منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   116 - أريد سجنك - آن هامبسون - عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t95118.html)

ruqia 07-10-08 12:25 PM

http://img528.imageshack.us/img528/8...9c8ecafef5.gif[COLOR="Indigo"][الروايه وايد روعه بصراحه انا احب هل النوع من الروايات/COLOR]

noor al hoda 08-10-08 12:04 AM

روايه روعه

redroses309 08-10-08 04:07 PM

مشكووووووووووووورين على المرور و التشجيع
شموخ الشرقية
saf saf313
عاطفة
ruqia
و noor al hoda
و لعيونكم و لعيون كل اللي متابعيني راح أنزل اليوم الفصل الخامس و السادس.

redroses309 08-10-08 04:10 PM


5 - الفريسة


اتى الى غرفتها كما كانت تتوقع .
و لكن اثناء الفترة التي مرت بين ما قالته في الصالة بأنها تريد ان تتزوجه و بين الانتهاء من تناول الطعام عادت تارا الى رشدها .
اقرت بأن اليوناني بخبرته الواسعة بالنساء قد يشعل فيها انفجارا يدمرها تدميرا تاما .
استفاقت تارا و عاد اليها منطقها و سلامة تفكيرها .
و فيما هما ينتظران القهوة في غرفة الجلوس كانت قد اتخذت جميع الاحتياطات لاعلان الحرب عليه مرة ثانية .
فاستعادت رزانتها و كرامتها .
اقرت داخليا بضعفها امام وسائله و اساليبه و لكنها عزمت بكل جد على الا تقع فريسة له .
و ستحاربه على طول الخط و تتحكم باندفاعاتها العاطفية قدر الامكان .

كان وجهها شاحبا و لكنها كانت متزنة عندما فتح الباب . و رأت ليون واقفا بقامته الطويلة و لون بشرته الاسمر و عينيه السوداوين النفاذتين و ابتسامته التي لا تخلو من دلائل النصر و التهكم .
- لست جاهزة لاستقبالي ؟

كان كلامه هذا طلبا اكثر منه استفهاما .
- هل تريدينني وصيفا لك يا سيدتي العزيزة ؟

رفع حاجبيه و هو يسألها ثم اغلق الباب .
و بالرغم من تصميمها على المقاومة تأثرت بوجوده المغناطيسي .
ماذا عمل لها ؟ كيف يمتلك اي رجل مثل هذه القوة ؟ هل كل امرأة يلتقي بها تقع ضحية له ؟
- انا ... انا غيرت رأيي في الزواج منك .

و دهشت لهدوئها و هي تتكلم .
- لا اعرف لماذا اتيت الي ، لكن ...

فقال بصوت منخفض :
- تارا ، كفاك كلاما طفوليا . آن الآوان لكي تعترفي بالأمر الواقع بعد كل الذي حصل هناك منذ ساعة . لو اني حملتك الى السرير في حينها لكنت ملكا لي الآن .
- ملك لك ؟ النساء اليونانيات ملك لأزواجهن ، اليس كذلك ؟

اجابها بهدوء :
- المتزوجات منهن طبعا ، و هذا ما يجب ان يكون .
- من يتظاهر بالبعد عن الحقيقة ؟ انت تعرف الغرب حق المعرفة كما تعرف اليونان . لكن الأمر يختلف في الغرب .
- هل تتوقعين المساواة بين الزوج و الزوجة ؟ لا مساواة بيننا يا تارا . انا سيد بيتي و كل شخص ... حتى امرأتي ... يعرض نفسه للخطر اذا تناسى ذلك .

تكلم بدون هياج ولكن بلهجة السيد .
و لكنها قالت متعبة :
- ارجوك ، اذهب . اريد ان انام .
- هل انت متعبة ؟

لم يبد عليه و هو يتكلم انه كان متأثرا او غير متأثر و لم يفصح وجهه عن اي شعور داخلي .
- نعم ، متعبة .
- تكونين متعبة ايضا لو كنت في شهر العسل ؟

لم يمض على اختطافها من خطيبها الا بضع ساعات .
اخذت تبكي مرة اخرى . كانت هذه الليلة ...
- اذهب عني ! اني اكره وجودك هنا ، وجهك ، كبرياءك اليونانية الفاسدة .
اخرج ! اخرج !
وبدل ان يخرج مشى نحوها و هي تتراجع حتى وقفت عند السرير .
- هل خاب ظنك ؟ هل الأمر كذلك ؟ لكن لا لزوم لكل هذا .
قاطعته مذهولة :
- خاب ظني ؟
- اي انك محرومة ... من رفيق يطارحك الغرام منذ اسابيع . مررت بهذه المحنة مرة او مرتين . يشعر الانسان انه مهزوم عندما لا يحصل على ما يشتهي .

اقترب منها قليلا ثم توقف . فقالت لتكسب بعض الوقت :
- يبدو انك تعرف .
- طبعا اعرف . و النساء لا يعرف لهن قرار . كثيرا ما يوافقن و من ثم يرفضن . طبعا ، كل رجل يعرف قيمة نفسه يقبل هذا الرفض على انه تحد له ، و لكن احيانا لا قيمة لتحد من هذا النوع .

فهمت من نظرته اليها انه يهزأ بها ولذا قررت ان تلزم الصمت .

و اخذ يقترب منها على مهل .
- كما قلت لك ، لا لزوم لأن تشعري بالحرمان . تأكدي من أني سأكون احسن بديل لعريسك . و بالفعل ، في سرك تفضلينني عليه .
- انت متغطرس و متكبر و وثني !

كان يلامسها تقريبا و فاحت منه رائحة حلاقة طرية كأريج الصنوبر بعد المطر .
رفع يده و توقعت ان يصفعها الا انه رفع ذقنها الى اعلى و عانقها .
- تبدين جذابة جدا عندما تغضبين لذا اريد ان اطيل مدة غضبك . و مع ذلك ايضا اريد ان اذلك . انت مثيرة يا تارا كما كنت في اول لحظة و قعت عليك عيناي .

و قالت بعد فترة :
- ارجوك ، اذهب .
- انت وعدت ان تتزوجيني و لا أرى ضرورة للانتظار و يمكننا ان نبدأ شهر عسلنا الآن ...
- كان ذلك منذ ساعتين عندما وعدتك بالزواج .

اخافتها نظرته التي كانت تأكلها اكلا و هي تجول من رأسها الى عنقها و صدرها .

لكنها اضافت :
- غيرت رأيي . لن اتزوجك ابدا !

احمرت عيناه و زفر من انفه فذكرها بحيوانات مفترسة تتأهب للهجوم على فريستها التي ترتعد من الخوف . كيف وقعت في هذا المأزق ؟
هذا يحدث للغير فقط و يقرأ الناس عنهم في الجرائد .
يشفقون عليهم ثم يلقون بالجريدة جانبا و ينسون كل شيئ .
و لم تحلم تارا مطلقا ان هذا سيحدث لها ذات يوم .

و لابد ان الناس يقرأون عنها في انكلترا ، يقرأون عن العروس المختطفة و هي في طريقها الى حفلة الزفاف تحت عناوين ضخمة على الصفحات الاولى .
سيطالعها القراء باهتمام كبير و هم يتناولون طعام الافطار .
و تصورت ديفد الذي يكون قد جن من الحزن ، و لكنها سرت لأنها وحيدة لا اهل لها .
- ستتزوجينني و ستسرين بهذا الزواج .

طرد صوت هذا الرجل من افكارها كل شيئ ... الناس و الجرائد و ديفد و حل محلها ، و سمعته يدللها و يغنجها بنعومة :
- تشجعي و استرخي و تقبلي ما اقدمه لك ، و سترين ان متعتك معي ستفوق بكثير متعتك مع الرجل الذي كنت ستتخذينه زوجا لك .
- اتركني ! اذهب ! لا استطيع التفكير ! الا ترى ان قلبي تحطم ؟
- القلوب لك لا تتحطم . بحق السماء ، تخلصي من تعلقك بحب العذاب ! هذا من وحي خيالك فقط !
- لا قلب لك و هذا هو سبب عدم فهمك لوضعي .
- لكني افهم كيف سأجعلك تنسين ...

و بحركة خاطفة ضمها اليه و ارقد وجهه على وجهها .
جمعت كل قوتها لتقاومه و مع كل بادرة للمقاومة كان يتشدد في عناقه .
و تسارعت نبضات قلبها .
- مازلت تقاومين ، ما هذه القوة التي فيك ؟ و كلما زادت مقاومتك كان انتصاري افضل .

و عندما رفع عينيه في وجهها ...
احمرار الخوف و اضاف :
- قلت انك غيرت رأيك بصدد زواجك مني ، و لكنك لن تغيريه ، اليس كذلك ؟

في هذه الاثناء لمست يداه شعرها فشعرت بالفرح يسري في كل جسمها .
نسيت كل شيئ و اصبح ديفد بعيدا عن فكرها بملايين السنين .


و اعاد ليون سؤاله :
- هل غيرت رأيك يا قطتي الصغيرة ؟

رفعت رأسها و اجابت بصوت لا يخالطه الشك :
- كلا يا ليون ، لم اغير رأيي في الزواج منك .
- اتريدين ان تتزوجيني ؟ قولي .
- اريد ان اتزوجك .

كان الآن يلتهمها بنظراته .
- جميلة انت حقا !

و هنا تصورت تارا في موقف يشبه تماما موقف غيرها من النساء امامه .
قرفت من هذا المنظر.
فكم عدد النساء اللواتي كان ينظر اليهن هكذا ؟
تصورت تلك النسوة و هن واقفات امامه كما هي واقفة الآن ، يسيطر عليهن و على حواسهن بقوة الرغبة .
و فجأة تراءى لها ديفد اللطيف ، و تراءت لها غرفة النوم في الفندق حيث كانت ستذهب اليه بارادتها لو انها تزوجت به .
ارتجف جسمها ... و هطلت الدموع من عينيها بعد ان حبستها كل تلك المدة .
- ما بك ؟

كان بكاؤها هذه المرة نحيبا جنونيا .
هزها ليون من كتفيها و صرخ في وجهها :
- استجمعي قواك . تحملت الكثير و لكن هذا افضل شيئ . منذ لحظة كنت سعيدة و الآن تبكين كالبنت الصغيرة .

فركت عينيها و رأت وجهه في ضباب .
لاحظت ان هياجه لم يعد كالسابق ، فقد خمد ، لكنها قد تكون مخطئة .
و عندما تكلمت كان صوتها ناعما ذا نغمات حلوة تماما كما كان ديفد يحب ان يسمعه :
- الم تفهم موقفي بعد يا ليون ؟ كان من المفروض ان يكون اليوم بداية شهر عسلنا انا و ديفد ، الشهر الذي لن ينساه كل محب طيلة ايام حياته مهما تبع ذلك من ملذات او احزان .

كانت عيناها الدامعتان الجميلتان تتوسلان اليه .
- و بدلا من ان اكون معه في اول ليلة من شهر عسلنا الذي كنت انتظره بفارغ الصبر اراني هنا في قبضة رجل متسلط لا يحبني .
رجل حول يوم زفافي الى سواد و يأس و شقاء ، رجل حرمني حتى من فستان عرسي الذي رماه في البحر ... هذا الفستان الذي تحافظ عليه كل امرأة كما تحافظ على كنز .
و هذا شيئ لا تستطيع ان تفهمه يا ليون ...

خنقها البكاء و لم تستطع متابعة كلامها.
و لكنها قالت بعد فترة :
- لن اكون صادقة اذا قلت انك لا تغريني وتغويني و تجبرني على قبول او قول اشياء لا اعنيها ... مثل ... قبولي الزواج منك .

ونظرت اليه متوسلة مرة ثانية الى وجهه الذي كان عابسا الآن و لكن خاليا من القسوة .
و لاحظت عصبا في عنقه يخفق كأنه يتأثر بالكلام او يبلع ريقه .
و تابعت حديثها :
- هل تصدق اني جادة عندما اقول اني اريدك زوجا ؟ انا احب شخصا آخر . ... كلا ، لا تغضب ، اتوسل اليك الا تغضب من جديد . ليست لي القوة الكافية لأتحمل .
لم اعد اتحمل . الا ترى ذلك ؟

اطمأنت قليلا عندما رأت وجهه يدل على زوال غضبه .
كان يصغي اليها بكل انتباه .
- ان قلبي يتحطم سواء آمنت بذلك ام لم تؤمن .
هنا ، هنا يا ليون ! انه يؤلمني ...

دلت على قلبها باصبعها وظل ليون مسحورا بمشهد اصبعها المرتجف و هو يلمس صدرها .
و توسلت اليه ثانية :
- لا تؤذني اكثر من ذلك . ارجوك . اتركني و اذهب عني ، اذا كانت لك ذرة من الشعور .

وقف و تناول عباءة خفيفة ساعدها على لبسها .
لم تدر ما تقول من شدة الدهشة . استدارت بعد ان ألبسها إياها و اخذ يرتبها على جسمها .
وضع يديه على كتفيها بكل لطف و نظر في عينيها اللتين ما زالتا تدمعان .
لم تفهم ما في عينيه السوداوين . كل شيئ في هذا الرجل غريب .
مد اصبعه برشاقة و ازال دمعة عن وجنتها و قال :
- استريحي قليلا اذا استطعت يا تارا ، و آمل ان تكوني احسن غدا .
ليلة سعيدة يا طفلتي ، و حاولي الا تبكي .

فتح الباب و خرج تاركا اياها متعبة ، ضعيفة و في حالة عقلية كانت تفضل عليها الموت .

لم تنم تلك الليلة . و بالرغم من حزنها و تعاستها كانت تتوقع ان يسوء وضعها اكثر من ذي قبل .
و ليون الذي ما زالت تعتبره وحشا مفترسا لم يحاول الاعتداء عليها بل توقف عند حد لم تكن تتوقعه .
كانت طيلة الليل تفكر على صوت محركات الزورق بعدة اشياء .
منها ما يتصل بعضه ببعض و منها ما ليس له معنى .
الا ان شيئا واحدا كان واضحا كل الوضوح و حيرها كثيرا هو سلوك ليون .

* * *

تحولت بأفكارها الى ما كان سيحصل لولا اختطافها .
فكرت في حفلة عقد القران و قرع اجراس الفرح و تجمع النساء و الاطفال ليشاهدوا العروس الجميلة و ذراعها في ذراع عريسها .
هذه اجمل ساعة في الحياة عندما يأتي الجميع ليشاهدوها هي لا غيرها في يومها المجيد ، اليوم الأوحد الذي تعيشه العروس مرة واحدة في العمر . تصورت الموائد الممدودة في احسن فندق بالمدينة .
تصورت المصور و هو يأخذ صورتها بينما تقطع كعكة العرس .
و سجل معاملات الزواج الذي كانت ستوقع اسمها فيه .
تبادل الانخاب و التهاني و التمنيات بالسعادة و الرفاه و البنين .
تصورت سو تساعدها على تغيير ملابس العرس الى ملابس السفر .
و السيارة التي كانت تنتظرهما لتأخذهما الى المطار حيث يستقلان الطائرة الى اسكوتلاندا ...
لقضاء شهر العسل هناك ... فكرت في ديفد و في حالته النفسية و افكاره و قلقه .
هو الآخر قد يكون متمددا مثلها في فراشه يتصور ما كان سيحصل .
في تلك اللحظة صرخت تارا تناديه في ظلام سجنها ... ارادت ان تقول له روحا لروح انها تحبه و انها ستحارب لتعود اليه .
منتديات ليلاس
و الشيئ الآخر الذي كان واضحا ايضا هو مشكلة الهرب .
لأنها تعتقد ان ليون لن يحتفظ بها سجينة مدة طويلة .
و قد بدأت تقبل بفكرة زواجها منه و تعرف انه اذا خيرها بين ان تكون زوجته او ان تكون امرأته سرا فانها ستقبل بالخيار الاول .
و بدا لها الآن انه مكتوب عليها ان تتزوجه ... و مع ذلك فانها ستهرب .
و ملأها الأمل في ان تستطيع الهرب قبل الزواج و لكن املها هذا لا وجود له نظرا لأساليبه المنيعة التي يستعملها لابقائها في قبضته .


اتى صباح اليوم التالي و وجدها تنتظر .
عبس عندما نظر الى وجهها .
- انك لم تنامي .

كان بلباس بحري جميل و سترة زرقاء عليها صورة مرساة عند جيب الصدر .
نظرت اليه تارا و لم تستطع التوفيق بين هذا الرجل الانيق الهادئ الواقف امامها و بين الوحش الآخر فيه .
- كلا ! و من الطبيعي الا يغمض لي جفن .

رأت شيئا يتحرك في عينيه و عصبا يخفق في عنقه و لكنها لم تحاول تفسير ذلك .

امسك بيدها و قال :
- في اليونان قول مأثور ... و تعرفين ان قدماء الاغريق كانوا فصحاء في ايامهم .

ظلت تنظر اليه و هي لا تفهم اين اختفت غطرسته و سخريته اللتان كثيرا ما اذلتاها .
- ما هو هذا القول ؟
- نتشاجر احيانا ثم نتوافق .
فلنتوافق كلانا يا تارا فنرتاح .

ارتعشت شفتاها لهذا التغيير المفاجئ و للطف عينيه و اقتراحه الرقيق .

انزاح عن صدرها شيئ من تعاستها بسبب كل هذا .
- انا ... اعني ... طبعا اذا كان هذا ما تريد .
- هذا ما اريد . تأكدي من ذلك . هل نختم ذلك بخاتم العناق ؟

عانقها و لكن عناقه هذه المرة كان ناعما و لطيفا و كله رقة .
شعرت بشيئ يؤلمها في صميم قلبها و لم تعرف له سببا . و احست ان بامكانها ان تتقرب اليه لو انهما التقيا في ظروف غير هذه .
- لا افهمك . انت مختلف هذا الصباح .

رأت عينيه تفكران ثم تعبسان . كان في صراع مع احساساته المتناقضة .
- لأول مرة في حياتي لا افهم نفسي يا تارا .

بدا غاضبا من نفسه . و قال منزعجا :
- هل انت جاهزة لتناول الفطور ؟ و لا تقولي انك لا تشعرين بالجوع .

و حذرها بلطف :
- و الا اجبرتك ان تأكلي سواء شئت ام ابيت .

رافقته طائعة . و ارتاحت لهذا التحول الذي جعلها تشعر لأول مرة بانها في امان .

لم يغير ليون موقفه و بقي مخلصا لوعده .
و كان كل ليلة يتمنى لها ليلة سعيدة و يتركها مطمئنة .
و احيانا كان ينظر اليها منتقدا حزنها و كآبتها اللذين لم يختفيا بعد ، و مرة غضب لأنه كان يريدها ان تبتسم .
فكانت تبتسم احيانا و تقول ان الابتسامة لا تغير شيئا من حالتها او شعورها .
- انت عنيدة يا تارا . و ايا كان رأيك في قولي ، فقد انقذتك من زواج كان سيتحول الى كارثة .
- انت لا تعرف الشعور بيني و بين ديفد .
- انا اعرف اي رجل يعجبك .
- لن تكون انت هذا الرجل في كل الأحوال .
- سترين كيف ان زواجنا سيعطيك لذة لا تتصورينها .

قالت ببرود :
- ارى انك لم تتغير .
- فيما اتغير ؟

كانا واقفين على ظهر اليخت في لباس السباحة .
- ظننت انك قد تعيدني الى بيتي .
- لا تحلمي بذلك . انا اريدك و تحملت الكثير لأحصل عليك . انا من نصيبك و انت من نصيبي لتكوني أما لأولادي ...
- كلا ، لا اريد اولادك !

لاحظت الغضب في عينيه . و لم تستطع النظر الى تلك العينين النفاذتين فخفضت عينيها و بدأت تتصور رسوما و صورا تتراقص على الخشب حيث كانت واقفة .
- بالرغم من اي شيئ آخر سأعطيك اولادا و هذا ما قررته ، اذ ان حياة زوجية بلا اولاد ينقصها عنصر حيوي مهم .
- مهم ؟ و ما هو المهم فيه ؟

صحيح ان صوته كان جافا و صارما الا انه عنى شيئا قد يكون مهما .
وكانت تود ان تفهم هذا الشيئ .
- مهم لنجاح الحياة الزوجية .

هل كان ينوي ان يقول انه مهم لسعادة الزوجين ؟
- الا تعطي السعادة الزوجية اهمية اكبر ؟

و بعد ذلك لم يتكلم كلاهما . فيم كان يفكر ؟ توترت اعصاب تارا وظنت انها قد تكشف شيئا من اعماقه ، و لكن هذا كان ظنا عابرا يجب ان تنساه .
- سنصل جزيرة كورفو غدا ، و سأنزل الى البر لآتي بصديقي الكاهن كي يقوم بمراسيم الزفاف .
انكمش قلبها و سرت قشعريرة في جسمها .
وقالت و هي تشعر بجفاف في شفتيها :
- لم تقل لي اننا نقترب من كورفو .
- لا حاجة بك لأن تعرفي . اعرف انك تأملين في اغتنام الفرصة للهرب كلما توقفنا في احد الثغور بقصد التموين . و اعتقد الآن انك تعرفين قدرتي في التنظيم و حرص بحارتي على تنفيذ اوامري ليراقبوك كلما توقفنا في مكان ما .
و في كورفو سأقفل عليك الباب مثل كل مرة .

كانت تفرك يديها حينا و تلويهما حينا آخر . و اخذت تتكلم و هي تبلع ريقها :
- لا اريد الزواج منك . استحلفك بالله ، اتركني و اعدك بأني لن اتكلم بشيئ .
- و كيف تفسرين غيابك كل هذه المدة ؟

كان مهتما بسماع جوابها .
- سأختلق اي شيئ . فقدان الذاكرة مثلا ... غيري يفقد ذاكرته ايضا !
- لا تكوني سخيفة !

كانت لهجته كأنها موجهة الى طفلة .
- انسيت انك خطفت ؟
- لن انسى ذلك طيلة حياتي !
- قد تعتبرين يوما ان اختطافك كان بركة عليك . ارتدي الثوب الذي اشتريته لك من لشبونة . لونه يناسب جمالك و طرازه ايضا . هل احببته ؟

هزت رأسها لأنها تذكرت ثوبها الجميل الراقد في قعر البحر . اما الثوب الذي تكلم عنه ليون و هو واحد من بين اثواب اخرى كان يجمعها كلما توقفا في مرفأ فكان بلون المرجان الذهبي ، مشدودا عند الصدر و اسفله كله ثنيات . و كانت اكمامه طويلة تضيق عند المعصمين .
الفستان جميل و كامل كل الكمال و لكنها بدأت تكرهه لأنه سيكون فستان عرسها .
- لا بأس به .

و بعد فترة قالت :
- اليست هناك وسيلة لاقناعك باعطائي حريتي ؟

هز رأسه بالنفي و عبس و لم تترك له فرصة الكلام اذ قالت :
- لن يزوجنا كاهنك هذا ! سأتهدده ، و بالرغم من انك ستبقيني سجينة فاني سأخيفه من العقاب حتى يرفض زواجنا مهما كان مدينا لك .
- اذن سأصرفه اذا انت رفضتي ، و ستصبحين امرأتي بالسر .

هذا هو الخيار الثاني الذي ذابت امامه كل احتجاجاتها و تهديداتها .
- هل سيزوجنا على اليخت ؟
- طبعا . فاني لا اخاطر بأخذك الى الشاطئ .
- اذن لا خيار لي ... الا في الزواج منك .

المعروف ان الزواج بالقوة مستحيل ، و لكن بسبب الوضع الذي هي فيه الآن فاما الزواج و اما ... الخيار الآخر ... فاذن ستتزوج و ستبقى تخطط للهرب ... و سوف تنجح .


**********************

redroses309 08-10-08 04:13 PM



6 - الدوامة العمياء



عندما اقترب اليخت من هيدرا رأت تارا الجزيرة في وهج غروب الشمس ، و بدت كأنها عروس بحر تطفو على سطح الماء الهادئ .
في خليج سارونيك . و بالرغم من وضعها لفت نظرها هذا المكان الذي ستعيش فيه .

عرفت تارا شيئا عن تاريخ الجزيرة من جملة ما قص عليها ليون .
كانت مركزا لقراصنة البحر ، اما الآن فانها تستهوي الكتاب و الفنانين و اصحاب السفن و غيرهم .
و المباني الضخمة القائمة على سفوح التلال يملكها الاثرياء ... و كان ليون أحد هؤلاء .

قال لها انه كان في وقت ما أحد ملاك البواخر الا انه تحول الى فن الازياء . يملك مؤسسة هيرا و هي من ارقى بيوت الازياء النسائية المشهورة .
تذكرت تارا الآن لماذا ذكر ليون في احاديثه السابقة معها عبارة " نماذج و دمى "
وعرفت ان ذوقه دقيق للغاية .
و اشهر فساتين هذه المؤسسة صممها ليون بنفسه فأكسبتها شهرة عالمية .

رفعت هذه المعلومات من قيمته في عينيها و اعتبرته اقل و حشية من ذي قبل ، و لكنها لم تتخل عن فكرة الهرب في اول فرصة ممكنة تواتيها على الجزيرة .

كانت واقفة عند سياج اليخت عندما انضم ليون اليها :
- سأدلك على بيتنا عندما نقترب من الجزيرة .

احست بدغدغة في معدتها لدى سماعها كلمة " بيتنا " لانها دلت على ان مستقبلها تقرر و انتهى .
و لا شيئ في العالم يستطيع ان يغير منه شيئا .
اصبحت ملكا لزوجها ، و المبنى لهما كليهما ، ستسكنه حيث ستكون قطعة اثاث و عبدة مطيعة لليون كباقي نساء اليونان .
التفتت اليه و دفع الهواء شعرها فغطى وجهه ، و عندما تكلمت كانت في صوتها مرارة اليأس :
- أنه بيتك انت ! لن يكون ابدا بيتنا نحن الاثنين !

اغضبته هذه العبارة و قال محتدا :
-ما معنى هذا ؟ هل مازلت تفكرين بالافلات مني ؟
- سأكون نموذجا لامرأة او دمية تعيش في عبودية ، لذا سأحاول الهرب .

توقعت ان يرفع صوته عاليا ادهشها هدوؤه عندما قال :
- يجب ان تؤمني بما قلته لك و هو انك ستباركين هذا الزواج . فقد يولد لنا طفل في وقت ليس ببعيد ... قد يكون على الطريق الان ... و عندئد ستقبلين نصيبك .

احست بانقباض في قلبها .
طفل على الطريق ؟
فعلا ، بعد تلك الليالي التي امضتها معه ربما صار هذا حقيقة واقعة .
لم تفكر في ذلك مطلقا . دعت الى الله ان ينقدها من ذلك ، و اذا صح انها ستنجب طفلا ، فسيسد عليها هذا الطفل طريق الهرب .
و لن يفرط ليون بطفله لتأخذه معها ذات يوم .
و هذا سيرغمها على البقاء .
لاحظ ارتعاشها و هي تعلق على كلامه :
- أصلي من كل قلبي الا يحصل هذا . هل نسيت اني احب رجلا آخر ؟ اخذتني زوجة لك ، و لكنك ستندم !
- او ستذهبين الى الشرطة اذا هربت ؟ هل هذا الذي سيجعلني أندم ؟

بانت لها قساوة صوته كقساوة جبل من جليد ، و لكنها تابعت كلامها بحدة لم يعهدها فيها :
- قلت لك قبل هذه المرة اني لن اخبر الشرطة اذا تركتني اذهب . رجوتك فرفضت ، و لكنني هذه المرة سأذهب ! و صديقك الكاهن سيكون مأواه السجن ... برفقتك طبعا !
- ماذا عمل لك الكاهن ؟ انك لم تتذمري ابدا و هو يقوم بمراسيم الزواج .

تأخرت في التعليق على قوله هذا لانها احست باختناق من فرط حنقها ، لكنها استطاعت ان تقول :
- لم اتذمر من تهديدك لي اذا انا رفضت . لكني اعتقد ان الكاهن ، و هو مفرط الذكاء ، احس بشيئ غير طبيعي .
- لم يرتكب الكاهن اي شيئ غير قانوني . فدعيه و شأنه ... هذا اذا تمكنت من الهرب .
- افهم من كلامك هذا ان الهرب قد يكون محتملا . اتعرف ؟ لقد شجعتني ، و اني اشكرك لإحياء هذا الامل في .

تطلع نحو الجزيرة يتأملها و بعد برهة قال :
- اذا تحققت آمالي فستلدين طفلا في وقت قريب . عندئذ لن تتركيني .

ادارت نظرها عنه و بكت . لقد نجح في كل خططه حتى الآن ، فأي أمل لها بعد اليوم ؟
قالت و هي ترتجف :
- كما قلت سابقا سأصلي كيلا أحمل طفلا .
- كلانا في صحة جيدة ، و من المعقول ان تلدي طفلي خلال السنة .

لم تعلق بشيئ على كلامه ، و ادار وجهها اليه ضاغطا على ذقنها باصابعه القاسية . فاستعدت لاحد مشاهده المعروفة بوحشيتها . ركز بصره فيها و قال :
- سأعمل المستحيل كي تلدي لي طفلا يا تارا . افهمت ؟ انا سيدك و حياتك رهن بي ، و ستحملين العدد الذي اريده من الاطفال .
- سأكون قطعة اثاث في بيتك اذن !

كاد صوابها يطير من الغضب . اي اهانة اكبر من اجبارها على سماع وقاحاته ؟
- و عبدة ايضا ! سأفلت منك يوما من الايام ! و ستكون أغبى الناس اذا ظننت انك ستفلح في ابقائي سجينة عندك !

تحول عنها واخذت تارا تتحسس ذقنها و الدموع تترق في عينيها ، دموع الشقاء و اليأس ، اليأس من أملها في التغلب على بطشه و على ضعفها . اذ انها ستبقى اذا هي ولدت له طفلا .

ادار ظهره لها وتركها . رأته وقحا في مشيته ، وقحا في مظهره .
و بالرغم من ارستقراطيته الراقية فانه لن يستطيع تغيير الطباع الدنيئة التي نمت فيه جنبا الى جنب مع رقيه .
و عادت بتفكيرها الى الليلة الاولى على اليخت عندما ابدى تحولا في معاملته لها ، بعد ان لان لتوسلاتها و خرج من غرفتها دون ان يمسها .
في تلك اللحظة كان صوته لطيفا و معاملته انسانية مما يدل على انه كان قلقا عليها ، و برهن على ذلك في الايام القليلة التي تبعت تلك الليلة و التي تعهد فيها بأن يبقى على وئام معها .

و لكن ما ان اقترب اليخت من جزيرة هيدرا حتى دب الخلاف بينهما من جديد عندما ذكر لها اقتراب ساعة عقد قرانهما الذي يعني نهاية املها .
و زاد في الشقاق في اول ليلة لهما معا بعد مراسيم الاكليل ، عندما حاولت ان تقاومه بكل قواها التي ما لبثت ان تلاشت امام بطشه .
فهدأت تارا جسميا الا انها كانت تقاومه بكل عقلها .
ارادها ليون امرأة خاضعة جسما و عقلا و لهذا لم يتمتع بانتصاره كاملا .

دوخها و هو يؤكد لها ان اساليبه ستتغلب على مقاومتها و ستتشوق في نهاية الامر لتكون بين ذراعيه .
اقرت و الاسى يملأ قلبها بصدق قوله معترفة بضعفها في لحظات كهذه .
كما اعتبرت قوله صحيحا عندما أكد لها ان ديفد لن يستطيع منحها و لو جزءا صغيرا مما يمنحها هو ، فهذا ذو خبرة واسعة مع النساء و ذاك ما زال مبتدئا .

اصبح اليخت كاتانا قريبا من مدخل الميناء .
و اخذت تارا تمتع بصرها بمشهد اليخوت ذات الاشرعة البيضاء و القوارب الصغيرة ذات الالوان الزاهية .
و رفعت نظرها لتشاهد جبل الجزيرة الخالي من اي خضرة .
كان المشهد جميلا جدا .
و الفيللات و البيوت البديعة تنتشر في المناطق العليا من التلال أمام بيوت اهل الجزيرة المتواضعة المدهونة بالابيض و الازرق فكانت متراصة في المناطق الادنى مستوى او منتشرة بمحاذاة الشاطئ يعلوها برج ... كانت الجزيرة جبلية محرومة من الطرق المعبدة ، و حركة السير فيها على الارجل او على الحمير ، و حيث الطرق معدومة تماما يصل الناس الى بيوتهم بواسطة الأدراج الحجرية .
و لما ابدت تارا ملاحظة بأن الجزيرة فريدة من نوعها ، قال ليون بأن كل الجزر الجبلية حيث يصعب شق الطرق مبنية على هذا النسق .

كانت تنظر الى كل ذلك وحدها عندما احست بحركة قريبة منها .
كان ليون خفيفا في حركاته و لهذا اطلقت عليه لقب القط البري .
- انظري ! هذا هو بيتنا .

رأت قصرا جميلا فوق هضبة تطل على الميناء و على خليج سارونيك .
- من المؤكد ان المنظر جميل من هناك .

لو انها اتت الى هذا المكان مع زوج تحبه لكانت اسعد النساء ...
- آمل ان يعجبك القصر يا تارا . سيكون بيتك الابدي من الآن فصاعدا ، و عليه انصحك با تتكيفي مع حياتك الجديدة هنا .
- سأتكيف كسجينة طبعا . اني اتساءل كيف ستتدبر أمر ابقائي هنا ، غير ان لك خطتك التي ستنجح كما نجحت غيرها و لا شك .

كانت و هي تتكلم تشعر بمرارة و أسى شديدين .
- سأقول لخدمي انك تعانين من انهيار عصبي يمنعك من الاختلاط بالناس فيجعلك تتجولين بمفردك .
وبما ان مرضك هذا يقلقني كثيرا و لكي تكوني في أمان فسيراقبك الخدم طيلة الوقت .
هناك بستانيان يراقبانك اثناء تجوالك في الحديقة ، و بلايا التي ستكون وصيفتك الخاصة لن تفارقك و انت داخل البيت . و هي تقوم باعمال اخرى منها الا تتركك تذهبين خارج محيط القصر .

وجدت نفسها مرغمة على الاعجاب به رغم حقدها العميق .
- انت ذكي و ماكر ! و اذا قلت لهم ان كل ذلك كذب في كذب ؟

كان التهكم واضحا في ابتسامته .
- هل سيصدقونك و يكذبون رجلا يعرفونه منذ سنوات ؟ و هل دفعت بك سذاجتك الى الاعتقاد انهم سيخاطرون فيخسرون عملهم من اجلك ؟

نظرت في عينيه مليا و سألته بكل جدية و اهتمام :
- هل يصدقون كل ما تقوله لهم ام انهم فقط ينفذون اوامرك و أعينهم مغمضة دون ان يحاولوا معرفة مدى الصدق او الكذب فيما تقول ؟

احنى رأسه موافقا و قال :
- يتقاضون راتبا مني ، و هم يعلمون ان العمل على هذه الجزيرة صعب المنال . و من حظي بعمل يتمسك به بيديه و رجليه . و انا واثق يا تارا انهم سيعتنون بك اكبر عناية و لن يدعوك تفلتين .
- هل قيام مراقبة مراقبة على مدى اربع و عشرين ساعة في اليوم ممكن ؟

ابتسم كمن يبتسم لطفل ساذج .
- ستكونين تحت مراقبتي فترة لا بأس بها في الاربع و العشرين ساعة اذ انك ستكونين رفيقتي من العشاء حتى ما بعد الفطور من صباح اليوم التالي .

كانت النظرة السامة التي رمته به نقطة ارتباك و ضعف .
- نعم يا سجاني !
- انبهك ألا تتمادي في الكلام . الصبر ليس من صفات زوجك .

تركها فجأة كما اتى خلسة . و عادت تنظر الى اليخوت و القوارب الراسية في الميناء بينما عادت بافكارها الى ديفد .
هل يفكر فيما يكون قد جرى لها من اختطاف و تعذيب او موت ايضا ؟
هل يتوقع اخبارا تقول انهم وجدوا جثة ملقاة في احد الحقول او في حفرة ؟
و تعرف تارا ان كل يوم يمر على ديفد يفقد امله في العثور عليها ، و قد مضى اسبوعان على اختطافها في ذلك اليوم المشؤوم ...

قد يكتشف ديفد انها متزوجة ، و اذا نجحت في الهرب و كان ليون في السجن سيلغى زواجها .
تصورت ليون في السجن يقوم بالاشغال الشاقة و يعيش على الخبز و الماء و ستأسف لانتهاء مدة سجنه !

في تلك اللحظة عاد ليون اليها و فكرت في ايذائه مثل دفعه الى الماء و النظر اليه و هو يغرق .
- اراك تفكرين كثيرا يا تارا .
- نعم . كنت افكر في مدى تمتعي بمنظرك و انت تغرق و تتحول طعاما لكلاب البحر .

قال ضاحكا :
- لا اتصورك امرأة متعطشة للدماء ، و لا توجد كلاب بحر في هذه المنطقة .

و انذرته تارا بيوم الحساب قائلة :
- ان يومي لآت .
- سنرى ياطفلتي . اراهنك على انه لن يمضي شهر الا و تكونين متعلقة بي لدرجة لا تستطيعين معها الا التراجع عن تهديداتك .

متكبر ، متغطرس ، ادارت له ظهرها لعله يتركها فتتخلص منه . و لكنها احست بيدين قويتين تشدان على كتفيها و تديرانها لترى وجها كل تقاطيعه صارمة و فما مطبقا و عينين تقدحان نارا .
توترت اعصابها و نبض قلبها و اسودت الدنيا في عينيها و اخذت شفتاها تتلويان .
- لا تديري ظهرك لي مرة اخرى ! تعلمي اصول الاحترام و الا ...
هز جسمها هزا دل على وزن تحذيره لها .

كانت تارا تبتلع ريقها المرة تلو المرة و هي تحاول التخلص من الاحساس المخيف الذي تشعر به كلما كانت في قبضته هذا الشيطان المتجبر و الذي يجمد فيها قوة التفكير .
- ارفع يديك ، ارجوك ، انت تؤلم كتفي !
- سيؤلمك في جسمك غير كتفيك اذا عاملتني بهذه الطريقة !

كانت تبكي . تركها و لكنه ظل ينظر اليها نظرته الكريهة .
اعتقدت انه سيرغمها على الاعتذار و على الطاعة له .
و لكنه ظل صامتا . كان ينظر الى الجزيرة و الى انوارها المتكاثفة مع غياب الشمس وراء أفق ذهبي اللون اضفى جمالا حتى على الغيوم العالية .

و بدأت النجوم تتلألأ في سماء هيدرا و الهلال من عليائه يطل على العالم .
و كلما اقترب اليخت من الشاطئ توضحت معالم الفيللات و البيوت و التلال التي كانت فيما مضى مأوى للقراصنة الذين جمعوا اموالا طائلة و عاشوا عيشة بذخ و جنون .
و قارنت تارا بين هذه المباني الفخمة و بين البيوت الصغيرة المكعبة الشكل ، و الفرق الشاسع بين ابهة الأولى و وضاعة الثانية .
و لكنها لاحظت ان كل بيت من هذه البيوت الشعبية تحيط به حدائق صغيرة تزينها الازهار ، و لا يخلو من شجرة برتقال او ليمون .
كان الظلام تاما عندما رسى اليخت في الميناء ، و لكي لا يترك لها اية فرصة للهرب امسك ليون بذراعها بقبضة من حديد و حذرها من محاولة القيام بأي شيئ و الا اعادها الى غرفتها على اليخت و اغلق الباب عليها حيث سيبقيها الى صباح اليوم التالي .
اخذا طريقهما عبر ممرات مظلمة و بدأ صعود التل .
و قال لها زوجها ان ثلاثة رجال اشداء سيرافقونهما فتبين لتارا مدى حرص زوجها على سد جميع الطرق في وجهها .
و لكي يؤكد لها ذلك قال بسخرية :
- حاولي الهرب يا تارا و سترين ان ذلك يكلفك غاليا .
منتديات ليلاس
تلفتت تارا حولها و لكنها لم ترى للرجال أثرا .
- انهم لا يزالون على اليخت لينزلوا حقائبنا اذ اني جمعت لك مختلف الثياب من مخازن الازياء في مدن الثغور حيث كنا نرسو .
و ستحصلين على المزيد منها ، كما اني مهتم بأن ترتدي فساتين من نماذجنا .

يعني هذا انها ستلبس فساتين من تصاميم مؤسسته و ستكون دمية يستعملها للدعاية .

و صلا الى الفيلا و كان احد الخدم عند الباب ليستقبل سيد الدار .
أخذ الخادم يبتسم و لكن ابتسامته اختفت عندما وقع نظره على تارا .
- هذه زوجتي يا كليانش . تارا ، هذا احد الخدم .

بدا الرجل مذهولا و قال على الفور :
- زوجتك يا سيد ليون ؟ و لكن الآنسة ...

توقف عن الكلام على الفور و بدا الرعب في عينيه لتسرعه في السؤال .
رمقت تارا زوجها بنظرة خفيفة و رأت الغضب في عينيه .
- اهلا بكما ... سيد ليون ... سيدة ليون .

كان كليانش يتعلثم خوفا من سيده . و استنتجت تارا من ذلك انه قد يعاقب ، و ودت لو تعرف من هي هذه السيدة الاخرى التي هجرها ليون بعد ان اصبحت له زوجة .
لا تستغرب تارا ان يكون لزوجها اكثر من امرأة واحدة في نفس الوقت ، اذ ان بهيميته تسمح له بذلك .

وقف كليانش جانبا فدخلا بهوا واسعا تزينه الازهار و الطنافس و المفروشات العتيقة الغالية الثمن و السجاجيد العجمية و ارض من الفسيفساء .
- اخيرا سيسعد الجميع لأن للسيد ليون زوجة الآن ! نعم ، سيكون لهما اولاد عديدون !

استولى الغضب على تارا التي صرخت في وجهه :
- اذهب الى الشيطان !

نظر الرجل الى ليون مستغربا .
- الى الشيطان ؟ ما هذا ... الى الشيطان ؟
- ان السيدة ليون متعبة . ارسل لنا بلايا لترافقها الى غرفتها .
- حسنا يا سيدي . انا ذاهب لتوي !

قال ذلك و اختفى راكضا ليشيع خبر قدوم العروس .
في تلك الاثناء التفت ليون الى زوجته و عنفها قائلا :
- تعلمي ان تضبطي لسانك . كنت نبهتك الى ذلك من قبل !
- لن اقبل ان يتكلم خادم عن اولاد . لي كرامتي .
- هذه تمنيات طيبة ترافق التهاني بالزواج في بلادنا . و ستعتادين على عفوية اليونانيين و اندفاعهم .
- الرجال منهم . اما النساء فاظن انهن خرس ... بفضل جبروت ازواجهن .
- يا آلهي ! كنت صفعتك الآن لولا مجيء بلايا في اية لحظة !

لم تجب تارا و اخذت تجيل نظرها في انحاء البهو لتتلهى قليلا و تهدأ اعصابها المتوترة .
رأت على الجدران لوحات قديمة و صورا تاريخية ، و فيما هي كذلك اتت بلايا و رافقتها الى غرفة لها سقف عال ابيض موشى بالذهب .
ستائرها تتوهج و السرير مغطى بالمخمل الاخضر .
اما جدران الغرفة فبيضاء و كل شيئ فيها يدل على ذوق سليم ليس فيه تطرف.

وجدت في غرفة الحمام مناشف سميكة من الحرير .
و على الرفوف زجاجات جميلة تحتوي على كل ما تحتاج اليه .
و تساءلت تارا كم من النساء سبقنها و مكثن في هذا القصر .
وجدت بجانب غرفتها غرفة اخرى كان بابها مغلقا .
و حاولت ان تنصت لعلها تسمع صوتا او حركة فيها و لكنها لم تسمع شيئا كانت سجينة بين غرباء و شعرت بالوحدة و الشوق الى من تحب و بالحقد على من اختطفها و أذلها ...

تكذب اذا هي ادعت انها لا تستمتع بعناق ليون .
فليون يسيطر عليها بقوة و جاذبية خارقتين فيغريها بطرق سلسة و يستولي عليها بأساليبه الاخاذة .
اي نوع من المرأة هي ؟ كم من مرة سألت نفسها هذا السؤال منذ ان اختطفها ليون .
قبل ذلك كانت تحمر خجلا اذا حاول رجل ان يتقرب اليها بجرأة مكشوفة .
و قبلت بديفد لأنها وجدته معتدلا و رزينا .
و مع ذلك فهي تتمتع بهذا الرجل الذي تكرهه .
لا تفهم كل هذا لأنها لا تفهم نفسها .

كان هناك باب داخلي يؤدي الى غرفة ثانية .
و جمدت في مكانها عندما رأت مقبض الباب يدور ببطء و دون اي صوت . من عساه يكون ؟ و لما لم يفتح الباب استعمل مفتاحا .
كان رجلا . استدارت تارا لتستنجد ببلايا و لكن هذه لم تكن في الغرفة .
و الرجل هذا كان زوجها و لم تتميزه بسرعة لأن الضوء كان وراءه فبدت تقاطيعه كتقاطيع الشيطان .
اخذت تتفحصه و كلما حاولت ان تتبينه اكثر ترى فيه عدوها اللدود ! و لا تعرف من اين اتتها قوة داخلية مفاجئة جعلتها تصمم على مقاتلته حتى النهاية .
لن تخضع له كما كانت تفعل في السابق .
- تعالي الى هنا !

وجه اليها هذا الامر مشيرا الى مكان عند رجليه .
- اني منشغلة الآن بالنظر الى الخارج .
قالت ذلك و اقتربت من نافذة عليها ستائر غير مسدلة بعد .
- تنظرين في الظلام ؟ لا تكوني سخيفة !
- لست عمياء . استطيع ان ارى .
- ماذا تستطيعين ان تري غير الانوار و البحر ؟
- ماذا تريد ؟

سألته و هي تقترب من النافذة اكثر فاكثر .
- قلت لك ان تأتي الي ، و اذا كان لك قليل من العقل يا تارا فاعلمي اني لست رجلا يتقبل التحدي . أطيعيني حالا !

- اين ثيابي ؟ اريد ان اغتسل ثم اغير .
- ثيابك في طريقها الى هنا .

و أمرها ان تقترب منه عند قدميه .
بدأت دقات قلبها تتسارع و عقلها يعمل و مع ذلك كانت تتقدم نحوه كآلة مسيرة .
- انا ... انت ...
- من حسن حظك انك تحركت في النهاية . كنت على وشك تلقينك درسا لن تنسيه !
- اي انك تستعمل العنف ؟
- أنوي ان اركعك على ركبتيك و ان اذلك .

****************

يتبع...


الساعة الآن 02:03 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية