مناسبة .... ولم تشعر يوما بأدنى رد فعل ... فلماذا قد يحدث هذا الآن ؟منتديات ليلاس
قال كايل : " كنت آمل هذا بكل تأكيد .. وكنت أود أن أعتقد أن تكون لعلاقتنا عليك تأثير يفوق تأثير هذا المكان .."
وصمت بحدة , ما إن رفعت ايف عينين بنفسجيتين قاتمتين إلى وجهه.
بدت نظرتها متألمة , ضبابية , تكاد تفضح مشاعرها ... ثم أنهى كلامه فجأة :
- لكنك لا تعرفين هذا .
يا إلهي ... هل حولت الشفقة عينيه السوداويين , إلى صفحة بحيرة في ضوء القمر ؟ أحست ايف أنها ضعيفة عاطفيا , فمجرد لمحة منه يمكن أن تنتزع منها القليل القليل المتبقي من دفاعاتها , وتتركها فريسة لـ ....
فريسة لماذا ؟ لتحرشات كايل ؟ هي تعرف حالها سلفا .. فمجرد التفكير بقبلاته وعناقه كان يبعث فيها رغبة أليمة .. ولو كانت تحتاج إلى المزيد من الإثبات , فإن ليلة السبت أثبتت لها أمورا تفوق أي شك ..
أثبتت مشاعرها , وكلمة " الحب " الخطيرة التي اعترفت بها بصمت مرتين اليوم
لقد اندست الكلمة إلى تفكيرها بسهولة بحيث لم تنتبه لها حتى وقت لاحق .
إذن .. أهي تقع في حب كايل مرة أخرى ؟ قاومت بيأس اندفاع قلبها إلى الإيجاب , وهي تعرف أن مثل
ردة الفعل هذه تزيد من اهتمام كايل بها .... وتدفعه إلى طرح أسئلة قد لا تتمكن من الرد عليها .
كانت المشكلة , أنها لا تعرف هل تقع في الحب مجددا .. أم للمرة الأولى , بالنسبة لها , شعرت وكأنها المرة الأولى ... لكن , ما من ذكريات لتقارنها بها .. حتى ولو كانت تملك مثل هذه الذكريات فماذا تقول ؟
افترضت أنها لو كانت زوجة كايل , لأحبته طبعا .
لو أنها أحبت كايل .. فيبقى دائما ذلك الواقع المرير أن ذلك الحب وفي مرحلة ما , قد مات .. أو هو على الأقل ضعف حتى هجرته .. وإلى أن تعرف لماذا حدث هذا , لن تسمح لنفسها بمزيد من المشاعر نحو كايل .. إذ كيف تستطيع أن تحبه وهي لا تعرف هل تثق به أم لا ؟
قال كايل فجأة : " ايف ... عن يوم الأحد..."
صاحت ايف بحدة : " لا أريد أن أتكلم عنه ! "
لكنها ناقضت نفسها على الفور , ولاحت خيوط الحزن في كلامها :
" لماذا فعلت ذلك ؟ لماذا ؟ "
كان رده جافا وبلا مشاعر: " ظننت أن الأمر واضح .. وأعذاري كانت محقة .."
- محقة ؟ هل تظن حقا أنك إذا ضغطت على الزر المناسب , ستحدث تأثيرا يعيد إلى ذاكرتي ؟ هل تظن أن غزلك لي كان تجربة لا تنسى ؟
قال من بين أسنان مشدودة : " كان علي أن أجرب .... "
لقد ضربت على وتر حساس هنا ... ولسعت كرامته الرجولية , حين أكدت له أن تأثيره الجسدي , اليوم
كما في الماضي , لم يكن يذكر .
وقالت بغضب : " هذه في الواقع تسمى الطريقة الباردة الدم , البراغماتية , أو الذرائعية , لمعالجة الأمور ... "
وصمتت فجأة , وقد صدمتها كلماتها , أو تعبير كايل , أو إحساس ما يلف الموقف برمته , وكأنه مألوف , ب
بشكل مثير لاضطراب .. لكنها تذكرت أنا رمت هذه الكلمات بالذات في وجهه في أول يوم سبت أمضياه معا , حين حاول أن يسير حياتها , حتى تتخلى عن عملها
- كان يمكن لهذا أن ينجح .
- ربما .. لكنه لم ينجح !
ولذعت دموع المرارة عيني ايف . ألان كايل استغلها بقوة أم لأنه فشل في تحطيم الجدار الذي يفصلها عن ذكرياتها ؟ على أي حال , ها قد عادت من حيث بدأت . لم تجرؤ على النظر إلى كايل خوفا من أن تفضح مشاعرها , فما كان منها إلا أن مدت يدها إلى قهوتها وارتشفتها .
لدهشتها , كسر كايل الصمت :
- قولي لي شيئا .. حين التقينا أول مرة , أعني المرة الثانية , أردت معرفة الكثير .. وكانت الأسئلة تتدفق من دون توقف ... أما الآن , وفجأة , فقد جف نبع الأسئلة ... لماذا ؟ بالكاد قلت لك شيئا .. لكنك لم تعودي راغبة في معرفة أي معلومة .
- ولو أنني فقدت ذاكرتي ...
- إذا فقدت ذاكرتك !
انفجرت ايف في وجهه , من دون أن تهتم بالنظرات الفضولية التي التفتت إليها من الطاولات الأخرى : "إذا ! "
هاهو موجود مره أخرى .. ذلك الشك في صوته , ذلك التلميح إلى أنه ما زال لا يصدقها فعلا .. إذن , طيلة هذا الوقت كان يدعي أنه يصدقها لا أكثر .. أحست ايف بشرارة تلتهب فيها .
- دعني أقول لك شيئا سيد كايل جنسن .. أيها العالم بكل الأمور ...!
"إذا" فقدت ذاكرتك , فلن تتمكن من التفكير على هذا النحو .. في البداية, اعتقدت أنني أريد أن أعرف .. أردت أن أعرف أي شيء تستطيع أن تحدثني عنه , لكنك لم تستطع الرد على سؤال واحد , هو كل ما أحتاج إلى سماعه . بعدها , يمكن أن أبقيك معي طوال اليوم , ليل نهرا , لترد على أسئلتي ...
لكن هذا لم يكن السبب الوحيد ...
تدخل كايل فيما هي تقاوم لتستعيد رباطة جأشها : " لكن .. أما من "لكن " ؟ "
انفجرت ايف :
- أنت على حق تماما . هناك " لكن!" المشكلة .
وصمتت ... وهي ترى عبوسه السريع , حاولت أن تخفض من وتيرة صوتها الذي جذب مجددا اهتمام الحضور .
- المشكلة , أن ما من كلمة قلتها , تعني لي شيئا .
قطب مجددا , فانضم حاجباه الأسودان معا , حتى هددا قدرتها على المتابعة . لكنها ابتلعت ريقها بقوة وهي تجبر نفسها على الكلام .
- طرحت الأسئلة .. وأجبني عليها .. لكن كلها لم تعن شيئا .. لم تكن حقيقية ....
لكن هذا حدث لأنها لم تستطع إجبار نفسها على طرح السؤال الأهم .. سؤال يحرق تفكيرها بقوة , سؤال يرفض أن يتشكل على لسانها , مهما حاولت جاهده أن تتلفظ الكلمات ؟ كايل الآن هنا .. يجلس قبالتها ويعرف كل أسرار زواجهما , وبعرف لماذا هجرته . وما عليها سوى أن تسأله .. إنه سؤال صغير ,
مع ذلك , كانت تشعر أنه حاجز يجب أن تتغلب عليه ...
سألها بحده :" هل تلمحين إلى أنني كنت أكذب ؟ "
لكنها , ويا للغرابة لم تفكر فعلا , وبجدية , بـأنه يكذب عليها . وهي في هذه النقطة بالذات , على الأقل , تثق به .
قالت متسرعة :
- لا .. ليس الأمر هكذا . لكن يمكن للمسألة أن تكون قصة خرافية ...
خيال محض . وكأنك تروي لي قصة عن شخص آخر .. لكنني أعرف أنها ليست عن امرأة أخرى .. إنها عني .. وإذا سمعت قصة واحدة بعد عن الناس الذين يفترض أنني عرفتهم , عن التصرفات التي يمكن أنني أقدمت عليها .. سأصرخ .
- أليس من الأفضل أن تتحققي من المسألة ؟
رفعت ايف رأسها بحدة بتأثير من سؤاله السريع .. واتسعت العينان بلون " البانسيه " صدمة و ارتيابا وهي تقطب بارتباك .
وما لبثت أن سألت مرتجفة : " أتحقق ؟ كيف .. ماذا.. ؟ "
مال كايل إلى الأمام وأمسك يدها , فيما أصابعه القوية تطبق عليها بحزم , ثم راح ينظر إلى باطن كفها , وكأنه قارئ طالع , و تساءلت ايف :
هل كان ما حدث صدفة في لا وعيها , أم أن قبضته تركزت متعمدة على أصبعها الرابع , خاتم الزواج المفقود ؟ بالتأكيد , يريد أن يوقظ صدى ما في ذاكرتها ! وكم تمنت ايف لو يحدث هذا .
قال كايل بصوت خشن أجش وكأنه يجد صعوبة في الكلام :
- حين وجدتك مرة أخرى , حين قلت إنك فقدت ذاكرتك .. قررت أنه من الأفضل أن أستشير أخصائيا .
هزت ايف رأسها بتفهم صامت .. مع ذلك , لم يستطع كايل أن يرى الإيماءة لاسيما وأن عيناه لم تفارقا يدها .
- قال لي إن أمامي خياران .. إما أن آخذ الأمور بتروي .. وأتعرف إليك مجددا .. فتعود الذكريات إليك تدريجيا .. و تتهاوى الحواجز التي وضعتها بينك وبين ماضيك , أيا كانت ...
اهتز صوت ايف بإحساس مربك : " والطريقة الأخرى ؟".
- وإما أن أحاول إجبارك على التذكر .. فأصطحبك إلى أماكن تعرفينها ... وأواجهك بأشخاص كنت تعرفينهم في الماضي .
- كما حاولت أن تفعل يوم الأحد ؟
تكلمت باندفاع قبل أن تجد الوقت لتفكر .. فذكرى تلك الليلة لا تزال تلسعها بمرارة , والألم الذي تسببه لها كان لا يزال فجا .
بد أن كايل يملك الأدب الكافي ليظهر خجله :
- آه .. لم ينجح هذا كما خططت له . لقد أسأت الحساب ...
بدت هذه الطريقة مؤدية لوصف ما حصل . كان يمكنها أن تعارضه , فتؤكد أن أفعاله محسوبة تماما لا بل إنه احتسب استجابتها حتى أدق التفاصيل .
أم أن ذلك غير صحيح ؟ فجأة , تذكرت نفسها خلال الأسابيع الماضية , وقد واظبت على الاقتراح على كايل ليصطحبها إلى شقته أو إلى المكتب حيث عملت , لكن كايل رفض ...
أغمضت ايف عينيها لحظة , وقد صدمت حين رأت الأمور من منظار آخر , منظاره هو . وأحست أنها تفقد توازنها فكريا .. هل كانت أنانية أكثر من اللازم منذ البداية ؟ على أية حال , لو كانت في حال من الارتباك العاطفي , فما كان إحساس كايل ؟ وإن كان يصعب عليها أن تتقبله كزوج , فما باله بزوجة لم تعد تعرفه .. وجه إليها ضميرها طعنة حادة فراحت تتململ في مكانها بانزعاج .. لعلها تحتاج إلى إعادة التفكير .
قالت ببطء :" ألهذا لم تقترح أن ألتقي بوالديك مجددا ؟".
- بل لأنك كنت تبدين دائما خائفة من مقابلة أي شخص عرفته من قبل .
- ما كنت سأعرف ماذا سأقول .. كفاني ما أعانيه من صعوبة معك ....
يجب أن تفهم ....
هنا , ارتسمت تقطيبه على وجهه فتوقفت عن الكلام .. بالطبع يفهم , ووبخت نفسها . ألم يختر ألطف طريقة اقترحها عليه الأخصائي .. الطريقة البطيئة , حتى ولو كانت تسبب له المزيد من الإحباط والصعوبة ؟
لكن , إذا كانت هذه هي الحال , فكيف تفسر إذن تصرفه معها ليلة الأحد ؟ هل كان تصرف رجل بارد القلب , قاس .. أم زوج أراد بشدة أن يستعيد زوجته , حتى أنه كان على استعداد أن يجرب أي شيء
على الإطلاق ؟
قالت :" أنا آسفة .. كنت .. خائفة " .
- خائفة من ماذا ؟
جاء رده بطيئا .. بدأ أن شيئا ما جذب عينيه إلى الزاوية البعيدة من الغرفة .. وقام بجهد واضح لإعادة اهتمامه إليها .
قالت : " هذا لأنك كنت تشعر بالخجل ربما ..." .
- منك ؟ لا يعقل أن تظني ....
بدت في صوته نبرة غريبة وكأنه لا يصدقها .
بالرغم عنه , ابتعدت نظراته عنها مجددا .. حاولت ايف أن تختلس النظر إلى الوراء .. رأت شخصين فقط في تلك الزاوية من المقهى .. امرأة شابة وابنها , طفل , ربما في الثالثة من عمره .. بشعر أسود طويل ووجه أبيض شاحب بيضاوي الشكل .. أما الأم فجميلة جدا , لذا , لم يكن مدهشا أن تنجذب عينا كايل إلها .. لكن كان لرؤية الاثنين تأثير مختلف عليها .. ولسبب مجهول , غمرها فجأة إحساس من الوحشة الرهيبة .. إحساس ضائع وبائس كما حدث لها منذ سنتين .. حتى أنها وجدت صعوبة في الكلام . لكنها قالت : " إذن , كان تأثيري هو السبب ؟ ".
- طبعا .
هذه المرة , بدأ صوته مختلفا جدا , كان حاد بارد وكأنه يستنفذ كل الدفء من جسم ايف , حتى راحت ترتجف دون إرادة منها .. ولم يبد أن كايل لاحظ ردة فعلها , بل كان ضائعا في التفكير .
ما الذي أحدث فيه هذا التغير المفاجئ ؟ ألقت نظرة سريعة أخرى إلى المرأة في الزاوية , فعادت إليها تلك الغيرة الطاعنة مجددا .. بالكاد مرت ستة أسابيع منذ التقاها مرة أخرى .. وثلاثة أيام منذ كانت معه ف
في شقته . هل بدأ اهتمامه يتحول مجددا ؟ وبألم عميق , تذكرت أن كايل لم يقل يوما إنه يحبها حين أتى يبحث عنها . لم يطلب منها العودة إلا لأنهما كانا يؤلفان زوجا بالمعنى الجسدي طبعا .. وأحست بأحشائها تحترق في عقدة خوف مؤلمة , لكن , أهذا كل ما أريده ؟ أيريد كايل زوجا فحسب أم شريكا راغبا حساسا يربطه بعلاقة جسدية مرضية ؟ وماذا لو لم تعطه ذلك الاكتفاء الجسدي , فهل سيبقى راغبا فيها أم أنه
سيهجرها إلى الأبد ؟
اشتد توتر كايل حتى لفت نظرها , كان ينقر أصابعه دونما هوادة على الطاولة , فيما قلبها يعتصر بألم وهي ترى نظرته منصبة على الجمال الأسود الشعر في الزاوية , بالرغم من جهده الواضح ليظهر عكس هذا .. لن تستطيع الاستمرار هكذا , وقررت أن تطلب الحقيقة .
سألت :" كايل ... ما شعورك نحوي ؟".
وعلى الفور تمنت لو أنها لم تسأله لاسيما بعد أن غرقت كلماتها في بحيرة من الصمت المصدوم . وإذا برأس كايل يتراجع إلى الوراء , فيما عيناه الأبنوسيتان ترتدان إلى وجهها بصدمة .
تمكن من التفوه بصوت أجش وخشن وكأنه يخرج من حنجرة متألمة جافة :" ماذا
وفكرت ايف بسخرية مريرة : حسن جدا , على الأقل استعدت اهتمامه .. ولم تعرف هل تملك الجرأة لطرح السؤال مجددا .. لقد أفلتت منها الكلمات في المرة الأولى , في وقت لم يكن فيه كايل ينظر إليها مباشرة كما يفعل الآن ... وابتلعت ريقها بقوة , وهي تستدعي كل قوتها الداخلية كي تنظر إلى العينين القاتمتين .
- أنا ... حين كنا معا .. قبل .. كيف كنت تشعر نحوي ؟
- يا إلهي !
كانت صرخت التعجب متوحشة تخترق الجو .. فأجفلت إلى الوراء بتأثير العنف في لهجة كايل ولو أنه بالكاد همس قائلا :
- ما نوع هذا السؤال ؟ وماذا تظنين شعوري نحوك ؟ لقد أحببتك .
اللعنة عليك ! وهل يمكن أن ...
وصمت فجأة . واتضح أنه غير قادر على إكمال كلامه , وما لبث أن أخذ يهز رأسه غير مصدق .
لقد شاهدت هذه النظرة على وجهه من قبل , شاهدتها يوم أخذ التوأم إلى متحف الشمع , حين سألته إن كان يرغب في إنجاب الأولاد .
- لازلت لا تثقين بي ... أليس كذلك ؟
سرت لهجة كايل في أعصابها الحساسة , وملأتها بإحساس الخوف رهيب .. وأحست أنها أقدمت على ذنب مريع .
- لم أكن أعرف .
يا إلهي كم أصبحت تكره هذه الكلمات , لكنها الوحيدة التي تستطيع استخدامها :
- لا أعرف بماذا أفكر .. هل أستطيع أن أثق بك ؟ هل يجب أن أثق بك ؟ هل تصدقني ؟ أنت لم تصدقني في البداية أليس كذلك ؟
صدمتها ردة فعل كايل , إذا ابتعدت عيناه القاتمتان عنها , وانصبتا على الطاولة ... فيما اشتدت قبضته على الملعقة حتى أنها توقعت أن تراها مكسورة إلى نصفين .
قال بنعومة بالكاد سمعتها : " لا "
- ماذا قلت ؟
ارتفع رأسه مرة أخرى , فيما عيناه المتحجرتان الخاليتان من أي تعبير , فقال مكررا: "لا"
ولم تستطيع ايف أن تعرف هل كانت صرخة غضب أم نوع غريب من الدفاع عن النفس , أما هو , فأكمل :
- حسن جدا .. وهل كنت ستصدقينني ؟ كنا معا لما يقارب الثلاث سنوات .. ثم خرجت من حياتي من دون

أي تفسير , وتركت مذكرة تقول ببساطة , ألا أبحث عنك ؟
عادت مخاوف ايف تبرز فجأة .. إذا كنت قد أوصته بعدم البحث عنها .. فهي إذن , لم ترغب لزواجهما في الاستمرار ..
- وهل فعلت هذا ؟
هز كايل رأسه , وقد تجهم وجهه :
- وقلت أيضا , إنك لو التقيتني مرة أخرى فلن تتعرفي إلي . كانت كلاماتك بالضبط :" لو رأيتك فلن

أعرفك " ... لذا حين لم تتعرفي إلي ...
- ظننتني أتظاهر ..
وهز كايل رأسه مجددا ..
- لكن , حين أغمي عليك أدركت أن في الأمر سوء تفاهم ... وشرح لي جيم الأمور .. ثم أخبرتني قصتك ... لكنني بقيت غير واثق .. لهذا أردتك أن تتركي عملك , وأن تدعيني أعيلك ... بهذه الطريقة , سأملك نوعا من السيطرة عليك .
لكن , لماذا أردت إشعال العلاقة بينهما من جديد ؟ فعلى أي حال , لقد قال إنه أحبها يوما .. لكن هذا كان منذ سنتين .. قال " لقد أحببتك " مستخدما صيغة الماضي . أما هذه المرة , و خلال الأسابيع الستة التي أمضياها معا , فهو لم يتكلم مرة عن أية مشاعر ماعدا الرغبة .
بدأت مترددة : " كايل .. لماذا تركتك ؟ "
إزاء ذعرها الكامل , ارتفعت كتفا كايل بحركة رافضة : " أخبريني عن السبب "
- أتعني أنك لا تعرف ؟
انسدلت رموشه السوداء الطويلة عن عينيه لحظات ثم ارتفعتا لينظر إلى وجهها بعمق .
- واجهتنا بعض المشاكل .. لكن لم أعتقد يوما أنها ستؤدي إلى هجرانك .
وفيما هو يفرقع بأصابعه طلبا للنادل , اختلست ايف نظرة إلى وجهه لبرهة , فالتقطت لمحة عن شعوره يوم اكتشف أنها رحلت ؟ لكنها كانت برهة واحدة فقط .. وقبل أن تستطيع الرد , عاد القناع المتصلب إلى مكانه , وعاد تعبير وجهه إلى الفراغ الذي لا يكشف شيئا .
التوى فم كايل بما يشبه الابتسامة , فأجفلت ايف فيما أكمل :
- لم تذكري يوما كلمة عن رحيلك .. أما ما حصل فأشبه بسيناريو كلاسيكي .. عدت إلى المنزل لأجد مذكرة على رف المدفئة . حتى أنك لم تأخذي معك حقيبة ولا ثياب غير التي كنت ترتدينها . لا بل إنني وجدت حقيبة بدك لا تزال في غرفة النوم .
أخذ رأس ايف يدور بجنون .. لقد كانت تتساءل عن مشاعرها نحو كايل , ومشاعرها نحوها , وهي تعتقد منذ البداية أن زواجهما تحطم بسببه , لكنه يقول الآن أنها هي من اتخذ المبادرة .. لا بل إنه يجهل سبب

رحيلها .
أيعقل أنها لم تعطه أي تفسير ؟ ترى , لماذا تصرفت هكذا ؟ ما الذي دفعها إلى هذه الخطوة ؟ إنها بحاجة شديدة لمعرفة الرد على هذه الأسئلة ....
قبل أن يتوقف كايل عن الكلام .. وقبل أن يترك القناع يهبط عن وجهه , ليكشف عن شعوره منذ سنتين , كانت تعرف , بشكل نهائي , أنها الآن تحبه , بغض النظر عن إحساسها في الماضي .. وتحبه بكل جوارحها .

لكن هذا الحب مبني على أسس مشكوك فيها ... أنها تعرف كايل .. وتعرف نفسها , في الوقت الحاضر . أما عن الماضي , فتجهل كل شيء .. وإلى أن تعرف الحقيقة , لن تستطيع الإفصاح عن حبها , أو منح كايل أي دليل عنه.. وما لم تكتشف بالضبط لماذا تركته , لن تستطيع أن تثق أن هذا لن يحدث مرة أخرى .. لكن كيف السبيل لمعرفة ما حدث , وكايل نفسه لن يستطيع مساعدتها ؟ أتبقى الحقيقة حبيسة في ذاكرتها المفقودة ؟ والغريب , أن ما من امرئ قادر على إطلاقها إلا هي نفسها .
قالت ببطء : " حين فقدت ذاكرتي .. أحسست في البداية وكأنني أنظر إلى مرآة لا أرى فيها إلا نفسي , من دون أي شيء أخر ... وظننت نفسي واضحة جدا , لكن من دون ما يحيط بي . أما الآن فأنا أتساءل هل رأيت نفسي حقا في المرآة , أم أنها في الواقع مرآة محرفة كتلك التي نراها في مدينة الألعاب ".
باتت الآن تشعر أنها أسوأ حالا مما كانت عليه في البداية , يوم وجدت نفسها في هذا المقهى منذ سنتين .. على الأقل , يومها , كانت تملك بعض الإيمان بنفسها ... أما الآن , وهي تقرأ أعمالها الماضية في عيني كايل , فقد بدأت تتساءل , أي نوع من الأشخاص كانت .
- كايل .. بالنسبة للطريقتين اللتين اقترحهما الطبيب للتعامل مع الموقف .. حتى الآن اتبعت نصائحه وأخذت الأمور بروية .. لكن هذا لم ينجح .. أليس كذلك ؟ نحن لم نقترب بعد من معرفة ما حدث حقا , أكثر مما كنا منذ ستة أسابيع .
- هل تقترحين أن ننفذ الطريقة الثانية .. أي أن نحاول فرض الأشياء بقوة ؟

ما إن سمعته يترجم أفكارها بكلمات , حتى التقطت نبرة الشك في صوته .. وأحست بارتباكها يتبخر , ورجفة باردة تسري في ظهرها ...
سألت بحدة :" أما من حل آخر يقدم عليه الأطباء ؟ أوه ... لماذا لا يساعدوني ؟ "
تركزت عيناه على وجهها , ومال جسمه النحيل إليها .. فيما همس قائلا : " هل شاهدت يوميا مسرحية " ماكبث " , أو قرأتها ؟"
هزت ايف رأسها بارتباك ... وهي تتساءل لماذا يتحدث عن " شكسبير" الآن .
- لا شيء محدد فيها ....
- حسن جدا ... في المسرحية مشهد جنت فيه " اللايدي ماكبث " .
وسأل " ماكبث " الطبيب :
ألا تستطيع السيطرة على مرض عقلي ....
ألا تنتزع من الذاكرة حزنا متجذرا ؟
أجفلت ايف داخليا .. هذا ما تمناه بالضبط .. لكن المشكلة أن لا فكرة لديها عن الحزن الذي تجذر في ذهنها ليسبب لها فقدان الذاكرة , ولهذا تراها تخشى العواقب المحتملة وراء الحقيقة ... فهل سيكون حبها الذي اكتشفته حديثا , قويا بما يكفي ليخوض هذه التجربة ؟
كان كايل لا يزال يراقبها عن كثب ... فزحف الخوف إليها , وهي تدرك أنه لم ينه كلامه بعد .

وتابع كايل حين رأى أنه استعاد اهتمامها : " كان الرد على هذا النحو : الحزن علة , على المريض استئصالها بنفسه " .
التركيز على الكلمات الأخيرة لم يترك لايف مجالا للشك بأهمية كلمات كايل , وتملكها الذعر , حتى ارتجفت كلماتها بضعف:
- أنت تعني ... أوه لا ... لا أستطيع ....
قست ملامح كايل , وبدت عيناه باردتين مخيفتين , لكن قساوة لهجته أعلمته أنها مهما تقبلت , فلن يتركها تفلت منه هذه المرة.
- أعرف أنك لا تتذكرين كيف كنت .. لكني أتذكر ... والشعور الوحيد الذي لم تشعري به قط .. هو الجبن ...
إذا كان ينوي أن يستفزها لتتخذ قرارا فقد اختار الطريقة الصحيحة .
وتمكنت من القول بارتجاف :
- ماذا تريدني أن أفعل ؟ قلت إنك بعت البيت القديم ... لكن لو ذهبت معك إلى مكتبك , أو ...

وصمتت بدهشة وهو يهز رأسه : " ليس إلى المكتب .. ونحن لم نعش معا في لندن , يجب أن نذهب إلى " نورفولك" .
سألت ايف والدهشة تسيطر على صوتها :
- نورفولك ؟ ما دخل نورفولك في كل هذا ؟
- لقد اشتريت منزلا هناك قبل أن ألتقي بك مباشرة ... ولطالما أحببته , حتى كان منزلنا حين تزوجنا .
ومرت سحابة قاتمة على وجهه : " حين تركتني .. كان هذا من هناك " .
توقف كايل عن الكلام , ونظر بصمت إلى وجه ايف .. فبعث نظراته الصارمة الرجفة في عروقها , وهي تخشى مما قامت بتحريره .
- إذا كنت حقا تريدين معرفة ما حدث ..
بدت لهجته مثيرة لاضطراب , لكن ايف كانت تعرف أنها وصلت نقطة اللاعودة , فما من تراجع الآن . وهزت رأسها موافقة بصمت .
- في مكان ما من رحلتك من ذلك المنزل إلى هنا , فقدت الذاكرة ...
الطريقة الوحيدة لاستعادتها , هي أن تعودي إلى البداية ..
-8- لا اريد ان اتذكر
- نكاد ان نصل .
ايقظت كلمات كايل ايف من الغفوة التي غطت فيها , فاستقامت في مقعدها وهي تنظر الى الخارج نحو الريف بمزيج من الفضول والارتباك ....بعد برهة قصيرة من الزمن , ستلمح المنزل الذي هربت منه سنتين للمرة الاولى .
ترى , هل يشاركها كايل خوفها المفاجيء وهواجسها , والتوتر الذي يستبد بها ؟ لو فعل , فهو بالتاكيد لا يبدى شيئا .. كان جسمه الطويل مسترخيا في المقعد .وانتباهه منصب بحزم على الطريق امامه.
لكن , ربما كان يبالغ في التركيز على تلك الطريق الريفية الذي يسلكانها .... فهما لم يقابلا اي حركة سير حقيقية , منذ "نوريتش " حيث توقفا للغداء ... ولا سبب يدعو كايل ليتمسك بالمقود بشدة , حتى يكاد بياض اصابعه يفضح المشاعر التي لم يبديها .
سالت :"هل تشعر مثلي بالتوتر ؟"
قال معترفا :" انه موقف فريد من نوعه ".
كان صوته يلامس الضحك , فاحست ايف انه تفهمه , فالمشاعرذاتها تتملكها منذ خروجهما من لندن , في وقت مبكر من ذلك الصباح .
" اعرف ماذا تعني ... لقد ودعنا دايان وتيم والتوام ... وكاننا ذاهبان لقضاء شهرالعسل .. كل ما كان ينقص هو باقة الزهر , والاوراق الملونة و" اليونيون " ليتكمل الموقف .
واهتز صوت ايف في اخر كلماتها ... واستعادت شعور الهستيريا الذي هاجمها بينما غادرا منزل صديقتها.
حين اخبرت دايان انها ستاخذ فرصة اسبوع كي تقيم في المنزل في "نورفولك " ابتهجت الصديقة .
دخلت دايان غرفة ايف بينما هي ترتب حقيبتها , قبل وقت قصير من وصول كايل , وقالت :
- انا واثقة انك سمتضين اوقاتا ممتعة .. ومن يعلم ؟ قد يساعدك على استعادة الذكريات .
وهي لم توافق على المضي بهذه التجربة الا لهذا السبب بالذات , فلماذا اذن تشعر الان بالخوف البائس , و التردد الكبير لاقدامها بهذه الخطوة ؟
- اوه , يا الهي ..دي , هل افعل الصواب ؟
- ايفي حبي ... ما الامر ؟ انت لست خائفة من كايل بالتاكيد ؟
ليس من كايل نفسه , بل مما قد تكشفه عنه , ظهر ردها في اعماق افكارها لكنها عجزت عن ترجمته بالكلمات ... وفي النهاية لم تستطع سوى ان تهز راسها .
- لا .. ليس في الواقع .
وصرفت دايان النظر عن هذا القلق بقناعة حسدتها عليها ايف بعمق .
- بالطبع لا ... انت مجنونة بحبه .
ذهلت ايف بمجرد التفكير بان مشاعرها شفافة الى هذا الحد :"وهل يظهر علي ذلك ؟"
ماذا لو ادرك كايل ايضا مشاعرها نحوه ؟
ردت دايان :" هذا يظهر فقط لمن يعرفك مثلي , على اي حال صغيرتي لقد عشنا معا لسنتين ...واذا كان من امرى يعرفك , فهو انا بالتاكيد !"
لكن هذا لم يبعث في ايف الراحة الكاملة , لقد قضت مع كالي وقتا يزيد عما قضته مع عائلة بينيت هنا ..تابعت دايان بلهفة :" انت تحبينه .. اليس كذلك ؟"
- كما قلت ... انا مجنونه بحبه .
- ولماذا اذن تقفين مضطربة مترددة هنا ؟
ابقت دايان يدها طوال الوقت وراء ظهرها , ثم اخرجتها من مخبئها وقدمت لايف بحماسة لفافة جميلة .
- هذه هدية صغيرة مني ومن جيم حتى تمضى العطلة بنجاح . لا تفتحيها الا حين تكونا وحدكما ... اعتقد انها ستعجبكما معا ....
وضحكت ضحكة خفيفة , وهي تمازح ايف , وابتسامة خبيثة على فمها .
- ... بما ان القدر لطيف , ليقدم لك زوجا مثل كايل , فمن الافضل ان تستفيدي من الفرصة ! اعتبري الامر بداية شهر عسل ثاني .
لكن المضحك المبكي ان ايف لن تستطع التمتع بشهر عسل ثان , فيما هي لا تستطع ان تتذكر الاول فعلا .. حتى لو تزوجا للتو , فمن غير المحتمل ان تعلم عن كايل اكثر مما تعلمه الان .
- ها قد وصلنا .
استدركت ايف فجاءة وعادت الى الحاضر ,واذا
بها تلاحظ ان كايل قد انحرف عن الطريق , فيما هي مستغرقة في افكارها ودخل في طريق داخلية اوصلتهما الى منزل كبير انيق , جدرانه الحجرية صفراء الشاحبة تتوهج بدفء شمس بعد الظهر .
اذن , هنا امضت معظم الوقت مع كايل ... وارتج قلب ايف , فتسارعت نبضاته في غير راحة او استقرار . ثم نظرت حولها بحثا عن دليل ما , اي دليل يمكن ان تتعرف اليه .
كان منزلا جميلا ... له جو دافىء مرحب ....بدت معظم واجهته الانيقة الجورجية الطراز قد زينت بالعرائش المزهرة , والنوافذ العريضة النائية فوق الدرجات الحجرية , كانت تلك النوافذ تقود الى الباب الرئيسي , ولاحظت الى يسار المبنى بيتا زجاجيا ضخما , كان ليبدو رائعا وهو ملي بالنباتات , لكنه الان كئيب قليلا , وكأن احدا لم يعتن به من مدة .
هل اهمل كايل المكان بعد ان هجرته ؟ بالطبع , لا بد من انه انشغل بعمله في امريكا في اكثر الوقت , كما تذكرت انه قال لها ان اباه ولاه امر الشركة , كمدير اداري لها . وربما تحول الى كراهية المكان بعد رحيلها , على اي حال . لقد تركت الرسالة في غرفة ما في هذا المنزل , الرسالة التي طلبت منه الا يبحث عنها . توقعت ان تكون صورة هذا المنزل واضحة جدا في ذهنها ..ولكن وبخيبة امل موحشة , وجدت ان المنظر لم يرجع فيها اي صدى على الاطلاق .
صاحت بياس واحباط :"اوه .... لماذا لا اتذكر ؟"
تبخرت اللهفة التي بها خرجت من السيارة , بسرعة لتتركها اسيرة البرد والهزيمة .
- لم لا ... اوه !

صمتت بشهقة مصدومة وارتباك حين التقطت عيناها لوحة الاسم النحاسية المثبتة الى جانب الباب .
همست مرتجفة :
- منزل مونتاغوي ! مونتاغوي ... اذن لم يكن اسم العنبر ؟
- هذا ما يبدو .
كان كايل يراقبها عن كثب , وعيناه تلتقطان كل تغيير عابر على وجهها ... لطالما عرف ذلك اذن , لكنه تعمد ابقاءه سرا كي يكون لاسم المنزل التأثير الاكثر قوة .
- يبدو ان اسم مونتاغوي قد اصاب وترا ما في نفسي .
الانها كانت سعيدة هنا , ام لانها كرهت العيش في هذا المنزل , وارادت الابتعاد عن كايل ؟
وخشيت ايف ان تعترف , حتى لنفسها , كم صلت لئلا يكون الجواب الاخير .... ثم نظرت الى المنزل الجميل المبهج تحت اشعة الشمس .
قالت ببط :"يبدو مكانا وديا ... اتظنني كنت سعيدة هنا ؟ كايل ؟"
ولما لم يرد قالت :" كايل ؟"
- لست ادري .
بدا وكان كايل يجاهد ليعود الى الحاضر ليرد على سؤالها .. بماذا كان يفكر ؟ هل كانت افكاره ترتحل نحو الايام الماضية قبل سنتين , حين عاشا هنا معا ؟ لو انها تستطع ان تقرا افكاره , وتشاركه ذكرياته .
قال بصراحة"بدوت لي سعيدة ... باستثناء طبعا ......"
فجاءة قطع كلامه واستدار الى السيارة :" ساحضر حقيبتك !"
- كايل ......................
امسكت ايف بذراعه , ونظرت الى وجهه , لترى الخطوط العميقة في ملامحه , والظلال في اسفل عينيه , كانت اشعة الشمس البراقة تكشف انه لم ينم جيدا منذ اسابيع .... فاصيبت ايف بمزيج من الرعب والصدمة .
- باستنثاء ماذا ؟
- باستنثناء النهاية .
كان رده حادا , مصحوبا بحركة غاضبة خشنة من ذراعه .
- كما قلت لك .... كنا نمر بازمة صغيرة , ولم تكلميني لايام ... لم يكن هذا عجيبا , لا سيما بعد ان عرفت انك تخططين لتركي .
لماذا احست ان هذا لم يكن مقصده اصلا ؟ لكنها لم تجرو على السؤال ... فقد كان تعبير كايل غامضا في عينيها ... بدا وجهه وكانه منحوت من رخام صلب .... اما هي فاحست ان اي سؤال عفوي , يشابه القاء عود ثقاب في مجموعة من الالعاب النارية .
- اندخل ؟
كانت لهجته متوترة , تفتقد لسيطرته الناعمة التي اعتادتها , ودس المفتاح في القفل وكانه يتمنى لو انه سكين يطعن به عدوه اللدود .
- ربما تتعرفين الى ذكرى ما في الداخل .
ما ان اصبحا في الردهة المكسوة بالخشب المصقول , حتى الحقائب من دون اكتراث فوق البلاط الموشح . ثم فتح الباب الاقرب وهو يتجنب عينيها .
قال بخشونة :" هذه غرفة الجلوس "
ولم يعطها فرصة حتى تنظر الى الداخل بل تحرك مجددا :
- وهذه غرفة الطعام ... الباب من هنا يقود الى مستنب الزجاج .. والمطبخ من هناك .
بدا وكانه سمسار عقارات يجول في المنزل , الذي تفكر بشرائه ... لم يكن في من اشارة الى الزوج المرحب بعودتها الى البيت الذي تشاركه يوما .
- المكتبة ... غرفة استخدمات عامة ... لعنة الجحيم ايف ! لا يمكنني فعل هذا ؟
لم تستطع ايف ان تساله عم يتحدث , فمشاعرهاالفجة كانت تنبئها , وبوضوح زائد , ما يمر به , حتى ولو انه لا يماثل حجم عذابها هي ... واضح انه يجد في الامر برمته مشقة كبيرة , مثلها تماما .
قالت متردده :"لعله من الافضل لو تجولت لوحدي ".
بدا ان هذه الفكرة قد ضاعفت اضطربه , لا تدري لماذا :"لا ... ساخذ حقيبتك الى الطابق الاعلى !"
راقبته ايف وهو يصعد الى السلم , فشعرت فجاءة ببرد بائس ووحشة كبيرة ... فبعد ان ظنتته منزلا مرحبا دافئا , بدا لها الان وكانه يملك جوا مختلفا , مهددا باعثا للكابة والحزن .
-انتظني !.
ولحقت به راكضة , حى ادركته في فسحة سلم عريضة واكملت :"اية ....؟"
ثم , من مكان ما لا تعرف مصدره . ملاتها قناعة داخلية عميقة ...وقالت : هذه الغرفة ....
ودفعت الباب بينما كان كايل يراقبها بهدوء جامد , وما لبتث ان خطت بضع خطوات الى الامام .
كانت شمس بعد الظهر تسلل عبر النافذة العريضة لتنسكب على السجاد الذهبي الدافي بركة متوهجة , وتبعث في الستائر لونا متالقا كالعسل السائل , كانت طاولة الزينة الانيقة , والخزائن المجاورة بلون الماهوغوني المكثف الداكن , وكانها تماثل عيني كايل .... وبالرغم من التوتر الذي تملكها ... لم تستطع ايف ان تمنع ابتسامة ابتهاج صافية .
قالت بثقة تامة :"هذه كانت غرفتنا "
تفرس فيها كايل صامتا , وقد ضاقت عيناه البنيتان في تقييم واضح , وما لبثت ان سالها بهمس :"اهي الذاكرة ... ام مجرد تخمين محظوظ ؟
هزت راسها بارتباك , وقد اختفت كل سعادتها .
- لا اعرف ... اعتقد انها نوع من الغزيرة ... انا ...
وتلاشي صوتها مع حركة غير ارادية من عينيها حولتها الى السرير في وسط الغرفة . كان مغطى بقماش مطرز ثقيل , تتداخل فيه الالوان الذهبية الدافئة كما الستائر .... وبدا لها اكبر بكثير من السرير المزودج العادي , وفيما هي تنظر اليه , احست فجاءة بالحرارة الحارقة تغمرها , ثم ارتجفت بردا, وكانها تحت تأثير حمى قوية . لقد تشاركت مع كايل هذا السرير , وناما معا , ليلة بعد ليلة .
اتهجت عيناها القاتمتان كالبانسيه , الى وجه كايل المراقب , بدا لها فجاءة وكان بشرتها اضحت حساسة جدا , وتشابكت عيونهما في لحظة تفاهم معبرة شديدة الوقع .
لم تعرف ايف كم دامت هذه اللحظة المتوترة ... لكن , كايل كسر حبل الصمت اخيرا وهو يستدير بحدة يفتح باب الخزانة الاقرب .
- قد ترغبين في استخدام هذه الملابس فيما انت هنا .
حدقت ايف برعب .... الى مجموعة الملابس .... فساتين , تنانير , قمصان , سروايل جينز , كلها معلقة في الخزانة ..... لم تلمسها يد منذ سنوات , انها ملابسها , ما من شك في هذا , احست ان هذا يفوق قدرتها ..... فقد واجهها كايل بالدليل القاطع للمراة التي كانتها يوما .
بدات تقول :" لا انا ....."
لكنها لم تستطع ان تكمل , فارتجفت ساقاها ... واختنقت حنجرتها بالم , وما لبثت ان صرخت باندفاع لاخراج الكلمات :
- لا استطيع النوم هنا يا كايل ....!
التوى فم كايل بسخرية :"لا .... لا اعتقد انك تستطعين ... لا تقلقي لقد طلبت من مدبرة المنزل ان تحضر لك غرفة اخرى".
مرة اخرى تفحصتها عيناه القاتمتان ببط ء:
- في الواقع , انا لم انم هنا ... ليس منذ .........
ولم يكمل جملته ... لكنه لم يكن بحاجة الى ذلك , فقد تكهنت تماما الكلمات الناقصة .
تحرك نحو الباب :"على اي حال ... غرفتك من هنا ".
ثم تجاهل الباب الى يمين غرفة النوم التي غادراها للتو , ودفع بابا مقابلا ليكشف عن غرفة نوم مزينة بالوان ناعمة رقيقة من الازرق والزهري .
- ستنامين هنا ...
- وانت .
وكانما يوكد على افكارها , انتقل ليفتح بابا اخر عبر الممر , فظهرت غرفة ذات طابع رجالي اخضر قاتم وعاجي , ووضع حقيبته داخلها .
- هل هذا مناسب ؟
لماذا يسالها ؟.... واضح انه قرر كل ذلك سلفا ... واضح انه خطط جيدا ليضمن عدم تكرار ما حدث ليلة الاحد الماضية .. ترى اخاب املها ام انها مرتاحة ؟
لم تجد ايف الرد بسهولة... فهي تعرف الان انها تحب كايل .... تحبه وتريده بكل ما في وسع امراة ان تحب رجلا ... ومع انه كان يقف الى جانبها ببساطة , الا انها شعرت بجاذبية هذا الجسم الطويل القوي , والشعر اللماع الناعم الاسود , والعينين الغامضتين .
- وهذه الغرفة ماذا فيها؟.
امسكت مقبض الباب الفاصل بين الغرفتين ... ودهشت انه لا يفتح , وان بابه موصد .
- اوه , انها مخزن في الوقت الحاضر ... لم نضع فيها الاساس بعد .
لم يكن ينظر اليها ..... بل استدار ليلتقط حقيبتها .... مع ذلك , لم تكن لنبرة صوته الرنة المناسبة .
- ساضع اغراضك في غرفتك .... اهذا ممكن ؟انا واثق انك تريدين ترتيبها .
وفكرت ايف انه يحاول الهاءها بدقة وحذر , فيحول اهتمامها الى شي اخر متعمدا .... ترى , ماذا في الغرفة المقفلة ؟
من دون اي تحذير , وقع ما وقع بينما كان كايل يرفع حقيبتها فوق المفرش المزهر باللونين الازرق والزهري .... لم يكن هناك نفخ ابواق , ولا لمعان انوار , او دوار مثير للاضطراب ... بل سمعت نفسها تقول بكل بساطة :
- هذه الغرفة تبدو افضل حالا بكثير الان , اتذكر كم كانت مريعة حين انتقلنا الى هنا ... كانت مخططة بلون احمر قاتم , في وسطها سجادة حمراء قاتمة وسوداء ؟
ووقعت حقيبتها من يد كايل اليسرى فوق السجادة بصدمة مكتومة , فنظرت الى وجهه , فابصرته شاحبا بعينين سوادوين .
سالت مرتجفة :"انا ... هل هذا صحيح ....؟ هل كانت الغرفة كما وصفتها ؟"
هز كايل راسه بصمت ......... شل فيها مظهر كايل جنس الرقيق كل قدرة على الكلام . وتهاوت ساقاها حتى تهالكت على كرسي قريب .
- لا تنظر الي هكذا ....! لم اكن اعرف ماذا اقول افلتت الكلمات مني .
يا الهي اما زال يصدق انها تدعي فقدان الذاكرة . وانها تفوهت بكل ذلك من دون ان تعي ما تقول ؟
- كايل كلمني ؟
تنحنح بجهد ليجلي حنجرته , ورفع يده الى مؤخرة عنقه كانما يطرد توترا لا يحتمل . ثم سالها بصوت اجش :"هكذا فقط ؟ ما من ذكرى اخرى ؟"
حاولت ايف ان يائسة ان تبحث يائسة في الزوايا المظلمة من ذهنها علها تجد شيئا اي شي ثم هزت راسها يائسة :"
لا شي .. لكن هذا تقدم ملحوظ كايل . وكانه صدع في الجدار , يبدو اننا احسنا صعنا بالمجي الى هنا ... وربما كان الاخصائي مخطئا في تحذيرك من هذا ... لعله العلاج الذي احتاج اليه ... من يدري كيف اصبح نهاية الاسبوع ؟
لماذا يبدو مرتابا وغير مقتنع على هذا النحو , ام انه خائف مما قد تكشفه ؟ ايقعل ان يخاف مما هو مدفون في تلك الذاكرة الضائعة ؟ سرت قشعرية خوف باردة في جسم ايف , ودب فيها ارتعاش لم تستطع كبته .
انها بحاجة الى ان تشغل تفكيرها وتلهيه عن مثل هذه الافكار المضطربة ....فاستجمع كل قوتها ,ووقفت على قدميها, ثم مدت يديها الى حقيبتها , وهي تفتش عن المفاتيح .... وهي تحاول الا تظهر احساسها المضظرب بصمت الغريب الاسمر .
بالرغم من كل شي , ظل كايل بالنسبة اليها غريبا , لم تفلح الاسابيع السبعة التي امضايها معا , او الكلمات التي دسها في اذنها , او ذكرى غرفة النوم السابقة , في تغيير ما , فهي ما زالت تجهل الحقيقة ... ومازالت لا تعرف كيف كانت علاقتها هي وكايل في السابق , والاهم من كل هذا لا تملك ادنى فكرة عن مشاعره نحوها الان . احيانا , كانت تبدر عنه بعض التصرفات , في البداية على الاقل ... لكن ماذا حدث لذلك الحب ؟ اذ لا بد ان حادثة ما وقعت ... والا , فلماذا ارادت ان تتركه اصلا ؟
غشت الدموع الحارفة عينيها , وبدا ان مفتاح علق في قفل الحقيبة , حتى اضطرت الى اجباره على الدوران ... وما لبث عن انفتح بعنف ليفضح الكثير من حالتها النفسية المضطربة .
- من الافضل ان ارتب ثيابي كي لا تتجعد اكثر مما هي عليه الان .
لماذا لا يتكلم كايل ؟ كم من الوقت يستطع الوقوف هنا من دون التفوه بكلمة ؟ يبدو انه انطوى على نفسه . بعيدا عنها .... اوه ... اكان من الضروري ان تستعيد ذكرى ؟
تسمرت يد ايف على حقيبتها وهي تدرك بماذا تفكر , ففي خلال السنتين المصرمتنين , لطالما اقتنعت ان قلبها سيثلج فرحا لو استعادت تفصيلا صغيرا من حياتها السابقة , لا بل انها ستجن ابتهاجا .... وها قد حدث هذا الان .. لكن ما تشعر به هو خيبة الامل المريرة .
لعل هذا ليس كافيا !فما تذكرته ليس باهمية كبرى .... لم ينبها بما يهمها فعلا , بالعلاقة بينها وبين كايل ... ولان هذا بقى مدفونا بكل عناد . فقد انقادت الى ادراك مشؤوم , ان العلاقة بحد ذاتها هي المحنة التي تحدث عنها الاطباء ... وهي التي افقدتها ذاكرتها . فقد وقع خطب ما بينها وبين كايل , حتى رفضت ان تتذكره في لا وعيها على الاقل ...\
- ربما , مع الوقت , قد تظهر ذكرى اخرى ..ز
اجفلتها كلمات كايل الهادئة كانت لهجته باردة مؤلمة بغير حدود ..... وتكشف عن الكثير مما يكتمه .... اشياء يعرفها , ولا تعرفها .
- نحن مضطران الى الامل .
جهدت ليبدو صوتها طبيعيا , وتعمدت ان تصب اهتمامها على افراغ الحقائب , وهي تعض شفتها في كرب مفاجي لادراكها ان هذا ابعد ما تريده ..... انها تحتاج الى الوقت لتكون مع كايل .... لتعرفه تماما .... كما يفعل اي زوجين طبيعين , انها تريد ان تبني معه علاقة قوية يمكن ان تصممد ازاء اي سر في ماضيها , على امل ان المحنة حين تزول اخيرا , لن تفصلهما مرة اخرى كما فعلت في الماضي ... لقد ارادت ان تاتي الى هنا على امل احياء ذاكرتها باسرع وقت ممكن , لكنها الان تريد يائسة ان تؤخر تلك اللحظة قدر ما تستطيع .
غير ان الوقت في الدنيا لن يساعدها , فمهما تقربا من بعضهما الان , ومهما بنيا علاقة قوية .... فسيبقى الماضي موجودا دائما , ظلا اسود يلوح بشؤم على حياتهما , ويدمر املهما في بناء مستقبل .

مد كايل يده امام ايف ليلتقط اللفافة على قمة ملابسها :" ما هذه ؟"
- اوه .... هذه هدية من دايان , اعطتها لي قبل ان نغادر مباشرة .
- لم لا تفتحيها ؟
استغلت ايف تلك الفرصة لتلهي نفسها عن افكارها المقلقة , وفتحت جانبا من الهدية قبل ان تفكر .... وبينما اطبقت يدها على شي ناعم وحريري رقيق , استعادت قول دايان :" هدية لتمضي العطلة بنجاح " وتسمرت في مكانها .
سالها كايل :" ما هي ؟ ايف ....؟
عرفت ان لا بديل امامها الا ان تفتحها , فالرفض سيثير فضوله اكثر .وهكذا جذبت بقية اللفافة الورقية لتكشف عما في داخلها .... فنفضت طرفا حريريا بلون القهوة مزين بالدانتيل العاجي , لتبصر قميص نوم رائع .تصورت دايان مرة اخرى وهي تبتسم , واختنق خداها بلون قاتم حار .
قال كايل معلقا بجفاء :" يبدو ان دايان تملك افكار قاطعة عما سنفعله هنا ".
قالت بصوت متكسر يتعذر سماعه :" هذا ما يبدو ... انها تعقتد انه شهر عسل ثان ".
لكن كلماتها لم تلق الا صمت مفاجي , اخذ يرجع صدى كلامها في الجو .
- اه ... وهل هذا ما تريدينه يا ايف ؟
واطبقت يداه على كتفيها , وادرات لتواجهه , فيما شرائط الدانتيل الرقيقة لا تزال تتدلى من اصابعها وقد شلت فجاءة .
لم يكن صوته يفضح شيئا , ومع ذلك ققد دبت فيها وخزات اثارة وكانها الاف الصدمات الكهربائية الصغيرة تسرى صعودا ونزولا على ظهرها ... واكمل :" وهل خططت ايضا لشهر عسل ثان ؟"
كان صوته الخشن , يتملقها ويغويها ... واحست ايف انها قد تغرق فعلا في عمق عينه .واكمل :
- اهذا ما تفكرين فيه لهذا الاسبوع حبيبتي ؟
كان الصوت الناعم ذو اللكنة الامريكية ينسج حولها سحرا مغويا , فيخدرها , وينتزع روحها من جسدها .
- هل خاب املك حين ... تجنبا لصدمة عاطفية اخرى ...
وظلت السخرية المريرة صوته وهو يكرر ما قالته :"... حضرت غرفتي نوم منفصليتين ؟"
لامست شفتاه الدافئتان خدها , وطالت لحظات تقطع الانفاس , حتى انها تاوهت من دون وعي احتجاجا , حين ابتعدتا عنها , واحست ببرد الحرمان . فسمعت ضحكة كايل الخافتة ... ومن خلف اهدابها , احست براسه ينخفض نحوها مرة اخرى .
تمتم بخشونة على عنقها :" هل هذا ما تريدينه ايف ؟"
- اجل !
تصاعدت في داخلها مشاعر من الابتهاج الحار كالنار البيضاء فقبضت يداها على شعره الاسود .
اتسعت عيناها الان .... وراحتا تحدقان من دون تركيز , لم تضدق قوة هذه المشاعر او تدفقها ... واخذ كايل يرجعها الى الوراء نحو الفراش .

تمتم بخشونة :" لقد قلت انك ستسامين الطريقة الامنة .... وانك تريدين اخذ فرصتك لتتذكري .... وانك مستعدة للمخاطرة كي تواجعي الاشياء التي كانت هامة في الماضي ... حسن جدا ... هذا كان هاما ... والله يعرف ....." وفجاءة اخترقت فكرة صغيرة ذهن ايف عبر السديم الاحمر الذهبي الذي ملا راسها ..... بدت وكانها نصل سكين ثلج , جمد للحظة الخفقان المحموم لقلبها .... هل هذا ما تريده حقا ؟ هل هي , مستعدة للمخاطرة بعواقب هذا العمل كما قال ؟ لم تشك في انها تريد كايل ... وستكون في غاية الحماقة لو حاولت انكارهذه الاحاسيس المتلهفة ... انه كل ما تريده , جسديا عاطفيا ... ولم تكن تابه لو كان هذا مجرد محاولة اخرى لاختراق الحواجز التي في راسها ... انها تريد ان تعرف انه يحبها فهذا هو ما يحقق سعادتها ... لكن تبقى المخاطر

بحاجة الى معرفة الحقيقة في مرحلة ما ... لا بل الى مواجهة الظل الاسود الذي يلوح فوق حياتها .. لكن , اتسطيع مشاعرها الحساسة ان تتعامل مع الحقيقة لو فجرت الحواجز التي بنتها حولها , في ظل هذا الجو المشحون بالعاطفة ؟ ماذا لو انها , في اللحظة التي تمنح كايل حبها , اكتشفت بالضبط لماذا تركته له في الماضي ؟
- كايل .....
كان صوتها ضعيفا ومتهتزا , فلم يسمعه في البداية .... فجربت مرة اخرى :" كايل ؟
اجفلته رنة ما في صوتها , فرفع راسه بحدة لنظر اليها , وفي عينيه مزيج من القلق ونفاذ الصبر .
- ما الامر ؟ ايف ... ماذا هناك .؟ ماذا جرى ؟
- كايل ...
كان عليها ان تجبر نفسها على االكلام , في وقت لم ترغب فيه الا ان تضمه بين ذراعيها مطالبة بحبه بكل الحرارة القادر عليها .
- اهذا ... صواب
- صواب .
ابتعد عنها وهو يصدر صرخة ترجع صدى حركته , ورمى نفسه على السرير ليسير فوق السجادة نحو النافذة , ثم يتوقف في منتصف المسافة ... احنى راسه الاسود الشعر , فيما ظهره القوي متوتر ومتصلب رفضا ... صدمتها ردة فعله , لكنها لم تستطع الا ان تتنظر في صمت مرتجف , وهي تعض شفتها بارتباك عصبي ...
في تلك اللحظة استدار كايل اليها مجددا , وارتجفت كل اعصابها الحساسة ازاء نظرة في عينيه .
قال بخشونة :" صواب ؟ ايف .... لم اعرف احدا غيرك منذ ......"
وفيما هو يكمل الرد على السؤال الذي لم تطرحه , ادركت ايف انه رد كان يجب ان تفكر فيه لنفسها . لكنها , لحماقتها , لم يخطر ببالها .ز فكايل رجل قوي وملي بالصحة .. وكانت منفصلة عنه منذ سنتين .
- لم يكن هذا ما عنيت ... ولو انني اشكرك على ...ز
قاطعها بخشونة :" اذن ماذا ؟ ماذا ؟...
وفجاة ادرك ماذا تعني , فزال عنه الغضب الاسود , لكنه لم يخفف من التوتر في العضلات التي خطت خطوطا بيضاء حول عينيه وفمه .
- انت لا تستخدمين شيئا ...
- لا .
يا الهي .. كم هي ساذجة جدا , وبخت ايف نفسهاا, هل اضاعت كل تعقلها السليم كما اضاعت ذاكرتها ؟ لقد قال لها كايل انه يريد اولاد .. ولو ان هذا كان من الماضي .
- لكن ...ز
منتديات ليلاس
- وبالطبع لا تريدين ان تصبحي حامل .
تشابك صوته بصوتها , فسمرت المرارة السوداء في لهجته الاحتجاج على شفتيها .- افهم هذا تماما .
ازاء توتر اييف , مرت اسارير وجهه بتغيير درامي اخر , وارتفعت يده لتغطي عينيه لحظة ... حين اخفضتها ثانية كان وجهه قد فقد كل لون ..
- اوه ... يا الهي .... طبعا لا تريدين ذلك .
للمرة الاولى , بدا انه يركز نظره جيدا على وجهها , فراى شحوبها والعينين العاتمتين بلون البانسيه وكانهما كدمتان فوق خديها , فاخذ يتمتم شاتما بعنف
- كايل ..ما الامر ؟
كانت ايف على وشك الخروج من السرير , وهي تحتاج ان تتقدم منه , ان تضمه , ان تفعل اي شي لتمسح تلك النظرة الكئيبة عن وجهه ... لكن , وفيما هي تتحرك , رفع يديه بايماءة خشنة , وهو يرفض اهتمامها ... رفض قراته في عينيه ...
وما لبثت ان رماها بكلمات متوحشة مرتجفة :" ايف ... ليس الان ! يا الهي العزيز .... لا استطيع ..."
ومن دون ان ينهي الجملة , رمى بنفسه الى خارج الغرفة , وكانه يريد ان يبتعد عنها قدرما يستطيع ...و باسرع وقت ممكن .
صرخت :" كايل !"
وكانت صرخة مرتجفة يائسة ... صرخة عرفت ايف انها لم تلق صدى , فهو لن يعود .. مهما نادته ....
بجهد يائس , قاومت رغبة طبيعية تدفعها الى اللحاق به ... لكنه , لن يرغب في رؤيتها , لاسيما في هذا المزاج ....
عنفت ايف نفسها بشراسة : اوه ... ايتها الحمقاء ... ايتها الحقماء ! وفكرت انها تصرفت بغباء كبير ... لكن الحقيقة انها وجدتها فرصة لتنفرد به , في ظل جو حميم غير متوتر في منزل اسرة بينيت , او حتى في شقته الحافلة بذكريات من الشجار السابق... ما لم تتوقعه قط ان تكون اللحظة قد حلت بسرعة كبيرة .
لكنها حلت فعلا .. وتعاملت مع الامور بشكل اخرق . لارتاحت اكثر لو انها عرفت مشاعر كايل حقا ... هل بقى الحب الذي اعترف به صراحة سالما خلال سنتين ؟
لماذا لم تساله ؟ حين ارتمى هذا السؤال في وجهها , دفعته عنها مرة اخرى , وهي تعرف انها لم تكن تملك الشجاعة الكافية لتقوم بعمل مباشر كهذا ... فعلى اي حال , كيف يمكن لكايل ان يرد عليها بصدق ؟ كيف يمكن لاي كان منهما ان يعرف الحقيقة الكاملة وظل ماضيهما يحوم حولهما من دون تفسير ؟ ومع انها كانت تحبه بعمق , ومع ان مجرد التفكير بفقدانه يشبه مواجهة الموت , الا انها لن تتمكن من الاعتراف بهذا الحب ابدا ... فمن يدري ؟ قد تعود ذاكراتها في يوم ما , وتعود مها وقائع تثبت ان هذا الحب كاذب .

لكن . هذا هو سبب وجودها هنا , وجمعت ما تبقى من شجاعتها المشتتة , ثم خرجت ببط من السرير , وهي تتحرك متالمة , وكانها تشعر بكدمات جسدية , عليها ان تستغل هذا الاسبوع بافضل ما يمكن , وبدات تفرغ حقيبتها , وكلها عزم على انعاش ذاكراتها النائمة .... فهي لا بد نائمة , ولن تستطيع ان تصدق انها ميتة , ذهبت الى الابد .... سوف تنجح .

ستطلب من كايل ان ياخذها الى كل الاماكن القديمة المفضلة لهما , حيث امضيا معظم اوقاتهما حين كان يعيشان هنا معا ... بالتاكيد , سيقوم ثقل الذكريات بفعلته حتى يتحطم الجدار بنيها وبين الماضي .
يجب ان تتذكر ... يجب ان تعثر على ماضيها ... والا . انتفى المستقبل الذي يجمعها بكايل .
9 – خذي الماس وأعطيني ...
كانت ايف مضطرة إلى ضخ الحماسة في سؤالها : " حسن جدا .. أين سنذهب اليوم ؟ "
كان اليوم يوم الخميس , وهما في نورفولك منذ خمسة أيام , قاما فيها بالتجول في زوايا المقاطعة , إضافة إلى أجزاء من

مقاطعة نورفولك المجاورة ... لكن ايف لم تلق التأثير الذي تأمله وتصلي من أجله .
لقد تمتعت تماما بكل الرحلات التي قامت بها مع كايل , واستنتجت أن المناظر التي استحوذت على إعجابها في الوقت الحاضر هي نفسها التي أعجبتها في الماضي .. ومع ذلك , فكلها جديد في نظرها ...

كان كايل يجلس قبالتها إلى مائدة الفطور , في كنزة رياضية فضفاضة وبنطلون جينز , فراح يتأوه بمبالغة وهو يدفن وجهه بين يديه بيأس ساخر .

صاح محتجا : " ألا تتعبين أبدا ؟ إننا نجول من دون توقف منذ يوم الأحد .. أو يوم السبت في الواقع , نظرا لأنك تصرين على الخروج منذ أفرغت حقيبتك ..."
- لكننا .. .لا نملك سوى أسبوع ! ويجب أن نزور كل الأمكنة .

ارتسمت الكآبة على وجه كايل :
- ايف .. حبيبة قلبي ... أعتقد أننا زرنا كل الأمكنة .. لو يستوفت , غريت يارموث , كما اكتشفنا ملاذ ثعلب الماء ...
ثم رد على ابتسامة ايف بأحسن منها , فيما استغرقت في التفكير :
- ... لقد تمتعت بهذا .. أليس كذلك ؟

أشرقت عينا ايف وهي تتذكر ساعات التي قضيناها في مراقبة لمخلوق , البراق العينين , الطويل الذنب , يلعب في البركة الواسعة :
- بل أحببته ! لكنني أحببت " الديبورة " كذلك ... و "بوري سانت ادموند " و " سومير ليتون " بشبكة متاهاتها .. عرفت ل
لاحقا أنك لو أردت الدخول إلى المتاهة ثم الخروج منها ,
فما عليك إلا البقاء إلى اليسار .. لكنني سأتذكر هذا دائما الآن ...

وما إن أبصرت التغيير في العينين العميقتين , والعبوس على وجهه حتى استدركت , وحاولت بسرعة أن تخفي غلطتها ..
- القرى في هذه المنطقة جميلة جدا .. ولقد أحببت كل الأكواخ الصغيرة المسقوفة بالقش .. لكن ...

دخل كايل بصراحة إلى صلب الموضوع : " لكنك لم تستعيدي ذاكرتك . "
- لا .
أزاحت ايف طبقها جانبا , وقد فقدت شهيتها للطعام , الذي كانت تلتهمه منذ لحظة .. كان يصعب عليها أن تنظر إلى عينيه المتفحصتين ...

ووعت بألم كل الكلمات الصامتة فيهما . ثم فكرت في الأيام التي أمضياها يستكشفان الريف , ويزوران الأماكن التي أكد لها كايل أنها تحبها , فنجحت في تجنب الموضوع الأكثر إثارة للخلاف , حول علاقتهما الجسدية الحميمية ...
كان يمضيان ساعات طويلة في الهواء الطلق , فيعودان إلى " مونتاغوي " منهكين لا يفكران سوى بوجبة الطعام ونوم

مبكر ... كل وحده . فمنذ نزلت ايف إلى الطابق الأسفل بعدما أفرغت حقيبتها يوم وصولهما , وجدت كايل يتصرف وكأن ما حدث في غرفة نومها لم يكن أصلا . ومن دون أن تسأله , أبقى كايل يديه بعيدتين عنها .. بعيدتين أكثر من اللزوم .. وأقنع نفسه بالقبل القصيرة , التي لا تتعدى القبلات الأخوية في مساء كل يوم . وأحست ايف بالإحباط لهذه المداعبات

الخالية من العاطفة , فكانت تخلد إلى الفراش كل أمسية وهي تقاوم الشوق القوي داخلها ...
قالت متوسلة , ليفهم كم يهمها الأمر :
- لا بد من وجود أمكنه أخرى .
قطب كايل وهو ينظر إلى قهوته , وكأنه قد يجد الرد في قعر الفنجان .
أخيرا قال : " شيرينغهام " .
سألت : " شيرينغهام ؟ أي إلى الشمال من هنا .. أليس كذلك ؟ على الساحل ؟ "

هز كايل رأسه : " إنها تقع غربي " كرومر " مباشرة , قرية ساحلية صغيرة "
- إلى شيرينغهام إذن !
وأجفلت ايف لرنة صوتها .. كان حماسيا من القلب , وواضح أن كايل اعتقد هذا كذلك .
- ايف .. هل فكرت بما قد يحدث لو ..
- لو أنني لم أتذكر فقط ؟
أوه ... أجل .. لقد خطر لها الأمر ثم دفعة الفكرة بعيدا مصحوبة بالخوف الذي جاء معها .. لن تستطيع تحمل لو فشلت رحلتهما إلى نورفولك , فشلا ذريعا .
قالت : " لقد فكرت بالأمر .. لكنني لن أستسلم إلى أن نجرب كل الإمكانيات .. لذا ... "

وبمقاومة , عاد صوتها إلى طبيعته ..
- اليوم سنزور شيرنغهام ... هيا أيها الكسول , انهض على قدميك وساعدني لأغسل الصحون , كي نخرج .
منذ تلك اللحظة , تقدمت إلى الأمام , مدفوعة بتصميم وثبات ... وهي تحاول أن تفكر بإيجابية . طوال اليوم الغائم , راحا

يستكشفان القرية , إضافة إلى القرية المجاورة الأكبر حجما " كرومر " ... لكن , طريف العودة إلى المنزل , كان مغايرا . فما إن وصلا منزل مونتاغوي , حتى أحست بتشاؤم يسري فيها مثل الغيم الأسود الذي بدأ يتجمع في الأفق .

انفجرت بينما تهالكت على الأريكة بتنهيدة تعيسة :
- لا شيء ... ! لا شيء أبدا ! ولا حتى لمحة واحدة من الذكرى ! ... كان من الأفضل لو بقينا في المنزل .. في الواقع , ما
- كان يجب أن نأتي إلى نورفولك , لأن هذا لم يولد في أي شيء جديد !
رد بهدوء : " هذه ليست نهاية العالم "

وكان رده بالنسبة لايف خاليا من أي عاطفة .
ردت بحدة : " بالنسبة لك ربما ! لكنه يعني لي الكثير لي "
ازداد مزاجها المنزعج تفاقما , لاسيما حين استعادت اللهجة المهتمة في صوت كايل ذلك الصباح حين حاول أن يحذرها أنها

قد لا تستعيد ذاكرتها مجددا .... وتصاعدت دموع المرارة إلى عينيها فيما أخذت تخفيها جاهدة .
- أعرف , لكن .. اسمعي , لقد تجاوزت الساعة السابعة . لم لا أحضر طعاما ؟
- لا أريد أن آكل شيئا ! لست جائعة !
كيف يمكن أن يفكر بمعدته فيما هي على وشك أن تخسر مستقبلها كله ؟
- لا أستطيع أن آكل شيئا .
- يجب أن تحاولي ...
- لا أريد ! كيف يمكن أن تكون على هذا الشكل ؟ أنت تتصرف وكأنك لا تهتم حقا ...

قال بصراحة : " أنا لا أهتم "
وصدمت .. لم تقو إلا على التحديق فيه غير مصدقة : " أنت .. ؟ "
- أنا لا أهتم لو لم تستعيدي ذاكرتك أبدا .. أو لو استعدتها فجأة خلال ثانيتين .. فأنا أحبك مهما حدث .
- ماذا ؟
لو كان قد أذهلها من قبل , فكلماته الأخيرة هذه دمرتها تماما .. فهل قال حقا ما خيل إليها أنه قاله أم أنها تتخيل الأشياء ؟
- أنت ... ؟ أنت .... ؟

التقى كايل بعينيها الزرقاوين المتسائلتين بهدوء عميق ... وما لبثت العيون أن تشابكت من دون أثر للتردد أو الشك .
- أحبك ايف .. لكنك بالتأكيد تعرفين هذا .
- أنا ... لكن ...
وتمنت ايف لو تستطيع ترجمة أفكارها في نوع من الشكل المفهوم .
- أعرف أنك أحببتني من قبل .. حين كنا معا .. لكن , منذ ذلك الوقت ..

هنا خذلها صوتها تماما , ثم رجفت حنجرتها وهي ترى وهج العاطفة على وجهه .
- يا إلهي ... ايف .. هل تظنين أنني توقفت عن حبك ؟
إذا كانت ترتاب بذلك , فلا مجال للشك الآن ... لقد كانت مخطئة ...
كانت مشاعرها مطبوعة بوضوح على قسماته القوية .
بدأت تتمتم : " كايل ... "

لكنها لم تستطع أن تستمر فقد خذلها صوتها مجددا .
- أوه ... اللعنة ..
تقدم ليجلس إلى جانبها وهو يمسك يدها , وقد أنبأتها قوة القبضة عن إحساسه : " لم أخطط أن أقدم على الأمر بهذه الطريقة ... "

مد يده الأخرى إلى جيبه : " هل تتذكرين أنني وعدتك في حفلة عيد ميلادك بهدية تفوق الزهور قيمة ؟ "
ظهرت على وجهه ابتسامة سريعة ساخرة وفاتنة دون حدود .
- على الأرجح تظنين أنني لا أفي بوعدي ... وأقسم أنني كنت أنوي أن أبر به ... لكنك كنت غاضبة بحيث أعدت التفكير ...

ولم يبد لي الوقت مناسبا ... لكن , حين وافقت على المجيء إلى هنا , فكرت ...
استجمع قوته بابتسامة صبيانية كان لها تأثير مدمر على ايف .
قال بلمسة ساخرة : " أنا ضائع .. ألقي اللوم على أعصابي .. ايف لقد سألتك هل تحبين ارتداء الألماس , لو منحتها لك ..."
أحست ايف وكأنها تتلقى عدة ضربات قوية على رأسها , فاستحال عليها أن تفكر بجلاء .. كانت بالكاد قد استعادت رباطة

جأشها بعد توتر كايل حتى أيقظ ذكر الألماس كل اهتمامها فاضطربت وجف فمها فجأة .
لا يمكن أن يعني .. هل يمكن ؟ ليس الآن .. ليس وهي على هذه الحالة من الارتباك الكامل ... بالكاد تعرف كيف تفكر , هذا عدا بماذا يفكر .
لكن كايل كان قد أخرج يده من جيبه , ثم مدها نحوها وهو يفتح أصابعه المطلوبة ويكشف عن علبة كحلية صغيرة . كانت تعرف أنها لا يمكن أن تحوي سوى على غرض واحد , إلا أنها لم تكن تملك فكرة هل تتشوق إليه أم تخشى من رؤيته .
- ايف .. حبيبتي .. هل تعودين إلي ؟ هل تضعين هذا الخاتم مجددا وتكونين زوجتي ... و ... ؟
- كايل .

وكان صوتها أجش متكسرا , هو كل ما قدرت عليه .. مرة أخرى خذلها صوتها وهي تتلفظ باسمه ولم تعد تعرف كيف تكمل .. شعرت وكأن المشاعر القوية التي تختزنها , تجمعت في عقدة واحدة قوية في حلقها حتى منعت أي كلام من الخروج .
- أوه .. أعرف أنه ليس الوقت المناسب .. فالوقت مبكر جدا , ومتأخر جدا , معا .. كان يجب أن أنتظر حتى تشعري بسعادة
أكبر داخليا .. أو أن أسألك مباشرة , ومنذ سبعة أسابيع .. لكن الحب ليس هكذا , الحب لا يعرف وقتا ... لا يجلس بنظام في زاوية ما بانتظار أن تحتاجي إليه .. إنه يقفز ويصدمك في الوجه , بينما لا تتوقعينه .
كانت ضحكته أشبه بابتسامته السابقة , مهتزة قليلا وفيها شيء من السخرية بالنفس .
لقد تقرر مصيري منذ ثلاث سنوات ونصف حين وقعت شقراء جميلة عن السلم المتحرك بين ذراعي مباشرة .
- أنت .. أحببتني ...

كانت ايف لا تزال تجد مشكلة في فرض النظام على أفكارها الحائرة .. وبدأ أن عقلها يتأرجح من إحساس إلى أخر.
- لقد ظننت أنني مجنون بحبك .. لكنني لم أكن أعرف نصف الحقيقة .. أما حين رحلت , فأدركت ما أشعر به حقا .. ولم أعد أعرف كيف أعيش من دونك ...
أنبأتها المشاعر الفجة في عينيه , كيف أحس حين اكتشف رحيلها , ووبخها ضميرها بوحشية لفكرة أنها مسئولة عن الألم الذي حفر جوانب قلبه .
- همست : " أنا .. آسفة "

وشد قبضته على يدها .
- لا بد أنك كنت تملكين أسبابك .. وكم أتمنى لو أعرف ذنبي .. لن يقودنا هذا الطريق إلى أي مكان ايف .. فالسنتان الماضيتان منذ تركتني كانتا أطول أوقات حياتي . وعرفت أنك لا تريدين مني أن أجدك .. لكنني لم أستطع التوقف عن البحث , لم أكن
أعرف أنني أبحث عن " ايف مونتاغوي " ولا عن " جانفياف بوكانن " ... لكنني ,. حين قرأت أول فصول كتابك , أحسست وكأنني ضربت بمطرقة , ظننتك تتعمدين إثارتي وتسخرين مما كان ..
قاطعته بلهفة : " لا يمكنني أن أفعل هذا ! "
وهز كايل رأسه متفهما : " أعرف .. لكن منذ ذلك الوقت , لم أعد أفكر بشكل صحيح .. فجئت أبحث عنك .. وكنت غاضبا .. مستعدا للقتل "

تمتمت : " كان يبدو عليك هذا "
وتذكرت العنف الذي كان بالكاد سيطر عليه , ,هالة الخطر التي أخافتها كثيرا .. المشكلة أن جزء من تلك الهالة ما زال موجودا .. لكن قوة حبها له كفيلة أن تمحو كل شيء .. لكنها لن تتمكن من محوها إلى الأبد إلا حين تعرف لما هجرته ..
أكمل كايل : " لكن , حين أغمي عليك .. ذعرت للطريقة التي تصرفت بها .. وعرفت أنني كنت أكذب على نفسي بالتظاهر

أنني أكرهك , وبموت حبي لك . كنت أعرف أنه لا زال موجودا , قوي أكثر من أي وقت مضى .. بل أقوى بكثير .. ثم قال لي جيم إنك فقدت ذاكرتك .. "
هز كايل رأسه الأسود في إيماءة كشفت كل الارتباك والكرب اللذين أحس بهما في تلك اللحظات .
- لم أعرف ما العمل .. لم أعرف هل فقدت ذاكرتك حقا , أم أنها مجرد طريقة تقولين فيها إنك لم تعودي تريديني .. لم أكن
أعرف هل كان السبب ذنب اقترفته , وإذا كان هذا هو الحال , هل أذهب وأتركك بسلام ؟ .. لم أعرف هذا أيضا , وحين اقترحت أن نتعامل مع الأحداث بروية , بد لي الأمر بمثابة طوق النجاة , وتمسكت به , ثم فيما بعد , ملكت الوقت لأفكر وأهدأ , فسعيت إلى نصيحة أخصائي , وأقسمت أن آخذ الأمور بروية شديدة وثابتة , وأن أمنحك كل الوقت الذي تحتاجين إليه.
مرة أخرى التوى فم كايل بابتسامة ساخرة :
- لكنني لم أتمكن من هذا تماما ... أحيانا كنت أضغط عليك بقوة ... وأتطلب منك أكثر مما تستطيعين أن تقدمي .. وكنت أحس إحساسا رهيبا فيما بعد .
لكنه لم يتصرف هكذا إلا مدفوعا بقوة مشاعره , وهاهي ايف تعرف هذا الآن .

قال كايل ساخرا : " وها أنا أضغط عليك مجددا .. أليس كذلك ؟ ها أنا ذا أطلب منك أن تعودي وتعيشي معي كزوجتي , حتى إنني لا أعرف مشاعرك نحوي "
- هذا أمر بسيط ... فأنا أحبك كثيرا كما تحبيني تماما ....
ستكون حمقاء لو حاولت الإنكار الآن , إنها تعرف أن هذا يظهر في توهج عينيها , واللون الدافئ على خديها , والابتسامة المشرقة التي لا يمكن أن تمنعها بأي شكل .
- وسأتخلى عن أي شيء في الدنيا لأقول نعم , أعود إليك .. فهذا ما أريده من كل قلبي . لكن أظن أنني بحاجة إلى مزيد من الوقت .

واغترفت في سرها أنها لا تحتاج إلى وقت لتتخذ قرارها , فهذا مقرر سلفا .. هذا إذا كان من قرار تتخذه حقا , حقا , فما إن أدركت كم تحبه , حتى أرادت أن تقضي بقية حياتها معه , ستفعل أي شيء ليبقيا معا إلى الأبد .
لكن الأمر ليس بسيطا إلى هذا الحد .

ليس من حقها أن تقبل طلب كايل .. ما من شيء يجبرها أن تكون زوجته .. في وقت لا تعرف لماذا تركته أصلا , أو كيف شعرت نحوه خلال الأسابيع القليلة التي سبقت هربها من المنزل .. وحتى تتلقى الرد , لن تستطع إلزام نفسها به .. ليس لأنها لا تثق بكايل , ب لأنها لا تستطيع الثقة بنفسها . لقد جرحته سابقا بقسوة , ولن تتحمل أن تجرحه مرة أخرى ,

فهي تحبه كثيرا , وتفضل أن تحرم نفسها من السعادة إلى جانبه , على أن تخاطر بعواقب تتأتي على عودة ذاكرتها.
لكن الأمر صعب جدا ! فجأة , انهمرت دموع المرارة التي كانت تهددها , وهذه المرة , لم تستطع أن تسيطر عليها .
قال كايل بصوت حاد وقلق : " أوه ... ايف! يا إلهي ... حبيبتي لا تبكي ! "

وضمها بين ذراعيه , وهو يسحقها على صدره القوي .
- أوه .. كايل ... لا يجدر بالأمر أن يكون هكذا ! لقد أعلن كلانا حبه للآخر .. أنت تريد عودتي , وأنا أريد العودة .. وعلى هذه اللحظات أن تكون الأروع . بل إحدى أسعد لحظات حياتنا .. لكن , بما أنني أجهل ذلك الجزء الضائع من

ماضي , فقد انقلب كل شيء إلى كابوس ...
هدأها كايل : "هس ... حبيبة قلبي "
كان صوته أجش حافلا بالمشاعر التي تماثل مشاعرها .. وأحست بيديه على شعرها , وهما تبعدان الخصل الذهبية عن وجهها .. وتلقت مداعبة ناعمة مواسية ..
لكن , بعد ثانية , وخلال طرفة عين , انقلبت هذه المواساة الرقيقة , إلى وق باهر .. كانت ايف مرهقة جدا , واستنزفت

عاطفتها , ولم تفكر حتى بأية كوابح .. لكن كايل كان هو من انتزع نفسه بعيدا بأنفاس خشنة , ثم رفع يده إلى شعره قبل أن يحيط خصرها بذراعيه ويشدها قريبا منه حتى سمعت ضربات قلبه المتسارعة وهو يكافح ليسيطر على نفسه .
قال وكأنه يقسم بعمق : " لو تزوجتني , فسأمنحك مستقبلا تنسين معه أن ليس لك ماضي "

وأحست ايف أن قلبها أخذ يخفق متثاقلا استجابة لرنة صوته ...
قالت وهي تتوسل بهمس : " كايل .. أخبرني عن نفسي .. أي حادثة سعيدة ..."
- صادفتنا الكثير من الأيام السعيدة .. صدقيني .. مثل المرة الأولى ...
قاطعته بحدة : " لا ! "
ما كانت تريد هذا .
- أخبرني .. أخبرني كيف كانت .. علاقتنا .

كانت لحظات الصمت استجابة كايل الفورية , بدا لها أنها تمتد إلى ما لا نهاية , فانتظرت وقد فرغ صبرها . كان إحساسها يزداد مع كل لحظة تمر .
وظنت أنه لن يرد عليها .. حينها , تنحنح بخشونة . وقال بصوت أجش :
- كنت رائعة .. وخجولة في البداية .. وبريئة . لكن مع ازدياد ثقتك بنفسك , أصبحت متفتحة .. ومعطاءة ..
طعنتها لهجته الحساسة في القلب مباشرة . أحست بما تشاركاه يوما , شعور لا تعرف الآن عنه شيئا .. لم تكن العاطفة

المشبوهة في شقة كايل تماثل الأمان المتوهج للحب حيث لا كوابح , ولا تردد . فالحب هو علاقة شخصين في اتحاد مكتمل . شعرت بذراع كايل تشد حولها , ودفء جسده القوي إلى جانبها , وأدركت أخيرا بما لا يدع مجالا للشك , أن القول لها ليس كافيا ... يجب أن تعرف .. وأن تعرف الآن .
بدأ كايل يقول : " أنت ... "

لكنها تلوت تحت ذراعه , ورفعت يدها لتضغط أصبعها على شفتيها وتسكته .
همست : " لا تقل المزيد يا كايل .. لا تقل لي حبيبتي .. بل أظهر لي !"

في هذه الليلة وحدها على الأقل , ستنسى الماضي وغموضه , ستنسى المستقبل ومخاطره المحتملة .. في هذه الليلة ستعيش لحاضرها , ولا شيء غيره .. هذا الحاضر هو كل ما تريده . *********
كانت ايف في الحديقة حين رن جرس الهاتف . تردد صداه داخل المنزل الفارغ فسارعت إلى الردهة لترفع السماعة : " آلو؟ " .

أرجوك ربي . ليكن المتصل كايل ! لم تستطع أن تصدق أن أربعا وعشرين ساعة مرت منذ غادر إلى لندن .. لقد اشتاقت إليه كثيرا , حتى أنها أحست أن عمرا بكامله مضى منذ الليلة الماضية .
- هل أستطيع أن أتكلم نع السيد جنسن أرجوك ؟
سرت في ايف موجة خيبة أمل وهي تسمع صوت امرأة في الطرف الآخر من الخط .. إنه ليس كايل , فهو مشغول جدا

ليتصل بها .. أو ربما يكمل عمله في لندن , أو لعله عائد الآن إلى نورفولك .
- أنا آسفة .. لكنه اضطر إلى السفر إلى لندن .. لأزمة تتعلق بعمله .
ولم تستطع أن تخفي رنة الأسى في صوتها , فاستعادت ذكرى الأمسية السابقة , حين قاطع وجبتهما المتأخرة اتصال

هاتفي مماثل , ليخترق الجو الدافئ السعيد .. كانت لا تزال تسمع الانزعاج في صوته , ونفاذ الصبر الذي يكاد لا يسيطر عليه .
قال بحدة : " لكن , ألا تستطيعين التعامل مع المسألة كاتي ؟ بالتأكيد ...؟ ... أوه أجل .. حسن جدا إذا كنت تظنين أنه بالغ الأهمية "

وما لبث أن ترك السماعة بصدمة قوية , واستدار إلى ايف : " أنا أسف جدا حبيبة قلبي ..."
لم يرغب في الذهاب فورا .. فاضطرت إلى حثه , تؤكد له أنها لا تمانع أبدا , بينما كانت تمانع , كثيرا .. فرسمت ابتسامة مزيفة وأخبرته أن يسافر فورا بدل الانتظار حتى الصباح كما قرر .

واندفعت تجادله : " بهذه الطريقة , ستكون في المكتب باكرا , وتنهي كل أعمالك ثم تعود إلي في المساء باكرا .. أما إذا ذهبت غدا , فلن تصل إلى هناك قبل منتصف النهار , وعلى الأرجح لن تتمكن من العودة إلى البيت قبل السبت على
الأقل"
ورفضت إظهار كربها , بينما كانت تدفعه نحو السيارة .
- سأعود في أسرع وقت ممكن .. حتى ولو اضطررت إلى القيادة ليلا .

وتوسلت إليه :" قد السيارة بحذر .. وعد إلى البيت سالما "
ألتمعت عيناه لتظهر كم عنت له كلمة " البيت " .. ثم وعدها بعمق: " سأفعل "
لكن جمود غريبا تولاه فجأة وهو ينظر بعمق إلى وجهها , حتى أصبحت نظرة قاتمة مفكرة .
- حين تعود , لدي كلام جدي أقوله لك .. علي أن أطلعك على بعض الأحداث .

لم تنتبه لجملته الأخيرة حقا .. ولم تدرك ايف إلا الآن هذا الإحساس بالخسارة , الذي راح يمزقها فيما سيارته تبتعد . ضحلت كل الأفكار الأخرى من رأسها , وعرفت بخوف وتوتر ماذا كان يعني .
- آلو ؟
عادت ايف إلى الحاضر بسرعة وأدركت أن المرأة على الخط الآخر عن الهاتف قد تمتمت بشيء آخر ..
- أنا آسفة .. فأنا لا أعرف موعد رجوعه .. اسمعي سيدة الدرسون .. أنا جين .. هل أستطيع أخذ رسالة ؟
- أوه .. هكذا إذن .. لم أكن أعرف .. حسن جدا ,أطلبي منه فقط أن يعلمني متى أبدأ العمل مجددا ؟ لقد قال لي أن آخذ

إجازة هذا الأسبوع , وأنه سيتصل بي حين يريدني أن أعود .
- حسن جدا .. سأقول له ... سأطلب منه الاتصال بك ما إن يصل إلى هنا .. الليلة ربما .
أعادت سماعة الهاتف إلى مكانها . وكانت تتجه إلى المطبخ حين هبطت عليه الحقيقة الكاملة , وكأنها النور الذي يعمي البصر , في غرفة شديدة الظلام .. فتسمرت في مكانها كالميتة في ذهول مصدوم .

قالت بصوت مرتفع : " سيدة الدرسون " وارتجف صوتها بالمشاعر :
" سيدة الدرسون "
لقد عرفت اسم المرأة , وعرفت صوتها ! عرفت أن المرأة التي كانت تكلمها هي المرأة التي تأتي لتنظيف المنزل وتعتني

به . ولقد تكلمت معها بصفتها " جين " لا " ايف " بل " جين " , الاسم الذي كانت تستخدمه قبل أن تلتقي كايل .. قبل أن تفقد ذاكرتها .
- أوه .. يا إلهي !
ارتمت ايف على كرسي قريب , إذا لم تقو ساقاها على دعمها . السيدة الدرسون .. جين ! لقد استعادت ذكرى أخرى .
لكن , كيف تتذكر عاملة التنظيف في وقت لا تذكر فيه أدنى التفاصيل عن كايل , هذا الرجل الذي عاشت معه في الماضي والذي تحبه الآن بكل جوارحها ؟ كيف يمكن لهذه الشخصية الثانوية من ماضيها أن تتغلغل إلى عقلها , بينما أهم إنسان

في حياتها لا يزال لغزا بالنسبة لها ؟
ألا أنها تقيم في " منزل مونتاغوي " لأكثر من أسبوع , بدأ الجدار بينها وبين ذكرياتها يضعف تدريجيا بحيث أصبح

للأسماء هويات , مثل السيدة الدرسون ؟ أيعقل أن هذا قد بدأ يتسرب عبر الشقوق بين حجارة الجدار ؟
لكن , في هذه الحالة لم تتذكر كايل ؟ فهو أكثر من تحب ويعني لها الكثير .

أم أن العكس هو الصحيح ؟ وفجأة , طالعها أسم إحدى الأخصائيات التي دأبت على القول أن فقدان الذاكرة لا ينتج عن سبب جسدي في العادة أبدا .. وإنما سبب عاطفي .. ومن المحتمل أن يكون نتيجة محنة ما , محنه لا يحتمل من يعانيها أن يتذكرها .
- لا !
أطلقت ايف صرخة , وهي تدور حول الغرفة بقلق . كانت مصعوقة , ومكروبه جدا , حتى عجزت عن البقاء من دون
حراك . إذا كانت لا تستطيع أن تتذكر كايل , فهذا يعني بالتأكيد أن المحنة التي ألمت بها , أيا كان سببها , تتعلق بالرجل الذي تحب .. وهي لطالما شكت في هذا الاحتمال . لكن تعرفها إلى السيدة الدرسون الآن بدأ وكأنه يؤكد نظريتها .. وما إن أدركت الأمر حتى أطبق على قلبها إحساس قاس , بارد كالثلج .
منتديات ليلاس
ما السر الذي يجب أن تكشفه عن الرجل الذي منحها قلبها ؟ هل ستدمر الحقيقة حبها الجديد , آمالها بالسعادة ؟ لقد وعدها كايل بمستقبل... لكن هل يمكنه أن يحافظ على وعده أن القدر سوف يخطو إلى الأمام , ويثبت أن آمالها مبنية على أساس واهن ؟ ومع دلالات التحذير عادت آخر كلمات كايل لتعذبها , وتتردد كالصدى مرات ومرات داخل رأسها حتى

يتضاعف إنذارها بالشر مع كل ترديد .. " حين أعود ... لدي حديث جدي .. علي أن أطلعك على بعض الأحداث "
ماذا يريد كايل أن يقول لها بالضبط ؟ اجتاح جسمها إحساس رهيب من الخوف , ليحيل الدم في عروقها إلى جليد.. أسرار

يجب أن تعرفها بعد ؟ ما هو المدفون في ماضيها ؟
في هذه اللحظة , شعرت بقدرة أقل على التعامل مع هذا كله , فعادت إليها ذكرى الحلم الذي راودها في الليلة السابقة ,

ليلاحقها مجددا . كان كابوسا لاحقها خلال الأيام الأولى لسكنها مع دايان وجيم .. وكم من ليال استيقظت فيها من جراء
هذا الكابوس متعرقه ومرتجفة .
في الحلم , كانت وحيدة , في ممر مظلم طويل , لا تسمع إلا نحيب يائس يقطع نياط القلوب .. ولم تكن قادرة على تحمل هذا الصوت المعذب.
كانت تبح بذعر لتجد مصدره , تفتح باب بعد باب , لتجد كل غرفة فارغة دائما , وراح ذلك النحيب الرهيب يتردد في أذنيها طيلة الوقت .

لكن حلم ليلة أمس . كان مختلفا قليلا .. وللمرة الأولى , تعرفت إلى المنزل في الحلم . كان منزل مونتاغوي .. اعتقدت أن هذا أمر طبيعي , لاسيما بعد أن أمضت أسبوعا عاطفيا متأزما هنا , لكن الصدمة المرعبة هو إدراكها أن الإنسان الذي كان يبكي , لم يكن , إلا هي بنفسها .
ولم تبرز ايف من الظلال السوداء التي ملأت أفكارها , إلا بعد أن أمسكت أصابعها مقبض الباب البارد , واكتشفت , دون وعي , أن حركتها قد أوصلتها إلى الطابق العلوي . فسارت كالعمياء , من دون إحساس بالاتجاهات , إلى خارج غرفتها

في مواجهة الباب المقابل .
لكن , لماذا هذه الغرفة بالذات ؟ حاولت أن تفتح الباب , بدون جدوى . ثم تذكرت أن الغرفة مجرد مستودع , لم تؤثث بعد , كما قال كايل .
لكن في المنزل غرف عديدة أخرى لم تؤثث كذلك , ومفتوحة تماما .

أخذت ايف ترتجف بوعي فجائي بارد , وقلبها يخفق بإثارة مخيفة وهي تدرك أن هذه البقعة بالذات هي التي راودتها في حلمها , حيث تصغي إلى ذلك النحيب الرحيب الذي يقطع القلوب .. في مكان ما من الزوايا الخفية في ذهنها , مكان معتم . أدركت أن في الغرفة سر بالغ الأهمية .. أرادت أن تدخلها بأي طريقة .. يجب أن ترى ما هو وراء هذا الباب الموصد..

دخلت غرفة كابل وهي بالكاد تعي ما تفعل وعيناها تبحثان بذعر في كل مكان .
همست لنفسها : أرجوك , أرجوك .... أرجوك ربي ! أرجو ألا يكون كايل قد أخذ المفتاح معه !
استقرت خيبة الأمل فيها وهي تدرك أنها لا ترى شيئا وأن المفاتيح ليست موجودة .. لكنها لن تتراجع الآن ... فلا بد من أنها موجودة في مكان ما ! وبحركات مرتجفة , أخذت تفتح الأدراج عشوائيا , وهي ترمي الملابس من دون اهتمام ,

وتتركها كبعثرة أينما كان .. لكن , مرة أخرى كان بحثها غير مجد .. وأخيرا لم يبق أمامها سوى الخزنة ...
ترى , ماذا كان يرتدي بالأمس ؟ بيدين مرتجفتين فتشت , من دون أن تعرف ما تبحث عنه .. سترة جينز .. هذه السترة ! وما إن هزتها حتى سمعت صوت معدن خفيف في جيبها , فانحبست أنفاسها في حلقها .
يا إلهي .. أرجوك فلتكن هي .. أرجوك !

وعضت على أسنانها على شفتها السفلى بقوة .. وانتزعت السترة من التعليقه وراحت تبحث في جيوبها .. وما لبثت أن أفلتت منها تنهيدة ارتياح بينما كانت أصابعها تطبق فوق مجموعة المفاتيح الباردة الصلبة ..
بدت له الرحلة قصيرة من غرفة النوم إلى الباب المقفل , وكأنها بطيئة بطيئة . كانت قدماها تجرانها بألم , غير أنها

وصلت في النهاية .. وهنا , عانت من جديد لتبقي يدها ثابتة وهي تدس المفتاح الأول في القفل .
وترقرقت في عينيها دموع ملتهبة لإدراكها أن المفتاح غير مناسب ..
و غشي بصرها وهي تتعثر في محاولات فاشلة .
- أوه .. هيا ... هيا !

صدح صوت المفتاح الأخير وهو يدور في القفل , حتى خرق صمت المنزل . وللحظات طويلة مضطربة , نظرت ايف إلى قفل الباب قبل أن تجمع أعصابها , وتدير المفتاح مرة أخرى ثم تدفع الباب إلى الأمام .
لم تكن الغرفة غرفة مستودع .. واجتاحها الدوار وهي تقف مسمرة في الباب .. وواضح أنها مؤثثة مثلها مثل الغرف الأخرى

.. تأملت ورق الجدران برسومات للغيوم والبالونات الطائرة , كان الأثاث صغير الحجم حديثا جدا . أما السجاد ذات اللون الأزرق فكانت تتوهج في شمس بعد الظهر المبكر , فيما النور يتسلل من النافذة لينسكب على خزانة البطانيات حين ترتفع

الألعاب زاهية لم تلمس بعد .. أما في وسط الغرفة ..
وفجأة دوى في رأسها طنين ألف نحلة غاضبة , فتقدمت إلى الداخل ببضع خطوات مترددة مرتجفة .. وامتدت يداها أمامها

وكأنها تسعى إلى شيء يدعمها .. ثم اقتربت من مهد صغير من خشب الصنوبر , فتصاعدت آهة , بل صرخة عويل وكأنها أنين حيوان يعاني ألما شديدا .. وبمزيج من الصدمة والرهبة , أدركت أن الصرخة خرجت من فمها , تماما كما في الحلم .

أوصلتها بضعة خطوات إضافية إلى السرير الصفير , فتمسكت يداها بأطرافه بقوة حتى هددت بتحطيم الخشب . ثم أبصرت التعاليق المتحركة المبهجة التي تتدلى من السقف .. واللحاف الرائع الألوان ...

وفجأة , ظهر الرباط المفقود .. وطالعها جسم صغير نائم برضى , وقد لفه الدفء , وشعر أسود ناعم يرتاح على الملاءة الزرقاء الشاحبة , ورموش طويلة فوق خدين زهريين.

في تلك اللحظة .. تهاوى الجدار داخل رأسها وولى إلى الأبد , ليطلق من وراءه سيلا من الذكريات راحت تتدفق إلى تفكيرها دونما هوادة , فتدمرها , وتمطر ذهنها بقوة الإعصار , إلى أن أطلقت صرخت يأس , ووقعت على الأرض .. فيما يد الظلام تحيط بها .....
10 - تهاوى الجدار
"ايف .... ايف ... حبيبتي ...!!!""
في البداية لم تعرف مطلقاً هل الصوت نداء حقيقي ام انه مجرد صدى في رأسها
لكنها احست ان ذراعين جبارتين تحملانها و تضمانها الى صدر قوي .
لم تكن تعرف هل فقدت الوعي ام ان التفكير والاحساس قد هجراها ..
لكنها كانت غارقة في طوفان من الذكريات التي اكتسحتها دون رحمة ,
وكل ما تعيه هو خفقات قلب كايل في أذنها وصوته يهدهدها بلطف ... فتهالكت على صدره بتنهيده وهي لا تستطيع ان تقاوم عاصفة الذكريات ..
وهاجمتها الصور ... فأبصرت المناظر السعيدة من ايامها الاولى مع كايل وقد اصبح وجهه الآن اكثر قوة في رأسها وكأنه لم يختف عنها يوماً ...
وعاشت مجدداً ذكرى لقائهما يوم تعانقا للمرة الاولى ,
اضافة الى السعادة في حفل زفافهما وانتقالهما الى نورفولك ..
واخيراً تذكرت الوقت الذي عاشت فيه هنا مع كايل في هذا المنزل الرائع وفرحهما الغامر حين اكتشفت انها حامل , وقمة السعادة التي عرفتها وهي تعيش مع طفلهما الذي ينمو في داخلها ...
لكنها , تلقائياً عرفت كذلك لماذا محى عقلها كل ذلك الماضي ولماذ خبأ عنها الرعب الذي هربت منه ..
وراحت تبكي بصوت مرتفع :
" اوه ... بن .... بن ! طفلي الصغير ! ."
" هس .... حبيبتي !".
كان صوت كايل حافلاً بعذاب يماثل عذابها . واشتدت ذراعاه حولها :
" يا الهي .. لم اكن اريدك ان تكتشفي الامر بهذه الطريقة !
كنت سأخبركِ كل شئ هذه الليلة ... اردتكِ ان تعرفي بلطف .. لا كالمرة السابقة
وعرفت ايف ماذا يعني ,
وتجلت "المرة السابقة " بشكل معذب ...
فاستعادت الذكرى المتوحشة يوم استيقظت متأخرة ذات صباح بارد لتدرك بدهشة ان طفلها البالغ من العمر عشرة اسابيع لم يزعجها كعادته او يطالب بالطعام بإلحاح صاخب ..
وعاشت مرة أخرى تجربة الرحلة المرعبة من غرفتها الى غرفة الطفل ,وهي تفكر انه نام طوال الليل للمرة الاولى ...
ثم توقفت عند الباب ورأت رأيه الصغير الأسود الشعر يستلقي فوق ملاءة زرقاء شاحبة .. فيما بقية جسمه مخبأ تحت اللحاف البراق الألوان ...
" هيا ايها الكسول .. انه وقت الطعام ."
وتقدمت الى الامام وهي تمد يديها لترفعه .. وهي تشعر ان في الامر سر ,
جسده بارد بشكل غير طبيعي ووجهه الصغير ازرق ,
وهنا ,, ادركت ما يجري ,
فتأوهت مرة أخرى :
" اوه ... بن .. بن !! ."
واحست بنفسها تتأرجح بين ذراعي كايل المواسيتين ...
اما ما تلا هذا فضباب معذب ... تذكرت صدمة كايل وذعره , ومحاولاته العقيمة في انعاش الطفل ,, الطبيب , الشرطة , واخيراً تلك الكلمات الرهيبة ,, الكريهة و المروعة ,,
رغم كل التعاطف الذي ظهر فيها ..
" موت سريري .. ما من طريقة للمعرفة ..ما كان يمكنكما ان تفعلا شيئاً ."
ثم , فيما بعد النصيحة المستحيلة ...
" حاولا مجدداً ...."
كيف يمكنها ان تحلم بالمحاولة مجدداً وقلبها مات مع بن.. وهو مدفون معه في ذلك القبر الصغير ؟؟
" طفلي ." !!
" اعرف حبي .. اعرف .... "

تأثرت كلماته بنبرته المرتجفة فبدت غير مفهومة تقريباً , و رغم ذلك خترقت ضباب الألم الذي ملأ رأس ايف ..
فأعادها من الماضي الة الحاضر بارتجاج عنيف , فرفعت اليه رأسها وهي لم تزل بين ذراعيه , نظرت الى وجهه للمرة الاولى لتطالعها خطوط الدمع اللامعة على خديه :
" اووه .. يا الهي ..!!"

ترافقت شهقتها مع انفاس كئيبة مؤلمة , فها هي اخيراً , لا تتذكر فحسب ,
بل تتعامل مع الاحداث الماضية من منظورها الصحيح ,
لا مغشاة بألمها هي ,
رفعت يداً , وهي غير قادرة على اخفاء ارتجافها لتلمس خده بلطف , وتجذب العينين القاتمتين الى عينيها الزرقاوين المليئتين بالأسى ,

ثم صححت كلامها بنعومة :
" طفلنا !!."

ورأت رأسه يتراجع الى الخلف اعترافاً بأهمية كلماتها ..

حاول ان يتكلم .. فابتلع ريقه و تحركت شفتاه ,,
لكن الصوت لم يتشكل ,
ومع ذلك افهمها الصمت المؤلم معاناته تماماً ..

" اوه ... كايل ... انا آسفة ,,, آسفة جداً !."
هز رأسه الاسود الشعر بقوة ..
" لقد كنتِ تعانين الماً عظيماً .. "

خرجت الكلمات من حنجرة جافة أجشة .. وبلغ ترددها حداً طعن قلب ايف مباشرة ..

قالت بلطف :
" وانت كذلك ,, لكن بؤسي اعماني عن رؤية ذلك ...
كنت عملياً وكفؤاً .. بارداً كما ظننت ..."

وخذلها صوتها وهي تتذكر كيف ظنت ان كايل لا يشعر بالحزن لخسارة طفلهما كما شعرت هي ,,
وبينما انقلبت هي الى اسوأ .. تحوّل هو الى الامور العملية ,, فنظم الجنازة , ودفن نفسه فس العمل ..

لقد اعماها حزنها عن رؤية الألم الذي يخفيه وراء مظهره الهادئ ....
هدوء كان مجرد قناع فرضه لمصلحتها , بينما كان يتمزق إرباً طيلة الوقت من غير ان يتمكن من إظهار حزنه كما فعلت .
اما هي فظنت انه لا يعير الحادثة اهتماماً ...

" كان علىّ ان ادرك انك تحبه ايضاً .. وانك تعاني بقدر ما اعانيه ... لكنني لم استطع ان افكر بجلاء ,, بل لم استطع التفكير اطلاقاً ."

" اعرف ... فكرت انني لو تركتكِ لحزنكِ فسوف تتخلصين في النهاية من هذا الحزن ."

هكذا راح يدعمها بهدوء , يتصرف كما يجب , يحمل كل المسؤولية عنها , ليتركها اسيرة لألمها .

ولم تدرك الا الان في هذه المرحلة الجديدة من علاقتهما انه قد اتخذ الخطوات العملية التي تساعدها ,
وحاول التخفيف من الضغط اليومي عنها قدر ما يستطيع ومنحها الوقت الذي تريده ...

لكنها اساءت تفسير اعماله
و ظنت انه يحاول السيطرة على حياتها ...
همست ايف :
" انا لم اشكرك حتى ."
وخشيت فجأة من ان تلتقي بعينيه لءلا تتذكر انها لم تترك له مهمة القيام بكل شئ فحسب , بل انها تركته , لتضيف المزيد من الالم الى المه ..
في الماضي شبهت حالتها كمن ينظر الى مرآة من دون ان يرى سوى نفسه ,
لا لسبب الا لانها الوحيدة التي ينظر الى المرآة ...
اخيراً , تحطمت تلك المرآة .

عندها فقط رأت انها كانت تعكس ما فيها , طوال الوقت كانت خائفة من ان تثق بكايل ...
خائفة مما قد تكتشفه عنه ,

خائفة من ذنبه الذي دمر علاقتهما ,

بينما في الواقع رأت الصورة رأساً على عقب .
واغفلت عن الحقيقة التي تقول انها هي المسؤولة عن ذلك الضرر .

سالت , هرباً من ضمير المعذب :
" لماذا لم تقل لي شيئاً ؟."

" لم أجرؤ .. اعتقدت انه خطير جداً .. لقد اوضح لى الاخصائي انه من المخاطرة ان اصدمك بالذكريات ... وان التحدث اليك عن الطفل ... طفل لا تتذكرينه , قد يكون فوق احتملك ."

وبالطبع لم يشك احد غير كايل انه لها ولد ,, حتى الاطباء اهتموا بحالتها العقلية اكثر من حالتها الجسدية , وفي وقت كان من الواضح منذ البداية انها لم تعان اذى جسدياً .. بل مجرد محنة عاطفية حجبت كل الذكريات حتى اسمها .
" ايف "

وصمت كايل ثم اخذ نفساً عميقاً متحشرجاً . اجفلت ايف وهي بين ذراعيه .. وقد عرفت غريزياً ما هو قادم , فاضطربت اعصابها بشدة وهي تدرك ان الرد لن يكون سهلاً ....

" حبيبتي ... هل كانت المشكلة تتلخص في بن .... وبرودتي فقط ؟
لماذا رحلتِ ؟؟ لماذا ......"

ولم يكمل السؤال ... فقد خذله صوته ,
لكن ايف لم تحتج الى النهاية .....
فعلى اي حال لقد ظلت في " منزل مونتاغوي " لأكثر من شهر بعد موت بن ....

بضعف امتدت يداها الى كايل , فقبض عليهما بأصابعه الدافئة القوية وهو يشجعها على المتابعة :

" حين مات بن ,, لمت نفسي , ظننت انني اقترفت ذنباً ما ..
او انني لم اقم بواجبي.... وانني لو فعلت لما حدث .......

وترددت ... كانت تسعى جاهدة الى السيطرة على اعصابها ,

لكن بدون جدوى ,, وتشابكت اصابع كايل مع اصابعها بينما اندست يده اليسرى لترفع رأسها ,
فالتقت عيناها بعينيه الابنوسيتين العميقتين المتفحصتين ...

تمتم :
" خذي الامور ببساطة يا حبيبتي ... استطيع النتظار . امامنا وقت طويل ."

ما ان سمعت كلماته حتى غمر كيانها احساس مذهل من السلام والثقة ... سوف ينتظر .... ما عليها الا ان تقول له ذها , و سيكون كل شئ على ما يرام ,
تحولت فجأة الى القناعة التامة بأنه سيكون الى جانبها مهما حدث ...

" ثم حين ابتعدت عني .... احسست .. ان ..... ان .............

ومن صوت كايل توقعت ما كان على وشك ان يقوله ...
ما كان عليها ان تتابع ...
لكنها مضطرة الى الكلام اراحة لضميرها ...

" انك تلمني كذلك ..

" اوه ... ايف . حبيبتي ... ابداً ...
لكنني لم اتمكن من الكلام معكِ .. لم اكن اعرف كيف اتواصل معكِ
لقد قال الاخاصائي انك ستتوصلين الى تخطي المصاعب وحدكِ .. وهكذا انتظرت ...."

ولقد انتظر .... وبصبر لا حدود له ,
راح يتعامل مع حزنه في الوقت عينه .
اما هي , فكانت منغلقة في بؤسها , فلم تستطع ان تتلمس الحب الذي أظهره لها عبر حساسيته المتسامحة , واخفائه لحزنه ,

بل كان دائماً موجوداً اذا احتاجت اليه ...

وكشف عن قوة وتفهم فسرته هي على انه عدم اكتراث قاسي القلب ..

قالت :
" كنت مقتنعة ان موت بن كان ذنبي .... ثم شعرت انني خذلتك كذلك , حين تركت هذا يحدث ...."

حين لم تتمكن من المتابعة صرخ كايل :
" او ايف .... حبي ! ."

وضمها بين ذراعيه مجدداً , وهو يقبل الدموع التي تسللت الى خديها ........

واكمل :
" موت بن لم يكن ذنب ا حد ."

ارتجف صوت ايف وهي تطافح لتسيطر على نفسها :
" اعرف ....اعرف ...... لكنني في ذلك الوقت كنت ابحث عن اعذار ....... عن شئ افسر فيه الرعب الرهيب العشوائي الذي قتل طفلاً في الاسبوع العاشر من عمره ,
واصبحت مقتنعة انك لن تحبني بعد الان ,

وانني لن اسبب لك سوى المزيد من المعاناة .........

واحسست ان كل ما استطيعه هو الرحيل .......

والامل انك ستكون سعيداً مع غيري ........ وربما ترزق بطفل آخر ..............

لذا ......... لم اهتم بتوضيب حاجياتي .
بل اخذت فقط ما كنت ارتديه .... حتى انني تركت حقيبة يدي لان المال فيها مالك ........."

" لكن ايف ... حبي ...... كان من المستحيل ان اكون سعيداً مع سواكِ

كانت السنتان الاخيرتان جحيماً من دونكِ ... ولو كنت اعرف حقيقة مشاعركِ لقلتُ لكِ هذا يومها .............. وما كنت تركتكِ ترحلين .... لكنت ربطتكِ بسلاسل من ذهب ......

ظهرت عبر دموعها ابتسامة ضعيفة للمبالغة في كلام كايل , ورفعت يدها تلامس خده بلطف .

" وانا ما امكنني ان اكون سعيدة من دونك . وكما تعرف , كان والداي باردين لا يعرفان معنى العاطفة .....
حين التقيت بك , تغيرت حياتي تماماً ,
من دونك , لم يكن لحياتي معنى ... وهذا ما ادركته في ذلك المقهى في العشر من أيّار ... يوم ميلادي ...........

قاطعها بلطف :
" انه الذكرى السنوية ليوم تأكدت فيه من حملك . ولا عجب ان يكون ذهنكِ المسكين المكدوم قد احترق وقرر انه اكتفى ....... واتمنى لو كنت اعرف مشاعرك فقط , كي استطيع ان اساعدكِ ..........."

" لكنك كنت تظن انه سيساعدني ... لقد توليت كل الامور العملية التي لا استطيع التعامل معها ..
كان يجب ان نكون فيه متقاربين , ابعدنا حزننا عن التواصل .... يا الهي ... ايف .......................... لو منحتني فرصة اخرى ........

وضعت ايف يدها على شفتيه تسكته :
" كايل ... حبيبي .. ما هذا القول ؟
الا تعرف ان هذا ما اريده اكثر من اي شئ في الدنيا ؟ و انا يجب ان نكون معاً ؟ "

احست بشفتيه تطبعان قبلة حارة على اصابعها .. فخفت وتيرة الالم الذي سببته وفاة بن , ذلك الطفل الذي احباه معاً و فقداه معاً ...

" انت من عليه ان يمنحني فرصة اخرى .... على اية حال ,
انا التي تركتك ,, لكن في اعماق قلبي كنت اعرف انني لن استطيع العيش من دونك .

وعرفت هذا مجدداً هذه المرة ,
ربما لهذا كنت اخاف منك في لا وعيي .

وهذا ما حدث في الماضي ففرصتي الوحيدة مستقبل سعيد معك .

الا انني كنت ابعد عن السعادة لانني اجهل لماذا تركتك قبلا ...

لهذا لم اقل لك كم اتمنى ان اعود واعيش كزوجة لك مجدداً .."

تراجع رأس كايل الى الوراء بحدة وسأل :
" وهل اردتِ هذا حقاً ؟".

" طبعا حبيبي ...
اردت ان اقضي بقية جياتي معك واحاول ان اشفي الجرح الذي حدث , على اساس الوعد بما هو قادم ..."

رأت النور المتوهج في عينيه ينعكس في قلبها نوراً أكثر تألقاُ . وعرفت انهما سينسيان كل مشاكلهما ويخلقان معاً مستقبلاً زاهراً ...
قالت تمازحه :
" اذن ..... هيا ..... اين تلك السلاسل الذهبية التي تهددني بها ؟".
منتديات ليلاس

اكد لها كايل وهو يضمها بين ذراعيه مجدداً :
" لا احتاج اليها ....
فقوة حبي تربطكِ بي ...
تمسك بكِ ولا تفلتكِ ابداً ............
" قوة حبي تربطكِ بي .... تمسك بكِ ولا تفلتكِ ابداً ....."
عادت تلك الكلمات الى ذهن ايف فيما هي مستلقية على كرسي الاستراحة في الشمس تراقب كايل وهو يسير نحوها فوق المرجة الخضراء ...
كانت الكلمات ما تزال واضحة وكأنه قالها في الامس .
وها هو يقولها في هذا الصباح بالذات , و هو يعطيها هديتها السنوية ..

أضاءت وجهها ابتسامة سعادة صافية وهي تتحسس السلاسل الذهبية الخمس حول عنقها . واحدة عن كل سنة من زواجهما منذ التقيا من جديد .

" والآن , لماذا ارتسمت هذه الابتسامة التي تشبه ابتسامة القطة و قد اكلت الجبن على وجهكِ .... عجباً ؟ "

وغاص كايل على العشب بجانبها مكملاً :
" الا تظنين ان الوقت قد حان لتطلعيني على سرك ؟
نحن الآباء بحاجة الى تحذير مسبق , وعرفين هذا ,
كما انه علينا ان نخبر باتريك ..... متى ؟ ".

لم يتوسع كايل في سؤاله ,
وعرفت ايف انه ليس مضطراً , فمن المستحيل ان تخفي سراً عن هذا الزوج الشديد الملاحظة ...

قالت بنعومة :
" في شهر كانون الثاني ... ومن الممكن ان يتصادف مع عيد ميلاد بن ."

كانت قد ا صبحت قادرة على التلفظ باسم ابنها الميت الآن بأقل حزن ...
سيبقى له دائماً مكان مميز في قلبيهما ....
لكن الزمن قام بشفاء أسوأ الآلام , وهما الآن يملكان الكثير مما يشكران عليه ..

قال كايل ممازحاً :
" انه الوقت المناسب ... ستحقق هذه القصة أفضل المبيعات ."

قالت محتجة :
" يا مراقب الارقاء ! لماذا اثقلت على نفسي يوماً بجعلك ناشري , اضافة الى زوجي ؟."

قال بخبث :
" هذا لانكِ تحبينني .. ولا تنسي ,, لولا قصتكِ الاولى لما وجدتكِ ثانية ."

وكيف لها ان تنسى هذا أبد الدهر ؟
لو لم تكتب اول كتاب وترسله الى مؤسسة جنسن للنشر لما عرفت أبداً السعادة التي تملا الآن كل لحظة من حياتها ,
لقد شهد الكتاب الاول بعد ان عدلت فيه الاحداث الشخصية نجاحاً مذهلاً , اطلقها في عالم مهنة جديدة
" كيف تظن ان بات سيتعامل مع فكرة اخ او اخت جديدة ؟

اتجهت عينا كايل الى ابنه القوي البنية وهو يلعب مع جرو اقتناه حديثاً , تحت مراقبة مربية مخلصة .
كان اسمر كأبيه , لكن له عيني ايف الزرقاوين ...
لقد ادخل باتريك الفرح الكبير الى حياتيهما منذ ولادته قبل ثلاث سنوات ...
من الطبيعي ان ايف عاشت الاشهر الثلاثة الاولى في خوف دائم من تكرار تاريخ بن ,
لكن لفرحها الشديد , عاش الطفل الصغير و تطور ليصبح صغيراً قوي البنية .
" سيطير ابتهاجاً ... مثلي انا .. "
تنبأت ايف باحساس كايل وقد شعرت بالدفئ في صوته , والتوهج في عينيه و الرقة في يديه ...
قال:
" لم اكن اتمنى هدية عيد زواج افضل من هذه ... ولا زوجة افضل .... في الواقع ............؟.
وكانت تنهيدته تعبر عن رضى عميق :
" ........... لا يمكن ان اتمنى حياة افضل ."
ولا كان هي باستطاعتها ان تتمنى الافضل ...
وفكرت ايف بهذا في سرها بينما كانت شفتا زوجها تهبطان على شفتيها بقبلة حارة ,
احست معها ان دمها بدأ يغلي بتأثير لا دخل له بدفئ الشمس .
تمتم كايل :
" اعتقد ان الوقت قد حان لنرحل الى المنزل ...
على اية حال تحتاج السيدات الحملات الى الراحة ."
لكنها عرفت من رنة صوته ان تلك اراحة لم تكن تجول في فكره ..
احتجت ايف ضاحكة :
" كايل !! وماذا سيظن ابننا باتريك ؟".
للحظة اتجهت عينا كايل الى ابنه ,
ثم عاتا الى وجهها المتورد , وما لبث ان تمتم بصوت اجش :
" سأقول لكِ ماذا يظن ....
سيظن ان والده يحب والدته كثيراً ....
وسيكون على حق تمـــــاماً ".
تمــــــــــــت

nightmare 14-10-08 04:33 PM

معليش شباب النت عندي كان بيقطع
يله هذا النهاية واستمتعوا
بااااااااااااااااااااااااي

blindlove 14-10-08 06:17 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

karamila 14-10-08 07:50 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الروايه حلوة ننتظر الباقى
لاتتاخرى علينا

فيفي و بس 14-10-08 09:31 PM

يعطيكي الف عافيةو ننتظر الرواية الجديدة بعد ما ترتاح اصابعك

nightmare 15-10-08 07:38 PM

تسلمي فيفي أرتاح لما اشوف ردودكم الحلوة

ولد البلد 16-10-08 05:27 PM

شكرا لك على الرواية الرائعة

sweat_tama 17-10-08 02:56 AM

7lwa awy merciiiiiiiiiiiiiiii kteer lyky ya amra

party4 19-10-08 04:18 PM

قصة حلوة وموضوعها جديد شكرا الك ومن نستنا منك المزيد

الضوء الأزرق 17-11-08 10:00 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
[
[COLOR="rgb(153, 50, 204)"] موفقه بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .[/COLOR]

غدر الاماكن 22-12-08 08:47 PM

الله يعطيكي العافيةوشكر ع مجهودك

pretty 10-01-09 12:20 AM

مع اني لسه ما قريت الرواية بس شكلها كتير حلوة

لذلك حبيت قلك يعطيكي الف عافية

و انا بتشكرك كتير و تسلم الايادي

ema82 19-03-09 03:32 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تسلم ايديك الرواية تجنن واحداثها مثيرة
حنستنى منك روايات تانية

nightmare 19-03-09 07:48 PM

لكل الحلويين مشكوريين
مــــــشكــووريين
مشكورين
اتمنى أرد على كل وحدة
بس ما أقدر اطول توني والدة
تشكرات
:D

sall 21-03-09 05:26 PM

يسلمو حبيبتي على الرواية الحلوة

يعطيكي الف عافية

momak 21-03-09 08:48 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

جين استين333 10-04-09 09:21 PM

القصة عندي
وهي.........
القصة راااااااااااااااائهة يسلموووووو

حلمـ الطفولهـ 18-04-09 10:45 PM

تشكراااااااااااااااااااااااااااااااااات

يعطيك العافيه

posy220 24-04-09 09:48 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . :)

الجبل الاخضر 04-08-09 12:24 AM

وووووووووووووووووواااااااااااااااااوووووووووووو
ررررررررووووووووعه جميله جداجداواحداثهالاتوصف مره رائعه تسلمين

Midnight 04-08-09 10:28 AM

تسلمين على الروايه

مهاجره 22-08-09 06:15 AM

شكرا يعطيك العافية ..

moura_baby 23-08-09 11:07 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

بنوته نايس 19-10-09 08:40 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

قماري طيبة 02-02-10 07:47 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

الهيفاء 16-02-10 11:20 AM

رائعة جدا ومؤثرة جدا جدا، لك مني كل الشكر...

zeina angel 18-08-10 03:03 AM

ahla mountada thxxxxxx and good jobbbbbbb :8_4_134:

zeina angel 19-08-10 07:58 PM

thx 3ala hal rewayat eljamila :8_4_134:

zeina angel 20-08-10 02:39 AM

rewayaaaattt jamilaaaa jidannnn thxxxxxxx:55:

دموع الغدير 23-08-10 04:39 AM

مشكووووووووووووووووووووووووره على المجهووووووووووووووووووووووود الراااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااائع: 8_4_134:

ندى ندى 23-12-11 02:07 AM

روووووووووووووووووووووووعه

ام سلمي 23-12-11 09:25 PM

السلام عليكم ورحمة الله
شكرا لك على هذه الرواية الرائعة
جزاك الله خيرا
ويارب لا نحرم منك ولا من كتاباتك لقصص اخرى جديدة
شكرا لك
سلتام وفي امان الله

soso512 21-01-12 03:38 AM

woooooooooooooooooooooooooooooooooooow:toot:

الجبل الاخضر 20-03-13 10:37 PM

رد: 226- حزن في الذاكرة - كيت والكر ( كامله)
 
:55::peace:تسلمي ياعسل ع هالروايه الرائعه :peace::dancingmonkeyff8:اختيار ممتاز ننتظرجديدك :55::peace:وشكرالك ع المجهودك:lol:

سماري كول 22-04-13 12:06 PM

رد: 226- حزن في الذاكرة - كيت والكر ( كامله)
 
تسلمين ع الروايه الحلوه حبوبه

one star 12-05-13 08:24 PM

رد: 226- حزن في الذاكرة - كيت والكر ( كامله)
 
رائعة تسلم ايدك

شووقهـ 16-08-13 04:57 AM

رد: 226- حزن في الذاكرة - كيت والكر ( كامله)
 
يعطيكي العافية جمييييييييييلة

الجبل الاخضر 05-10-14 02:06 AM

رد: 226 - حزن في الذاكرة - كيت والكر ( كاملة)
 
تسلمي عيوني :55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:تسلم الانامل :hR604426:على المجهودك الرائع والاختيار الممتاز:55::peace: ونشكرك على تعبكي:lol: ياعسل :wookie:وننتظر جديدك:dancingmonkeyff8:

junjun 25-09-15 11:41 PM

شكرااااا😘😘😘


الساعة الآن 09:51 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية