منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   116 - أريد سجنك - آن هامبسون - عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t95118.html)

redroses309 04-10-08 11:23 PM

116 - أريد سجنك - آن هامبسون - عبير القديمة ( كاملة )
 
السلام عليكم
كل عام و أنتوا بخير
أنا كان نفسي أحط رواية كاملة هدية العيد بس ما قدرت أكتب غير ثلاثة أجزاء من الرواية و الحين أكتب في الرابع
و هذي الرواية البطل فيها يوناني <<<<< و أنا أحب البطل يوناني
بس من جد رواية رووووووعة
إنشاء تعجبكم و لا تبخلوا علينا بالردود الزينة



**********
أريد سجنك !
ل : آن هامبسون

*********************

هناك عواطف غامضة كالهيام لا يمكن سبر أغوارها بسهولة ... تتخذ أشكالا غير متوقعة مليئة بالمفاجآت وقد تغير وجهة الحياة في غمضة عين ...
ليون بتريديس ، الرجل ذو السطوة الرهيبة ... عندما رأى تارا الحسناء كان له حلم واحد : ان يأخذها الى جزيرته الفردوسية في اليونان بأي ثمن ... ولو اصبحت سجينة بالاكراه . انها المرأة التي خلقت له وحده ، دون سواه . أعماه جمالها عن كل شيئ ، حتى المجازفة بحياته ، والسؤال الذي يتبادر الى الذهن هو :
... ألم يكن لتارا رأي في تقرير مصيرها ؟ لماذا لم تحاول الهرب ؟
منتديات ليلاس

************


1 - العاشق البربري

بدا الارتياح على وجه (( تارا بنيت )) و هي تصغي الى الصوت على الطرف الآخر من الخط . لم يتخلف خطيبها مرة واحدة عن الاتصال بها كل يوم في مثل هذا الوقت ، ليذكرها مازحا انها له وحده و الويل لها اذا سمحت لأحد مرضاها ان يغازلها . وسألها ديفد :
-كيف حال جماعتك في المستشفى ؟
- اتانا مريضان آخران في ساعة متأخرة من الليلة الماضية . كانا ضحيتي حادث سيارة ، ولم أرهما الا عندما اتيت الى عملي هذا الصباح . احدهما يوناني متغطرس ! لم أكلمه حتى الآن ولم ألق عليه حتى نظرة . ولكن سو غاضبة عليه لمعاملته لها . وتقول ان من يراه قد يعتقد انه سيد الاسياد .

ضحكت تارا على الخط و هي تستعيد كلام سو و شكلها و هي ثائرة .

- كيف هو ؟ صفيه لي .
- تقول سو انه جميل الطلعة وتعتقد انه في الثانية و الثلاثين ، و لكنه يرفض ان يتكلم عن عمره .

ضحكت تارا مرة أخرى عندما اطلعت خطيبها على ما قاله اليوناني لسو عندما سألته عن عمره . فقد نظر إليها بكبرياء وصرخ في وجهها :

- مالك ولعمري . قومي بعملك و كفي عن توجيه اسئلة تافهة .

علق ديفد على ذلك بقوله :
- لا يدل هذا على ان في الرجل شيئا غير عادي .
- كلا ، ولكن الطبيب المناوب يصر على اجراء فحوص أشعة عليه . لأن الحادث كان مهما ولأن اليوناني ضربته سيارة كانت تسير في الجهة المعاكسة قذفت به على الرصيف . كله رضوض وفي رأسه جرح بليغ .

غير ديفد موضوع الحديث وقال :
- نسيت ان اخبرك يا حبيبتي اننا مدعوان الى مطعم ماري يوم الجمعة . جون هنا في عطلة .
- مدهش ! اذن سيحضر حفلة زفافنا .
- هذا ما اعتقده . مضى عليه سنتان في الخارج و اظن ان مدة عطلته ستكون طويلة . بقي لنا تسعة أيام قبل ان نتحد . يكاد صبري ينفذ .

اكتفت باحاسيسها السعيدة ولم تتكلم . واتجه كلاهما بذهنه في فترة الصمت هذه الى مستقبلهما الذي تأمل تارا ان يكون ورديا مليئا بالبهجة . وسرت كثيرا لصدفة وجود اخيه يوم زفافهما . وخاصة انها بدون اقارب على العكس من خطيبها الذي له والدان و عمتان مسنتان بالاضافة الى اخيه .

قالت تارا :
- يجب ان اتركك لأني سأحل محل التي انتهت من عملها الآن .
قال ديفد مازحا :
- احذري هذا اليوناني اذن ، فان اليونانيين معروفون بأنهم يطاردون النساء .
- لكنه ليس من هذا النوع . و سو هنا الآن تعبس وتشير باصبعها الى غرفة اليوناني .
- من الصعب اغاظة سو ، اليس كذلك ؟
- ان سو من اهدأ الناس ... و هذا هو الشيئ المطلوب في مهنة التمريض . وداعا يا حبيبي . سنلتقي هذا المساء .

نظرت تارا الى سو وقالت هذه الأخيرة :
- انه حيوان وقح !

دهشت تارا لهذه العبارة لان سو لا تتلفظ بعبارات بذيئة تسيئ الى مرضاها مهما كانت مضايقاتهم لها .
- ارجو الا يضايقني يا سو .
- انه مصر على الخروج لكن الدكتور جيمسون شدد على ان نبقيه تحت المراقبة مدة من الزمن .
- ليس في استطاعتنا اجباره على البقاء اذا هو اراد الخروج ، و الدكتور جيمسون يعرف ذلك كما نعرفه نحن ايضا .
- يبدو ان الدكتور جيمسون غير مقتنع بأن الانسان لا يصيبه اذى داخلي في حوادث كهذه .منتديات ليلاس

لم تقل تارا شيئا ، و بعد بضع دقائق دخلت الغرفة الخاصة حيث اليوناني حاملة صينية قهوة وبعض البسكويت . و كانت قد توقفت قليلا قبل دخولها ريثما يهدأ نبضها المتسارع .

كان اليوناني واقفا امام النافذة ينظر الى الخارج . كان طويل القامة ، عريض المنكبين نحيل الخصر ، وله جسم الرياضيين . دار على نفسه و ذكرتها تقاطيع وجهه الجانبية بتلك التماثيل اليونانية التي شاهدتها في المتحف . لاحظت بروز ذقنه وخط فكه الناعم وانفه المعقوف ...

وقف امامها الآن وجها لوجه ... ولم تدر لماذا أجفلت . ربما كانت عيناه ، و هما سوداوان فيهما لمعان البلور الاسود ، ترمقانها دون ان ترفا ، ! ثم اتسعت فتحتهما وبدا لها انهما نفذتا الى صميمها . لم يتحرك اليوناني . وكان يخيل لمن يشاهده انه تحت تأثير التنويم المغناطيسي ... كما لو كان ينظر الى اشياء موجودة في غير هذا العالم .

- ق ... قهوتك .

تأتأت تارا ولكنها لم تتحرك من مكانها . كانت ساقاها ضعيفتين و ذهنها مرتبكا . وشيئ فيها يحس بأن تيارا كهربائيا يدور في حلقات عبر الغرفة تمر بينها وبين الرجل الواقف امامها . لم يظهر اي دليل في وجهه على تأثر معين او ابتسامة . واستطاعت ان تلاحظ و لكن بصورة غير واضحة لون جلده الكثير السمرة ، وعظم وجنتيه المنخفض الخاص بالجنس اليوناني ، وشعره الاسود الكثيف الممشط الى الوراء . تذكرت ان سو قالت انه جميل الطلعة . ولكنها لم تره كذلك ، بل ان ملامحه تدل على غطرسة وعلى انه قاس ومترفع .

لم ترى تارا في حياتها وجها يؤثر هذا التأثير في الناظر إليه . كلا ، انه ليس جميلا في نظرها على الاقل . و بالمقارنة معه ... ديفد ليس بهذا الطول . ولكن تقاطيعه ناعمة ولطيفة وعينيه صريحتان ، وفمه ممتلئ و الشفتين فيهما حنان ، بعكس فم هذا الرجل ذي الشفتين الرقيقتين اللتين تدلان على قسوة . و بالرغم من ذلك فيهما شيئ يبعث الدغدغة في ظهر تارا . تكره تارا ان تجد نفسها وحيدة معه .

تابع الرجل نظره فيها مدققا في جمال تقاطيعها الخارق و انفها الصغير .
في شفتيها القرمزيتين الجميلتين الدائمتي الانفراج . و لاحظ الدهشة او شيئا من الخوف في عينيها الزرقاوين . وشعرت هي بهذا الخوف في عينيها . ولكنها لم تفهم مصدره . وكانت جفونها ترف و استطاعت بذلك اخفاء ردة الفعل في عينيها . و لكنها لم تستطع ان تخفي احمرار وجهها . وغضبت من نفسها لأنها لم تجد في نفسها القوة على الكلام او حتى السير نحو الطاولة لتضع القهوة عليها .

و أخيرا تكلم اليوناني . ولم تكد تارا تستبشر بزوال الصمت حتى تولاها احساس جديد بالخوف او الحذر عندما سمعت رنة صوته الغريبة و لكن الجميلة التي كان يشوبها قليل من اللكنة الاجنبية .
- نهارك سعيد . انت ممرضة النهار على ما اظن ... ما اسمك ؟

بلعت ريقها بشكل ظاهر . و اخذت الافكار تدور في رأسها مثل دوامة .
لماذا أربكها صوت الرجل ؟ لم يقل غير بضع كلمات و لكنها رأت معاني كثيرة في تلك الكلمات البسيطة . سمعت نفسها تتمتم اسمها و احست بالدم يصعد الى وجهها . و اتى الى اذنها صوت الرجل و هو يعيد اسمها بنغمة ناعمة ولطيفة .

قال اليوناني عالما بارتباكها :
- تارا ... لا ، ليس هناك ، بل على هذه الطاولة الصغيرة هنا .

تيبست في مكانها لأن الطاولة الصغيرة كانت قريبة منه كثيرا .
- انا دائما اضعها هنا .

اتجهت نحو الطاولة . ودهشت لأنه لم يوقفها نظرا لسطوته التي قد تخضع لها دون ارادة لو انه أعاد طلبه لتضع الصينية حيث يريد .

و بعد ان وضعت القهوة على الطاولة سمعت صوته يوجه اليها امرا قاطعا ومزعجا :
- تعالي الى هنا !

حملقت فيه ولعنت ضعفها امامه . اين مواقفها الجريئة مع مرضاها ؟
وماذا حل بصوتها الثابت وبنبرته الخاصة التي تجعلهم يطيعونها ؟
- يجب ان ... ان اذهب .

ولكنها لم تتم عبارتها عندما اشار اليها بيده . و رأت عينيه نصف مفتوحتين وفيهما نظرة رهيبة .
- تعالي هنا يا تارا .

كان صوته ناعما ولكن فيه نبرة جعلتها تنظر حولها و تتجه نحو الباب بضع خطوات . لماذا لم تحذرها سو من ذلك ؟
- قلت تعالي هنا .

ظل صوته ناعما . ولكنها لم تدر لماذا اخذت تقترب منه وتطيع امره كأنها دمية آلية . غير انها توقفت فجأة كأنما لتقاوم هذه المغناطيسية الخفيفة التي كانت تشدها اليه .
- قلت انه يجب ان اذهب مستر بتريدس ، واظن ان الطبيب سيراك بعد ساعة تقريبا .

فهمت تارا من سو ان الرجل يحتج كل مرة و يؤكد رغبته في ترك المستشفى . الا انه ادهشها عندما اومأ برأسه موافقا .
- سأعود لأخذ الصينية في خلال نصف ساعة .
- اظن اني طلبت اليك ان تأتي الى هنا .

استدارت تارا و الغضب في عينيها و قالت :
- لا اعرف سبب مناداتك لي يا مستر بتريدس ، و طلبك هذا يدهشني كثيرا . فالمرضى لا يعطون الاوامر للمرضات .
و هنا ايضا توقفت عن الكلام عندما تقدم نحوها بخفة القط البري .

**********

- لا تكن سخيفا !
وافلتت من قبضته .
- انك شيطان مجسم ! سأشكوك !

كانت غاضبة ومرتبكة معا لأن اليوناني عندما قال انها استسلمت كان صحيحا .
و لو ان استسلامها لم يكن طوعا بل ضعفا ، ولكن ما الفرق بالنسبة له ؟ و شعرت بالعار و الاشمئزاز من نفسها . وفكرت في
ديفد الذي خانته دون ارادتها . وفكرت في سو
وتساءلت لماذا لم يعرض عليها هذا اليوناني عواطفه غير المحدودة .

قال الرجل وهو يتأمل في صدرها الذي كان يخفق بسرعة :
- لا اصدق انك ستعرضين شكواك من هذا المشهد اللذيذ يا تارا . انت استمتعت به كما استمتعت انا . لا تنكري ذلك . تكفين عن المقاومة اذا كان العناق يروق لك . انك لم تمانعي .
- آراؤك في جرأتك الغرامية متكبرة يا هذا !

لماذا تلفظت بهذه العبارة او تكلمت بهذه الطريقة لا تدري . هي تدري فقط انها تغلي من الغضب ولو استطاعت لتسببت له في اذى . نظرت الى الربطة التي تعصب الجرح في جبينه و تساءلت اذا كان هذا الجرح أثر في دماغه . لكنها ابعدت هذا الاحتمال اذ ان عقل الرجل سليم كعقلها . هذا الرجل يستغل كل دقيقة ليستمتع بملذات الحياة و فيض حيويته الداخلية يستحوذ عليه ، كان الله في عون زوجته اذا كانت له زوجة ... فهي ستكون عبدته ليس عقليا فقط بل جسديا .

- اكتشفت ان النساء يجدن متعة في ... في اعتباراتي لهن . و انا اكيد من انك وجدت متعة انت الاخرى .
- انك تتكلم كشخص مجنون ! اما بصدد تقديم شكوى ضدك فسأفعل ذلك حالما اخرج من هنا !

قالت ذلك وجرت نحو الباب دون اعتبار لكرامتها كسيدة وفتحته وخرجت .

كريه ، كريه ! من المؤسف ان الحادث لم يقض عليه كليا . ولكي لا تعود اليه لتأخذ الصينية ، تدبرت في ايجاد ممرضة اخرى غيرها لتنوب عنها ، ولكنها حذرتها من هذا الذئب المفترس .
- لقد اوقعك ، هيه ؟ هذه هي مفاجآت غرف الذكور . و لكن اذا تجرأ و حاول ان يتخطى الحدود سيذوق صفعة لن ينساها هذا المغازل !

بالطبع لم تطق تارا صبرا لمعرفة ما يكون حصل بينها و بين اليوناني عندما ذهبت لتأخذ الصينية .
سألتها و هي ترى هدوء الفتاة :
- كيف كان ؟
- لم يتفوه و لا بكلمة واحدة . كان هادئا و بعيدا . تطلع في وتناول كتابا .

قطبت تارا ما بين حاجبيها ثم قالت :
- غريب جدا ... لم يتحايل على سو ايضا .
- ربما وقع في حبك من النظرة الأولى .
قالت الممرضة ذلك وخرجت تاركة تارا في حالة ذهول ...

و سألت نفسها لماذا عدلت عن تقديم الشكوى ضد هذا اليوناني المغرم .

التقت ديفد ذاك المساء وذهبا لتناول العشاء في مطعم رويال اوك .
وكانت تارا وهي جالسة قبالة ديفد تقارن بين وجهه السمح و وجه اليوناني .
وعبست لأن وجه هذا المخلوق يغزو افكارها ، و لكن ديفد لم يلحظ هذا العبوس في ضوء الشموع التي كانت تزين مائدتهما الا بعد ان رأى شرودها :
- هل كان يومك شاقا في المستشفى ؟ الهذا تعبسين ؟

اومأت برأسها ، ثم سألها ثانية :
- كيف كان اليوناني الذي تكلمت عنه ؟ آمل الا يكون قد تكلم معك بوقاحة كما تكلم مع سو.

بلعت تارا ريقها بصعوبة وهي تتساءل كيف يكون رد فعله اذا قصت عليه حادثة الصباح ، ولكنها كانت خجلة متضايقة من نفسها لاقتناعها بأنها لم تخلص للشخص الذي تحبه .
ربما كان يجب عليها ان تقاوم بقوة اكثر وان تطيل مدة مقاومتها . ربما كان بوسعها ان تمنعه من معانقتها بالمرة . و بان لها ضعفها في استسلامها بتلك السهولة .
نعم ، كان عليها ان تقاوم ، و لا غرابة اذا هي شعرت بالذنب . ذكرها ديفد بأنها لم تجبه على سؤاله بعد .
نظرت اليه وأملت الا يكشف ضوء الشموع عن تعابير وجهها .
- كان مزعجا بعض الشيئ .

كانت تعرف ان هذا الوصف أبعد ما يكون عن الحقيقة ، ثم اضافت قائلة :
- انه مريض وسيئ الخلق . كلمتك عن هذا النمط من قبل .
- من المؤكد ان مسلكهم يؤثر على الاعصاب . هل ما زال في المستشفى ؟
- رحل بعد الغداء .
سألها مقطبا :
- هل ودعك ؟
- كلا ، لم افكر فيه مطلقا .

لم تذكر لديفد انها سعت جهدها كي لا تكون في طريقه ساعة رحيله .

- تخلصتم منه اذن ! اتعلمين حبيبتي ، سأسعد كثيرا اذا تركت عملك بعد زواجنا .
- نعم ، ولكن بعد زواجنا بفترة قصيرة . اصبر قليلا يا ديفد لأن علينا تأثيث بيتنا وأقتناء اشياء اخرى قبل مولودنا الاول .
قال مبتسما :
-هذه فكرة حسنة ، و نحن متفقان على ان الأم تلزم بيتها لأجل اولادها .


في صباح اليوم التالي اتى البواب بباقة فخمة من الورد و قدمها لتارا مهنئا اياها على حظها السعيد .
- انها جميلة حقا ، ولكنها ليست لي ، و ربما ارتكبت خطأ بتقديمها لي .

فكرت ان الباقة أرسلها احدهم الى مريض عزيز عليه ، وطلبت ان تقرأ البطاقة .
وتناولت الباقة التي كانت مكونة من حوالي ثلاثين وردة يربطها شريط فضي .

نظر البواب الى تارا مبتسما و هو يرمقها باهتمام جديد :
- انها لك . ارسلها معجب اسمه ليونيدس .

ليونيدس ... توترت اعصابها . انه اليوناني ! يا لجرأته ! احمرت من الغضب وكادت تمزق البطاقة لولا وجود البواب الذي كان ينتظر ردة فعلها .
قالت و هي تحاول ان تبدو طبيعية :
- شكرا يا بيل ، هذا من مريض يريد ان يعبر عن شكره ، و لكن لا يجب ان يبذروا مالهم بهذه الطريقة . رغم ان نيتهم حسنة .

قال بيل بفتور :
- طبعا ، لكنها تساوي ثروة .

و رغم غليان الدم في جسمها لم تجرؤ تارا على رمي الباقة في القاذورات .
أغراها جمالها فأرادت ان تعتني بها وترتبها في وعاء كبير . و زادت من رونقها عندما قطفت أورقا خضراء من حديقة المستشفى و رتبتها حول الورود .
كان الجميع يريدون معرفة اسم من ارسلها و لمن ارسلها .
لم ترد تارا ان تكذب . ولكنها ايضا لم تكن تنوي ان تكشف عن مرسلها اليوناني الذي سمع عنه كل نزلاء المستشفى منذ ان اذاعت سو اخباره على الملأ ، فقالت ان البواب أتى بها و ان البطاقة ضاعت .
و بالفعل رمتها تارا في صندوق الزبالة .

قيل لها فيما بعد انها مطلوبة على الهاتف وكان المتكلم ليونيدس بتريدس .
سألها اذا احبت الورود .

فأعادت السماعة الى مكانها فورا ، و لكنها بدأت تنتفض . ماذا يجب ان تعمل ؟
ترددت في السابق بين ان تطلع خطيبها او لا تطلعه على الامر .
ولكنها حسبت حساب للنتائج ، وكان هذا خطأ منها لأن خطيبها أول من تلجأ اليه في الصعوبات او كلما احتاجت الى مساعدة او نصيحة . لذا قررت ان تتجاهل اليوناني اذ انه سرعان ما سيمل من هذه السخافات .
ولكن بينما كانت تترك شقتها ذلك المساء في مبنى الممرضات الجديد وهي في طريقها إلى محطة السيارات رأت نفسها وجها لوجه معه .

صرخت في وجهه قبل ان يتكلم :
- اذهب عني ! واذا تابعت مضايقتي فسأطلب الحماية من الشرطة !

قال مشيرا الى سيارة بجانب الرصيف :
- انسي هذا . ادخلي و سنتكلم بهدوء ، و لن يكون جوابك رفضا يا تارا .

و لما حاولت ان تقاطعه اضاف :
- يجب ان نتكلم ، اتفهمين ؟ تلاقينا في الحياة وليس من السهل ان يختفي احدنا عن الآخر . لذا ، ارجوك ، ادخلي السيارة و ...
- هل تفترض انني ذلك النوع من الحمقى ؟

ولما حاولت ان تبتعد عنه اعترض طريقها و أوقفها . دارت بنظرها حولها لعل احدى الممرضات تراها من احدى النوافذ الكثيرة في المبنى .
- مالذي يجعلك تعتقد اننا يجب ان نتباحث ؟ هذا شيئ لا اتصوره. ارجوك ، دعني اذهب . يجب ان استقل السيارة !
- اين وجهتك ؟
كان صوته خافتا و لكن فيه وقاحة .
- انا اوصلك .
قالت حانقة :
- خطيبي ينتظرني ، لذا فابتعد عن طريقي .
- خطيبك !

نظر الى وجهها الجميل الذي زادت من جماله هالة من الشعر الذهبي ، بتسريحة طويلة ذات اطراف متموجة كأنها ترفض ان تكون ملساء مثل باقي شعرها . وكانت خصلة تتوج جبينها العريض الذكي وتتموج الى ان تصل صدغها .
- خطيبك ... ؟ انت مخطوبة و ستتزوجين ؟

كان صوته اجوف و حيرها هذا التغير المفاجئ فيه .
- نعم .

اجابته بكلمة واحدة فقط وشعرت كأنها ضربت انسانا في صميمه و آلمته .
- و الآن يا سيد بتريدس ، ارجوك ان تدعني أمر . فان سيارة الباص قد تأتي في اية لحظة ... ها هي قد اتت ، يجب ان اذهب .
- كلا !
كان صوته آمرا و وجهه قاسيا كوجه وثني . واضاف :
- سأوصلك انا بنفسي .

حاولت الافلات منه ولكنه بقي في مكانه يسد عليها الطريق .
و نظرت الى الباص وقد مر عنها ، فقالت يائسة :
- أرأيت ؟ هاقد ذهب . سيقلق علي خ ... خطيبي . اوه ، لماذا تضطهدني هكذا ؟
- الم تحزري ؟
- أحزر ؟

هزت رأسها و هي اعجز من ان تفكر في اي شيئ سوى ديفد الذي ينتظرها عند موقف الباص . واضافت مستوضحة :
- احزر ماذا ؟
- انسي ما قلته . ادخلي السيارة الآن و سأقودك الى خطيبك .
اقتنعت اخيرا بصدق كلامه . ودخلت السيارة .
- حسنا سأدخل .

لم تطق لمسة يده و هو يحاول مساعدتها في دخول السيارة ، حيث جلست جامدة تتوجس شرا وتشك في انه سيوصلها الى خطيبها . لماذا وثقت فيه ؟ الم تختبر معاملته لها ؟
- اريد ان اتكلم معك يا تارا . هل انت مستعجلة حقا للقاء خطيبك هذا ؟
- انه ينتظرني عند موقف الباصات .
- اذن لدينا بعض الوقت لألحق بالباص .

قال ذلك و اندفع بسيارته فدخل شارعا تزينه اشجار على جانبيه . كان الوقت غسقا في اول ايام شهر نيسان ( ابريل ) . و بدأت ترتجف و لكنها لم تصرخ اذ انها لم ترى فائدة ترجى من احتجاجاتها . وتوقف ليونيدس بتريدس على بقعة خضراء بجانب الطريق .
تمهل قليلا ، ثم نظر اليها وقال :
- انك لن تتزوجي خطيبك الذي تتوقعين ان تلتقي به . خطيبك ليس من نصيبك .
- ماذا تقول ؟ انت لا تعرف خطيبي . و في اعتقادي انك معتوه . آه ، كان يجب ان اطلب حماية الشرطة منذ البداية .
تطلع فيها بدهشة بريئة وسألها :
- ماذا عملت ؟
- عانقتني بالقوة و أرسلت لي زهورا واتصلت بي هاتفيا ! و الآن اجبرتني على دخول سيارتك ...
خف صوتها و هي تلفظ العبارة الأخيرة عندما رأته يبتسم .
- هل تفترضين ان مثل هذه الاشياء ستقنع الشرطة لتقوم بحمايتك ؟ انا لم اجبرك على دخول السيارة يا تارا . انت دخلتها باختيارك ، وسأفي بوعدي و آخذك الى خطيبك ولكن بعد ان نتحادث . إلا اننا لن نصل الى نتيجة اذا بقيت متمسكة بادعاءاتك ضدي . لذا انصحك اذا كنت فعلا تريدين ملاقاة خطيبك ان تكوني اكثر تفهما ريثما نناقش اقتراحي .

- اقتراح يا سيد بتريدس ؟
- ليونيدس ... كما هو مكتوب على البطاقة التي كانت مع باقة الورد . واصدقائي ينادونني باسم ليون فقط .

كانت جلسته جانبية ولذا كان أسهل عليه ان ينظر اليها مباشرة .
- بما اني لست صديقة لك و لن اكون ، فسأناديك سيد بتريدس و اكون ممتنة اذا ناديتني بالآنسة بنيت . و اقتراحك هذا ، اذا رأيت من الضروري ان تعرضه علي ، فأرجوك ان تسرع بعرضه و تأخذني بعدها الى خطيبي .

ورغم انها تتكلم بهدوء كان قلبها يخفق بسرعة .
رأت نفسها في عالم كله ظلام حيث تنتظر المجهول او القدر .
و بالفعل نزل القدر وتكلم :
طلب اليوناني منها ان يتزوجها .

عندما تذكرت هذا فيما بعد و هي صافية الذهن انقشع عنها ذلك الضباب الذي كان يلفها و هي في السيارة .
عندما تقدم بطلب يدها و هي تنظر اليه مبهوتة سألت نفسها لماذا لم تقفز من السيارة وتهرب .
شعرت في حينه كأنها فريسة لتأثيره ذي القوة المغناطيسية التي سمرتها في مكانها وأرغمتها على سماع حديثه .

أكد لها انه يسعدها بحياة هنيئة في فيلا بيضاء و زرقاء على جزيرة هيدرا في اليونان . و انه سيكون لها خدم و مصروف جيب يزيد عن حاجتها . ولم تحاول مطلقا ان تقاطع كلامه الذي كان ينساب من فمه بسهولة مدهشة وكان أشبه بقصص الخيال . انها تحلم وتهذي .
هذا لا يحدث في الحياة الحقيقية .
انهى كلامه و انتظر ردها عليه و لكنها بقيت حالمة .
- لم تقولي شيئا بعد يا تارا .
نظرت اليه و تأملت وجهه فرأت دلائل العزم في كل تقاطيعه و شعرت بقوة عينيه التي تؤثر في الناس وترغمهم على الخضوع لرغباته . تكلمت بسرعة لتظهر له انها لم تقع تحت سطوته :
- اني سأتزوج من ديفد خلال ثمانية ايام يا سيد بتريدس .
- ثمانية ايام !

تفرس فيها بعينيه السوداوين . ودفعتها غريزتها الى وضع يدها على عنقها دفاعا عن النفس .
من المؤكد ان هذا الرجل يريدها الى درجة انه عرض عليها الزواج مستثنيا
اياها من بين كل النساء اللواتي يعرفهن .
و للوصول الى مراده قد يفعل اي شيئ ، وراودها الشك في انه سيقتل خطيبها . ورسخ شكها في ذهنها عندما قال :
- لن تتزوجي من احد غيري في ثمانية ايام .

استولى عليها خوف غامر مدها بالشجاعة الكافية لتقفز من السيارة وتركض
بسرعة دون توقف الى ان وصلت الطريق العام . لحق بها ولكن في الوقت الذي استغرقه ليغير اتجاه السيارة ويصل الى الطريق العام كانت تارا قد اختفت داخل حرش مجاور حيث قبعت بين الاشجار و انتظرت الى ان رأته يتجه بسيارته على طريق الباص .


*******************


2 - عروس في المرآة

وقفت تارا وهي لابسة فستان العرس الابيض مع سو التي ستكون لها وصيفة
الشرف و اخذت هذه الاخيرة الفستان فوجدته في منتهى الكمال .
- كم جميلة انت في هذا الفستان ! لم أرك أجمل من اليوم يا تارا !
توردت وجنتا تارا لهذا الاطراء وشعرت بسعادة لا توصف .
اليوم ستكون العروس المحبة لشخص يحبها و ينتظرها ليعلن انه لها وأنها ستكون زوجته الى الابد . كانت واقفة امام المرآة وتنهدت :
- اوه ، اليوم انا اسعد من يكون ! بعد ساعة و نصف سأصبح السيدة ديفد روثويل .

وفجأة جمدت في مكانها . ولم تعد ترى أو تعي شيئا غير وجه اسمر اللون لشخص يقف امامها ... واخذ اسمه يطن في اذنيها ... " ليون بتريدس " يتبعه لقب
" السيدة ليون بتريدس "
... قد يكون اسمها لو قبلت به .
- تارا ، مابك ؟
كان صوت سو مفعما بالقلق و الذهول و لكنه ازال الطنين من اذني تارا .
- كان مظهرك مظهر أسى !
اي انك بدوت حزينة ... نوعا ما .
- كيف تتكلمين هكذا ؟

كان صوتها شبه مخنوق الا انها حاولت تغطية ما حل بها و قالت :
- انا اسعد فتاة في العالم !

لكن فكرها اتجه الى ذلك اليوناني الذي اتى ورآها في اليوم الثالث بعد هربها منه . كان ذلك عندما خرجت ذلك المساء مع ديفد و اوصلها في آخر السهرة الى مبنى الممرضات في المستشفى . وقفت تارا عند المدخل واخذت تلوح له بيدها مودعة . و بعد ان اختفت سيارة ديفد عن الانظار وارادت ان تدخل وجدت نفسها فجأة بين ذراعي اليوناني الذي لم يمهلها حتى لتتنفس ، اذ هجم عليها يعانقها بعنف .
عادت هذه الذكرى اليها وهي واقفة امام المرآة في فستان العرس .
و اصابها الخجل من نفسها لأنها قصرت في اخلاصها لديفد .
فهي لم تصرخ بعد ان هدأ جنونه وابعدها عنه قليلا و اخذ يتفرس في وجهها على ضوء المصباح الكهربائي . لم تستطع الهرب لانه كان ممسكا بها . لكن لماذا لم تصرخ ؟

* * *

بدا ديفد مجرد ظل غير واضح .
طلب ليون بتريدس ان تتفوه باسمه فاطاعته على الفور ، و قال ان القدر جمعهما فوافقت ، وطلب اليها ان تفسخ خطوبتها مع ديفد فوعدته بذلك .
كانت هجينة بين يديه ، بين يدي هذا اليوناني الذي انحدر من الاساطير الاغريقية ...

برز القمر و اضاء وجهها وسمعت اليوناني يهمس
في اذنها :
- انا سيدك . انا امتلكك روحا وجسما . ستأتين الي . ستكونين امرأتي . و سنكون سعيدين الى الابد .
وستسحرك جزيرتي يا تارا . جزيرتي بلا طرق و هذا يعني بلا ضجة .
وعندما تقفين امام الفيلا سترين الجبال والوديان و البحر الازرق الهادئ امامك
وعن يمينك و عن يسارك . ستزين الزهور شعرك و المجوهرات عنقك .

انحنى ليعانقها فرفعت وجهها اليه و عانقته ، وبعدها رجته كي يدعها تذهب و اعطته وعدا بانها ستكون زوجته ...

أتى الصباح و أتى معه الاحساس بالعار و مرارة الحقيقة . ارادت ان تبكي ندما على ضياع براءة نفسها ... ارادت ان تطلب العفو باكية لأنها فقدت قدسية قلبها التي كانت تسحر خطيبها ديفد و هو يناديها " يا طفلتي العزيزة " .
لم تعد تلك الفتاة الخجولة ...

خدرها اليوناني بألاعيب حبه الماكرة و لكنها ما زالت تكرهه كرها عميقا . لماذا القى بها القدر بين مخالب هذا الغريب ؟ لعنت تلك الساعة التي قذفت فيها القدر باليوناني الى حياتها ، بعد ان كانت تحيا حياة هدوء و براءة ، وبعد حب ناعم لا اثارة فيه لكنه مع ذلك زمالة كله عطف وحنو و رقة .

اتى هذا اليوناني بحب هائج كالعاصفة لا حدود لقدرته في اثارة العواطف و نبضات القلب . حب اكتسح كل شيئ امامه وحرمها من كل شيئ الا من لذة الساعة .
و بالرغم من كل ذلك حاولت تارا ان تبعد اليوناني عن ذهنها . و لتنجح في ذلك طلبت من ديفد ان يأتي اليها كل مساء ليصطحبها معه و يعيدها الى شقتها في المستشفى حيث كان ينتظر الى ما بعد دخولها .

اتصل بها ليون واتفقا على موعد للقاء في أحد فنادق المدينة و لكنها لم تذهب . و كانت قد طلبت من عاملة الهاتف الا توصله بها و ان تقول له انها في العمل او في الخارج او اي شيئ آخر ... لأنه كما قالت لها يضايقها كثيرا .

واقترب يوم عرسها دون ان تقابله و لا مرة واحدة .
وشعرت بالأمان و الاطمئنان و مضى بعض الوقت قبل ان يخبروها بوصول التاكسي .
افاقت تارا من هذه الذكريات على صوت سو .
وتناولت باقة القرنفل الابيض والزهري .
و من تقاليد الزفاف ان يصطحب العروس من البيت الى مكان عقد القران والدها او صديق للعائلة . و كان سيرافق تارا صديق يسلمها الى عريسها عند المدخل .
دخلت تارا التاكسي و اخذت مكانها بجانبه وكان يبتسم لها .
وعندما نظر اليها جايك هتف باعجاب :
- ما شاء الله ! جميلة ! ... ان ديفد محظوظ ! و لكن لماذا لم اسبقه و احظى بك ؟
قال ذلك مازحا وضجك كلاهما . و كانت سعيدة . فقد ابعدت ليون عن تفكيرها و تطلعت الى هذا اليوم الجميل و الى شهر العسل بعد حفلة الاستقبال في فندق غولدن لايون .
و اثناء الطريق لاحظت تارا ان التاكسي كان يتمهل في سيره و لفتت نظر جايك الى ذلك . فقال ان السائق ذكر له ان في المحرك بعض الخلل .
و لكنه طمأنها الى انهما سيكونان هناك في الموعد المحدد .
ولكن بينما هم في الطريق اهتزت السيارة مرتين او ثلاثا ثم توقفت . قلق كل من تارا و جايك لهذا الطارئ . و اتى السائق و فتح الباب بعد ان تفحص المحرك وقال معتذرا ان فيه عطلا و سيفحصه ثانية .
تفرست تارا في وجه الرجل و قد لفتت طريقة لفظه انتباهها .
لغته الانكليزية ممتازة ولكن فيها لكنة غير انكليزية تماما .
شعره اسود كعينيه وجسمه برونزي اللون .
من اي بلد هو ؟ ان بريطانيا تعج بالاجانب و من الصعب معرفة اصلهم
- لا تقلقي . اذا لم ينجح في اصلاح العطل فنستطيع ان ناخذ سيارة اخرى .
قال جايك ذلك ليطمئنها .
و بالفعل اسرع سائق السيارة بتأمين تاكسي آخر . و اسرعت تارا في الانتقال من التاكسي الاول الى الثاني لأنها لا تريد ان تتأخر عن الوصول الى المعبد عند الوقت المحدد تماما .
لم يتحرك سائق السيارة الثانية من مكانه .
فأسرع سائق السيارة الاولى بفتح الباب لتارا تدخل وتحتل مكانها .
و فيما هي تنحني لتدخل دفعها السائق الى الداخل و اغلق الباب بسرعة .
و اندفعت السيارة بها كا البرق الخاطف .
مضى بعض الوقت قبل ان تعتدل في جلستها وترتب ثوبها و تنتبه الى ان جايك لم يكن معها في السيارة .

نبهت السائق و قالت له :
- نسيت السيد الذي في رفقتي ...
- اجلسي و استريحي يا تارا . الطريق امامنا طويل .

كان صوت السائق هادئا ، بطيئا جعل قلب تارا يخفق بسرعة خشيت معها ان يقفز من صدرها . واحست بدوار في رأسها .
-قف ، قف حالا . انزلني الآن . انزلني !

نزع بتريدس القبعة عن رأسه ومسح شعره بيده ،
ثم قال :
-قلت استريحي . سأسرع كثيرا وعليك الا تفتحي الباب .
-سأفتحه . سأفتح النافذة و اصرخ .

كانت السيارة تسير بسرعة ستين ميلا في الساعة .
و اخذ دماغ تارا يعمل بسرعة علها تجد وسيلة تخرجها من هذا المأزق .
عرفت الآن انها أكثر حماقة مما تصورت .
فقد اطمأنت الى انها تحايلت على هذا اليوناني وتخلصت منه اخيرا و لم يخطر ببالها أنه سيلجأ الى هذه الوسيلة الجهنمية .
- لن تفلت من هذا ابدا لأنهم يكونون قد اتصلوا بالشرطة الآن و من المؤكد ان شريكك موقوف .
أجابها ليون :
- يا عزيزتي ، انت لا تعبرين الا عن أمنية . ان الرجل الذي ساعدني كان موظفا عندي و ارسلت في طلبه منذ بضعة ايام ليساعدني على اختطافك بعد ان تأكد لي انك تراجعت عن وعدك بالزواج مني .
والآن ساصطحبك الى بلدي اليونان . و يكون مساعدي قد اختفى عن الانظار قبل ان يفطن صديقك الى المؤامرة وسيكون في انتظارنا على زورقي في بريدبورت .
- زورق ؟ أنت تأخذني الآن الى زورق ؟

لم تتأكد أنها سمعت صوتها . نظرت الى باقة الزهور التي في يدها و لم تتمالك من البكاء .
توسلت اليه ان يدعها و شأنها :
- ارجوك ارجعني . ماذا تتوقع من اختطافي ؟ لا ادري ما الذي ستربحه !
سيلقى القبض عليك و سترسل الى السجن . ألست خائفا ؟
- هل يبدو علي الخوف ؟

سألها ساخرا ، ثم وجه اليها سؤالا كان هو الجواب :
- تسألينني ماذا سأربح . زوجة ، اسمها تارا ، تلك الفتاة التي وعدت و التي تراجعت عن وعدها .

صوته ناعم ، لطيف يخفي وراءه غيظا شديدا و غريزيا . سرت قشعريرة برد في جسمها .
- لن اتزوجك ابدا ، ابدا . ولن تمنعني اية قوة من زواجي بديفد .
كانت غاضبة و خائفة . و هذا الاجنبي ؟
كان هادئا و واثق من نفسه غير عابئ بالجريمة التي ارتكبها ... وكان صمته يثير حقدها عليه .
- انت مجنون ! لا تستطيع اخذي الى اليونان بدون ارادتي ! كيف ستأخذني الى هناك ؟ لا توجد اية وسيلة .

قالت ذلك في محاولة يائسة لتعطي نفسها بعض الثقة . وكانت تشك بذلك منذ البداية .

- قلت اننا سنستقل زورقا . و آمل ان تعودي الى رشدك و انت على الزورق .
و الا سأسجنك في غرفتك و اقفل عليك بالمفتاح و لن تخرجي منها الا في نهاية الرحلة .
زاد من سرعة السيارة الى ثمانين ميلا ، و اضاف :
- القدر جمعنا و القدر لا يحارب يا تارا .
لأن ذلك كان مكتوبا قبل ولادتنا .
- تتكلم كالأحمق !
- و انت تتكلمين بدون تحفظ . أحذرك من ذلك لأني لا أقبل ان يكلمني احد بدون احترام .

صرفت اسنانها و انساها غضبها كل شعور بالخوف . فقالت :
- اذا اعتقدت اني سأحترمك فانك احمق ... ابله ! من يحترم مجرما ... مختطفا ؟
- امرأتي ستحترمني كما يحترمني كل من له علاقة بي .
سألته بفضول :
- و من عساك تكون ؟
- زوجك ... و سيدك .

ودت لو تضربه لو ان ذلك لا يعرض حياتها للخطر . فأخذت تفكر في طريقة للخلاص ... آه ، وجدت الحل و خفق قلبها لهذه المفاجأة . صرخت بانتصار :
- جواز سفري ! كيف تخرجني بلا جواز سفر ؟

كان النصف الآخر من عبارتها خاليا من الحماس لأنها في الوقت نفسه رأته يخرج شيئا من جيبه و يلوح به في وجهها .
- انت ... سرقته ... و لكن كيف ؟
- مساعدي ، سائق التاكسي ، تسلل الى غرفتك بسهولة كبيرة كما قال .

اعاد ليون جواز السفر الى جيبه وزاد من سرعة السيارة . و رأت الشجر يركض الى الوراء بسرعة شديدة .
وكانا الآن يقتربان من مصيف بريدبورت الجميل .
لكنها ستهرب و أملها ان تجد طريقة ما .
اذ كيف يستطيع ان يحملها على الصعود الى الزورق بالرغم منها امام الناس ؟

redroses309 04-10-08 11:26 PM

3 - سجينة اليخت


كان الوقت ليلا عندما وصلا الى الميناء ، و قبل ان تدير تارا رأسها لترى ما حولها وضع احدهم يده على فمها و دفع بها الى قارب صغير لنقلها الى يخت اليوناني .
طار مشروعها بالاستنجاد بالناس و طارت معه آمالها .
و مما زاد في يأسها المعاملة الخشنة التي لقيتها و هي تنقل من السيارة الى القارب الصغير ثم الى اليخت .
واخيرا الى غرفتها .
اخذت تتفحص الغرفة .
فوجدتها مصنوعة من الخشب التيك الرقيق و كانت تسمع من خلاله اصواتا مكبوتة . كان ذلك هدير الآلات و المحركات .
وكان ليون قد ذكر لها ان في اليخت سبع غرف او قمرات بالاضافة الى شقة
لطاقم الملاحين .
اما شقة صاحب اليخت فهي مجهزة و مفروشة بأحسن ما يجده الانسان في ارقى الفنادق .
غرفتها لا تشبه غرفته طبعا الا انها مزودة بخزانة للثياب و بزاوية لطيفة للزينة .
كان الفراش ناعم الملمس عليه غطاء من الحرير فوق حرام أزرق .

جلست تارا على السرير و الدموع تسيل من عينيها .
واخذت تتحسر على ما
فاتها من سعادة بسبب هذا اليوناني الضاري الذي اوقعها في قبضته .
و لولاه لكانت الآن زوجة سعيدة تمضي شهر العسل في فندق مريح .

لم تكف عن البكاء و لكنها عادت الى افكارها السابقة .
ماذا جرى ياترى بعد ان اختفت ؟
بالطبع اول ما يقوم به جايك هو الاتصال باقرب مقر للشرطة . وتقوم الشرطة بالبحث عنها فلا تجدها ، و لن تجدها . و كيف سيجدونها .

لن تفكر الشرطة ان هناك صلة بين اختفائها و بين مالك اليخت كاتانا الراسي في ميناء دورست .
تذكرت تارا اول مقابلة لها لليوناني في غرفتها بالمستشفى ، وعضت اصابعها ندما لأنها لم تخبر ديفد بمعاملته لها ، و بما انها لم تطلع اى انسان على علاقتها به فلن يذكر اسمه في تحقيقات الشرطة .
هذه نتيجة حماقتها .
كانت لديها كل الاسباب لتشكو منه و مع ذلك احتفظت بها سرا .

فتح الباب و رأت ليون واقفا في المدخل متكئا بيد على دعامة الباب و اليد الاخرى في جيبه .
كان وجهه مشرقا بابتسامة ساخرة و وقفته وقفت انتصار و تحد . الا انها كانت ايضا وقفة ارستقراطية ، يونانية ، وثنية .

كانت عيناه السوداوان تتحركان ببطء و بوقاحة و هما تتفحصان الجالسة على السرير في ثوبها الابيض . كان منظرها من سخريات القدر مضحكا و مبكيا في آن .

- من المؤسف انه لا يوجد كاهن ليقوم بمراسيم الزواج .
خاصة و انت جاهزة لمناسبة كهذه .
كان تعليقه فيه تهكم آلمها ، لكنها امسكت عن البكاء .
و احتارت بين ان تتهدده او تتوسل اليه و لما رفعت نظرها و رأت سحنته المتحجرة ادركت تفاهة محاولتها . فهمست سائلة :
- ما هي نيتك تجاهي الآن ؟

فقط لو تكف عيناه عن
التطلع فيها بسخرية .

ضحك قليلا ثم تكلم بجد :
- هذا سؤال سخيف يا عزيزتي . نواياي تعرفينها جيدا ... هذه اول مرة تكون نيتي فيها شريفة حقا : اني اريد ان اتزوجك .

كان و هو يتكلم ينظر الى وجهها الجميل و رأسها المنحني و قوامها الرشيق و يديها اللتين كانت تفركهما بعصبية .
- يجب ان تفخري و تشعري بالسعادة لا ان تكوني بائسة حزينة كأن مأساة حلت بك .

و فجأة تحول صوت الغريب الى لهجة فيها شدة وعزم و شيئ من الحدة :
- هل تريدينني ان ارغمك على الابتسام ام انك ستبتسمين طوعا ؟

كان جوابها دموعا تسيل بغزارة :
- ارجوك ، دعني اذهب . اتوسل اليك ، ! ارجعني ، ارجوك ! ارجوك !
أتعيدني الى البيت اذا وعدت ب ... بعدم ابلاغ الش ... شرطة ؟
- هل قمت بهذه العملية الخطرة حتى تأتي انت و تقنعينني بان اعيدك ؟
- الا قلب لك ؟ كنت على وشك الزواج ... و الذهاب الى شهر العسل .
كن رحيما معي و دعني اعود الى الرجل الذي احب .

قالت هذا و يداها مضمومتان و مرفوعتان امام وجهها تتوسلان .
عبثا حاولت .
ظل واقفا غير متأثر بتوسلاتها و كانت عيناه تنظران اليها بلا شفقة و لا تتحركان . تذكرت كيف سحر عينيها في احدى المرات بجاذبية مغناطيسية و جعلها تخضع لارادته .
- تعتقدين انك تحبين ذلك الشاب ، ولكني اؤكد لك عكس ذلك . و ان زواجك سيكون نكبة عليك . انا انقذتك و ستشكرينني يوما على ذلك .

قالت بصوت تخنقه العبرات :
- لن اشكرك ابدا . من اين لك الحق ، انت الغريب ، تتدخل في حياتي ؟
- لن اتدخل في حياتك فقط بل سأتحكم بها ايضا .

صدمها هذا القول . من هو حتى يعين نفسه طاغية على الغير ؟ ثار فيها شعور بالغضب نسيت معه خوفها و بؤسها و أملها الضائع .
- اخرج من هنا و اتركني وحدي ! اخرج و لا تعد مرة اخرى !

و لكنه على العكس مما كانت تأمل ، اقترب منها و تناول يدها .
- فيك جرأة و انا احب المرأة الجريئة . و لهذا السبب افضل الانكليزيات على اليونانيات اللواتي تعلمن ان يكن متواضعات .

شد على يدها بقوة عندما حاولت سحبها من يده و هو يتكلم .
- الا انه لا يجب ان تظني اني سأمنح امرأتي الحرية بأن تتعدى المعقول في كلامها و مسلكها . و الرجل اليوناني سيد في بيته و انا يوناني .

لم يعجبه انها لم تكف عن البكاء . قال :
- آمل انني اوضحت الامور الآن .

رفعت نظرها اليه . كانت شاحبة اللون و اتخذت وضع كرامة و احتشام لعل ذلك يؤثر فيه اكثر من اوضاع الغضب و البكاء . أجابت :
- كل التوضيح ، و بما اني لست امرأتك فان التقاليد اليونانية لا تعنيني .

ضحك مرة اخرى . اوقفها على رجليها و جذبها نحوه ثم رفع وجهها اليه . توترت اعصابها و لكنه انحنى ببطء و عانقها بليونة .
- يمكنك ان تستمري في النظر الي بغضب و لكن غضبك سيتحول الى رضى بعد لحظة .

كادت تبصق في وجهه .
- الى رضى ! آراؤك بشخصك متكبرة !
- علمتني خبرتي معك اكثر مما توقعت انك ستكونين رفيقة مذهلة في الليالي .

نسيت موقف الكرامة الذي ارادته لنفسها و تملكها غضب شديد لحقيقة ما نوه به .
- اتركني ، و الافضل ان تتركني لأنني لن اكون امرأتك ، ابدا !
- ستكونين لي لأنني مصمم على ان تكونين لي يا تارا ، بزواج او بغير زواج . لذا من الانسب ان تتقبلي ما هو محتوم .
وعلى هذا طوقها بذراعيه في عناق .

* * * * * *

- نعم ، من المحزن عدم وجود أحد لعقد قراننا .
- ان وجد احد ام لم يوجد عندي سيان . لن اتزوجك .
- لن يفيدك عنادك .
- ... الذين سيخدمونك سفلة مثلك .
- لي بينهم اصدقاء . صدقيني ، سنتزوج .
- يعني ذلك انكم ستجرونني الى المعبد بقوة السلاح ؟
- لن نحتاج الى هذه المسرحية .
- كيف ستجبرني اذن ؟

وجهت اليه هذا السؤال و هي تحاول ان تتصور ما يحدث الآن هناك في المستشفى .
و في بيت ديفد الذي لابد ان يكون غارقا في حزن عميق .
و في والديه اللذين احباها و احبتهما و في اخته ماري التي كانت بمثابة صديقة لها . تصورت الفوضى التي تكون قد دبت في المعبد حيث المدعوون في انتظارها ، و فكرت بموقف جايك الذي كان مؤتمنا عليها ليوصلها الى عريسها امام المحراب . و مرة اخرى لعنت تارا نفسها لأنها لم تخبر انسانا عن مضايقات اليوناني و تحرشه بها .
- اذا رفضت الزواج الشريف فستكونين امرأة غير شرعية .
لم تجب بشيئ لأنها فطنت الى فكرة ربما كانت دخانا في الهواء و لكنها قد تنفع .
- اعتقد انك ستختارين طريق الزواج لأنك من النوع الذي يرفض حياة الخزي و العار.
- لن اكون لا زوجتك و لا شيئا آخر !
- كلام مدهش يطيره الهواء . انت في قبضتي و تعرفين ذلك . استطيع ان استولي عليك في هذه اللحظة بالذات .
منتديات ليلاس
جفلت من تهديده هذا .
وترددت قبل ان تقول له ما في ذهنها . نظرت اليه و كان نظره مسلطا عليها يعريها من كل قوة . الا انها ستحاول ، فقد تنجح :
- هل تعتقد فعلا انك ستنجو من العقاب لاختطافي ؟ الم يخطر لك اني اطلعت صديقاتي و غيرهن على علاقتك بي ومعاملتك لي ؟

ضحكت لتظهر له انها صادقة فيما تقول . واضافت :
- كثيرون هم الذين يعرفون قصتك معي . خطيبي يعرف و بعض ممرضات المستشفى ، و ما على الشرطة الا ان تقوم ببعض التحريات لتتبع آثارك .
و سيلقى القبض عليك حالما تصل الى اليونان ... ستحاكم وتسجن سنوات و سنوات ...

وخف حماسها و هي تحاكمه و تسجنه سنوات و سنوات عندما رأته يبتسم لسذاجتها . و بلعت ريقها بصعوبة لتقديرها الخاطئ و فشلها في سبر اغوار هذا الرجل الخارق . قال مبتسما :
- يا طفلتي الصغيرة ، انت شفافة كالزجاج . استطيع ان اقرأ افكارك ، اذ انك اخترعت كل هذا منذ لحظات .
- انت مخطئ . كل ما قلته صحيح . انني احذرك و ستندم اذا لم تهتم بهذا التحذير !
- محاولتك هذه حسنة ، و لكن يبدو انك نسيت وعدك بألا تخبري الشرطة اذا انا اطلقت سبيلك . و وعدك لا يفيد بشيئ طالما الشرطة تبحث عني الآن . هذه هفوتك الاولى . اما الهفوة الاخرى انك كنت تتوسلين باكية كي اعيدك الى بيتك . فلماذا التوسل اذا كان الكل يعلم بأمري و الشرطة جادة في انقاذك ؟ لست تلك الفتاة التي تتوسل كالجبناء ...

صرخت في وجهه :
- لست جبانة !
و نظرت اليه كمن يحاول قتله .
- كما قلت لك انت جريئة ولزمك الكثير لتتنازلي و تتوسلي الي . و ما كنت توسلت الي لو كنت تعلمين ان الشرطة تبحث عنك .
- اكرهك . لقتلتك لو استطعت .
- الآن فقط . اما في المستقبل فسأغيرك و ستختلفين عما انت عليه الآن .

اطبقت فمها و ادارت وجهها عنه . ترك الغرفة ثم عاد بعد لحظات بثلاث علب من الكرتون وضعها على السرير و قال :
- يجب ان تغيري ملابسك . لا تستطيعين التنقل في ثوب العرس . اتيت لك بثياب خارجية ارجو ان تعجب ذوقك و بملابس داخلية تعجب ذوقي .
نظرت اليه حانقة .
- انت ذهبت لتشتري ملابس ... داخلية ؟

ضحك و قال ان عملا كهذا ليس غريبا عنه .
- صديقاتي يتوقعن مني هدايا كهذه ... أغلاها طبعا .

رأى ان نظرة الاحتقار و الاشمئزاز كانت حقيقية في عينيها .
و هذا اغضبه حقا و لكنه لم يفعل شيئا سوى ان يعض على شفتيه .
- من الواضح ان نسوتك كثيرات .
- عدد لا بأس به . الا تريدين فتح العلب ؟
- كلا ، لا اريد .

مد يده و أمرها ان تفتحها .
- لن افتحها . لا اريد هداياك ، كما تسميها انت !
خذها الى احدى صديقاتك .

اغمض عينيه الى النصف و هددها قائلا :
- أطيعيني . و اذا كنت تعرفين المزيد عني لن تنتظري طلبا ثانيا .
- تعني أمرا ثانيا .
- مزاجي لا يتحمل جدلا تافها يا تارا . افعلي كما اقول لك حالا .

هزت رأسها رافضة . و لكنها خشيت موقفه الذي قد ينقلب الى غضب حقيقي .
- لا اريد هدياك .

و صرخت من الألم عندما لوى معصمها و صرخ فيها كالرعد :
- افعلي ما اقوله لك و الا ارغمتك على ذلك و قد اؤلمك و اهينك .

تأكدت تارا من حدة غضبه ، فاتجهت نحو السرير و فكت رباط احدى العلب و رفعت غطاءها .
- اخرجي ما فيها . سيفرحك ذلك كثيرا .

اخرجت رزمة في داخلها قميص نوم يبدو شفافا او شبه شفاف . و رمت بالرزمة على السرير ثم التفتت اليه و الدموع تملأ عينيها .
- دعني اذهب . لم اتسبب لك في اي اذى ، لذا ارجوك ، اعتقني .

كان يهز رأسه بالرفض حتى قبل ان تنهي كلامها .
تملكها يأس شديد و غطت وجهها بيديها . و لكن قبل ان تبدأ بالبكاء رفع يديها عن وجهها و اخذها بين ذراعيه بشيئ من الحنان .

- لا تكوني حزينة هكذا .
صدقيني ، المسألة ليست بهذا السوء . اساس حزنك قائم على تفويت فرصة الاكليل عليك و حرمانك من الرجل الذي كنت ستتزوجينه .
سيكون كل ذلك في خبر كان عندما نصبح زوجا و زوجته . و ستعرفين حينئذ انه مكتوب لي ان اكون زوجا لك و حبيبا.

امال رأسها قليلا الى جنب و ربت خدها بلطف قائلا :
- ابتسمي . لا يزعجني اكثر من منظر امرأة تبكي . افتحي الآن علبة ثانية ، و لكن افرغي ما تبقى في هذه .

رأت تارا انه من الحكمة ان تطيعه .
اخرجت ملابس داخلية و قميص نوم آخر و تنورة .
و طلب ان تفتح العلبة الثانية ثم الثالثة .نثرت كل شيئ على السرير ، فكان هناك فستانان وتنورتان و ثلاث بلوزات و عدة ملابس للسباحة او الاستحمام على اليخت .
و كل قطعة تحمل ماركات باريس . بعد ان انتهت من التأمل فيها نظرت اليه و قالت :
- لا شك انك غني .
- املك ما فيه الكفاية .
- انك تملك اكثر من اللازم .

اغضبه كلامها قليلا وحذرها قائلا :
- انتبهي . حتى الآن تعرفين الجانب الصالح في ...

ضحكت قائلة :
- بل الاصلح ...
ثم اضافت :
- اذا كان هذا احسن شيئ فيك ارجو الا ارى فيك أي جانب آخر !

تقدم نحوها ببطء دون ان يرفع نظره عنها .
فهمت حركته و تراجعت .
- انت اردت ذلك . فإما ان اجعلك تفهمين او اني سأهينك .

تناولها بين ذراعيه و ضمها بعنف و اعاد مشهد العناق بطريقة اسوأ من سابقتيها . كان فيها وحشية لم تعهدها فيه .
قاومت بشدة و بقوة و لكن اين ضعفها من بطشه .
و في النهاية كانت تنفذ ما يطلب منها لكن دون ان تتعدى طلباته حدود العناق .
اشمأزت من نظرته المألوفة بعد كل عناق من هذا النوع ، اي نظرة النصر ،
نصر القوي على الضعيف .

وبالرغم من قهرها ظلت تغلي حنقا . وعضت اصبعه الذي كان مازال يلامس فمها .
صرخ من الألم و اخافتها نظرته المستهجنة و حاولت ان تهرب الا انه امسك بها من شعرها و شدها كالوحش الى الوراء .
و شعرت بألم شديد و صرخت هي الاخرى .
- يالك من ... شقية ! سأكيل لك الصاع صاعين .

وضع يده على عنقها و اخذ يضغط تدريجيا الى ان اتسعت فتحتا عينيها و بان فيهما خوف كبير .
اكتفى بهذا و رفع يده عنها و قال بصوت هادئ :
- هذا انذار فقط ضد اية محاولة جنونية اخرى مثل هذه .
- اني اكرهك و سأقتلك اذا سنحت لي الفرصة .

كان وجهها اقرب الى وجوه الاموات لخلوه من الدم اثر هذه المعركة .
- جربي أحد الفستانين .

قال ذلك و جلس على كرسي بجانب المرآة .
- اذا كنت مرغمة على ان اجربه اتركني وحدي في الغرفة .
- لماذا هذا الخجل و نحن مقبلان على الزواج بعد بضعة ايام ؟
- كلا ، لن تنجح في ارغامي على الزواج و لن يخاطر اي كاهن بذلك !
- قلت اننا سنتزوج في خلال بضعة ايام .
جربي الفستان الازرق . احب ان ارى كيف تظهرين فيه .

ظلت واقفة و في عينيها حقد ظاهر .
- ماذا تجني من القاء الاوامر ؟ اخذتني من خطيبي و دمرت حياتي .

لم تتم كلامها لأن البكاء تغلب عليها .
- ليتني اموت ! دعني اذهب . لا تستطيع ان تتقبل امرأة تكرهك و تتمنى ان تراك ميتا عند قدميها !
- قلت لك ان شعورك سيتغير و لن تكوني كما انت الآن .

مد رجليه الى الامام مشيرا بذلك الى انه باق ، ثم اضاف :
- كفاك تفكيرا في الماضي . تطلعي الى المستقبل .

ادارت اليه ظهرها و بدأت برفع فستانها .
- ليس لي اي مستقبل و لا ارى نورا في حياتي و انا سجينتك .

نهض و قال انه سيعود بعد خمس دقائق ليراها في الفستان الازرق .
اقفل عليها الباب و سمعت اصواتا في الخارج .
ربما كان يصدر تعليماته الى افراد اليخت اذ ان اليخت بدأ يتحرك . و رأت من كوة غرفتها ان اضواء الفنادق تبتعد الى الوراء .
وخرج اليخت من المرفأ مما يدل على ان اجراء معاملات السفر قد تم .
هذه لحظة انتقال بين ماضيها و مستقبلها و لحظة كئيبة في حاضرها .
الا توجد وسيلة للهرب ؟
قد يأتي يوم تنجح فيه .
و لكن قد يحدث الكثير الى ان يحين ذلك اليوم .

و بدأت تبكي ، الا انها توقفت قائلة لنفسها ان البكاء لا يفيدها ، و استبدلت الدموع بالعزم على مقاتلته بكل الطرق الممكنة و في كل الظروف .
و سيأتي اليوم الذي يلعن فيه الساعة التي جمعته بها .

خلعت فستان العرس و وضعته على السرير.
وقارنت بين شعورها منذ بضع ساعات مضت عندما لبسته بمساعدة سو و شعورها الآن و هي تنزعه .
كانت حياتها هانئة سعيدة .
كلها ورود . وجودها على زورق اليوناني الغريب لا يصدق ، و فوق كل ذلك هي سجينة .
بينما يتخبط خطيبها في الظلام ليعرف ماذا حل بخطيبته .
انه يلاحق الشرطة لتحل لغز اختفائها او يلوم جايك على إهماله .
لكنها طردت من فكرها كل هذا و ركزت قواها جميعا على شيئ اكثر الحاحا : ايجاد طريقة للهرب .

كانت ترتدي الفستان الازرق عندما عاد ليون الى غرفتها .
تفحص كل شيئ فيه و وجده كاملا .
- جذاب ! اللون يليق بك تماما و ينسجم مع عينيك . و الآن ضعي ثوب العرس جانبا و الى الأبد او يمكنك القاؤه في البحر .
هزت رأسها رافضة :
- كلا ! لن ألقيه .
- اذن سأرميه بنفسي .

اسرع نحو الفستان ، فستان آمالها ، و حشاه في احدى علب الكرتون وحمل العلبة . و قال قبل ان يخرج :
- اظن انك جائعة الآن ، وسنتناول طعام العشاء في الصالون . ولكن اذا حدث ان ملت الى اثارة أحد مشاهدك الصاخبة فان بحارتي
وكلهم يونانيون لن يصغوا الى تذمرك او شكواك حسب تعليماتي لهم .
ولا تأملي في اية طريقة للهرب .
- بل هناك طريقة واحدة ... اقذف بنفسي في البحر .

قال ببرود مطلق :
- سننتشلك ، و ان حاولت ذلك ، فسأصفعك . وبعد قليل سيأتي احد البحارة ليعلمك بموعد العشاء ، في حوالي عشر دقائق . اسمه كارلوس و سيرافقك الى الصالون .
- لن اتناول اي طعام .
- ستفعلين ما يقال لك .

خرج غاضبا و اغلق الباب بالمفتاح .


************
يتبع...

majedana 05-10-08 03:08 AM

اختيارك للروايات راااائع

هاي الرواية بتجنن وانا بمووووت فيها

محتفظة فيها عندي وما ببدلها ههههههههه

تسلم ايديك



redroses309 05-10-08 05:37 AM

:flowers2:
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة majedana (المشاركة 1672834)
اختيارك للروايات راااائع

هاي الرواية بتجنن وانا بمووووت فيها

محتفظة فيها عندي وما ببدلها ههههههههه

تسلم ايديك



الله يسلمك
و أسعدتيني بمرورك يا قمر

s\s 05-10-08 06:07 AM

اختيار يجنن


الساعة الآن 12:31 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية